الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 465710 / تحميل: 8989
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

وآله من مكة إلى المدينة ، وتوفي المطعم في أوائل الهجرة في مكة ، ولما بلغ رسول اللّه نبأ موته تذكّرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إحسانه وجوارَه ، وانشأ حَسّان بن ثابت شاعر الإسلام شعراً يمدحُه فيه تقديراً لخدمته.

وكان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتذكره كثيراً ، حتّى انه تذكره في واقعة « بدر » الّتي انهزمت فيها قريش وعادت منكسرة إلى مكة بعد أن خسرت كثيراً من رجالها واسر منها عدد كبير ، فتذكر مطعم بن عدي ثمة وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لو كان مطعم بن عَديّ حياً لو هبت له هؤلاء »(١) .

نقطة هامة :

إنَّ سفر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الطائف يكشف عن اصراره في اداء رسالته واستقامته وصبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ان تذكُّره لإحسان مطعم في المواقع المناسبة يقودنا إلى خصاله الحميدة وسجاياه. الفاضلة ، وخلقه العظيم.

ولكن الاهمَّ من هذا وذاك هو أننا نستطيع من خلال هذا تقييم خدمات أبي طالب القيمة ، ومعرفة اهميتها الكبرى عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بمقايستها مع ما فعله مطعم.

فان مطعم لم يفعل شيئاً إلاّ أن اجار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحماه يوماً أو بعض يوم.

بينما حدب أبو طالب على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودافع عنه وخدمه عمراً كاملا ، ولقى في سبيله من المحن والمتاعب ما لم يلق مطعم منها ولا شيئاً ضئيلا.

فاذا كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلن عن استعداده للافراج عن جميع الاسرى في « بدر » تقديراً لما قام به مطعم من اجارة بسيطة قصيرة ، فماذا

__________________

١ ـ المغازي للواقدي : ج ١ ، ص ١١٠ ثم قال الواقدي : وكانت لمطعم بن عدي عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجارة حين رجع من الطائف ، طبقات ابن سعد : ج ١ ، ص ٢١٠ و ٢١٢ ، البداية والنهاية : ج ٣ ، ص ١٣٧.

٥٦١

عساهُ أن يقوم به تجاه ما اسداه إليه عمُّه وحاميه وكافله الاكبر والأوحد أبو طالب من خدمات طوال اكثر من اربعين عاماً أنه يجب ان يكون لمثل هذا الشخص العظيم الّذي كفل صاحب الرسالة وقام بشؤونه مدّة أربعين عاماً بايامها وليالها ودافع عنه في السنوات العشر الاخيرة وهي جلُّ عمر الرسالة الإسلامية في الفترة المكية إلى درجة ان عرَّض راحته وسلامته بل حياته وحياة أبنائه لخطر الموت دفاعاً عن حياض الرسالة ، وحمايةً لصرح النبوة ، مقاماً عظيماً ومنزلة كبرى عند قائد البشرية ، ومعلم الإنسانية ، وهاديها العظيم.

كيف لا ؛ والفرق بين هذين الشخصين كبير ، والبون شاسع ، فمطعم رجل وثني مشركٌ ، بينما يعتبر أبو طالب واحداً من كبار الشخصيات الإسلامية العظيمة بلا جدال.

الدعوة في أسواق العرب :

كانت العرب تجتمع ـ في مواسم الحج ـ في نقاط مختلفة مثل : « عكاظ » و « المجنة » و « ذي المجاز » ، وكان الشعراء والخطباء العرب البارعُون يقفون في هذه المناطق على أماكن مرتفعة ويلهون فريقاً من الناس بما يلقونه عليهم من خطب وقصائد تدور في الأغلب حول الحرب والقتال ، والتفاخر ، والعشق.

وكان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شأن كل الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه يستغلّ هذه الفرصة ـ كغيرها ـ لا بلاغ رسالة ربه إلى الناس ، ولم يكن لاحد منعه أوالكيد به لحرمة القتال والجدال في الاشهر الحرم.

من هنا كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حلّ الموسم وقف على مكان مرتفع وخاطب الناس قائلا :

« قُولُوا لا إله إلاّ اللّهُ تُفلِحُوا وتملكوا بها العَرَب وتَذِلُّ لكُمُ لعَجمُ ، وَإذا آمَنتُم كُنتُم مُلُوكاً فِي الجَنَّة »(١) .

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ٢١٦.

٥٦٢

دعوة رؤساء القبائل في مواسم الحج :

وكان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلتقي في مواسم الحج في هذه النقاط برؤساء القبائل العربية واشرافها ، ويقف على منازلهم منزلا منزلا ، ويعرض دينه عليهم ، ويدعوهم إلى اللّه ويخبرهم أنه نبيُّ مرسل(١) .

وربما مشى خلفه عمُّه « أبو لهب » فاذا فرغ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله وما دعا به قال أبو لهب فوراً للناس : يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه.

وقد قدمت جماعة من بني عامر إلى مكّة فدعاهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الإسلام وعرض عليهم نفسه ، فقبلوا أن يعتنقوا الإسلام إلاّ أنهم اشترطوا عليه أن يكون إليهم خلافته من بعده إذ قالوا : أرأيتَ إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهركَ اللّهُ على مَن خالفَك أيكونُ لنا الأمرُ من بعدك؟

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الأمرُ إلى اللّهِ يَضَعه حيثُ يشاءُ ».

فرفضوا اعتناق الإسلام والإيمان باللّه ورسوله.

ثم لما عادوا إلى أوطانهم رَجَعُوا إلى شيخ لهم طاعن في السنّ لم يقدر أن يحجَّ معهم وكان ذا بصيرة وفهم فحدّثوه بما جرى بينهم وبين رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : جاءنا فتى من قريش من بني عبد المطلب يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه(٢) ونقوم معه.

فوضع الشيخ يديه على رأسه ووبَّخَهُم على رفضهم لدعوة الرسول وقال :

__________________

١ ـ قال ابن هشام : كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلاّ تصدّى له فدعاه إلى اللّه وعرض عليه ما عنده.

٢ ـ أي نحميه.

٥٦٣

يا بني عامر والّذي نفسُ فلان بيده ما تَقَوَّلَها اسماعيليٌ قط(١) ، وإنّها لحقٌ ، فاين رأيكم كان عنكم؟!(٢)

ان هذه القضية التاريخية تفيد ـ في ما تفيد ـ بان مسألة الخلافة والامامة بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر تنصيصي ، تعييني ، لا انتخابي ، أي ان تعيين الخليفة بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعود إلى اللّه ، ولا خيار للناس فيه ، وانما عليهم الطاعة والرضا.

__________________

١ ـ أي ما ادعى النبوة كاذباً احدٌ من بني اسماعيل.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٢٤ و ٤٢٥.

٥٦٤

٢٤

بيعة العقبة

كان ( وادي القرى ) في ما مضى من الزمن طريق التجارة من اليمن إلى الشام ، فكانت القوافل التجارية القادمة من اليمن تدخل وادياً طويلا يدعى بوادي القرى بعد العبور بالقرب من مكة ، وكانت المناطق الواقعة على طوال هذا الوادي مناطق خضراء ، ومن هذه المناطق مدينة قديمة كانت تدعى ب‍ : يثرب والّتي عرفت فيما بعد بمدينة الرسول.

وقد سكن في هذه المدينة منذ اوائل القرن الرابع الميلادي قبيلتا : « الاوس والخزرج » اللتان كانتا من مهاجري عرب اليمن ( من القحطانيين ).

وكان يعيش الى جانبهم الطوائف اليهودية الثلاث المعروفة : « بنو قريظة » و « بنو النضير » و « بنو قينقاع » الذين كانوا قد هاجروا اليها من شمال شبه الجزيرة العربية واستوطنوها.

وكان يقدم إلى مكة كل عام جماعة من عرب يثرب للاشتراك في مراسيم الحج ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلتقي بهم في تلك المواسم ، ويجري معهم اتصالات.

وقد مهدّت بعض هذه اللقاءات للهجرة ، وصارت سبباً لتمركز قوى الإسلام المتفرقة ، في تلك النقطة.

٥٦٥

على ان كثيراً من تلك الاتصالات وان لم تثمر ولم تنطو على أية فائدة فعلية إلاّ أنها تسببت في أن يحمل حجاج يثرب ـ لدى عودتهم ـ انباء ظهور النبيّ الجديد وينشروه في اوساط المدينة كأهم نبأ من انباء الساعة ، ويلفتوا نظر الناس في تلك الديار إلى مثل هذا الامر المهم والخطير.

