الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 464445 / تحميل: 8976
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بالمغفرة فما أصبرهم على النار ثمّ انه تمم هذا الزجر والوعظ بقوله( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) وبين ان ذلك غير مقبول إلّا بأن يؤمن المرء بالله فيعرفه حق المعرفة ويؤمن بالملائكة والنبيين ويؤتي المال وهو يحبه( ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ ) ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويوفي بعهد الله إذا عاهده وبعهد الناس ويصبر على البأساء والضراء يعني فيما ينزل به من جهة الله من الشدائد والأمراض قال تعالى( أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) وذكر في موضع آخر( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) وبين تعالى حكم القصاص في آيات فقال( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) لان من تصور انه إذا قتل يقتل كف عن القتل فيبقى حيا من قتله ثمّ ذكر تعالى فيمن يحضره الموت الوصية للوالدين والأقربين وهذا وان نسخ وجوبه فهو مرغوب فيه من الثلث أو ما دونه ثمّ قال( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أو إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ترغيبا في ازالة الخلاف وبقاء الالفة، ثمّ بين تعالى حكم الصيام في آيات كثيرة وأوجب صيام شهر رمضان على المقيم الصحيح وزجر عن خلافه.

[ مسألة ] فان قيل فلما ذا قال( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) . وجوابنا أنّ ذلك كان من قبل فانه كان المرء مخيرا بين الصيام وبين الإطعام ثمّ نسخ بوجوب الصيام وإنّما رخص في ذلك لمن لا يطيق أو لمن خاف من الصيام ودل تعالى بقوله( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) على انه إذا كان لم يرد التشديد في الصوم مع السفر والمرض رحمة بالعبد فبأن لا يريد منه ما يؤديه إلى النار أولى وقوله تعالى( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) لم يرد به تعالى قرب المكان وهذا كقوله( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) وكقوله( ما يَكُونُ مِنْ

٤١

نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) وكقوله( وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ ) وذلك مثله يحسن في الكلام البليغ وقد يقول المرء لغلامه وقد وكله في ضيعة على وجه التهديد له اني معك حيث تكون يريد معرفته باحواله والله تعالى بكل مكان على وجه التدبير للاماكن وعلى سبيل المعرفة بما يبطنه المرء ويظهره فهذا معنى الكلام ولولا صحة ذلك لوجب أن يكون قريبا ممن بالشرق وممن بالغرب وان يكون في الأماكن المتباعدة تعالى الله عن ذلك فانه قد كان ولا مكان وهو خالق الامكنة. وبين تعالى انه يجيب دعوة الداع إذا دعاه لكن ذلك بشرط أن لا تكون فسادا والذين يدعون لا يعرفون ذلك فلأجل ذلك ربما تقع الاجابة وربما لا تقع وربما تقدم وربما تأخر، وقد كان من قبل يحرم على الصائم الأكل إلّا عند الافطار ثمّ أباحه الله تعالى وأباح غيره طول الليل فهو معنى قوله( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) فقد كان من بعض الصحابة اقدام على الوطء ثمّ تاب من بعد ذلك فهو معنى قوله( فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ ) ثمّ أباحه بقوله( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) وروي عن بعض الصحابة ومن بعدهم انه كان يبيح الأكل إلى قريب من طلوع الشمس والصحيح انه انما يحل إلى طلوع الفجر الثاني وهو الذي عليه العلماء والظاهر يدل عليه.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ) فقالوا ان ذلك يدل انه استبطاء النصر من جهة الله فكيف يجوز ذلك على الأنبياء. وجوابنا انهم لم يقولوا ذلك استبطاء بل قالوه على وجه المسألة والدعاء وخوفا على ما يلحق المسلمين من جهة الكفار فبين تعالى ان نصره قريب وأمنهم مما خافوه وذلك مما يحسن.

٤٢

[ مسألة ] ويقال كيف يجوز أن يقول تعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) وما كتبه الله علينا لا يجوز أن يكره لانه من مصالحنا. وجوابنا أنّ المرء تنفر نفسه عن ذلك لـما فيه من المشقة وليس المراد انه يكره ذلك كيف يصح هذا وقد أوجب الله تعالى أن يعزم عليه وأن يراد وكذلك معنى قوله( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) والمراد به كراهة المشقة والنفار والمراد بقوله( وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) محبة الميل والشهوة وقوله من بعد( وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) يبين صحة ما ذكرناه وهو أنه عالم بالمصالح وبما يؤدي اليه ما يشق من المنافع وبما يؤدي اليه ما يتلذذ به من المضار.

[ مسألة ] وقيل كيف يقول تعالى إن في الخمر والميسر منافع للناس مع الإثم العظيم وجوابنا أنّه لا يمتنع أن يحصل في شربه منافع ترجع إلى مصالح البدن فاما ان يراد به منافع الآخرة فالذي بينه من أن الاثم في شربه أكثر من نفعه يبطل ذلك وهذه الآية من أقوى ما يدل على تحريم الخمر لان اثم شربها إذا كان كبيرا فيجب ان تكون محرمة ومعنى قوله( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) يدل على اباحة خلط أموالهم بأموالنا واستعمال الاجتهاد فيما يكثر منها ويحصل فيه النماء وكان ذلك في أوّل الاسلام ثمّ نسخ بأن ينظر في أموالهم متميزة من أموالنا وتطلب لهم فيها المنفعة.

[ مسألة ] وقيل كيف قال تعالى( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ثمّ قال بعد ذلك( أُولئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ ) وكذلك الفساق ربما دعوا إلى النار ويحل نكاح نسائهم. وجوابنا أنّ الكفار قبل قوة الاسلام في حال غلبتهم كان الله تعالى حرم نكاح نسائهم لهذه العلة ثمّ أباح نكاح الكتابيات وقد قوي الاسلام وذلوا باداء الجزية فخرجوا من أن يكون

٤٣

فيهم هذه العلة ولذلك قال تعالى( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) فنبه تعالى بقوله( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ) على أنّ ذلك شرع متجدد وهذا قول عامة الفقهاء وان كان في الناس من يحرّم نكاحهن في هذا الوقت أيضا فأما الفاسق من جملة من ينتحل الاسلام فانه لا يوصف بانه يدعو إلى النار.

[ مسألة ] وربما سألوا فقالوا قد قال( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) ومع ذلك فعندكم ان الحرة الكتابية يقدم نكاحها على نكاح الامة فكيف يصح ذلك وجوابنا أنّ المراد تقديم الأمة المؤمنة على الأمة الكافرة فلا يدل على ما ذكرته كأنه تعالى لـما أباح نكاح الحرائر نفى تحريم نكاح الاماء منهن أصلا أو تحريم تقديم نكاحهن إذا كنا إماء على نكاح الأمة المؤمنة وقد حصل في الكتابية إذا كانت أمة النقص من وجهين فلذلك تقدم الأمة المسلمة على نكاحها عند كثير من العلماء.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله تعالى( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا ) قالوا فكيف يمنع من ذلك مع البر وذلك غير مكروه. وجوابنا أنّ المراد ان لا تبروا ومثل ذلك شائع في اللغة كقوله تعالى( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) ومعناه أن لا تضلوا وقد قيل أنّ المراد كراهة الاكثار من اليمين وان بر فيه الحالف فيعظم ذكره جل وعز عن هذه الطريقة.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) فقالوا كيف يصح وقد يقع ذلك تعمدا. وجوابنا أنّ المراد أنه تعالى لا يؤاخذكم به على حد المؤاخذة بالايمان إذا كان ذلك يقع منه لا عن

٤٤

قصد إلى عقد اليمين وان كان قاصدا إلى نفس الكلام وهذا كما تعلم ان الأكل في شهر رمضان سهوا لا يؤاخذ به من حيث قصد نفسه الأوّل وان كان ذلك الأكل مما يقبح.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله تعالى( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) فقالوا كيف يصح ذلك وقد ثبت في الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم انه تعالى لا يؤاخذ أمته بما تحدث به نفسها ما لم تعمل به. وجوابنا أنّ كسب القلب إذا كان من باب الاعتقاد أو من باب الارادة والكراهة يؤاخذ المرء به وإنّما أراد تعالى بهذا الكلام مؤاخذة الحالف على ما يقصد اليه من الايمان والمراد أيضا المؤاخذة في باب ما يلومه فيه الكفارة وليس لحديث النفس في ذلك مدخل ولا يؤاخذ المرء بحديث النفس إذا كان على وجه من التمني فانه يتمنى أن يرزقه الله تعالى مال زيد أو امرأة زيد إذا مات على الوجه المباح فالمرء الذي يعمل في ذلك عملا غير محرم لا يكون عليه في ذلك اثم.

