الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق10%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 464290 / تحميل: 8973
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الرابع قد باع نصيبه أو كان واحد من الثلاثة حاضراً ، فإنّه إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك الجميعَ ، وليس له أخذ نصيبه ؛ لما فيه من تضرّر المشتري.

فإن أخذ الجميعَ ثمّ قدم ثانٍ ، أخذ منه النصفَ ؛ لأنّه لا شفيع الآن غيرهما ، ووجدت المطالبة منهما دون الثالث ، فكانت الشفعة بينهما ، فإن قدم الثالث ، أخذ منهما الثلث ليكونوا سواء ، فإن عفا الثاني ، استقرّ على الأوّل ، وإن عفا الثالث ، استقرّ عليهما.

ولو كان للشقص غلّة حصلت في يد الأوّل ، لم يشاركه الثاني فيها ؛ لأنّه مَلَك الجميعَ بالأخذ ، وقد حصل النماء في ملكه ، فكانت كما لو انفصلت في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة.

وكذا إن أخذ الثاني وحصلت الغلّة في يده ، لم يشاركه الثالث فيها.

ولو خرج الشقص مستحقّاً ، قال أكثر الشافعيّة : إنّ العهدة على المشتري يرجع الثلاثة عليه ، ولا يرجع أحدهم على الآخَر ؛ لأنّ الشفعة [ ليست ](١) مستحقّة عليهم(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : يرجع الثاني على الأوّل ، والثالث يرجع عليهما ، والأوّل يرجع على المشتري ، لأنّ الثاني أخذ من الأوّل ودفع الثمن إليه(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من اجرة ونقص قيمة الشقص ، فأمّا الثمن فكلّ يستردّ ما سلّمه ممّن سلّمه إليه‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٥ - ١٨٦.

٣٤١

بلا خلاف(١) . وهو المعتمد.

مسالة ٨٠٣ : لو قال الأوّل : لا آخذ الجميعَ وإنّما أنتظر مجي‌ء الشركاء ليأخذوا أو يعفوا‌ ، فالأقرب : عدم سقوط شفعته بذلك ، لأنّ له غرضاً في الترك ، وهو أن لا يأخذ ما يؤخذ منه ويحتاج إلى ثمن كثير ربما لا يقدر عليه في تلك الحال ، ومع ذلك يؤدّي حاله إلى عدم التمكّن من العمارة على ما يريده ، وربما انتزع منه فيضيع تعبه ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : أنّه تسقط شفعته ؛ لأنّه يمكنه الأخذ فلم يفعل فبطلت(٢) .

وليس بجيّد ؛ لعدم تمكّنه من أخذ حقٍّ لا ينازعه فيه غيره.

ولو قال الثاني : لا آخذ النصف ، بل الثلث خاصّةً لئلّا يحضر الثالث فيأخذ منّي ، فله ذلك ؛ لأنّه يأخذ دون حقّه ، بخلاف الأوّل ؛ لأنّ أخذه لبعض الشقص تبعيض للشقص على المشتري ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

ويُشكل بأنّه يريد أن يأخذ بعض ما يخصّه ، وليس لأحد الشفيعين أن يأخذ بعض ما يخصّه. فإن أخذ الثلث إمّا على هذا الوجه أو بالتراضي ، وهو سهمان من ستّة ، ثمّ قدم الثالث ، فله أن يأخذ من الأوّل نصف ما في يده ، فإن أخذه ، فلا كلام. وإن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، فله ذلك ؛ لأنّ حقّه ثابت في كلّ جزء.

ثمّ له أن يقول للأوّل : ضمّ ما معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٤ :١٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

٣٤٢

لأنّا متساويان.

وتصحّ المسألة من ثمانية عشر ؛ لأنّا نحتاج إلى عددٍ لثُلْثه ثُلْث ، وهو تسعة ، مع الثاني - منها - ثلاثة ، ومع الأوّل ستّة ، فيأخذ الثالث من الثاني(١) واحداً ويضمّه إلى ما مع الأوّل وهو ستّة ، فلا تنقسم ، فنضرب(٢) اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر ، للثاني منها اثنان في اثنين أربعة ، تبقى أربعة عشر ، للأوّل والثالث نصفين ، وهذا المنقسم من ثمانية عشر ربع الدار ، فتكون جملتها اثنين وسبعين - قال بعض الشافعيّة : لمـّا ترك الثاني سدساً للأوّل صار عافياً عن بعض حقّه ، فيبطل جميع حقّه على الأصحّ ، كما سبق ، فينبغي أن يسقط حقّ الثاني كلّه ، ويكون الشقص بين الأوّل والثالث(٣) - فكأنّ الثالث يقول للأوّل : نحن سواء في الاستحقاق ، ولم يترك واحد منّا شيئا من حقّه ، فنجمع ما معنا ونقسمه ، بخلاف الثاني ، لأنّه ترك شيئا من حقّه. ولأنّه لمـّا قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، وذلك ثلثا سهم ، ولا يسقط حقّه بما تركه في يد الأوّل ، ثمّ يضمّ ما معه إلى ما في يد الأوّل ، وهو أربعة أسهم ، فيكون أربعة أسهم وثلثي سهم يقتسمانها نصفين ، لأنّه يطالب الأوّل بثلث نصيبه ، وهو سهم من ثلاثة وثلث السهم الذي تركه الثاني ، لأنّه لو أخذه لأخذ ثلثه ، ويبقى ثلثا هذا السهم تركه الثاني ، وسقط حقّه عنه ، فيقتسمانه بينهما ، فيحصل له ذلك من أربع جهات ، فإن قدم الرابع أخذ من الثاني سهما ، وهو ربع ما بيده ، وضمّه إلى ما في يد الأوّل والثالث يصير خمسة عشر يقتسمونه أثلاثا لكلّ واحد‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيأخذ الثاني من الثالث ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « نضرب ». والأنسب ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

٣٤٣

خمسة.

مسالة ٨٠٤ : لو أخذ الأوّل الشقص بالشفعة ثمّ وجد به عيباً فردّه ثمّ قدم الثاني ، كان له أخذ جميع الشقص - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الشفيع فسخ تملّكه ، ورجع إلى المشتري بالسبب الأوّل ، فكان للشفيع الآخَر أن يأخذه ، كما لو عفا.

وقال محمد بن الحسن الشيباني : إنّه لا يأخذ إلّا حصّته ؛ لأنّ الأوّل لم يعف عن الشفعة ، وإنّما ردّ ذلك لأجل العيب ، فلم يتوفّر نصيبه على الآخَر ، كما لو رجع إليه نصيب أحدهما بسببٍ آخَر(٢) .

والفرق بين صورة النزاع وبين عوده بسببٍ آخَر ثابت ؛ لأنّه عاد غير الملك الأوّل الذي تعلّقت به الشفعة.

مسالة ٨٠٥ : لو حضر اثنان وأخذا الشقص واقتسماه‌ ، كان للثالث بعد حضوره نقض القسمة ، والمطالبة بحصّته من الشفعة ، وله أن يأخذ من كلّ واحدٍ منهما ثلث ما في يده ، وتبقى القسمة بحالها إن رضي المتقاسمان بذلك ، وإلّا فلكلٍّ منهما الفسخ ؛ لأنّه إنّما رضي بأخذ الجميع ، والقسمة لم تقع فاسدةً في نفسها ، بل وقعت صحيحةً ، وتعقَّبها البطلان المتجدّد ، فإذا لم يسلم له جميع ما وصل إليه ، كان له الفسخ.

ولو قدم الثالث وأحد الشريكين كان غائباً ، فإن قضى له القاضي على الغائب ، أخذ من الحاضر الثلث ، ومن الغائب الثلث. وإن لم يقض ، أخذ من الحاضر الثلث ؛ لأنّه قدر ما يستحقّه ممّا في يده ، وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦.

