الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 466155 / تحميل: 8999
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

المجلس الثامن

ليلة الجمعة / غرّة شعبان المعظّم / ١٣٤٥ هجرية

أقبل القوم بعد ما أتممت صلاة العشاء ، فاستقبلناهم بالترحاب ، فجلسوا وشربوا الشاي.

ثم تكلم السيد عبد الحي قائلا :

لقد صدرت منكم في البحث الماضي كلمة لا ينبغي لمثلكم أن يتفوّه بها. لانها تسبّب تفرقة المسلمين. والله تعالى يقول :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا ) (٢) .

قلت «متعجبا» : أرجو أن توضح ما هي تلك الكلمة؟! فربما صدرت مني في حال الغفلة.

السيد عبد الحي : في الليلة الماضية ، في أواخر البحث عن فوائد الزيارة قلتم : إنكم تعتقدون بأنّ زيارة مشاهد أهل البيت من علائم الإيمان. وقلتم : ليس كل مسلم بمؤمن!

بينما المسلمون كلهم مؤمنون والمؤمنون كلهم مسلمون.

فلما ذا تفرّقون بينهم وتجعلونهم قسمين متمايزين؟!

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

(٢) سورة الأنفال ، الآية ٤٦.

٦٠١

أليس هذا الانقسام يضر الإسلام! وقد تبيّن لنا من كلامكم شيء ، وهو أنّ عوام الشيعة «خاصة في الهند» حين يحسبون أنفسهم مؤمنين ويحسبوننا مسلمين ، مأخوذ من علمائهم.

وهذا الأمر مخالف لرأى جمهور علماء الإسلام ، إذ لا يفرّقون بين الإسلام وبين الإيمان.

الفرق بين الإسلام والإيمان

قلت : أولا ، قولك : جمهور علماء الاسلام لا يفرقون بينه وبين الأيمان. فغير صحيح ، لأننا نجد في الكتب الكلامية اختلافا كثيرا حول الموضوع لا بين الشيعة والسنّة فحسب ، بل نجد الاختلاف ساريا في أقوال أهل السنة والجماعة أنفسهم أيضا ، فالمعتزلة على خلاف الأشاعرة. وبعض علماء الشافعية والحنفية على خلاف رأي أحمد ومالك.

ثانيا : لا يرد إشكالك على كلامي ، لأنّ كلامي صدر على أساس قوله تعالى :( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) الخ(١) .

فالآية الكريمة تصرّح بأنّ الإسلام والتسليم في الظاهر ، والإيمان يرتبط بالقلب ، والآية تنفي إيمان قوم في حين تثبت إسلامهم. فالمسلم ، من شهد بالتوحيد والنبوة فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله. فحينئذ يكون للمسلم ما للمؤمنين

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٤.

٦٠٢

في الدنيا ، من الحقوق الاجتماعية والمدينة والشخصية ، دون الآخرة ، فقد قال تعالى :( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) (١) .

السيد عبد الحي : نقبل بأنّ الإسلام غير الإيمان ، فقد قال سبحانه وتعالى :( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) (٢) .

فهذه الآية تفرض علينا الالتزام بالظاهر وأن لا ننفي الإسلام عمّن أظهر الإسلام.

قلت : نعم كل من نطق بالشهادتين ، فما لم يرتكب منكرا يلازم الكفر والارتداد ، ولم ينكر إحدى الضرورات الإسلاميّة كالمعاد ، فهو مسلم ، نعاشره ونجالسه ونعامله معاملة الإسلام ، ولم نتجاوز الظاهر ، فإنّ بواطن الناس لا يعلمها إلا الله سبحانه ، وليس لأحد أن يتجسّس على بواطن المسلمين. ولكن نقول : بأن النسبة بين الإسلام والإيمان ، عموم مطلق(٣) .

مراتب الإيمان

لقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمته عند اختلاف الأقوال وتضارب آرائهم ، أن يأخذوا بقول أهل بيته ويلتزموا برأيهم ، لأنهم أهل الحقّ والحقّ لا يفارقهم. فلذلك إذا بحثنا في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام لنجد حقيقة موضوع حوارنا ، نصل إلى قول الإمام الصادقعليه‌السلام إذ يقول : «إنّ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٠٢.

(٢) سورة النساء ، الآية ٩٤.

(٣) مورد الاجتماع : المسلم المؤمن.

ومورد الافتراق : المسلم غير المؤمن ، ولا يوجد مؤمن غير مسلم.

٦٠٣

للإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل. فمنه الناقص البيّن نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه ومنه التام المنتهى تمامه. وأما الإيمان الراجح فهو عبارة عن إيمان الشخص الذي يتصف ببعض لوازم الإيمان ، فهو راجح على الذي لا يتصف بها فالثاني ناقص إيمانه ، وأما التام المنتهى تمامه ، فهو الذي يتصف بكل لوازم الإيمان». وقد قال سبحانه وتعالى فيهم :( أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (١) .

وأما الصفات اللازمة للإيمان فهي كثيرة منها كما في الحديث المروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا علي سبعة من كنّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان ، وأبواب الجنة مفتّحة له : من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته ، وأدّى زكاة ماله ، وكفّ غضبه ، وسجن لسانه ، واستغفر لذنبه ، وأدّى النصيحة لأهل بيت نبيه»(٢) ونحن نعتقد أنّ زيارة مشاهد أهل البيتعليهم‌السلام يدخل ضمن العنوان الأخير. فالذي أسلم ، هو مؤمن في الظاهر ولا نعلم باطنه ، ولكن أعماله تكشف عن حقيقة إيمانه ، ومراتب رسوخ الايمان في قلبه وباطنه وقد جاء في تفسير الآية الكريمة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ) (٣) .

أي : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم آمنوا بقلوبكم.

وخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من أصحابه فقال : «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان بقلبه».

فلا شك أنّ بين الإسلام والإيمان فرقا لغويا ومعنويا. وللمؤمن

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٧٤.

(٢) الخصال : ٢ / ١٦٨ ، الحديث رقم ٨.

(٣) سورة النساء ، الآية ١٣٦.

٦٠٤

علائم تظهر في سلوكه وأعماله.

ثم اعلموا بأننا لا نفتش عن بواطن الناس ولا نفرّق بين المسلمين ، ولكن نعاملهم على حدّ أعمالهم ، فهناك من ينطق بالشهادتين ولكن يستخف بالصلاة والصوم ويستهين بالحج ولا يدفع الزكاة ويخالف القرآن الحكيم وأوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيبين ، فليس هذا عندنا الاحترام والتكريم ، كمن ينطق بالشهادتين ويلتزم بأحكام الدين فيعمل بكل الفرائض ويترك المنهيّات ويطيع الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترتهعليهم‌السلام لقوله تعالى :( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) .

فالإسلام يتحقق باللسان ، وهو بداية المرحلة الأولى من الإيمان ، ويترتب عليه الأحكام الدنيوية كالحقوق الاجتماعية والشخصية والمدنية.

ولكن الإيمان المطلق فيتحقق باللسان والقلب ، ويظهر بالأعمال الصالحة التي تصدر عن جوارح المؤمن وأعضاء بدنه ، وحتى اللسان ، وهو يحب أن يكون مطلقا ، يتقيّد بالإيمان فلا يتكلم إلاّ بالحق والصبر ، كما قال تعالى :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٢) .

وجاء في الحديث الشريف :

الإيمان هو الإقرار باللسان والعقد بالجنان والعمل بالأركان.

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ١٣.

(٢) سورة العصر.

٦٠٥

لما ذا ترفضون الشيعة!!

إذا كنتم ملتزمين بهذا الأصل العام ، إنّ كل من نطق بالشهادتين فهو مسلم ومؤمن وأخ في الدين. فلما ذا تطردون الشيعة وترفضونهم بل تعادونهم ، ولا تحسبون مذهبهم من المذاهب الإسلامية! وكلكم تعلمون بأنّ الشيعة يشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمدا رسول الله وخاتم النبيين. ويعتقدون بأنّ القرآن كلام الله العزيز ويلتزمون بكل ما جاء به النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيصلّون ويصومون ويزكّون ويحجون ويجاهدون في سبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويعتقدون بالبعث والمعاد وبالمحاسبة والجزاء( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (١) لذلك يلتزمون بترك القبائح والمحرّمات كالظلم والسرقة والخمر والزنا والقمار واللواط والربا والكذب والافتراء والنميمة والسحر وغيرها من المحرّمات.

