الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 464699 / تحميل: 8979
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ولكن إذا قد انتهينا من مسيلمة النبي، فإنّ بحثنا عنه سيبقى قاصراً إن نحن وقفنا عند ذاك ولم نحاول أن نعالج ولو بإيجاز، أسباب الحرب التي خاضها مسيلمة وبنو حنيفة كما نراها في ضوء الوقائع التي سبقت. لا كما يراها المتحكّمون بالتأريخ من خصوم العقل وأعدائه.

لقد شهدت اليمامة في نهاية عام ١١ للهجرة أقسى وأعنف حرب عرفها المسلمون حتى ذلك التأريخ. استقتل فيها بنو حنيفة وفقدوا وحدهم دون حساب قتلى المسلمين، أكثر من عشرين ألف، بينهم عددٌ من أبرز رجالهم، على رأسهم مسيلمة نفسه(١) .

ولا يمكن أن يدفع بنو حنيفة هذا العدد الكبير من خيرة رجالهم، ثمناً لنبوّة كاذبةٍ أو شهادة كاذبة جاء بها الرجال بن عنفوة الذي قتل هو أيضاً في هذه الحرب. وكان سهلاً عليه حين استحرّ القتل في قومه، أن يعلن كذب شهادته ومعها كذب مسيلمة، وينجو بنفسه وبقومه من القتل والسبي، ومن ذل وعار يلحق الأجيال من بني حنيفة ما بقي منهم أحد.

لقد كانت حرب بني حنيفة في اليمامة أقسى وأعنف بكثير مما سبقها. لكنها لم تكن لتختلف عمّا سبقها من حيث الدوافع والأسباب.

كانت حرب طليحة وغطفان كما رأينا، بسبب الزكاة التي لم يريدوا إرسالها إلى المدينة، مفضّلين إبقاءها وتوزيعها على فقرائهم، وهم كما يتصوّرون، أحقّ بها ممّن في المدينة.

وكانت الحجّة في الحملة على مالك وقومه من تميم، حبس زكاتهم وعدم إرسالها إلى المدينة.

وكانت الحرب ضد كِندة، كما سنرى، بسبب الزكاة أيضاً والاستيلاء على ناقةٍ لا زكاة عليها.

____________________

(١) تاريخ الطبري حوادث سنة ١١ ج ٣ ص ٢٩٧، وتأريخ ابن الأثير حوادث نفس السنة ج ٢ ص ٢٢٣.

١٠١

وما أظن حرب بني حنيفة، كانت لها أسباب أخرى غير ما رأينا، وغير الرفض الذي يشاركهم فيه سواهم من (المرتدّين) لهذا التكتّل القرشي الذي بدأ بالظهور وفرض سيطرته على الحياة الإسلاميّة، وهو تكتّل ضمّ العديد من رجال قريش من غير ذوي السابقة في الدين، ومن أصحاب العصبيّة والجاه قبل الإسلام الذي لم يدخلوا فيه، إلاّ بعد اليأس من مقاومته والانتصار عليه، إذ كان دخولهم في الإسلام يمثّل الضمان الوحيد لاستعادة مجدهم ونفوذهم، وبلوغ السلطة التي كانوا يطمعون فيها ويخشون أن تفلت من أيديهم إلى غيرهم، ممّن سبقوهم إلى الإسلام. وقد سبق أن تحدّثنا عن هذا بتفصيل في مقدّمة الكتاب.

وإن كان هذا التكتّل قد بدأ بـ (قرشية) الخليفة فإنه لم ينته بـ(السواد، بستان قريشٍ) إذ استمرّت قرشيّة الخليفة، واستعمر معها كل سواد بستاناً للخليفة من قريش ولأهله وذويه.

على أنّ الحديث عن ردّة مسيلمة وبني حنيفة، لن يكمل، وسنشعر بالتقصير إزاء بطل حروب الردّة، إذا نحن لم نبارك له زواجه الثاني أثناء المعركة مع مسيلمة، من ابنة مجاعة بن مرارة، أحد قادة الردّة من بني حنيفة، وعلى أرض المعركة جثث ألف ومائتين من قتلى المسلمين لم تجف دماؤهم بعد.

لقد أعجبته ابنة مجاعة بن مرارة، ولم تكن ذات زوج يمنعه الزواج منها ليقتله، فغفر لأبيها ردّته وتركه حيّاً بعد أن قتل من كان معه من بني حنيفة.

وقد سارع الخليفة أبو بكر فبارك قبلي الزواج الثاني لسيف الإسلام بكتاب أنقل لك بعض ما جاء فيه (لعمري يا بن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجلٍ من المسلمين لم يجف بعد)(١) .

وقبل كتاب أبي بكر بتهنئه خالد بزواجه الجديد، كان هناك ما هو أهم وأخطر، مما يلقي الضوء على سلوك خالد فيما سُمّي بحروب الردّة.

____________________

(١) يتهم بعض المؤرخين خالد بن الوليد بأنه (كان فيه تقدم على رأي أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبوبكر: تقدم على قتل مالك بن نويرة وصالح أهل اليمامة ونكح ابنة مجاعة بن مرارة) = = أنظر كتاب نسب قريش لمصعب بن عبدالله الزبيري - نشر وتعليق ليفي بروفنسال - طبعة دار المعارف للطباعة ص ٣٢١ وثمار القلوب في المضاف والمنسوب لأبي منصور الثعالبي طبعة القاهرة ١٩٠٨ ص ١٨ والذي يضيف (... ونكاحة امرأته - يعني امرأة مالك بن نويرة - من غير أن ترجع عن ردتها).

١٠٢

كان هناك محمد بن عبدالله: رسول الله ونبي المسلمين، وهو يستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتى أنه يرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول (اللّهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد)(١) يكرّرها ثلاثاً. وذلك حين أرسله إلى بني جذيمة من كنانة داعياً لا مقاتلاً، فصنع بهم ما صنعه بمالك وأصحابه فيما بعد: طلب منهم أن يضعوا السلاح (فإن الناس قد أسلموا) كما قال لهم. فلّما وضعوا السلاح ثقةً به، أمر بهم فكتفوا ثم قتل منهم من قتل.

وهي قصّة تجدها في كل كتب السيرة والتأريخ في حوادث عام ٨ للهجرة، مع تفصيل أسباب حقد خالد على بني جذيمة، منذ أن قتلوا عمّه الفاكه بن المغيرة في الجاهلية.

____________________

(١) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٤٣٠ وتأريخ الطبري ج ٣ ص ٦٧ - ٦٨ وابن الأثير ج ٢ ص ١٢٨ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ١٨٥ - ١٨٧ والمعارف لابن قتيبة ط دار الكتب ١٩٦٠ ترجة خالد بن الوليد ص ٢٦٧ وصحيح البخاري (باب رفع الأيدي بالدعاء) وحديث ٦٣٤١.

١٠٣

الباب السادس

( ردّة حضرموت وكِندة )

١٠٤

الباب السادس

( ردّة حضرموت وكِندة )

ما قرأت ما يكتبه المؤرّخون عن ردّة حضرموت وكِندة إلاّ أسرع ذهني إلى حرب البسوس.

فبسبب ناقة قامت هذه الحرب في الجاهليّة بين أكبر حييّن من ربيعة: بكر وتغلب، وقتل فيها من قتل.

وبسبب ناقة، قامت حربٌ ما يزال اسمها (الردّة) بين المسلمين من أهل اليمن وبين المسلمين من جيش السلطة وأنصارها. قتل فيها من قتل وأسر أو سبي من نجا من القتل.

وإذا كانت الحرب الأولى عرفت في التأريخ باسم صاحبة الناقة: البسوس التي أصبحت فيما بعد رمزاً للشؤم بين الناس، فما أحرى الحرب الثانية أن تعرف بحرب (شذرة) نسبة إلى اسم الناقة التي قامت بسببها هذه الحرب، وما أحرى هذه الناقة أن تكون هي الأخرى رمزاً للشؤم بين الناس فلا تستقل ناقة البسوس وحدها بذلك (الفضل).

وإليك باختصار رواية حرب شذرة أو ردّة اليمن كما يصطلح على تسميتها المؤرّخون(١) .

كان زياد بن لبيد البياضي الأنصاري قد ولّي صدقات بني عمرو بن معاوية من كِندة، فقدم عليهم وهم بالرياض(٢) . فكان أوّل من أتاه وصدّقه منهم غلام يقال له شيطان بن حجر(٣) .