ولهذا نقلنا هنا بعض اللقاءات والاتصالات الّتي تمت بين رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجماعات من اهل هذه المدينة في السنة الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة من البعثة للتتضح بدراسة هذه المطالب علة هجرة النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى يثرب ، وتمركز قوى المسلمين في تلك المنطقة.

١ ـ كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما سمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف تصدى له ، ودعاه إلى الإسلام وعرض عليه ما عنده.

وقد قدم مرة « سويد بن الصامت » فتصدى له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سمع به فدعاه إلى اللّه وإلى الإسلام فقال له سويد : فلعلّ الّذي معك مثل الّذي معي.

فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما الّذي معك.

قال : مجلة لقمان يعني حكمة لقمان.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعرضها عليَّ فعرضها عليه. فقال له : إن هذا الكلام حسن ، والّذي معي أفضل من هذا. قرآنٌ انزلهُ اللّهُ عليّ هو هدى ونور.

ثم تلا عليه رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام فقال سويد إنّ هذا قولٌ حسن وآمَنَ برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقدم المدينة على قومه ، فلم يلبث أن قتلته الخزرج فيما كان يتلفظ الشهادتين وكان قتله قبل يوم بعاث(١) (٢) .

__________________

١ ـ بعاث موضع كانت فيه حرب بين الأوس والخزرج.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٢٥ ـ ٤٢٧.

٥٦٦

٢ ـ قدم « انس بن رافع » مكّة ومعه فتيةٌ من بني عبد الاشهل فيهم « ياس بن معاذ » أيضاً ، يلتمسون الحلف والنصرة على قومهم من الخزرج ، فسمع بهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاهم وجلس اليهم وقال لهم : هل لكم في خير مما جئتم له؟

فقالوا له : وما ذاك؟

قال : « أنا رسول اللّه بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا اللّه ولا يشركوا به شيئاً وانزل عليّ الكتاب » ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.

فقال أياس بن معاذ وكان غلاماً حدثاً شهماً : أي قوم هذا واللّه خير مما جئتم له.

فقد أدركَ جيّداً أنَ دينَ التوحيد يكفُلُ كلَّ حاجاتهم فهو دينٌ شاملٌ مباركٌ لأنه سيصهِرُ الجميعَ في بوتقة الاُخوَّة الواحدةِ فتزول عندئذ أسبابُ العداء والقتال ، وبذلك ينهي كل مظاهرِ الحرب والتنازع ، وكلَّ مظاهر الفساد والتخريب فهو افضل من طلبِ المساعدة العسكرية من قريش الّتي جاؤوا من أجلها إلى مكة ، فآمن برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون ان يكسب رضا رئيس قبيلته « انس بن رافع » واستئذانه ، ولهذا غضب أنس وأخذ حفنة من تراب البطحاء وضرب بها وجهَ إياس وقال : دعنا منك فعمري لقد جئنا لغير هذا ، فصمَتَ اياس وقام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج ولم يلبث اياس ان هلك ، وقد سمعه قومٌ حضروا عند وفاته يهلّل اللّه تعالى ويكبّره ويحمده ويسبّحه حتّى مات ، فما كانوا يشكّون أنه قد مات مسلماً ، ولقد استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمع(١) .

وقعة بُعاث :

كانت وقعة بُعاث من الحروب التاريخية بين الأوس والخزرج ، ففي هذه

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٢٧ و ٤٢٨.

٥٦٧

الوقعة انتصر الأوسيون على منافسيهم ، وأحرقوا نخيل الخزرجيين ، ثم وقعت بعد ذلك حروب ومصالحات بينهم.

ولم يشترك « عبد اللّه بن اُبيّ » وهو من أشراف الخزرج في هذه الوقعة من هنا كان موضع احترام من القبيلتين ، وكاد الطرفان يفقدان مقاومتهما بسبب تكرر الحروب ، وتحمّل الخسائر الثقيلة ، ولهذا رغب الطرفان في عقد صلح بينهما يضع حدّاً لجميع أشكال العمليات العسكرية ، والغزو والاقتتال ، والثأر والانتقام ، واصرّت القبيلتان على « عبد اللّه بن اُبي » بان يقبل بقيادة عمليّة المصالحة هذه ، بل وأعدوا له تاجاً يتوّجونه به ، حتّى يصبح أميراً في وقت معيَّن ، ولكن هذا المشروع تعرض للانهيار والسقوط وواجه الفشل على أثر اعتناق جماعة من الخزرج الإسلام ، ففي هذا الوقت بالذات التقى رسول اللّه بمكة بستة اشخاص من رجال الخرزج ودعاهم إلى الإسلام فآمنوا به ، ولبُّوا دعوته.

تفصيل الحادث :

خرج رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الموسم الّذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الانصار وكانوا ستة انفار من الخزرج فقال لهم : أمِنْ موالي اليهود؟ وهل لكم حلف معهم.

قالوا : نعم.

قال : أفلا تجلسُون أكَلِّمُكُم؟

قالوا : بلى.

فجلسوا معه ، فدعاهم إلى اللّه عزّ وجلّ وعرضعليهم‌السلام وتلا عليهم القرآن ، فاحدثت كلمات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفوسهم أثراً عجيباً ، وممّا ساعد على ذلك أن يهوداً كانوا معهم في بلادهم ، وكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا هم أهلَ شرك وأصحاب أوثان ، وكان اليهود قد غزوهم في بلادهم ،

٥٦٨

فكانوا إذا وقع بينهم نزاع وكان بينهم شيء قال اليهود لهم : إن نبياً مبعوث الآن ، قد اظلّ ( أو أطلّ ) زِمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عد وإرَم ، فكانت اليهود تخبر بخروج نبيّ من العرب ينشُر التوحيد ، وتنتهي على يديه حكومة الوثنية والشرك ، وقد قرب ظهوره.

فلما كلَّمَ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اُولئك النفر ، ودعاهم إلى اللّه ، قال بعضهم لبعض يا قوم : تعلّموا واللّه إنه للنبيُّ الّذي توعدّكم به اليهود فلا تسبقنكم إليه.

فاجابوه فيما دعاهم إليه بان صدّقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم ، فعسى أن يجمعهم اللّهُ بكَ ، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ، ونعرض عليهم الّذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم اللّه عليه فلا رجل اعز منك(١) .

بيعة العقبة الاُولى :

لقد اثّرت دعوة هؤلاء السنة ، الجادة في يثرب تأثيراً حسناً حيث سبّبت في إسلام فريق من اهل يثرب واعتناقهم عقيدة التوحيد.

فلما كان العام المقبل ( أي السنة الثانية عشرة من البعثة ) قدم مكة اثنا عشر رجلا من اهل يثرب ، فلقوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعقبة ، وانعقدت هناك أوّل بيعة اسلامية.

وابرز هؤلاء الرجال هم : أسعد بن زرارة ، وعبادة بن الصامت ، وكان نص هذه البيعة ـ بعد الاعتراف ـ بالاسلام والايمان باللّه ورسوله هو :

بايعنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن لا نشرك باللّه شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وارجلنا ولا نعصيه في معروف.

__________________

١ ـ تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٨٦ ، والسيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٢٧ و ٤٢٨ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٢٥.

٥٦٩

فقال لهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن وفيتم فلكمُ الجنة ، وان غشّيتم من ذلك شيئاً فامركم إلى اللّه عزّوجل إن شاء عذَّبَ ، وان شاء غفر.

وهذه البيعة اصطلح على تسميتها المؤرخون وكتّابُ السيرة ببيعة النساء ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اخذ البيعة من النساء في فتح مكة على هذا النحو(١) .

وعاد هؤلاء النفر إلى يثرب بقلوب مفعمة بالايمان ، مترعة بمحبة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعمدوا إلى نشرالإسلام وكتبوا إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبعث لهم من يعلّمهم الإسلام والقرآنَ ، فبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم « مصعب بن عمير » وأمره بان يقرِّأهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقّههم في الدين ، فكان يسمى المقرئ بالمدينة.

واستطاع هذا المبلّغُ القديرُ ، وهذا الداعية النشيط ان يجمع المسلمين بفضل عمله الدؤوب والحكيم وتبليغه الصحيح في غياب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويؤمّهم ، ويصلي بهم(٢) .