فنحن معكم نعتقد بإله واحد ونبي واحد ودين واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة ، ومع ذلك كله نراكم تفترون علينا وترموننا بالكفر والشرك! وهذا ما يريده الأجانب والمستعمرون ويفرحون منه.

فلما ذا هذا الظلم والجفاء وهذا التقوّل والافتراء علينا؟!!

ألم نكن معكم متّفقين على دين واحد ، ومتّفقين على أصوله وفروعه وأحكامه؟ ـ غير الإمامة والخلافة ـ وأما الاختلاف الموجود بيننا وبينكم في بعض الأحكام الفرعية ، فهو اختلاف نظري ورأي فقهي ، كالاختلاف الواقع بين الأئمة الأربعة لأهل السنّة والجماعة. بل

__________________

(١) سورة الزلزلة ، الآية ٧ و ٨.

٦٠٦

في بعض المسائل تكون اختلافاتهم أشدّ من اختلافنا مع بعضهم. هل أعددتم جوابا ليوم الحساب إذا سألتم عن سبب هذا الموقف البغيض والحقد العريض على الشيعة المؤمنين؟ وهل يقبل منكم إذا قلتم : إننا اتّبعنا أسلافنا من الخوارج وبني أمية النّواصب ، المعادين للعترة الهادية والفرقة النّاجية؟!!

فليس للشيعة ذنب ، سوى أنهم سلكوا الطريق الذي رسمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله سبحانه ، فأمر المسلمين بمتابعة أهل بيته وإطاعة عترته من بعده.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا.

فالشيعة أخذوا بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمسّكوا بالثقلين.

وأمّا غيرهم فقد أخذوا بقول غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ عارضوه فقالوا : كفانا كتاب الله! فتركوا أهل البيت والعترة الطاهرة الهاديةعليهم‌السلام .

الشيعة أخذوا أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق أهل بيتهعليهم‌السلام ، وغيرهم أخذوا الأحاديث عن طريق أبي هريرة وأنس وسمرة وأمثالهم ، وتركوا طريق أهل البيت الطيبينعليهم‌السلام .

وللحصول على أحكام الدين ابتدعوا القياس والاستحسان حسب ما تراه عقولهم ، وتحكم به أفكارهم ، كل ذلك ليستغنوا عن العترة الهادية!!

لما ذا نتّبع عليّا وأبناءهعليهم‌السلام

ونحن إنما نتّبع عليّاعليه‌السلام وأبناءه الأئمة المعصومينعليهم‌السلام لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها».

٦٠٧

لذلك نحن دخلنا من الباب الذي فتحه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته وأمرهم بالدخول منه إلى مدينة علومه وأحكام دينه وحقيقة شرعه.

ولكنكم تحتّمون علينا وعلى المسلمين أن نكون أشاعرة أو معتزلة في أصول الدين وأما في الفروع والأحكام فتريدوننا أن نأخذ برأي أحد الأئمة الأربعة ، لمذاهب أهل السنّة والجماعة وهو تحكّم منكم ، ليس لكم دليل عليه!

ولكننا نستند على أدلة عقلية ، ونقليّة من أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجوب متابعة عليعليه‌السلام وأبنائه الأئمة الطيبين ، وقد نقلت لكم بعض تلك الأحاديث الشريفة من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشتهرة.

كحديث الثقلين وحديث السفينة وباب حطّة وغيرها. وإذ تنصفونا وتتركوا العناد واللجاج ، لكفى كل واحد من تلك الأحاديث في إثبات قولنا وأحقية مذهبنا.

وأمّا أنتم فليس عندكم حتى حديث واحد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر أمّته بمتابعة الأشعري أو ابن عطاء في مسائل أصول الدين ، أو العمل بآراء وأقوال مالك بن أنس أو أحمد بن حنبل أو أبي حنفية أو محمد ابن إدريس الشافعي في فروع الدين وأحكام العبادات والمعاملات.

ليت شعري من أين جاء هذا الانحصار؟!

فاتركوا التّعصّب لمذهب الآباء والأمّهات والتمسك بالتقاليد والعادات ، وارجعوا إلى القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلو كان عشر هذه الروايات والأحاديث المروية في كتبكم والواصلة عن طرقكم في متابعة أهل البيتعليهم‌السلام ، لو كانت في حقّ واحد من أئمّة المذاهب الأربعة لاتّبعناه وأخذنا برأيه وعملنا بقوله.

٦٠٨

ولكن لا نرى في كتبكم وأسنادكم إلاّ أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يحثّ ويحفّز على متابعة الإمام عليعليه‌السلام بل يأمر المسلمين بذلك وينهى عن مخالفته ويصرّح بأنّ الحق معه.

والآن تذكّرت حديثا نبويا نقله كثير من علمائكم وأعلامكم ، أنقله لكم بالمناسبة لتعرفوا أنّ الشيعة لا يتّبعون عليّا وأبناءه عن تعصّب وهوى ، بل بأمر من الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس إلى الحقّ والجنة سبيل غير مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وهو مذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة الباب الرابع / عن فرائد السمطين لشيخ الإسلام الحمويني بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها ولن تؤتى المدينة إلاّ من قبل الباب ، وكذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك لأنّك منّي وأنا منك. لحمك لحمي ودمك دمي وروحك من روحي وسريرتك من سريرتي وعلانيتك من علانيتي ، سعد من أطاعك ، وشقى من عصاك ، وربح من تولاّك ، وخسر من عاداك ؛ فاز من لزمك ، وهلك من فارقك ، مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي ، مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق ، ومثلهم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة».

ويصرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين الذي اتفق علماء المسلمين على صحته : إنّكم ما إن تمسّكتم بالقرآن وبأهل بيته وعترته لن تضلّوا بعده أبدا.

وقد تكلمت حول هذا الحديث بالتفصيل في الليالي الماضية

٦٠٩

وذكرت لكم مصادره من كتبكم ومسانيدكم ، ولكن بالمناسبة أقول :

إنّ ابن حجر الهيثمي وهو ممن لا يتّهم عندكم بشيء بل لا ينكر أحد تعصّبه في مذهبه ، وتمسّكه بطريقة أهل السنّة والجماعة.

قال في كتابه الصواعق المحرقة / الفصل الأول من الباب الحادي عشر عند ذكره الآيات الكريمة النازلة في شأن أهل البيتعليهم‌السلام . فيقول في ذيل «الآية الرابعة» قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (١) :

«أخرج الديلمي» عن ابن سعيد الخدري أنّ النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : «وقفوهم إنهم مسئولون عن ولاية عليّ». وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) ، أي عن ولاية عليّ وأهل البيت قال ابن حجر : وأخرج الترمذي وقال : حسن غريب ، إنه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي : أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله عزّ وجلّ ، حبل ممدود من السّماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟!». قال : «وأخرجه أحمد» في مسنده بمعناه ولفظه : «إنّي أوشك أن ادعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. فانظروا بم تخلفوني فيهما؟!» وسنده لا بأس به. وفي رواية : إنّ ذلك كان في حجة الوداع. وفي [رواية] أخرى : مثله ـ يعني : كتاب الله ـ كسفينة

__________________

(١) سورة الصافات ، الآية ٢٤.

٦١٠

نوح من ركب فيها نجى. ومثلهم ـ أي أهل بيته ـ كمثل باب حطّة ، من دخله غفرت له الذنوب.

وذكر ابن الجوزي لذلك في «العلل المتناهية» وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه. بل في مسلم ـ أي صحيح مسلم ـ عن زيد بن أرقم أنه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال : ذلك يوم غدير خم وهو ماء بالجحفة ، كما مر وزاد : أذكّركم الله في أهل بيتي. قلنا لزيد من أهل بيته : نساؤه؟ قال : لا ، أيم الله! إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدّهر ، ثم يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

قال ابن حجر : وفي رواية صحيحة : «إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما ، وهما : كتاب الله وأهل بيتي عترتي. وقال : زاد الطبراني : إنّي سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».