فأعجبت زياداً بكرة من إبل الصدقة التي قدم بها الغلام، فدعا بها فوضع عليها الميسم الخاص بهذه الإبل. ولم تكن الناقة لشيطان بل لأخيه وليس عليه صدقةٌ. وكان شيطان قد وهم حين أخرجها ضمن إبل الصدقة وظنّها غيرها، فقال العداء ـ صاحب الناقة ـ : هذه شذرة باسمها. واعترف شيطان بصدق أخيه وبأنّها ناقته وطلب من زياد ردّها وأخذ غيرها بدلاً عنها، فرفض زياد ذلك و(اتّهمه بالكفر ومباعدة الإسلام) ومنعهما عنها.

____________________

(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٣٢، وابن الأثير ج ٢ ص ٢٣٤.

(٢) الرياض أرض باليمن بين مهرة وحضرموت. مراصد الاطلاع ج ٢ ص ٦٤٦.

(٣) أشك أن يكون هذا هو اسمه الحقيقي فربما كان من وضع بعض المتعصّبين ضد ما دعي بردّة اليمن فاختاروا لمن ظنوه سبباً فيها بعض الأسماء الى المسلمين وأشدّها اتصالاً بالشر تنفيراً منها وتبغيضاً لمن قام بها. ويقوّي هذا الشك عندي أن (شيطان) ليس من الأسماء الشائعة عند العرب.

١٠٥

وترادّوا الكلام فاستصرخ العداء آل عمرو فأقبل من رؤسائهم حارثة بن سراقة وكلّم زياداً في إطلاق ناقة الرجل مقابل ما يختار من غيرها من الإبل. لكن زياداً أصرّ على الرفض فعمد حارثة إلى الناقة وأطلقها. فلم يكن من زياد إلاّ أن أمر شباباً من حضرموت والسكون فنالوه بأيديهم وكتفوه وكتفوا أصحابه وارتهنوهم واستردّوا الناقة.

وتستطيع أن تتصوّر النتيجة: غضبت بنو معاوية لحارثة وغضبت حضرموت والسكون لزياد، وتوافى جمع كثيف من الفريقين ولكن دون أن يحصل قتال بينهما حتى الآن. أمّا بنو معاوية فلمكان أسراهم عند زياد، وأما زياد وأصحابه فلأنهم لم يجدوا سبباً يتعلقّون به على بني معاوية.

وكان من الممكن أن يقف الأمر عند هذا الحد وأن تحل المشكلة بالحسنى، لولا أن يرسل زياد إلى بني معاوية يطلب منهم أن يضعوا السلاح أو يؤذنوا بحرب، دون أن يعيد إليهم أسراهم.

وردّ بنو معاوية بأنهم لن يضعوا السلاح قبل عودة أصحابهم المرتهنين عند زياد.

فماذا كان جواب الأمير إلى بني معاوية؟ قال إنهم (لا يرسلون أبداً حتى ترفضوا وأنتم صغرة قمأة يا أخابث الناس ...)(١) .

هكذا كان جواب زياد إلى بني معاوية، وهم يطالبون بعودة أسراهم الذين لم يفعلوا شيئاً يثير غضب الأمير. وهو جواب فيه الكثير ـ كما ترى ـ من الاستلاء والاستهانة ببني معاوية. ثم لم يكتف زياد بذاك فزحف إليهم ليلاً وقتل فيهم وتفرّق الباقون. وعند ذاك فقط أمر بإطلاق سراح الأسرى الثلاثة لديه.

ولما رجع هؤلاء إلى أصحابهم حرّضوهم على زياد ومن معه فاجتمع بنو معاوية على منع الصدقة.

وتتابعت المعارك بين الطرفين، وشارك الأشعث بن قيس زعيم كِندة مع قومه من بني الحارث بن معاوية فيها، حميّة وانتصاراً لقومه. وكانت آخر معاركهم معركة النجير(٢) : حصن لكِندة. لم يدع المسلمون حين اقتحموه (مقاتلاً إلاّ قتلوه وضربوا أعناقهم صبراً وأخذوا الأموال والسبي ...)(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٣٣.

(٢) حصن لكِندة باليمن قرب حضرموت.

(٣) تاريخ الطبري ج ٣، وابن الأثير ج ٢ ص ٢٣٦.

١٠٦

إلى هنا أنتهي من رواية هذه الردّة.

ولا بدّ أنّ أسئلة كثيرة أثارتها لديك. وهي أسئلة حاولت أن أتجاوزها فلم أستطع. وحاولت أن أجد مخرجاً لها أو عذراً عنها فلم أستطع.

فأوّل ما يواجهك فيما يُسمّى بردّة كِندة أنّ المتّهمين بها هم الذين جاؤوا بصدقاتهم إلى زياد بن لبيد. لم يمتنعوا ولم يختلفوا، ولم يتحدّث المؤرّخون عن أيّة مشكلة أثارها بنو عمرو بن معاوية في تسليم صدقاتهم كبعض العرب الآخرين.

فأين وجه الردّة هنا، وهم لم ينكروا نبوّة محمد ولا فرضاً من الإسلام ولم يحملوا السيف ولم يثوروا ولم يحاربوا.

وإذا كان هناك بين العرب من امتنع عن إرسال الزكاة إلى المدينة مفضّلاً توزيعها على فقراء قومه واستحقّ بهذا، الاتهام بالردّة عند المؤرّخين، فإنّ بني عمر وهؤلاء جاءوا طائعين مختارين لدفع صدقاتهم إلى عامل الخليفة.

فما اصطلح المؤرّخون على تسميته ردّة أهل اليمن، لم يكن في الحقيقة إلاّ نزاعاً أثاره زياد بن لبيد نفسه، حين أصرّ على أخذ ناقةٍ ليس له الحقّ في أخذها؛ لأنها لم تكن خاضعةً أصلاً للصدقة.

أكان الله سيقبل لزياد أو لغير زياد أن يظلم الناس في جباية حقوقه فيدخل في مال الصدقة ما لا حق فيه؟

ما كان عليه لو قبل ما عرض شيطان من استبدال ناقة أخرى بناقة أخيه وجنّب المسلمين حرباً كلّفتهم الكثير!!

ولم هذا التعالي والاستهانة بالمسلمين، والإسلام هو دين المساواة والتسامح والعدل، والوالي أحقّ من يطبّق تعاليمه وأحرى أن يأخذ الناس، خصوصاً وهم حديثو عهدٍ به، بالرفق واللين فيكون بذلك المثال الطيّب للمسلم، وقد يهدي الله للإسلام، برفقه ولينه، من لا يصنع معه السيف ولا يجدي

١٠٧

وكيف أجزت لنفسك يا ابن لبيد أن تتّهم بالكفر ثلاثة مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله ويؤتون فروض الله، ومنها الزكاة، طائعين مختارين. وكل ذنبهم أنّهم أرادوا إبدال ناقةٍ بناقةٍ ، لهم الحقّ في إبدالها؟!

ولم أمرت بتقييدهم وضربهم وهم بين يديك وفي عسكرك لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ولا أن يهربوا من أسرهم؟!

أكانت مطالبة الأمير بشيء، حقّاً أو باطلاً تساوي في نظرك الكفر بالله وبرسوله وتعدل عندك الدماء التي سالت؟!

ولو قبلت أن تضرب حارثة الذي تجرّأ فعمد إلى إطلاق الناقة تأديباً له وتخويفاً لغيره. فأيّ ذنبٍ ارتكبه شيطان وأخوه ولم يفعل أيّ منهما ما يستحقّ عليه الضرب والتأديب.

ولم حبستهم فلم تطلق سراحهم بعد ضربهم وتأديبهم وبعد أن استرجعت الناقة التي أعجبتك، من أصحابها وأعدتها إلى مكانها من إبل الصدقة الذاهبة إلى المدينة.

ولأقبل بكل هذا، وليس القبول به أمراً سهلاً، فلماذا بيّت بني عمرو بن معاوية وشننت الغارة عليهم فقتلت وأصبت ولم ينج منهم إلاّ من أطاق الهرب في ظلام الليل؟!

ما ذنب بني عمرو غير أنهم عشيرة صاحب الناقة ورهطه. وبأيّ حق قتل من قتل وشرّد من شرّد، وهم مسلمون لم يصدر عنهم ما يخالف الإسلام؟!

أكنت ـ كما فعل خلفك زياد بن أبيه بعد أكثر من ثلاثة عقود ـ تأخذ المحسن بالمسيء والمقبل بالمدبر، حتى لو كان المقبل والمدبر كلاهما مسلمين بريئين لم يقترفا ذنباً ولم يرتكبا جرماً؟

أتلومهم أو يلومهم أحدٌ لو صحّ ما يرويه الرواة من أنهم منعوا بعد ذاك الزكاة، وقد جلب لهم الوفاء بها القتل والظلم والإهانة، وهم بعد ليسوا بعيدي عهدٍ بالجاهلية وعصبيّتها وبين أهلهم وعشائرهم.