بيعة العقبة الثانية :

لقد أحدث تقدم الإسلام في يثرب هيجاناً كبيراً وشوقاً عجيباً في نفوس المسلمين من أهلها ، فكانوا ينتظرون بفارغ الصبر حلول موسم الحجّ ، ليقدموا مكة ، ويلتقوا برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كثب ، ويُظهروا له عن استعدادهم لتقديم ما يطلبُ منهم من خدمة وعمل ، وليستطيعوا توسيع نطاق البيعة من حيث الكَمّ ومن حيث الكيف.

وأخيراً حلّ موسم الحجّ فخرجت قافلةٌ كبيرةٌ من أهل يثرب للحجّ تضمّ خمسمائة نفراً فيهم ثلاث وسبعون من المسلمين من بينهم امرأتان ، والباقي إما راغبون في الإسلام ، واما غير مكترث به ، حتّى قدموا مكّة ، والتقوا برسول اللّه

__________________

١ ـ والّتي جاء ذكرها في الآية ١٢ من سورة الممتحنة.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٣٤ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٢٥.

٥٧٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فواعدهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعقبة للبيعة إذ قال : « موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق ».

فلما كانت الليلة الثالثة عشرة من شهر ذي الحجة وهي الّتي واعدهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها باللقاء ، ونام الناس حضر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عمّه « العباس بن عبد المطلب » قبل الجميع ، وخرج المسلمون من رحالهم يتسلّلون تسلل القطا مستخفين بعد أن ناموا مع قومهم في رحالهم ، ومضى ثلث الليل لكيلا يحسّوا بخروجهم ، حتّى اجتمعوا في الشعب عند العقبة ، ولما استقرّ المجلس بالجميع ، كان أوّل متكلم هو : العباس بن عبد المطلب فقال واصفاً منزلة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر الخزرج ـ وكانت العرب تسمي هذا الحي من الانصار الخزرج خزرجها وأوسَها ـ إنَّ محمَّداً مِنّا حيث قد علمتم ، وقد مَنَعاهُ من قومنا ، فهو في عزّ من قومه ، ومَنعة في بلده ، وإنّه قد ابى إلاّ الإنحياز اليكم ، واللُحوق بكم ، فان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممّن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك ، وإن كنتم ترونَ أنكم مُسلِمُوهُ وخاذِلُوهُ بعدَ الخروج به إليكم ، فمن الآن فدعوهُ فانه في عزّ ومَنعة من قومه وبلده.

فقال الحضور : قد سمعنا ما قلتَ فتكلّم يا رسول اللّه ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببتَ.

فتكلمَ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتلا القرآن ودعا إلى اللّه ورغّب في الإسلام ثم قال : اُبايعُكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم.

فقام البراء بن معرور وأخذ بيد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : نعم والّذي بعثك بالحق نبياً لنمنعمنَّك مما نمنع منه اُزُرنا(١) فبايعنا يا رسول الّه فنحن واللّه

__________________

١ ـ الملاحظ في هذه البيعة انها كانت بيعة للدفاع عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس بيعة للجهاد في سبيل اللّه ، ولهذا فان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقدم على القتال في بدر إلا بعد ان كسب موافقة الانصار ورضاهم.

٥٧١

ابناء الحروب واهل الحلقة ( اي السلاح ) ورثناها كابراً عن كابر.

فدب في الحضور حماس وسرور عظيم وتعالت الاصوات والنداءات من الخزرجين والّتي كانت تعبيراً عن شدة حماسهم ، وسرورهم لهذا الأمر ، فقال العباس وهو آخذ بيد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي هذه الاثناء نهض « البراء بن معرور » و « ابو الهيثم بن التيهان » و « أسعد بن زرارة » من مواضعهم وبايعوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم بايعه بقية القوم جميعاً.

وقد قال ابن التيهان عند مبايعته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا رسول اللّه إن بيننا وبين الرجال ( اي اليهود ) حبالا ( وعلاقات ) وإنا قاطعوها ، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك اللّه ، أن ترجعَ إلى قومك وتدعَنا؟

فتبسَّم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « بل الدَم الدَم ، والهَدم الهَدم احارب من حاربتم واسالم من سالمتم » يعني أنه سيبقى على العهد ، ولا يتركهم وكانت العرب تقول عند عقد الحلف : دمي دمُك ، وهَدمي هَدمُك ، وهي كناية عن البقاء على العهد واحترام الميثاق والحِلف.

ثم ان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اخرجُوا إِليَّ منكم إثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم(١) .

فأخرَجوا منهم اثني عشر نقيباً فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاولئك النقباء : انتم على قومكم بما فيهم كُفَلاء ككفالة الحواريّين لعيسى بن مريم وأنا كفيلٌ على قومي ( يعني المسلمين ) فاُبايعُكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ».

فقالوا : نعم وبايعوه على ذلك.

وكان النقباء الذين اختيروا لذلك تسعةً من الخرزج وثلاثةً من الأوس وقد ضُبِطَت أسماؤهم وخصوصياتهم في التاريخ.

__________________

١ ـ المحبر : ص ٢٦٨ ـ ٢٧٤.

٥٧٢

وبعد أن تمّت مراسم البيعة وعدهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يهاجِرَ إليهم في الوقت المناسب ، ثم ارفض الجمع وعادَ القومُ إلى رجالهم(١) .

أوضاعُ المسلمين بعد بيعة العقبة :

والآن ينبغي أن نجيب بالتفصيل على السؤال الّذي يطرح نفسه هنا وهو : ما الّذي دعى أهل يثرب الذين كانوا بعيدين عن مركز ظهور الإسلام إلى أن يستجيبوا لنداء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويأخذوا بتعاليمه اسرع من المكيين مع ما كان بين المكيين وبين رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القرابة القريبة؟!

وكيف تركت تلك اللقاءاتُ المعدودةُ القصيرةُ بأهل يثرب آثاراً تفوق الآثار الّتي تركتها الدعوةُ المحمّدية خلال ثلاثة عشر عاماً في مكة؟!

إن علة هذا التقدم يمكن اختصارها وحصرها في أمرين :

أوّلا : أن اليثربيّين جاوروا اليهودَ سنيناً عديدة وطويلة قبل الإسلام وكثيراً ما كانوا يتحدّثون في مجالسهم وأنديتهم عن النبيّ العربيّ الّذي يظهر ، ويأتي بدين جديد.

حتّى أن اليهود كانوا يقولون : للوثنيين إنَّ هذا النبيّ سيقيم دينَ اليهود وينشره ، ويمحي الوثنية ويقضي عليها بالمرة.

فتركت هذه الكلماتُ أثراً عجيباً في نفوس أهل يثرب ، وهيّأت قلوبهم لقبول الدين الّذي كان يخبر عنه يهودُ وينتظرونه ، بحيث عند ما التقى الانفار الستة من اهل المدينة إلى الايمان برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأوّل مرّة ، بادروا إلى

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٢٥ و ٢٦ ، السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٤١ ـ ٤٥٠ ، الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ٢٢١ ـ ٢٢٣.

وفي رواية اُخرى في البحار : ج ١٩ ، ص ٤٧ ، كما اخذ موسى من بني اسرائيل اثني عشر نقيباً وقد كان هذا العمل النبوي حكيماً جداً لان عامة الناس لا يمكن التعويل والاتكال على التزاماتهم بل لابد من الاعتماد ـ ضمناً ـ على رموز المجتمع ومفاتيحه وهم وجوده القوم وسراتهم.

٥٧٣

الايمان به من غير إبطال ولا تأخير بعد أن قال بعضهم لبعض : واللّه إنَّه للنبيّ الّذي توعَّدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه.

ومن هنا فان مما يأخذه القرآن على اليهود هو : أنكم كنتم تهددون الوثنيين بالنبيّ العربيّ ، وتبشرون الناس بانه سيظهر ، وانهم قرأوا أوصافه وعلائمه في التوراة فلماذا رفضوا الإيمان به لمّا جاءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول تعالى : «وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الّذيْنَ كَفَرُوا ، فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ، فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلى الكافِرين »(١) .

ثانياً : إنّ العامل الأخير الّذي يمكن اعتبارهُ دخيلا في التأثير في نفوس اليثربيين وسرعة إقبالهم على الإسلام وتقبّلهم لدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو التعب والارهاق الّذي كان اهل يثرب قد اُصيبوا به من جرّاء الحروب الطويلة الدامية فيما بينهم والّتي استمرّت مائة وعشرين عاماً والّتي انهكتهم وكادت أن تذهب بما تبقّى من رَمقهم ، وجعلتهم يملون الحياة ، ويفقدون كلّ أمَل في تحسّن الأحوال والاوضاع.