[ثم قال ابن حجر : اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك ، طرقا كثيرة ، وردت عن نيّف وعشرين صحابيا ، وفي بعض تلك الطرق أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ، وفي اخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك بغدير خم ، وفي اخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف.

ولا تنافي إذ لا مانع من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ـ وبعد سطور قال ـ : «تنبيه» سمّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) القرآن

٦١١

وعترته ثقلين ، لأنّ الثّقل كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك ، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنيّة والأسرار والحكم العليّة والأحكام الشرعيّة ، ولذا حثّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم ويؤيّده الخبر السابق : ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم. وتميّزوا بذلك عن بقية العلماء ، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وشرّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة.

وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت ، إشارة إلى عدم انقطاع العالم عن التمسّك بهم الى يوم القيامة ، كما انّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ثم أحق من يتمسّك به منهم ، إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، لما قدّمنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته الخ].

ايها الحاضرون! هذه تصريحات أحد كبار علماء السنّة وهو ابن حجر الذي اشتهر بالتّعصب ضد الشيعة ومذهبهم ، والعجيب أنه مع كل تلك الاعترافات بفضل أهل البيتعليهم‌السلام ولزوم التمسّك بهم ، يؤخّرهم عن مقامهم وعن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، لا سيّما الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فيقدّم عليه وعليهم من لا يقايس بهم في العلم والفضيلة فاعتبروا يا أولي الأبصار!! نعوذ بالله من التّعصب والعناد.

أيها الأخوان فكروا في هذه التأكيدات المتتالية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وهو يبيّن أنّ سعادة الدنيا والآخرة منحصرة في التمسّك بالقرآن والعترة معا وأنّ طريق الحق واحد وهو الذي سار فيه أهل بيته فما هو واجب المسلمين؟ فكروا وانصفوا!

٦١٢

إنه موقف صعب واختيار الحق أصعب ، لقد وقفتم على طريقين : طريق سلكه آباؤكم وأسلافكم ، وطريق يدعوكم إليه نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقرآنكم وعقولكم.

فكما لا يجوز للمسلمين أن يغيّروا شيئا من كتاب الله العزيز حتى لو اجمعوا على ضرورة التغيير لتغيير الزمان وغير ذلك ، كذلك لا يجوز للمسلمين أن يتركوا أهل البيت ويتمسكوا بغيرهم حتى لو اجمعوا على ذلك لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم على المسلمين وأمرهم أن يتمسكوا بالقرآن وبعترته وأهل بيته معا فلا يجوز التمسك بواحد دون الآخر.

أسألكم أيها الحاضرون! هل الخلفاء الذين سبقوا الإمام عليعليه‌السلام كانوا من أهل البيت ومن العترة الهادية؟ وهل تشملهم أحاديث الثقلين والسفينة وباب حطة وغيرها حتى يكون التّمسك بهم لازما ، وطاعتهم واجبة علينا؟!

السيد عبد الحي : لم يدّع أحد من المسلمين أنّ الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم كانوا من أهل البيت ، ولكنهم كانوا من الصحابة الصالحين ، ولهم فضيلة المصاهرة مع النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

قلت : فإذا أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإطاعة قوم أو فرد معيّن وأكّد ذلك على أمته ، فهل يجوز لطائفة من الأمّة أن يعرضوا عن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولوا : إننا نرى صلاحنا وصلاح الأمّة في متابعة وإطاعة قوم آخرين ـ حتى إذا كانوا صلحاء ـ؟ فهل امتثال أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعته واجبة؟ أم إطاعة تلك الطائفة المتخلّفة عن أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعاملة حسب نظرها في تعيين الصواب والصلاح للأمّة؟!

٦١٣

السيد عبد الحي : حسب اعتقادنا طاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة.

قلت : إذا ، لما ذا تركتم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تطيعوه حيث قال : «إني تارك فيكم ثقلين أو أمرين ، لن تضلوا إن اتبعتموهما وهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فلا تقدموا عليهم فتهلكوا ولا تقصّروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم؟». ومع هذا تركتموهم وهم أعلم الناس وأفضلهم وتبعتم واصل بن عطاء وأبا حسن الأشعري أو مالك بن أنس وأبا حنيفة ومحمد بن ادريس وأحمد بن حنبل!

هل إنّ هؤلاء أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته أم هم علي بن أبي طالب وأبناؤه الأئمة المعصومونعليهم‌السلام ؟.

السيد عبد الحي : لم يدّع أحد من المسلمين أنّ المقصود من أهل البيت في حديث الثقلين ، أئمة المذاهب الأربعة ، أو الخلفاء الثلاثة ، أو أبو الحسن الأشعري أو واصل بن عطاء ، وإنما نقول : إنّ هؤلاء كانوا من أبرز علماء المسلمين ومن الفقهاء الصلحاء.

قلت : ولكن بإجماع العلماء واتفاق جمهور المسلمين ، أن الأئمة الاثني عشر الذين نتمسك نحن الشيعة بأقوالهم ونلتزم بطاعتهم ، كلهم من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته ، وهم أشرف أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبت أنهم في كل زمان كانوا أعلم الناس بأحكام الدين وتفسير الكتاب المبين وفقه شريعة سيد المرسلين. وأقرّ لهم بذلك جميع علماء المسلمين.

لا أدري ما يكون جوابكم ، إذا سألكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحساب : أن لما ذا خالفتم رأيي وعصيتم أمري فتركتم عترتي وأهلي وقدّمتم غيرهم عليهم؟!

٦١٤

أليس أهل بيتي كانوا أعلم وأفضل؟

لقد أخذ الشيعة دينهم ومذهبهم ، حسب أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من باب علمه ، ومن وصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخذوا بعده من عترته وأهل بيته الذين أدركوه وعاشروه وسمعوا حديثه ورأوا أعماله وسلوكه فأخذوا منه وأوصلوا ذلك إلى أبنائهم ونشروه. أما غير أهل البيتعليهم‌السلام فكيف وصلوا إلى علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فالأئمة الأربعة ما كان لهم أيّ ذكر في القرن الأول والثاني بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يعدّون من الصحابة ولا التابعين.

ولكن أخرجتهم السياسة وأظهرتهم الحكومة والفئة المناوئه لأهل البيت والعترةعليهم‌السلام .

ففسحت لهم المجال وفتحت أبوابهم ، في حين ضايقت أهل البيت وأغلقت أبوابهم ، ومنعت الحكومات الناس من التّوجّه إلى آل محمّدعليهم‌السلام : لينصرفوا نحو الأئمة الأربعة ، وإذا لم يهتمّ أحد لأمر الحكومة ، تمسّك بأهل البيت وعمل برأيهم ولم ينضم إلى مذاهب الأئمة الأربعة ، فيرمى بالكفر والزندقة وكان مصيره القتل أو السجن والمطاردة!

وما زالت هذه الحالة التّعصّبية تنتقل من دور إلى دور ، ومن دولة إلى أخرى ، حتى يومنا هذا!!

فما يكون جوابكم لنبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحساب إذا سألكم : بأي دليل كفّرتم شيعة أهل بيتي ، وهم مؤمنو أمّتي؟

ولما ذا قلتم لأتباعكم وأشياعكم : إنّ شيعة عليّعليه‌السلام مشركون؟!

فحينئذ ليس لكم جواب ، ولكم الخزي والخجل في المحشر!

٦١٥

أيها الأخوة! تداركوا اليوم الموقف! وارجعوا إلى الحق والصواب! واعتبروا يا أولي الألباب!

نتّبع العلم والعقل

أيها الحاضرون الكرام! نحن لا نعاديكم ولا نعادي أحدا من المسلمين ، بل نحسب جميع المسلمين إخواننا في الدين ، ولكنّ خلافنا معكم ناشئ من التزامنا لحكم العقل والعلم ، وهو أنّنا لا نقلّد في أمر ديننا تقليدا أعمى ، بل يجب أن نفهم الدين بالدليل والبرهان حتى يحصل لنا اليقين ، قال سبحانه وتعالى :( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (١) .