أظنني لو كنت أحدهم لشاركتهم منع الصدقة، أو لما لمت على الأقل من شارك منهم في منعها.

تعجبك ناقة فتتهم أصحابها بالردّة وتقتلهم هم وعشيرتهم.

١٠٨

وتعجب صاحبك امرأة فيتهم زوجها بالردّة ويقتله هو وعشيرته.

ليس لهذا يا ابن لبيد جئت، ولا بهذا أمرك خليفة المسلمين وهو يستودعك أمورهم ويوصيك بالرفق بهم.

ولكنك محظوظ يا ابن لبيد فما يزال المؤرّخون عندنا حتى اليوم يدافعون عنك ويبرّئونك ويبرّرون فعلك، صنعهم مع صاحبك أو أصحابك. وهم على استعداد لاتّهام الألوف وعشرات الألوف ومئات الألوف من المسلمين بالردّة وباستحقاق القتل لتبرئة واحدٍ من ذوي الحظوة والسلطان أمثالك.

ويكفيك أنّهم يبحثون موضوع الناقة تحت عنوان (ردّة حضرموت وكِندة) مع أنهم حين يدخلون في أمر هذه الردّة وتفاصيل أحداثها يجعلون حضرموت والسكون، وهي إحدى بطون كِندة، من بين جندك والمحاربين إلى جانبك ضدّ (المرتدّين) حضرموت وكِندة.

١٠٩

الخاتمة

١١٠

« الخاتمة »

وبعد فتلك كانت أهمّ حروب الردّة التي لا تعني اصطلاحاً عند الكاتب والقارئ غير الارتداد عن الإسلام وإنكار نبوّة محمد واتباع دين أو أديان جديدة ونبي أو أنبياء جدد أو العودة إلى ما كان عليه العرب قبل الإسلام.

وتعمّدت ألاّ أتحدّث عن أسود بني عنس. فالمؤرّخون يذكرون أنّ قتله كان في حياة النبي وقبل استخلاف أبي بكر، وارتداد العرب إثر ذاك بما يصوّره المؤرّخون وباءً كاد أن يقضي على الإسلام ويذهب به.

ولقد حاولت من خلال ذلك كلّه أن أجد ردّةً ورجوعاً عن الإسلام بالشكل الذي يجري الحديث عنه في كتب التأريخ فلم أفلح. دون أن يفهم من هذا أنه لم يكن هناك مرتدٌّ أو مرتدّون، كما سنعرض له فيما بعد.

ولأبدأ بالأديان الجديدة والأنبياء الجدد الذين لم يترك الرواة من هجر القول وسخفه وما يعقل وما لا يعقل إلاّ أضافوه وألصقوه بهم.

فما هي الأديان التي جاء بها من سمّاهم المؤرّخون أنبياء وهم يواجهون الإسلام بكل عظمته ديناً ونبيّاً.

ما هو دين طليحة؟ ما أركانه ما أحكامه وتعاليمه؟ أين كتابه الذي نزل به الوحي عليه وهو يدّعي النبوّة في عصر محمد وفي ظل القرآن. ولا يجمع (المؤمنين) حوله وحول أمثاله مثل دعوى الوحي والكتاب المنزل، تشبّهاً بمحمد والقرآن ومحاكاة لهما.

ولأترك ذلك كلّه. لأترك الأحكام والتعاليم والأخلاق وتنظيم العلاقات في الأسرة وفي المجتمع عموماً، ولأترك الدين: ما تعلّق بالدنيا والآخرة منه، ولأقتنع بحدٍ أدنى من حياة عربية بسيطة تمثّل كل دين طليحة. فأين بلاغة العرب في القول: هذه التي أجدها عند أيّ عربي دون مرتبة (الأنبياء) وهو يتحدّث في أي شأنٍ من شؤون قبيلته في تلك الحياة العربية البسيطة.

إنني ما أزال أطرب لحديث العرب كلما سمعته إذا تحدّثوا قبل طليحة وبعده، وأجد فيه من سحر البلاغة والبيان ما يشدّني إليه. فما لي لا أجد أيّة بلاغةٍ وأيّ بيان في قرآن طليحة، وهو المنزل ـ كما يزعم أو يزعم الرواة ـ من الله الذي أنزل القرآن على محمد.

١١١

أترى عربياً رأى محمداً أو قرأ القرآن أو سمعه سيتركه، لغير عصبيةٍ أو طمع، إلى طليحة وهو يهذي بـ(والحمام واليمام والصرد الصوام قد صمن قبلكم بأعوام ...) أو (أمرت أن تصنعوا رحا ذات عرا ...) أو (ابعثوا فارسين على فرسين أدهمين من بني نصر بن قعين يأتيانكم بعين).

وأظن هذا كل ما تضمّنه (كتابه الكريم) قبل (آية) (إنّ لك رحاً كرحاه وحديثاً لا تنساه) التي نزلت عليه آخر شيء أثناء المعركة التي انتهت بهزيمته وهربه وتنازله عن النبوّة.

ألم يكن بين أتباع طليحة من يسأله عن دينه وكتابه ووحيه أو هذيانه.

ولأفترض أنّ أتباعه غفلوا فلم يسألوا. ألم يسألهم المسلمون عن كتاب نبيّهم، هذا الذي آمنوا به، ولا بدّ أن يكون في مستوى يتناسب مع جلال (النبوّة) ورسالتها التي حملها طليحة، خصوصاً والقرآن ترتفع به أصوات المسلمين صباح مساء ليس بعيداً عن أتباع ابن خويلد.

أكان الذين قاتلوا مع طليحة مؤمنين بنبوّته وبأنّ ما يسمعونه من هذيانٍ هو كلامٌ من كلام الله نزل به الوحي على نبيّهم طليحة؟!

أهذه الأسطر الأربعة أو الخمسة التي لو نطق بها طفل لاستعجل به أهله إلى أقرب مستشفى للأمراض العقليّة، هي كل قرآن طليحة وكل دينه الذي جاء يحارب به دين محمد ويصرف العرب عنه.

لقد رفض العرب دعوة محمّدٍ وحاربوها، على عظمة محمد وعظمة دعوته فلم يقبلوا على الإسلام ولم يدخلوا فيه ولم ينتشر بينهم إلاّ بعد أكثر من عشرين عاماً، كان محمد خلالها موضع امتحانٍ طويل. فكيف استطاع طليحة بكلام غبي أحمق أن يجمع كل هذه الألوف وراءه خلال أيام، ومع وجود الإسلام.

رحم الله مؤرّخينا الذين لم يرحموا طليحة ولم يرحموا الذين يريدون أن يرفعوا طليحة.

وبعد طليحة، نأتي إلى سجاح التي لا بدّ أن جاءت بشيء ممّا يصح وصفه ولو توسّعاً بالدين، وهي ترفض دين محمد وترتد عنه وتدعو العرب إلى رفضه والارتداد عنه كما يذكر الذاكرون.

١١٢

ماذا يروي الرواة عن دينها حتى لو قبلت أن يكذّبوا عليها ويضيفوا إليها ما يريدون.

بِمَ تنبّأت وهم يعدّونها بين الذين ادّعوا النبوّة بعد وفاة محمد؟ أي كتاب نزل به الوحي عليها؟

ربما كان (به أجمع) حين سألها مسيلمة ما سألها، وليس معهما في الخيمة غيرهما، هو ما نزل به الوحي عليها؟

ولكن كيف عرف الرواة هذا الوحي ونقلوه، وما أظن الزوجين (النبيّين) قد أعلناه وصرّحا به، فهو ليس جزءاً من النبوّة ولا دليلاً على صدقها، وليس ممّا يحسن بالمرء، عربيّاً كان أو غير عربي، حتى من لم يبلغ رتبة النبوّة، أن يكشف عمّا جرى بينه وبين زوجته ليلة البناء بها. والزوجة عادةً تكون أشدّ حياءً وأحرص ألاّ تبوح بشئ مما جرى في تلك الليلة. وهكذا أجدني مضطرّاً لأن أرفض هذه الرواية، وأرفض ما يورده المؤرّخون من حديث سجاح، التي يجعلون منها نبيّاً مرّةً وبغيّاً أخرى، ويجعلون من قومها وأصحابها، مجموعة حمقى ومجانين، وهم رؤوس العرب وفرسانهم.

ومن سجاح أنتقل إلى زوجها ـ لثلاث ليال فقط ـ مسيلمة الذي قاتل وقاتل معه أربعون ألف من اليمامة، قتل أكثر من نصفهم كما يذكر الرواة، لينصروا نبيّاً كان من أفضل ما نزل به الوحي عليه (يا ضفدعة ابنة ضفدع) التي تنق كما تشاء، دون أن تمنع الشارب أو تكدّر الماء.