٣٤٤

الشافعيّة ، والثاني : النصف ؛ لأنّ أحدهما إذا كان غائباً ، صار كأنّهما الشفيعان ، فيقتسمان بينهما بالسويّة(١) .

إذا ثبت هذا ، فإن حضر الغائب وغاب هذا الحاضر ، فإن كان أخذ من الحاضر ثلث ما في يده ، أخذ من الذي كان غائباً وحضر ثلثَ ما في يده أيضاً(٢) . وإن كان قد أخذ من الحاضر النصفَ ممّا في يده ، أخذ من هذا سدس ما في يده ، فيتمّ بذلك نصيبه ، ويكون ذلك من ثمانية وأربعين ، والمبيع اثنا عشر أخذ ستّةً.

مسالة ٨٠٦ : لو كانت الدار بين ثلاثة فباع اثنان من رجل شقصاً‌ ، فقال الشفيع : أنا آخذ ما باع فلان وأترك ما باع فلان الآخر ، كان له ذلك ؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، وبه قال الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) ، وقد سلف(٥) .

ولو باع واحد من اثنين ، كان للشفيع أن يأخذ منهما أو من أحدهما ، دون الآخر - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّهما مشتريان ، فجاز(٧) للشفيع أخذ نصيب أحدهما.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٢) كلمة « أيضاً » لم ترد في « س » والطبعة الحجريّة.

(٣) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، المغني ٥ : ٥٣٠.

(٥) راجع ص ٣٧ ، المسألة ٥٦٣.

(٦) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧ ، المغني ٥ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٨.

(٧) في الطبعة الحجريّة : « فكان » بدل « فجاز ».

٣٤٥

وقال أبو حنيفة : يجوز بعد القبض ، ولا يجوز قبله في إحدى الروايتين ، لأنّه قبل القبض يكون تبعيضاً للصفقة على البائع(١) ؛ بناءً على أصله في أنّه يأخذ المبيع منه.

وهو ممنوع ، على أنّ الباقي يأخذه المشتري والآخَر ، وليس تبعيضاً.

وكذا لو باع اثنان من واحد ، فإنّ للشفيع أن يأخذ الحصّتين أو حصّة أحدهما دون الآخَر ؛ لما تقدّم ، خلافاً لأبي حنيفة ولمالك(٢) .

ولو باع الشريكان من اثنين ، كان ذلك بمنزلة أربعة عقود ، وللشفيع أخذ الكلّ أو ما شاء منهما إمّا ثلاثة أرباعه ، وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخَر ، أو يأخذ نصف الجملة إمّا بأن يأخذ نصيب أحدهما أو نصف نصيب كلّ واحد ، أو يأخذ ربع الجملة ، وهو نصف نصيب أحدهما.

مسالة ٨٠٧ : لو باع أحد الشريكين بعض(٣) نصيبه من رجل ثمّ باع منه الباقي ثمّ علم شريكه ، كان له أن يأخذ المبيع أوّلاً خاصّةً ، أو ثانياً خاصّةً ، أو هُما معاً بالشفعة ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكمَ نفسه ، فإن عفا عن الأوّل وأراد أخذ الثاني ، لم يشاركه المشتري بنصيبه الأوّل ؛ لأنّ ملكه على الأوّل لم يستقرّ ؛ لأنّ للشفيع أخذه ، فلا يستحقّ به شفعته ، كما لو ارتهن بعضه واشترى الباقي ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : ليس له أن يأخذ النصيبين معاً ، وإنّما له أن يأخذ‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « نصف » بدل « بعض ».

(٤) اُنظر : المغني ٥ : ٥٣٣.

٣٤٦

الأوّل ونصف الثاني - وبه قال بعض الشافعيّة - لأنّ ملكه ثبت له على الأوّل ، فإذا اشترى الثاني ، كان شريكاً له بالنصف(١) .

مسالة ٨٠٨ : إذا باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة أنفس صفقةً واحدة‌ ، فإن عفا [ الشريك ](٢) عن أحدهم ، صحّ عفوه ، ولم يجز للمعفوّ عنه مشاركته في الشفعة على الآخَرَيْن ؛ لأنّ ملك المعفوّ عنه لم يسبق ملكهما ، وإنّما ملك الثلاثة دفعة واحدة ، وإنّما يستحقّ الشفعة بملكٍ سابق لملك المشتري.

فإن باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة في ثلاثة عقود على الترتيب فعفا الشريك عن المشتري الأوّل ، وطلب من الآخرين ، كان للمشتري الأوّل مشاركته في شفعة الآخرَيْن ؛ لأنّ ملكه سابق لشرائهما.

وكذا إن عفا عن الأوّل والثاني ، شاركاه في حقّ الشفعة على الثالث.

ولو عفا عن الثاني خاصّةً ، كان له مشاركته في شفعة الثالث ، دون الأوّل.

ولو عفا عن الثالث خاصّة ، لم يكن له مشاركته في شفعة الأوّلين.

ولو عفا عن الثاني والثالث ، لم يشاركاه في شفعة الأوّل ، لأنّهما حين وجوب الشفعة لم يكن لهما ملك.

مسالة ٨٠٩ : لو وكّل أحد الشركاء الثلاثة ثانيَهم‌ ، فباع الوكيل نصيبه ونصيب مُوكِّله صفقةً واحدة ، كان للثالث الشفعةُ ، وليس للوكيل ولا للموكّل شفعة على الآخَر ؛ لعدم الأولويّة. ولأنّهما بائعان.

وهل للثالث أن يأخذ أحد النصيبين دون الآخَر؟ الأقوى ذلك ؛ لأنّ‌

____________________

(١) اُنظر : المغني ٥ : ٥٣٣.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

٣٤٧

المالك اثنان ، فهو كما لو تولّيا العقد ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : ليس له ؛ لأنّ العاقد واحد في الطرفين اعتباراً بالوكيل(١) .

ولو كانت الدار لاثنين فوكّل أحدهما الآخَر ببيع نصف نصيبه ، وجوّز له أن يبيع نصيب نفسه إن شاء صفقةً واحدة ، فباع كذلك ، وأراد الموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحقّ النصف الباقي ، فله ذلك ؛ لأنّ الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكّل فيه - وهو ملكه - وعلى ما فيه شفعة - وهو ملك الوكيل - فأشبه مَنْ باع شقصين من دارين صفقةً واحدة.

فإن كان الشفيع في إحداهما غير الشفيع في الاُخرى ، فلكلٍّ أن يأخذ ما هو شريك فيه ، سواء وافقه الآخَر في الأخذ أو لا. وإن كان شفيعهما واحداً ، جاز له أخذ الجميع ، وأخذ أيّتهما شاء ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

مسالة ٨١٠ : لو كانت الدار لثلاثة نصفها لواحدٍ ولكلّ واحد من الآخَرَيْن الربع‌ ، فقارض أحد هذين الرجلين الآخَرَ على ألف ، فاشترى العامل منهما نصف نصيب صاحب النصف ، فلا شفعة هنا ؛ لأنّ البائع لا شفعة له فيما باع ، والشريك الآخَر ربّ المال ، والثالث هو العامل ، وربّ المال والعامل بمنزلة الشريكين في المبتاع ، فلا يستحقّ أحدهما على الآخَر شفعة فيما ابتاعه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

فإن باع الذي كان صاحب النصف الربعَ الذي بقي له من أجنبيّ ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٩٢ ، والمغني ٥ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٥٤٧.