وإن مطالعة وقعة « بُعاث » وهي ـ حرب وقعت بين الأوس والخزرج ـ وحدها كفيلة بأن تجسد لنا الوجهَ الواقعي الّذي كان عليه سكان تلك الديار.

ففي هذه الوقعة انهزم الاوسيّون على يد الخزرجيين ، فهربوا إلى « نجد » ، فعيّرهم الخزرجيّون بذلك ، فَغضب « الحضير » سيد الأوس ، لذلك غضباً شديداً ، فطعن فخذه برمحه لشدة انزعاجه وغضبه ، وترجّل عن فرسه وصاح بقومه قائلا : واللّه لا أقوم من مكاني هذا حتّى اُقتل!! فأوقد صمود « الحضير » وثباته نار الحمية والغيرة واشعل روح الشهامة والبسالة في قومه ، فقرروا الدفاع عن حقهم مهما كلفهم الامر ، فقاتلوا أعداءهم مستميتين ، والمستميت منتصر لا محالة ، فانتصر

__________________

١ ـ البقرة : ٨٩.

٥٧٤

الأوسويون المغلوبون ، هذه المرة ، وهزموا الخزرج هزيمة نكراء واحرقت مزارعهم ونزل بهم ما نزل على يد الاوسيين!!(١) .

ثم تتابعت الحروب والمصالحات بعد ذلك ، وكانت القبيلتان تتحملان في كل مرة خسائر كبرى ، جعلتهم يواجهون عشرات المشاكل الّتي حوّلت حياتهم إلى حياة مضنية متعبة جداً.

من هنا لم تكن كلتا القبيلتين راضيتين على أوضاعهما ، وكانتا تبحثان عن مخلص مما هما فيه ، من الحالة السيئة ، وتفتشان عن نافذة أمل ، ومخرج من تلك المشاكل.

ولهذا وجد الخزرجيون الستة ضالّتهم المنشودة عندما التقوا ـ ولاول مرّة ـ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعوا منه ما سمعوا ، فتمنّوا أن يضعوا به حداً لاوضاعهم المتردية إذ قالوا له : عسى أن يجمعهم اللّه بك فان جمعهم اللّه بك فلا رَجلَ أعزّ منك.

كانت هذه هي بعض الأسباب الّتي دعت اليثربيين إلى تقبّل الإسلام بشوق ورغبة وحماس.

ردود فعل قريش تجاه بيعة العقبة :

كانت قريش تغطّ في نوم عميق وكانت تتصور بانها قد حدّت من تقدم الإسلام في مكة وانه قد بدأ يتقهقر ويسير باتجاه السقوط والاندحار ، وأنه لن ينقضي زمانٌ إلاّ وتنطفئ جذوة الإسلام وتخمد شعلته ، وتنمحي آثاره.

وفجأة استيقظت على دويّ بيعة العقبة الثانية الّتي كانت بمثابة انفجار قلبت كل المعادلات ، وأسقطت كل تصورات قريش الساذجة ، وذلك عند ما عرف زعماء الوثنيين بأن ثلاثاً وسبعين شخصاً من اليثربيين عقدوا ليلة أمس وتحت جنح الظلام بيعة مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن يدافعوا عنه كما

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ج ١ ، ص ٤١٧ و ٤١٨.

٥٧٥

يدافعون عن أبنائهم وأهليهم.

فأحدث هذا النبأ خوفاً عجيباً في قلوب قادة قريش وسادة مكة المشركين المتغطرسين ، لانهم اخذوا يقولون مع أنفسهم : لقد وجد المسلمون الآن قاعدة قوية في قلب الجزيرة العربية ، وانه يُخشى أن يجمع المسلمون كل طاقاتهم المبعثرة فيها. ويعملون معاً على نشر دينهم ، وبث عقيدتهم ، وحينئذ ، وحينئذ ستواجه الوثنية في مكة خطراً جدياً ، يهدّدُها في الصميم.

ولهذا بادرت قريش إلى الاتصال بالخزرجيين صبيحة تلك الليلة وقالوا لهم : يا معشر الخزرج انه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، إنه واللّه ما من حيّ من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحربُ بينا وبينهم ، منكم.

فحلفَ المشركون من أهل يثرب لقريش أنه ما كان من هذا شيء ، وما علموه ، وقد صدقوا لأنهم لم يعلموا بما جرى في العقبة. فان قافلة اليثربيين كانت تضمُّ خمسمائة شخص ، تسلَّلَ منهم ثلاث وسبعون فقط إلى العقبة وبقية الناس نيام لا يعلمون بشيء.

فأتت قريشٌ إلى « عبد اللّه بن اُبيّ بن سلول » فسألوه عَمّا جرى في ليلة العقبة ، فأنكر ذلك وقال : إنّ هذا الأمر جسيم ، ما كان قومي ليتفوتوا عليّ بمثل هذا ( اي يعملوه من دون مشورتي ) وما علمته كان ، فنهض رجال قريش من عنده ليتابعوا تحقيقهم حول الحادث.

فعرف المسلمون الذين حضروا ذلك المجلس وبايعوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفشوّ أمرهم ، وانكشاف سرهم ، ولهذا قال بعضهم لبعض : مادمنا لم نُعرَف بعدُ فلنخرج من مكة فوراً قبل ان يظفر المشركون بنا ، ولهذا أسرعوا في الخروج من مكة والتوجّه إلى المدينة ، فزاد ذلك من سوء ظن قريش وعزّزت شكوكهم حولَ البيعة ، وعرفوا بانه قد كان ، فخرجوا في طلب جميع اليثربيين ، ولكنهم لم يتنبهوا لذلك إلاّ بعد خروج قافلة اليثربيين من حدود مكة ، والمكيين ، ولم تظفر قريش إلاّ بسعد بن عبادة.

٥٧٦

غير أن ابن هشام يرى بأنهم ظفروا بنفرين هما : « سعد بن عبادة » و « المنذر بن عمر » ، وكان كلاهما من النقباء الاثني عشر.

وأما « المنذر » فاستطاع أن يخلّص نفسه منهم.

وأما « سعد » فقد أخذوه ، وربطوا يديه إلى عنقه بنسع رَحله ، ثم أقبلوا به حتّى أدخلوه مكة يضربونه ، ويجذبونه بجمّته(١) وكان ذا شعر كثير.

يقول سعد :

فواللّه إنّي لفي أيديهم إذ طلع عليّ نفرٌ من قريش فيهم رجلٌ وضيء أبيض ، طويل القامة ، فقلت في نفسي : إن يكُ عندَ أحد من القوم خير فعند هذا.

قال : فلما دنى منّي رفع يده فلكمني لكمةً شديدةً.

فقلتُ في نفسي : لا واللّه ، ما عندهم بعد هذا من خير.

قال : فواللّه إنّي لفي أيديهم يسحبونني إذ رقّ عليَّ رجلٌ كان معهم : فقال : ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوارٌ ولا عهدٌ؟

قلت : بلى كنتُ اُجير لجير بن مُطعِم بن عدي تجارةً ، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي.

فذهب ذلك الرجلُ إلى مُطعِم وأخبره بما فيه سعد بن عبادة من الحال ، وأنه أخبره بأنه كان يجير لمطعم تجارة فقال مُطعِم : صدق واللّه إنه كان ليجير لنا تجارة ، ويمنعهم أن يُظلموا ببلدة ثم أسرع إلى سعد وخلّصه من أيديهم.

وكان رفقاء سعد من المسلمين قد علموا بوقوعه في أيدي قريش في أثناء الطريق إلى المدينة ، فعزموا على أن يعودوا إلى مكة ويخلّصوه من أيدي المشركين ، وبينما هم كذلك إذ بدى لهم « سعد » من بعيد ، وأخبرهم بما جرى عليه(٢) .

تأثير الإسلام ونفوذه المعنوي :

يصرُ المستشرقون على أن انتشار الإسلام ونفوذه في المجتمعات ثمّ بواسطة

__________________

١ ـ مجتمع شعر الرأس.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٤٩ و ٤٥٠.

٥٧٧

السيف وفي ظلّ استخدام القوّة.

اما بطلان هذا الكلام فسيثبت من خلال الحوادث القادمة.

