الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 465075 / تحميل: 8986
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

واختلاف الفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب (الأمر الثالث) أنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول بادلة حجية الخبر إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس لو لم نقل بان نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا، وكذا إذا لم يكن متضمنا له بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس إلا انه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه باحكامه وآثاره وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس بلا بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه اشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك كما أن المنصرف من الآيات والروايات على تقدير

______________________________

 (قوله: واختلاف الفاظ) معطوف على اختلاف نقل الاجماع (قوله: موهون جدا) لعدم الوثوق بصدق الناقل لو لم يكن الوثوق بخطئه (قوله: متضمنا له) يعني لرأي الامام (ع) (قوله: لنقل السبب) أي نقل رأي غير الامام وتسميته سببا بلحاظ مقام الاثبات أي كون العلم به سببا للعلم برأي الامام، وأما بلحاظ مقام الثبوت فالأنسب أن يكون رأي غيره مسببا عن رأيه (قوله: فيعامل حينئذ مع) سيأتي انشاء الله أنه لا فرق في إثبات الخبر كسائر الامارات بين المدلول المطابقي والتضمني والالتزامي وبين اللازم العقلي والعادي والاتفاقي لأنه كما يكشف عن المدول المطابقي. يكشف عن جميع المداليل المذكورة فإذا كان دليل الحجية مطلقا دل على حجيته في الجميع (قوله: الناقل بوجه) سواء أكان الوجه عقليا أم عاديا أم اتفاقيا (قوله: أظهره عدم نهوض) يعني أن أدلة الحجية للخبر لا تشمل الخبر عن حدس بل قد يدعى دخوله في معقد الاجماع على عدم حجية رأي المجتهد بالنسبة إلى مجتهد غيره إذ لا فرق بين نقله لرأى المعصوم معتمدا على قاعدة اللطف أو الملازمة بين الحكم العقلي والشرعي أو قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت العمل أو غيرها من القواعد التي تقع

١٠١

دلالتهما ذلك خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة. هذا فيما انكشف الحال وأما فيما اشتبه فلا يبعد أن يقال بالاعتبار فان عمدة أدلة حجية الأخبار هو بناء العقلاء وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم انه عن حس يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس حيث أنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشئ على التوقف والتفتيش عن أن عن حدس أو حس بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك. نعم لا يبعد أن يكن بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك امارة على الحدس أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة. هذا لكن الاجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا فلا اعتبار لها ما لم ينكشف ان نقل المسبب كان مستندا إلى الحس فلابد في الاجماعات المنقولة بالفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة الفاظها ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل

______________________________

في طريق استنباط الاحكام والتفصيل بلا فاصل (قوله: دلالتهما ذلك) أي غير ذلك أي ما كان عن حس (قوله: فان عمدة أدلة حجية) بل لو كان المستند فيها الآيات والروايات وكانت منصرفة إلى خصوص الخبر عن حس جاز الاعتماد مع الشك لبناء العقلاء على كون الخبر عن حس مع الشك في كونه كذلك فلا فرق في بنائهم على ذلك بين كون دليل الحجية الآيات والروايات أو نفس بناء العقلاء فتأمل (قوله: يعملون به فيما يحتمل) وإن لم يكن ظهور شخصي في كونه عن حس، ويشهد له عدم صحة الاحتجاج عند ترك العمل بالخبر باحتمال كونه عن حدس فلاحظ (قوله: حال الناقل) بملاحظة كونه من أهل التبحر والاطلاع والتثبت في النقل وانه لا يعتمد على ظاهر كلمات مشايخه في نقل الاجماع أو على بعض الوجوه التي يراها طريقا إلى فتوى الاصحاب في المسألة، ولا يبعد أن يكون الجامع لمثل هذه الصفات جماعة من المتأخرين كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني واضرابهم من المتبحرين المتثبتين قدس الله أرواحهم (قوله: وخصوص موضع النقل) بملاحظة كونه محررا في كتب الاصحاب أو مهملا في اكثرها

١٠٢

فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل فان كان بمقدار تمام السبب والا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الاقوال أو سائر الامارات بانه تم فافهم (فتلخص) بما ذكرنا أن الاجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي الامام (ع) بالتضمن أو الالتزام كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه (ع) وما نقله من الأقوال بنحو الجملة والاجمال وتعمه أدلة اعتباره وينقسم باقسامه ويشاركه في أحكامه وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية وأما من جهة نقل السبب فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الاقوال التي نقلت إليه على الاجمال بالفاظ نقل الاجماع مثل ما إذا نقلت على التفصيل فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الامارات مقدار كان المجموع منه وما نقله بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه أو ما له دخل فيه وبه قوامه كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل وخصوصية القضية الواقعة المسؤول عنها وغير ذلك مما له دخل في تعيين مرامه - عليه السلام - من كلامه. وينبغي التنبيه على أمور (الأول) أنه قد مر أن مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا

______________________________

 (قوله: تمام السبب) بان كان المقدار المنقول ملازما لرأي المعصوم بحيث يلزم من العلم به العلم به والا فلا يجدي النقل ما لم ينضم إلى المنقول ما لم انضم إليه لكان العلم بهما موجبا للعلم برأي المعصوم (قوله: إذا كان من نقل) قد عرفت أن أدلة الحجية بعد ما كانت لا تصلح لاثبات حجية الخبر عن حدس فلا وجه للالتزام بحجية الاجماع المنقول من حيث حكاية رأي المعصوم حتى عند من يرى الملازمة بل ليس الحجة الا نفس حكاية السبب الكاشفة عن ثبوت المسبب عند المحكى له من جهة بنائه على الملازمة لا حكاية نفس المسبب ولو عند من يرى الملازمة كما هو ظاهر، وعبارة المتن لا تخلو من ابهام (قوله: ولا تفاوت في اعتبار الخبر)

١٠٣

لقاعدة اللطف وهي باطلة، أو اتفاقا بحدس رأيه (ع) من فتوى جماعة وهي غالبا غير مسلمة وأما كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في ألسنة الاصحاب كما لا يخفى بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله - عليه السلام - على نحو الاجمال في الجماعة في زمان الغيبة وان احتمل تشرف بعض الاوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا فلا يكاد يجدي نقل الاجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز

______________________________

يريد أن يدفع اشكالا يرد على حجية الاجماع المنقول إذا لم يكن حاكيا لتمام السبب، وحاصله: أن بعض السبب إذا كان لا يترتب عليه الاثر وانما يترتب على التمام امتنع أن تشمله أدلة الحجية لأنه لابد من الأثر المصحح للتعبد كما لا يخفى وحاصل الدفع: أنه يكفي في الأثر المصحح للتعبد الأثر الضمني إذ لا ريب في حجية قول كل واحد من جزئي البينة مع أن الأثر لا يترتب إلا على تمام الخبرين ومجموعهما فكذا في المقام، ويشهد له أيضا ما ذكره من حجية الخبر الحاكي لبعض الخصوصيات التي لها دخل في الحكم مثل خصوصية السائل والزمان والمكان وغيرها مع أنها لا يترتب عليها تمام الأثر بالضرورة (قوله: لقاعدة اللطف) وهي التي اعتمدها الشيخ (ره) في حجية الاجماع، وحاصلها: أنه إذا أجمعت العلماء على رأي لابد أن يكون موافقا لرأي المعصوم (ع) لأنه يجب لطفا عليه الظهور أو إظهار من يبين الحق في تلك المسألة فلو كان العلماء على خلاف رأيه عليه السلام لردعهم وبين لهم الحق (قوله: وهي باطلة) إذ لا دليل عليها من شرع أو عقل، أما الاول فظاهر، وأما الثاني فلعدم حكم العقل بوجوب ذلك على الامام كما عن السيد المرتضى فقد قال في محكي كلامه: أنه يجوز ان يكون الحق فيما عند الامام (ع) والاقوال الأخر تكون كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لانا إذا كنا نحن السبب في استتاره فكلما يفوتنا من الانتفاع به وبتصرفه من الأحكام نكون قد اوتينا من قبل نفوسنا ولو ازلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى الينا الحق الذي عنده

١٠٤

من لفظه بما اكتف به من حال أو مقال ويعامل معه معاملة المحصل (الثاني) أنه لا يخفى أن الاجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر فلا يكون التعارض إلا بحسب المسبب وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل لكن نقل الفتاى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ لا يصلح لان يكون سببا ولا جزء سبب لثبوت الخلاف فيها الا ذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه السلام لو اطلع عليها ولو مع اطلاعه على الخلاف، وهو وان لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد إلا انه مع عدم الاطلاع عليها الا مجملا بعيد