٣٤٨

فالشقص للشفعة أثلاثاً ، الثلث بالربع الذي لربّ المال ، والثلث بالربع الذي للعامل ، والثلث لمال المضاربة وكان مال القراض بمنزلة شريكٍ آخَر ؛ لأنّ حكمه متميّز عن مال كلّ واحد منهما.

مسالة ٨١١ : لو اشترى بعيراً وشقصاً بعبد وجارية‌ ، وقيمة البعير والشقص مائتان كلّ واحد بمائة ، وكذا قيمة العبد مائة ، وقيمة الجارية مائة ، تثبت الشفعة في الشقص بنصف قيمة العبد والجارية.

فإن تلف البعير قبل القبض ، بطل فيه العقد ، ولا يبطل في الشقص ، وهو أحد قولي الشافعيّة(١) في طريق تفريق الصفقة ، فإن قلنا : يبطل ، بطل الكلّ وسقطت الشفعة. وإن قلنا : يصحّ في الشقص ، صحّ فيه بنصف العبد والجارية ، وأخذه الشفيع بقيمة ذلك.

وإن تلف العبد ، بطل العقد في نصف البعير ونصف الشقص ، وأخذ الشفيع نصف الشقص بنصف قيمة الجارية.

مسالة ٨١٢ : لو كانت الدار بين أربعة بالسويّة فاشترى اثنان منهم من واحد نصيبه وهو الربع ، استحقّ الذي لم يشتر عليهما الشفعة ، واستحقّ كلّ واحد من المشتريين ؛ لأنّه شريك ، فلا يسقط حقّه من الشفعة ، وتبسط الدار ثمانية وأربعين سهماً ، فالربع اثنا عشر ، وفيه أربع صُور :

أ - أن يطالب كلّ واحد بشفعة ، فيقتسمون المبيع أثلاثاً ، فيحصل لكلّ واحد أربعة.

ب - أن يعفو كلّ واحد من الشريكين عن صاحبه ، ويطالب الذي لم يشتر ، فإنّه يأخذ من كلّ واحد منهما نصف ما في يده ؛ لأنّه ممّا اشتراه‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٤٩

كلّ واحد شريكه في الشفعة ؛ إذ لا شفعة فيه إلّا لهما ، فيحصل للّذي لم يشتر نصفُ السهم ستّة ، ولكلّ واحد من المشتريين ثلاثة أسهم.

ج - أن يعفو الذي لم يشتر خاصّة ، فكلّ واحد من المشتريين يأخذ من صاحبه ما في يده ، فيكون ذلك قدر ما اشتراه لكلّ واحد ستّة.

د - أن يعفو الذي لم يشتر عن أحدهما دون الآخَر ، فإنّه يأخذ ممّن لم يعف عنه سهمين ، وتبقى معه أربعة أسهم يأخذ منها المعفوّ عنه سهمين ، ويأخذ الذي لم يعف عنه من المعفوّ عنه ثلاثة أسهم نصف ما في يده ؛ لأنّه لا شفيع في هذا السهم سواهما ، فيحصل مع كلّ واحد منهما خمسة ، ومع العافي سهمان.

البحث الثامن : في الحِيَل المسقطة للشفعة.

مسالة ٨١٣ : يجوز استعمال الحِيَل بالمباح مطلقاً عندنا وعند جماعة من العامّة ، خلافاً لأحمد بن حنبل(١) .

فإذا أراد أن يشتري الشقص ولا تلزمه شفعة ، أمكنه أن يشتريه بثمن مشاهد لا يعلمان قدره ولا قيمته إذا لم يكن من المكيلات والموزونات ، ثمّ يخرجه عن ملكه بتلفٍ أو غيره بحيث لا يتمكّن من العلم به وقت المطالبة بالشفعة ، فإذا طُولب بالشفعة وتعذّر عليه معرفة الثمن ، سقطت الشفعة ، فإن ادّعى الشفيع أنّ الثمن كان معلوماً وذكر قدره فأنكر المشتري ، قُدّم قول المشتري مع اليمين.

ولو كان الثمن مكيلاً أو موزوناً ، فقال المشتري : إنّه كان جزافاً أو كان‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٥١١.

٣٥٠

معلوماً وقد نسيته ، لم يُسمع منه في الجزاف عندنا ، وطُولب بجوابٍ صحيح ، فإن أجاب وإلّا جُعل ناكلاً.

ومَنْ قال : إنّه يجوز البيع به هل يكون الجواب به أو بالنسيان صحيحاً؟ الأقرب عندي ذلك - وهو قول أكثر الشافعيّة(١) - لأنّ نسيان المشتري ممكن ، وقد يكون الثمن جزافاً عند مجوّزيه ، فإذا أمكن ، حلف عليه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لا يكون جواباً صحيحاً ، فيقال له : إمّا أن تجيب بجوابٍ صحيح ، وإلّا جعلناك ناكلاً ، ويحلف الشفيع ، كما لو ادّعى رجل على آخَر ألف درهم دَيْناً ، فقال : لا أعلم قدر دَيْنك ، لم يكن جواباً(٢) .

والفرق : أنّ المدّعي يدّعي عليه قدراً معيّناً ، وهو لا يجيب عنه لا بإقرارٍ ولا بإنكارٍ ، فلهذا جعلناه ناكلاً ، وفي مسألتنا قوله : « إنّ الثمن كان جزافاً ، أو : لا أذكره » إنكار للشفعة ؛ لأنّه إذا كان كذلك ، لا تجب الشفعة.

نعم ، لو قال : لا أدري لك شفعة أم لا ، كان كمسألة الدَّيْن.

ولأنّ الدَّيْن إن لم يعلمه مَنْ هو عليه يجوز أن يعلمه من هو له ، فيجعل القول قوله مع يمينه ، وهنا هذا هو العاقد ، وإذا كان جزافاً أو لا يعلم ، فلا طريق للشفيع إلى معرفته.

مسالة ٨١٤ : لو أتلف المشتري الثمن المعيّن قبل القبض وكان قد قبض الشقص وباعه ، سقطت الشفعة ، وصحّ تصرّف المشتري ، وكان عليه قيمة الشقص للبائع.

____________________

(١و٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٥١

ولو أراد المتبايعان التوصّل إلى رغبة الشفيع عن الشفعة ، اشتراه بألف إذا كان يساوي مائةً ثمّ يبيعه بالألف سلعة تساوي مائةً ، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه ، وجب عليه دفع الألف. وكذا إذا باعه سلعة تساوي مائةً بألفٍ ثمّ اشترى الشقص المساوي مائةً بألف ، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه ، أخذه بالألف.

وهذا يصحّ عندنا مطلقاً.

وعند الشافعي إنّما يصحّ إذا لم يشترط مشتري الشقص على بائعه أخذ السلعة بالثمن في العقد ، فإنّه متى شرط ذلك ، بطل العقد عنده ، ويحصل على المشتري بشراء ما يساوي مائة بألفٍ غررٌ(١) .

مسالة ٨١٥ : لو نُقل الشقص بهبةٍ أو صلح أو بجَعْله مالَ إجارة أو غيرها من العقود المغايرة للبيع ، فلا شفعة عندنا.

ووافقنا الشافعي(٢) في كلّ عقد لا يشتمل على المعاوضة ، وعلى أنّهما إذا اتّفقا على أن يهب أحدهما الشقص للآخَر ويهب الآخَر الثمن ، ويكون هذا الاتّفاق قبل عقد الهبة ويعقدانها مطلقةً ، فلا تجب الشفعة.

ولو اتّفقا على بيع الشقص بألف وهو يساوي مائةً ثمّ يُبرئه من تسعمائة بعد انبرام البيع فتعاقدا على ذلك ، رغب الشفيع عن أخذه ؛ لأنّه لو طلبه لزمه الألف.