فلا نتبع أحدا ولا نطيعه من غير دليل ، فنأخذ بأمر الله سبحانه ونهتدي بهدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نسلك إلاّ الطريق السّوي الذي رسمه لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله عزّ وجلّ ، من مطلع رسالته حين جمع رجال قومه الأقربين امتثالا لأمر الله سبحانه حيث قال :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) .

فجمعهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأطعمهم ، ثم قام فيهم بشيرا ونذيرا ثم قال : فمن منكم يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني في القيام به ، يكن أخي ووزيري وخليفتي من بعدي؟ فما أجابه إلاّ عليعليه‌السلام ، وكان أصغرهم سنّا ، فأخذ النبي بيده وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ١٧ ـ ١٨.

(٢) سورة الشعراء ، الآية ٢١٤.

٦١٦

فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ ـ وقد نقلنا الخبر بالتفصيل وذكرنا مصادره المعتبرة في المجلس الخامس ـ.

وفي أواخر أيام حياته المباركة ، وفي أكبر جمع من أمته ، يوم الغدير ، أخذ بيد علي بن أبي طالبعليه‌السلام بأمر الله عزّ وجلّ وعيّنه لخلافته ، فقال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه وأخذ له البيعة منهم.

فالدّلائل الساطعة والبراهين القاطعة من القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرويّة في كتبكم المعتبرة ومسانيدكم الموثّقة ـ إضافة إلى تواترها في كتب الشيعة ـ كلها تشير بل تصرّح على أنّ الصّراط المستقيم والسبيل القويم منحصر في متابعة آل محمد وعترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولو تذكرون لنا حديثا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه قال : خذوا أحكام ديني من أبي حنيفة أو مالك أو أحمد بن حنبل أو الشافعي ، لقبلناه منكم! ولتركت مذهبي واخترت أحد المذاهب الأربعة!!

ولكن لا تجدون ذلك أبدا وليس لكم أي دليل وبرهان عليه ، ولم يدّعه أحد من المسلمين إلى يومنا هذا.

نعم لكم أن تقولوا : بأن الأئمة الأربعة كانوا من فقهاء الإسلام ، والملك الظاهر بيبرس في عام ٦٦٦ من الهجرة ، أجبر المسلمين على متابعة أحدهم(١) ، وأعلن رسمية المذاهب الأربعة ومنع فقهاء

__________________

(١) قال المقريزي : فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقدارى ولى بمصر أربعة قضاة :شافعي ، ومالكيّ ، وحنفيّ ، وحنبلي ، فاستمر ذلك من سنة ٦٦٥ هجرية حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه

٦١٧

__________________

المذاهب الأربعة وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ، ولم يولّ قاضي ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها.

وسبقه إلى ذلك الخليفة العباسي في بغداد ، وهو المستنصر ، فقد أنشأ المدرسة المستنصرية سنة ٦٢٥ هجرية وتم بناؤها سنة ٦٣١ هجرية فاحتفل بافتتاحها احتفالا عظيما حضره بنفسه وحضر معه نائب وزيره والولاة والحجاب والقضاة والمدرسون والفقهاء والقراء والوعاظ والشعراء وأعيان التجار والنّقباء.

وحصرا الخليفة التدريس في المستنصرية على المذاهب الأربعة ، وجعل لها ستة عشر وقفا تجري عائداتها عليها ، لكل مذهب ربع العوائد ، وجعل ربع القبلة الأيمن للشافعي ، وجعل ربع القبلة الأيسر للحنفي ، والرّبع الذي على يمين الدّاخل للحنابلة ، والرّبع الذي على يسار الداخل للمالكية.

وسبقه إلى اختيار بعض المذاهب وإعلان رسميته ، جدّه أبو جعفر المنصور الدوانيقي حيث أمر الإمام مالك بوضع كتاب في الفقه يحمل الناس عليه بالقهر! فوضع الموطّا. / شرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٨.

فأعلن المنصور أنّ مالكا أعلم الناس.

وقد أمر الرشيد عامله على المدينة بأن لا يقطع أمرا دون مالك ، ومنادي السلطان كان ينادي أيام الحج : أن لا يفتي إلا مالك.

أما في بغداد فقد ولى الرشيد أبا يوسف منصب رئاسة القضاء العامة وأبو يوسف هو تلميذ أبي حنيفة.

وكان الرشيد لا ينصب أحدا في بلاد العراق وخراسان والشام ومصر ، بالولاية

٦١٨

المسلمين من استنباط الأحكام وإبداء آرائهم ، والتاريخ يصرّح بأنّه كان في الإسلام فقهاء وعلماء أعلم وأفقه من أولئك الأربعة.

والعجب أنكم تتركون الإمام علياعليه‌السلام وهو باب علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمته بالأخذ منه ومتابعته في أمر الدّين والشرع ، بالنصوص الكثيرة والروايات المتواترة الواصلة عن طرقكم المعتبرة ، وكذلك الآيات القرآنية التي نزلت في هذا الشأن كما فسّرها كبار علمائكم الأعلام ومحدّثوكم الكرام.

وأنتم مع ذلك تصمّون أسماعكم ، وتغمضون أبصاركم ، وتتّبعون الأئمة الأربعة ، وتحصرون الحق في آرائهم وأقوالهم بغير دليل وبرهان ، وأغلقتم باب الاجتهاد واستنباط الأحكام ، وقد تركه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفتوحا أمام الفقهاء والعلماء.

السيد عبد الحي : نحن نرى الحق في متابعة الأئمة الأربعة ، كما أنكم ترون الحق في متابعة الأئمة الاثني عشر!!!

قلت : هذا قياس باطل ، لأنكم ترون الحق في متابعة أحد الأئمة الأربعة ، بينا نحن نرى الحق في متابعة كلّ الأئمة الاثني عشر ، فلا يجوز عندنا ترك أحدهم والإعراض عن أوامره.

__________________

والقضاء إلا من أشار به القاضي أبو يوسف وذلك لمكانته في الدولة ومنزلته عند الرشيد.

فكان القاضي أبو يوسف أقوى عوامل انتشار المذهب الحنفي ورسميته في الدولة.

ومن اراد التفصيل في هذا الباب فليراجع كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ١ تأليف العلامة المحقق الشيخ أسد حيدر قدس‌سره .

٦١٩

ثم إن تعيين الأئمة الاثني عشر ما كان إلا من عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأمره وحكمه ، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّنهم وذكر أسماءهم واحدا بعد الآخر.

خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة مجموعة أحاديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا المعنى وفتح لها بابا عنوانه :

الباب السابع والسبعون : في تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة.

قال : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة ، من عشرين طريقا في أنّ الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش : في البخاري من ثلاثة طرق وفي مسلم من تسعة طرق وفي أبي داود من ثلاثة طرق وفي الترمذي من طريق واحد وفي الحميدي من ثلاثة طرق.

وذكر هذه الأحاديث الشريفة كثير من علمائكم الأعلام غير الذين ذكرهم القندوزي ، منهم : الحمويني في فرائد السمطين والخوارزمي في المناقب ، وابن المغازلي في المناقب ، والثعلبي في التفسير ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودّة العاشرة من كتابه مودة القربى ، نقل اثنا عشر خبرا وحديثا في هذا الأمر ، من عبد الله بن مسعود وجابر بن سمرة وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس وعباية بن ربعي وزيد بن حارثة وأبي هريرة ، وعن الإمام عليعليه‌السلام ، كلهم يروون عن رسول

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

خامصا ما استطاعه، ورأيت أطفاله شعث الالوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم(١) ، فلما عاودني في قوله وكرره، أصغيت إليه سمعي فغره، وظنني أوتغ ديني(٢) فأتبع ما سره، أحميت له حديدة لينزجر، إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصبر، ثم أدنيتها من جسمه، فضج من ألمه، ضجيج ذي دنف يئن من سقمه، وكاد يسبني سفها من كظمه، ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها من غضبه؟! أتئن من الاذى، ولا أئن من لظى؟!