[ مسألة ] وسألوا فيما قيل( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) فقالوا جعلهما من شعائر الله وذلك يقتضي التعبد ثمّ قال( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) وذلك يدل على الاباحة فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّ في المتقدمين من قال أن المراد بذلك فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما كانه تعالى بين ان ذلك وان كان من الشعائر فليس بواجب وفي الناس من قال قد كان المشركون يمنعون من ذلك أشد منع فورد عن الله تعالى ازالة هذا المنع بقوله( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ولا يمتنع ان ذلك ينصرف إلى ازالة المنع من التعبد ويقولون قد صح عنه صلّى الله عليه وسلم انه قال اسعوا فان الله كتب عليكم السعي وقوله( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) عقيب ذلك كالدلالة على أنّ ذلك تعبد لكنه يقوي الوجه الأوّل في انه ليس بواجب.

وبعد فان رفع الجناح يقتضي ان ذلك ليس بقبيح ثمّ الكلام كيف حاله هل هو واجب أو ليس بواجب يقف على الدليل فليس في الآية تناقض كما زعموا.

٤٥

[ مسألة ] وسألوا عن معنى قوله( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فقالوا كيف جعل له أن يقصر في حقها لمكان اليمين.

وجوابنا انه تعالى منع من ذلك بقوله( فَإِنْ فاؤُ ) فان المراد فان فاءوا فيها وخالفوا ما اقتضاه يمينهم فان الله غفور رحيم فمنع الزوج من أن يفعل ما يقتضيه يمينه فالأمر بالضد مما سألوا عنه والمراد يقوله فان فاءوا العود إلى خلاف ما منع نفسه منه باليمين وأباح له مع ذلك الطلاق إذا أراد بشرط أن لا يقصد إلى مضارتها لمكان اليمين ثمّ بين انه ان طلق فعلى المطلقة العدة وبين تلك العدة فبين ان في حال العدة لبعولتهن الرجعة ان أرادوا بذلك. وبين ان بعد الرجعة لهن حق كما أن عليهن حقا فبين كيف يطلق المرأة وكيف يخالع امرأته عند المضارة فبين في الطلاق الثلاث انها تحرم إلّا بعد زوج وان ذلك مخالف للطلقة والطلقتين. فبين تعالى ما فيه الرجعة مما لا رجعة فيه. وبين ان هذه الحدود متى لم يتمسك المرء بها عظم اثمه ثمّ بين في هذه الآيات ما يلزمه من أدب الدين في أحكام الزوجات وأحكام الرضاع وأحكام العدة وغيرها إلى قوله( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) فاكد وجوب المحافظة على هذه الوسطى ولم يبينها فربما يكون ترك بيانها أصلح كما نقول في ليله القدر لانها إذا لم تبين مفصلة يكون المرء أقرب إلى ما يلزم في حق عبادته وان كان العلماء قد اختلفوا في ذلك فذكروا الصبح والظهر والعصر وذكروا المغرب والذي يقوي في الخبر هو العصر.

[ مسألة ] وقالوا كيف يقول( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) ثمّ يقول( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أو رُكْباناً ) . وجوابنا أنّه فصل تعالى بين حال الأمن وبين حال الخوف الشديد لكن يتمسك المرء بالمحافظة وان لم يتمكن من القيام والتوجه في سائر الأركان كما يجب فقد روي في الخبر ان المراد بقوله( فَرِجالاً أو رُكْباناً ) مستقبلي القبلة وغير مستقبليها إذا كان حال

٤٦

المسايفة والمحاربة ولذلك قال تعالى( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ) أي كما حده وبينه من أركان الصلاة.

[ مسألة ] وربما قيل ما حده الله تعالى في المعتدة عن وفاة زوجها من الحول الذي بينه في قوله( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إلى الْحَوْلِ ) كيف أن يكون منسوخا بقوله( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) مع أنه المتأخر في القرآن فكيف يجوز في المنسوخ أن يكون هو المتأخر ومعلوم من حال الناسخ أن يكون آخرا وجوابنا أنّه متأخر في نظم التلاوة وهو متقدم في الانزال على الرسول صلّى الله عليه وسلم وهذا هو المعتبر وهذا بمنزلة ما يثبت أن الناسخ فيه مقارن للمنسوخ وان وجب أن يكون متأخرا. ومن أصحابه أيضا أن ينزل تعالى المنسوخ أولا ويتعبد بالتوقف فيه ثمّ يرد الناسخ فعنده يؤمر بالعمل به ثمّ بالعمل بالناسخ ويكون معهما قرائن وجعل الله على النساء الفراق بالموت أو الطلاق أو الفسخ مدة عدم احتياط الانسان فاذا لم يقع الدخول فلا عدة في الطلاق وتجب العدة في الوفاة. وجملة العدة تكون في الوفاة أربعة أشهر وعشرا إذا لم يكن حمل فان حصل الوضع قبلها انقضت العدة به وفي الطلاق بانقضاء أيام الحيض وهي ثلاث حيض واذا لم يكن الحيض ممكنا فبالشهور وهي ثلاثة أشهر في الحرائر وفي الاماء على النصف من عدة الحرة وكل ذلك ما لم يكن حمل فاذا كان فالعدة تنقضي بوضع الحمل وقد بين الله تعالى كل ذلك وبين أيضا ما يجب للزوجات من نفقة وغيرها.

[ مسألة ] وقوله( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) وهو أمر بالاعتداء وكيف يجوز ذلك والاعتداء قبيح. وجوابنا أنّه تعالى أجرى اسم الاعتداء على ما هو مقابل له من الجزاء كقوله( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ

٤٧

سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ولا يجوز عليه تعالى أن يأمر بالاعتداء مع قبحه.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) كيف يصح أن يريهم ذلك في الآخرة. وجوابنا أنّه يحتمل أن يريهم ذلك في الصحف ويحتمل أن يريهم ثواب عملهم من الجنة لو كانوا لقد أطاعوا فاذا صرف ذلك إلى غيرهم كثرت حسراتهم.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ ) وكيف يصح ذلك ويتعالى الله عن جواز الاتيان عليه. وجوابنا أنّ المراد إتيان الملائكة أو متحملي أمره كما قال تعالى في سورة النحل( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أو يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) وهذا كقوله( وَجاءَ رَبُّكَ ) والمراد رسل ربك.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ) ولا يجوز عليه أن يزين الكفر. وجوابنا أنّه لم يقل من الذي زين والمراد الشياطين وغيرهم ممن يحسن ذلك للكفار ويحتمل ان يراد ان الله تعالى زين الحياة الدنيا بالشهوات ليكون المكلف بالامتناع من ذلك مستحقا للثواب وهذا يكون من قبل الله تعالى لكنه يضيف إلى ذلك النهي والزجر ولذلك قال( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) ومعلوم في الثلاثة والسبعة انها عشرة فأي فائدة في ذلك وجوابنا أنّ المراد انها كاملة في الاجر لانه كان يجوز ان يقدر ان الهدى أعظم أجرا من هذا الصيام إذا لم يجد الهدى فبين تعالى انه مثل ذلك في الاجر ويحتمل أن يكون المراد أن أجرها في الكمال كأجر من أقام على احرامه ولم يتحلل ولم يتمتع وقد قيل أنّ المراد أن صوم

٤٨

السبعة وان فارق صوم الثلاثة فهو كامل كما يكمل لو اتصل. وقيل ان المراد بكاملة مكملة فكأنه قال تعالى فاكملوا صومها وقيل إن المراد قطع التوهم بوجوب شيء آخر بعدها.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ولا اتصال لذلك بما تقدم. وجوابنا أنّ المراد انه سميع لقول القائل عليم بفعله رغب بذلك في الجهاد والقيام به كما يجب.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) وعندكم قد هدى الله كل الخلق.