______________________________

انتهى. قال الشيخ (ره) في العدة بعد نقل هذا الكلام: وهذا عندي غير صحيح لانه يؤدي الى انه لا يصح الاحتجاج باجماع الطائفة أصلا لانا لا نعلم بدخول الامام (ع) الا بالاعتبار الذي بيناه فمتى جوزنا انفراده (ع) بالقول ولا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالاجماع... الخ، وما ذكره الشيخ (ره) من الوجه كما ترى ومثله ما اشار إليه في كلامه الذي يرجع إلى أنه لو لم يجب عليه الظهور لم يحسن التكليف، فان ذلك لو تم لاقتضى وجوب اظهار الحق لكل احد من الامة وهو كما ترى ايضا فانه قريب من بعض شبهات التصويب، فلاحظ وتأمل (قوله: من لفظه) الضمير راجع إلى النقل (قوله: بما اكتنف) الباء بمعنى مع يعني ان نقل الاجماع حينئذ يكون اجداؤه من حيث كونه نقلا للسبب فلابد حينئذ من ملاحظة ظاهر النقل ولو من جهة الفرائن المكتنفة به حالية أو مقالية، فان كان ظاهرا فيما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة على رأي المعصوم ويكتفى به وإن لم يكن ظاهرا في ذلك وحصل له من غير جهة النقل ما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة والا فلا ينفع شيئا كما تقدم (قوله: فلا يكون التعارض الا) التعارض - كما سيأتي انشاء الله - تكاذب الدليلين وتنافيهما بحسب المدلول المطابقى أو التضمني أو الالتزامي فإذا نقل الاجماع على حكم والاجماع على

١٠٥

* فافهم (الثالث) انه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواثر وانه من حيث المسبب لابد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الاجماع بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم بها

______________________________

خلافه فهما من حيث حكم الامام (ع) متعارضان لتنافيهما فيه، واما من حيث السبب وهو نقل آراء غيره من العلماء، فان كان ظاهر نقل الاجماع حكاية آراء جميع العلماء كما لو كان مبنى الناقل قاعدة اللطف كان النقلان متعارضين أيضا لامتناع اجتماع العلماء على الحكمين معا فيكون النقلان أيضا متنافيين، وان كان ظاهر النقل حكاية آراء جماعة منهم حصل للناقل القطع برأي المعصوم (ع) من القطع برأيهم لحسن ظنه بهم لم يكونا متعارضين وجاز صدق كل منهما معا وحينئذ يثبت الخلاف عند المنقول إليه ولا يترتب على كل واحد من النقلين أثر إلا إذا كان السبب في أحدهما ملازما لرأي المعصوم (ع) لخصوصية فيه دون الآخر فيكون ذلك النقل حجة لدلالته بالالتزام على رأي المعصوم وكذا لو كان السبب في أحدهما قد انضم إليه ما يلازم رأي المعصوم مما حصله بنفسه أو نقله له ثالث غيرهما لكن الفرض الأول استبعده المصنف (ره) (قوله: فافهم) لعله اشارة إلى عدم الفرق بين الاطلاع الاجمالي والتفصيلي فان الاطلاع التفصيلي إذا كان ملازما لرأي المعصوم (ع) كان نقله ولو اجمالا حجة لانه مدلول التزامي للمنقول فتأمل أو إلى منع الا استبعاد لاختلاف حال الناقل عصره ومشايخه الذين اعتمدهم ومجرد الخلاف لا أثر له وكم من مسألة ليس المستند فيها إلا الاجماع مع وجود الخلاف وسبر المسائل الفقهية شاهد بذلك والخلاف إنما يقدح في الاجماع بناء على قاعدة اللطف لا غير (قوله: من حيث المسبب لابد) المتعارف من نقل التواتر نقل السبب ولا يرتبط بنقل المسبب بالمرة فلابد من اجراء أحكام نقل السبب لا غير عليه (قوله: لابد في اعتباره) يعني انما يعتبر نقل التواتر بلحاظ نقل السبب إذا كان يتضمن نقل مقدار من الأخبار بحيث تكون ملازمة للمسبب بنظر المنقول إليه أيضا هذا ولكن عرفت أن نقل المسبب إذا كان مستندا إلى الحدس لا يكون

١٠٦

ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه كما إذا اخبر به على التفصيل فربما لا يكون إلا دون حد التواتر فلابد في معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحد نعم لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة - ولو عند المخبر - لوجب ترتيبه عليه ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار

فصل

مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ولا يساعده دليل وتوهم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر فيه ما لا يخفى ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره افادته الظن غايته تنقيح ذلك بالظن وهو لا يوجب الا الظن بانها أولى بالاعتبار ولا اعتبار به - مع أن دعوى القطع بانه ليس بمناط

______________________________

حجة وإنما يكون الخبر حجة حينئذ بلحاظ نقل السبب فيدل بالالتزام على وجود المسبب إذا كانت الملازمة ثابتة عند المنقول إليه فاللازم عدم التعرض لنقل التواتر من حيث نقل المسبب والاقتصار على حكمه من حيث نقل السبب لا غير (قوله: ومن حيث السبب) يعني ينظر إلى لسان النقل ولو بقرينة حال الناقل فان كان دالا على مقدار من الاخبار تلازم رأي المعصوم بنظر المنقول إليه كان حجة كما عرفت وإلا فلا إلا أن ينضم إليه ما يوجب العلم بالواقع كما فصل سابقا (قوله: وتوهم دلالة أدلة) هذا أحد الوجوه التي يتوهم منها حجية الشهرة وحاصله: ان الأدلة الدالة على حجية الخبر تدل على حجيتها بمفهوم الموافقة لأنها أولى من الخبر لكون الظن الحاصل منها أقوى من الظن الحاصل بالخبر (قوله: ضرورة عدم دلالتها) يعني أن مفهوم الموافقة إنما يكون حجة إذا كان قد أحرز مناط حكم المنطوق ولم يثبت كون مناط حجية الخبر كونه مفيدا للظن غاية الامر أنه يظن

١٠٧

غير مجازفة وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى: (خذ بما اشتهر بين أصحابك) وفي الثانية: (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به) هو الرواية لا ما يعم الفتوى كما هو أوضح من أن يخفى. نعم بناء على حجية الخبر

______________________________

كون المناط هو الظن والظن بالمناط لا اعتبار به لعدم دليل على اعتباره (قوله: غير مجازفة) إذ لو كان هو المناط لم يتخلف عند الحكم واللازم باطل إذ لا ريب في عدم حجية فتوى الفقيه مع إفادتها للظن، مضافا إلى أن كون الظن الحاصل من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من الخبر أول الكلام، كيف وقد ذكر في المعالم أن خبر العادل أقوى الظنون ؟ فلاحظ (قوله: وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة) هذا هو الوجه الثاني من وجوه حجية الشهرة وحاصله الاستدلال بالنصوص الخاصة عليه (أحدها) ما رواه ابن أبي جمهور في كتاب غوالي اللئالي عن العلامة (ره) مرفوعا إلى زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ؟ فقال يا زرارة: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر... الحديث، فانها تدل على وجوب الأخذ بما اشتهر مطلقا ولو كان فتوى، ولو سلم أنها ظاهرة في خصوص الرواية لكن تعلق الحكم على وصف الاشتهار يدل على كونه مناط الحكم (ثانيها) ما رواه المشايخ الثلاثة عن عمر بن حنظلة (وفيها) بعد ما فرض السائل تساوي الراويين في العدالة ونحوها قال (ع): ينظر في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه... الحديث، ووجه الاستدلال ما تقدم بل هو هنا أظهر من جهة الاشتمال على التعليق بقوله: فان المجمع... الخ، فانه يقتضي التعدي عن مورده كما هو ظاهر والرواية الاولى تسمى في لسانهم (المشهورة) والثانية (المقبولة) ووجه التسمية ظاهر (قوله: هو الرواية) لانصرافها من لفظ الموصول فلا إطلاق له يشمل

١٠٨

ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته بل على حجية كل امارة مفيدة للظن أو الاطمينان لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد

فصل

المشور بين الاصحاب حجية خبر الواحد في الجملة بالخصوص ولا يخفى أن هذه المسألة من اهم المسائل الاصولية وقد عرفت في أول الكتاب أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة وعليه لا يكاد يفيد في ذلك أي كون هذه المسألة أصولية تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن احوال الدليل ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة بل عن حجية الخبر الحاكي عنها

______________________________

الفتوى وأما تعليق الحكم على الوصف فليس ظاهرا في العلية بحيث يعول عليه ولذا قيل: انه يشعر بالعلية، والاشعار ليس ظهورا وأما التعليل فانما يقتضي وجوب الأخذ بما لا ريب فيه وهو مما لا ريب فيه إلا أن المشهور فتوى ليس كذلك (قوله: دون اثبات ذلك) الظاهر أن المشار إليه بذلك حجية الخبر ببناء العقلاء لكن يشكل قوله: خرط القتاد، لما تقدم من أن عمدة أدلة حجية الخبر بناء العقلاء، وسيأتي اثباته بذلك ايضا ولو كان المشار إليه هو الدعوى التي لم يستبعدها فعدم المناسبة ظاهرة أيضا

حجية خبر الواحد

(قوله: في طريق الاستنباط) يعني استنباط الأحكام الكلية الذي هو وظيفة المجتهد لا الأحكام الجزئية التي هي وظيفة العامي فان ما يقع في طريق استنباطها هو المسائل الفرعية (قوله: وعليه لا يكاد يفيد) يعني بناء على ما اشتهر من