والله لو سقطت المكافاة عن الامم، وتركت في مضاجعها باليات في الرمم(٣) ، لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الاوزار تنسخ، فصبرا على دنيا تمر بلاوائها(٤) كليلة بأحلامها تنسلخ، كم بين نفس في خيامها ناعمة، وبين أثيم في جحيم يصطرخ؟

ولا تعجب من هذا، واعجب بلا صنع منا، من طارق طرقنا بملفوفات زملها(٥) في وعائها، ومعجونة بسطها في إنائها، فقلت له أصدقة، أم نذر، أم زكاة؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة، ومعوضن منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة. فقال لي: لا ذاك ولا ذاك، ولكنه هدية. فقلت له: ثكلتك الثواكل، أفعن دين الله تخدعني بمعجونة غرقتموها بقندكم، وخبيصة(٦) صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم؟ أمختبط، أم ذو جنة، أم تهجر؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة؟ فماذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة؟

______________

(١) أي انقبضت من البرد.

(٢) أوتغ دينه: أفسده.

(٣) الرمم: جمع رمة، العظم البالي.

(٤) اللاواء: الشدة والمحنة.

(٥) أي لفها.

(٦) الخبيص: الحلواء المخبوصة من التمر والسمن.

٧٢١

والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، واسترق لي قطانها، مذعنة بأملاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها، ما قبلت ولا أردت، ولدنياكم أهون عندي من ورقة في جرادة(١) تقضمها، وأقذر عندي من عراقة(٢) خنزير يقذف بها أجذمها، وأمر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها(٣) ، فكيف أقبل ملفوفات عكمتها(٤) في طيها، ومعجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيها؟ اللهم إني نفرت عنها نفار المهرة من راكبها، أريه السها ويريني القمر(٥) .

أأمتنع من وبرة من قلوصها(٦) ساقطة، وابتلع إبلا في مبركها رابطة؟ أدبيب العقارب من وكرها ألتقط، أم قواتل الرقش(٧) في مبيتي ارتبط؟ فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي وأقراصي، فبتقوى الله أرجو خلاصي، ما لعلي ونعيم يفنى ولذة تنتجها(٨) المعاصي؟ سألقى وشيعتي ربنا بعيون مرة(٩) ، وبطون خماص(١٠) ( لِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) (١١) ونعوذ بالله من سيئات الاعمال(١٢) .

وصلّى الله على محمّد وآله وسلم كثيرا

______________

(١) وفي نسخة: عرادة، وهي الجرادة الانثى.

(٢) العراقة: العظم إذا أكل لحمه.

(٣) بشم من الطعام: أكثر منه حتى اتخم وسئم.

(٤) عكم المتاع: شده.

(٥) مثل يضرب لمن يغالط فيما لا يخفى، انظر مجمع الامثال ١: ٢٩١.

(٦) القلوص: الشابة من الابل.

(٧) الرقش: جمع رقشاء، وهي الافعى.

(٨) في نسخة: تنحتها.

(٩) في البحار: بعيون شاهرة.

(١٠) أي ضامرة خالية.

(١١) آل عمران ٣: ١٤١.

(١٢) بحار الانوار ٤٠: ٣٤٥/٢٩.

٧٢٢

[ ٩١ ]

المجلس الحادي والتسعون

مجلس يوم الجمعة

لست ليال خلون من شعبان سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٩٨٩/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن أبي حمزة، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عليهم السلام، قال: سئل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أين كنت وآدم في الجنة؟

قال: كنت في صلبه، وهبط بي إلى الارض في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في النار في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق لي أبوان على سفاح قط، ولم يزل الله عزّوجلّ ينقلني من الاصلاب الطيبة إلى الارحام الطاهرة هاديا مهديا حتى أخذ الله بالنبوة عهدي، وبالاسلام ميثاقي، وبين كل شئ من صفتي، وأثبت في التوراة والانجيل ذكري، ورقى بي(١) إلى سمائه، وشق لي اسما من أسمائه الحسنى، أمتي الحمادون، فذو العرش محمود وأنا محمّد(٢) .

______________

(١) في نسخة: ورقاني.

(٢) معاني الاخبار: ٥٥/٢، بحار الانوار ١٦: ٣١٤/٢ و ٣.

٧٢٣

٩٩٠/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ ابن نباتة، قال: دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: صف لي عليا. قال: أو تعفيني. فقال: لا، بل صفه لي.

فقال له ضرار: رحم الله عليا، كان والله فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا عنه حاجب، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا، لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.

فقال المعاوية: زدني من صفته.

فقال ضرار: رحم الله عليا، كان والله طويل السهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، ويجود لله بمهجته، ويبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور، ولا يدخر عنا البدور، ولا يستلين الاتكاء، ولا يستخشن الجفاء، ولو رأيته إذ مثل في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قابض على لحيته، يتململ تململ السليم(١) ، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: يا دنيا، إلي تعرضت، أم إلي تشوقت، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك. ثم يقول: واه واه لبعد السفر، وقلة الزاد، وخشونة الطريق.

قال: فبكى معاوية، وقال: حسبك يا ضرار، كذلك كان والله علي، رحم الله أبا الحسن(٢) .

٩٩١/٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر،

______________

(١) السليم: الملدوغ.

(٢) بحار الانوار ٤١: ١٤/٦.

٧٢٤

عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبوجعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام: يا جابر، أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون - يا جابر - إلا بالتواضع، والتخشع، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الالسن عن الناس إلا من خير، وكانوا امناء عشائرهم في الاشياء.

فقال جابر: يا بن رسول الله، لست أعرف أحدا بهذه الصفة. فقال عليه السلام: يا جابر، لا تذهبن بك المذاهب، أحسب الرجل أن يقول أحب عليا وأتولاه! فلو قال: إني أحب رسول الله، ورسول الله خير من علي، ثم لا يعمل بعمله ولا يتبع سنته، ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته، والله ما يتقرب إلى الله جل ثناؤه إلا بالطاعة، ما معنا براءة من النار، ولا على الله لاحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلا بالورع والعمل(١) .

٩٩٢/٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، قال: خرجت أنا وأبي عليه السلام حتى إذا كنا بين القبر والمنبر، إذا هو باناس من الشيعة، فسلم عليهم فردوا عليه السلام، ثم قال: إني والله لاحب ريحكم وأرواحكم، فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد، و اعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالعمل والاجتهاد، من ائتم منكم بعبد فليعمل بعمله.

أنتم شيعة الله، وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الاولون، والسابقون الآخرون، السابقون في الدنيا إلى ولايتنا، والسابقون في الآخرة إلى الجنة، و قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله وضمان رسوله، ما على درجات الجنة أحد أكثر أزواجا منكم، فتنافسوا

______________

(١) الكافي ٢: ٦٠/٣، أمالي الطوسي: ٧٣٥/١٥٣٥، مشكاة الانوار: ٥٩، بحار الانوار ٧٠: ٩٧/٤.

٧٢٥

في فضائل الدرجات، أنتم الطيبون، ونساؤكم الطيبات، كل مؤمنة حوراء عيناء، وكل مؤمن صديق.

ولقد قال أميرالمؤمنين عليه السلام لقنبر: يا قنبر، ابشر وبشر واستبشر، فلقد مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو على أمته ساخط إلا الشيعة، ألا وإن لكل شئ عروة وعروة الاسلام الشيعة، ألا وإن لكل شئ دعامة ودعامة الاسلام الشيعة، ألا وإن لكل شئ شرفا وشرف الاسلام الشيعة، ألا وإن لكل شئ سيدا وسيد المجالس مجالس الشيعة، ألا وإن لكل شئ إماما وإمام الارض أرض تسكنها الشيعة.

والله لولا ما في الارض منكم، لما أنعم الله على أهل خلافكم، ولا أصابوا الطيبات، مالهم في الدنيا ومالهم في الآخرة من نصيب، كل ناصب وإن تعبد واجتهد فمنسوب إلى هذه الآية:( عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ، تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً ، تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ، لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ ، لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ) (١) كل ناصب مجتهد فعمله هباء.