وجوابنا أنه خصهم لـما اختصوا بان قبلوا وعملوا كقوله في أوّل السورة( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) ولا ولا يجوز عليه عندكم ذلك. وجوابنا أنّ قوله لو يدل على نفي ما ذكر فدل بذلك على انه تعالى لا يشاء ما يكون قبيحا من العنت وغيره.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله في قصة طالوت( وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ ) وعندكم ان الملك في الظلم لا يكون من قبل الله تعالى. وجوابنا أنّ المراد بالملك الاقتدار والنعمة والرأي الصادر عن العقل وكل ذلك من جهة الله أما نفس الظلم فلا يكون من فعله وهو سيئة.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله عز وجل( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ) ان ذلك يدل على ان كل غلبة من المحاربين من قبل الله. وجوابنا أنّ الاذن قد يراد به التخلية وذلك يكون من

تنزيه القرآن (٤)

٤٩

قبله تعالى لأنه لا يأمر بما يقبح فأما الغلب في الجهاد فانه من قبل الله من حيث وقع بأمره وترغيبه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ) كيف قطعوا بذلك وهو حكاية عن طالوت والذين آمنوا معه. وجوابنا أنّ المراد بذلك انه لا طاقة لنا إلّا من قبله على وجه الاتكال على الله تعالى واضافة الحول والقوة اليه وقد قيل ان ذلك هو من قول أهل الشرك فيهم لا من قول المؤمنين.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) وكيف قال( وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا ) أو ما يدل ذلك على انه يريد القتال من الكفار أيضا وانه لم يرده من المؤمنين. وجوابنا أنّ المراد مشيئة الاكراه والمراد لو شاء الله أن يلجئهم فلم يقتتلوا لكن لم يشأ ذلك بل مكن من الأمرين تعريضا للثواب وقيل ان المراد بذلك ولو شاء الله أن لا يقتتلوا بسلب عقولهم لفعل ذلك لكن اختلفوا لـما أعطاهم العقول في القدر ولما اختلفوا فلو شاء الله أيضا ما اقتتل الذين من بعده بأن يمنعهم من القتال بالقتال.

[ مسألة ] وربما قيل إن قوله في قصة طالوت( رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً ) يدل على ان الصبر من قبل الله وأنتم تقولون انه من فعل العبد. وجوابنا انهم سألوا من الألطاف فيقوي نفوسهم على الصبر على القتال كما ذكرناه في قوله( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله تعالى( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ) وقالوا ان ذلك يدل على ان الاسلام من فعل الله فيهم. وجوابنا أنّ ذلك كقوله( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ )

٥٠

ومعلوم انهم لم يفعلوا فيهم الكفر لكنهم رغبوا ودعوا إلى ذلك فالمراد انه تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور بالالطاف التي يفعلها في هذا الباب والاخراج من الكفر والايمان في الحقيقة لا يجوز وإنّما يذكر على وجه المجاز والتشبيه في انتقال الأجسام.

[ مسألة ] وربما قالوا ان قوله تعالى( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ) يدل على انه تعالى عالم بعلم وأنتم تقولون أنه عالم بذاته. وجوابنا أنّ المراد بذلك المعلومات ولذلك قال( إِلاَّ بِما شاءَ ) فأدخل فيه ما يدل على التبعيض وذلك لا يتأتى إلّا في المعلومات.

[ مسألة ] وربما قالوا كيف قال( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) أفما يدل ذلك على انه يستوي على الكرسي. وجوابنا أنّ المراد بهذه الاضافة انه مكان لعبادة الملائكة كما يقال في الكعبة إنها بيت الله وقد قيل أنّ المراد بالكرسي العلم والقدرة والاول أصح أراد تعالى أن يبين قدرته على العظيم من خلقه لتعلم بذلك قدرته على ما عداه.

[ مسألة ] وربما قيل ان قوله( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) يدل على جواز الشك على الأنبياء في مثل ذلك. وجوابنا أنّ طلبه لذلك أن يريه ذلك عيانا من غير تدريج كما يخلق تعالى الحي من النطفة والعلقة لا انه لم يعرف الله فطلب زيادة شرح الصدر ولذلك قال( بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) ان قوله بعد قول ذلك الكافر( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ) يدل على ان ابراهيم انقطع في القول الأوّل وذلك لا

٥١

يجوز على الانبياء. وجوابنا في ذلك من وجوه ( أحدها ) ان خصمه المنقطع لان ابراهيم7 أراد إحياء من لا حياة فيه فلم يكن له في ذلك حيلة وادعى الاحياء على وجه التبقية ومع ذلك زاده بيانا آخر لا يمكنه التمويه فيه ( وثانيها ) انه أراد اثبات الالوهية بأمر لا يصح منا وذكر إحياء الميت لدخوله في هذه الجملة فاذا عدل إلى ذكر الشمس وطلوعها فانما عدل عن مثال إلى مثال لأن الأمثلة تذكر للايضاح ( وثالثها ) انه بين له انه لم يقدر على أن يأتي بالشمس من المغرب مع ان ذلك من جنس الحركات التي يقدر العبد عليها فكيف يصح منه ما ادعاه في إحياء الميت ( ورابعها ) أنه استأنف له حجة أخرى لـما انقطع في الأوّل وادعى ما هو خارج عن طوق الاحياء ( وخامسها ) أن المحاجة من الأنبياء تقع على طريقة الاستدعاء فلهم ان يؤدوا حالا بعد حال ما يكون أقرب إلى الاستجابة ولا يقع ذلك على طريقة المناظرة، واذا كان الله تعالى نبه المكلفين بذكر الأدلة على وجه التحقيق يكلهم بذلك إلى التدبير والتفكر. فالأنبياء صلى الله عليهم مثل ذلك بحسب ما يغلب في ظنهم من تأثيره فيمن يخاطب بذلك فلذلك قال تعالى بعده( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) لانه في الفصل الثاني تحير ولم يتمكن من إيراد شبهته كما أورد في الفصل الأوّل ( فان قيل ) فلو إنه قال لإبراهيم صلّى الله عليه وسلم عند قوله( فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ) إن كان الله تعالى يأتي بها من المشرق فليأت بها من المغرب فكيف يكون حاله ( قيل له ) لو قال ذلك يسأل ربه أن يأتي بها من المغرب حتّى يصير مشاهدا لها وقوله تعالى بعد ذلك( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) يدل على أنه أراد بالهداية الاثابة أو طريقة الجنة أو الألطاف التي هي زيادات الهدي فان الهدى الذي هو الدلالة قد هدى به الظالمين كما هدى به المتقين. وفي هذه الآية دلالة على بطلان التقليد لانّ الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم إذا لم يقتصروا على قولهم بل استعملوا المحاجة مع خصومهم فكيف يسوغ لأحد في الديانات التقليد.

٥٢

[ مسألة ] وربما قيل ما فائدة قوله في الذي( مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ ) وأي معنى في هذا السؤال. وجوابنا التنبيه على قدرته تعالى لانه ظن انه لبث يوما أو بعض يوم فأراه الله تعالى في أمر الطعام والشراب والحمار ما عرف به قدرته ولا يجوز في جوابه أن يحمل إلّا على الظن لأنّ الميّت لا يعرف مقدار ما بقي ميتا إلّا إنْ أحياه الله وكلّ ذلك يظهر ويكون معجزة لبعض الأنبياء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) كيف يبطل ذلك. وجوابنا أنّ المراد بطلان ثوابها بما يقع من المتصدق من المنّ عليهم وأذية قلوبهم نحو أن يقول المتصدق للفقير ما أشد إبرامك وخلصنا منكم الله إلى ما يجري هذا المجرى فأدب الله تعالى المتصدق بأن لا يكسر قلب الفقير فكما أحسن في الفعل يحسن في القول ولذلك مثله( كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً ) وأدب أيضا بقوله( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) لان ما ينفق لله وطلبا للثواب يجب أن لا تكون منزلته دون منزلة ما يتلذذ به في الدنيا وهذا تأديب حسن. وأدب أيضا بقوله( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) فيبعث على البخل وترك الصدقة( وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ) فيبعثكم على الصدقة وعلى خلاف الفحشاء والمعاصي. وبعث الله تعالى أيضا على إخفاء الصدقة بقوله( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) والعلماء يقولون ان الأولى في الواجب أن يظهر وفيما عداه أن يكتم فيكون أقرب إلى أن يكون مفعولا لذات الله تعالى. وربما قيل ما معنى قوله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَ

٥٣

اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) مع أن الله تعالى بعثه هاديا ومبينا. وجوابنا أنّ المراد ليس هو الدلالة لان الله تعالى قال( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) بل المراد اللطف لان ذلك ليس في مقدوره صلّى الله عليه وسلم ولا يعلم الحال فيه فلذلك قال( وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) ويحتمل ان يريد به الثواب لان ذلك في مقدوره تعالى، فقد كان صلّى الله عليه وسلم يغتم إذا لم يؤمنوا فبين ان ان ذلك ليس اليه.

