الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق0%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
تصنيف:

الصفحات: 780
المشاهدات: 414412
تحميل: 8078

توضيحات:

الأمالي شيخ الصدوق
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 414412 / تحميل: 8078
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير.

قال يعقوب: قد علمتم أن ابن يامين أحبكم إلي بعد أخيكم يوسف، وبه أنسي، وإليه سكوني من بين جماعتكم، فلن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم. فضمنه يهودا، فخرجوا حتى وردوا مصر، فدخلوا على يوسف عليه السلام، فقال لهم: هل بلغتم رسالتي؟ قالوا: نعم، وقد جئناك بجوابها مع هذا الغلام فسله عما بدا لك. قال له يوسف: بما أرسلك أبوك إلي يا غلام؟ قال: أرسلني إليك يقرئك السلام، ويقول: إنك أرسلت إلي تسألني عن حزني، وعن سرعة الشيب إلي قبل أوان المشيب، وعن بكائي وذهاب بصري، فإن أشد الناس حزنا وخوفا أذكرهم للمعاد، وإنما أسرع الشيب إلي قبل أوان المشيب لذكر يوم القيامة، وأبكاني وبيض عيني الحزن على حبيبي يوسف، وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك بأمري، فكان الله لك جازيا ومثيبا، وإنك لن تصلني بشئ أنا أشد فرحا به من أن تعجل علي ولدي ابن يامين، فإنه أحب أولادي إلي بعد يوسف، فأونس به وحشتي، وأصل به وحدتي، وتعجل علي بما أستعين به على عيالي.

فلما قال هذا خنقت يوسف عليه السلام العبرة حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة، ثم خرج إليهم وأمر لهم بطعام، وقال: ليجلس كل بني ام على مائدة. فجلسوا وبقي ابن يامين قائما، فقال له يوسف: ما لك لم تجلس؟ فقال له: ليس لي فيهم ابن ام. فقال له يوسف عليه السلام: أفما كان لك ابن ام؟ فقال له ابن يامين: بلى. فقال له يوسف عليه السلام فما فعل؟ قال: زعم هؤلاء أن الذئب أكله. قال: فما بلغ من حزنك عليه؟ قال: ولد لي اثني عشر ابنا كلهم اشتق لهم اسما من اسمه. فقال له يوسف عليه السلام: أراك قد عانقت النساء، وشممت الولد من بعده! فقال له ابن يامين: إن لي أبا صالحا، وإنه قال لي: تزوج، ولعل الله عزّوجلّ يخرج منك ذرية تثقل الارض بالتسبيح. فقال له يوسف عليه السلام: تعال فاجلس على مائدتي. فقال إخوة يوسف: لقد فضل الله يوسف وأخاه حتى إن الملك قد أجلسه معه على مائدته.

٣٢١

فأمر يوسف عليه السلام أن يجعل صواع(١) الملك في رحل ابن يامين، فلما تجهزوا( أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ ، قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ، قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ) . وكان الرسم فيهم والحكم أن السارق يسترق ولا يقطع( قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ) فحبسه، فقال إخوته لما أصابوا الصواع في وعاء ابن يامين( إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ، قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ،قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ ، فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّـهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّـهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ، ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ، وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) .

فلما رجعوا إلى أبيهم، قالوا ذلك له، قال: إن ابني لا يسرق( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (٢) . ثم أمر بنيه بالتجهيز إلى مصر، فساروا حتى أتوا مصر، فدخلوا على يوسف عليه السلام ودفعوا إليه كتاب من يعقوب يستعطفه فيه ويسأله رد ولده عليه، فلما نظر فيه خنقته العبرة، ولم يصبر حتى قام فدخل البيت فبكى ساعة، ثم خرج إليهم فقالوا له:( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) فقال لهم يوسف:( هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم

______________

(١) الصواع: مكيال يكال به.

(٢) يوسف ١٢: ٧٠ - ٨٣.

٣٢٢

بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ، قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، قَالُوا تَاللَّـهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ، قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .

