الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 464241 / تحميل: 8973
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وألحق عبد الله بن جعفر الحسينعليه‌السلام بابنيه عون ومحمد ، وكتب على ايديهما اليه كتابا يقول فيه :

اما بعد فاني اسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له ان يكون فيه هلاكك واستئصال اهل بيتك ، وان هلكت اليوم طفىء نور الأرض فانك علم المهتدين ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالمسير فاني في أثر كتابي والسلام.

وصار عبد الله الى عمرو بن سعيد فسأله ان يكتب للحسينعليه‌السلام أمانا ويمنيه البر والصلة ، فكتب له وانفذه مع أخيه يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه وجهدا به في الرجوع ، فقال : اني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالا له : فما تلك الرؤيا ، قال : ما حدثت بها أحدا وما انا محدث بها احدا حتى القى ربيعزوجل ، فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو الى مكة.

وسار الحسينعليه‌السلام نحو العراق مسرعا لا يلوي على شيء حتى بلغ وادي العقيق ، فنزل ذات عرق فلقيه رجل من بني أسد يسمى بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهله فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية ، فقال : صدق اخو بني اسد ان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

ولما بلغ الحسينعليه‌السلام الى الحاجز من بطن الرمة(١) كتب كتابا الى جماعة من أهل الكوفة منهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وغيرهم وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وذلك قبل ان يعلم بقتل مسلم يقول فيه :

__________________

(١) بتخفيف الميم (منه عفي عنه).

٦١

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى اخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم ، فاني احمد اليكم الله الذي لا إله الا هو ، أما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله ان يحسن لنا الصنيع وان يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، فاذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فاني قادم عليكم في ايامي هذه ان شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكان مسلم بن عقيل قد كتب اليه قبل ان يقتل بسبع وعشرين ليلة ، فأقبل قيس بكتاب الحسينعليه‌السلام الى الكوفة وكان ابن زياد لما بلغه مسير الحسينعليه‌السلام من مكة الى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطته حتى نزل القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية الى خفان وما بين القادسية الى القطقطانة (القطقطانية خ ل) والى جبل لعلع ، قال الناس : هذا الحسين يريد العراق ، (فلما) انتهى قيس الى القادسية اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه ، فأخرج قيس الكتاب وخرقه ، فحمله الحصين الى ابن زياد فلما مثل بين يديه قال له : من أنت؟ قال انا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه ، قال : فلماذا خرقت الكتاب؟ قال : لئلا تعلم ما فيه ، قال :وممن الكتاب والى من ، قال : من الحسينعليه‌السلام الى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف اسماءهم ، فغضب ابن زياد وقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم او تصعد المنبر فتسب الحسين بن علي وأباه وأخاه والا قطعتك اربا اربا ، فقال قيس : اما القوم فلا أخبرك بأسمائهم واما سب الحسين وأبيه وأخيه فافعل. وفي رواية انه قال له : اصعد المنبر فسب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي ، فصعد قيس فحمد الله واثنى عليه

٦٢

وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكثر من الترحم على علي والحسن والحسين ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني أمية ، ثم قال : أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانا رسوله اليكم وقد خلفته بالحاجز فأجيبوه ، فأمر به ابن زياد فرمي من أعلى القصر فتطع فمات ، فبلغ الحسينعليه‌السلام قتله فاسترجع واستعبر بالبكاء ولم يملك دمعته ، ثم قرأ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (١) ثم قال : جعل الله له الجنة ثوابا اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب (خ ل) مذخور ثوابك انك على كل شيء قدير.

ثم اقبل الحسينعليه‌السلام من الحاجز يسير نحو العراق حتى انتهى الى ماء من مياه العرب ، فاذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به ، فلما رأى الحسينعليه‌السلام قام اليه فقال : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك واحتمله فأنزله ، فقال له الحسينعليه‌السلام : كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب اليّ أهل العراق يدعونني الى أنفسهم ، فقال له عبد الله : أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام ان تنتهك ، انشدك الله في حرمة قريش ، انشدك الله في حرمة العرب ، فو الله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا ، والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأتي الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية ، فأبى الحسينعليه‌السلام الا ان يمضي :

وكان عبيد الله بن زياد امر فأخذ ما بين واقصة الى طريق الشام الى طريق البصرة فلا يدعون احدا يلج ولا أحدا يخرج ، وأقبل الحسينعليه‌السلام لا يشعر بشيء حتى لقي الأعراب فسألهم فقالوا : لا والله ما ندري غير انا لا

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٢٣.

٦٣

نستطيع ان نلج ولا نخرج فسار تلقاء وجهه.

وكان زهير بن القين البجلي قد حج في تلك السنة وكان عثمانيا ، فلما رجع من الحج جمعه الطريق مع الحسينعليه‌السلام ، فحدث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة ، فكنا نساير الحسينعليه‌السلام فلم يكن شيء أبغض الينا من أن نسير معه في مكان واحد أو ننزل معه في منزل واحد ، فاذا سار الحسين تخلف زهير بن القين واذا نزل الحسين تقدم زهير ، فنزلنا يوما في منزل لم نجد بدا من أن ننزل معه فيه فنزل هو في جانب ونزلنا في جانب آخر ، فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا اذ أقبل رسول الحسينعليه‌السلام حتى سلم ثم دخل ، فقال : يا زهير ان أبا عبد الله بعثني اليك لتأتيه ، فطرح كل انسان منا ما في يده كأن على رؤوسنا الطير كراهة ان يذهب زهير الى الحسينعليه‌السلام ، فقالت له امرأته وهي ديلم بنت عمرو : سبحان الله ايبعث اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فلو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت ، فأتاه زهير على كره ، فما لبث ان جاء مستبشرا قد أشرق وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ورحله فحول الى الحسينعليه‌السلام ، ثم قال لامرأته : أنت طالق الحقي بأهلك فاني لا احب ان يصيبك بسببي الا خيرا وقد عزمت على صحبة الحسينعليه‌السلام لأفديه بروحي واقيه بنفسي ، ثم اعطاها مالها وسلمها الى بعض بني عمها ليوصلها الى أهلها ، فقامت اليه وبكت وودعته وقالت : خار الله لك أسألك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسينعليه‌السلام ، وقال لأصحابه : من أحب منكم ان يتبعني والا فهو آخر العهد مني ، اني سأحدثكم حديثا ، انا غزونا بلنجر(١) وهي بلدة ببلاد الخزر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ففرحنا ، فقال لنا سلمان الفارسي : اذا أدركتم قتال شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم مما أصبتم من الغنائم ،

__________________

(١) في القاموس : بلنجر كغضنفر بلدة بالخزر خلف باب الأبواب ا ه ، وفي بعض النسخ غزونا البحر وهو تصحيف من النساخ (منه).

٦٤

فأما انا فاستودعكم الله ولزم الحسينعليه‌السلام حتى قتل معه.

ولما نزل الحسينعليه‌السلام الخزيمية أقام بها يوما وليلة ، فلما أصبح أقبلت اليه أخته زينب فقالت : يا أخي الا أخبرك بشيء سمعته البارحة ، فقال الحسينعليه‌السلام : وما ذاك؟ فقالت خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف ويقول :

الا يا عين فاحتفلي بجهد

ومن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار الى انجاز وعد

فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن.

ثم سارعليه‌السلام حتى نزل الثعلبية(١) وقت الظهيرة ، وقيل ممسيا فوضع رأسه فرقد ، ثم استيقظ فقال : رأيت هاتفا يقول : أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم الى الجنة ، فقال له ابنه علي : يا أبه أفلسنا على الحق ، فقال : بلى يا بني والذي اليه مرجع العباد ، فقال : يا أبه اذا لا نبالي بالموت ، فقال الحسينعليه‌السلام : جزاك الله يا بني خير ما جزى ولدا عن والده ثم بات في الموضع ، فلما أصبح اذا برجل من أهل الكوفة يكنى أباهرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الحسينعليه‌السلام : ويحك يا أبا هرة ان بني أمية أخذوا مالي فصبرت وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمي فهربت ، وايم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ اذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم.