أرأيتم أروع بياناً وأبلغ معنى من هذا الذي أتى به نبيّ بني حنيفة قومه.

أراد أن يحاكي القرآن في(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) فماذا صنع. ترك كل الحيوانات: الخيل والأسود والنمور وما هو أملأ للعين وأدعى للرهبة فلم يختر لبني حنيفة إلا أخسّ الحيوانات: الضفدعة، ولم يكونوا هم بأخسّ القبائل.

هذا يا سيّدي حديث الذين يصرّ المؤرّخون على أن يسمّوهم أنبياء ويجعلوا منهم أصحاب رسالات وأديان جديدةٍ تمثّل تحدّياً للإسلام وبديلاً عنه. ولا أعرف حتى الآن فرقاً بين دينٍ ودين منها. بل لا أعرف فيها ديناً أو شيئاً قريباً من الدين، إذا جاز أن يكون في الدين قريبٌ أو بعيد

١١٣

ولا أدري كيف احتملت جزيرة العرب كل هذه الأديان مرّةً واحدة، وهي التي لم تعرف على امتداد مئات السنين غير نبي واحد هو محمد ودينٍ واحدٍ هو الإسلام.

وعلى كلٍّ فهذا هو كلام المؤرّخين لست في حاجةٍ إلى نفيه وهو ينفي بعضه بعضاً. لكن الغريب أنه ما زال مقروءاً ومسموعاً. وهذا ما دفعني إلى ما رأيت من محاولةٍ لتصحيح بعض وقائع التأريخ التي طال تشويهها والعبث بها، وإنصاف بعض الأشخاص الذين كانوا وما يزالون، ضحايا لهؤلاء الذين امتهنوا تشويه التأريخ والعبث به.

وإذا كنت أنكر الردّة كما يصوّرها المؤرّخون، فأنا لا أنكر أنه كان بين المسلمين مرتدّون. لكنّ هؤلاء لم يكونوا بحاجةٍ إلى أنبياء جدد وأديان جدد، وكان لهم في محمد ودينه لو شاءوا، غنىً عن السخف الذي رأينا ممّا يسمّى أدياناً. لقد كانوا ضدّ كل نبيّ وكل دينٍ غير ما كانوا عليه في الجاهليّة، وهذا ما لا يحتاجون إلى من يذكّرهم به أو يدلّهم عليه.

ولم يكن ارتدادهم لأنّ نبياً أفضل من محمد قد جاء بدينٍ أفضل من الإسلام، بل لأنّ الإسلام كثورة ضخمة شملت حياة العرب بكل جوانبها، كان لا بدّ له أن يثير حفيظة العديد من أصحاب المصالح الذين تضرّرت مصالحهم ومن أصحاب البيوتات وذوي الجاه والنفوذ الذين ساوى الإسلام بينهم وبين غيرهم، أو من الأعراب الذين لم يستطيعوا الانفصال عن جاهليّتهم وقيمها وما ألفوا من حياتها. هذا إلى أنّ الذين أسلموا لم يكونوا كلّهم على درجةٍ واحدة من اليقين ورسوخ الإيمان.

لكنّ هؤلاء المرتدّين لم يكونوا من القوّة بما يمكّنهم من محاربة الإسلام والانتصار عليه بعدما ثبت وتأكّد وانتشر خلال ثلاثٍ وعشرين سنة ونشأ جيلٌ لم يعرف غيره وغير محمد ديناً ونبيّاً وما كان أولئك المرتدّون ليجهلوا هذا طبعاً.

وإذا كنت لا أستطيع أن أشخّص الذين ارتدّوا. وإذا كنت لا أتجاوز حدود الفرض في ذلك، فإنّ هذا الفرض يمثّل إحدى الحقائق الأساسية التي عليّ أن أؤمن بها. فأنا لا أنفي وجود مرتدّين، ولكني لست مطالباً بأن أعرف أسماءهم، وإن كنت لا أعطيهم أكثر من دورٍ ثانويّ في الأحداث التي أعقبت وفاة النبي محمد.

١١٤

ما الذي جرى بعد وفاة النبي وما هي أسبابه؟ هل انتفض العرب وثاروا؟ وهل كانت الثورات ردّةً عن الإسلام واتّباعاً لأديان وأنبياء جدّد كما يذكر المؤرّخون؟

أمّا بالنسبة للشقّ الأوّل، فأنا أتّفق مع المؤرّخين في أنّ أحداثاً كبيرة وصلت حدّ الحروب التي ذهب ضحيّتها الألوف قد شهدتها الساحة الإسلامية بعد وفاة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

حرب مع طليحة. وحرب مع سجاح ومالك. وحرب مع مسيلمة. وحرب مع كِندة. وحروب أخرى لم أعرض لها ولم أتناولها.

ولكني أختلف معهم فيما يذهبون إليه من أنّ الحروب كانت بسبب (الردّة) عن الإسلام كما يسمّونها في كتبهم. ولا أرى فيها أكثر من موقف من السلطة التي خلفت النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض ما ترى من شؤون، لها طابعٌ سياسيّ أو ماليّ أو قبلي، أكثر ممّا لها من طابع إيماني إسلامي، وقد يعزّز هذا الرأي، أنّ الصلاة لم تثر مشكلةً اسمها الردّة. وأنّ هذه انحصرت في الزكاة، أي في المال وإرساله الذي يمثّل دعماً للسلطة الجديدة واعترافاً بها وخضوعاً لها، وهو ما يرفضه هؤلاء (المرتدّون) من المسلمين.

فلم يكن هناك ردّة ولا خروجٌ بأيّ شكلٍ عن الإسلام، بل ضمن الإسلام وتحت خيمته، جرى ما جرى.

صحيح أنّ الخلاف بين الطرفين قد تطوّر حتى وصل حدّ الحرب، كما ذكرنا، ولكنّه يبقى خلافاً بين مسلمين تستطيع أن تصف أحد طرفيه بأيّ وصفٍ وتطلق عليه أي اسم إلاّ الكفر والردّة وإنكار نبوّة محمد.

قد يكون في بعضه إنكارٌ لخلافة أبي بكر وتفضيل غيره عليه، أو رفضٌ للأسلوب الذي اتّبع فيما أسفرت عنه سقيفة بني ساعدة، وهو رأي عددٍ من الصّحابة أو كبارهم وما يزال موضع خلافٍ حتى الآن بين المسلمين.

ولكنّ أبا بكر ـ مع التسليم بكل فضله وسابقته وجهاده ـ ليس هو الإسلام، ولا الإيمان به وبخلافته ركناً فيه ولا جزءاً منه، والخلاف معه ورفض بيعته لا يمكن أن يكون رفضاً للإسلام وارتداداً عنه، فهو واحدٌ من المسلمين حتى لو قلنا بأنه أفضلهم، وليس في نقد الأسلوب الذي وصل به إلى الخلافة أو عدم الرضا به واتخاذ موقف بشأنه، ما يستوجب الخروج عن الإسلام واتّهام الناقد لتلك التصرّفات أو الرافض لها بالردّة وشنّ الحرب عليه واستحلال دمه وماله وسبي ذريّته، وكأنّه منكرٌ لنبوّة محمدٍ رافض لدينه.

١١٥

ماذا بقي إذن من فرقٍ بين محمد وبين غيره من المسلمين وقد ساوينا في الموقف منهما وجعلنا المنكر للنبوّة والطاعن فيها والمنكر للخلافة والطاعن فيها في نفس المنزلة.

ماذا ستكون عقوبة من أنكر نبوّة محمد وطعن فيها وكفر بها؟ أهناك ما هو أكثر من القتل واستحلال المال وسبي الذرّية؟

وقبل حرب (المرتدّين) من قبائل العرب خارج المدينة. أظنه كان يجب أن تشنّ الحرب أولاً على (المرتدّين) في المدينة من بعض كبار الصحابة الذين أنكروا طريقة استخلاف أبي بكر في السقيفة وطعنوا فيها ورفضوا بيعته، قبل أن تنكرها وتطعن فيها وترفضها طيء وفزارة وأسد وغيرها من قبائل العرب.

بماذا طالب طليحة وماذا كانت تهمة مالك ورهطه، غير أنهم أرادوا توزيع الزكاة على فقرائهم وما أكثرهم، ولم يروا إرسالها إلى المدينة.

إنهم لم ينكروا الزكاة كفرضٍ من فروض الإسلام ليمكن وصفهم بالكفرة والمرتدّين. وما أظنك تجرؤ على وصف من كان هذا شأنه بالكافر والمرتد، وهو يشهد ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، لكنه يؤثر توزيعها على فقراء قومه في ظرف بذاته.