ثم أمرهم بالانصراف إلى يعقوب عليه السلام وقال لهم( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) (١) . فهبط جبرئيل عليه السلام على يعقوب عليه السلام فقال: يا يعقوب، ألا أعلمك دعاء يرد الله عليك به بصرك، ويرد عليك ابنيك؟ قال: بلى. قال: قل ما قاله أبوك آدم فتاب الله عليه، وما قاله نوح فاستوت به سفينته على الجودي ونجا من الغرق، وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين ألقي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما. فقال يعقوب عليه السلام: وما ذاك يا جبرئيل؟ فقال: قل: يا رب، أسألك بحق محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، أن تأتيني بيوسف وابن يامين جميعا، وترد علي عيني. فما استتم يعقوب عليه السلام هذا الدعاء حتى جاء البشير، فألقى قميص يوسف عليه فارتد بصيرا. فقال لهم: ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ، قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٢) .

فروي في خبر عن الصادق عليه السلام، أنه قال: أخرهم إلى السحر، فأقبل يعقوب إلى مصر، وخرج يوسف ليستقبله، فهم بأن يترجل ليعقوب، ثم ذكر ما هو فيه من الملك فلم يفعل، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام، فقال له: يا يوسف، إن الله عزّوجلّ يقول لك: ما منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح؟ ما كنت فيه؟ أبسط يدك، فبسطها فخرج من بين أصابعه نور، فقال له: ما هذا، يا جبرئيل؟ فقال: هذا إنه لا يخرج من صلبك نبي أبدا عقوبة بما صنعت بيعقوب إذ لم تنزل إليه.

______________

(١) يوسف ١٢: ٨٨ - ٩٢.

(٢) يوسف ١٢: ٩٧ و ٩٨.

٣٢٣

فقال يوسف:( ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ ، وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ) ، فقال يوسف ليعقوب:( يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا - إلى قوله -تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) (١) .

٣٧٦/٨ - وروي في خبر عن الصادق عليه السلام، أنه قال: دخل يوسف السجن وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ومكث فيه ثمان عشرة سنة، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة، فذلك مائة سنة وعشر سنين(٢) .

وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين وسلم كثيراً

٣٧٧/٩ - وفي هذا اليوم أيضا بعد المجلس حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ بن الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا أبوغسان النهدي، قال: حدّثنا يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجبة، عن علي عليه السلام أنه قيل له: حدّثنا عن أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، حدّثنا عن أبي ذر الغفاري. قال: علم العلم ثم أوكاه، وربط عليه رباطا شديدا.

قالوا: فعن حذيفة، قال: تعلم أسماء المنافقين.

قالوا: فعن عمار بن ياسر. قال: مؤمن ملئ مشاشه إيمانا، نسي، إذا ذكر ذكر.

قيل: فعن عبدالله بن مسعود. قال: قرأ القرآن فنزل عنده.

قالوا: فحدثنا عن سلمان الفارسي. قال: أدرك العلم الاول والآخر، وهو بحر لا ينزح، وهو منا أهل البيت.

قالوا: فحدثنا عنك، يا أميرالمؤمنين. قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت(٣) .

______________

(١) بحار الانوار ١٢: ٢٥٦/٢٣، والآية من سورة يوسف ١٢: ٩٩ - ١٠١.

(٢) بحار الانوار ١٢: ٢٥٦/٢٣.

(٣) بحار الانوار ٢٢: ٣١٨/٤.

٣٢٤

[ ٤٤ ]

المجلس الرابع والاربعون

مجلس يوم الثلاثاء

الخامس والعشرين من صفر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٣٧٨/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: سمعته يقول: ما أحسن الحسنات بعد السيئات! وما أقبح السيئات بعد الحسنات(١) .

٣٧٩/٢ - حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن المفضل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله، وظلم لا يغفره الله، وظلم لا يدعه الله، فأما الظلم الذي لا يغفر الله عزّوجلّ فالشرك بالله، وأما الظلم الذي يغفره الله عزّوجلّ فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عزّوجلّ، وأما الظلم

______________

(١) بحار الانوار ٧١: ٢٤٢/١.

٣٢٥

الذي لا يدعه الله عزّوجلّ فالمداينة بين العباد(١) .