١٠٩

كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة وهي (قول الحجة أو فعله أو تقريره) هل يثبت بخبر الواحد أو لا يثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة ؟ فان التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس من عوارضها بل من عوارض مشكوكها كما لا يخفى

______________________________

أن الموضوع لعلم الأصول هو الأدلة الأربعة يشكل جعل مسألة حجية الخبر من مسائل الأصول لأن موضوعها وهو الخبر ليس من الأدلة الأربعة، أما كونه ليس الكتاب والاجماع والعقل فواضح، وأما أنه ليس من السنة فلأن السنة فعل المعصوم، وقوله، تقريره، وليس هو أحدها وإنما هو حاك عن أحدها والحاكي غير المحكي. ومن هنا يظهر أن ما تجشمه صاحب الفصول (ره) في دفع الاشكال من أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن حال الدليل ليس له مساس في دفع هذا الاشكال لأن البحث عن حجية الخبر وإن كان بحثا عن دليلية الخبر لكنه ليس بحثا عن دليلية أحد الأدلة الأربعة بل هو بحث عن دليلية الحاكي لأحدها. ومنه يظهر الاشكال على شيخنا الاعظم (ره) حيث يظهر منه صحة ذلك جوابا عن الاشكال لولا أنه تجشم، ووجه كونه تجشما كون المسائل الاصولية يبحث فيها عن أحوال الادلة في فرض كونها أدلة فلا يكون البحث عن دليلتها بحثا في المسألة أصولية (قوله: كما لا يكاد يفيد) هذا تعريض بشيخنا الاعظم (ره) حيث أجاب عن الاشكال بان مرجع البحث في المقام إلى أن السنة - أعني قول المعصوم وفعله وتقريره - هل تثبت بخبر الواحد ؟ فيكون البحث حينئذ بحثا عن عوارض الدليل وهو السنة وحاصل التعريض: أن الثبوت المبحوث عنه ليس هو الثبوت حقيقة بل الثبوت تعبدا الراجع إلى وجوب العمل وترتيب آثار الثبوت الحقيقي وهذا المعنى من الثبوت ليس من عوارض السنة إذ لا نزاع في وجوب العمل بالسنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الذي هو مؤدى الخبر ومن أحواله كما هو ظاهر، وقد

١١٠

- مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر والمبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره لا ما هو لازمه كما هو واضح، وكيف كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن ادريس عدم حجية الخبر واستدل لهم بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم والروايات الدالة على رد ما لم يعلم انه قولهم - عليهم السلام - أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان، أو لم يكن موافقا

______________________________

تقدم (قوله: مع أنه لازم لما يبحث عنه) يعني مع أنه يرد عليه اشكال آخر وهو أن الثبوت ليس هو المبحوث عنه بل المبحوث عنه هو الحجية ومن لوازمها الثبوت المذكور والملاك الذى تعد به المسألة من مسائل الفن كون نفس المبحوث عنه من عوارض الموضوع فلا يكفي كون لازمه من العوارض إلا أن يقال: إن الحجية لما كانت عند بعضهم بن الاعتباريات المنتزعة فالبحث عنها لابد أن يكون بحثا عن نفس منشأ الانتزاع وهو ثبوت المؤدى، والملاك الذي به تعد المسألة من مسائل الفن ما يكون المبحوث عنه حقيقة من العوارض لا ما يكون المبحوث عنه عرضا كذلك كما أشار إليه في مبحث الاجتماع فتأمل، وربما يجاب بانه لما كان مفاد أدلة حجية الخبر كونه بمنزلة العلم - كما أشرنا إليه في مبحث قيام الامارات مقام العلم - كان البحث في الحقيقة عن أن السنة هل تعلم بالخبر أولا ؟ فيكون المبحوث عنه العلم بها وهو من العوارض للسنة الواقعية (فان قلت): العلم ليس من عوارض السنة الواقعية لان العلم لا يتعلق بالوجودات الواقعية وانما يتعلق بالصور الذهنية، (قلت): يكفي ذلك في عده من عوارض الواقع لحكاية الصور عن الواقع والحاكي بنظر عين المحكي ولذا كان موضوع علم الفقه فعل المكلف مع أن الاحكام التكليفية لا تتعلق بالفعل الخارجي بل تتعلق بنفس الصورة ايضا نظير العلم. ويمكن الخدشة فيه بان البحث عن كون السنة معلومة إن كان بلحاظ الآثار الشرعية للعلم كانت المسألة من المبادئ التصديقية لعلم الفقه لكون البحث فيها عن وجود

١١١

للقرآن إليهم أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق الكتاب أو السنة... إلى غير ذلك، والاجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه بل حكي عنه انه جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة، والجواب أما عن الآيات فبأن الظاهر منها أو المتيقن من اطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم الفروع الشرعية، ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الاخبار، وأما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فانها أخبار آحاد (لا يقال): إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى الا انها متواترة إجمالا

______________________________

الموضوع وإن كان بلحاظ وجوب العمل فليس ذلك من آثار العلم بالسنة المقصود بالبحث لان وجوب العمل (عقلا) من آثار منجزية الخبر للواقع وقد عرفت أن المناط فيه ليس هو العلم بالنسة (وشرعا) من آثار نفس قيام الحجة ولو لم تكن علما، مع أن ثبوته محل اشكال فتأمل (قوله: للقرآن إليهم) كلمة (إليهم) متعلقة بقوله: رد ما لم يعلم (قوله: أو على بطلان) معطوف على قوله: على رد (قوله: فبأن الظاهر منها أو) يمكن منع ذلك فان موردها وإن كان أصول الدين إلا أن ورودها مورد التنديد بالكفار والتعليل في بعضها بان الظن لا يغني عن الحق شيئا مما يوجب حفظ ظهورها في العموم كما لعله ظاهر بالتأمل، (قوله: ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة) بل الظاهر أن تلك الادلة حاكمة على ما دل منها على عدم جواز العمل بغير العلم مثل قوله سبحانه: ولا تقف ما ليس لك به علم، بناء على أن مفاد أدلة الحجية جعل الخبر علما تنزيلا بل هي كذلك بالاضافة إلى ما دل على عدم جواز العمل بالظن بناء على أن مفادها (أي أدلة الحجية) نفي كونه ظنا وأنه علم، مضافا إلى امكان دعوى ظهور أدلة المنع عن الظن في كونه ليس في نفسه من حيث كونه ظنا حجة، وحينئذ فلا تنافي أدلة الحجية الدالة على أنه من حيث كونه ظنا خاصا حجة لعدم التنافي بين المقتضي واللا مقتضي كما هو ظاهر

١١٢

للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة (فانه يقال): إنها وإن كانت كذلك الا انها لا تفيد الا فيما توافقت عليه وهو غير مفيد في اثبات السلب كليا كما هو محل الكلام ومورد النقض والابرام وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة والالتزام به ليس بضائر

______________________________

فان لم يتم شئ مما ذكرنا كان الجواب ما ذكره المصنف (ره) من كون أدلة حجية الخبر مخصصة لها لاختصاصها بالخبر في الفروع، وعموم تلك الادلة لغير الخبر وللأصول (قوله: للعلم الاجمالي بصدور) لا يخلو من تأمل فان الحر - رحمه الله - قد عقد في كتاب القضاء من وسائله بابا ذكر فيه الأخبار المذكورة إلا أن أكثرها وارد في المتعارضين، وليس مما نحن فيه وفى كون الباقي مما يبلغ حد التواتر الاجمالي محل تأمل ومحتاج إلى المراجعة (قوله: إلا فيما توافقت عليه) فان المضمون الذي توافقت عليه النصوص المعلوم إجمالا صدور بعضها مما يعلم بصدوره عن المعصوم أما ما اختلفت فلا يعلم صدوره فلا يعلم وجوب العمل به (قوله: وهو غير مفيد) يعني أن ما توافقت عليه النصوص وان كان يجب العمل به لكنه لا ينفع في اثبات نفي الحجية عن كل فرد من الخبر كما هو مدعى النافين وإنما ينفع في نفي الحجية عن نوع خاص منه وذلك ليس محل الكلام هنا لان الكلام في حجية الخبر في الجملة ولو لبعض أفراده بمعنى الموجبة الجزئية والدليل المذكور للنافي إنما يقتضي السالبة الجزئية وهي لا تنافي الموجبة الجزئية التي يدعيها المثبت ولا تثبت السالبة الكلية التي يدعيها النافي (قوله: وإنما تفيد عدم) هذا بيان لما اتفقت عليه النصوص وأنه عدم حجية المخالف للكتاب السنة معا لكن ذلك يتوقف على عدم التواتر الاجمالي فيما ليس بهذا المضمون لان الاخبار المتضمنة لهذا المضمون نادرة فلاحظ (قوله: ليس بضائر) يعني لا يقدح في دعوى حجية الخبر في الجملة. هذا ولكن بناء القائلين بحجية الخبر على تخصيص الكتاب والسنة المتواترة به فلابد حينئذ من التفصي عن هذا الاستدلال بوجه آخر ولا بأس بان يقال: إن من جملة الاخبار المانعة ما دل