وفيم كانت الحرب مع كِندة؟! أين الردّة في أن يطالب شخصٌ بناقته التي لا زكاة عليها فتشتعل بسبب ذلك حربٌ يقتل فيها الكثيرون ويشرّد الكثيرون؟!

وقبل هذه الحروب أريد أن أقف عند حدثٍ سابقٍ لها ما أحسبه بعيداً عنها وعمّا أريق فيها من دماءٌ، بل ربّما كان من بين أهمّ أسبابها.

سأرجع إلى سقيفة بني ساعدة في المدينة التي شهدت أوّل خلافٍ علنيّ، ولا أريد أن أقول أوّل صراع، على السلطة بين المسلمين، وهو خلافٌ لم يكن ما جرى فيه سرّاً، وقد انتصرت فيه وجهة النظر القرشية وتمّت البيعة للخليفة أبي بكر (رض).

وأسأل ماذا كان سيحصل لو تمّسك الأنصار بموقفهم وأصرّوا على دعمهم سعد بن عبادة في طموحه للخلافة. أو لو رفضوا على الأقل أن يبايعوا أبا بكر.

ماذا ستسمّي الأنصار عندئذٍ ، وهم من هم في نصرهم للإسلام وذبّهم عنه. وهم الذين آووا وضحّوا بأرواحهم وأموالهم من أجله.

١١٦

وقد تجيب بأنهم لم يفعلوا فكفونا عناء التفكير بالأسماء، وما تختار وما لا تختار لهم منها.

ولكن بقي سعد الذي لم يبايع وبقي الذين مع سعد وبقي ابن الجموح (جذيلها المحكك وعذيبها المرجّب ...).

فأيّ اسم ستختار لسعد ومن تابعه وبقي معه، وهم لم يمنعوا الخليفة عقالاً ممّا كانوا يعطونه لرسول الله فقط، ولم يمسكوا صدقاتهم في أيديهم لتوزيعها على فقرائهم فقط، ولم يطلبوا استبدال ناقةٍ بناقة فقط، وكل هؤلاء سمّوهم مرتدّين وكفرة واستباحوا دماءهم وأموالهم وذراريهم. وإنّما نازعوا الخليفة خلافته لرسول الله ورفضوها وطعنوا فيها وظلّوا رافضين لها طاعنين فيها.

ولولا أن يلهمهم الله المجتمعين في السقيفة الهداية والرشد، ولولا أن يستجيب الأنصار لنداء الدّين والعقل ولم يصرّوا على موقفهم، لتعرّض الإسلام لخطرٍ لا يعلمه إلاّ الله.

وكم كان بودّي أن أعرض للسقيفة وما جرى فيها وما سبقها. والعلاقة بين كل ذلك وبين حروب الردّة، لولا خشيتي من أن يخرجني الموضوع بعيداً، وتصبح الخاتمة غير خاتمة.

لقد كانت حروب (الردّة) رسالة إرهاب من قريش قوية واضحة، شديدة القوّة، بالغة الوضوح، إلى جميع العرب، بأنهم سيعرّضون أنفسهم واهلهم لما تعرّض له (المرتدّون) ولأكثر منه إن فكّروا يوماً بمنازعة الحكم الجديد أو الخلاف عليه أو عدم الخضوع والطاعة له.

يبقى الجواب عمّا سألني يوماً بعض الإخوان، وأنا في حديث الردّة: لماذا الزكاة لا غيرها. لماذا قامت تلك الحروب بسبب الزكاة لا الصلاة مثلاً وهي أهمّ من الزكاة في الاسلام وأعظم خطراً، ألأنّ المال في الزكاة وليس في الصلاة؟! ألأنّ الحكم الجديد وأنصاره ومؤيّديه والداعمين له والملتفّين حوله كانوا مستعجلين إلى المال؟!

ولم أجد ما أجيب به سوى بيتي قيس بن عاصم المنقري السعدي: للذين يمثّلان الموقف آنذاك خير تمثيل وأصدقه:

فمن مبلغ عنّي قريشاً رسالةً

إذا ما أتتها محكمات الودائع

حبوت بما صدقت في العام منقراً

وأيأست منها كل أطلس طامع

والأطلس هو الذئب. والمعنى واضح .

١١٧

وأظن أي رأي لي أو لغيري، وأي تفسير أو تعليق سيكون عبثاً من القول وهما أوضح وأبين من أيّ إيضاح وبيان. وقائلهما قيس بن عاصم، سيّد أهل الوبر كما سمّاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وسكت السائل، وسكتّ لقد أغنانا بيتا قيس عن كل جوابٍ. كانا فيهما الجواب.

وإني لأعتذر أخيراً للقارئ الذي سيضطر إلى قراءة ما بين السطور وما وراءها، فأنا لم أستطع أن أحمّل السطور كل ما كنت أريد.

١١٨

الفهرس

« المقدّمة ». ٢

الباب الأول. ٦

الفصل الأول: (موقف المسلمين بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) ٧

الفصل الثاني: (موقف العرب بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) ٢٢

الفصل الثالث: (في معنى الردّة) ٣١

الباب الثاني: (حرب طليحة) ٣٤

الباب الثالث: (مأساة مالك بن نويرة) ٤٢

الباب الرابع: ( سجاح ) ٧٤

الباب الخامس: (مسيلمة) ٨٩

الباب السادس: ( ردّة حضرموت وكِندة ) ١٠٤

الخاتمة ١١٠

١١٩

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

بالقلب، وعمل بالاركان.

قال حمزة بن محمّد: وسمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت أبي يقول: وقد روى هذا الحديث، عن أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام باسناد مثله، قال أبوحاتم: لو قرئ هذا الاسناد على مجنون لبرئ(١) .

٤٠٦/١٦ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا سعد ابن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد بن مروان القندي، عن عليّ بن معبد، عن عبدالله بن القاسم، عن مبارك بن عبد الرحمن، عن أبي عبدالله الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الاسلام عريان، فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت(٢) .

٤٠٧/١٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثني محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن النضر بن شعيب، عن خالد بن ماد القلانسي، عن القندي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله، أكل من قال لا إله إلا الله، مؤمن؟ قال: إن عداوتنا تلحق باليهود والنصارى، إنكم لا تدخلون الجنة حتى تحبوني، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا، يعني عليا عليه السلام(٣) .

٤٠٨/١٨ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه محمّد بن خالد، عن غياث بن

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٢٧/٥، الخصال: ١٧٩/٢٤٢، بحار الانوار ٦٩: ٦٣/٩.

(٢) الكافي ٢: ٣٨/٢، المحاسن: ٢٨٦/٤٢٧، بحار الانوار ٦٨: ٣٤٣/١٥.

(٣) بحار الانوار ٢٧: ٧٥/٢.

٣٤١

إبراهيم، عن ثابت بن دينار، عن سعد بن طريف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا علي، أنا مدينة الحكمة، وأنت بابها، ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، لانك مني وأنا منك لحمك من لحمي، ودمك من دمي، وروحك من روحي، وسريرتك سريرتي، وعلانيتك علانيتي، وأنت إمام امتي وخليفتي عليها بعدي، سعد من أطاعك، وشقي من عصاك، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، وفاز من لزمك، وهلك من فارقك، مثلك ومثل الائمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم، كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٤١/٦٥، بحار الانوار ٢٣: ١٢٥/٥٣.

٣٤٢

[ ٤٦ ]

المجلس السادس والاربعون

مجلس يوم الثلاثاء

الثاني من شهر ربيع الاول سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٤٠٩/١ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: من رأى أخاه على أمر يكرهه، فلم يرده عنه، وهو يقدر عليه، فقد خانه، ومن لم يجتنجب مصادقة الاحمق أوشك أن يتخلق بأخلاقه(١) .

٤١٠/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد ابن عبد الجبار، عن أبي أحمد الازدي، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله عزّوجلّ آخى بيني وبين عليّ بن أبي طالب، وزوجه ابنتي فوق سبع سماواته، وأشهد على ذلك مقربي ملائكته، وجعله لي وصيا وخليفة، فعلي مني وأنا منه، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، وإن الملائكة لتتقرب إلى الله بمحبته(٢) .

______________

(١) بحار الانوار ٧٤: ١٩٠/٢، و ٧٥: ٦٥/٢.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٩٨/٩.

٣٤٣

٤١١/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن زياد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، أنه قال: إن الله تبارك وتعالى رضي لكم الاسلام دينا، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق(١) .

٤١٢/٤ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كثرة المزاح تذهب بماء الوجه، وكثرة الضحك تمحو الايمان، وكثرة الكذب تذهب بالبهاء(٢) .