ونحن نذكر هنا للمثال حادثةً وقعت قبل الهجرة ، ونلفت اليها نظر القارئ الكريم ، فان دراستها والتعمق فيها يثبت بجلاء ان انتشار الإسلام ونفوذه في أوساط الناس كان في بداية الأمر نابعاً من جاذبيته الّتي كانت تجذب كل انسان بمجرد اعطاء شرح مختصر عنه وعن تعاليمه المحببة إليه.

واليك الحادثة بنصها :

قرر مصعب بن عُمير المبلّغ والداعية الاسلامي المعروف الّذي بعثه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة بطلب من اسعد بن زرارة ، ذات يوم أن يدعو هو واسعد أشراف المدينة وساداتها إلى الإسلام بالمنطق والدليل فدخلا حائطاً(١) من حوائط المدينة فجلسا هناك واجتمع اليهما رجال ممن اسلم ، وكان سعد بن معاذ واسيد بن حضيرو هما من سادات بني الاشهل موجودين هناك أيضاً.

فقال سعد لا سيد : جرّد حربتك وقل لهذين ( يعني مصعبا واسعد ) ماذا جاء بهما إلى ديارنا يسفهان ضعفاءنا ، ولو لا أن سعد بن زرارة ابن خالتي ، لكفيتُك ذلك.

ففعل اُسيد ذلك وقال لمصعب ما جاء بكما الينا تسفّهان ضعفاءنا وراح يشتمهما فقال له مصعب داعية الإسلام الحكيم ، والمتكلم البليغ الّذي تعلّم اسلوب الدعوة المؤثر من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أو تجلس فتسمع ، فان رضيت أمراً قبلته ، وان كرهته كفَّ عنك ما تكره؟

قال : أنصفتَ ثم ركّزَ حربته وجلس إليهما يستمع لقولهما فكلّمه مصعبٌ بالاسلام ، وقرأ عليه شيئاً من القرآن فأثّرت آياتُ القرآن وما قاله مصعب من المواعظ البليغة في نفسه حتّى عُرِفَ ذلك في إشراق وجهه ، وانفراج اساريره ، وشوقه فقال : ما احسن هذا الكلام واجمله؟! كيف تصنعون إذا اردتم أن تدخلُوا

__________________

١ ـ بستاناً.

٥٧٨

في هذا الدين؟ فقال مصعب وسعد له : تغتسل فتطهر وتغسل ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي.

فقام اسيد بن حضير الّذي حضر لقتل مصعب وسعد من عندهما مبتهجاً مسروراً فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهّد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين.

ثم قال لهما : ان ورائي رجلا إن اَتبعَكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وساُرسله إليكما الآن ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد بن معاذ الّذي كان ينتظر عودته على احر من الجمر فلما نظرإليه سعد وقومه وهم جالسون في ناديهم قال : أحلفُ باللّه لقد جاءكم اسيد بن حضير بغير الوجه الّذي ذهب من عندكم فلما وقف على النادي قال له سعد ما فعلت؟

قال : كلّمت الرجلين ، فواللّهِ ما رأيت بهما بأساً ، وقد نهيتُهما ، فقالا : نفعل ما احببتَ ، فغضب سعدٌ لذلك غضباً شديداً ، وأخذ الحربة من اسيد ، ثم خرج إلى مصعب واسعد ليقتلهما ، فلما رآهما سعد مطمئنين وقف عليهما متشتماً مهدداً اياهما ، ولكن مصعباً وزميله قابلا به بمثل ما قابلايه سابقه اسيد ، وجرى له ما جرى له ، فقد فعلت كلمات مصعب في نفسه فعلتها ، وخضع لمنطقه القوي ، وبيانه الساحِر ، وندم على ما قصد فعله ، وقال لمصعب نفس ما قاله اسيد واعتنق الإسلام واغتسل وتطهر وصلى ثم رجع إلى قومه وقال لهم : يا بني عبد الاشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا : سيدنا وافضلنا راياً وايمننا نقيبةً.

قال : فان كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرامٌ حتّى تؤمنوا باللّه وبرسوله فالحمد للّه الّذي اكرمنا بذلك.

فلم يُمسِ في دار بني عبد الاشهل رجلٌ ولا إمرأة إلاّ مسلماً أو مسلمة ، وهكذا أسلم كلُّ قبيلة بني الأشهل قبل أن يروا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصبحوا من الدعاة إلى الإسلام والمدافعين عن عقيدة التوحيد ، لا بمنطق القوة انما بقوة المنطق(١) .

__________________

١ ـ إعلام الورى : ص ٥٩ ، بحار الانوار : ج ١٩ ، ص ١٠ و ١١ ، السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٤٣٦ و ٤٣٧.

٥٧٩

ان في التاريخ الاسلامي نماذجَ كثيرة من هذا القبيل تدل على بطلان وتفاهة ما قاله أو روّجه المستشرقون حول أسباب تقدّم الإسلام وانتشاره ، فان العامل المعتمدَ في جميع هذه الموارد لم يكن المال والتطميع ، ولا السلاح والتهديد ، كما ادعى المستشرقون ، وان الذين اسلموا في هذه الحوادث والوقائع لاهم رأوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أنهم التقوا أو اتصلوا به بنحو من الانحاء ، انما كان السبب الوحيد هو : منطق الداعية الاسلامي القويّ وبيانه الساحر الجذاب ، فهُو الّذي كان يفعل في النفوس فعله العجيب ، خلال دقائق معدودة ، لا في نفس شخص واحد فحسب ، بل ربما في نفوس قبيلة بكاملها.

اجل انه المنطقُ القوي والكلام المبرهن والحجة البالغة لاسواها.

مخاوف قريش المتزايدة :

لقد ايقظت حماية اليثربين للمسلمين قريشاً من غفلتها ونومها العميق مرة اُخرى ، وكانت بيعة العقبة الثانية بمثابة ناقوس خطر لها فبدأت أذاها وإظطهادها ومضايقتها لهم من جديد ، وتهيأت للعمل على الحيلولة دون انتشار الإسلام ونفوذه وتقدمه في الجزيرة العربية ، وبلغ ذلك الاذى مبلغاً عظيماً.

فشكى أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه ما يلقونه على أيدي المشركين من ضغوط واذى ، واستأذنوه في الهجرة إلى مكان فاستمهلهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال :

« لقد اُخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب فمن اراد الخروج فليخرج إليها »(١) .

وبعد الاذن بالهجرة من قِبَل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ المسلمون يخرجون من مكة ، ويتوجهون إلى المدينة شيئاً فشيئاً وبحجج مختلفة لكي لا تمنعهم قريش من الهجرة.

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ٢٢٦.

٥٨٠

عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثنا جعفر بن سلمة الاهوازي، قال: حدّثنا إبراهيم ابن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا همام، قال حدّثنا عليّ بن جميل الرقي، قال: حدّثنا ليث، عن مجاهد، عن عبدالله بن عباس، قال: كنا جلوسا في محفل(١) من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فينا، فرأينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد أشار بطرفه إلى السماء، فنظرنا فرأينا سحابة قد أقبلت فقال لها: أقبلي، فأقبلت، ثم قال لها: أقبلي، فأقبلت، ثم قال لها: أقبلي، فأقبلت، فرأينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد قام قائما على قدميه، فأدخل يديه في السحاب حتى استبان لنا بياض إبطي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فاستخرج من ذلك السحاب جامة(٢) بيضاء مملوءة رطبا، فأكل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، من الجام، وسبح الجام في كف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فناوله عليّ بن أبي طالب، فأكل علي عليه السلام من الجام، فسبح الجام في كف علي عليه السلام.

فقال رجل: يا رسول الله، أكلت من الجام، وناولته عليّ بن أبي طالب! فأنطق الله عزّوجلّ الجام، وهو يقول: لا إله إلا الله، خالق الظلمات والنور، اعلموا معاشر الناس أني هدية الصادق إلى نبيه الناطق، ولا يأكل مني إلا نبي أو وصي نبي(٣) .

٨٠١/١٤ - حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن زكريا بن محمّد المؤمن، عن المشمعل الاسدي، قال: خرجت ذات سنة حاجا، فانصرفت إلى أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، فقال: من أين بك يا مشمعل؟ فقلت: جعلت فداك، كنت حاجا.

______________

(١) المحفل: المجلس، ومكان الاجتماع.

(٢) الجام: إناء للطعام أو الشراب.

(٣) بحار الانوار ٣٩: ١٢٣/٧.

٥٨١

فقال: أو تدري ما للحاج من الثواب؟ فقلت: ما أدري حتى تعلمني.