وروى عبد الله بن سليمان والمنذر ابن المشمعل الأسديان قالا : لما

__________________

(١) بالثاء المثلثة والعين المهملة (منه).

٦٥

قضينا حجنا لم تكن لنا همة الا اللحاق بالحسينعليه‌السلام لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقاتنا مسرعين حتى لحقناه بزرود ، فلما دنونا منه اذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسينعليه‌السلام ، فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى ومضينا نحوه ، فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا الى هذا لنسأله فان عنده خبر الكوفة ، فمضينا اليه فقلنا:السلام عليك ، فقال : وعليكما السلام ، قلنا : ممن الرجل؟ قال : أسدي ، قلنا له: ونحن أسديان فمن أنت؟ قال : أنا بكر بن فلان وانتسبنا له ، ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس من ورائك؟ قال : لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق ، فأقبلنا حتى لحقنا الحسينعليه‌السلام فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا ، فجئنا حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام ، فقلنا له : رحمك الله ان عندنا خبرا ان شئت حدثناك علانية وان شئت سرا ، فنظر الينا والى أصحابه ثم قال : ما دون هؤلاء سر ، فقلنا له : رأيت الراكب الذي استقبلته عشية أمس ، قال : نعم وقد أردت مسألته ، فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل ، وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ورآهما يجران في السوق بأرجلهما ، فقال : انا لله وانا اليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا ، فقلنا له : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف ان يكونوا عليك ، فنظر الى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قتل مسلم؟ فقالوا : والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسينعليه‌السلام وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا انه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا له : خار الله لك ، فقال : رحمكما الله ، فقال له أصحابه :انك والله ما أنت مثل مسلم ولو قدمت الكوفة لكان الناس اليك أسرع فسكت ، وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع عليه

٦٦

كل مسيل ، ثم انتظر حتى اذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه اكثروا من الماء فاستقوا واكثروا ، وكان لا يمر بماء الا أتبعه من عليه ، ثم ارتحلوا فسار حتى انتهى الى زبالة ، فأتاه بها خبر عبد الله بن يقطر وهو أخو الحسينعليه‌السلام من الرضاعة وكان سرحه الى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يعلم بقتله ، فأخذته خيل الحصين فسيره من القادسية الى ابن زياد ، فقال له : اصعد فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب ثم أنزل حتى أرى فيك رأيي ، فصعد فاعلم الناس بقدوم الحسينعليه‌السلام ولعن ابن زياد وأباه ، فألقاه من القصر فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه فعيب عليه ، فقال : أردت ان أريحه ، فلما بلغ الحسينعليه‌السلام خبره اخرج الى الناس كتابا فقرأ عليهم وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم ، اما بعد فانه قد أتاني خبر فظيع قتل مسلم ابن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام ، فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا اليه ، وكان قد اجتمع اليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة ، وانما فعل ذلك لعلمه بأن أكثر من اتبعوه انما اتبعوه ظنا منهم انه يقدم بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، فكره ان يسيروا معه الا وهم يعلمون ما يقدمون عليه وقد علم انه اذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد مواساته والموت معه وقيل ان خبر مسلم وهاني اتاه في زبالة أيضا.

وقال السيد(١) ان الفرزدق لقي الحسينعليه‌السلام فسلم عليه وقال :يا ابن رسول الله كيف تركن الى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك

__________________

(١) ظاهر كلام السيد ان لقاء الفرزدق للحسينعليه‌السلام كان بعد خروجه من زبالة ، وقد تقدم انه لقيه في الحرم وهي رواية المفيد ، ويمكن ان يكون لقاء الفرزدق له ثانيا بعد رجوعه من الحج (منه).

٦٧

مسلم بن عقيل وشيعته ، فاستعبر الحسينعليه‌السلام باكيا ثم قال : رحم الله مسلما فلقد صار الى روح الله وريحانه وتحياته ورضوانه ، اما انه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، ثم أنشأ يقول:

فان تكن الدنيا تعد نفيسة

فان ثواب الله أعلى وأنبل

وان تكن الأبدان للموت انشأت

فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل

وان تكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة حرص المرء في السعي أجمل

وان تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

فلما كان وقت السحر أمر الحسينعليه‌السلام أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ، ثم سار من زبالة حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن يوذان فسأله اين تريد؟ فقال له الحسينعليه‌السلام :الكوفة ، فقال الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت فو الله ما تقدم الا على الأسنة وحد السيوف ، وان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطأوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذا الحال التي تذكر فاني لا أرى لك أن تفعل ، فقال له الحسينعليه‌السلام : يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على أمره ، ثم قالعليه‌السلام :والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فاذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم ثم سارعليه‌السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف ، فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ، ثم سار منها حتى انتصف النهار فبينا هو يسير اذ كبر رجل من أصحابه ، فقال الحسينعليه‌السلام : الله أكبر لم كبرت؟ قال : رأيت النخل ، فقال له جماعة من أصحابه : والله ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط ، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : فما ترونه؟ قالوا : نراه والله اسنة الرماح وآذان الخيل ، قال :وأنا والله أرى ذلك ، ثم قالعليه‌السلام : ما لنا ملجأ نلجأ اليه فنجعله في ظهورنا

٦٨

ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقالوا له : بلى هذا ذو جشم وهو جبل الى جنبك فمل اليه عن يسارك فان سبقت اليه فهو كما تريد ، فأخذ اليه ذات اليسار وملنا معه ، فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادي(١) الخيل فتبيناها وعدلنا ، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا الينا كأن اسنتهم اليعاسيب(٢) وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا الى ذي جشم (خشب خ ل) فسبقناهم اليه ، وأمر الحسينعليه‌السلام بابنيته فضربت ، وجاء القوم زهاء(٣) ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسينعليه‌السلام في حر الظهيرة والحسينعليه‌السلام وأصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم ، فقال الحسينعليه‌السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء. ورشفوا الخيل ترشيفا أي أسقوها قليلا ، فأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها ، فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسينعليه‌السلام ما بي وبفرسي من العطش قال : انخ الرواية والرواية عندي السقاء ، ثم قال : يا ابن الأخ انخ الجمل فانخته(٤) ، فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسينعليه‌السلام : اخنث السقاء أي أعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه بيده فشربت وسقيت فرسي ، وكانت ملاقاة الحر للحسينعليه‌السلام على مرحلتين من الكوفة.

ولما التقى الحر مع الحسينعليه‌السلام قال له الحسينعليه‌السلام : النا ام

__________________

(١) جمع هادي وهو العنق (منه).

(٢) جمع يعسوب وهو أمير النحل وذكرها وضرب من الحجلان وطائر صغير (منه).

(٣) أي قدر (منه).

(٤) الرواية في لسان أهل الحجاز اسم للجمل الذي يستقي عليه. وفي لسان أهل العراق اسم للسقاء الذي فيه الماء ، فلذلك لم يفهم مراد الحسينعليه‌السلام حتى قال له : انخ الجمل (منه).