[ مسألة ] وربما قيل ان قوله( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) كيف يصح ذلك وعندكم ان الشيطان لا يقدر على مثل ذلك. وجوابنا أنّ مس الشيطان إنما هو بالوسوسة كما قال تعالى في قصة أيوب( مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) كما يقال فيمن تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب وبين ذلك قوله في صفة الشيطان( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) ولو كان يقدر على ان يخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول لا إلى من يعتريه الضعف واذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة فتغلب عليه المرة فيتخبط كما يتفق ذلك في كثير من الانس إذا فعلوا ذلك بغيرهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) فجعل العلة ما يعتري من النسيان وذلك قائم في الرجلين أيضا فكيف يقتصر عليهما في الشهادة وجوابنا أنّ الأغلب في النساء لنقصهن جواز النسيان وليس كذلك في الرجال فلذلك فصل بين الامرين.

٥٤

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) ان هذا يدل على جواز تكليف ما لا يطاق والا لم يكن لهذه المسألة معنى. وجوابنا أنّ مسألة الشيء لا تدل على أن خلافه يحسن أن يفعل يبين ذلك قوله تعالى( قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) ولا يجوز أن يحكم بغيره وقول ابراهيم7 ( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) ولا يجوز أن يخزي الله تعالى الانبياء فبطل ما ذكرته وبعد فيجوز أن يكون المراد بذلك( وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) من العذاب في الآخرة والطف بنا حتّى ننصرف مما يؤدي إلى ذلك.

٥٥
٥٦

سورة آل عمران

[ مسألة ] ربما قيل إذا كان في القرآن ما يخالف ما في التوراة والانجيل من النسخ وغيره فكيف يقال( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) . وجوابنا أنّ الناسخ به لا يكون مخالفا لان المنسوخ تعبّد به في وقت والناسخ تعبّد به بعد ذلك الوقت فلا خلاف فيه وفي شريعتنا ناسخ ومنسوخ وليس ذلك بموجب ان لا يصدق بعضه بعضا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ ) أفما يدل ذلك على ان ننظر فيهما كما ننظر في القرآن وجوابنا أنّ من عرف تلك اللغة وأمن التحريف يحسن منه أن ينظر فيهما لكنه لا يجب من حيث كان العقل والقرآن يغني عن ذلك وإنّما يمنع من النظر فيها لـما يجري من التحريف الذي لا يميزه مما لا تحريف فيه.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) كيف يجوز أن ينزل ما يشتبه والمراد البيان. وجوابنا أنّ ذلك ربما يكون أصلح وأقوى في المعرفة وفي رغبة كل الناس في النظر في القرآن إذا طلبوا آية تدل على قولهم ويكون أقرب إذا اشتبه إلى النظر بالعقل ومراجعة العلماء وهذا يجوز ان يعرف المدرس انه إذا ألقى المسألة إلى المتعلم من دون جواب يكون أصلح ليتكل على نفسه وغيره.

٥٧

[ مسألة ] وربما قيل فما معنى قوله( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) كيف يجوز في بعض القرآن أن لا يعلمه العلماء وإنّما يؤمنون به وقد أنزله الله بيانا وشفاء. وجوابنا أنّ في العلماء من يتأوله على ما تؤول اليه أحوال الناس في الثواب والعقاب وغيرهما فبين تعالى انه جل جلاله يعلم ذلك وهو تأويله وان الراسخين في العلم يؤمنون بجملة ذلك ولا يعرفونه ولم يمن بذلك الأحكام والتعبد وهذا كقوله( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ ) وأراد به المتأول وقال بعض العلماء المراد ان الراسخين يعلمون أيضا وهم مع ذلك يؤمنون به فيجمعون بين الامرين بأنه قد يعلم معنى الكلام من لا يؤمن به وقد يؤمن به من لا يعلم معناه بقوله تعالى( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أي والا الراسخون في العلم ويقولون مع ذلك( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) وكلا الجوابين صحيح وبيّن تعالى ان من في قلبه زيغ يتبع المتشابه كاتباع المشبهة والمجبرة ظاهرة ما في القرآن فذمهم بذلك. والواجب اتباع الدليل وليس في المتشابه آية إلّا ويقترن بها ما يدل على المراد. والعقل يدل على ذلك فالله تعالى جعل بعض القرآن متشابها ليؤدي إلى اثارة العلم والى أن لا يتكلوا على تقليد القرآن ففيه مصلحة كبيرة. وقد قيل أنّ المراد لا يعلم تأويله على التفصيل عاجلا أو آجلا إلّا الله تعالى وإنْ كان الراسخون في العلم يعلمون ذلك على الجملة دون التفصيل.

[ مسألة ] وربما سألوا في قوله في أوّل السورة( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ) ويقولون انه تعالى ذكر ذلك ثمّ كرره بقوله( وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ ) وأنتم تمنعون من مثل هذا التكرار في كتاب الله تعالى. وجوابنا أنّ المعنى والغرض ذا اختلفا لم يكن تكرارا ففي الأوّل بين أنّه أنزل الكتاب بالحقّ وأنّه مصدق لـما بين يديه من الكتب وفي الثاني ان

٥٨

التوراة والانجيل كما جعلهما هدى للناس كذلك الفرقان جعله هدى ومفرّقا بين الحق والباطل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) ما فائدة الشهادة منه تعالى ومن لا يعلم ويعرف بصفاته وعدله لا يوثق بقوله ؛ وكذلك شهادة الملائكة فما الفائدة في ذلك. وجوابنا أنّه تعالى قد نبه على طريق معرفته في مثل قوله( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) وفي آية المحاجة لإبراهيم صلّى الله عليه وسلم وغير ذلك فأراد تعالى أن يحقق التوحيد بذكر شهادة الملائكة والعلماء ومثل ذلك بعد البيان يكون مصلحة وليس المراد بذلك الشهادة التي هي مثل البينات في الحقوق بل المراد التنبيه على وضوح الشيء ووضوح أدلته وبعث السامعين على تأمل طريقته.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا ) ان ذلك كالدلالة على أنه يزيغ قلوب البعض من العباد وانه يصرفهم عن الهدى. وجوابنا ما تقدم من أن السائل قد يسأل ما المعلوم أنه تعالى لا يفعل خلافه فليس في هذه المسألة دلالة على أنه تعالى يفعل ببعضهم زيغ القلب كما ليس في قوله( رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) دلالة على انه يحكم بالباطل والمراد انهم سألوا أن يلطف بهم في أن لا يزيغ قلبهم بعد الهدى لأن المهتدى قد يحتاج إلى الالطاف ليثبت على ذلك ويزداد هدى إلى هدى.

[ مسألة ] وربما قالوا فعلى هذا التأويل سألوا الله تعالى أن يلطف لهم في أن لا يزيغ قلبهم عن الهدى وهو اللطف فيجب في قوله( وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) أن يكون تكرارا لأنّ الأوّل أيضا رحمة ونعمة. وجوابنا أنّ المسألة الاولى هي اللطف في باب الدين والثانية في التفضل في المعجل في مصالح الدنيا فالمعنى مختلف.

٥٩

[ مسألة ] قالوا لم ذكر تعالى في قوله( وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) ولا تعلق لوصفه تعالى بأنه سريع الحساب بقوله ومن يكفر بآيات الله فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّ المراد بالحساب المجازاة على ما يأتيه المرء لان العلماء في الحساب مختلفون فمنهم من يقول المراد به بيان ما يستحقه المرء على عمله ومنهم من يقول بل المراد نفس المجازاة وعلى الوجهين جميعا للثاني تعلق بالأول فكانه قال( وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ ) المحاسبة له ولغيره فيظهر ما يستحقه ويحل به وهذا نهاية في التهديد وفي بيان العدل لانه تنبيه على ما ينزل به من العقاب فهو بحسب ما يستحقه لانه يفعل به على وجه المجازاة ولذلك قال تعالى بعده( وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) لـما كان من باب التفضل.