فقال: إن العبد إذا طاف بهذا البيت أسبوعا، وصلى ركعتيه، وسعى بين الصفا والمروة، كتب الله له ستة آلاف حسنة، وحط عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وقضى له ستة آلاف حاجة للدنيا كذا، وادخر له للآخرة كذا.

فقلت له: جعلت فداك، إن هذا لكثير! قال: أفلا أخبرك بما هو أكثر من ذلك؟ قال قلت: بلى. فقال عليه السلام: لقضاء حاجة أمرئ مؤمن أفضل من حجة وحجة وحجة، حتى عد عشر حجج(١) .

٨٠٢/١٥ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين ابن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: المؤمن خلط علمه بالحلم، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم، وينطق ليفهم، لا يحدث أمانته الاصدقاء، ولا يكتم شهادته الاعداء، ولا يفعل شيئا من الحق رياء، ولا يتركه حياء، إن زكي خاف ما يقولون، ويستغفر الله مما لا يعلمون، لا يغره قول من جهله، ويخشى إحصاء من قد علمه.

والمنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، إذا قام في الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، وإذا جلس شغر(٢) ، يمسي وهمه الطعام وهو مفطر، ويصبح وهمه النوم ولم يسهر، إن حدثك كذبك، وإن وعدك أخلفك، وإن ائتمنته خانك، وإن خالفته اغتابك(٣) .

٨٠٣/١٦ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه

______________

(١) بحار الانوار ٧٤: ٢٨٤/٤.

(٢) يقال: شغر الكلب، إذا رفع رجليه.

(٣) بحار الانوار ٦٧: ٢٩١/١٤.

٥٨٢

محمّد بن خالد، قال: حدّثنا سهل بن المرزبان الفارسي، قال: حدّثنا محمّد بن منصور، عن عبدالله بن جعفر، عن محمّد بن الفيض بن المختار، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات يوم وهو راكب، وخرج علي عليه السلام وهو يمشي، فقال له: يا أبا الحسن، إما أن تركب، وإما أن تنصرف، فإن الله عزّوجلّ أمرني أن تركب إذا ركبت، وتمشي إذا مشيت، وتجلس إذا جلست، إلا أن يكون حد من حدود الله لا بد لك من القيام والقعود فيه، وما أكرمني الله بكرامة إلا وقد أكرمك بمثلها، وخصني بالنبوة والرسالة، وجعلك وليي في ذلك، تقوم في حدوده وفي صعب أموره، والذي بعث محمّدا بالحق نبيا ما آمن بي من أنكرك، ولا أقر بي من جحدك، ولا آمن بالله من كفر بك، وإن فضلك لمن فضلي، وإن فضلي لك لفضل الله، وهو قول ربي عزّوجلّ:( قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) (١) ففضل الله نبوة نبيكم، ورحمته ولاية عليّ بن أبي طالب،( فَبِذَٰلِكَ ) قال: بالنبوة والولاية( فَلْيَفْرَحُوا ) يعني الشيعة( هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) يعني مخالفيهم من الاهل والمال والولد في دار الدنيا.

والله - يا علي - ما خلقت إلا ليعبد(٢) ربك، ولتعرف بك معالم الدين، ويصلح بك دراس السبيل، ولقد ضل من ضل عنك، ولن يهتدي إلى الله عزّوجلّ من لم يهتد إليك وإلى ولايتك، وهو قول ربي عزّوجلّ:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) (٣) يعني إلى ولايتك.

ولقد أمرني ربي تبارك وتعالى أن افترض من حقك ما افترضه من حقي، وإن حقك لمفروض على من آمن بي، ولولاك لم يعرف حزب الله، وبك يعرف عدو الله،

______________

(١) يونس ١٠: ٥٨.

(٢) في نسخة: لتعبد.

(٣) طه ٢٠: ٨٢.

٥٨٣

ومن لم يلقه بولايتك لم يلقه بشئ، ولقد أنزل الله عزّوجلّ إلي( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) يعني في ولايتك يا علي( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (١) ولو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي، ومن لقي الله عزّوجلّ بغير ولايتك فقد حبط عمله، وعد ينجز لي، وما أقول إلا قول ربي تبارك وتعالى، وإن الذي أقول لمن الله عزّوجلّ أنزله فيك(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله المعصومين

______________

(١) المائدة ٥: ٦٧.

(٢) بحار الانوار ٣٨: ١٠٥/٣٣.

٥٨٤

[ ٧٥ ]

المجلس الخامس والسبعون

مجلس يوم الجمعة

النصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٨٠٤/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: مر عيسى بن مريم عليه السلام على قوم يبكون، فقال: على ما يبكي هؤلاء؟ فقيل: يبكون على ذنوبهم. قال: فليدعوها يغفر لهم(١) .

٨٠٥/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن عليّ الخزاز، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين: يا بني إسرائيل، لا تأسوا على ما فاتكم من دنياكم، إذا سلم دينكم، كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا سلمت دنياهم(٢) .

٨٠٦/٣ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن

______________

(١) ثواب الاعمال: ١٣٤، بحار الانوار ٦: ٢٠/٧.

(٢) بحار الانوار ٧٢: ٣٢٧/٨.

٥٨٥

الحسين السعد آبادي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن واصل بن سليمان، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه عليهما السلام، قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك بين يدي الناس: قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم(١) .

٨٠٧/٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد ابن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن خلف(٢) بن حماد الاسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن الاعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال: سئل جابر بن عبدالله الانصاري عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فقال: ذاك خير خلق الله من الاولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، إن الله عزّوجلّ لم يخلق خلقا بعد النبيين والمرسلين أكرم عليه من عليّ بن أبي طالب عليه السلام والائمة من ولده بعده.

قلت: فما تقول فيمن يبغضه وينتقصه؟ فقال: لا يبغضه إلا كافر، ولا ينتقصه إلا منافق.

قلت: فما تقول فيمن يتولاه ويتولى الائمة من ولده بعده؟ فقال: إن شيعة علي والائمة من ولده هم الفائزون الآمنون يوم القيامة.

ثم قال: ما ترون لو أن رجلا خرج يدعو الناس إلى ضلالة، من كان أقرب الناس منه؟ قالوا: شيعته وأنصاره. قال: فلو أن رجلا خرج يدعو الناس إلى هدى من كان أقرب الناس منه؟ قال: شيعته وأنصاره. قال: فكذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام، بيده لواء الحمد يوم القيامة، أقرب الناس منه شيعته وأنصاره(٣) .

٨٠٨/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا أبي،

______________

(١) ثواب الاعمال: ٣٥، بحار الانوار ٨٢: ٢٠٩/٢١.

(٢) في النسخ: خالد، تصحيف صوابه ما أثبتناه، انظر الجامع في الرجال: ٧٢٧، معجم رجال الحديث ٧: ٦٣.

(٣) بحار الانوار ٢٢: ٩٢/٤٣.

٥٨٦

عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن سنان، عن الحسين بن زيد عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: من دخل موضعا من مواضع التهمة فاتهم فلا يلومن إلا نفسه(١) .

٨٠٩/٦ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا إبراهيم ابن هاشم، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان علي عليه السلام كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على عاتقه، وكان لها طرفان، وكانت تسمى السبيبة(٢) ، فيقف على سوق سوق فينادي: يا معشر التجار، قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن الكذب واليمين، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلمومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الارض مفسدين. يطوف في جميع أسواق الكوفة، فيقول هذا، ثم يقول:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها

من الحرام ويبقى الاثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها

لا خير في لذة من بعدها النار(٣)

٨١٠/٧ - وبهذا الاسناد، قال: قال أبوجعفر عليه السلام: كان أميرالمؤمنين عليه السلام بالكوفة إذا صلى العشاء الآخرة ينادي الناس ثلاث مرات حتى يسمع أهل المسجد: أيها الناس، تجهزوا رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرحيل، فما التعرج(٤) على الدنيا بعد نداء فيها بالرحيل! تجهزوا رحمكم الله وانتقلوا بأفضل ما

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٩١/٥.

(٢) في نسخة: السبية، وفي أخرى: السبتية، وفي نسخة العلامة المجلسي من الكافي: السبيتة، قال رحمه الله: ولعل تسميتها السبيتة لكونها متخذة من السبت، وهو - بالكسر - جلد البقر المدبوغ بالقرظ يتخذ منه النعال. مرآة العقول ١٩: ١٣٣.