٦٩

علينا؟ فقال : بل عليك يا أبا عبد الله ، فقال الحسينعليه‌السلام : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، وكان مجيء الحر من القادسية ، وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره ان ينزل القادسية ، وتقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسينعليه‌السلام ، فلم يزل الحر موافقا للحسينعليه‌السلام حتى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسينعليه‌السلام الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت الاقامة خرج الحسينعليه‌السلام في ازار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس انها معذرة الى الله واليكم اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ان أقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم ، وان لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم الى المكان الذي جئت منه اليكم فسكتوا ، فقال للمؤذن : أقم فأقام الصلاة ، فقال للحر أتريد أن تصلي بأصحابك؟ قال : لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك ، فصلى بهم الحسينعليه‌السلام ، ثم دخل فاجتمع اليه أصحابه ، وانصرف الحر الى مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع اليه جماعة من أصحابه وعاد الباقون الى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها.

فلما كان وقت العصر أمر الحسينعليه‌السلام ان يتهيأوا وللرحيل ففعلوا ، ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسينعليه‌السلام ، وقام فصلى ثم سلم وانصرف اليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فانكم ان تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور ، والعدوان ، وان أبيتم الا الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما اتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت

٧٠

عنكم ، فقال له الحر : انا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فقال الحسينعليه‌السلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان(١) اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي ، فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه ، فقال له الحر : انا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد أمرنا اذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله ، فقال له الحسينعليه‌السلام :الموت أدنى اليك من ذلك ، ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظر حتى ركبت نساؤه ، فقال لأصحابه : انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسينعليه‌السلام للحر : ثكلتك امك ما تريد؟فقال له الحر : أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان ولكن مالي الى ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه ، فقال له الحسينعليه‌السلام : فما تريد؟ قال :أريد ان انطلق بك الى الأمير عبيد الله بن زياد ، فقال : اذا والله لا أتعبك ، فقال : اذا والله لا أدعك فترادا القول ثلاث مرات ، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر اني لم أؤمر بقتالك انما أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك الى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب الى الأمير عبيد الله بن زياد فلعل الله ان يرزقني العافية من ان ابتلي بشيء من أمرك ، فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية ، فتياسر الحسينعليه‌السلام وسار والحر يسايره.

ثم ان الحسينعليه‌السلام خطبهم(٢) فحمد الله وأنثى عليه ثم قال : أيها

__________________

(١) هو مولى الرباب ابنة امرىء القيس الكلبية زوجة الحسينعليه‌السلام ، ولما قتل الحسينعليه‌السلام أخذه عمر بن سعد فقال : ما أنت؟ فقال : انا عبد مملوك فخلى سبيله ، ولم ينج من أصحاب الحسينعليه‌السلام غيره وغير رجل آخر ، ولذلك كان كثير من روايات الطف منقولا عنه (منه).

(٢) هكذا روى الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل. وفي المناقب ان الحسينعليه‌السلام كتب من كربلا أول نزوله بها الى اشراف الكوفة ممن كان يظن انه على ـ

٧١

الناس ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقا على الله ان يدخله مدخله ، الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، واني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (خ ل) ، وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فان وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، وانا الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم ولكم بي أسوة ، وان لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي ، مسلم بن عقيل ، والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ، ومن نكث فانما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام ، فقال له الحراني : أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ، فقال له الحسينعليه‌السلام : أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني ، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله فخوفه ابن عمه وقال : أين تذهب فانك مقتول ، فقال :

__________________

ـ رأيه : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المؤمنين ، اما بعد علمتم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال في حياته ، من رأى سلطانا جائرا الخ. وانه أرسل الكتاب مع قيس بن مسهر الصيداوي ثم ذكر قصة قيس المتقدمة. وذكر لفظة والسلام في آخر الكلام على رواية الطبري ، وابن الأثير يؤيد أنه كتاب لا خطبة لأن ذلك متعارف في الكتب لا في الخطب ، ولكن كثيرا من الروايات دل على أن ارسال قيس كان من الطريق لا من كربلاء مع ان التمكين من ارساله من كربلاء بعيد ، والله أعلم أي ذلك كان (منه)

٧٢

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

اذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودع مجرما

أقدم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في الوغى وعرمرما

فان عشت لم أندم وان مت لم ألم

كفى بك ذلا ان تعيش وترغما

فلما سمع الحر ذلك تنحى عنه وجعل يسير ناحية عن الحسينعليه‌السلام .

ولم يزل الحسينعليه‌السلام سائرا حتى انتهوا الى عذيب الهجانات(١) فاذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة لنصرة الحسينعليه‌السلام على رواحلهم وفيهم نافع بن هلال البجلي وهو يجنب فرسا له يقال له الكامل ومعهم دليل يقال له الطرماح بن عدي الطائي وكان قد امتار لأهله من الكوفة ميرة ، فأراد الحر حبسهم أو ردهم الى الكوفة فمنعه الحسينعليه‌السلام من ذلك وقال:لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي انما هؤلاء أنصاري وهم بمنزلة من جاء معي فان بقيت على ما كان بيني وبينك والا ناجزتك ، فكف الحر عنهم.

ثم سألهم الحسينعليه‌السلام عن خبر الناس فقالوا : أما الاشراف فقد استمالهم ابن زياد بالأموال فهم إلب واحد عليك ، وأما سائر الناس فأفئدتهم لك وسيوفهم مشهورة عليك ، قال : فهل لكم علم برسولي قيس بن مسهر؟قالوا : نعم قتله ابن زياد ، فترقرقت عينا الحسينعليه‌السلام ولم يملك دمعته ثم قال :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (٢) اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك وقال له الطرماح بن عدي : أذكرك الله في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة فو الله ان دخلتها لتقتلن واني لأخاف ان لا تصل اليها وما رأى

__________________

(١) العذيب : موضع كان النعمان بن المنذر يضع فيه هجانه لترعى ، فسمي عذيب الهجانات (منه).

(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٢٣.

٧٣

معك كثير أحد ولو لم يقاتلك الا هؤلاء لكفى ، ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة جمعا عظيما يريدون المسير اليك فأنشدك الله ان قدرت ان لا تقدم اليهم شبرا فافعل ، وطلب منه ان يذهب معه الى بلاد قومه(١) حتى يرى رأيه وان ينزل جبلهم أجاء ويبعث الى من بأجاء وسلمى وهما جبلان لطيء ، وتكفل له بعشرين ألف طائي يضربون بين يديه بأسيافهم ، فجزاه الحسينعليه‌السلام وقومه خيرا وقال له : ان بيننا وبين القوم قولا لا نقدر معه على الانصراف ، فان يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا وكفى ، وان يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة ان شاء الله. وسار الطرماح مع الحسينعليه‌السلام ثم ودعه ووعده ان يوصل الميرة لأهله ويعود لنصره ، فلما عاد بلغه خبر قتله في عذيب الهجانات فرجع.

وقال الحسينعليه‌السلام لأصحابه : هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة؟ فقال الطرماح بن عدي : نعم يا ابن رسول الله انا أخبر الطريق ، قال :سر بين أيدينا فسار الطرماح أمامهم وجعل يرتجز ويقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجر

وامضي بنا قبل طلوع الفجر

نجيز فتيان وخير سفر

آل رسول الله آل الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر

حتى تجلي بكريم النجر

الماجد الجد الرحيب الصدر

أصابه الله بخير أمر

عمره الله بقاء الدهر

يا مالك النفع معا والضر

اين حسينا سيدي بالنصر

على الطغاة من بقايا الكفر

على اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر

__________________

(١) وهي المعروفة الآن بجبل شمر ، وحيث انها على طريق الذاهب الى العراق فلا يمنعهم الحر من التوجه نحوها بعد ان رضي بأخذهم طريقا لا يدخلهم الكوفة ولا يرجعهم الى المدينة (منه).