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) ما الفائدة في ذكر قتل الأنبياء بعد الكفر وقتل المؤمنين ومعلوم انهم يستحقون العقاب على كفرهم وان لم يفعلوا شيئا من ذلك. وجوابنا أنّ ما بشر به من العذاب لا يجب أن يرجع إلى مجموع ذلك بل يرجع إلى كل خصلة منه فكأنه قال( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) فكمثل ذلك فلا يدل ذكر الكل على ما ذكره لان الوعيد راجع إلى كل واحد وقد قيل ان الآية نزلت في اليهود الذين كان سلفهم بهذه الصفات.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ ) إنه يقع من العباد فكيف أضافه الله اليه. وجوابنا أنّ النصر قد يقع من العباد بعضهم على بعض والأكثر منه ما يقع من الله بأمور يفعلها فتقوى

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

التي من سار فيها صرف عنه السوء، والساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟ من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله عزّوجلّ في ذلك الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه، وينبغي له أن يوليك الحمد دون ربه عزّوجلّ، فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون الله ندا وضدا.

ثم قال عليه السلام: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا ضير إلا ضيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك. ثم التفت إلى المنجم، فقال: بل نكذبك ونخالفك، ونسير في الساعة التي نهيت عنها(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٥٨: ٢٢٤/٤، وسائل الشيعة ٨: ٢٦٩/٤.

٥٠١

[ ٦٥ ]

المجلس الخامس والستون

مجلس يوم الجمعة

التاسع من جمادى الاولى سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦٨٨/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسي ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سئل أبوعبدالله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، عن الخمر، فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن أول ما نهاني عنه ربي عزّوجلّ عن عبادة الاوثان، وشرب الخمر، وملاحاة الرجال، إن الله تبارك وتعالى بعثني رحمة للعالمين، ولامحق المعازف والمزامير، وأمور الجاهلية وأوثانها وأزلامها وأحداثها، أقسم ربي جل جلاله فقال: لا يشرب عبد لي خمرا في الدنيا إلا سقيته يو القيامة مثل ما شرب منها من الحميم، معذبا بعد أو مغفورا له.

وقال عليه السلام: لا تجالسوا شارب الخمر ولا تزوجوه، ولا تتزوجوا إليه، وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشيعوا جنازته، إن شارب الخمر يجئ يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه، مائلا شدقه، سائلا لعابه، دالعا لسانه من قفاه(١) .

______________

(١) بحار الانوار ٧٩: ١٢٥/٤.

٥٠٢

٦٨٩/٢ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبيدة الحذاء، قال: قال أبوجعفر عليه السلام: يا زياد، إياك والخصومات، فإنها تورث الشك، وتحبط العمل، وتردي صاحبها، وعسى أن يتكلم الرجل بالشئ لا يغفر له.

يا زياد، إنه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكلوا به، وطلبوا علما كفوه، حتى انتهى بهم الكلام إلى الله عزّوجلّ فتحيروا، فإن كان الرجل ليدعي من بين يديه فيجيب من خلفه، أو يدعى من خلفه فيجيب من بين يديه(١) .

٦٩٠/٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدثني أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي اليسع، عن سليمان بن خالد، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: إياكم والتفكر في الله، فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيها، إن الله عزّوجلّ لا تدركه الابصار، ولا يوصف بمقدار(٢) .

٦٩١/٤ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عنبسة العابد، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عزّوجلّ، وتورث النفاق، وتكسب الضغائن، وتستجيز الكذب(٣) .

٦٩٢/٥ - وبهذا الاسناد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: لما خلق الله عزّوجلّ العقل

______________

(١) المحاسن: ٢٣٨/٢٠، بحار الانوار ٣: ٢٥٩/٣.

(٢) بحار الانوار ٣: ٢٥٩/٤.

(٣) بحار الانوار ٢: ١٢٨/٦.

٥٠٣

استنطقه، ثم قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، ولا أكملك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أعاقب، وإياك أثيب(١) .

٦٩٣/٦ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدثني محمّد بن يعقوب، قال: حدثني عليّ بن محمّد بن عبدالله، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: قلت لابي عبدالله الصادق عليه السلام: فلان من عبادته ودينه وفضله كذا وكذا. قال: فقال: كيف عقله؟ فقلت: لا أدري.

فقال: إن الثواب على قدر العقل، إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبدالله عزّوجلّ في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر طاهرة الماء، وإن ملكا من الملائكة مر به فقال: يا رب، أرني ثواب عبدك هذا. فأراه الله عزّوجلّ ذلك، فاستقله الملك، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: أن اصحبه. فأتاه الملك في صورة إنسي، فقال له: من أنت؟ قال: أنا رجل عابد، بلغنا مكانك وعبادتك بهذا المكان، فجئت لا عبدالله معك. فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك، إن مكانك لنزهة. قال: ليت لربنا بهيمة، فلو كان لربنا حمار لرعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع.

فقال له الملك: وما لربك حمار؟ فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى الله عزّوجلّ إلى الملك، إنما أثيبه على قدر عقله.

وقال الصادق عليه السلام: ما كلم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العباد بكنه عقله قط. قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنا معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم(٢) .

٦٩٤/٧ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا

______________

(١) المحاسن: ١٩٢/٦، الكافي ١: ٨/١، بحار الانوار ١: ٩٦/١.

(٢) بحار الانوار ١: ٨٤/٦، ٧.

٥٠٤

محمّد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن بكر بن محمّد الازدي، عن أبي بصير، قال: قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام: أصول الكفر ثلاثة: الحرص، والاستكبار، والحسد، فأما الحرص فإن آدم عليه السلام حين نهي عن الشجرة حمله الحرص إلى أن أكل منها، وأما الاستكبار فإبليس حين أمر بالسجود لآدم استكبر، وأما الحسد فابنا آدم حين قتل أحدهما صاحبه حسدا(١) .

٦٩٥/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: أركان الكفر أربعة: الرغبة، والرهبة، والسخط، والغضب(٢) .

٦٩٦/٩ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد بن مروان القندي، عن أبي وكيع، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الاعور، عن علي عليه السلام، قال: لا يصلح من الكذب جد ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له، إن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال أحدكم يكذب حتى يقال: كذب وفجر وما يزال أحدكم يكذب حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة صدق، فيسمى عند الله كذابا(٣) .

٦٩٧/١٠ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن غير واحد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: لا تغتب فتغتب، ولا تحفر لاخيك حفرة فتقع فيها، فإنك كما تدين تدان(٤) .

٦٩٨/١١ - وبهذا الاسناد، عن أحمد بن أبي عبدالله، قال: حدّثنا الحسين بن

______________

(١) الكافي ٢: ٢١٩/١ (نحوه)، الخصال: ٩٠/٢٨، بحار الانوار ٧٢: ١٢١/١٦.

(٢) الكافي ٢: ٢١٩/٢، بحار الانوار ٧٢: ١٠٥/٢، و: ١٢١/١٧.

(٣) بحار الانوار ٧٢: ٢٥٩/٢٤.

(٤) بحار الانوار ٧٥: ٢٤٨/١٦.

٥٠٥

يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث. قيل: يا رسول الله، وما الحدث؟ قال: الاغتياب(١) .

٦٩٩/١٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي جميلة المفضل بن صالح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: إذا قال العبد: علم الله، فكان كاذبا، قال الله عزّوجلّ: أما وجدت أحدا تكذب عليه غيري؟!(٢) .

٧٠٠/١٣ - وبهذا الاسناد، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن وهب، عن شهاب بن عبد ربه، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: من قال الله يعلم، فيما لم يعلم، اهتز العرش إعظاما له(٣) .

٧٠١/١٤ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن معلى بن محمّد البصري، عن عليّ بن أسباط، عن جعفر بن سماعة، عن غير واحد، عن زرارة بن أعين، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام: ما حق الله على العباد؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند ما لا يعلمون(٤) .