١١٣

بل لا محيص عنه في مقام المعارضة وأما عن الاجماع فبأن المحصل منه غير حاصل والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصا في المسألة كما يظهر وجهه للمتامل - مع أنه معارض بمثله وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه وقد استدل للمشهور بالأدلة الاربعة

فصل في الايات التى استدل بها

فمنها آية النبأ قال الله تبارك وتعالى (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط

______________________________

على أن الخبر المخالف للكتاب زخرف - كما في رواية ابن الحر - أو: لم أقله - كما في قول النبي صلى الله عليه وآله في رواية هشام بن الحكم - وحيث أن هذا المضمون مما يأبى عن التخصيص وجب حمل المخالفة فيه على المخالفة بنحو التباين للعلم الاجمالي بصدور الاخبار المخالفة عن المعصومين - صلى الله عليهم أجمعين - فيكون المتيقن من أدلة المنع ما كان مخالفا للكتاب بنحو التباين ويبقى غيره خاليا عن المانع فيرجع فيه إلى الأدلة الدالة على الحجية (قوله: بل لا محيص عنه) بل هو مسلم ظاهرا بين القائلين بالحجية (قوله: غير قابل) لعدم ثبوت حجيته كما تقدم (قوله: خصوصا في المسألة) لأن حجيته على المنع تتوقف على اثبات حجية الخبر فكيف يكون نافيا لها لان حجيته حينئذ يلزم من وجودها عدمها، ولو قيل: إنه لا يشمل نفسه، قلنا: ولكن لا يثبت نفسه، وإن شئت قلت: يعلم إجمالا بعدم حجية هذا الاجماع المنقول إما لأن الخبر حجة فيكون مخالفا للواقع أو ليس بحجة وهو من أفراده (قوله: معارض بمثله) وهو إجماع الشيخ (ره) المعتضد باجماع جماعة كما قيل (قوله: من وجوه) احدها من جهة مفهوم الوصف المبتني على القول بحجية مفهوم الوصف (ثانيها) من جهة مفهوم خصوص الوصف الخاص أعني الفسق فان خصوصيته مناسبته لعدم القبول من جهة

١١٤

وأن تعليق الحكم بايجاب التبين عن النبأ الذي جيئ به على كون الجائي به الفاسق يقتضي انتفاءه عند انتفائه. ولا يخفى أنه

______________________________

عدم ما يوجب الأمن من تعمد الكذب في الفاسق (ثالثها) من جهة التبين المأمور به إذ ليس المراد به التبين العلمي بل التبين العرفي، ومن المعلوم حصوله بنفس خبر العادل فيكون بنفسه حجة (رابعها) من جهة التعليل في الآية الشريفة بمخافة الوقوع في الندم وخبر العادل لا يخاف من الوقوع في الندم من العمل به لان الندم إنما يحسن اطلاقه على ارتكاب ما لا يحسن فعله عند العقلاء كالاعتماد على خبر الفاسق ولا كذلك الاعتماد على خبر العادل ولو انكشف كونه مخالفا للواقع، وكأن المصنف (ره) أشار بقوله: أظهرها، إلى ما فيها من الاشكال إذ (الاول) مبني على القول بمفهوم الوصف والتحقيق خلافه (والثاني) يرجع إلى الظن بالعلية غير المستند إلى ظاهر الكلام وحجية مثله أول الكلام (والثالث) مبني على ارادة التبين العرفي المسامحي من قوله تعالى: فتبينوا، وهو خلاف الظاهر من مادة البيان (والرابع) فيه أن ظاهر الآية كون الندم على مجرد إصابة القوم بالجهالة من حيث كونها جهالة وهذا المعنى موجود بخبر العادل، وليس المراد منه السفاهة فانه خلاف الظاهر، لكن سيأتي قريبا من المصنف (ره) أن دعوى ذلك غير بعيدة لكن لا يخفى أنها خلاف مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد بن عقبة - لعنه الله - إذ لا ريب في انه لم يكن سفاهة كما هو واضح جدا (قوله: وأن تعليق الحكم بايجاب) من أهم مقاصد المثبتين والنافين والمستدلين بهذه الآية الشريفة والرادين معرفة أن موضوع القضة الشرطية هو مطلق النبأ والشرط حال من احواله أو هو نبأ الفاسق والشرط وجوده، وتوضيح ذلك: أن من الموضح في محله أن الحكم في المفهوم يجب أن يكون نقيضا للحكم في المنطوق وإنما جاز اجتماعهما في القضايا الشرطية لكون أحدهما ثابتا في حال الشرط والآخر ثابتا في حال نقيضه، مثلا مفهوم قولنا: ان جاء زيد فأكرمه، إن لم يجئ زيد لا يجب اكرامه، وقولنا: لا يجب اكرام زيد، نقيض قولنا: يجب إكرامه،

١١٥

على هذا التقرير لا يرد أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع

______________________________

المستفاد من جزاء الشرطية فإذا كان المفهوم نقيضا للمنطوق يجب أن يكون متحدا معه في جميع الخصوصيات المأخوذة فيه في القضية من الموضوع والمكان والزمان وغير ذلك، فان الاتحاد في الخصوصيات من مقومات التناقض بين الشيئين وحينئذ فإذا كان موضوع الحكم في الجزاء هو خبر الفاسق والشرط وجوده بحيث يكون مفاد الآية الشريفة مفاد قولنا: إن وجد خبر الفاسق فتبين عنه، امتنع افادة الآية لحجية خبر العادل لأن خبر العادل لما كان غير خبر الفاسق فعدم التبين عنه لا يكون نقيضا لوجوب التبين عن خبر الفاسق لاختلاف الموضوع المانع من ثبوت التناقض بينهما وإذا كان موضوع الحكم نفس النبأ مطلقا والشرط حال من أحواله وهو كون الجائي به فاسقا دلت الآية على حجية خبر العادل لأنه من أفراد موضوع الحكم فيه فينتفي عنه الحكم بوجوب التبين لانتفاء الشرط وهو كون الجائي به فاسقا وحينئذ فالعمدة في المقام تشخيص ظهور الآية في أحد المفادين، والذي يطهر من المصنف (ره) أنها ظاهرة في المفاد الثاني وأن موضوع الحكم نفس النبأ والشرط كون الجائي به فاسقا خلافا لشيخه (ره) في رسائله فادعى ظهورها في الاول وأنها من قبيل: إن رزقت ولدا فاختنه، و: إن تزوجت فلا تضيع حق زوجتك، ونحوهما، وهذا الذي ادعاه شيخه (ره) هو الذي يقتضيه التدبر، فان قوله تعالى فتبينوا، وإن كان خاليا عن الصلة إلا أنها بتقدير (عنه) يعني فتبينوا عنه كما اعترف به المصنف (ره) والضمير إنما يرجع إلى النبأ الذي جاء به الفاسق المذكور في الشرط، ولا وجه لارجاع إلى مطلق النبأ، وقوله تعالى: إن جاءكم، بمنزلة قوله: إن أخبركم، والاخبار عين وجوده الخبر فالشرط حينئذ نفس الوجود لا صفة في المخبر وهو كونه فاسقا كما هو ظاهر فكيف يدعى ظهورها في غيره ؟ (قوله: على هذا التقرير لا يرد) لم يتقدم منه إلا تصوير التقرير بلا تعرض لاثباته وبيان ما يوجب كونه ظاهر الآية كما لا يخفى وحينئذ فلا يجدي

١١٦

فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع فافهم. نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيئ الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع - مع أنه يمكن أن يقال: إن القضية - ولو كانت مسوقة لذلك - إلا أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر فتدبر

______________________________

في دفع الايراد المذكور (قوله: فلا مفهوم له أو مفهومه) الظاهر أن القضية في المقام مما لا مفهوم لها لا أن مفهومها سالبة بانتفاء الموضوع وذلك من جهة أن وجوب التبين يمتنع أن يكون نفسيا إذ لا ريب في خلافه ولا غيريا لعدم كونه مقدمة لواجب شرعي ولا إرشاد بالعدم وجوب التبين عقلا إلا في مقامات مخصوصة توقف فيها العلم بالامتثال على العلم بالواقع فلابد أن يكون كناية عن عدم حجية الخبر فكأنه قيل إن جاءكم فاسق بنبأ فخبره ليس بحجة، وحينئذ فالمفهوم يكون موجبة بانتفاء الموضوع لا سالبة كذلك، وحيث أن الموجبة بانتفاء الموضوع ممتنعة لا مجال لدعوى المفهوم في المقام أصلا، مضافا إلى أنه لو سلم كون حكم المنطوق موجبا وأن المفهوم يكون سالبة بانتفاء الموضوع لكن ثبوت المفهوم ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع إنما يصح في القضايا الشرطية الخبرية لا الشرعية لان انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ضروري ذاتي لا شرعي فلا مجال لاعمال التشريع فيه فقولنا: إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب عليك ختانه، ليست مما يمكن أن تكون شرعية كما هو ظاهر، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم، (قوله: مع أنه يمكن أن يقال ان) لعل الوجه فيما ذكره أن المفهوم وان كان يجب أن يتحد مع المنطوق في جميع الخصوصيات المذكورة في القضية من موضوع وغيره لكن يجب أن يعرى عن خصوصية الشرط فيكون المنطوق ثابتا في حال الشرط والمفهوم ثابتا في غير حاله وحينئذ فإذا كان الشرط نفس الموضوع فمقتضي لزوم تعريته عن خصوصية الشرط لزوم تعريته عن خصوصية الموضوع فيكون