شيعتنا ينظرون بنور الله عزّوجلّ، ومن خالفهم يتقلب بسخط الله، والله ما من عبد من شيعتنا ينام، إلا أصعد الله عزّوجلّ بروحه إلى السماء، فإن كان قد أتى عليه أجله جعله في كنوز رحمته، وفي رياض جنته، وفي ظل عرشه، وإن كان أجله متأخرا عنه بعث به مع أمينه من الملائكة ليؤديه إلى الجسد الذي خرج منه ليسكن فيه، والله إن حجاجكم وعماركم لخاصة الله، وإن فقراءكم لاهل الغنى، وإن أغنياءكم لاهل القنوع، وإنكم كلكم لاهل دعوة الله وأهل إجابته(٢) .

٩٩٣/٥ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، عن مروان بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: حدثني أبي، عن

______________

(١) الغاشية ٨٨: ٣ - ٧.

(٢) فضائل الشيعة: ٥١/٨، تفسير الفرات: ٢٠٨، بحار الانوار ٧: ٢٠٣/٩٠، و ٦١: ٥٤/٤٢.

٧٢٦

أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: شعبان شهري، ورمضان شهر الله عزّوجلّ، فمن صام من شهري يوما كنت شفيعه يوم القيامة، ومن صام شهر رمضان أعتق من النار(١) .

٩٩٤/٦ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول: من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة: أستغفر الله وأسأله التوبة، كتب الله له براءة من النار، وجوازا على الصراط، وأحله دار القرار(٢) .

٩٩٥/٧ - حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن زياد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام أنه قال: من تصدق بصدقة في شعبان رباها الله عزّوجلّ له كما يربي أحدكم فصيله، حتى يوافي يوم القيامة وقد صارت له مثل أحد(٣) .

٩٩٦/٨ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم ابن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن إسحاق بن عمار، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: يا إسحاق، صانع المنافق بلسانك، وأخلص ودك للمؤمن، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته(٤) .

٩٩٧/٩ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن عبد الجبار، عن أبي أحمد محمّد ابن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان الاحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سمعت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: طلبة هذا العلم

______________

(١) بحار الانوار ٩٦: ٣٦٤/٣٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٧/٢١٢، بحار الانوار ٩٧: ٩٠/٢.

(٣) بحار الانوار ٩٧: ٩١/٣.

(٤) أمالي المفيد: ١٨٥/١٠، الاختصاص: ٢٣٠، بحار الانوار ٧٤: ١٥٢/١١، و: ١٦١/٢٢.

٧٢٧

على ثلاثة أصناف، ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم: صنف منهم يتعلمون للمراء والجدل(١) ، وصنف منهم يتعلمون للاستطالة والختل(٢) ، وصنف منهم يتعلمون للفقه والعمل، فأما صاحب المراء والجدل، تراه مؤذيا مماريا للرجال في أندية المقال، قد تسربل بالتخشع، وتخلى من الورع، فدق الله من هذا حيزومه(٣) ، وقطع منه خيشومه، أما صاحب الاستطالة والختل، فإنه يستطيل على أشباهه من أشكاله، ويتواضع للاغنياء من دونهم، فهو لحلوائهم هاضم، ولدينه حاطم، فأعمى الله من هذا بصره وقطع من آثار العلماء أثره، وأما صاحب الفقه والعمل، تراه ذا كآبة وحزن، قد قام الليل في حندسه(٤) ، وقد انحنى في برنسه، يعمل ويخشى خائفا وجلا من كل أحد إلا من كل ثقة من إخوانه، فشد الله من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه(٥) .

٩٩٨/١٠ - حدّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد الانباري، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ ابن فضال، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أخبرني بعدد الائمة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أولهم أنت، وآخرهم القائم(٦) .

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) في نسخة: الجهل.

(٢) الختل: الخداع.

(٣) الحيزوم: الصدر.

(٤) الحندس: الليل الشديد الظلمة.

(٥) بحار الانوار ٢: ٤٦/٤.

(٦) بحار الانوار ٣٦: ٢٣٢/١٥.

٧٢٨

[ ٩٢ ]

المجلس الثاني والتسعون

مجلس يوم الثلاثاء

العاشر من شعبان سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٩٩٩/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، في دار السيد أبي محمّد، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوأحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري بالبصرة سنة سبع عشرة وثلاث مائة، قال: حدّثنا الحسين بن حميد، قال: حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن الاعمش، عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله عزّوجلّ قسم الخلق قسمين: فجعلني في خيرهما قسمة، وذلك قوله عزّوجلّ في ذكر أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثا، فجعلني في خيرها ثلثا، وذلك قوله عزّوجلّ:( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) (١) ، وأنا من السابقين، وأنا خير السابقين، ثم جعل الا ثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله عزّوجلّ:

______________

(١) الواقعة ٥٦: ٨ - ١٠.

٧٢٩

( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) ، فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله جل ثناؤه ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا، فجعلني في خيرها بيتا، وذلك قوله عزّوجلّ:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢) .

١٠٠٠/٢ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم، بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا محمّد بن علي، قال: حدّثنا ابن هراسة الشيباني، قال: حدّثنا جعفر بن زياد الاحمر، عن زيد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ عليهم السلام، أنه قرأ:( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ) (٣) ثم قال زيد: حفظهما الله بصلاح أبيهما، فمن أولى بحسن الحفظ منا! رسول الله جدنا، وابنته أمنا، وسيدة نسائه جدتنا، وأول من آمن به وصلى معه أبونا(٤) .

١٠٠١/٣ - وبهذا الاسناد، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن عليّ بن هلال الاحمسي، قال: حدّثنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، قال: بعث الحجاج إلى يحيى بن يعمر، فقال له: أنت الذي تزعم أن ابني علي ابنا رسول الله؟ قال: نعم. وأتلو عليك بذلك قرآنا، قال: هات. قال: أعطني الامان. قال: لك الامان.

قال: أليس الله عزّوجلّ يقول:( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (٥) ثم قال:( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) (٦) ، أفكان لعيسى أب؟ قال: لا.

______________

(١) الحجرات ٤٩: ١٣.

(٢) بحار الانوار ١٦: ٣١٥/٤، والآية من سورة الاحزاب ٣٣: ٣٣.

(٣) الكهف ١٨: ٨٢.

(٤) بحار الانوار ٤٦: ١٧٣/٢٥.

(٥) الانعام ٦: ٨٤.

(٦) الانعام ٦: ٨٥.

٧٣٠

قال: فقد نسبه الله عزّوجلّ في الكتاب إلى إبراهيم. قال: ما حملك على أن تروي مثل هذا الحديث؟ قال: ما أخذ الله على العلماء في علمهم أن لا يكتموا علما علموه(١) .

١٠٠٢/٤ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد ابن أبي عبدالله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعد الخفاف، عن الاصبغ بن نباتة، عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل جلاله: يا محمّد، أنت عبدي وأنا ربك، فلي فاخضع، وإياي فاعبد، وعلي فتوكل، وبي فثق، فإني قد رضيت بك عبدا وحبيبا ورسولا ونبيا، وبأخيك علي خليفة وبابا، فهو حجتي على عبادي، وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني، وتحفظ حدودي، وتنفذ أحكامي، وبك وبه وبالائمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم اعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه اطهر الارض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، وبه احيي عبادي وبلادي بعلمي، وله(٢) اظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أظهر على الاسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك ولي حقا، ومهدي عبادي صدقا(٣) .

١٠٠٣/٥ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيوليه رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، قال: ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي إياه شيئا أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة

______________

(١) بحار الانوار ٩٦: ٢٤٢/٧.

(٢) في نسخة: وبه.

(٣) بحار الانوار ٥١: ٦٥/٣.