٧٠٢/١٥ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن يعقوب، عن أبي يعقوب إسحاق بن عبدالله، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى عير عباده بآيتين من كتابه: أن لا يقولوا حتى يعلموا، ولا يردوا ما لم يعلموا، قال الله عزّوجلّ:( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (٥) ، وقال:( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٢٤٩/١٧.

(٢) بحار الانوار ١٠٤: ٢٠٧/٦.

(٣) بحار الانوار ١٠٤: ٢٠٧/٧.

(٤) بحار الانوار ٢: ١١٣/٢.

(٥) الاعراف ٧: ١٦٩.

٥٠٦

وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (١) .

٧٠٣/١٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن داود بن فرقد، عن ابن شبرمة، قال: ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمّد عليه السلام إلا كاد أن يتصدع له قلبي، سمعته يقول حدثني أبي، عن جدي، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم - قال ابن شبرمة: وأقسم بالله ما كذب على أبيه، ولا كذب أبوه على جده، ولا كذب جده على رسول الله - قال: من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك(٢) .

٧٠٤/١٧ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن غير واحد، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: قام عيسى بن مريم عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل، لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم(٣) .

٧٠٥/١٨ - حدّثنا أبي، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ولا يزيده سرعه السير من الطريق إلا بعدا(٤) .

٧٠٦/١٩ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن بن

______________

(١) بحار الانوار ٢: ١١٣/٣، والآية من سورة يونس ١٠: ٣٩.

(٢) بحار الانوار ٢: ٢٩٨/١٨.

(٣) بحار الانوار ٢: ٦٦/٨.

(٤) المحاسن: ١٩٨/٢٤، الكافي ١: ٣٤/١، بحار الانوار ١: ٢٠٦/١.

٥٠٧

زياد الصيقل، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: لا يقبل الله عزّوجلّ عملا إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، إن الايمان بعضه من بعض(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله

______________

(١) المحاسن: ١٩٨/٢٥، بحار الانوار ١: ٢٠٦/٢.

٥٠٨

[ ٦٦ ]

المجلس السادس والستون

مجلس يوم الثلاثاء

الثالث عشر من جمادى الاولى سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٧٠٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد ابن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني أبوعبدالله عبد العزيز بن محمّد بن عيسى الابهري، قال: حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدّثنا شعيب بن واقد، قال: حدّثنا الحسين بن يزيد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الاكل على الجنابة، وقال: إنه يورث الفقر، ونهى عن تقليم الاظافير بالاسنان، وعن السواك في الحمام، والتنخع في المساجد، ونهى عن أكل سؤر الفأر.

وقال: لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين، ونهى أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق، ونهى أن يأكل الانسان بشماله، وأن يأكل وهو متكئ، ونهى أن تجصص المقابر ويصلى فيها، وقال: إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الارض فليحاذر على عورته، ولا يشربن أحدكم الماء من عند عروة الاناء فإنه مجتمع الوسخ، ونهى أن يبول أحد في الماء الراكد فإنه يكون منه ذهاب العقل،

٥٠٩

ونهى أن يمشي الرجل في فرد نعل، أو يتنعل وهو قائم، ونهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو للقمر، وقال: إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة، ونهى عن الرنة عند المصيبة، ونهى عن النياحة والاستماع إليها، ونهى عن اتباع النساء الجنائز، ونهى أن يمحى شئ من كتاب الله عزّوجلّ بالبزاق أو يكتب منه، ونهى أن يكذب الرجل في رؤياه متعمدا، وقال: يكلفه الله عزّوجلّ يوم القيامة أن يعقد شعيرة وما هو بعاقدها.

ونهى عن التصاوير، وقال: من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ، ونهى أن يحرق شئ من الحيوان بالنار، ونهى عن سب الديك، وقال: إنه يوقظ للصلاة، ونهى أن يدخل الرجل في سوم(١) أخيه المسلم، ونهى أن يكثر الكلام عند المجامعة، وقال: منه يكون خرس الولد، وقال: لا تبيتوا القمامة في بيوتكم وأخرجوها نهارا، فإنها مقعد الشيطان، وقال لا يبيتن أحدكم ويده غمرة(٢) ، فإن فعل فأصابه لمم(٣) الشيطان فلا يلومن إلا نفسه.

ونهى أن يستنجي الرجل بالروث، ونهى أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها، فإن خرجت لعنها كل ملك في السماء وكل شئ تمر عليه من الجن والانس حتى ترجع إلى بيتها، ونهى أن تتزين المرأة لغير زوجها، فإن فعلت كان حقا على الله عزّوجلّ أن يحرقها بالنار، ونهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لا بد لها منه، ونهى أن تباشر المرأة المرأة ليس بينهما ثوب، ونهى أن تحدث المرأة المرأة بما تخلو به مع زوجها، ونهى أن يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة أو على طريق عامر، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ونهى أن يقول الرجل للرجل: زوجني أختك حتى أزوجك أختي.

ونهى عن إتيان العراف، وقال: من أتاه وصدقه فقد برئ مما أنزل الله على

______________

(١) السوم: المساومة بين البائع والمشتري على السلعة لفصل ثمنها.

(٢) غمرت اليد: تعلق بها دسم اللحم أو ريحه.

(٣) اللمم: جنون خفيف، أو طرف من الجنون يلم بالانسان.

٥١٠

محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونهى عن اللعب بالنرد والشطرنج والكوبة والعرطبة - يعني الطبل والطنبور - والعود، ونهى عن الغيبة والاستماع إليها، ونهى عن النميمة والاستماع إليها، وقال: لا يدخل الجنة قتات، يعني نماما.

ونهى عن إجابة الفاسقين إلى طعامهم، ونهى عن اليمين الكاذبة، وقال: إنها تترك الديار بلاقع(١) ، وقال: من حلف بيمين كاذبة صبرا ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله عزّوجلّ وهو عليه غضبان إلا أن يتوب ويرجع، ونهى عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، ونهى أن يدخل الرجل حليلته إلى الحمام، وقال: لا يدخلن أحدكم الحمام إلا بمئزر، ونهى عن المحادثة التي تدعو إلى غير الله، ونهى عن تصفيق الوجه(٢) ، ونهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة، ونهى عن لبس الحرير والديباج والقز للرجال، فأما للنساء فلا بأس.

ونهى أن تباع الثمار حتى تزهو - يعني تصفر أو تحمر -، ونهى عن المحاقلة، - يعني بيع التمر بالرطب، والزبيب بالعنب وما أشبه ذلك -.

ونهى عن بيع النرد والشطرنج، وقال: من فعل ذلك فهو كآكل لحم الخنزير، ونهى عن بيع الخمر، وأن تشترى الخمر، وأن تسقى الخمر، وقال عليه السلام: لعن الله الخمر وعاصرها وغارسها، وشاربها وساقيها، وبائعها ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها والمحمولة إليه. وقال عليه السلام: من شربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما، وإن مات وفي بطنه شئ من ذلك كان حقا على الله أن يسقيه من طينة خبال، وهو صديد أهل النار، وما يخرج من فروج الزناة، فيجتمع ذلك في قدور جهنم، فيشربها أهل النار، فيصهر به ما في بطونهم والجلود.

ونهى عن أكل الربا وشهادة الزور وكتابة الربا، وقال عليه السلام: إن الله عزّوجلّ لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، ونهى عن بيع وسلف، ونهى عن

______________

(١) البلقع: الارض القفر التي لا شئ بها.

(٢) أي الضرب عليه باليد.

٥١١

بيعين في بيع، ونهى عن بيع ما ليس عندك، ونهى عن بيع ما لم يضمن، ونهى عن مصافحة الذمي، ونهى أن ينشد الشعر، أو تنشد الضالة في المسجد، ونهى أن يسل السيف في المسجد، ونهى عن ضرب وجوه البهائم، ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم، وقال: من تأمل عورة أخيه لعنه سبعون ألف ملك، ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة، ونهى أن ينفخ في طعام أو في شراب، أو ينفخ في موضع السجود، ونهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق والارحية والاودية ومرابط الابل وعلى ظهر الكعبة.