مسالة ٨١٦ : ومن الحِيَل أن يبيعه جزءاً من الشقص بثمنه كلّه‌ ، ويهب له الباقي أو يهبه بعض الشقص ، أو يملّكه إيّاه بوجهٍ آخَر غير البيع ، ثمّ‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٣٥٢

يبيعه الباقي ، فإنّه لا شفعة عند مَنْ يُبطلها مع الكثرة ، أو يبيعه بثمن حاضر مجهول القدر عند مَنْ يُجّوزه ، ويقبضه البائع ولا يزنه ، بل ينفقه أو يمزجه بمالٍ له مجهول ، فتندفع الشفعة على أصحّ قولي الشافعيّة(١) .

ولو باع بعض الشقص ثمّ باع الباقي ، لم يكن للشفيع أخذ جميع المبيع ثانياً على أحد الوجهين(٢) .

ولو وكّل البائع شريكه بالبيع فباع ، لم يكن له الشفعة على أحد الوجهين(٣) .

مسالة ٨١٧ : لا يكره دفع الشفعة بالحيلة‌ ؛ إذ ليس فيها دفع حقٍّ عن الغير ، فإنّ الشفعة إنّما تثبت بعد البيع مع عدم المعارض ، فإذا لم يوجد بيع أو وُجد مع معارض الشفعة ، فلا شفعة ؛ لعدم الثبوت ، وبه قال أبو يوسف(٤) .

وقال محمد بن الحسن : يكره(٥) .

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : الثاني(٦) ، ولا يكره عندهم دفع شفعة الجار بالحيلة قطعاً(٧) .

ولو اشترى عُشْر الدار بتسعة أعشار الثمن ، فلا يرغب الشفيع ؛ لكثرة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٢و٣) الوجهان للشافعيّة أيضاً ، اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٤و٥) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

(٧) روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

٣٥٣

الثمن ، ثمّ يشتري تسعة أعشاره بعُشْر الثمن ، فلا يتمكّن الجار من الشفعة ؛ لأنّ المشتري حالة الشراء شريك في الدار ، والشريك مقدّم على الجار ، أو يخطّ البائع على طرف ملكه خطّاً ممّا يلي دار جاره ، ويبيع ما وراء الخطّ ؛ لأنّ ما بين ملكه وبين المبيع فاصلاً ، ثمّ يهبه الفاصل.

البحث التاسع : في اللواحق.

مسالة ٨١٨ : لو مات المديون وله شقص يستوعبه الدَّيْن فبِيع شقصٌ في شركته‌ ، كان للورثة الشفعةُ ؛ لأنّ الدَّيْن لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة على ما يأتي ، وبه قال الشافعي(١) ، خلافاً لأبي حنيفة(٢) وبعض الشافعيّة(٣) .

ولو كان للمديون دار فبِيع بعضها في الدّين ، لم يكن للورثة الشفعة ، لأنّ البيع يقع لهم ، فلا يستحقّون الشفعة على أنفسهم.

ولو كان الوارث شريك الموروث فبيع نصيب الموروث في دينه ، تثبت الشفعة للوارث بنصيبه الذي كان يملكه ؛ لأنّ البيع على الميّت إنّما كان بسبب دينه الذي ثبت عليه في حال الحياة ، فصار البيع كأنّه قد وقع في حال الحياة ، والوارث كان شريكه في حال الحياة ، فتثبت له الشفعة ، ولا يلزم إذا كانت الدار للموروث فبيع بعضها في دَيْنه ؛ لأنّا إذا جعلنا البيع كأنّه وقع في حال الحياة ، لم يكن الوارث شريكه في تلك الحال ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤ ، المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

(٢) المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

٣٥٤

وقال أكثرهم : لا شفعة ؛ لأنّ الدَّيْن لا يمنع انتقال الملك إلى الوارث ، فإذا بِيع فقد بِيع ملك الوارث عليه ، فلا يستحقّ الشفعة ، كما لو كان له على رجل دَيْنٌ وهو غائب فباع بعض داره ثمّ قدم ، لم تثبت له الشفعة ، كذا هنا(١) .

وما ذكره أوّلاً بعضهم فليس بشي‌ء ؛ لأنّه إنّما يلحق بحال الحياة إذا وجد سببه في حال الحياة وما لا يمكن(٢) ابتداؤه بعد الوفاة ، ولو كان كذلك ، لم يكن للوارث أن يقضي الدَّيْن من عنده ، ويمنع(٣) من البيع.

وهذا عندي هو المعتمد.

لا يقال : هذا الدَّيْن وجب على الميّت ، فلا يجوز أن يباع غيره فيه ، وإنّما يُجعل كأنّه بِيع عليه.

لأنّا نقول : مَنْ يقول : إنّ الملك ينتقل إلى الوارث قد لزمه ما اُلزم ؛ لأنّه يبطل ملك الوارث لأجل دَيْن الميّت ، على(٤) أنّ ذلك لا يمنع(٥) ؛ لأنّ هذا الدَّيْن يتعلّق(٦) بهذه العين ؛ لأنّها مُلكت من جهة السبب ، ألا ترى أنّ العبد إذا جنى ، تعلّقت الجناية برقبته ، وهي ملك لمولاه ، ويُباع فيها وإن لم يكن الدَّيْن على مولاه.

مسالة ٨١٩ : لو كان لأحد الثلاثة نصف الدار ولكلٍّ من الآخَرَيْن ربع‌ ، فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه ، والآخَر غائب ، ثمّ باع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٢) كذا ، والظاهر : « وما لم يكن ».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « ويمتنع ».

(٤) في « ي » والطبعة الحجريّة : « وعلى ».

(٥) في « س ، ي » : « لا يمتنع ».

(٦) في « ي » : « تعلّق ».

٣٥٥

صاحب ثلاثة الأرباع ربعاً منها لرجل ، ثمّ قدم الشريك الغائب ، كان له أخذ ما يخصّه من المبيع الأوّل بالشفعة ، وهو ثُمْنٌ ، ويأخذ المبيع الثاني بأجمعه ؛ إذ لا شفيع غيره.

فإن أراد العفو عن الثاني والأخذ من الأوّل ، أخذ من المشتري الثاني سهماً من ستّة ، ومن الأوّل سهمين من ستّة ؛ لأنّا نفرض الدار أربعة وعشرين سهماً ؛ إذ لا تخرج صحيحةً من أقلّ.

وإنّما قلنا ذلك ؛ لأنّ صاحب النصف اشترى الربع ، فكان بينه وبين الغائب نصفين إن قلنا : إنّ للمشتري شفعةً وإنّ الشفعة على عدد الرؤوس فإذا باع الربع ممّا في يده وفي يده ثلاثة أرباع ، فقد باع ثلث ما في يده ، وهو ستّة ، وبقي في يده اثنا عشر ، وللغائب شفعة ثلاثة أسهم ، فإذا قدم ، أخذ من المشتري ثلث ما استحقّه ، وهو سهم واحد ، لأنّه حصل له ثلث ما كان في يد بائعه ، وأخذ من الأوّل سهمين.

وإن جعلنا الشفعة على قدر النصيب ، فالذي يستحقّ الغائب سهمان من الستّة ، لأنّ ملكه مثل نصف ملك المشتري حصل له في المبيع ثلثا سهم ، ويأخذ من المشتري الأوّل سهماً وثُلثاً ومن الثاني ثلثي سهم.

هذا إذا عفا عن الثاني ، وإن عفا عن الأوّل وأخذ من الثاني ، أخذ من المشتري ما اشتراه ، وهو ستّة أسهم ، لأنّ شريكه بائع ، فلا شفعة له.