١١٧

* ولكنه يشكل بانه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن التعليل باصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم. ولا يخفى أن الاشكال إنما يبتني على كون الجهالة

______________________________

المفهوم حينئذ عدم حكم المنطوق ولو في غير ذلك الموضوع فيكون المفهوم في المقام عدم وجوب التبين ولو عن غير الفاسق إذا لم يوجد خبر الفاسق وهو المطلوب (وفيه) أن التعرية عن خصوصية الشرط وان كانت مسلمة لكن خصوصية الشرط في المقام وجود الموضوع وتعريته عن وجود الموضوع لا يقتضي تعريته عن نفس الموضوع مثلا إذا قيل إذا وجد لك ولد فاختنه، فالضمير في الجزاء راجع إلى وجوده حينئذ فتعرية الحكم عن وجود الولد لا يقضتي تعريته عن نفس الولد ولذا كان المفهوم: إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب ختانه، فالضمير راجع إلى ولده لا إلى مطلق الولد فكذا في المقام ولا وجه حيئذ لظهور الآية في عدم وجوب التبين عن مطلق الخبر. هذا لو أراد المصنف (ره) دعوى الدلالة من جهة أداة الشرط وأما لو أراد دعوى الدلالة من جهة أخرى فقد عرفتها وعرفت ما فيها ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فتدبر، (قوله: ولكنه يشكل بانه ليس) هذا الاشكال الثاني من الاشكالين اللذين زعم شيخنا الأعظم في رسائله عدم امكان الذب عنهما (يعني عدم امكان دفعهما) وحاصله: أنه لو سلم كون القضية المذكورة في نفسها ظاهرة في المفهوم فهي لما كانت معللة بعدم اصابة القوم بالجهالة المستفاد من قوله تعالى: أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، دلت على أن الوجه في وجوب التبين هو اصابة قوم بجهالة والوقوع في خلاف الواقع، ومن المعلوم أن هذا المانع لا يختص بخبر الفاسق فان خبر العادل مثله أيضا فيدل التعليل على المنع عن العمل بخبر العادل، وحينئذ يقع التعارض بين المفهوم المقتضي لجواز العمل يخبر العادل والتعليل المانع عنه، ولا ريب في كون التعليل مقدما على المعلل لكونه حاكما عليه فقد يرفع به اليد عن عمومه كما في أكرم العلماء لانهم عدول، أو عن خصوصه كما في قوله: أكرم زيدا لأنه عادل

١١٨

* بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة. ثم انه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الامام - عليه السلام - بواسطة أو وسائط فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي

______________________________

فانه في الأول يقتضي التخصيص بالعدول من العلماء، وفي الثاني يقتضي التعميم لكل عادل بل وكذا في الأول فيوجب اكرام الجهلاء العدول كما انه في الثاني يقتضي التخصيص بحال العدالة فلا يشمل زيدا حال الفسق فكذا الحال في المقام يقتضي تعميم المنع لخبر العادل أيضا (فان قلت): المفهوم حاكم على التعليل في المقام لأنه إذا دل على جواز العمل بخبر العادل فقد دل على كونه علما تنزيلا كما عرفت الاشارة إليه فلا يكون العمل به موجبا لاصابة قوم بجهالة بل يكون بعلم كما لا يخفى (قلت): الاصل في التعليل أن يكون ارتكازيا لا تعبديا والارتكاز العقلائي يقتضي كون المنع من جهة كون خبر الفاسق جهلا حقيقة بذاته، وهذا المانع بعينه حاصل في خبر العادل ولو بالنظر إلى المفهوم لان المفهوم إنما يقتضي كونه علما تعبدا لا حقيقة، وكونه علما تعبدا لا يوجب ارتفاع المحذور المذكور في التعليل كما هو ظاهر (فان قلت): المفهوم أخص مطلقا من التعليل والخاص - ولو كان مفهوما - مقدم على العام ولو كان تعليلا (قلت): هذا مسلم إذا كان المفهوم مستفادا من الكلام الخالي عن التعليل أما إذا كان مستفادا منه فلا، والسر فيه: ان المفهوم لما كان مدلولا للكلام من جهة دلالته على خصوصية في المنطوق تلازم المفهوم يقع التعارض في الحقيقة بين التعليل وبين المعلل في دلالته على الخصوصية وقد عرفت أن التعليل مقدم والظهور المنعقد تابع له (قوله: بمعنى عدم العلم) كما هو مقتضي مادة الاشتقاق (قوله: غير بعيدة) بل هي بعيدة بملاحظة مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد - لعنه الله - (قوله: فانه كيف يمكن الحكم) إعلم أن في ثبوت السنة بالاخبار بالواسطة - كما لو أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا (ع) أنه يجب الغسل يوم الجمعة - إشكالين أحدهما

١١٩

ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الاثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر لانه وإن كان أثرا شرعيا لهما إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس في ان يكون بلحاظه أيضا حيث أنه صار أثرا يجعل آخر فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل

______________________________

ما أشار إليه المصنف (ره) بهذا الكلام وهو يختص بالاخبار عن الواسطة كخبر الكليني، وثانيهما يختص بخبر البزنطي وما بعده ولا يشمل خبر الكليني، وحاصل الاشكال الاول أنه لا ريب في أن جعل الحجية للخبر ووجوب تصديقه في فرض يكون لمؤداه أثر عملي وإلا كان الجعل لغوا بل لا معنى له أصلا، وعليه فالاثر للمؤدى يكون من علل وجود الحجية ووجوب التصديق فلابد أن يكون متقدما عليه رتبة تقدم العلة على معلولها فإذا كان مؤدى الخبر خبرا آخر كخبر الكليني الحاكي عن خبر علي بن ابراهيم ولم يكن للخبر المؤدى أثر غير وجوب تصديقه يلزم أن يكون وجوب التصديق الثابت للخبر الحاكي كخبر الكليني منشأ بلحاظ وجوب التصديق الثابت لخبر علي بن ابراهيم فيكون الأثر المصحح لوجوب تصديق خبر الكليني عين وجوب التصديق وهو مستحيل لما عرفت من وجوب كونه غيره متقدما عليه رتبة، وهذا الاشكال بعينه يجري في الاخبار بالعدالة من حيث ترتب وجوب التصديق على خبره لا غيره من الآثار مثل جواز الائتمام به ونحوه فانه لا مجال للاشكال فيه لاختلاف الأثر (قوله: ليس إلا بمعنى) يعنى ليس معنى وجوب التصديق إلا وجوب ترتيب الأثر الشرعي الثابت للمخبر به فيكون أثر المؤدى من قبيل الموضوع لوجوب تصديق الخبر (قوله: بلحاظ نفس هذا) لان الأثر الشرعي عين هذا الوجوب فكيف يكون وجوب التصديق ثابتا بلحاظ نفسه وموضوعا لنفسه ويكون بنفسه مصححا لنفسه (قوله: نعم لو أنشأ هذا) يعني لو كان هناك إنشاءان أحدهما إنشاء

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الحسين بن علي، عن أخيه الحسن بن عليّ عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: إن( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: إن الله عزّوجلّ قال لي: يا محمّد( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) (١) فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإن الله عزّوجلّ خص محمّدا وشرفه بها. ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه، ما خلا سليمان عليه السلام، فإنه أعطاه منها (بسم الله الرحمن الرحيم)، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت( إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) (٢) ؟

ألا فمن قرأها معتقد لموالاة محمّد وآله الطيبين، منقادا لامرهما، مؤمنا بظاهرهما وباطنهما(٣) ، أعطاه الله عزّوجلّ بكل حرف منها حسنة، كل واحدة منها أفضل له من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة، لا يذهبن أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة(٤) .

٢٥٦/٤ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن الحكم، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لما نزلت هذه الآية( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) (٥) سئل عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: أخبرني الروح الامين أن الله لا إله غيره، إذا جمع الاولين والآخرين أتي بجهنم تقاد بألف زمام، آخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ

______________

(١) الحجر ١٥: ٨٧.

(٢) النمل ٢٧: ٢٩، ٣٠.

(٣) في نسخة: منقادا لامرهم، مؤمنا بظاهرها وباطنها.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٣٠١/٦٠، بحار الانوار ٩٢: ٢٢٧/٥.

(٥) الفجر ٨٩: ٢٣.

٢٤١

الشداد، لها هدة(١) وتغيظ وزفير، وإنها لتزفر الزفرة، فلولا أن الله عزّوجلّ أخرهم إلى الحساب لاهلكت الجمع، ثم يخرج منها عنق(٢) يحيط بالخلائق البر منهم والفاجر، فما خلق الله عزّوجلّ عبدا من عباده ملكا ولا نبيا إلا نادى: رب نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي: أمتي أمتي.