ونهى عن قتل النحل، ونهى عن الوسم في وجوه البهائم، ونهى أن يحلف الرجل بغير الله، وقال: من حلف بغير الله فليس من الله في شئ، ونهى أن يحلف الرجل بسورة من كتاب الله، وقال: من حلف بسورة من كتاب الله فعليه بكل آية منها يمين، فمن شاء بر، ومن شاء فجر، ونهى أن يقول الرجل للرجل: لا وحياتك وحياة فلان، ونهى أن يقعد الرجل في المسجد وهو جنب، ونهى عن التعري بالليل والنهار، ونهى عن الحجامة يوم الاربعاء والجمعة، ونهى عن الكلام يوم الجمعة والامام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، ونهى عن التختم بخاتم صفر أو حديد، ونهى أن ينقش شئ من الحيوان على الخاتم.

ونهى عن الصلاة في ثلاث ساعات: عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها، ونهى عن صيام ستة أيام: يوم الفطر، ويوم الشك، ويوم النحر، وأيام التشريق، ونهى أن يشرب الماء كرعا كما تشرب البهائم، وقال: اشربوا بأيديكم فإنها أفضل أوانيكم، ونهى عن البزاق في البئر التي يشرب منها، ونهى أن يستعمل أجير حتى يعلم ما أجرته، ونهى عن الهجران، فإن كان لابد فاعلا فلا يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام، فمن كان مهاجرا لاخيه أكثر من ذلك كانت النار أولى به.

ونهى عن بيع الذهب والفضة بالنسية، ونهى عن بيع الذهب بالذهب زيادة إلا وزنا بوزن، ونهى عن المدح وقال: احثوا في وجوه المداحين التراب، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من تولى خصومة ظالم أو أعان عليها، ثم نزل به ملك الموت، قال

٥١٢

له: أبشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير، وقال: من مدح سلطانا جائرا وتخفف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه إلى النار، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله عزّوجلّ:( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (١) .

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من دل جائرا على جور، كان قرين هامان في جهنم، ومن بنى بنيانا رياء وسمعة حمله يوم القيامة من الارض السابعة وهو نار تشتعل، ثم يطوق في عنقه، ويلقى في النار، فلا يحبسه شئ منها دون قعرها، إلا أن يتوب. قيل: يا رسول الله، كيف يبني رياء وسمعة، قال: يبني فضلا على ما يكفيه استطالة منه على جيرانه، ومباهاة لاخوانه.

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من ظلم أجيرا أجره أحبط الله عمله وحرم عليه ريح الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام، ومن خان جاره شبرا من الارض جعلها الله طوقا في عنقه من تخوم الارضين السابعة، حتى يلقى الله يوم القيامة مطوقا، إلا أن يتوب ويرجع.

ألا ومن تعلم القرآن ثم نسيه متعمدا، لقي الله يوم القيامة مغلولا، يسلط الله عليه بكل آية منه حية تكون قرينه إلى النار، إلا أن يغفر له، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من قرأ القرآن ثم شرب عليه حراما أو آثر عليه حبا للدنيا وزينتها، استوجب عليه سخط الله، إلا أن يتوب، ألا وإنه إن مات على غير توبة حاجة القرآن يوم القيامة، فلا يزايله إلا مدحوضا.

ألا ومن زنا بامرأة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية، حرة أو أمة، ثم لم يتب ومات مصرا عليه، فتح الله له في قبره ثلاثمائة باب، تخرج منها حيات وعقارب وثعبان النار، فهو يحترق إلى يوم القيامة، فإذا بعث من قبره تأذى الناس من نتن ريحه، فيعرف بذلك وبما كان يعمل في دار الدنيا، حتى يؤمر به إلى النار.

ألا إن الله حرم الحرام، وحد الحدود، وما أحد أغير من الله، ومن غيرته حرم الفواحش، ونهى أن يطلع الرجل في بيت جاره، وقال: من نظر إلى عورة أخيه المسلم

______________

(١) هود ١١: ١١٣.

٥١٣

أو عورة غير أهله متعمدا، أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات المسلمين، ولم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، إلا أن يتوب.

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من لم يرض بما قسم الله له من الرزق، وبث شكواه، ولم يصبر ولم يحتسب، لم ترفع له حسنة، ويلقى الله وهو عليه غضبان، إلا أن يتوب، ونهى أن يختال الرجل في مشيته، وقال: من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم، وكان قرين قارون، لانه أول من اختال فخسف الله به وبداره الارض، ومن اختال فقد نازع الله في جبروته.

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله زان، يقول الله عزّوجلّ يوم القيامة: عبدي زوجتك أمتي على عهدي، فلم توف بعهدي، وظلمت أمتي، فيؤخذ من حسناته، فيدفع إليها بقدر حقها، فإذا لم تبق له حسنة أمر به إلى النار بنكثه للعهد( إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) (١) .

ونهى صلّى الله عليه وآله وسلّم عن كتمان الشهادة، وقال: من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول الله عزّوجلّ:( وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (٢) ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة، ومأواه جهنم وبئس المصير، ومن ضيع حق جاره فليس منا، وما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، وما زال يوصيني بالمماليك حتى ظننت أنه سيجعل لهم وقتا إذا بلغوا ذلك الوقت اعتقوا، وما زال يوصيني بالسواك حتى ظننت أنه سيجعله فريضة، وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خيار أمتي لن يناموا.

ألا ومن استخف بفقير مسلم، فقد استخف بحق الله، والله يستخف به يوم القيامة، إلا أن يتوب، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أكرم فقيرا مسلما، لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض. وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من عرضت له فاحشة أو شهوة، فاجتنبها من

______________

(١) الاسراء ١٧: ٣٤.

(٢) البقرة ٢: ٢٨٣.

٥١٤

مخافة الله عزّوجلّ، حرم الله عليه النار، وآمنه من الفزع الاكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه، في قوله:( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) (١) .

ألا ومن عرضت له دنيا وآخرة، فاختار الدنيا على الآخرة، لقي الله يوم القيامة وليست له حسنة يتقي بها النار، ومن اختار الآخرة على الدنيا(٢) رضي الله عنه وغفر له مساوئ عمله، ومن ملا عينه من حرام ملا الله عينه يوم القيامة من النار، إلا أن يتوب ويرجع.

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من صافح امرأة تحرم عليه، فقباء بسخط من الله، ومن التزم امرأة حراما، قرن في سلسلة من النار مع الشيطان، فيقذفان في النار، ومن غش مسلما في شراء أو بيع فليس منا، ويحشر يوم القيامة مع اليهود، لانهم أغش الخلق للمسلمين، ونهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يمنع أحد الماعون، وقال: من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة، ووكله إلى نفسه، ومن وكله إلى نفسه فما أسوأ حاله!

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: أيما امرأة آذت زوجها بلسانها، لم يقبل الله منها صرفا ولا عدلا ولا حسنة من عملها حتى ترضيه، وإن صامت نهارها، وقامت ليلها، واعتقت الرقاب، وحملت على جياد الخيل في سبيل الله، وكانت أول من يرد النار، وكذلك الرجل إذا كان لها ظالما.

ألا ومن لطم خد مسلم أو وجهه، بدد الله عظامه يوم القيامة، وحشر مغلولا حتى يدخل جهنم، إلا أن يتوب، ومن بات وفي قلبه غش لاخيه المسلم بات في سخط الله، وأصبح كذلك حتى يتوب.

ونهى عن الغيبة، وقال: من اغتاب امرءا مسلما، بطل صومه، ونقض وضوؤه، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة، يتأذى به أهل الموقف، فإن

______________

(١) الرحمن ٥٥: ٤٦.

(٢) في نسخة: اختار الآخرة فترك الدنيا.

٥١٥

مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم الله. وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كظم غيظا وهو قادر على إنفاذه وحلم عنه، أعطاه الله أجر شهيد، ألا ومن تطول على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه، رد الله عنه ألف باب من السوء في الدنيا والآخرة، فإن هو لم يردها وهو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة.

ونهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الخيانة، وقال: من خان أمانة في الدنيا ولم يردها إلى أهلها، ثم أدركه الموت، مات على غير ملتي، ويلقى الله وهو عليه غضبان. وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من شهد شهادة زور على أحد من الناس، علق بلسانه مع المنافقين في الدرك الاسفل من النار، ومن اشترى خيانة وهو يعلم، فهو كالذي خانها، ومن حبس عن أخيه المسلم شيئا من حق حرم الله عليه بركة الرزق إلا أن يتوب.