٧٤

وابن زياد العهر بن العهر

ولم يزل الحسينعليه‌السلام سائرا حتى انتهى الى قصر بني مقاتل(١) فنزل به وقيل الى القطقطانة(٢) ، فرأى فسطاطا مضروبا فسأل عنه فقيل انه لعبيد الله بن الحر الجعفي ، وكان من شجعان أهل الكوفة ، فأرسل اليه الحسينعليه‌السلام يدعوه ، فاسترجع وقال : والله ما خرجت من الكوفة الا كراهية أن يدخلها الحسين وانا بها وأبى أن يأتي ، فجاء اليه الحسينعليه‌السلام ودعاه الى نصرته فاستعفاه ، فقال له الحسينعليه‌السلام : فان لم تكن ممن ينصرنا فاتق ان تكون ممن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا احد ثم لا ينصرنا الا هلك ، فقال : اما هذا فلا يكون أبدا ان شاء الله تعالى.

وفي رواية انه قال للحسينعليه‌السلام : ولكن هذا فرسي خذه اليك فو الله ما ركبته قط وانا أروم شيئا الا بلغته ولا أرادني أحد الا نجوت عليه ، فاعرض عنه الحسينعليه‌السلام بوجهه وقال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ، ثم تلا :( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (٣) .

فلما كان آخر الليل أمر الحسينعليه‌السلام فتيانه فاستقوا من الماء ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بنى مقاتل ليلا ، قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول : انا لله وانا اليه

__________________

(١) في معجم البلدان قصر مقاتل بين عين التمر والشام ، وقال السكوني : هو قرب القطقطانة وهو منسوب الى مقاتل بن حسان ، انتهى المعجم ، ولم يذكر قصر بني مقاتل ، فأما ان لفظة بني من زيادة النساخ او انه صار أخيرا ينسب الى بني مقاتل.وعين التمر هي المعروفة الآن بشفاثا (منه).

(٢) بقافين مضمومين بينهما طاء ساكنة فطاء فألف فنون فهاء ، قال ياقوت ورواه الأزهري بالفتح موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف كان به سجن النعمان بن المنذر.

وقال أبو عبيد الله السكوني القطقطانة بالطف بينها وبين الرهيمة مغربا نيف وعشرون ميلا اذا خرجت من القادسية تريد الشام ومنه الى قصر مقاتل (منه).

(٣) سورة الكهف ، الآية : ٥١.

٧٥

راجعون والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا ، فأقبل اليه ابنه علي بن الحسين ، فقال : يا أبه جعلت فداك مم حمدت واسترجعت؟ قال : يا بني اني خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير اليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت الينا ، فقال له : يا أبه لا أراك الله سوءا ألسنا على الحق؟ قال : بلى والذي اليه مرجع العباد ، قال : اذا لا نبالي ان نموت محقين ، فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.

فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب ، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد ان يفرقهم فيأتيه الحر فيرده وأصحابه ، فجعل اذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه وارتفعوا ، فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا الى نينوى ، فاذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة وهو مالك بن بشير(١) الكندي فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلما انتهى اليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه ودفع الى الحر كتابا من ابن زياد ، فاذا فيه اما بعد فجعجع(٢) بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا بالعراء(٣) في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام ، فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من السير وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية ، فقال له الحسينعليه‌السلام ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق؟ قال : بلى ولكن كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني

__________________

(١) لعل صوابه مالك بن النسر ، فيكون هو الذي ضرب الحسينعليه‌السلام على رأسه وسلبه البرنس ، فالظاهر انه صحف احدهما بالآخر (منه).

(٢) في الصحاح : الجعجعة : الحبس ، وكتب عبيد الله بن زياد عليه ما يستحق الى عمر بن سعد عليه اللعنة جعجع بحسين ، قال الأصمعي : يعني أحبسه ، وقال ابن الاعرابي يعني ضيق عليه انتهى (منه).

(٣) في الصحاح : العراء : الفضاء لا ستر به (منه).

٧٦

فيه بالتضييق عليك وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك ، فقال له الحسينعليه‌السلام : دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى والغاضرية او هذه يعني شفية ، فقال : لا أستطيع هذا رجل قد بعث علي عينا.فقال زهير بن القين للحسينعليه‌السلام ، اني والله لا أرى ان يكون بعد الذي ترون الا أشد مما ترون ، يا ابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال ، فقال له زهير : سر بنا الى هذه القرية حتى ننزلها فانها حصينة وهي على شاطىء الفرات فان منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم ، فقال الحسينعليه‌السلام : ما هي؟ قال : العقر ، قال : اللهم أعوذ بك من العقر. وفي رواية ان زهيرا قال له : فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلاء فانها على شاطىء الفرات فنكون هناك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم ، قال : فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام ثم قال : اللهم اني أعوذك من الكرب والبلاء.

ثم قام الحسينعليه‌السلام خطيبا في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :انه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وان الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء(١) ولم يبق منها الا صبابة(٢) كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل(٣) ، الا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما(٤) . وقيل انه خطب بهذه الخطبة بذي جشم حين التقى مع الحر ، وقيل بكربلا والله أعلم ، فقام زهير بن القين فقال : قد سمعنا هداك

__________________

(١) لعله من قولهم رحم حذاء وجذاء بالحاء والجيم ، اي لم توصل (منه).

(٢) الصبابة بالضم بقية من الماء في الاناء (منه).

(٣) الوخيم (منه).

(٤) البرم بالتحريك ما يوجب السآمة والضجر (منه).

٧٧

الله يا ابن رسول الله مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك الى الاقامة فيها ، ووثب هلال بن نافع (نافع بن هلال خ ل) البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك. وقام برير بن خضير(١) فقال : والله يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا ان نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.

ثم ان الحسينعليه‌السلام قام وركب وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة احدى وستين ، فلما وصلها قال : ما اسم هذه الأرض فقيل كربلاء فقال : اللهم اني أعوذ بك من الكرب والبلاء. ثم أقبل على أصحابه فقال : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون ثم قال : أهذه كربلا؟ قالوا : نعم يا ابن رسول الله ، فقال : هذا موضع كرب وبلاء انزلوا ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا ، فتزلوا جميعا ونزل الحر وأصحابه ناحية ثم ان الحسينعليه‌السلام جمع ولده واخوته وأهل بيته ثم نظر اليهم فبكى ساعة ، ثم قال : اللهم انا عترة نبيك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ازعجنا وطردنا وأخرجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا ، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين ، وجلس الحسينعليه‌السلام يصلح سيفه ويقول :

يا دهر أف لك من خليل

كم لك بالاشراق والأصيل

من طالب وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وكل حي سالك سبيلي

ما أقرب الوعد من الرحيل

__________________

(١) برير بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وآخره راء مهملة ، وخضير بالخاء والضاد المعجمتين (منه).

٧٨

وانما الأمر الى الجليل

فسمعت أخته زينب بنت فاطمة ذلك فقالت : يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل ، فقال : نعم يا أختاه ، فقالت زينب : وا ثكلاه يعنى الحسين إلي نفسه وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب ، وجعلت أم كلثوم تنادي وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسيناه وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله ، فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أختاه تعزي بعزاء الله فان سكان السماوات يفنون وأهل الأرض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون ، ثم قال : يا أختاه يا ام كلثوم وأنت يا زينب وانت يا فاطمة وانت يا رباب انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا.