٣٨٠/٣ - وقال عليه السلام: ما يأخذ المظلوم من دين الظالم، أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم(٢) .

٣٨١/٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن يحيى الحلبي، عن أبيه، عن عبدالله بن سليمان، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال لرجل: يا فلان، لا تجالس الاغنياء، فإن العبد يجالسهم وهو يرى أن لله عليه نعمة، فما يقوم حتى يرى أن ليس لله عليه نعمة(٣) .

٣٨٢/٥ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، قال: حدّثنا عمي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن المفضل، عن جابر، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، في قول الله عزّوجلّ:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) (٤) ، قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله عزّوجلّ يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين الفاحش المتفحش، السائل الملحف، ويحب الحيي الحليم، العفيف المتعفف(٥) .

٣٨٣/٦ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن الحسين بن سعيد، قال: حدّثنا إبراهيم بن أبي البلاد، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي، قال: قال أبوجعفر الباقر عليه السلام: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة، وأول أهل الجنة

______________

(١) الخصال: ١١٨/١٠٥، بحار الانوار ٧٥: ٣١١/١٥.

(٢) بحار الانوار ٧٥: ٣١١/١٥.

(٣) بحار الانوار ٧٤: ١٩٤/٢١.

(٤) البقرة ٢: ٨٣.

(٥) تفسير العياشي ١: ٤٨/٦٣، بحار الانوار ٧٤: ١٦١/١٩.

٣٢٦

دخولا إلى الجنة أهل المعروف، وإن أول أهل النار دخولا إلى النار أهل المنكر(١) .

٣٨٤/٧ - حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد العلوي رحمه الله، في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال: أخبرني عليّ بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إلي سنة سبع وثلاثمائة، قال: حدّثنا أبي، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: في التوراة مكتوب فيما ناجى الله عزّوجلّ به موسى بن عمران عليه السلام: يا موسى، خفني في سر أمرك أحفظك من وراء عورتك، واذكرني في خلواتك وعند سرور لذاتك اذكرك عند غفلاتك، واملك غضبك عمن ملكتك عليه أكف عنك غضبي، وأكتم مكنون سري في سريرتك، وأظهر في علانيتك المداراة عني لعدوي وعدوك من خلقي، ولا تستسب لي عندهم بإظهارك مكنون سري، فتشرك عدوك وعدوي في سبي(٢) .

٣٨٥/٨ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول في سجوده: أناجيك يا سيدي كما يناجي العبد الذليل مولاه، وأطلب إليك طلب من يعلم أنك تعطي ولا ينقص مما عندك شئ، واستغفرك استغفار من يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأتوكل عليك توكل من يعلم أنك على كل شئ قدير(٣) .

٣٨٦/٩ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد ابن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثني أبوحفص عمرو بن خالد، عن أخيه سفيان بن خالد، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: من استغفر الله عزّوجلّ بعد العصر سبعين مرة غفر الله له ذلك

______________

(١) أمالي الطوسي: ٦٠٣/١٢٤٩، بحار الانوار ٧٤: ٤٠٧/١.

(٢) أمالي المفيد: ٢١٠/٤٦، بحار الانوار ١٣: ٣٢٨/٦.

(٣) بحار الانوار ٨٦: ٢٢٧/٤٧.

٣٢٧

اليوم سبعمائة ذنب، فإن لم يكن له فلابيه، فإن لم يكن لابيه فلامه، فإن لم يكن لامه فلاخيه، فإن لم يكن لاخيه فلاخته، فإن لم يكن لاخته فللاقرب فالاقرب(١) .

٣٨٧/١٠ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن محمّد بن أبي الصهبان، عن أبي عمران الارمني، عن عبدالله بن الحكم، عن جابر، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: قلت له: إن قوما إذا ذكروا بشئ من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم حتى يرى أنه لو قطعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك. فقال: سبحان الله! ذاك من الشيطان، ما بهذا أمروا، إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل(٢) .

٣٨٨/١١ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، قال: من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها فأقام حدودها، رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية، وهي تهتف به: حفظك الله كما حفظتني، واستودعك الله كما استودعتني ملكا كريما، ومن صلاها بعد وقتها من غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به: ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني.