ألا ومن سمع فاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها، ومن احتاج إليه أخوه المسلم في قرض وهو يقدر عليه، فلم يفعل، حرم الله عليه ريح الجنة. ألا ومن صبر على خلق امرأة سيئة الخلق، واحتسب في ذلك الاجر، أعطاه الله ثواب الشاكرين في الآخرة. ألا وأيما امرأة لم ترفق بزوجها، وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق، لم تقبل منها حسنة، وتلقى الله وهو عليها غضبان. ألا ومن أكرم أخاه المسلم فإنما يكرم الله عزّوجلّ.

ونهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يؤم الرجل قوما إلا بإذنهم، وقال: من أم قوما بإذنهم وهم به راضون، فاقتصد بهم في حضوره، وأحسن صلاته بقيامه وقرائته وركوعه وسجوده وقعوده، فله مثل أجر القوم، ولا ينقص من أجورهم شئ. ألا ومن أم قوما بأمرهم ثم لم يتم بهم الصلاة، ولم يحسن في خشوعه وركوعه وسجوده وقراءته ردت عليه صلاته ولم تجاوز ترقوته، وكانت منزلته كمنزلة إمام جائر معتد، لم يصلح إلى رعية، ولم يقم فيهم بحق، ولا قام فيهم بأمر.

وقال: من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله، ليصل رحمه، أعطاه الله عزّوجلّ أجر مائه شهيد، وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة، ويمحى عنه أربعون ألف سيئة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وكأنما عبدالله مائة سنة صابرا محتسبا، ومن كفى ضريرا حاجة من حوائج الدنيا، ومشى له فيها حتى يقضي الله له حاجة، أعطاه الله

٥١٦

براءة من النفاق وبراءة من النار، وقضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا، ولا يزال يخوض في رحمة الله عزّوجلّ حتى يرجع.

ومن مرض يوما وليلة فلم يشك إلى عواده، بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع، ومن سعى لمريض في حاجة قضاها أو لم يقضها، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال رجل من الانصار: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فإن كان المريض من أهل بيته، أو ليس ذلك أعظم أجرا إذا سعى في حاجة أهل بيته؟ قال: نعم.

ألا ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه اثنتين وسبعين كربة من كرب الآخرة، واثنتين وسبعين كربة من كرب الدنيا أهونها المغص. قال: ومن يبطل على ذي حق حقه، وهو يقدر على أداء حقه، فعليه كل يوم خطيئة عشار، ألا ومن علق سوطا بين يدي سلطان جائر، جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من النار طوله سبعون ذراعا، يسلط عليه في نار جهنم وبئس المصير، ومن اصطنع إلى أخيه معروفا فأمتن به، أحبط الله عمله، وثبت وزره، ولم يشكر له سعيه، ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يقول الله عزّوجلّ: حرمت الجنة على المنان والبخيل والقتات، وهو النمام.

ألا ومن تصدق بصدقة، فله بوزن كل درهم مثل جبل أحد من نعيم الجنة، ومن مشى بصدقه إلى محتاج، كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شئ، ومن صلى على ميت صلى عليه وسبعون ألف ملك، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه، فإن أقام حتى يدفن ويحثي عليه التراب، كان له بكل قدم نقلها قيراط من الاجر، والقيراط مثل جبل أحد.

ألا ومن ذرفت عيناه من خشية الله، كان له بكل قطرت قطرت من دموعه قصر في الجنة مكلل بالدر والجوهر، فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ألا ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة، كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وإن مات وهو على ذلك، وكل الله به سبعين

٥١٧

ألف ملك يعودونه(١) في قبره، ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتى يبعث.

ألا ومن أذن محتسبا، يريد بذلك وجه الله عزّوجلّ، أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد وأربعين ألف صديق، ويدخل في شفاعته أربعون ألف مسئ من أمتي إلى الجنة، ألا وإن المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، صلى عليه تسعون ألف ملك، واستغفروا له، وكان يوم القيامة في ظل العرش حتى يفرغ من حساب الخلائق، ويكتب ثواب قوله: أشهد أن محمّدا رسول الله، أربعون ألف ملك، ومن حافظ على الصف الاول، والتكبيرة الاولى، لا يؤذي مسلما، أعطاه الله من الاجر ما يعطى المؤذنون في الدنيا والآخرة.

ألا ومن تولى عرافة قوم، حبسه الله عزّوجلّ على شفير جهنم، بكل يوم ألف سنة، وحشر يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله أطلقه الله، وإن كان ظالما هوى به في نار جهنم وبئس المصير.

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا تحقروا شيئا من الشر، وإن صغر في أعينكم، ولا تستكثروا الخير، وإن كثر في أعينكم، فانه لا كبير مع الاستغفار، ولا صغير مع الاصرار.

قال محمّد بن زكريا الغلابي، سألت عن طول هذا الاثر شعيبا المزني، فقال لي: يا أبا عبدالله، سألت الحسين بن زيد عن طول هذا الحديث، فقال: حدثني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، أنه جمع هذا الحديث من الكتاب الذي هو إملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخط عليّ بن أبي طالب عليه السلام(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) في نسخة: يعوذونه.

(٢) بحار الانوار ٧٦: ٣٢٨/١.

٥١٨

[ ٦٧ ]

المجلس السابع والستون

مجلس يوم الجمعة

السادس عشر من جمادى الاولى سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٧٠٨/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّثنا أحمد بن رشيد، قال: حدّثنا أبومعمر سعيد بن خيثم(١) ، قال: حدثني سعد، عن الحسن البصري، أنه بلغه أن زاعما يزعم أنه ينتقص عليا عليه السلام، فقام في أصحابه يوما، فقال: لقد هممت أن أغلق بابي ثم لا أخرج من بيتي حتى يأتيني أجلي، بلغني أن زاعما منكم يزعم أني أنتقص خير الناس بعد نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنيسه وجليسه، والمفرج للكرب عنه عند الزلازل، والقاتل للاقران يوم التنازل، لقد فارقكم رجل قرأ القرآن فوقره، وأخذ العلم فوفره وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربه، صابرا على مضض الحرب، شاكرا عند اللاواء(٢) والكرب، فعمل بكتاب ربه، ونصح لنبيه وابن عمه وأخيه، آخاه دون أصحابه، وجعل عنده سره، وجاهد عنه صغيرا، وقاتل معه كبيرا، يقتل الاقران،

______________

(١) في نسخة: خيثم.

(٢) اللاواء: ضيق المعيشة، وشدة المرض.

٥١٩

وينازل الفرسان دون دين الله، حتى وضعت الحرب أوزارها، متمسكا بعهد نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا يصده صاد، ولا يمالي عليه مضاد، ثم مضى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو عنه راض.

أعلم المسلمين علما، وأفهمهم فهما، وأقدمهم في الاسلام، لا نظير له في مناقبه، ولا شبيه له في ضرائبه، فظلفت(١) نفسه عن الشهوات، وعمل لله في الغفلات وأسبغ الطهور في السبرات(٢) ، وخشع في الصلوات، وقطع نفسه عن اللذات، مشمرا عن ساق، طيب الاخلاق، كريم الاعراق، اتبع سنن نبيه، واقتفى آثار وليه، فكيف أقول فيه ما يو بقني؟! وما أحد أعلمه يجد فيه مقالا، فكفوا عنا الاذى، وتجنبو طريق الردى(٣) .

٧٠٩/٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، وعليّ بن أحمد بن موسى الدقاق، ومحمّد بن أحمد السناني، وعبدالله بن محمّد الصائغ (رضي الله عنهم)، قالوا: حدّثنا أبوالعباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا أبومحمّد بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدثني عليّ بن محمّد، قال: حدّثنا الفضل بن العباس، قال: حدّثنا عبد القدوس الوراق، قال: حدّثنا محمّد بن كثير، عن الاعمش.

وحدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكتب رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدثني عبدالله بن محمّد ابن باطويه، قال: حدّثنا محمّد بن كثير، عن الاعمش.

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، فيما كتب إلينا من أصبهان، قال: حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين، قال: حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي، قال: حدّثنا مندل بن عليّ العنزي، عن الاعمش.

______________

(١) أي كفت وترفعت.

(٢) السبرات: جمع سبرة، الغداة الباردة.

(٣) بحار الانوار ٤٠: ١١٧/٢.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780