(٣) الكافي ٥: ١٥١/٣ « نحوه »، أمالي المفيد ١٩٧/٣١، « نحوه » بحار الانوار ٤١: ١٠٤/٥.

(٤) التعرج: حبس المطية، والاقامة الطويلة والغفلة عن السير والسفر، والتعرج على الدنيا: الركون إليها.

٥٨٧

بحضرتكم من الزاد، وهو التقوى، واعلموا أن طريقكم إلى المعاد، وممركم على الصراط، والهول الاعظم أمامكم، وعلى طريقكم عقبة كؤود(١) ومنازل مهولة مخوفة، لابد لكم من الممر عليها والوقوف بها، فإما برحمة من الله فنجاة من هولها، وعظم خطرها، وفظاعة منظرها، وشدة مختبرها، وإما بهلكة ليس بعدها انجبار(٢) .

٨١١/٨ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، قال: حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عمر، عن موسى بن إبراهيم، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قالت أم سلمة (رضي الله عنها) لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بأبي أنت وأمي، المرأة يكون لها زوجان فيموتون ويدخلون الجنة، لايهما تكون؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة، تخير أحسنهما خلقا وخيرهما لاهله. يا أم سلمة، إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة(٣) .

٨١٢/٩ - حدّثنا عليّ بن عبدالله الوراق، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عبد الجبار، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: قال بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم للنبي: يا رسول الله، ما بالنا نجد بأولادنا ما لا يجدون بنا؟ فقال: لانهم منكم، ولستم منهم(٤) .

٨١٣/١٠ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز بن العبدي(٥) ، عن عبدالله بن أبي يعفور، قال: قال أبوعبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: يا

______________

(١) أي شديدة.

(٢) بحار الانوار ٧١: ١٧٢/٤.

(٣) ثواب الاعمال ١٨١: بحار الانوار ٧١: ٣٨٤/٢٣.

(٤) علل الشرائع: ١٠٣/١، بحار الانوار ٨٢: ٧٢/٢ و ١٠٤: ٩٣/٣٠.

(٥) في النسخ: عبد العزيز بن المهتدي، والصحيح ما أثبتناه انظر معجم رجال الحديث ١٠/٤٤.

٥٨٨

عبدالله، إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف أن لا يعود إليها، ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من عن يمينك وعن شمالك لاحسنت صلاتك، واعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه(١) .

٨١٤/١١ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن جعفر بن محمّد الهاشمي، عن أبي جعفر العطار شيخ من أهل المدينة، قال سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله، كثرت ذنوبي وضعف عملي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أكثر السجود فإنه يحط الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر(٢) .

٨١٥/١٢ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبوعبدالله الصادق جعفر بن محمّد بن محمّد عليه السلام: إن المؤمن ليهول عليه في منامه فتغفر له ذنوبه، وإنه ليمتهن في بدنه فتغفر له ذنوبه(٣) .

٨١٦/١٣ - حدّثنا عليّ بن عيسى رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد ماجيلويه، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن سنان المجاور، عن أحمد بن نصر الطحان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: أن عيسى روح الله مر بقوم مجلبين(٤) فقال: ما لهؤلاء؟ قيل: يا روح الله، إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه. قال: يجلبون اليوم ويبكون غدا. فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله؟ قال: لان صاحبتهم ميتة في ليلتها

______________

(١) ثواب الاعمال: ٣٥، فلاح السائل: ١٥٧، مشكاة الانوار ٧٣، بحار الانوار ٨٤: ٢٣٣/٦، تقدم في المجلس (٤٤) الحديث (١٢).

(٢) بحار الانوار ٨٥: ١٦٢/٦.

(٣) بحار الانوار ٨١: ١٧٧/١٦.

(٤) الجلبة: الصياح والصخب.

٥٨٩

هذه. فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله. وقال أهل النفاق، ما أقرب غدا!

فلما أصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شئ، فقالوا: يا روح الله، إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت! فقال عيسى عليه السلام: يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها. فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها، فقال له عيسى عليه السلام: استأذن لي على صاحبتك. قال: فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة. قال: فتخدرت، فدخل عليها، فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟ قالت: لم أصنع شيئا إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى، إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها، وإنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثم هتف فلم يجب حتى هتف مرارا، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى أنلته كما كنا ننيله، فقال لها: تنحي عن مجلسك، فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جذعة عاض على ذنبه. فقال عليه السلام: بما صنعت صرف الله عنك هذا(١) .

٨١٧/١٤ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان، عن محمّد بن المنكدر، قال: مرض عون بن عبدالله بن مسعود فأتيته أعوده، فقال: أفلا أحدثك بحديث عن عبدالله بن مسعود؟ قلت: بلى. قال: قال عبدالله: بينا نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ تبسم، فقلت: ما لك يا رسول الله تبسمت؟ قال: عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لاحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عزّوجلّ(٢) .

٨١٨/١٥ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد ابن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد بن بشار، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن موسى بن

______________

(١) بحار الانوار ١٤: ٢٤٤/٢٢.

(٢) بحار الانوار ٨١: ٢٠٦/١٢.

٥٩٠

جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كنس مسجدا يوم الخميس ليلة الجمعة، فأخرج منه من التراب ما يذر في العين، غفر له(١) .

٨١٩/١٦ - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة الكوفي رضي الله عنه، قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كان القرآن حديثه والمسجد بيته، بنى الله له بيتا في الجنة(٢) .

٨٢٠/١٧ - وبهذا الاسناد، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من سمع النداء في المسجد فخرج منه من غير علة فهو منافق، إلا أن يريد الرجوع إليه(٣) .

٨٢١/١٨ - أخبرني سليمان بن أحمد اللخمي فيما كتب إلي، قال: حدّثنا أبومحمّد عبدالله بن رماحس بن محمّد بن خالد بن حبيب بن قيس بن عمرو(٤) بن غزية ابن جشم بن بكر بن هوازن برمادة القيسيين(٥) ، رمادة العليا، وكان فيما ذكر ابن مائة وعشرين سنة، قال: حدّثنا زياد بن طارق الجشمي، وكان ابن تسعين سنة، قال: حدّثنا جدي أبوجرول زهير وكان رئيس قومه، قال: أسرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم فتح خيبر(٦) ، فبينا هو يميز الرجال من النساء إذ وثبت حتى جلست بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأسمعته شعرا، أذكره حين شب فينا ونشأ في هوازن، وحين أرضعوه، فأنشأت أقول:

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنك المرء نرجوه وننتظر

______________

(١) ثواب الاعمال: ٣١، بحار الانوار ٨٣: ٣٨٥/٦١.

(٢) ثواب الاعمال: ٢٧، النهاية للطوسي: ١٠٨، بحار الانوار ٨٣: ٣٨٥/٦٢.

(٣) بحار الانوار ٨٣: ٣٧٢/٣٤.

(٤) زاد في بعض النسخ: بن عبد.

(٥) الظاهر أن رمادة فلسطين أو رمادة الرملة هي عين رمادة القيسيين راجع معجم البلدان ٣: ٦٦، الانساب ٣: ٨٨.

(٦) الظاهر أن لفظة خيبر مصحفة (حنين). انظر سيرة ابن هشام ٤: ١٣٠ - ١٣٧.

٥٩١

امنن على بيضة قد عاقها قدر

مفرق شملها في دهرها غير(١)

أبقت لنا الحرب هتافا على حزن

على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها

يا أرجح الناس حلما حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك يملؤه من مخضها(٢) الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها

وإذ يرينك(٣) ما تأتي وما تذر

يا خير من مرحت كمت الجياد به

عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

لا تتركنا كمن شالت نعامته(٤)

واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعمى وقد كفرت

وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه

من أمهاتك إن العفو مشتهر

إنا نؤمل عفوا منك تلبسه

هادي البرية أن تعفو وتنتصر

فاعف عفا الله عما أنت راهبه

يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم. وقالت الانصار: ما كان لنا فهو لله ولرسوله، فردت الانصار ما كان في أيديها من الذراري والاموال(٥) .

وصلّى الله على محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: عبر.

(٢) في نسخة: محضها.

(٣) في نسخة: يزينك.

(٤) يقال: شالت نعامتهم: إذا ماتوا أو تفرقوا.

(٥) بحار الانوار ٢١: ١٢/٨.