وفي رواية عن زين العابدينعليه‌السلام ان الحسينعليه‌السلام قال هذه الأبيات عشية اليوم التاسع من المحرم. قال علي بن الحسينعليه‌السلام : اني لجالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني ، اذ اعتزل ابي في خباء له وعنده جون مولى ابي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وابي يقول : (يا دهر اف لك من خليل) الى آخر الأبيات المتقدمة ، فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل ، واما عمتي فانها لما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع لم تملك نفسها ان وثبت تجرّ ثوبها حتى انتهت اليه ونادت وا ثكلاه ليت الموت اعدمني الحياة ، اليوم ماتت امي فاطمة وابي علي واخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي ، فنظر اليها الحسينعليه‌السلام فقال لها : يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان ، فقالت ، بأبي وأمي تستقل نفسي لك الفداء فردت عليه غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال : (لو ترك القطا ليلا لنام) فقالت : يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم لطمت

٧٩

وجهها وأهوت الى جيبها فشقته وخرت مغشية عليها ، فقام اليها الحسينعليه‌السلام فصب على وجهها الماء حتى أفاقت ثم عزاها بما مر ، ثم قال : وكل شيء هالك الا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده ، جدي خير مني وابي خير مني وامي خير مني واخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة ، فعزاها بهذا ونحوه وقال لها : يا أختاه اني أقسمت عليك فابري قسمي ، لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا انا هلكت.

وكتب الحر الى عبيد الله بن زياد يعلمه بنزول الحسينعليه‌السلام بكربلاء فكتب ابن زياد الى الحسينعليه‌السلام .

اما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب اليّ أمير المؤمنين يزيد ان لا أتوسد الوثير(١) ولا أشبع من الخمير او الحقك باللطيف الخبير او ترجع الى حكمي وحكم يزيد والسلام.

فلما قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب ألقاه من يده وقال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول : الجواب يا أبا عبد الله ، فقال : ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب ، فرجع الرسول الى ابن زياد فأخبره ، فاشتد غضبه وجهز اليه العساكر وجمع الناس في مسجد الكوفة وخطبهم ومدح يزيدا وأباه وذكر حسن سيرتهما ووعد الناس بتوفير العطاء وزادهم في عطائهم مائة مائة ، وأمر بالخروج الى حرب الحسينعليه‌السلام .

__________________

(١) في الصحاح : الوثير : الفراش الوطيء (منه).

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا(١) .

٧٢٤/٣ - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكليني رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن سليمان، عن إسماعيل ابن إبراهيم، عن جعفر بن محمّد التميمي، عن الحسين بن علوان، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما من مؤمن أو مؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة إلا وهم شفعاء لمن يقول في دعائه: اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات، وإن العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيحسب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا ربنا هذا الذي كان يدعو لنا، فشفعنا فيه، فيشفعهم الله فيه فينجو(٢) .

٧٢٥/٤ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن جدي، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: من قدم في دعائه أربعين من المؤمنين ثم دعا لنفسه استجيب له(٣) .

٧٢٦/٥ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن الحسن بن أبي عقبة الصيرفي، عن الحسين بن خالد الصيرفي، قال: قلت لابي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: الرجل يستنجي وخاتمه في إصبعه، ونقشه لا إله إلا الله، فقال: أكره ذلك له.

فقلت: جعلت فداك، أو ليس كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكل واحد من آبائك عليهم السلام يفعل ذلك، وخاتمه في إصبعه؟ قال: بلى، ولكن اولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى، فاتقوا الله وانظروا لانفسكم.

______________

(١) رجال الكشي: ٥٨٦/١٠٩٧ « نحوه » فلاح السائل ٤٣: « نحوه » بحار الانوار ٩٣: ٣٨٤/٨.

(٢) بحار الانوار ٩٣: ٣٨٥/١٠.

(٣) بحار الانوار ٩٣: ٣٨٤/٦.

٥٤١

قلت ما كان نقش خاتم أميرالمؤمنين عليه السلام؟ فقال: ولم لا تسألني عمن كان قبله؟ قلت: فإني أسألك.

قال: كان نقش خاتم آدم عليه السلام: لا إله إلا الله، محمّد رسول الله. هبط به معه. وإن نوحا عليه السلام لما ركب السفينة أوحى الله عزّوجلّ إليه: يا نوح، إن خفت الغرق فهللني ألفا، ثم سلني النجاة أنجك من الغرق ومن آمن معك. قال: فلما استوى نوح عليه السلام ومن معه في السفينة ورفع القلس(١) ، عصفت الريح عليهم، فلم يأمن نوح الغرق، فأعجلته الريح، فلم يدرك أن يهلل ألف مرة، فقال بالسريانية: هلوليا ألفا ألفا يا ماريا اتقن. قال: فاستوى القلس، واستمرت السفينة، فقال نوح عليه السلام: إن كلاما نجاني الله به من الغرق لحقيق أن لا يفارقني، قال: فنقش في خاتمه: لا إله إلا الله ألف مرة، يا رب أصلحني.

قال: وإن إبراهيم عليه السلام لما وضع في كفة المنجنيق غضب جبرئيل عليه السلام، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: ما يغضبك يا جبرئيل؟ قال: يا رب خليلك ليس من يعبدك على وجه الارض غيره، سلطت عليه عدوك وعدوه! فأوحى الله عزّوجلّ إليه: اسكت، إنما يعجل العبد الذي يخاف الفوت مثلك، فأما أنا فإنه عبدي آخذه إذا شئت. قال: فطابت نفس جبرئيل عليه السلام، فالتفت إلى إبراهيم عليه السلام فقال: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. فأهبط الله عزّوجلّ عندها خاتما فية ستة أحرف: لا إله إلا الله، محمّد رسول الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فوضت أمري إلى الله، أسندت ظهري إلى الله، حسبي الله، فأوحى الله جل جلاله إليه أن تختم بهذا الخاتم، فإني أجعل النار عليك بردا وسلاما.

قال: وكان نقش خاتم موسى عليه السلام حرفين، اشتقهما من التوراة: اصبر تؤجر، اصدق تنج. قال: وكان نقش خاتم سليمان عليه السلام: سبحان من ألجم الجن بكلماته. وكان نقش خاتم عيسى عليه السلام حرفين، اشتقهما من الانجيل: طوبي لعبد

______________

(١) القلس: حبل غليظ من حبال السفن.

٥٤٢

ذكر الله من أجله، وويل لعبد نسى الله من أجله.

وكان نقش خاتم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا إله إلا الله، محمّد رسول الله. وكان نقش خاتم أميرالمؤمنين عليه السلام: الملك لله وكان نقش خاتم الحسن عليه السلام: العزة لله. وكان نقش خاتم الحسين عليه السلام: إن الله بالغ أمره. وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام يتختم بخاتم أبيه الحسين عليه السلام. وكان محمّد بن عليّ عليه السلام يتختم بخاتم الحسين عليه السلام. وكان نقش خاتم جعفر بن محمّد عليهما السلام: الله وليي وعصمتي من خلقه. وكان نقش خاتم أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: حسبي الله.

قال الحسين بن خالد: وبسط أبوالحسن الرضا عليه السلام كفه وخاتم أبيه عليه السلام في إصبعه حتى أراني النقش(١) .

٧٢٧/٦ - حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد، عن محمّد بن سليمان، عن إسماعيل ابن إبراهيم، عن جعفر بن محمّد التميمي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ عليه السلام، قال: سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له: يا أبه، أخبرني عن جدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عزّوجلّ بخمسين صلاة، كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن امتك لا تطيق ذلك؟

فقال: يا بني، إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يقترح على ربه عزّوجلّ ولا يراجعه في شئ يأمره به، فلما سأله موسى عليه السلام، ذلك وصار شفيعا لامته إليه، لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى عليه السلام، فرجع إلى ربه يسأله(٢) التخفيف، إلى أن ردها إلى خمس صلوات.

قال: فقلت له: يا أبه، فلم لم يرجع إلى ربه عزّوجلّ ولم يسأله التخفيف من

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٤/٢٠٦، بحار الانوار ١١: ٦٢/١.