ثم يوضع عليها صراط أدق من حد السيف، عليه ثلاث قناطر: أما واحدة فعليها الامانة والرحم، وأما الاخرى فعليها الصلاة، وأما الاخرى فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون الممر عليه فتحبسهم الرحم والامانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين عزّوجلّ، وهو قوله تبارك وتعالى:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) (٣) .

والناس على الصراط، فمتعلق، وقدم تزل، وقدم تستمسك والملائكة حولهم ينادون: يا حليم اغفر واصفح، وعد بفضلك وسلم، والناس يتهافتون فيها كالفراش، فإذا نجا ناج برحمة الله عزّوجلّ، نظر إليها فقال: الحمد لله الذي نجاني منك بعد إياس بمنه وفضله، إن ربنا لغفور شكور(٤) .

٢٥٧/٥ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقي، عن القاسم بن محمّد الجوهري، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: الناس يمرون على الصراط طبقات، والصراط أدق من الشعر ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من يمر مشيا، ومنهم من يمر

______________

(١) الهدة: صوت وقوع الحائط ونحوه.

(٢) أي طائفة منها.

(٣) الفجر ٨٩: ١٤.

(٤) تفسير القمي ٢: ٤٢١، بحار الانوار ٧: ١٢٥/١.

٢٤٢

متعلقا، قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا(١) .

٢٥٨/٦ - حدّثنا أحمد بن زياد الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم ابن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن الصادق جعفر ابن محمّد عليه السلام، قال: إذا أراد الله عزّوجلّ أن يبعث الخلق أمطر السماء على الارض أربعين صباحا، فاجتمعت الاوصال ونبتت اللحوم(٢) .

٢٥٩/٧ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن الرضا عليّ بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام، قال: رأى أميرالمؤمنين عليه السلام رجلا من شيعته بعد عهد طويل، وقد أثر السن فيه، وكان يتجلد في مشيته، فقال عليه السلام: كبر سنك يا رجل. قال: في طاعتك يا أميرالمؤمنين. فقال عليه السلام: إنك لتتجلد؟ قال: على أعدائك يا أميرالمؤمنين. فقال عليه السلام: أجد فيك بقية: قال: هي لك يا أميرالمؤمنين(٣) .

٢٦٠/٨ - قال الريان بن الصلت: وأنشدني الرضا عليه السلام لعبد المطلب:

يعيب الناس كلهم زمانا

وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان بنا هجانا

وإن الذئب يترك لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضا عيانا(٤)

٢٦١/٩ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبدالله بن القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال:

______________

(١) بحار الانوار ٨: ١/٦٤.

(٢) بحار الانوار ٧: ٣٣/١.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٣٠٢/٦١، بحار الانوار ٤٢: ١٨٦/١.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ١٧٧/٥، بحار الانوار ١٥: ١٢٥/٦٤.

٢٤٣

كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج يقتبس لاهله نارا، فكلمه الله عزّوجلّ فرجع نبيا، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام، وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين(١) .

٢٦٢/١٠ - حدّثنا عليّ بن أحمد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال الصادق عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام: أن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حج حج ماشيا، وربما مشى حافيا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور(٢) بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عزّوجلّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنة، وتعوذ به من النار، وكان عليه السلام لا يقرأ من كتاب الله عزّوجلّ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلا قال: لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شئ من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقا.

ولقد قبل لمعاوية ذات يوم: لو أمرت الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فصعد المنبر فخطب ليتبين للناس نقصه. فدعاه فقال له: اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها. فقام عليه السلام فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنا ابن خير خلق الله، أنا ابن رسول الله، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، أنا ابن أميرالمؤمنين، أنا

______________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٥٠، بحار الانوار ٧١: ١٣٤/٩.

(٢) في نسخة: في النشور.

٢٤٤

المدفوع عن حقي، أنا وأخي الحسين سيدا شباب أهل الجنة، أنا ابن الركن والمقام، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات.

فقال له معاوية: يا أبا محمّد، خذ في نعت الرطب ودع هذا. فقال عليه السلام: الريح تنفخه، والحر ينضجه، والبرد يطيبه. ثم عاد عليه السلام في كلامه، فقال: أنا إمام خلق الله، وابن محمّد رسول الله، فخشي معاوية أن يتكلم بعد ذلك بما يفتتن(١) به الناس، فقال: يا أبا محمّد، انزل فقد كفى ما جرى، فنزل(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله.

______________

(١) في نسخة: يفتن.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٣٣١/١.

٢٤٥

[ ٣٤ ]

المجلس الرابع والثلاثون

مجلس يوم الثلاثاء

التاسع عشر من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢٦٣/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله، قال: حدثني محمّد بن تسنيم، عن العباس بن عامر، عن ابن بكير، عن سلام بن غانم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من قم مسجدا(١) كتب الله له عتق رقبة، ومن أخرج منه ما يقذي عينا كتب الله عزّوجلّ له كفلين(٢) من رحمته(٣) .

٢٦٤/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ القرشي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل ابن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: بينا موسى بن عمران عليه السلام يناجي ربه عزّوجلّ إذ رأى رجلا تحت ظل عرش

______________

(١) أي كنسه.

(٢) أي ضعفين.

(٣) المحاسن: ٥٦/٨٧، بحار الانوار ٨٣: ٣٨٣/٥٦.

٢٤٦

الله عزّوجلّ، فقال: يا رب، من هذا الذي قد أظله عرشك؟ فقال: هذا كان بار بوالديه، ولم يمش بالنميمة(١) .

٢٦٥/٣ - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة الكوفي، قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: عجب لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار(٢) !

٢٦٦/٤ - حدّثنا الحسين(٣) بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري(٤) ، عن محمّد بن علي، عن عيسى بن عبدالله العلوي العمري، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللهم ارحم خلفائي، ثلاثا. قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يبلغون(٥) حديثي وسنتي، ثم يعلمونها أمتي(٦) .

٢٦٧/٥ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن محمّد بن عليّ القرشي، عن محمّد بن سنان، عن عبدالله بن طلحة وإسماعيل بن جابر وعمار بن مروان، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: أن عيسى بن مريم عليه السلام توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من أصحابه، فمر بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطريق، فقال عيسى عليه السلام لاصحابه: إن هذا يقتل الناس. ثم مضى، فقال أحدهم: إن لي

______________

(١) بحار الانوار ٧٤: ٦٥/٣٠، و ٧٥: ٢٦٣/٢.

(٢) بحار الانوار ٧٣: ٣٤٧/٣٤.

(٣) في نسخة: الحسن.

(٤) زاد في نسخة: عن محمّد بن حسان الرازي، انظر معجم رجال الحديث ١٥: ٤٥.

(٥) في البحار: يتبعون.

(٦) بحار الانوار ٢: ١٤٤/٣.

٢٤٧

حاجة. قال: فانصرف، ثم قال آخر: إن لي حاجة. فانصرف، ثم قال الآخر: لي حاجة. فانصرف، فوافوا عند الذهب ثلاثتهم، فقال اثنان لواحد: اشتر لنا طعاما. فذهب ليشتري لهما طعاما، فجعل فيه سما ليقتلهما كي لا يشاركاه في الذهب، وقال الاثنان: إذ جاء قتلناه كي لا يشاركنا. فلما جاء قاما إليه فقتلاه، ثم تغذيا فماتا، فرجع إليهم عيسى عليه السلام وهم موتى حوله، فأحياهم بإذن الله تعالى ذكره، ثم قال: ألم أقل لكم: إن هذا يقتل الناس؟!(١) .

٢٦٨/٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن محمّد بن أبي الهزهاز، عن عليّ بن السري، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: إن الله عزّوجلّ جعل أرزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه(٢) .

٢٦٩/٧ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم رحمه الله، قال حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: درهم ربا أعظم عند الله من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل خالة وعمة(٣) .

٢٧٠/٨ - حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن القزويني المعروف بابن مقبرة، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدّثنا جندل بن والق، قال: حدّثنا محمّد ابن عمر المازني، عن عباد الكليبي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن علي، عن أمه فاطمة بنت محمّد (صلوات الله عليهم)، قالت: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عشية عرفة فقال: إن الله تبارك وتعالى باهى

______________

(١) بحار الانوار ١٤: ٢٨٤/٥.

(٢) الكافي ٥: ٨٤/٤، التهذيب ٦: ٣٢٨/٩٠٥، من لا يحضره الفقيه ٣: ١٠١/٣٩٥، التوحيد: ٤٠٢/٨، بحار الانوار ٩٣: ٢٨٩/٧.

(٣) بحار الانوار ١٠٣: ١١٦/٥.

٢٤٨

بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، هذا جبرئيل يخبرني أن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي حق الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد وفاته(١) .

٢٧١/٩ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا أبوسعيد السكري، قال: أخبرنا محمّد بن زكريا، قال: حدّثنا العباس بن بكار، قال: حدّثنا عبدالله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبدالله، عن أنس بن مالك، عن أمه، قالت: ما رأت فاطمة عليهما السلام دما في حيض ولا في نفاس(٢) .

٢٧٢/١٠ - حدّثنا أحمد بن زياد الهمداني رحمه الله، قال: حدثني عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لما حضرت عليّ بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمني إلى صدره، ثم قال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به، فقال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله(٣) .