٤١٣/٥ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كان مسلما فلا يمكر ولا يخدع، فإني سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: إن المكر والخديعة في النار(٣) .

٤١٤/٦ - ثم قال: صلّى الله عليه وآله وسلّم: ليس منا من غش مسلما، وليس منا من خان مسلما(٤) .

٤١٥/٧ - ثم قال: صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن جبرئيل الروح الامين نزل علي من عند رب العالمين، فقال: يا محمّد، عليك بحسن الخلق، فإن سوء الخلق يذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقا(٥) .

______________

(١) بحار الانوار ٧١: ٣٥٠/٢، و: ٣٩١/٥٠.

(٢) بحار الانوار ٧٦: ٥٨/١.

(٣) بحار الانوار ٧١: ٣٨٧/٣٥، وسائل الشيعة ٨: ٥٧٠/١.

(٤) بحار الانوار ٧٥: ٢٨٤/٢ وسائل الشيعة ٨: ٥٧٠/١.

(٥) بحار الانوار ٧٣: ٢٩٦/٣، وسائل الشيعة ٨: ٥٧٠/١.

٣٤٤

٤١٦/٨ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: من صلى صلاة مكتوبة ثم سبح في دبرها ثلاثين مرة، لم يبق على بدنه شئ من الذنوب إلا تناثر(١) .

٤١٧/٩ - حدّثنا جعفر بن الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: أتي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأسارى فأمر بقتلهم خلا رجل من بينهم، فقال الرجل: بأبي أنت وأمي - يا محمّد - كيف أطلقت عني من بينهم؟ فقال: أخبرني جبرئيل عن الله عزّوجلّ أن فيك خمس خصال يحبها الله عزّوجلّ ورسوله: الغيره الشديدة على حرمك، والسخاء، وحسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم وحسن إسلامه، وقاتل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قتالا شديدا حتى استشهد(٢) .

٤١٨/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى الجلودي، قال: (حدّثنا محمّد بن عطية، قال: حدّثنا عبدالله بن عمرو بن سعيد البصري، قال: حدّثنا)(٣) هشام بن جعفر، عن حماد، عن عبدالله بن سليمان(٤) ، وكان قارئا للكتب، قال: قرأت في الانجيل: يا عيسى، جد في أمري ولا

______________

(١) وسائل الشيعة ٤: ١٠٣٢/٥.

(٢) الخصال: ٢٨٢/٢٨، بحار الانوار ٦٩: ٣٨٣/٤٥، و ٧١: ٣٨٤/٢٥.

(٣) أثبتناه من كمال الدين: ١٥٩/١٨، وللسند نظائر في الخصال: ٥٩/٨٠ وكمال الدين: ٣٨٥/١، و: ٣٩٢/٥.

(٤) في نسخة: عن حماد بن عبدالله بن سليمان، وكذا في كمال الدين: ١٥٩/١٨، وفي الخصال ٥٩/٨٠ وكمال الدين: ٣٨٥/١، عن حماد، عن عبدالله بن سليمان، وفي: ٣٩٤/٥ هشام بن جعفر بن حماد، عن عبدالله بن سليمان، والظاهر أنه مصحف هشام بن سنبر، عن حماد بن أبي سليمان، انظر تهذيب الكمال، ٧: ٢٧١ و ٣٠: ٢١٦.

٣٤٥

تهزل، واسمع وأطع، يا بن الطاهرة الطهر البكر البتول، أتيت(١) من غير فحل، أنا خلقتك آية للعالمين، فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، خذ الكتاب بقوة، فسر لاهل سوريا السريانية، وبلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول، صدقوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الامي صاحب الجمل والمدرعة(٢) والتاج - وهي العمامة - والنعلين والهراوة - وهي القضيب - الانجل العينين(٣) ، الصلت الجبين(٤) ، الواضح(٥) الخدين، الاقنى الانف، المفجل(٦) الثنايا، كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه، له شعرات من صدره إلى سرته، ليس على بطنه ولا على صدره شعر، أسمر اللون، دقيق المسربة(٧) ، شثن(٨) الكف والقدم، إذا التفت التفت جميعا، وإذا مشى كأنما يتقلع(٩) من الصخرة وينحدر من صبب(١٠) ، وإذا جاء مع القوم بذهم(١١) ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، وريح المسك ينفح منه، لم ير قبله مثله ولا بعده، طيب الريح، نكاح النساء ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الاسلام، وأنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه، وشهد أيامه، وسمع كلامه.

______________

(١) في نسخة: أنت.

(٢) المدرعة: ثوب صوف، وجبة مشقوقة المقدم.

(٣) العين النجلاء: الواسعة الحسنة.

(٤) جين صلت: واضح في سعة وبريق.

(٥) الواضح: الابيض.

(٦) قنى الانف: ارتفاع وسط قصبته وضيق منخريه، وفلج الاسنان: تباعدها.

(٧) المسربة: الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة.

(٨) الشسن: الغليظ الخشن.

(٩) في نسخة: ينقلع، والمراد قوة مشيه، أي كأنه يرفع رجليه من الارض رفعا قويا، لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه، فإن ذلك من مشي النساء.

(١٠) الصيب: الموضع المنحدر.

(١١) أي غلبهم وسبقهم.

٣٤٦

قال عيسى عليه السلام: يا رب، وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة، أنا غرستها، تظل الجنان، أصلها من رضوان، ماؤها من تسنيم، برده برد الكافور، وطعمه طعم الزنجبيل، من يشرب من تلك العين شربة لا يظلما بعدها أبدا.

فقال عيسى عليه السلام: اللهم اسقني منها. قال: حرام - يا عيسى - على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي، أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على العين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة(١) .

٤١٩/١١ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوبكر أحمد بن دبيس بن عبدالله المفسر، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي البهلول المروزي، قال: حدّثنا الفضل بن هرمز ديار الطبري، قال: حدّثنا أبوعلي الحسن بن شجاع البلخي، قال: حدّثنا سليمان بن الربيع، قال: سمعت كادح بن أحمد يقول: سمعت مقاتل بن سليمان يقول: سمعت الضحاك، قال: سأل رجل ابن عباس: ما الذي أخفى الله تبارك وتعالى من الجنة، وقد أخبر عن أزواجها، وعن خدمها، وطيبها وشرابها وثمرها، وما ذكر الله تبارك وتعالى من أمرها وأنزله في كتابه؟ فقال ابن عباس: هي جنة عدن، خلقها الله يوم الجمعة، ثم أطبق عليها، فلم يرها مخلوق من أهل السماوات والارض حتى يدخلها أهلها، قال لها عزّوجلّ ثلاث مرات: تكلمي. فقالت: طوبى للمؤمنين. قال جل جلاله: طوبى للمؤمنين، وطوبى لك.

قال مقاتل: قال الضحاك: قال ابن عباس: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا من كان فيه ست خصال فإنه منهم: من صدق حديثه، وأنجز وعده، وأدى أمانته، وبر والديه، ووصل رحمه، واستغفر من ذنبه، فهو مؤمن(٢) .

٤٢٠/١٢ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم الطالقاني رحمه الله، قال: حدثنا

______________

(١) بحار الانوار ١٤: ٢٨٤/٦.

(٢) بحار الانوار ٦٧: ٢٩٠/١٣.

٣٤٧

أبو بكر محمّد بن القاسم الانباري، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبوبكر محمّد بن أبي يعقوب الدينوري، قال: حدّثنا أحمد بن أبي المقدام العجلي، قال: يروى أن رجلا جاء إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أميرالمؤمنين، إن لي إليك حاجة. فقال: اكتبها في الارض، فإني أرى الضر فيك بينا. فكتب في الارض: أنا فقير محتاج. فقال علي عليه السلام: يا قنبر اكسه حلتين. فأنشأ الرجل يقول:

كسوتني حلة تبلى محاسنها

فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة

ولست تبقي بما قد نلته بدلا

إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه

كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في عرف(١) بدأت به

فكل عبد سيجزى بالذي فعلا

فقال علي عليه السلام: أعطوه مائة دينار، فقيل له: يا أميرالمؤمنين، لقد أغنيته. فقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أنزلوا الناس منازلهم.

ثم قال علي عليه السلام: إني لاعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم، ولا يشترون الاحرار بمعروفهم!(٢) .

٤٢١/١٣ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوأحمد عبدالله بن أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا عليّ بن سعيد بن بشير، قال: حدّثنا ابن كاسب، قال: حدّثنا عبدالله بن ميمون المكي، قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين عليهم السلام، أنه دخل عليه رجلان من قريش، فقال: ألا أحدثكما عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقالا: بلى، حدّثنا عن أبي القاسم. قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: لما كان قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بثلاثة أيام هبط عليه جبرئيل، فقال: يا أحمد، إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة، يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك يا محمّد؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أجدني - يا جبرئيل - مغموما وأجدني - يا جبرئيل - مكروبا.