وإن أراد أن يأخذ الشفعة بالعقدين ، أخذ ما في يد الثاني ، وأخذ من الأوّل سهمين إن جعلنا الشفعة على عدد الرؤوس ، وإن قلنا : على قدر النصيب ، يأخذ سهماً وثُلثاً.

مسالة ٨٢٠ : لو بِيع شقص وله شفيعان فعفا أحدهما ومات الآخَر وكان وارثه هو العافي‌ ، كان له أن يأخذ الشقص بما ورثه من الشفعة ،

٣٥٦

ولا يبطلها العفو السابق ؛ لأنّ العفو وقع عمّا يملكه بالأصالة لا بالميراث.

وكذا لو قذف رجل أباهما وهو ميّت فعفا أحدهما ، كان للآخَر استيفاء الحدّ كملاً ، فإن مات وكان العافي وارثَه ، كان له استيفاؤه بالنيابة عن مورّثه.

مسالة ٨٢١ : قد سلف(١) أنّ الإقالة لا توجب الشفعة ، خلافاً لأبي حنيفة(٢) . وكذا الردّ بالعيب وإن كان على سبيل التراضي ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : تثبت الشفعة إن وقع الردّ بالتراضي ، لأنّه نقل الملك بالتراضي ، فأشبه البيع(٤) .

وهو خطأ ، لأنّه فسخ ، وليس بمعاوضة ، ولهذا يعتبر فيه العوض الأوّل ، فلم تثبت فيه الشفعة ، كالفسخ بالخيار.

ولو لم يقايله(٥) ، بل باعه المشتري من البائع بذلك الثمن أو غيره ، كان للشفيع الشفعة ، لأنّه عفا عمّا استحقّه بالعقد الأوّل ، وهذا عقد يستحقّ به الشفعة ، فوجبت له.

تذنيب : إذا كان الثمن معيّناً فتلف قبل القبض ، بطل البيع والشفعة ؛ لأنّه تعذّر التسليم ، فتعذّر إمضاء العقد ، بخلاف الإقالة والردّ بالعيب.

____________________

(١) في ص ٢٣٠ ، المسألة ٧٢٧.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨ ، المغني ٥ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٥.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، الوسيط ٤ : ٧٤ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨.

(٥) في « ي » : « ولم يقابل ». وفي الطبعة الحجريّة : « ولم يقابله » بالباء. وفي « س » : « ولم يقايله » بالياء. والصحيح ما أثبتناه.

٣٥٧

ولو ظهر الثمن المعيّن مستحقّاً ، بطل البيع أيضاً والشفعة.

ولو كان المشتري قد باع الشقص قبل التلف ، صحّ بيعه ، وللشفيع أخذه بالشفعة ، وبطل البيع الأوّل.

أمّا لو باعه ثمّ ظهر استحقاق الثمن المعيّن ، بطل الثاني أيضاً ، ولا شفعة ؛ لأنّ المقتضي لبطلان البيع الاستحقاقُ لا ظهورُه.

آخَر : لو وجبت الشفعة وقضى له القاضي بها والشقص في يد البائع ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع : أقلني ، فأقاله ، لم تصحّ الإقالة ؛ لأنّها إنّما تصحّ بين المتبايعين ، وليس للشفيع ملكٌ من جهة البائع ، فإن باعه منه ، كان حكمه حكم بيع ما لم يقبض.

مسالة ٨٢٢ : لو كان أحد الشريكين في الدار غائباً وله وكيل فيها‌ ، فقال الوكيل : قد اشتريته منه ، لم يكن للحاضر أخذه بالشفعة ؛ لأنّ إقرار الوكيل لا يقبل في حقّ موكّله. ولأنّه لو ثبتت الشفعة للحاضر بمجرّد دعوى الوكيل ، لثبت للوكيل جميع توابع الملك ، فكان لو مات(١) الموكّل ، لم يفتقر الوكيل في دعوى الشراء منه إلى بيّنة ، بل يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي فيه الموكّل ، ويسأله عن ذلك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ الحاضر يأخذه بالشفعة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه - لأنّه أقرّ بحقٍّ له فيما في يده(٢) .

ويذكر الحاكم ذلك في السجلّ ، فإن قدم الغائب وصدّقه ، فلا كلام.

وإن أنكر البيع فإن أقام مدّعيه البيّنةَ ، بطل إنكاره ، وإن لم يُقم بيّنةً ، حلف المنكر ، ثمّ يردّ النصف عليه واُجرة مثله وأرش نقصه إن كان ، وله أن‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « فكان كما لو مات ».

(٢) المغني ٥ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٠ - ٥٣١.

٣٥٨

يرجع بذلك على مَنْ شاء ، فإن رجع على الوكيل ، رجع به على الشفيع ، وإن رجع على الشفيع ، لم يرجع به على الوكيل ؛ لأنّ التلف حصل في يده.

وفي وجهٍ للشافعيّة : أنّه يرجع عليه ؛ لأنّه غرَّه(١) .

مسالة ٨٢٣ : لو حكم حاكمُ شرعٍ باعتقاده أنّ الشفعة تثبت مع الكثرة‌ ، لم يعترض عليه مَنْ لا يعتقد ذلك من الحُكّام.

وكذا عند الشافعي إذا قضى الحنفي بشفعة الجوار ، لم يعترض عليه في الظاهر ، وفي الحكم باطناً عندهم خلاف(٢) .

أمّا نحن فإن كان الآخذ مقلّداً وقلّد مَنْ يجب تقليده ، كان مباحاً له في الباطن. وإن كان مجتهداً ، لم يجز له أن يأخذ على خلاف مذهبه.

مسالة ٨٢٤ : لو اشترى الشقص بكفٍّ من الدراهم لا يعلم(٣) وزنها‌ ، أو بصُبرة حنطة لا يعلم كيلها ، فعندنا يبطل البيع.

وعند مَنْ جوَّزه تُكال أو تُوزن ليأخذ الشفيع بذلك القدر(٤) .

فإن كان غائباً فتبرّع البائع بإحضاره أو أخبر عنه واعتُمد قوله ، فذاك ، وإلّا فليس للشفيع أن يكلّفه الإحضار والإخبار عنه.

ولو هلك وتعذّر الوقوف عليه ، تعذّر الأخذ بالشفعة.

وهذا يتأتّى مثله عندنا ، وهو أن يبيع بما لا مِثْل له ثمّ يتلف قبل العلم بقيمته.

ولو أنكر الشفيع الجهالة ، فإن عيّن قدراً وقال للمشتري : قد اشتريتَه‌

____________________

(١و٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لم يعلم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

٣٥٩

بكذا ، وقال المشتري : لم يكن قدره معلوماً ، فأصحّ القولين عند الشافعيّة : أنّه يقنع منه بذلك ، ويحلف عليه(١) ، وهو المعتمد عندي في عدم العلم بالقيمة.

وقال ابن سريج : لا يُقبل منه ذلك ، ولا يحلف ، بل إن أصرّ على ذلك ، جُعل ناكلاً ، ورُدّت اليمين على الشفيع(٢) .

وكذا الخلاف لو قال : نسيت(٣) (٤) .

وإن لم يعيّن الشفيع قدراً لكن ادّعى على المشتري أنّه يعلمه وطالَبه بالبيان ، فللشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم : لا تُسمع دعواه حتى يعيّن قدراً ، فيحلف المشتري حينئذٍ أنّه لا يعرف. والثاني : تُسمع ، ويحلف المشتري على ما يقوله ، فإن نكل ، حلف الشفيع على علم المشتري ، وحُبس المشتري حتى يُبيّن قدره.