٧٣١

الامام، فإني سألته يوما عن الامام، أهو معصوم؟ قال: نعم. فقلت: وما صفة العصمة فيه، وبأي شئ تعرف؟

قال: إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها: الحرص والحسد، والغضب، والشهوة، فهذه منفية عنه، فلا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه، لانه خازن المسلمين، فعلى ماذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسودا، لان الانسان إنما يحسد من هو فوقه، وليس فوقه أحد، فكيف يحسد من هو دونه؟ ولا يجوز أن يغضب لشئ من أمور الدنيا، إلا أن يكون غضبه لله عزّوجلّ، فإن الله عزّوجلّ قد فرض عليه إقامة الحدود، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عزّوجلّ، ولا يجوز أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة، لان الله عزّوجلّ حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا، فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح، وطعاما طيبا لطعام مر، وثوبا لينا لثوب خشن، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية؟(١) .

١٠٠٤/٦ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد ابن حمدان الصيدلاني، قال: حدّثنا محمّد بن مسلمة الواسطي، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي، عن ابن عباس، قال: لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعنده أصحابه، قام إليه عمار بن ياسر رضي الله عنه، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، من يغسلك منا، إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك عليّ بن أبي طالب، لانه لا يهم بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك. فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، فمن يصلي عليك منا إذا كان ذلك منك. قال: مه رحمك الله.

ثم قال لعلي عليه السلام: يا بن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني وأنق غسلي، وكفني في طمري هذين، أو في بياض مصر، وبرد يمان، ولا

______________

(١) معاني الاخبار: ١٣٣/٣، الخصال: ٢١٥/٣٦، علل الشرائع: ٢٠٤/٢، بحار الانوار ٢٥: ١٩٢/١.

٧٣٢

تغال في كفني، واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري، فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه، ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عزّوجلّ، ثم الحافون بالعرش، ثم سكان أهل سماء فسماء، ثم جل أهل بيتي ونسائي الاقربون فالاقربون، يومئون إيماء، ويسلمون تسليما، لا تؤذوني بصوت نادبة ولا رنة(١) .

ثم قال: يا بلال، هلم علي بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم متعصبا بعمامته، متوكئا على قوسه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: معاشر أصحابي، أي نبي كنت لكم! ألم أجاهد بين أظهركم، ألم تكسر رباعيتي، ألم يعفر جبيني، ألم تسل الدماء على حر وجهي(٢) حتى لثقت(٣) لحيتي، ألم أكابد الشدة والجهد مع جهال قومي، ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟ قالوا: بلى يا رسول الله، لقد كنت لله صابرا، وعن منكر بلاء الله ناهيا، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء. قال: وأنتم فجزاكم الله.

ثم قال: إن ربي عزّوجلّ حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتكم بالله أي رجل منكم كانت له قبل محمّد مظلمة إلا قام فليقتص منه، فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والانبياء.

فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له سوادة بن قيس(٤) ، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء

______________

(١) في نسخة: نادبة ولا مرنة. والرنة: الصوت الحزين عند البكاء.

(٢) الحر من الوجه: مابدا من الوجنة.

(٣) أي اخضلت، وفي نسخة: كنفت.

(٤) قال التستري: لم يذكروا في الصحابة مسمى بسوادة بن قيس، فيحتمل وقوع تصحيف في الاسم، وقد ذكروا فيهم سويد بن قيس، لكن لم يذكروا فيه القصة، وقد عرفت أنهم ذكروها في سواد بن عمرو وسواد بن غزية. « قاموس الرجال ٥: ٢٠ ».

٧٣٣

وبيدك القضيب الممشوق(١) ، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فلا أدري عمدا أو خطأ. فقال معاذ الله أن أكون تعمدت. ثم قال: يا بلال، قم إلى منزل فاطمة فأتني بالقضيب الممشوق. فخرج بلال وهو ينادي في سكك المدينة: معاشر الناس، من ذا الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة؟ فهذا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة!

وطرق بلال الباب على فاطمة عليها السلام وهو يقول: يا فاطمة، قومي فوالدك يريد القضيب الممشوق. فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول: يا بلال، وما يصنع والدي بالقضيب، وليس هذا يوم القضيب؟ فقال بلال: يا فاطمة، أما علمت أن والدك قد صعد المنبر وهو يودع أهل الدين والدنيا! فصاحت فاطمة عليها السلام وهي تقول: واغماه لغمك يا أبتاه، من للفقراء والمساكين وابن السبيل يا حبيب الله وحبيب القلوب؟

ثم ناولت بلالا القضيب، فخرج حتى ناوله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أين الشيخ؟ فقال الشيخ: ها أنا ذا يا رسول الله، بأبي أنت وأمي؟ فقال: تعال فاقتص مني حتى ترضى. فقال الشيخ: فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله، فكشف صلّى الله عليه وآله وسلّم عن بطنه، فقال الشيخ: بأبي أنت وامي يا رسول الله، أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك؟ فأذن له، فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار يوم النار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا سوادة بن قيس، أتعفو أم تقتص؟ فقال: بل أعفو يا رسول الله. فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيك محمّد.

ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فدخل بيت ام سلمة وهو يقول: رب سلم أمة محمّد من النار، ويسر عليهم الحساب. فقالت أم سلمة: يا رسول الله، ما لي أراك مغموما متغير اللون! فقال: نعيت إلي نفسي هذه الساعة، فسلام لك مني في الدنيا،

______________

(١) الممشوق من القضبان: الطويل الدقيق.

٧٣٤

فلا تسمعين بعد هذا اليوم صوت محمّد أبدا. فقالت أم سلمة: واحزناه حزنا لا تدركه الندامة عليك يا محمّداه.

ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: ادعي لي حبيبة قلبي(١) ، وقرة عيني فاطمة تجئ. فجاءت فاطمة عليها السلام وهي تقول: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء يا أبتاه، ألا تكلمني كلمة؟ فإني أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا، وأرى عساكر الموت تغشاك شديدا. فقال لها: يا بنية، إني مفارقك، فسلام عليك مني. قالت: يا أبتاه، فأين الملتقى يوم القيامة؟ قال: عند الحساب. قالت: فإن لم ألقك عند الحساب؟ قال: عند الشفاعة لامتي. قالت: فإن لم ألقك عند الشفاعة لامتك؟ قال: عند الصراط، جبرئيل عن يميني، وميكائيل عن يساري، والملائكة من خلفي وقدامي ينادون: رب سلم أمة محمّد من النار، ويسر عليهم الحساب. فقالت فاطمة عليها السلام: فأين والدتي خديجة؟ قال: في قصر له أربعة أبواب إلى الجنة.

ثم أغمي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وصلى بالناس، وخفف الصلاة.

ثم قال: ادعوا لي عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاءا فوضع صلّى الله عليه وآله وسلّم يده على عاتق علي عليه السلام، والاخرى على اسامة، ثم قال: انطلقا بي إلى فاطمة. فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويصطرخان(٢) وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين. فعانقهما وقبلهما، وكان الحسن عليه السلام أشد بكاء، فقال له: كف يا حسن، فقد شققت على رسول الله.

فنزل ملك الموت عليه السلام، فقال: السلام عليك يا رسول الله. قال: وعليك

______________

(١) في نسخة: حبيبة نفسي.

(٢) في نسخة: يضطربان.

٧٣٥

السلام، يا ملك الموت، لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك يا نبي الله؟ قال: حاجتي أن لا تقبض روحي حتى يجيئني جبرئيل عليه السلام فيسلم علي واسلم عليه، فخرج ملك الموت وهو يقول: يا محمّداه، فاستقبله جبرئيل في الهواء، فقال: يا ملك الموت، قبضت روح محمّد؟ قال: لا يا جبرئيل، سألني أن لا أقبضه حتى يلقاك فتسلم عليه ويسلم عليك. فقال جبرئيل: يا ملك الموت، أما ترى أبواب السماء مفتحة لروح محمّد، أما ترى الحور العين قد تزين لروح محمّد؟

ثم نزل جبرئيل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبا القاسم. فقال: وعليك السلام يا جبرئيل، ادن مني حبيبي جبرئيل، فدنا منه، فنزل ملك الموت فقال له جبرئيل: يا ملك الموت، احفظ وصية الله في روح محمّد، وكان جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت آخذ بروحه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلما كشف الثوب عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نظر إلى جبرئيل عليه السلام، فقال له: عند الشدائد تخذلني! فقال: يا محمّد، إنك ميت وإنهم ميتون، كل نفس ذائقة الموت.