______________

(١) العرف: المعروف.

(٢) بحار الانوار ٧٤: ٤٠٧/٢.

٣٤٨

فلما كان اليوم الثلاث هبط جبرئيل وملك الموت، ومعهما ملك يقال له: إسماعيل في الهواء علي سبعين ألف ملك، فسبقهم جبرئيل عليه السلام، فقال: يا أحمد، إن الله عزّوجلّ أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة، يسألك عما هو أعلم به منك. فقال: كيف تجدك يا محمّد؟ قال: أجدني - يا جبرئيل - مغموما، وأجدني - يا جبرئيل - مكروبا.

فاستأذن ملك الموت، فقال جبرئيل: يا أحمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك. قال: ائذن له. فأذن له جبرئيل عليه السلام، فأقبل حتى وقف بين يديه، فقال: يا أحمد، إن الله أرسلني إليك، وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أتفعل ذلك يا ملك الموت؟ قال: نعم، بذلك أمرت أن أطيعك فيما تأمرني.

فقال له جبرئيل عليه السلام: يا أحمد، أن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا ملك الموت، امض لما أمرت به. فقال جبرئيل عليه السلام: هذا آخر وطئي الارض، إنما كنت حاجتي من الدنيا.

فلما توفي رسول الله (صلّى الله على روحه الطيب)، جاءت التعزية، جاءهم آت يسمعون حسه، ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) إن في الله عزّوجلّ عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: هل تدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام(٢) .

٤٢٢/١٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أبوالعباس أحمد

______________

(١) آل عمران ٣: ١٨٥.

(٢) بحار الانوار ٢٢: ٥٠٤/٤.

٣٤٩

ابن إسحاق المادري(١) بالبصرة في رجب سنة ثمان عشرة وثالث مائة، قال: حدّثنا أبوقلابة عبد الملك بن محمّد، قال: حدّثنا غانم بن الحسن السعدي، قال: حدّثنا مسلم ابن خالد المكي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: قالت فاطمة عليها السلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أبتاه، أين ألقاك يوم الموقف الاعظم، ويوم الاهوال، ويوم الفزع الاكبر؟ قال: يا فاطمة، عند باب الجنة، ومعي لواء الحمد، وأنا الشفيع لامتي إلى ربي.

قالت: يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني على الحوض وأنا أسقي أمتي. قالت: يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني على الصراط وأنا قائم أقول: رب سلم أمتي، قالت: فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني وأنا عند الميزان أقول: رب سلم أمتي. قالت: فإن لم ألقك هناك؟ قال: القيني عند شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أمتي. فاستبشرت فاطمة بذلك (صلّى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)(٢) .

٤٢٣/١٥ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوأحمد عبد العزيز بن يحيى البصري، قال: حدّثنا المغيرة بن محمّد، قال: حدثني إبراهيم بن محمّد بن عبد الرحمن الازدي سنة ست عشرة ومائتين، قال: حدّثنا قيس بن الربيع ومنصور بن أبي الاسود، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبدالله، قال: قال علي عليه السلام: ما نزلت من القرآن آية إلا وقد علمت أين نزلت، وفيمن نزلت، وفي أي شئ نزلت، وفي سهل نزلت، أو في جبل نزلت.

قيل: فما نزل فيك؟ فقال: لولا أنكم سألتموني ما أخبرتكم، نزلت في هذه الآية:( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٣) ، فرسول الله المنذر، وأنا الهادي إلى ما جاء به(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: الماردي، وفي اخرى: المادرائي.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٢١/١١.

(٣) الرعد ١٣: ٧.

(٤) بحار الانوار ٩٢: ٧٩/٢.

٣٥٠

[ ٤٧ ]

المجلس السابع والاربعون

مجلس يوم الجمعة

الخامس من شهر ربيع الاول سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٤٢٤/١ - حدّثنا الشيخ الجليل الفقيه أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن محمّد المعروف بعلان، عن محمّد بن الفرج الرخجي، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة، فكتب عليه السلام: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان(١) .

٤٢٥/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الصقر بن دلف(٢) ، قال سألت أبا الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ ابن موسى الرضا عليهم السلام عن التوحيد، وقلت له إني أقول بقول هشام بن الحكم، فغضب عليه السلام، ثم قال: مالكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله جسم،

______________

(١) التوحيد: ٩٧/٢، بحار الانوار ٣: ٢٨٨/٣.

(٢) كذا في النسخ، وفي معجم رجال الحديث ٩: ١٣٩، والخصال: ٣٩٥/١٠٢: الصقر بن أبي دلف.

٣٥١

ونحن منه براء في الدنيا والآخرة. يا بن دلف، إن الجسم محدث، والله محدثه ومجسمه(١) .

٤٢٦/٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليهم السلام: جعلت فداك أصلي خلف من يقول بالجس، ومن يقول بقول يونس بن عبد الرحمن؟ فكتب عليه السلام: لا تصلوا خلفهم، ولا تعطوهم من الزكاة، وابرءوا منهم، برئ الله منهم(٢) .

٤٢٧/٤ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن واصل، عن عبدالله بن سنان، عن أبيه، قال: حضرت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام، ودخل عليه رجل من الخوارج، فقال: يا أبا جعفر، أي شئ تعبد؟ قال: الله. قال: رأيته؟ قال: لم تره العيون بمشاهدة العيان، ورأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس، ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو.

قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته(٣) .

٤٢٨/٥ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى(٤) ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا الفضل بن سليمان الكوفي، عن الحسين بن خالد، قال: سمعت الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام يقول: لم يزل الله تبارك وتعالى عالما قادرا، حيا قديما، سميعا بصيرا.

فقلت له: يا بن رسول الله: إن قوما يقولون: إنه عزّوجلّ لم يزل عالما بعلم، وقادرا بقدرة، وحيا بحياة، وقديما بقدم، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر.

______________

(١) التوحيد: ١٠٤/٢٠، بحار الانوار ٣: ٢٩١/١٠.

(٢) بحار الانوار ٣: ٢٩٢/١٣، و ٨٨: ٧٩/٣٤.

(٣) التوحيد: ١٠٨/٥، الاحتجاج: ٣٢١، بحار الانوار ٤: ٢٦/١.

(٤) في العيون، والتوحيد: عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق، وكلاهما واحد، انظر نوابغ الرواة: ١٧٣.

٣٥٢

فقال عليه السلام: من قال بذلك ودان به، فقد اتخذ مع الله آلهة اخرى، وليس من ولايتنا على شئ. ثم قال عليه السلام لم يزل الله عزّوجلّ عالما قادرا، حيا قديما، سميعا بصيرا لذاته، تعالى عما يقول المشركون المشبهون علوا كبيرا(١) .

٤٢٩/٦ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكري، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمّد بن عمارة(٢) ، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، فقلت له: يا بن رسول الله، أخبرني عن الله، هل له رضا وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه(٣) .

٤٣٠/٧ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الاسدي الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان، ولا مكان، ولا حركة، ولا انتقال، ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون والانتقال، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا(٤) .

٤٣١/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن صباح بن عبد الحميد وهشام وحفص وغير واحد، قالوا: قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام: إنا لا نقول جبرا ولا تفويضا(٥) .

٤٣٢/٩ - حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، قال: حدّثنا عمي محمّد بن أبي

______________

(١) التوحيد: ١٣٩/٣، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١١٩/١٠، الاحتجاج: ٤١٠، بحار الانوار ٤: ٦٢/١.

(٢) في النسخ: محمّد بن عمارة، والصواب ما أثبتناه من التوحيد، انظر الجامع في الرجال: ٤٠٢، نوابغ الرواة: ٢٧١، في ترجمة محمّد بن زكريا الغلابي،

(٣) التوحيد: ١٧٠/٤، بحار الانوار ٤: ٦٣/٣.

(٤) بحار الانوار ٣: ٣٠٩/١.

(٥) بحار الانوار ٥: ٤/١.

٣٥٣

القاسم، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ القرشي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا: أن أتعبي من خدمك، واخدمي من رفضك، وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم وناجاه، أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا رب يا رب، ناداه الجليل جل جلاله: لبيك عبدي، سلني أعطك، وتوكل علي أكفك، ثم يقول جل جلاله لملائكته: يا ملائكتي، أنظروا إلى عبدي، فقد تخلى بي في جوف الليل المظلم، والبطالون لا هون، والغافلون نيام، اشهدوا أني قد غفرت له.