(٢) في نسخة: فسأله.

٥٤٣

خمس صلوات، وقد سأله موسى عليه السلام أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف؟

فقال: يا بني، أراد صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يحصل لامته التخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقول الله عزّوجلّ:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (١) ، ألا ترى أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم لما هبط إلى الارض نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد، إن ربك يقرئك السلام ويقول: إنها خمس بخمسين، ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد؟

قال: فقلت له: يا أبه، أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: بلى، تعالى الله عن ذلك.

فقلت: فما معنى قول موسى عليه السلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ارجع إلى ربك؟

فقال: معناه معنى قول إبراهيم عليه السلام:( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) (٢) ومعنى قول موسى عليه السلام:( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ) (٣) ومعنى قوله عزّوجلّ:( فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ ) (٤) يعني حجوا إلى بيت الله.

يا بني، إن الكعبة بيت الله، فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله، والمساجد بيوت الله، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه، والمصلي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جل جلاله، وأهل موقف عرفات هم وقوف بين يدي الله عزّوجلّ، وإن الله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته، فمن عرج به إلى بقعه منها فقد عرج به إليه، ألا تسمع الله عزّوجلّ يقول:( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) (٥) ،

______________

(١) الانعام ٦: ١٦٠.

(٢) الصافات ٣٧: ٩٩.

(٣) طه ٢٠: ٨٤.

(٤) الذاريات ٥١: ٥٠.

(٥) المعارج ٧٠: ٤.

٥٤٤

ويقول عزّوجلّ في قصة عيسى عليه السلام:( بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ) (١) ، ويقول عزّوجلّ:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) ؟

٧٢٨/٧ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت لعلي ابن موسى الرضا عليه السلام: يا بن رسول الله، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث: إن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة.

فقال عليه السلام: يا أبا الصلت، إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته، ومتابعته متابعته، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقال عزّوجلّ:( مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ) (٣) ، وقال:( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (٤) ، وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله جل جلاله. ودرجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله، فقد زار الله تبارك وتعالى.

قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فما معنى الخبر الذي رووه: أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله؟

فقال عليه السلام: يا أبا الصلت، من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه (صلوات الله عليهم)، هم الذين بهم يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفة، وقال الله عزّوجلّ:( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ) (٥) ، وقال عز

______________

(١) النساء ٤: ١٥٨.

(٢) التوحيد:١٧٦/٨، علل الشرائع: ١٣٢/١، بحار الانوار١٨: ٣٤٨/٦٠، والآية من سورة فاطر ٣٥: ١٠.

(٣) النساء ٤: ٨٠.

(٤) الفتح ٤٨: ١٠.

(٥) الرحمن ٥٥: ٢٦، ٢٧.

٥٤٥

وجل:( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) (١) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة.

وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أبغض أهل بيتي وعترتي، لم يرني ولم أره يوم القيامة. وقال عليه السلام: إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني.

يا أبا الصلت، إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان، ولا يدرك الابصار والاوهام.

قال: فقلت له يا بن رسول الله، فأخبرني عن الجنة والنار، أهما اليوم مخلوقتان؟ فقال: نعم، وإن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء.

قال: فقلت له: فإن قوما يقولون إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقين؟

فقال عليه السلام: ما أولئك منا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكذبنا، وليس من ولايتنا على شئ، وخلد في نار جهنم، قال الله عزّوجلّ:( هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ، يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) (٢) ، وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل عليه السلام فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الارض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة(٣) .

٧٢٩/٨ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي عبدالله

______________

(١) القصص ٢٨: ٨٨.

(٢) الرحمن ٥٥: ٤٣، ٤٤.

(٣) التوحيد: ١١٧/٢١، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١١٥/٣، الاحتجاج: ٤٠٨، بحار الانوار ٤: ٣/٤، و: ٣١/٦.

٥٤٦

الصادق عليه السلام، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله، إني راغب في الجهاد نشيط. قال: فجاهد في سبيل الله، فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق، وإن مت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب كما ولدت.

فقال: يا رسول الله، إن لي والدين كبيرين، يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أقم مع والديك، فو الذي نفسي بيده لانسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة(١) .

٧٣٠/٩ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، قال: حدّثنا أبوالقاسم الكوفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، قال: قلت لابي جعفر الباقر عليه السلام: هل يجزي الولد والده؟ فقال: ليس له جزاء إلا في خصلتين: أن يكون الوالد مملوكا فيشتريه فيعتقه، أو يكون عليه دين فيقضيه عنه(٢) .

٧٣١/١٠ - حدّثنا أبوعلي أحمد بن زياد الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن أسباط، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن أبي صفية، قال: نظر سيد العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام إلى عبيد الله بن العباس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فاستعبر، ثم قال: ما من يوم أشد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من يوم أحد، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤته قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب.

ثم قال عليه السلام: ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل، يزعمون أنهم من هذه الامة كل يتقرب إلى الله عزّوجلّ بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا.

______________

(١) بحار الانوار ٧٤: ٦٦/٣٤.

(٢) بحار الانوار ٧٤: ٦٦/٣٥.

٥٤٧

ثم قال عليه السلام: رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله عزّوجلّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

______________

(١) الخصال: ٦٨/١٠١ من قوله: رحم الله العباس، بحار الانوار ٤٤: ٢٩٨/٤.

٥٤٨

[ ٧١ ]

المجلس الحادي والسبعون

مجلس يوم الجمعة

غرة جمادي الآخرة سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٧٣٢/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، قال: حدّثنا أبونعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبي ذر الغفاري (رحمة الله عليه)، قال: كنت آخذا بيد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونحن نتماشي جميعا، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت، فقلت: يا رسول الله، أين تغيب؟

قال: في السماء، ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة، فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يا رب، من أين تأمرني أن أطلع، أمن مغربي أم من مطلعي، فذلك قوله عزّوجلّ:( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (١) يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه بخلقه.

______________

(١) يس ٣٦: ٣٨.

٥٤٩

قال: فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار، في طوله في الصيف، أو قصره في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع. قال: فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها.

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال، ثم لا تكسى ضوءا، وتؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عزّوجلّ:( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ) (١) والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في افق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة، ويسجد، تحت العرش، وجبرئيل يأتيه بالحلة من نور الكرسي، فذلك قوله عزّوجلّ:( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) (٢) . قال: أبوذر (رحمة الله عليه): ثم اعتزلت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فصلينا المغرب(٣) .

٧٣٣/٢ - حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن عيسى بن محمّد، عن عليّ بن مهزيار، عن عبدالله بن عمر، عن عبدالله بن حماد، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد، جاوزه فدخل في الظلمات، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملك: يا ذا القرنين، أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين: من أنت؟ قال: أنا ملك من ملائكة الرحمن، موكل بهذا الجبل، فليس من جبل خلقه الله عزّوجلّ إلا وله عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد الله عزّوجلّ أن يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها(٤) .

٧٣٤/٣ - وبهذا الاسناد، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إن الصاعقة لا تصيب ذاكرا لله عزّوجلّ(٥) .

______________

(١) التكوير ٨١: ١، ٢.

(٢) يونس ١٠: ٥.

(٣) التوحيد: ٢٨٠/٧، بحار الانوار ٥٨: ١٤٤/٣.

(٤) تفسير العياشي ٢: ٣٥٠/٨٢، بحار الانوار ١٢: ١٨٠/٨.

(٥) بحار الانوار ٩١: ١٤٧/٤.

٥٥٠

٧٣٥/٤ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكري، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا البصري، قال: حدّثنا محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، قال: إن الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام القيامة وافزعوا إلى مساجدكم(١) .