٢٧٣/١١ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أربعين مرة في دبر كل صلاة فريضة قبل أن يثني رجليه، ثم سأل الله أعطي ما سأل(٤) .

٢٧٤/١٢ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن حمدان المكتب، قال: حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن عبد الرحمن الصفار، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى الدامغاني، قال:

______________

(١) بحار الانوار ٢٧: ٧٤/١.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٢١/٩.

(٣) الخصال: ١٦/٥٩، بحار الانوار ٧٥: ٣٠٨/١، ٢.

(٤) بحار الانوار ٨٦: ٢١/١٩.

٢٤٩

حدثنا يحيى بن المغيرة، قال: حدّثنا جرير، عن الاعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ليلة أسري بي إلى السماء أخذ جبرئيل بيدي، فأدخلني الجنة، وأجلسني على درنوك(١) من درانيك الجنة، فناولني سفرجلة، فانفلقت بنصفين، فخرجت منها حوراء كأن أشفار عينيها مقاديم(٢) النسور، فقالت: السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا محمّد. فقلت: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أنواع: أسفلي من المسك، وأعلاي من الكافور، ووسطى من العنبر، وعجنت بماء الحيوان، قال الجليل: كوني، فكنت، خلقت لابن عمك ووصيك ووزيرك عليّ بن أبي طالب عليه السلام(٣) .

٢٧٥/١٣ - حدّثنا الحسين بن عليّ بن شعيب الجوهري رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدّثنا الفضل بن الصقر العبدي، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن الاعمش، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليه خميصة(٤) وقد اشتمل بها، فقيل: يا رسول الله، من كساك هذه القميصة؟ فقال: كساني حبيبي وصفيي، وخاصتي وخالصتي، والمؤدي عني، ووصيي ووارثي وأخي، وأول المؤمنين إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأسمح الناس كفا، سيد الناس بعدي، قائد الغر المحجلين، إمام أهل الارض عليّ بن أبي طالب، فلم يزل يبكي حتى ابتل الحصى من دموعه شوقا إليه(٥) .

٢٧٦/١٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن

______________

(١) الدرنوك: ماله خمل من بساط أو ثوب.

(٢) المقاديم: الريش الذي في مقدم جناح الطائر، وتسمى القوادم أيضا.

(٣) بحار الانوار ١٨: ٣٣٢/٣٥، و ٤٠: ٤/٨.

(٤) المخميصة: كساء أسود مربع له علمان.

(٥) بحار الانوار ٣٨: ٩٦/١٣.

٢٥٠

إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني أبوالصلت عبد السلام بن صالح، قال: حدثني محمّد بن يوسف الفريابي، عن سفيان، عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن حبيب بن الجهم، قال: لما رحل بنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى بلاد صفين، نزل بقرية يقال لها صندوداء، ثم أمرنا فعربنا عنها، ثم عرس(١) بنا في أرض بلقع(٢) ، فقام إليه مالك بن الحارث الاشتر، فقال: يا أميرالمؤمنين، أتنزل الناس على غير ماء! فقال: يا مالك، إن الله عزّوجلّ سيسقينا في هذا المكان ماء أعذب من الشهد، وألين من الزبد الزلال، وأبرد من الثلج، وأصفى من الياقوت، فتعجبنا ولا عجب من قول أميرالمؤمنين عليه السلام.

ثم أقبل يجر رداءه، وبيده سيفه، حتى وقف على أرض بلقع، فقال: يا مالك، احتفر أنت وأصحابك. فقال مالك: احتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة، فيها حلقة تبرق كاللجين(٣) ، فقال لنا: روموها، فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل، فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها، فدنا أميرالمؤمنين عليه السلام رافعا يده إلى السماء يدعو، وهو يقول: طاب طاب مريا عالم طيبوا ثابوثه شمثيا(٤) كوبا حاحانو ثاتو ديثابر حوثا، آمين آمين رب العالمين، رب موسى وهارون، ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا.

قال مالك بن الحارث الاشتر: فظهر لنا ماء أعذب من الشهد، وأبرد من الثلج، وأصفى من الياقوت، فشربنا وسقينا، ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب، ثم ارتحل، فما سرنا إلا غير بعيد، قال: من منكم يعرف موضع العين؟ فقلنا: كلنا، يا أميرالمؤمنين.

فرجعنا فطلبنا العين فخفي مكانها علينا أشد خفاء، فظننا أن أمير

______________

(١) عرس المسافرون: نزلوا آخر الليل للراحة.

(٢) أي خالية من كل شئ.

(٣) اللجين: الفضة.

(٤) في نسخة: شتميا، وفي اخرى: شميتا.

٢٥١

المؤمنين عليه السلام قد رهقه العطش، فأومأنا بأطرافنا، فإذا نحن بصومعة(١) راهب فدنونا منها، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقلنا: يا راهب، عندك ماء نسقي منه صاحبنا. قال: عندي ماء قد استعذبته منذ يومين. فأنزل إلينا ماء مرا خشنا(٢) ، فقلنا: هذا قد استعذبته منذ يومين! فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا؟ وحدثناه بالامر، فقال: صاحبكم هذا نبي؟ قلنا: لا، ولكنه وصي نبي. فنزل إلينا بعد وحشته منا، وقال: انطلقوا بي إلى صاحبكم. فانطلقنا به، فلما بصر به أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: شمعون؟ قال الراهب: نعم شمعون، هذا اسم سمتني به أمي، ما أطلع عليه أحد إلا الله تبارك وتعالى، ثم أنت، فكيف عرفته، فأتم حتى أتمه لك؟ قال: وما تشاء يا شمعون؟ قال: هذا العين واسمه. قال: هذا عين راحوما وهو من الجنة، شرب منه ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا وأنا آخر الوصيين شربت منه. قال الراهب: هكذا وجدت في جميع كتب الانجيل، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمّدا رسول الله، وأنك وصي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ثم رحل أميرالمؤمنين عليه السلام والراهب يقدمه حتى نزل صفين، ونزل معه بعابدين(٣) والتقى الصفان، فكان أول من أصابته الشهادة الراهب، فنزل أميرالمؤمنين عليه السلام وعيناه تهملان وهو يقول: المرء مع من أحب، الراهب معنا يوم القيامة، ورفيقي في الجنة(٤) .

٢٧٧/١٥ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدّثنا الفضل بن الصقر العبدي، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن سليمان بن مهران الاعمش، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم السلام، قال:

______________

(١) الصومعة: متعبد الناسك، وبيت العبادة عند النصارى.

(٢) في نسخة: خشينا.

(٣) في نسخة: بعاندين.

(٤) بحار الانوار ٣٣: ٣٩/٣٨١.

٢٥٢

نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه، وبنا يمسك الارض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الارض، ولولا ما في الارض منا لساخت بأهلها.

قال عليه السلام: ولم تخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبدالله. قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب(١) .

٢٧٨/١٦ - وأنشدنا الشيخ الجليل أبوجعفر لبعضهم:

العالم العاقل ابن نفسه

أغناه جنس علمه عن جنسه

كم بين من تكرمه لغيره

وبين من تكرمه لنفسه(٢)

وصلّى الله على رسوله محمّد المصطفى وآله الطاهرين وسلم تسليما

______________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٠٧/٢٢، بحار الانوار ٢٣: ٥/١٠.

(٢) بحار الانوار ٢: ١٤.

٢٥٣

[ ٣٥ ]

المجلس الخامس والثلاثون

مجلس يوم الجمعة

الثاني والعشرين من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢٧٩/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبي الحسن عليّ بن الحسين البرقي، عن عبدالله بن جبلة، عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبدالله، عن أبيه، عن جده الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالوا: يا محمّد، أنت الذي تزعم أنك رسول الله، وأنك الذي يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران عليه السلام؟ فسكت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ساعة، ثم قال: نعم، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم النبيين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين.

قالوا: إلى من، إلى العرب، أم إلى العجم، أم إلينا؟ فأنزل الله عزّوجلّ هذه الآية (قل) يا محمّد (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)(١) .

قال اليهودي الذي كان أعلمهم: يا محمّد، إني أسألك عن عشر كلمات أعطى

______________

(١) الاعراف ٧: ١٥٨.

٢٥٤

الله عزّوجلّ موسى بن عمران في البقعة المباركة حيث ناجاه، لا يعلمها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب. قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: سلني. قال: أخبرني - يا محمّد - عن الكلمات التي اختارهن الله لابراهيم حيث بنى البيت. قال: النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: نعم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

قال اليهودي: فبأي شئ بنى هذه الكعبة مربعة؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: بالكلمات الاربع.

قال: لاي شئ سميت الكعبة؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لانها وسط الدنيا.