ثم قال الصادق عليه السلام: إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل جلاله الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض، وعن الحج المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فإن أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله عزّوجلّ منه شيئا من أعماله(٣) .

______________

(١) بحار الانوار ٨٦: ٧٨/٢.

(٢) بحار الانوار ٧٠: ١١٢/١.

(٣) بحار الانوار ٢٧: ١٦٧/٢، و ٨٣: ١٠/٧.

٣٢٨

٣٨٩/١٢ - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز، عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام: إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف أن لا يعود إليها أبدا، ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من عن يمينك وشمالك لاحسنت صلاتك، واعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه(١) .

٣٩٠/١٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوأحمد عبد العزيز بن يحيي الجلودي البصري، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا، قال: حدّثنا شعيب بن واقد، قال: حدّثنا القاسم بن بهرام عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس.

وحدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أبوأحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدّثنا الحسن بن مهران، قال: حدّثنا سلمة بن خالد(٢) ، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليه السلام، في قوله عزّوجلّ:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (٣) ، قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما. فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عزّوجلّ، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام، وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.

فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف،

______________

(١) ثواب الاعمال: ٣٥، بحار الانوار ٨٣: ١٠/٨، ٩.

(٢) في نسخة: مسلمة بن خالد، وهو مذكور في الجرح والتعديل ٨: ٢٦٧/١٢٢٠، ولم تذكر روايته عن الصادق عليه السلام، والذي في رجال الشيخ: ٢١٢/١٥٧: سلمة بن خالد الكوفي، من أصحاب الصادق عليه السلام، ولعله مسلم بن خالد المكي، فقد روى عنه عليه السلام في الحديث (١٤) من المجلس (٤٦).

(٣) الانسان ٧٦: ٧.

٣٢٩

فقال: هل لك أن تعطيني جزة(١) من صوف تغزلها لك ابنة محمّد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال: نعم. فأعطاه فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعا من الشعير، فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم المغرب، ثم أتى منزله، فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة. فوضع اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائعا حزين

كل امرئ بكسبه رهين

من يفعل الخير يقف سمين

موعده في جنة رحيم

حرمها الله على الضنين

وصاحب البخل يقف حزين

تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:

أمرك سمع يا بن عم وطاعة

ما بي من لؤم ولا وضاعة(٢)

غذيت باللب وبالبراعة(٣)

أرجو إذا أشبعت من مجاعة

أن ألحق الاخيار والجماعة

وأدخل الجنة في شفاعة

وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا،

______________

(١) الجزة: صوف شاة في سنة.

(٢) في نسخة: ولا ضراعة.

(٣) في نسخة: وبالبراءة.

٣٣٠

وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح(١) .

ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أتى منزله، فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين، قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة. فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم

حرمها الله على اللئيم

وصاحب البخل يقف ذميم

تهوي به النار إلى الجحيم

شرابها الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

فسوف أعطيه ولا أبالي

وأؤثر الله على عيالي

أمسوا جياعا وهم أشبالي

أصغرهما يقتل في القتال

بكربلاء يقتل باغتيال

لقاتليه الويل مع وبال

يهوي في النار إلى سفال

كبوله زادت على الاكبال

ثم عمدت فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أتى منزله، فقرب إليه الخوان، وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من أسراء

______________

(١) أي الخالص.

٣٣١

المشركين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا! فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت النبي سيد مسود

قد جاءك الاسير ليس يهتد

مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأعطني لا تجعليه ينكد

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

لم يبق مما كان غير صاع

قد دبرت كفي معه الذراع

شبلاي والله هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل(١) الذراعين طويل الباع

وما على رأسي من قناع

إلا عبا نسجتها بصاع

وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه، وباتو جياعا، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ.

قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين عليهما السلام نحو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: يا أبا الحسن، شد ما يسوءني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة. فانطلقوا إليها وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أرى! فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد، خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك. قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال:( هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ) حتى إذا بلغ( إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) (٢) .

______________

(١) أي ضخم.

(٢) الانسان ٧٦: ١ - ٢٢.