فعلى الأوّل طريق الشفيع أن يعيّن قدراً ، فإن وافقه المشتري ، فذاك ، وإلّا حلّفه على نفيه ، فإن نكل ، استدلّ الشفيع بنكوله ، وحلف على ما عيّنه ، وإن حلف المشتري ، زاد وادّعى ثانياً ، وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشتري ، فيستدلّ الشفيع بنكوله ويحلف ، وهذا(٥) لأنّ اليمين عندهم قد تستند إلى التخمين.

قالوا : ولهذا له أن يحلف على خطّ أبيه إذا سكنت نفسه إليه(٦) .

وهذا باطل ، وأنّ اليمين لا تصحّ إلّا مع العلم والقطع دون الظنّ‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « انسيت ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وهكذا » بدل « وهذا ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ - ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنه قال: عليكم بمكارم الاخلاق فإن الله عزّوجلّ يحبها، وإياكم ومذام الافعال فإن الله عزّوجلّ يبغضها، وعليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فكلما قرأ آية رقي درجة، وعليكم بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وعليكم بحسن الجوار فإن الله أمر بذلك، وعليكم بالسواك فإنها مطهرة وسنة حسنة، وعليكم بفرائض الله فأدوها، وعليكم بمحارم الله فاجتنبوها(١) .

٥٨٧/١١ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن إسحاق بن عمار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب، كلاهما من أهل الجنة، فقير في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فو عزتك انك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأودي منه حقا أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفاف على ما علمت وقدرت لي. فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي، خلوا عنه يدخل الجنة.

ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها ثم يدخل الجنة، فيقول له الفقير: ما حبسك؟ فيقول: طول الحساب، ما زال الشئ يجيئني بعد الشئ يغفر لي، ثم أسأل عن شئ آخر حتى تغمدني الله عزّوجلّ منه برحمته، وألحقني بالتأئبين، فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفا. فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي(٢) .

٥٨٨/١٢ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين

______________

(١) بحار الانوار ٦٩: ٣٧٠/١١.

(٢) بحار الانوار ٧: ٢٥٩/٤.

٤٤١

ابن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن سليمان ابن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، يا علي أنت مني وأنا منك، يا علي أنت وصيي وخليفتي وحجة الله على أمتي بعدي، لقد سعد من تولاك، وشقي من عاداك(١) .

٥٨٩/١٣ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(٢) .

٥٩٠/١٤ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا أبورجاء قتيبة ابن سعيد، عن حماد بن زيد، عن عبد الرحمن السراج، عن نافع، عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: إذا كان يوم القيامة يؤتي بك - يا علي - على نجيب من نور، وعلى رأسك تاج، قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: أين خليفة محمّد رسول الله؟ فتقول: ها أنا ذا. قال: فينادي المنادي: يا علي، أدخل من أحبك الجنة، ومن عاداك النار، فأنت قسيم الجنة، وأنت قسيم النار(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٢/٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٢/٢٠١، بحار الانوار ٦٨: ٩/٥.

(٣) بحار الانوار ٧: ٢٣٢/٣.

٤٤٢

[ ٥٨ ]

المجلس الثامن والخمسون

مجلس يوم الثلاثاء

النصف من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٩١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الاستر آبادي رحمه الله، قال: حدّثنا عبد الملك بن أحمد بن هارون، قال: حدّثنا عمار بن رجاء، قال: حدّثنا يزيد ابن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصين، فأسرع الكرة، وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده، وأوسع قراباته وجيرانه؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن مال الدنيا كلما ازداد كثرة وعظما، ازداد صاحبه بلاء، فلا تغبطوا أصحاب الاموال إلا بمن جاد بماله في سبيل الله، ولكن ألا أخبركم بمن هو أقل من صاحبكم بضاعة، وأسرع منه كرة، وأعظم منه غنيمة، وما أعد له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمن؟ قالوا: بلى، يا رسول الله.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: انظروا إلى هذا المقبل إليكم. فنظرنا فإذا رجل من الانصار رث الهيئة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والارض،

٤٤٣

لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنة له. قالوا: بماذا، يا رسول الله؟ فقال: سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم.

فأقبل عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقالوا له: هنيئا لك بما بشرك به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب؟ فقال الرجل: ما أعلم أني صنعت شيئا غير أني خرجت من بيتي، وأردت حاجة كنت أبطأت عنها، فخشيت أن تكون فاتتني، فقلت في نفسي لاعتاضن منها النظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: النظر إلى وجه علي عبادة.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إي والله عبادة، وأي عبادة! إنك - يا عبدالله - ذهبت تبتغي أن تكتسب دينارا لقوت عيالك ففاتك ذلك، فاعتضت منه النظر إلى وجه علي، وأنت له محب، ولفضله معتقد، وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله، ولتشفعن بعدد كل نفس تنفسته في مصيرك إليه في ألف رقبة يعتقهم الله من النار بشفاعتك(١) .

٥٩٢/٢ - حدّثنا محمّد بن بكران النقاش رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم، قال: حدثني المنذر بن محمّد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمّد بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بادروا إلى رياض الجنة. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر(٢) .

٥٩٣/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا صهيب بن عباد بن صهيب، قال: حدّثنا أبي،

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٩٧/٥.

(٢) معاني الاخبار: ٣٢١/١، بحار الانوار ٩٣: ١٥٥/٢٠.

٤٤٤

قال: حدّثنا الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ عليهم السلام: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قضى باليمين مع الشاهد الواحد، وأن عليا عليه السلام قضى به بالعراق(١) .

٥٩٤/٤ - وبهذا الاسناد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبدالله، قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمره أن يأخذ باليمين مع الشاهد(٢) .

٥٩٥/٥ - حدّثنا الحسين بن عليّ الصوفي رضي الله عنه، قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الوزان، عن يحيى بن سعيد الاهوازي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد ابن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع ثيابك: اللهم انزع عني ربقة النفاق، وثبتني على الايمان. فإذا دخلت البيت الاول فقل: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وأستعيذ بك من أذاه. وإذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم أذهب عني الرجس النجس، وطهر جسدي وقلبي. وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك، وصب منه على رجليك، وإن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل، فإنه ينقي المثانة، والبث في البيت الثاني ساعة، فإذا دخلت البيت الثالث فقل: نعوذ بالله من النار، ونسأله الجنة. ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار، وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة، ولا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن، وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك، فإذا لبست ثيابك فقل: اللهم ألبسني التقوى، وجنبني الردى، فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء(٣) .

______________

(١) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/١.

(٢) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/٢.

(٣) بحار الانوار ٧٦: ٧٠/٣.

٤٤٥

٥٩٦/٦ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن جعفر بن محمّد الفزاري، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا منصور بن أبي نويرة، عن أبي بكر بن عياش، عن قرن أبي سليمان الضبي(١) ، قال: أرسل عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى لبيد العطاردي(٢) بعض شرطه، فمروا به على مسجد سماك(٣) ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي، فحال بينهم وبينه، فأرسل أميرالمؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجئ به، قال: فرفع أميرالمؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: والله إن صحبتك لذل، وإن خلافك لكفر. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: وتعلم ذلك؟ قال: نعم. قال: خلوه(٤) .

٥٩٧/٧ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ، قال: حدّثنا محمّد بن أيوب، قال: أخبرنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا هشام بن يوسف، عن عبدالله بن سليمان النوفلي، عن محمّد بن عليّ بن عبدالله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله عزّوجلّ، وأحبوا أهل بيتي لحبي(٥) .

٥٩٨/٨ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم المكتب رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا الهيثم بن عبدالله، قال: حدّثنا المأمون، عن أبيه الرشيد، عن المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن

______________

(١) في نسخة: ابن أبي سليمان الضبي، وفي الغارات: ٧٢: قدم الضبي.