٧٣٦/٥ - حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، عن عليّ بن معبد، عن عليّ بن سليمان النوفلي، عن فطر ابن خليفة، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: لما نزلت هذه الآية( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) (٢) صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه. فقالوا: يا سيدنا، لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا. قال: لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها. فقال الوسواس الخناس: أنا لها. قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة(٣) .

٧٣٧/٦ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: أخبرني محمّد بن يحيى الخزاز، قال: حدثني موسى بن إسماعيل، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: إن يهوديا كان له على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك. قال: فإني لا افارقك - يا محمّد - حتى تقضيني. فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: إذن أجلس معك. فجلس صلّى الله عليه وآله وسلّم معه حتى

______________

(١) بحار الانوار ٩١: ١٤٧/٤.

(٢) آل عمران ٣: ١٣٥.

(٣) بحار الانوار ٦٣: ١٩٧/٦.

٥٥١

صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة.

وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك! فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: لم يبعثني ربي عزّوجلّ بأن أظلم معاهدا ولا غيره.

فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّد عبده ورسوله، وشطر ما لي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لانظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمّد بن عبدالله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب، ولا متزين(١) بالفحش ولا قول الخنا(٢) ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال(٣) .

٧٣٨/٧ - ثم قال علي عليه السلام: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عباءة، وكانت مرفقته أدم، حشوها ليف، فثنيت له ذات ليلة، فلما أصبح قال: لقد منعني الفراش الليلة الصلاة، فأمر صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يجعل بطاق واحد(٤) .

٧٣٩/٨ - وبهذا الاسناد، قال: قال علي عليه السلام: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل على ابنته فاطمة عليها السلام، وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها، فقطعتها ورمت بها، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنت مني، يا فاطمة. ثم جاء سائل فناولته القلادة، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اشتد غضب الله وغضبي على من أهرق دمي وآذاني في عترتي(٥) .

______________

(١) في نسخة: مترين، قال المجلسي رحمه الله: قوله عليه السلام: ولا متزين، في بعض النسخ بالزاي المعجمة، أي لم يجعل الفحش زينة كما يتخذه اللئام، وفي بعضها بالراء أي لا يدنس نفسه بذلك.

(٢) الخنا: الفحش في المنطق.

(٣) بحار الانوار ١٦: ٢١٦/٥.

(٤) بحار الانوار ١٦: ٢١٧/٥.

(٥) كشف الغمة: ١: ٤٧١، بحار الانوار ٤٣: ٢٢/١٥.

٥٥٢

٧٤٠/٩ - وبهذا الاسناد، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر، قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الاكبر؟ قال: جهاد النفس(١) ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه(٢) .

٧٤١/١٠ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: عاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سلمان الفارسي (رحمة الله عليه) في علته، فقال: يا سلمان، إن لك في علتك ثلاث خصال: أنت من الله عزّوجلّ بذكر، ودعاؤك فيه مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى انقضاء أجلك(٣) .

٧٤٢/١١ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عمر ابن سهل بن إسماعيل الدينوري، قال: حدّثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدّثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعي، قال: إن أميرالمؤمنين عليه السلام دخل مكة في بعض حوائجة، فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا صاحب البيت البيت بيتك، والضيف ضيفك، ولكل ضيف من ضيفه قرى(٤) ، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام لاصحابه: أما تسمعون كلام الاعرابي؟ قالوا. نعم فقال: الله أكرم من أن يرد ضيفه.

قال: فلما كان الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول يا عزيزا في عزك، فلا أعز منك في عزك، أعزني بعز عزك، في عز لا يعلم أحد كيف هو، أتوجه إليك، وأتوسل إليك، بحق محمّد وآل محمّد عليك، أعطني ما لا يعطيني أحد

______________

(١) الاختصاص: ٢٤٠.

(٢) معاني الاخبار: ١٦٠/١، بحار الانوار ٧٠: ٦٥/٧.

(٣) بحار الانوار ٨١: ١٨٥/٣٧.

(٤) القرى: ما يقدم إلى الضيف.

٥٥٣

غيرك، واصرف عني ما لا يصرفه أحد غيرك. قال: فقال أميرالمؤمنين عليه السلام لاصحابه: هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية، أخبرني به حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، سأله الجنة فأعطاه، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه.

قال: فلما كان الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول: يا من لا يحويه مكان، ولا يخلو منه مكان، بلا كيفية كان ارزق الاعرابي أربعة آلاف درهم، قال: فتقدم إليه أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: يا أعرابي، سألت ربك القرى فقراك، وسألته الجنة فأعطاك، وسألته أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم! قال الاعرابي: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب. قال الاعرابي: أنت والله بغيتي، وبك أنزلت حاجتي. قال: سل يا أعرابي. قال أريد ألف درهم للصداق، وألف درهم أقضى به ديني، وألف درهم أشتري به دارا، وألف درهم أتعيش منه. قال: أنصفت يا أعرابي، فإذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

فأقام الاعرابي بمكة اسبوعا، وخرج في طلب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونادى: من يدلني على دار أميرالمؤمنين علي عليه السلام؟ فقال الحسين بن عليّ عليهما السلام من بين الصبيان: أنا أدلك على دار أميرالمؤمنين، وأنا ابنه الحسين بن علي. فقال الاعرابي: من أبوك؟ قال: أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام. قال: من أمك؟ قال: فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين. قال: من جدك؟ قال: رسول الله محمّد بن عبدالله بن عبد المطلب. قال: من جدتك؟ قال: خديجة بنت خويلد. قال: من أخوك؟ قال: أبومحمّد الحسن بن علي. قال: قد أخذت الدنيا بطرفيها، امش إلى أميرالمؤمنين، وقل له إن الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب.

قال: فدخل الحسين بن عليّ عليهما السلام فقال: يا أبه، أعرابي بالباب، يزعم أنه صاحب الضمان بمكة. قال: فقال: يا فاصمة، عندك شئ يأكله الاعرابي؟ قالت: اللهم لا.

قال: فتلبس أميرالمؤمنين عليه السلام وخرج، وقال: ادعوا لي أبا عبدالله سلمان

٥٥٤

الفارسي. قال: فدخل إليه سلمان الفارسي (رحمة الله عليه)، فقال: يا أبا عبدالله، أعرض الحديقة التي غرسها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لي على التجار. قال: فدخل سلمان إلى السوق، وعرض الحديقة فباعها باثني عشر ألف درهم، وأحضر المال، وأحضر الاعرابي، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهما نفقة.

ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا، ومضى رجل من الانصار إلى فاطمة عليها السلام، فأخبرها بذلك، فقالت: آجرك الله في ممشاك. فجلس علي عليه السلام والدراهم مصبوبة بين يديه، حتى اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضة قبضة، وجعل يعطي رجلا رجلا، حتى لم يبق معه درهم واحد.

فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليهما السلام: يا بن عم، بعت الحائط الذي غرسه لك والدي؟ قال: نعم، بخير منه عاجلا وآجلا. قالت: فأين الثمن؟ قال: دفعته إلى أعين استحييت أن أذلها بذل المسألة قبل أن تسألني. قالت فاطمة: أنا جائعة، وابناي جائعان، ولا أشك إلا وأنك مثلنا في الجوع، لم يكن لنا منه درهم! وأخذت بطرف ثوب علي عليه السلام، فقال علي: يا فاطمة، خليني. فقالت: لا والله، أو يحكم بيني وبينك أبي. فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا محمّد السلام يقرئك السلام ويقول: اقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة: ليس لك أن تضربي على يديه ولا تلمزي بثوبه.