٣٣٢

وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى دخل منزل فاطمة عليها السلام فرأى ما بهم فجمعهم، ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى، وأنا غافل عنكم! فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآيات( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) ، قال: هي عين في دار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تفجر إلى دور الانبياء والمؤمنين( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم( وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) ، يقول: عابسا كلوحا( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له( مِسْكِينًا ) من مساكين المسلمين( وَيَتِيمًا ) من يتامى المسلمين( وَأَسِيرًا ) من أسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم:( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ) ، قال: والله ما قالوا هذا لهم، ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد منكم جزاء تكافؤننا به ولا شكورا تثنون علينا به، ولكنا إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.

قال الله تعالى ذكره:( فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً ) في الوجوه( وَسُرُورًا ) في القلوب( وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً ) يسكنونها( وَحَرِيرًا ) يفترشونه ويلبسونه( مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ) والاريكة السرير عليه الحجلة(١) ( لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ) .

قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة: يا رب، إنك قلت في كتابك:( لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا ) ؟ فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرئيل. فيقول: ليس هذه بشمس، ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت( هَلْ أَتَىٰ ) فيهم إلى قوله تعالى:( وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) (٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) الحجلة: ساتر كالقبة يزين بالثياب والستور للعروس.

(٢) بحار الانوار ٣٥: ٢٣٧/١.

٣٣٣

[ ٤٥ ]

المجلس الخامس والاربعون

مجلس يوم الجمعة

لليلتين بقيتا من صفر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٣٩١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد الدقاق رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد، قال: حدّثنا أبي، عن خالد بن إلياس، عن أبي بكر بن عبدالله ابن أبي جهم، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب، قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، فأتيت كاهنة قريش، وعلي مطرف(١) خز، وجمتي(٢) تضرب منكبي، فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير، فاستوت، وأنا يومئذ سيد قومي، فقال: ما شأن سيد العرب متغير اللون! هل رابه من حدثان الدهر(٣) ريب؟

فقلت لها: بلى، إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر، كأن شجرة قد نبتت على

______________

(١) المطرف: رداء أو ثوب من خز مربع ذو أعلام.

(٢) الجمة: ما ترامى من شعر الرأس على المنكبين.

(٣) أي نوائبه وحوادثه.

٣٣٤

ظهري، قد نال رأسها السماء، وضربت بأغصانها الشرق والغرب، ورأيت نورا يزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا، ورأيت العرب والعجم ساجدة لها، وهي كل يوم تزداد عظما ونورا، ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها، وأنظفهم ثيابا، فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لا تناول غصنا من أغصانها، فصاح بي الشاب: مهلا، ليس لك منها نصيب. فقلت: لمن النصيب والشجرة مني؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها، وستعود إليها: فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون.

فرأيت لون الكاهنة قد تغير، ثم قالت: لئن صدقت(١) ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب، وينبأ في الناس - فتسرى عني غمي - فانظر أبا طالب لعلك تكون أنت. وكان أبوطالب يحدث بهذا الحديث، والنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قد خرج ويقول: كانت الشجرة والله أبا القاسم الامين(٢) .

٣٩٢/٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا أبوالعباس أحمد بن يحيى بن زكريا، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد، قال: حدّثنا أبي، عن سعيد بن مسلم مولى لبني مخزوم، عن سعيد بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: سمعت أبي العباس يحدث، قال: ولد لابي عبد المطلب عبدالله، فرأينا في وجهه نورا يزهر(٣) كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأنا عظيما. قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض، فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم رجع راجعا حتى سقط على بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها، فبينما الناس يتأملونه إذ صار نورا بين السماء والارض، وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب. فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت: يا عباس، لئن صدقت رؤياك ليخرجن من

______________

(١) أي الرؤيا.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة: ١٧٣/٣٠، بحار الانوار ١٥: ٢٥٤/٧.

(٣) أي يشرق ويتلالا.

٣٣٥

صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له.