فروي عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذلك المرض كان يقول: ادعوا لي حبيبي، فجعل يدعى له رجل بعد رجل فيعرض عنه، فقيل لفاطمة عليها السلام: امضي إلى علي، فما نرى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يريد غير علي عليه السلام، فبعثت فاطمة إلى علي عليه السلام فلما دخل فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عينيه وتهلل وجهه، ثم قال: إلي يا علي، إلي يا علي، فما زال صلّى الله عليه وآله وسلّم يدنيه حتى أخذه بيده، وأجلسه عند رأسه، ثم أغمي عليه، فجاء الحسن والحسين عليهما السلام يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأراد علي عليه السلام أن ينحيهما عنه، فأفاق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم قال: يا علي، دعني اشمهما ويشماني، وأتزود منهما ويتزودان مني، أما إنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما، فلعنة الله على من يظلمهما، يقول ذلك ثلاثا. ثم مد يده إلى علي عليه السلام فجذبه إليه حتى أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه، ووضع فاه على فيه، وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة صلّى الله عليه وآله وسلّم، فانسل علي عليه السلام من تحت ثيابه، وقال: أعظم الله أجوركم

٧٣٦

في نبيكم، فقد قبضه الله إليه. فارتفعت الاصوات بالضجة والبكاء، فقيل لامير المؤمنين عليه السلام: ما الذي ناجاك به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين أدخلك تحت ثيابه؟ فقال: علمني ألف باب، يفتح لي كل باب ألف باب(١) .

١٠٠٥/٧ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا الحسن بن متيل، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبدالله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام: إن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن عليّ (صلوات الله عليه) فلم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستئذان، وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام، فهم عند قبره شعث غير يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له منصور(٢) .

وصلّى الله على محمّد وآله

______________

(١) بحار الانوار ٢٢: ٥٠٧/٩.

(٢) بحار الانوار ٤٥: ٢٢٠/٢.

٧٣٧

[ ٩٣ ]

المجلس الثالث والتسعون

مجلس يوم الجمعة

الثالث عشر من شعبان سنة ثمان وستين وثلاثمائة

١٠٠٦/١ - واجتمع في هذا اليوم إلى الشيخ الفقيه أبي جعفر محمّد بن عليّ ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، أهل مجلسه والمشايخ، فسألوه أن يملي عليهم وصف دين الامامية على الايجاز والاختصار، فقال رضي الله عنه: دين الامامية هو الاقرار بتوحيد الله تعالى ذكره، ونفي التشبيه عنه، وتنزيهه عما لا يليق به، والاقرار بأنبياء الله ورسله وحججه وملائكته وكتبه، والاقرار بأن محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم هو سيد الانبياء والمرسلين، وأنه أفضل منهم ومن جميع الملائكة المقربين، وأنه خاتم النبيين، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأن جميع الانبياء والرسل والائمة عليهم السلام أفضل من الملائكة، وأنهم معصومون مطهرون من كل دنس ورجس، لا يهمون بذنب صغير ولا كبير ولا يرتكبونه، وأنهم أمان لاهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء.

وأن الدعائم التي بني الاسلام عليها خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وولاية النبي والائمة (صلوات اللهم عليهم) بعده، وهم اثنا عشر إماما، أولهم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم عليّ بن الحسين، ثم الباقر محمّد بن علي، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا عليّ بن

٧٣٨

موسى، ثم الجواد محمّد بن علي، ثم الهادي عليّ بن محمّد، ثم العسكري الحسن بن علي، ثم الحجة بن الحسن بن عليّ عليهم السلام، والاقرار بأنهم أولوا الامر الذين أمر الله عزّوجلّ بطاعتهم، فقال:( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) وأن طاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، ووليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله عزّوجلّ، ومودة ذرية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا كانوا على منهاج آبائهم الطاهرين فريضة واجبة في أعناق العباد إلى يوم القيامة، وهي أجر النبوة، لقول الله عزّوجلّ:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٢) .

والاقرار بأن الاسلام هو الاقرار بالشهادتين، والايمان هو إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالجوارح، لا يكون الايمان إلا هكذا، ومن شهد الشهادتين فقد حقن ماله ودمه إلا بحقهما، وحسابه على الله عزّوجلّ، والاقرار بالمسألة في القبر حين يدفن الميت، وبمنكر ونكير، وبعذاب القبر، والاقرار بخلق الجنة والنار، وبمعراج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وبمناجاة الله عزّوجلّ إياه، وأنه عرج به بجسمه وروحه على الصحة والحقيقة لا على الرؤيا في المنام، وأن ذلك لم يكن لان الله عزّوجلّ في مكان هناك، لانه معتال عن المكان، ولكنه عزّوجلّ عرج به صلّى الله عليه وآله وسلّم تشريفا له، وتعظيما لمنزلته، وليريه ملكوت السماوات كما أراه ملكوت الارض، ويشاهد ما فيها من عظمة الله عزّوجلّ، وليخبر أمته بما شاهد في العلو من الآيات والعلامات، والاقرار بالحوض والشفاعة للمذنبين من أصحاب الكبائر، والاقرار بالصراط والحساب والميزان واللوح والقلم والعرش والكرسي.

والاقرار بأن الصلاة عمود الدين، وأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من الاعمال، وأول ما يسأل عنه العبد بعد المعرفة، فإن قبل قبلت ما سواها، وإن ردت

______________

(١) النساء ٤: ٥٩.

(٢) الشورى ٤٢: ٢٣.

٧٣٩

رد ما سواها، وأن المفروضات من الصلوات في اليوم والليلة خمس صلوات، وهي سبع عشرة ركعة، الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والغداة ركعتان.

وأما النافلة فهي مثلا الفريضة أربع وثلاثون ركعة، ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان بعدها قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة، تحسبان بركعة، وهي وتر لمن لم يلحق الوتر آخر الليل، وصلاة الليل ثماني ركعات، كل ركعتين بتسليمة، والشفع ركعتان بتسليمة، والوتر ركعة واحدة، ونافلة الغداة ركعتان، فجملة الفرائض والنوافل في اليوم والليلة إحدى وخمسون ركعة.

والاذان والاقامة مثنى مثنى، وفرائض الصلاة سبع: الوقت، والطهور، والتوجه، والقبلة، والركوع، والسجود، والدعاء، والقنوت في كل صلاة فريضة نافلة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ويجزي من القول في القنوت: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الاعز الاكرم. ويجزي فيه أيضا ثلاث تسبيحات، وإن أحب المصلي أن يذكر الائمة عليهم السلام في قنوته ويصلي عليهم فليجملهم.

وتكبيرة الافتتاح واحدة، وسبع أفضل، ويجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة عند افتتاح الفاتحة وعند افتتاح السورة بعدها، وهي آية من القرآن، وهي أقرب إلى اسم الله الاعظم من سواد العين إلى بياضها، ويستحب رفع اليدين في كل تكبيرة في الصلاة، وهو زين للصلاة.

والقراءة في الاوليين من الفريضة الحمد وسورة، ولا تكون من العزائم التي يسجد فيها، وهي سجدة لقمان، وحم السجدة، والنجم، وسورة( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ، ولا تكون السورة أيضا( لِإِيلَافِ ) ، أو( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ) ، أو( وَالضُّحَىٰ ) ، أو( أَلَمْ نَشْرَحْ ) ، لان( لِإِيلَافِ ) و( أَلَمْ تَرَ ) سورة واحدة، و( وَالضُّحَىٰ ) و( أَلَمْ نَشْرَحْ ) سورة واحدة، فلا يجوز التفرد بواحدة منها في ركعة فريضة، فمن أراد أن يقرأ بها في الفريضة فليقرأ( لِإِيلَافِ ) و( أَلَمْ تَرَ ) في ركعة، و( وَالضُّحَىٰ ) و( أَلَمْ نَشْرَحْ ) في

٧٤٠

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780