ثم قال عليه السلام: عليكم بالورع والاجتهاد والعبادة، وزوهدوا في هذه الدنيا الزاهدة فيكم، فإنها غرارة، دار فناء وزوال، كم من مغتر بها قد أهلكته، وكم من واثق بها قد خانته، وكم من معتمد عليها قد خدعته وأسلمته، واعلموا أن أمامكم طريقا مهولا، وسفرا بعيدا، وممركم على الصراط، ولا بد للمسافر من زاد، فمن لم يتزود وسافر عطب وهلك، وخير الزاد التقوى، ثم اذكروا وقوفكم بين يدي الله جل جلاله، فإنه الحكم العدل، واستعدوا لجوابه إذا سألكم، فإنه لابد سائلكم عما عملتم بالثقلين من بعدي، كتاب الله، وعترتي، فانظروا أن لا تقولوا: أما الكتاب فغيرنا وحرفنا، وأما العترة ففارقنا وقتلنا، فعند ذلك لا يكون جزاؤكم إلا النار، فمن أراد منكم أن يتخلص من هول ذلك اليوم، فليتول وليي، وليتبع وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب، فإنه صاحب حوضي، يذود عنه أعداءه، ويسقي أولياءه، فمن لم يسق منه لم يزل عطشان ولم يرو أبدا، ومن سقي منه شربة لم يشق ولم يظمأ أبدا، وإن عليّ بن أبي طالب عليه السلام لصاحب لوائي في الآخرة، كما كان صاحب لوائي في الدنيا، وإنه أول من يدخل الجنة، لانه يقدمني وبيده لوائي، تحته آدم ومن دونه من الانبياء(١) .

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ٩٩/١٨.

٣٥٤

٤٣٣/١٠ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف، قال: حدثني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، قال: جاء رجل إلى الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام فقال له: يا بن رسول الله، أخبرني بمكارم الاخلاق. فقال: العفو عمن ظلمك، وصلة من قطعك، وإعطاء من حرمك، وقول الحق ولو على نفسك(١) .

٤٣٤/١١ - حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران والحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبدالله السجستاني، عن أبان بن تغلب، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: أنه قال: من مات ما بين زوال الشمس من يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين، أعاذه الله من ضغطة القبر(٢) .

٤٣٥/١٢ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال حدّثنا سعد ابن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عنبسة بن بجاد العابد: أن رجلا قال للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: أوصني. فقال: أعد جهازك، وقدم زادك لطول سفرك، وكن وصي نفسك، ولا تأمن غيرك أن يبعث إليك بما يصلحك(٣) .

٤٣٦/١٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله بن أبي خلف، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثني جعفر بن بشير البجلي، قال: حدثني حماد بن واقد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنه قال: من قال سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم: ثلاثين مرة، استقبل الغنى، واستدبر الفقر، وقرع باب الجنة(٤) .

______________

(١) معاني الاخبار: ١٩١/١، بحار الانوار ٦٩: ٣٦٨/٦.

(٢) ثواب الاعمال: ١٩٤، بحار الانوار ٦: ٢٢١/١٧، و ٨٩: ٢٦٥/١.

(٣) مستطرفات السرائر: ١٤٦/١٩، بحار الانوار ٧٨: ٢٧٠/١١١.

(٤) بحار الانوار ٩٣: ١٧٧/٥.

٣٥٥

٤٣٧/١٤ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال: والله إن كان علي عليه السلام ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وإن كان ليشتري القميصين السنبلانيين(١) ، فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعا، ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يده، تربت فيه يداه، وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله أحد من الناس، وإن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وإن كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهما السلام، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده(٢) .

٤٣٨/١٥ - وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول، نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب عليه السلام:( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) (٣) قال الرجل: فأتيت عليا عليه السلام لانظر إلى عبادته، فأشهد بالله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه، فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان، فإذا فرغا قام آخران، إلى أن قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوءه، ثم صلى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن

______________

(١) القميص السنبلاني: السابغ الطول، وقيل: هو منسوب إلى بلد بالروم.

(٢) بحار الانوار ٤١: ١٠٢/١.

(٣) الزمر ٣٩: ٩.

٣٥٦

صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس، فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران، يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت الشمس، فخرجت وأنا أقول: أشهد بالله أن هذه الآية نزلت فيه(١) .

٤٣٩/١٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن عبدالله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن وهب بن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عري كساه الله من استبرق وحرير، ومن سقاه شربة على عطش سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أعانه أو كشف كربته أظله الله في ظل عرشة يوم لا ظل إلا ظله(٢) .

٤٤٠/١٧ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبدالله بن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن الاصبغ بن نباتة، أنه قال: كان أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام إذا اتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين، ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة، وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، لا تغريني، غري غيري:

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه(٣)

ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه، ثم يأمر أن يكنس ويرش، ثم يصلي فيه ركعتين، ثم يطلق الدنيا ثلاثا، يقول بعد التسليم:

______________

(١) بحار الانوار ٤١: ١٣/٣.

(٢) بحار الانوار ٧٤: ٣٨٢/٨٨.

(٣) هذا البيت لعمرو بن عدي اللخمي ابن اخت جذيمة الابرش، وكان جذيمة قد نزل منزلا، وأمر الناس أن يجتنوا له الكمأة، فكان بعضهم إذا وجد منها شيئا يعجبه فربما آثر نفسه به على جذيمة، وكان عمرو بن عدي يأتيه بخير ما يجد، ويقول هذا البيت، فذهب مثلا، قال ابن سلام: والذي أراد علي رضي الله عنه أني اعطي المال غيري، وامنعه نفسي. كتاب الامثال: ١٧٤/٤٩٥.

٣٥٧

يا دنيا لا تتعرضي لي ولا تتشوقي ولا تغريني، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك(١) .

٤٤١/١٨ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنه سئل ما العقل؟ فقال: التجرع للغصة، ومداهنة الاعداء، ومداراة الاصدقاء(٢) .

٤٤٢/١٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن أحمد الاشعري، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسين بن سعيد الازدي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبدالله بن صباح، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الاولين والآخرين في صعيد واحد، فتغشاهم ظلمة شديدة، فيضجون إلى ربهم ويقولون: يا رب، اكشف عنا هذه الظلمة. قال: فيقبل قوم، يمشي النور بين أيديهم، قد أضاء أرض القيامة، فيقول أهل الجمع: هؤلاء أنبياء الله؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بإنبياء. فيقول أهل الجمع: فهؤلاء ملائكة؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بملائكة. فيقول أهل الجمع: هؤلاء شهداء؟ فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بشهداء. فيقولون: من هم؟ فيجيئهم النداء: يا أهل الجمع، سلوهم من أنتم. فيقول أهل الجمع: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون، نحن ذرية محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، نحن أولاد علي ولي الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون. فيجيئهم النداء من عند الله عزّوجلّ: اشفعوا في محبيكم وأهل مودتكم وشيعتكم، فيشفعون ويشفعون(٣) .

٤٤٣/٢٠ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا سلمة

______________

(١) بحار الانوار ٤١: ١٠٣/٢.

(٢) بحار الانوار ٧٥: ٣٩٣/٣.

(٣) بحار الانوار ٧: ١٠٠/٤، و ٩٦: ٢١٧/١.

٣٥٨

ابن الخطاب، قال: حدّثنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم الوراق، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات يوم لاصحابه: معاشر أصحابي، إن الله جل جلاله يأمركم بولاية عليّ بن أبي طالب، والاقتداء به، فهو وليكم وإمامكم من بعدي، لا تخالفوه فتكفروا، ولا تفارقوا فتضلوا، إن الله جل جلاله جعل عليا علما بين الايمان والنفاق، فمن أحبه كان مؤمنا، ومن أبغضه كان منافقا، إن الله جل جلاله جعل عليا وصيي ومنار الهدى بعدي، وموضع سري، وعيبة علمي، وخليفتي في أهلي، إلى الله أشكو ظالميه من أمتي من بعدي(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ٩٧/١٥.

٣٥٩

[ ٤٨ ]

المجلس الثامن والاربعون

مجلس يوم الثلاثاء

التاسع من شهر ربيع الاول سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٤٤٤/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: كان إبليس (لعنه الله) يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات، وكان يخترق أربع سماوات، فلما ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه، وقال عمرو بن أمية، وكان من أزجر أهل الجاهلية: انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها، ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شئ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث.

وأصبحت الاصنام كلها صبيحة مولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه، وارتجس(١) في تلك الليلة أيوان كسرى، وسقطت منه أربعة

______________

(١) الارتجاس: الاضطراب والتزلزل.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780