قال أبي: فهمني أمر عبدالله إلى أن تزوج بآمنة، وكانت من أجمل نساء قريش، وأتمها خلقا، فلما مات عبدالله وولدت آمنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أتيته، فرأيت النور بين عينيه يزهر، فحملته وتفرست في وجهه، فوجدت منه ريح المسك، وصرت كأني قطعة مسك من شدة ريحي، فحدثتني آمنة وقالت لي: إنه لما أخذني الطلق واشتد بي الامر، سمعت جلبة(١) وكلاما لا يشبه كلام الآدميين، ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والارض، ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار نورا، ورأيت حولي من القطاة أمرا عظيما، قد نشرت أجنحتها حولي، ورأيت شعيرة الاسدية قد مرت وهي تقول: آمنة، ما لقيت الكهان والاصنام من ولدك!

ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا، وأشدهم بياضا، وأحسنهم ثيابا، ما ظننته إلا عبد المطلب، قد دنا مني فأخذ المولود، فتفل في فيه، ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد، ومشط من ذهب، فشق بطنه شقا، ثم أخرج قلبه فشقه، فأخرج منه نكتة سوداء فرمى بها، ثم أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها، فإذا فيها كالذريرة(٢) البيضاء فحشاه، ثم رده إلى ما كان، ومسح على بطنه، واستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال، إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه وكلاءته، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وشجاعة، أنت خير البشر، طوبى لمن اتبعك، وويل لمن تخلف عنك. ثم أخرج صرة أخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم، فضرب على كتفيه، ثم قال: أمرني ربي أن أنفخ فيك من روح القدس. فنفخ فيه، وألبسه قميصا، وقال: هذا أمانك من آفات الدنيا. فهذا ما رأيت - يا عباس - بعيني.

قال العباس: وأنا يومئذ أقرأ، فكشفت عن ثوبه، فإذا خاتم النبوة بين كتفيه، فلم

______________

(١) الجلبة: الصياح والصخب.

(٢) الذريرة: ما يذر في العين وعلى الجرح من دواء يابس وعلى الطعام من ملح مسحوق.

٣٣٦

أزل أكتم شأنه، وأنسيت الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتى ذكرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

٣٩٣/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليه السلام، قال: اغتنموا الدعاء عند خمس: عند قراءة القرآن، وعند الاذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة، وعند دعوة المظلوم ليس لها حجاب دون العرش(٢) .

٣٩٤/٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عليّ بن النعمان، عن عبدالله بن طلحة النهدي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أربعة لا ترد لهم دعوة، وتفتح لها أبواب السماء وتصير إلى العرش: دعاء الوالد لولده، والمظلوم على من ظلمه، والمعتمر حتى يرجع، والصائم حتى يفطر(٣) .

٣٩٥/٥ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: أن عليا عليه السلام: كان يقول: ما من أحد ابتلي، وإن عظمت بلواه، بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء(٤) .

٣٩٦/٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن وهب بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام، قال:

______________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ١٧٥/٣٣ بحار الانوار ١٥: ٢٥٦/٨.

(٢) بحار الانوار ٩٣: ٣٤٣/١.

(٣) فضائل الاشهر الثلاثة: ١١١/١٠٤، بحار الانوار ٩٣: ٣٥٤/١، و ٩٦: ٢٥٦/٣٩.

(٤) بحار الانوار ٩٣: ٣٨٠/٢.

٣٣٧

كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا رأى الفاكهة الجديدة قبلها ووضعها على عينيه وفمه، ثم قال: اللهم كما أريتنا أولها في عافية فأرنا آخرها في عافية(١) .

٣٩٧/٧ - حدّثنا حمزة بن محمّد العلوي رحمه الله، قال: أخبرني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن مالك الجهني، قال: ناولت أبا عبدالله الصادق عليه السلام شيئا من الرياحين، فأخذه فشمه ووضعه على عينيه، ثم قال: من تناول ريحانة فشمها ووضعها على عينيه ثم قال: اللهم صل على محمّد وآل محمّد، لم تقع على الارض حتى يغفر له(٢) .

٣٩٨/٨ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: علمني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا لبست ثوبا جديدا أن أقول: الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أتجمل به في الناس، اللهم اجعلها ثياب بركة أسعى فيها بمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك، فإنه من فعل ذلك لم يتقمصه(٣) حتى يغفر له(٤) .