قال اليهودي: أخبرني عن تفسير: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: علم الله عزّوجلّ أن بني آدم يكذبون على الله، فقال: سبحان الله، تبريا مما يقولون، وأما قوله: الحمد لله، فإنه علم أن العباد لا يؤدون شكر نعمته، فحمد نفسه قبل أن يحمدوه، وهو أول الكلام، لو لا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمته، وقوله: لا إله إلا الله، يعني وحدانيته، لا يقبل الله الاعمال إلا بها، وهي كلمة التقوى، ويثقل الله بها الموازين يوم القيامة، وأما قوله: والله أكبر، فهي كلمة أعلى الكلمات وأحبها إلى الله عزّوجلّ، يعني أنه ليس شئ أكبر مني، لاتفتتح الصلوات إلا بها لكرامتها على الله وهو الاسم الاكرم.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فما جزاء قائلها؟

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: إذا قال العبد: سبحان الله، سبح معه ما دون العرش فيعطى قائلها عشر أمثالها، وإذا قال: الحمد لله، أنعم الله عليه بنعيم الدنيا موصولا بنعيم الآخرة، وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها، وينقطع الكلام الذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد لله، وذلك قوله عزّوجلّ:( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّـهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) . وأما قوله: لا إله

______________

(١) يونس ١٠: ١٠.

٢٥٥

إلا الله، فالجنة جزاؤه، وذلك قوله عزّوجلّ:( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) (١) يقول: هل جزاء لا إله إلا الله إلا الجنة.

فقال اليهودي: صدقت يا محمّد، قد أخبرت واحدة، فتأذن لي أن أسألك الثانية. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: صلني عما شئت، وجبرئيل عن يمين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: وميكائيل عن يساره يلقنانه، فقال اليهودي: لاي شئ سميت محمّدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا وداعيا؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أما محمّد فإني محمود فإني في الارض، وأما أحمد فإني محمود في السماء، وأما أبوالقاسم فإن الله عزّوجلّ يقسم يوم القيامة قسمة النار، فمن كفر بي من الاولين والآخرين ففي النار، ويقسم قسمة الجنة، فمن آمن بي وأقر بنبوتي ففي الجنة، وأما الداعي فإني أدعوا الناس إلى دين ربي، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير فإني ابشر بالجنة من أطاعني.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن الله عزّوجلّ، لاي شئ وقت هذه الخمس صلوات في خمس مواقيت على أمتك في ساعات الليل والنهار؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الشمس إذا طلعت عند الزوال، لها حلقة تدخل فيها، فإذا دخلت فيها زالت الشمس، فيسبح كل شئ دون العرش لوجه ربي، وهي الساعة التي يصلي علي فيها ربي، ففرض الله عزّوجلّ علي وعلى أمتي فيها الصلاة، وقال:( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٢) وهي الساعة التي يؤتى فيها بجهنم يوم القيامة، فما من مؤمن يوفق تلك الساعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا حرم الله عزّوجلّ جسده على النار.

وأما صلاة العصر، فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة، فأخرجه الله من الجنة، فأمر الله ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة، واختارها لامتي، فهي من أحب

______________

(١) الرحمن ٥٥: ٦٠.

(٢) الاسراء ١٧: ٧٨.

٢٥٦

الصلوات إلى الله عزّوجلّ، وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات.

وأما صلاة المغرب، فهي الساعة التي تاب الله فيها على آدم، وكان بين ما أكل من الشجرة، وبين ما تاب الله عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا، وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة، من وقت صلاة العصر إلى العشاء، فصلى آدم ثلاث ركعات: ركعة لخطيئته، وركعة لخطيئة حواء، وركعة لتوبته، فافترض الله عزّوجلّ هذه الثلاث ركعات على أمتي، وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء، فوعدني ربي أن يستجيب لمن دعاه فيها، وهذه الصلاة التي أمرني بها ربي عزّوجلّ، فقال( سُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (١) .

وأما صلاة العشاء الآخرة، فإن للقبر ظلمة، وليوم القيامة ظلمة، أمرني الله وأمتي بهذه الصلاة في ذلك الوقت، لتنور لهم القبور، وليعطوا النور على الصراط، وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة إلا حرم الله جسدها على النار، وهي الصلاة التي اختارها الله للمرسلين قبلي.

وأما صلاة الفجر، فإن الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان، فأمرني الله عزّوجلّ أن أصلي صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وقبل أن يسجد لها الكافر، فتسجد أمتي لله، وسرعتها أحب إلى الله، وهي الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني لاي شئ توضأ هذه الجوارح الاربع، وهي أنظف المواضع في الجسد؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لما أن وسوس الشيطان إلى آدم، ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها، ذهب ماء وجهه، ثم قام، وهو أول قدم مشت إلى الخطيئة، ثم تناول بيده، ثم مسها فأكل منها، فطار الحلي والحلل عن جسده، ثم وضع يده على أم رأسه وبكى، فلما تاب الله عزّوجلّ عليه، فرض الله عزّوجلّ عليه وعلى ذريته الوضوء

______________

(١) الروم ٣٠: ١٧.

٢٥٧

على هذه الجوارح الاربع، وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناول منها وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة، ثم سن على أمتي المضمضة لتنقي القلب من الحرام، والاستنشاق لتحرم عليهم رائحة النار ونتنها.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فما جزاء عاملها؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أول ما يمس الماء يتباعد عنه الشيطان، فإذا تمضمض نور الله قلبه ولسانه بالحكمة، فإذا استنشق آمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة، فإذا غسل وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه، وإذا غسل ساعديه حرم الله عليه أغلال النار، وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته، وإذا مسح قدميه أجازه الله على الصراط يوم تزل فيه الاقدام.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن الخامسة، لاي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة، ولم يمر من البول والغائط؟

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن آدم لما آكل من الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره وبشره، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعرة، فأوجب الله على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة، والبول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الانسان، والغائط يخرج من فضلة الطعام الذي يأكله، فعليهم منهما الوضوء.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني ما جزاء من اغتسل من الحلال؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن المؤمن إذا جامع أهله بسط سبعون ألف ملك جناحه، وتنزل الرحمة، فإذا اغتسل بنى الله له بكل قطرة بيتا في الجنة، وهو سر فيما بين الله وبين خلقه - يعني الاغتسال من الجنابة -.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن السادسة، عن خمسة أشياء مكتوبات في التوراة، أمر الله بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده.

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: فأنشدتك بالله إن أنا أخبرتك تقر لي؟ قال اليهودي:

٢٥٨

نعم يا محمّد.

قال: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أول ما في التوراة مكتوب محمّد رسول الله، وهي بالعبرانية: طاب، ثم تلا رسول الله هذه الآية( يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ) (١) ، و( مُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (٢) ، وفي السطر الثاني اسم وصيي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والثالث والرابع سبطي الحسن والحسين، وفي السطر الخامس أمهما فاطمة سيدة نساء العالمين، وفي التوراة اسم وصيي أليا، واسم سبطي شبر وشبير، وهما نورا فاطمة.

فقال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن فضلكم أهل البيت.

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لي فضل على النبيين، فما من نبي إلا دعا على قومه بدعوة، وأنا أخرت دعوتي لامتي لاشفع لهم يوم القيامة، وأما فضل أهل بيتي وذريتي على غيرهم كفضل الماء على كل شئ، وبه حياة كل شئ وحب أهل بيتي وذريتي استكمال الدين، وتلا رسول الله هذه الآية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٣) إلى آخر الآية.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني بالسابع: ما فضل الرجال على النساء؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: كفضل السماء على الارض، وكفضل الماء على الارض، فبالماء تحيا الارض، وبالرجال تحيا النساء، لولا الرجال ما خلق النساء، لقول الله عزّوجلّ:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ) (٤) .

قال اليهودي: لاي شئ كان هكذا؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: خلق الله عزّوجلّ آدم من طين، ومن فضلته وبقيته

______________

(١) الاعراف ٧: ١٥٧.

(٢) الصف ٦١: ٦.

(٣) المائدة ٥: ٣.

(٤) النساء ٤: ٣٤.

٢٥٩

خلقت حواء، وأول من أطاع النساء آدم فأنزله الله من الجنة، وقد بين فضل الرجال على النساء في الدنيا، ألا ترى إلى النساء كيف يحضن ولا يمكنهن العبادة من القذارة، والرجال لا يصيبهم شئ من الطمث!

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني لاي شئ فرض الله عزّوجلّ الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض على الامم أكثر من ذلك؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن آدم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما، ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزّوجلّ عليهم، وكذلك كان على آدم، ففرض الله عزّوجلّ على امتي ذلك، ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الآية( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) (١) .

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فما جزاء من صامها؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله له سبع خصال: أولها: يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله، والثالثة: يكون قد كفر خطيئة أبيه آدم، والرابعة: يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة: أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة: يعطيه الله براءة من النار، والسابعة: يطعمه الله من ثمرات الجنة.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن التاسعة، لاي شئ أمر الله بالوقوف بعرفات بعد العصر؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن العصر هي الساعة التي عصى فيها آدم ربه، ففرض الله عزّوجلّ على امتي الوقوف والتضرع والدعاء في أحب المواضع إليه، وتكفل لهم بالجنة، والساعة التي ينصرف فيها الناس هي الساعة التي تلقى فيها آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم.

______________

(١) البقرة ٢: ١٨٣، ١٨٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780