٥٩٢

[ ٧٦ ]

المجلس السادس والسبعون

مجلس يوم الثلاثاء

التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٨٢٢/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: حدثني أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، قال: أخبرنا عبدالله ابن غالب الاسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يعظ الناس، ويزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وحفظ عنه وكتب، كان يقول: أيها الناس، اتقوا الله، واعلموا أنكم إليه ترجعون، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه.

ويحك ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه. ابن آدم، إن أجلك أسرع شئ إليك، قد أقبل نحوك حثيثا، يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد أوفيت أجلك، وقبض الملك روحك، وصرت إلى قبرك وحيدا، فرد إليك روحك، واقتحم عليك فيه ملكاك منكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك.

ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي ارسل

٥٩٣

إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولاه! ثم عن عمرك فيما أفنيته، ومالك من أين اكتسبته، وفيما أتلفته، فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأعد للجواب قبل الامتحان والمسألة والاختبار، فإن تك مؤمنا تقيا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لاولياء الله، لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، فبشرت بالجنة والرضوان من الله و الخيرات الحسان، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودحضت حجتك، وعييت عن الجواب، وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم.

فاعلم ابن آدم، أن من وراء هذا ما هو أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، ويجمع الله فيه الاولين والآخرين، ذلك يوم ينفخ فيه الصور، وتبعثر فيه القبور، ذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين(١) ، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فيه فدية، ولا تقبل من أحد فيه معذرة، ولا لاحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء باللسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.

فاحذروا - أيها الناس - من المعاصي والذنوب، فقد نهاكم الله عنها وحذركموها في الكتاب الصادق، والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وشدة أخذه عند ما يدعوكم إليه الشيطان اللعين من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله يقول:( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) (٢) فأشعروا قلوبكم - لله أنتم - خوف الله، وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوفكم من شديد العقاب، فإنه من خاف شيئا حذره، ومن حذر شيئا

______________

(١) في نسخة: كاظمة.

(٢) الاعراف ٧: ٢٠١.

٥٩٤

نكله(١) ، فلا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا فتكونوا من الذين مكروا السيئات وقد قال الله تعالى:( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٢) .

فاحذروا ما قد حذركم الله، واتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب، تا لله لقد وعظتم بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد أسمعكم الله في الكتاب ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال:( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ) يعني يهربون( لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) فلما أتاهم العذاب( قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ، فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ) (٣) . وايم الله إن هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع إلى القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب، فقال:( وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) (٤) فإن قلتم - أيها الناس - إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك وهو يقول:( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ) (٥) ؟.

اعلموا - عباد الله - أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين، وإنما تنشر الدواوين لاهل الاسلام، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله لم يختر هذه الدنيا وعاجلها لاحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها

______________

(١) في التحف: تركه.

(٢) النحل ١٦: ٤٥ - ٤٧.

(٣) الانبياء ٢١: ١١ - ١٥.

(٤) الانبياء ٢١: ٤٦.

(٥) الانبياء ٢١: ٤٧.

٥٩٥

وظاهر بهجتها، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيهم أحسن عملا لآخرته، وايم الله لقد ضرب لكم فيها الامثال وصرف الآيات لقوم يعقلون، فكونوا - أيها المؤمنون - من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله.

وازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا، فإن الله يقول وقوله الحق:( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، ولا تركنوا إلى الدنيا، فإن الله قد قال لمحمّد نبيّه (صلّى الله عليه وآله) ولاصحابه:( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٢) .

ولا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنها دار قلعة(٣) وبلغة، ودار عمل، فتزودوا الاعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها، وقبل الاذن من الله في خرابها، فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها.

وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى، والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، والراغبين العاملين لاجل ثواب الآخرة، فإنما نحن به وله(٤) .

٨٢٣/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: للدابة على

______________

(١) يونس ١٠: ٢٤.

(٢) هود ١١: ١١٣.

(٣) أي انقلاع وارتحال.

(٤) تحف العقول: ٢٤٩، بحار الانوار ٧٨: ١٤٣/٦.

٥٩٦

صاحبها سبعة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليه، ويبدأ بعلفها إذا نزل، ولا يسمها في وجهها، ولا يضربها في وجهها فإنها تسبح، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضربها على النفار ويضربها على العثار لانها ترى ما لا ترون(١) .

٨٢٤/٣ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي جميلة المفضل ابن صالح، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، قال: أمسكت لامير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالركاب وهو يريد أن يركب، فرفع رأسه ثم تبسم، فقلت: يا أميرالمؤمنين، رأيتك رفعت رأسك وتبسمت!

قال: نعم يا أصبغ، أمسكت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الشهباء فرفع رأسه إلى السماء وتبسم، فقلت: يا رسول الله، رفعت رأسك إلى السماء وتبسمت! فقال: يا علي، إنه ليس من أحد يركب ثم يقرأ آية الكرسي ثم يقول: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، اللهم اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. إلا قال السيد الكريم: يا ملائكتي، عبدي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري، فاشهدوا أني قد غفرت له ذنوبه(٢) .

٨٢٥/٤ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن جعفر، عن محمّد ابن عمر الجرجاني، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: أول جماعة كانت، إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يصلي وأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام معه، إذ مر أبوطالب به وجعفر معه، فقال: يا بني صل جناح ابن عمك. فلما أحسه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تقدمهما وانصرف أبوطالب مسرورا وهو يقول:

______________

(١) بحار الانوار ٦٤: ٢٠٢/٢.

(٢) المحاسن: ٣٥٢/٤٠، تفسير القمي ٢: ٢٨١، بحار الانوار ٧٦: ٢٩٤/٢١.

٥٩٧

إن عليا وجعفرا ثقتي

عند ملم الزمان والكرب

والله لا أخذل النبي ولا

يخذله من بني ذو حسب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لامي من بينهم وأبي

قال: فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم(١) .

٨٢٦/٥ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن الحسين بن إسحاق التاجر، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن أقربكم مني غدا، وأوجبكم علي شفاعة، أصدقكم لسانا، وآداكم للامانة، وأحسنكم خلقا، وأقربكم من الناس(٢) .

٨٢٧/٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن ابن أبي عمير(٣) ، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسير مع بعض أصحابه في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته ثم خر ساجدا فأطال في سجوده، ثم رفع رأسه فعاد، ثم ركب، فقال له أصحابه: يا رسول الله، رأيناك ثنيت رجلك عن دابتك ثم سجدت فأطلت السجود؟ فقال: إن جبرئيل عليه السلام أتاني فأقرأني السلام من ربي وبشرني أنه لن يخزيني في أمتي، فلم يكن لي مال فأتصدق به، ولا مملوك فأعتقه، فأحببت أن أشكر ربي عزّوجلّ(٤) .

______________

(١) أوائل العسكري: ٧٥، الديوان: ٦٧/٢٩، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٤: ٧٦، روضة الواعظين: ٨٦، بحار الانوار ٣٥: ٦٨/٢.

(٢) بحار الانوار ٦٩: ٣٨١/٤١.

(٣) في نسخة: محمّد بن عليّ بن أبي عمير، وفي نسخة اخرى: محمّد بن علي، عن أبي عمير، والصحيح ما أثبتناه، انظر: معجم رجال الحديث ١٤: ٢٨٨.

(٤) بحار الانوار ٧١: ٤١/٣٣.

٥٩٨

٨٢٨/٧ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدّثنا علي ابن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن أبي ذر رحمه الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف(١) .

٨٢٩/٨ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن سعيد بن عمرو، عن إسماعيل بن بشر ابن عمار، قال: كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: عظني وأوجز. قال: فكتب إليه: ما من شئ تراه عينك إلا وفيه موعظة(٢) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا الله ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٧: ٣٠٣/٦٤.

(٢) بحار الانوار ٧١: ٣٢٤/١٤.

٥٩٩

[ ٧٧ ]

المجلس السابع والسبعون

مجلس يوم الجمعة

لثمان بقين من جمادى الآخرة من سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٨٣٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا عليّ بن أسباط، قال سمعت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يحدث عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: لم يبق من أمثال الانبياء إلا قول الناس: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت(١) .

٨٣١/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام إن قوما أتوا نبيا لهم فقالوا: أدع لنا ربك(٢) يرفع عنا الموت، فدعا لهم فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الموت، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل، وكثر النسل، وكان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه وأمه وجده وجد جده

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٦/٢٠٧، بحار الانوار ٧١: ٣٣٣/٨.

(٢) في نسخة: ربنا.

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780