٣٩٩/٩ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى، عن عباس مولى الرضا، عن أبي الحسن الرضا، عن أبيه عليهما السلام، قال: كان أبوعبدالله الصادق عليه السلام يقول: من قال حين يسمع أذان الصبع: اللهم إني أسألك بإقبال نهارك، وإدبار ليلك، وحضور صلاتك(٥) ، وأصوات دعاتك(٦) ، أن تتوب علي، إنك أنت التواب الرحيم، ومن قال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ثم مات من يومه،

______________

(١) بحار الانوار ٩٥: ٣٤٧/١.

(٢) بحار الانوار ٩٥: ٣٤٧/٢.

(٣) يقال: تقمص القميص، إذا لبسه.

(٤) وسائل الشيعة ٣: ٣٧٣/٢.

(٥) في نسخة: صلواتك.

(٦) زاد في نسخة: وتسبيح ملائكتك أن تصلي على محمّد وآل محمّد و.

٣٣٨

أو من ليلته تلك، كان تائبا(١) .

٤٠٠/١٠ - حدثني محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثني علي ابن ابراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن السراج، يرفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام، قال: من قطع ثوبا جديدا وقرأ (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ستا وثلاثين مرة، فإذا بلغ (تنزل الملائكة)(٢) أخرج شيئا من الماء ورش بعضه على الثوب رشا خفيفا، ثم صلى فيه ركعتين، ودعا ربه، وقال في دعائه: الحمد لله الذي رزقني مما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي، وأصلي فيه لربي، وحمد الله(٣) ، لم يزل يأكل في سعة حتى يبلى ذلك الثوب(٤) .

٤٠١/١١ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني عبدالله بن جعفر، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام: أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من رأى يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو أحدا على غير ملة الاسلام، فقال: الحمد لله الذي فضلني عليك بالاسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبمحمّد نبيا، وبعلي إماما، وبالمؤمنين إخوانا، وبالكعبة قبلة، لم يجمع الله بينه وبينه في النار أبدا(٥) .

٤٠٢/١٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن العيص بن القاسم، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: من نظر إلى ذي عاهة، أو من قد مثل به، أو صاحب بلاء، فليقل سرا في نفسه من غير أن يسمعه. الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، ولو شاء لفعل بي ذلك، ثلاث مرات،

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام: ١: ٢٥٣/١، ثواب الاعمال: ١٥٢، بحار الانوار ٨٤: ١٧٣/١.

(٢) القدر ٩٧: ٤.

(٣) في نسخة: والحمد لله.

(٤) ثواب الاعمال: ٢٥، وسائل الشيعة ٣: ٣٧١/٣.

(٥) قرب الاسناد: ٧٠/٢٢٧، ثواب الاعمال: ٢٦، بحار الانوار ٩٣: ٢١٧/١.

٣٣٩

فإنه لا يصيبه ذلك البلاء ابدا(١) .

٤٠٣/١٣ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن محمّد بن عيسى، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: ما هذا؟ فقالوا: علامة. قال: وما العلامة؟ قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، وبالاشعار والعربية. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه(٢) .

٤٠٤/١٤ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثني عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: بني الاسلام على خمس دعائم: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وولاية أميرالمؤمنين والائمة من ولده (صلوات الله عليهم)(٣) .

٤٠٥/١٥ - حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد البزاز، قال: حدّثنا أبوأحمد داود بن سليمان الفراء، قال: حدثني عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمّد الصادق، قال: حدثني أبي محمّد بن عليّ الباقر، قال: حدثني أبي عليّ بن الحسين زين العابدين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي أميرالمؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الايمان إقرار باللسان، ومعرفة

______________

(١) بحار الانوار ٩٣: ٢١٧/٢.

(٢) الكافي ١: ٢٤/١ بزيادة: عوالي اللآلئ ٤: ٧٩/٧٥ بزيادة، بحار الانوار ١: ٢١١/٥، وزاد في نسخة: ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل.

(٣) بحار الانوار ٦٨: ٣٧٦: ٢٢.

٣٤٠