فلما أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منزل علي عليه السلام وجد فاطمة ملازمة لعلي عليه السلام، فقال لها: يا بنية، ما لك ملازمة لعلي؟ قالت: يا أبه، باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم ولم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما. فقال: يا بنية، إن جبرئيل يقرئني من ربي السلام، ويقول: أقرئ عليا من ربه السلام، وأمرني أن أقول لك: ليس لك أن تضربي على يديه. قالت فاطمة عليها السلام: فإني استغفر الله، ولا أعود أبدا.

قالت فاطمة عليها السلام: فخرج أبي عليه السلام في ناحية وزوجي علي في ناحية، فما لبث أن أتى أبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: يا فاطمة، أين

٥٥٥

ابن عمي؟ فقلت له: خرج. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هاك هذه الدراهم، فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعاما. فما لبث إلا يسيرا حتى جاء علي عليه السلام، فقال: رجع ابن عمي، فإني أجد رائحة طيبة؟ قالت نعم، وقد دفع إلى شيئا تبتاع لنا به طعاما. قال علي عليه السلام: هاتيه. فدفعت إليه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا، وهذا من رزق الله عزّوجلّ.

ثم قال: يا حسن، قم معي، فأتيا السوق، فإذا هما برجل واقف وهو يقول: من يقرض الملي الوفي؟ قال: يا بني، تعطيه(١) ؟ قال: إي والله يا أبه. فأعطاه علي عليه السلام الدراهم، فقال الحسن. يا أبتاه، أعطيه الدراهم كلها؟ قال: نعم يا بني، إن الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير. قال: فمضى علي عليه السلام باب رجل يستقرض منه شيئا، فلقيه أعرابي ومعه ناقة، فقال: يا علي، اشتر مني هذه الناقة. قال: ليس معي ثمنها. قال: فإني أنظرك به إلى القبض. قال: بكم، يا أعرابي؟ قال: بمائة درهم. قال علي عليه السلام خذها يا حسن، فأخذها.

فمضى علي عليه السلام، فلقيه أعرابي آخر، المثال واحد والثياب مختلفة، فقال: يا علي، تبيع الناقة؟ قال علي عليه السلام: وما تصنع بها؟ قال: أغزو عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك. قال: إن قبلتها فهي لك بلا ثمن. قال: معي ثمنها، وبالثمن أشتريها، فبكم أشتريتها؟ قال: بمائة درهم. قال الاعرابي: فلك سبعون ومائة درهم. قال علي عليه السلام: خذ السبعين والمائة وسلم الناقة، المائة للاعرابي الذي باعنا الناقة، والسبعون لنا نبتاع بها شيئا. فأخذ الحسن عليه السلام الدراهم، وسلم الناقة.

قال علي عليه السلام: فمضيت أطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لاعطيه ثمنها، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك ولا بعده على قارعة الطريق، فلما نظر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلي تبسم ضاحكا حتى بدت

______________

(١) في نسخة: نعطيه.

٥٥٦

نواجذه، قال علي عليه السلام: أضحك الله سنك وبشرك بيومك(١) . فقال: يا أبا الحسن، إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن؟ فقلت: إي والله، فداك أبي وأمي. فقال: يا أبا الحسن، الذي باعك الناقة جبرئيل، والذي اشتراها منك ميكائيل، والناقة من نوق الجنة، والدرهم من عند رب العالمين عزّوجلّ، فأنفقها في خير، ولا تخف إقتارا(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) قال المجلسي رحمه الله: قوله: وبشرك بيومك، أي يوم الشفاعة التي وعدها الله تعالى له.

(٢) بحار الانوار ٤: ٤٤/١.

٥٥٧

[ ٧٢ ]

المجلس الثاني والسبعون

مجلس يوم الثلاثاء

الخامس من جمادي الآخرة سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٧٤٣/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوأحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري، قال: حدّثنا محمّد بن سهل، قال: حدّثنا الخضر بن أبي فاطمة البلخي، قال: حدّثنا وهيب ابن نافع، قال: حدثني كادح، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، في قوله عزّوجلّ:( سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (١) ، قال: يا سين محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونحن آل ياسين(٢) .

٧٤٤/٢ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، قال: حدثني الحسين بن معاذ، قال: حدّثنا سليمان بن داود، قال: حدّثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبي مالك، في قوله عزّوجلّ:( سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (٣) ، قال:

______________

(١) الصافات ٣٧: ١٣٠.

(٢) معاني الاخبار: ١٢٢/٢، تأويل الآيات ٢: ٤٩٩/١٤، بحار الانوار ١٦: ٨٧/١١، و ٢٣: ١٦٨/٧.

(٣) الصافات ٣٧: ١٣٠.

٥٥٨

يا سين محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

٧٤٥/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله: قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ الاصبهاني، قال: أخبرني محمّد بن أبي عمر النهدي، قال: حدثني أبي، عن محمّد بن مروان، عن محمّد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله عزّوجلّ:( سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (٢) ، قال: على آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم(٣) .

٧٤٦/٤ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا مخول بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني، عن عمار بن أبي معاوية الدهني، عن عمرة بنت أفعى، قالت: سمعت أم سلمة (رضي الله عنها)، تقول: نزلت هذه الآية في بيتي( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٤) ، قالت: وفي البيت سبعة: رسول الله، وجبرئيل وميكائيل، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (صلوات الله عليهم)، قالت: وأنا على الباب، فقلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ قال: إنك من أزواج النبي، وما قال: إنك من أهل البيت(٥) .

٧٤٧/٥ - وبهذا الاسناد، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا إسماعيل ابن أبان الازدي، قال: حدّثنا عبدالله بن خراش الشيباني، عن العوام بن حوشب، عن التيمي، قال: دخلت على عائشة فحدثتنا أنها رأت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(٦) .

______________

(١) معاني الاخبار: ١٢٢/٣، بحار الانوار ٢٣: ١٦٩/٨.

(٢) الصافات ٣٧: ١٣٠.

(٣) معاني الاخبار: ١٢٢/٤، بحار الانوار ٢٣: ١٦٩/٩.

(٤) الاحزاب ٣٣: ٣٣.

(٥) الخصال: ٤٠٣/١١٣، بحار الانوار ٣٥: ٢٠٩/٩.

(٦) بحار الانوار ٣٥: ٢١٠ /.

٥٥٩

٧٤٨/٦ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعليّ بن محمّد البصري، عن جعفر بن سليمان، عن عبدالله بن الحكم، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن عليا وصيي وخليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي، من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني، ومن ناواهم فقد ناواني، ومن جفاهم فقد جفاني، ومن برهم فقد برني، وصل الله من وصلهم، وقطع من قطعهم، ونصر من نصرهم، وأعان من أعانهم، وخذل من خذلهم، اللهم من كان له من أنبيائك ورسلك ثقل وأهل بيت، فعلي وفاطمة والحسن والحسين أهل بيتي وثقلي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(١) .

٧٤٩/٧ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سره أن يجمع الله له الخير كله فليوال عليا بعدي، وليوال أولياءه، وليعاد أعداءه(٢) .

٧٥٠/٨ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا العباس بن الفضل، قال حدّثنا أبوزرعة، قال: حدّثنا عثمان بن محمّد بن أبي شيبة العبسي، قال: حدّثنا عبدالله بن نمير، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي سليمان زيد بن وهب، عن عبدالله ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولايتي وولاية أهل بيتي أمان من النار(٣) .

٧٥١/٩ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن جعفر بن محمّد الفزاري، عن عباد بن يعقوب، عن منصور بن أبي نويرة، عن أبي

______________

(١) بحار الانوار ٣٥: ٢١٠/١١.

(٢) بحار الانوار ٢٧: ٥٥/٩.

(٣) بحار الانوار ٢٧: ٨٨/٣٥.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780