(٢) في الغارات: لبيد بن عطارد التميمي، وقد ترجم له بهذا العنوان ابن حجر في الاصابة ٣: ٣٢٨، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣: ٣٢٨ (في هامش الاصابة).

(٣) مسجد سماك: بالكوفة منسوب إلى سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث الاسدي.« مجمع البلدان ٥: ١٢٥ ».

(٤) بحار الانوار ٤٢: ١٨٦/٢.

(٥) أمالي الطوسي: ٢٧٨/٥٣١، بحار الانوار ٢٧: ٧٦/٥، ٦.

٤٤٦

عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: أنت وارثي(١) .

٥٩٩/٩ - حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي الكوفي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن اللؤلؤي، قال: حدّثنا عليّ بن نوح الجنائي، قال: حدثني أبي، عن محمّد بن مروان، عن أبي داود، عن معاذ بن سالم، عن بشر بن إبراهيم الانصاري، عن خليفة بن سليمان الجهني، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: غزا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم غزاة، فلما رجع إلى المدينة، وكان علي عليه السلام تخلف على أهله، فقسم المغنم، فدفع إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام سهمين فقال الناس: يا رسول الله، دفعت إلى عليّ بن أبي طالب سهمين وهو بالمدينة متخلف!

فقال: معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، ألم تروا إلى الفارس الذي حمل على المشركين من يمين العسكر فهزمهم، ثم رجع إلي فقال: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب؟ وهو جبرئيل عليه السلام.

معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر فهزمهم، ثم رجع فكلمني، وقال لي: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ وهو ميكائيل، فوالله ما دفعت إلى علي إلا سهم جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فكبر الناس بأجمعهم(٢) .

٦٠٠/١٠ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن عبدالله بن أحمد، عن أبي أحمد الازدي، عن عبدالله بن جندب، عن أبي عمر العجمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله جل جلاله: أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الملوك،

______________

(١) بحار الانوار ٤٠: ٦/١٣.

(٢) علل الشرائع: ١٧٢/١، ٢، بحار الانوار ٣٩: ٩٤/٤.

٤٤٧

وقلوبهم بيدي، فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، وأيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، توبوا إلي أعطف قلوبهم عليكم(١) .

٦٠١/١١ - حدّثنا جعفر بن عليّ الكوفي، قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد الشعيري، عن الصادق جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي: الامراء والقراء(٢) .

٦٠٢/١٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن بشار بن يسار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا أردت شيئا من الخير فلا تؤخره، فإن العبد ليصوم اليوم الحار يريد به ما عند الله عزّوجلّ، فيعتقه الله من النار، ويتصدق بصدقة يريد بها وجه الله، فيعتقه الله من النار(٣) .

٦٠٣/١٣ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عليّ بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام لبعض أصحابه: ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الايمن فأعط الايسر(٤) .

٦٠٤/١٤ - حدّثنا الحسن بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبدالله بن

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٣٤٠/٢١.

(٢) نوادر الراوندي: ٢٧، بحار الانوار ٩٢: ١٧٨/٧.

(٣) بحار الانوار ٧١: ٢١٥/١٤.

(٤) بحار الانوار ١٤: ٢٨٧/١٠.

٤٤٨

بكير، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزّوجلّ(١) .

٦٠٥/١٥ - وبهذا الاسناد، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسدها على النار(٢) .

٦٠٦/١٦ - وقال عليه السلام: من صلى معهم في الصف الاول، فكأنما صلى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصف الاول.(٣) .

٦٠٧/١٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي جميلة، عن عمرو بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن صدقة النهار تميث(٤) الخطيئة كما يميث الماء الملح، وإن صدقة الليل تطفئ غضب الرب جل جلاله(٥) .

٦٠٨/١٨ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال علي عليه السلام: إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه(٦) .

٦٠٩/١٩ - حدّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي

______________

(١) تقدم في المجلس (١٠) الحديث (٦).

(٢) بحار الانوار ٨٩: ١٨٤/١٩.

(٣) بحار الانوار ٨٨: ٨٧/٤٨.

(٤) أي تذيب.

(٥) بحار الانوار ٩٦: ١٧٦/١.

(٦) بحار الانوار ٢: ٢٢٧/٤.

٤٤٩

عمير، عن أبان الاحمر، عن سعد الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: يا علي، أنت خليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، وأنت مني كشيث من آدم، وكسام من نوح، وكاسماعيل من إبراهيم، وكيوشع من موسى، وكشمعون من عيسى.

يا علي، أنت وصيي ووارثي وغاسل جثتي، وأنت الذي تواريني في حفرتي، وتؤدي ديني، وتنجز عداتي. يا علي، أنت أميرالمؤمنين، وإمام المسلمين، وقائد الغر المجلين، ويعسوب المتقين. يا علي، أنت زوج سيدة النساء فاطمة ابنتي، وأبو سبطي الحسن والحسين. يا علي، إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي من صلبك.

يا علي، من أحبك ووالاك أحببته وواليته، ومن أبغضك وعاداك أبغضته وعاديته، لانك مني وأنا منك. يا علي، إن الله طهرنا واصطفانا، لم يلتق لنا أبوان على سفاح قط من لدن آدم، فلا يحبنا إلا من طابت ولادته.

يا علي، أبشر بالشهادة فإنك مظلوم بعدي ومقتول. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك. يا علي، إنك لن تضل ولم تزل، ولولاك لم يعرف حزب الله بعدي(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٣/٢٦.

٤٥٠

[ ٥٩ ]

المجلس التاسع والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الثامن عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزّوجلّ. وحق اللسان إكرامه عن الخنا(١) ، وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم. وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه. وحق البصر أن تغضه عما لا يحل لك، وتعتبر بالنظر به. وحق يدك أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك. وحق رجليك أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما(٢) تقف على الصراط، فانظر أن لا تزل بك فتتردى في النار. وحق بطنك أن لا تجعله وعاء للحرام، ولا تزيد على الشبع. وحق

______________

(١) الخنا: الفحش في الكلام.

(٢) في نسخة: فيهما.

٤٥١

فرجك أن تحصنه عن الزنا، وتحفظه من أن ينظر إليه.

وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عزّوجلّ، أنك فيما قائم بين يدي الله عزّوجلّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها. وحق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله عزّوجلّ على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.

وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عزّوجلّ، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد عليها، وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية، وتعلم أنها تدفع البايا والاسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة.

وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك، وفرار إليه من ذنوبك، وفيه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك. وحق الهدي أن تريد به الله عزّوجلّ، ولا تريد به خلقه، وتريد به التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه.

وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعل الله عزّوجلّ له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه، فتلقي بيدك إلى التهلكة، وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.

وحق سايسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله - جل اسمه - لا للناس. وأما حق سايسك بالملك، فأن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأما حق رعيتك بالسلطان، فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك،

٤٥٢

فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله على ما آتاك من القوة عليهم.

وأما حق رعيتك بالعلم، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم، وفتح لك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم(١) ، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقا على الله عزّوجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك.

وأما حق الزوجة، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعلها لك سكونا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عزّوجلّ عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها لانها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها.

وأما حق مملوكك، فأن تعلم أنه خلق ربك، وابن أبيك وأمك، ولحمك ودمك لم تملكه لانك صنعته دون الله، ولا خلقت شيئا من جوارحه، ولا أخرجت له رزقا، ولكن الله عزّوجلّ كفاك ذلك، ثم سخره لك، وائتمنك عليه، واستودعك إياه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق أمك، فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولن تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك، وتظلك وتضحى(٢) ، وتهجر النوم لاجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، وأنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.

وأما حق أبيك، فأن تعلم أنه أصلك، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على

______________

(١) خرق بالشئ: جهله ولم يحسن عمله.

(٢) ضحى: برز للشمس فأصابه حرها.

٤٥٣

قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الادب، والدلالة على ربه عزّوجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الاساءة إليه.

وأما حق أخيك، فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له، فان أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك المنعم عليك، فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها، فأطلقك من أسر الملكية، وفك عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرغك لعبادة ربك، وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وبعد موتك، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك، وما احتاج إليه منك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعل عتقك له وسيلة إليه، وحجابا لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه، إذا لم يكن له رحم، مكافأة بما أنفقت من مالك، وفي الآجل الجنة.

وأما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه القالة(١) الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزّوجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته.

وأما حق المؤذن، فأن تعلم أنه مذكر لك بربك عزّوجلّ، وداع لك إلى حظك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

وأما حق إمامك في صلاتك، فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك وبين

______________

(١) القالة: اسم للقول الفاشي في الناس، خيرا كان أو شرا.

٤٥٤

ربك عزّوجلّ، وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّوجلّ، فإن كان (به)(١) نقص كان به دونك، وإن كان تماما كنت به شريكه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه، وصلاتك بصلاته، فتشكر له على قدر ذلك.

وأما حق جليسك، فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته، وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا.

وأما حق جارك، فحفظه غائبا، وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوءا سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصاحب، فأن تصحبه بالتفضل والانصاف، وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، وإن سبق كافيته، وتوده كما يودك، وتزجره عما يهم به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الشريك، فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، تحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عز أو هان من أمره، فإن يد الله عزّوجلّ على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مالك، فأن لا تأخذه إلا منحله، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق غريمك الذي يطالبك، فإن كنت موسرا أعطيته، وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، ورددته عن نفسك ردا لطيفا.

______________

(١) من الخصال.

٤٥٥

وحق الخليط أن لا تغره، ولا تغشه، ولا تخدعه، وتتقي الله في أمره.

وحق الخصم المدعي عليك، فان كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك، ولم تظلمه و أوفيته حقه، وإن كان ما يدعي باطلا رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرفق، و لم تسخط ربك في أمره، ولا قوة إلا بالله.

وحق خصمك الذي تدعي عليه، إن كنت محقا في دعواك، أجملت مقاولته، ولم تجحد حقه، وإن كنت مبطلا في دعواك، اتقيت الله وتبت إليه، وتركت الدعوى.

وحق المستشير، إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم، وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، وإن وافقك حمدت الله عزّوجلّ.

وحق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به. وحق الناصح أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله عزّوجلّ، وإن لم يوفق رحمته ولم تتهمه، وعلمت أنه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك، إلا أن يكون مستحقا للتهمة، ولا تعبأ بشئ من أمره على حال، ولا قوة إلا بالله.

وحق الكبير توقيره لسنه، وإجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تتقدمه ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته بحق الاسلام وحرمته، وحق الصغير رحمته وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له.

وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحق المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره. وحق من سرك الله به أن تحمد الله أولا ثم تشكره. وحق من ساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو يضره انتصرت، قال الله عزّوجلّ:( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) (١) .

وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم، والرحمة بهم، والرفق بمسيئهم،

______________

(١) الشورى ٤٢: ٤١.

٤٥٦

وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكف الاذى عنهم، وتحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبابهم بمنزلة إخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك، والصغار بمنزلة أولادك(١) ، وحق الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عزّوجلّ منهم، ولا تظلمهم ما وفوا لله عزّوجلّ بعهده، ولا قوة إلا بالله(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: إخوانك.

(٢) الخصال: ٥٦٤/١، بحار الانوار ٧٤: ٢/١.

٤٥٧

[ ٦٠ ]

المجلس الستون

مجلس يوم الثلاثاء

الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن شبيب، قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب أهل البيت عليهم السلام، وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه، فلما حج الرشيد كنت أنا ومحمّد والقاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهما السلام، فدخل، فلما نظر إليه الرشيد تحرك ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه، ثم أقبل عليه، فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن، كيف عيالك، كيف عيال أبيك، كيف أنتم، ما حالكم؟ فما زال يسأله عن هذا وأبو الحسن عليه السلام يقول: خير خير، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض، فأقسم عليه أبوالحسن عليه السلام فقعد، وعانقه وسلم عليه وودعه.

قال المأمون: وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خرج أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قلت لابي: يا أميرالمؤمنين، لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلت بأحد من أبناء المهاجرين والانصار ولا ببني هاشم! فمن هذا الرجل؟ فقال: يا بني، هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر بن محمّد، إن أردت العلم

٤٥٨

الصحيح فعند هذا. قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم(١) .

٦١٢/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين، قال: رفع(٢) الخبر إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، وعنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره، فقال لاهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نرى أن تتباعد عن هذا الرجل، وأن تغيب شخصك منه، فإنه لا يؤمن شره. فتبسم أبوالحسن عليه السلام، ثم قال:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب(٣)

ثم رفع عليه السلام يده إلى السماء، فقال: إلهي، كم من عدو شحذ لي ظبة مديته(٤) ، وأرهف لي سنان حده، وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوائح(٥) ، صرفت ذلك عني بحولك وقوتك لا بحولي ولا بقوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي، خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك.

سيدي اللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عمن يناويه، اللهم وأعدني عليه عدوى(٦) حاضرة، تكون من غيظي

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٣/١٢، بحار الانوار ٤٨: ١٣٤/٦.

(٢) في نسخة: وقع.

(٣) البيت لكعب بن مالك، وقيل: لحسان بن ثابت، وسخينة: لقب قريش، لانها كانت تعاب بأكل السخينة، وهي طعام يتخذ من الدقيق، وإنما يأكلونها في شدة الدهر وغلاء السعر.

(٤) الظبة: حد السيف ونحوه: والمدية: الشفرة الكبيرة.

(٥) الجائحة: المصيبة تحل بالرجل في ماله فتجتاحه كله.

(٦) أعداه: نصره وأعانه وقواه، والعدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك، أي ينتقم منه.

٤٥٩

شفاء، ومن حقي عليه وفاء(١) ، وصل اللهم دعائي بالاجابة، وانظم شكاتي بالتغيير، وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، إنك ذو الفضل العظيم والمن الكريم.

قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي(٢) .

٦١٣/٣ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس هارون الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام، جن عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسى عليه السلام طهوره، واستقبل بوجهه القبلة، وصلى لله عزّوجلّ أربع ركعات، ثم دعا بهذه الدعوات، فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، وخلصني من يديه، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الاحشاء والامعاء، خلصني من يدي هارون.

قال: فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات، رأى هارون رجلا أسود في منامه، وبيده سيف قد سله، واقفا على رأس هارون، وهو يقول: يا هارون، أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا. فخاف هارون من هيبته، ثم دعا لحاجبه، فجاء الحاجب، فقال له: اذهب إلى السجن، وأطلق عن موسى بن جعفر.

قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن، فأجابه صاحب السجن، فقال: من ذا؟ قال: إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر، فأخرجه من سجنك، وأطلق عنه. فصاح السجان، يا موسى، إن الخليفة يدعوك. فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا، وهو

______________

(١) في نسخة: ومن حنقي عليه وقاء.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٧٩/٧، أمالي الطوسي: ٤٢١/٩٤٤، مهج الدعوات: ٢٨، بحار الانوار ٤٨:٢١٧/١٧ - ١٩ و ٩٤: ٣٣٧/٦.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780