المباهلة

مؤلف: السيّد صدر الدين شرف الدين
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 155
مؤلف: السيّد صدر الدين شرف الدين
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 155
ويحكم لا تباهلوه..
لا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة).
- إلى يوم القيامة!.
- نعم: إلى يوم القيامة.
* * *
وذكروا أنّهم قالوا: (يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك.. وأن نقرك دينك، وأن نثبت على ديننا.
- « فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين. »
- لا نسلم.. ولا نترك دين آبائنا!.
- « أناجزكم القتال. »
إنّها الحرب المهلكة.. لا طاقة لنا بحرب العرب ولكن..
- « ولكن ماذا؟! »
نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك في كلّ عام ألفي حلّة، ألفاً في صفر وألفاً في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد.
يقول اليعقوبي وغيره: فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ألفي حلّة من حلل الاواقي (كذا)، قيمة كلّ حلّة أربعون درهماً. فما زاد ونقص فعلى حساب ذلك، وكتب لهم رسول الله( ص ) كتاباً.
« بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمّد رسول الله، لنجران وحاشيتها، إذ كان له عليهم
حكمة في كلّ بيضاء، وصفراء، وثمرة، ورقيق، فما زاد ونقص، فعلى هذا الحساب ألف حلّة في صفر، وألف في رجب، وعليهم ثلاثون ديناراً مثواة رسلي فما فوق، وعليهم في كلّ حرب باليمن دروع عارية مضمونة، لهم بذلك جوار الله وذمة محمّد، فمن أكلّ الربا بعد عامهم هذا فذمتي منه بريئة. »
فقال العاقب:
يا رسول الله إنّا نخاف أن تأخذنا بجناية غيرنا.
فقال: « إكتبوا ولا يؤخذ أحد بجناية غيره. »
وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه:
« والذي نفسي بيده إنّ الهلاك تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتّى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا. »
موقف حسّاس، وهل من سامع لهذا الكلام من رسول الله، ومشاهد لموقف هؤلاء النفر إلى جانبه صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ لا يمثل قلبه إجلالاً وإكباراً، ثمّ لا يعترف بفضل الأنفس، والنساء، والأبناء، والمؤمنون العازفون عن الدنيا شعروا بمقامهم، وامتلأت قلوبهم إيماناً بمنزلتهم السامية، واعترفوا بتقدّمهم.
* * *
ولم يشأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقف هنا، ولم يدع الناس أن يمضوا قبل أن يتحدّث إليهم عن ربّه في نقاء هولاء الأربعة وطهرهم.
في هذه الساعة التي لا يزال الناس في دهشتهم وروعة الجلال التي
ملكتهم، يعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقاء آل رسول الله، وطهرهم من كلّ دنس تقول السيدة عائشة:
(خرج رسول الله وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليّ، ثمّ قال:
( إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِ ) .
ماذا بقي بعد هذا ما يحمل القلوب على الالتفاف حول أهل البيت. وأي شيء بعد الطهر والنقاء من كلّ رجس يحمل الناس على التهافت إلى حضيرتهم السامية؟.
صوت رفيع من فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انطلق من حاضرة الإسلام مع الريح، ثمّ صار يشقّ طريقه في الفضاء رنّان الجرس، يقرع في سمع الأجيال جيلاً فجيل حتّى اليوم، وحتى قيام الساعة صارخاً.
هؤلاء فقط أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة.. هؤلاء فقط الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
كلمات طرقت الآذان، واستوعبتها مشاعر المؤمنين. رسالة السماء، وكلمات الله تنهج للناس الطريق الأمثل الأيلج، إنّه التنزيل بنصوص آياته، وروح معانيه، يرسم لنا صورة مثالية لأولياء ارتفعت عن التفكير والتصوير.
إنّه صوت الله يقرع الأسماع، فأين أين، وإلى أين؟
إنّها الرواسب الماديّة في نفوس جعلت من المسلمين صنفين.
أفضل الخلق
يجدر بنا أن نقف عند هذا الحادث الخطير قليلاً، فإنّ لهذه المثاليّة السامية التي رسمها كتاب الله لآل رسوله حقوق في ذمّة المسلمين، لا يستطيع الزمن أن يقضي عليها، أو يتناولها بتحريف، مهما انتهج من أساليب، واصطنع من أعوان؛ لأنّ النهج الذي نهجه كتاب الله واضح، لا يدخله أي تعديل، ولا يمكن أن يتناوله التحريف، وإن تناوله التأويل، ومن ثمّة تشعّب الطريق بين المسلمين، وذر الخلاف قرنه، ولكنّ الحقّ عزيز الجانب، قد بثّ عيونه ونشر جنده.
ومن المستصوب أن نقف هنا موقف المعقب على هامش المباهلة، علّنا نخرج مع القارئ ولم يفتنا الصواب حينما يسفر البحث عن براهين متنوعة؛ لإثبات مثالية الأنفس، والنساء، والأبناء، وحينما تكون النتيجة أنّهم أفضل الخلق.
وهذا صحيح عن وجهة العقل، ومن وجهة الواقع من وجهة الاختيار الذي وقع عليهم.
فإنّه واضح جليّ، إنّ الاختيار الذي وقع على عليّ وفاطمة وحسن وحسين، له أهميته الكبرى في تقرير مرتبة الفضيلة وانحصارها.
ولأنّ السبب الذي طوى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً، وخفرات المجد من عمر العلى، وشبيبة الحمد جميعاً، وأصحابه جميعاً، وأبناء
المسلمين جميعاً، في زاوية، ولم يدعُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحداً من هؤلاء لم يبقِ مجالاً للشك بأنّ الذين وقع عليهم الاختيار، ولا يقاس بهم أحد من الناس إلاّ كان القياس خطأً؛ لأن القياس إنّما يقع في المرحلة التي يصحّ بها القياس، والذي لا مثيل له لا يقاس عليه.
والاختيار دلّنا على أنّهم لا مثيل لهم، والبداهة تستلزم ذلك، والعقل يحكم، ونحن لا نجد صعوبة في الفهم حين نفهم من هذا الاختيار التفضيل المطلق، والكمال المطلق في المرحلة الأخيرة.
ليس على الإنسان حساب في فهم التفضيل حينما يعلم أنّ الله سبحانه اختارهم في ساعة المقايسة والموازنة.( وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
وهداية الله سبحانه تأخذ بيد الإنسان، فتخطو به إلى المثاليّة الرفيعة، ولي في العقل ما يمنع من الوصول إلى أعلى درجات الكمال، ولكنّ العقل لا يفهم هذا إلاّ باعتبار الوصول إلى فهم الحقيقة الإلهية فهماً كاملاً إلى حدّ الفناء في الله.
كما وإنّه ليس لاختيار الله مقاييس أخرى غير مقاييس الفضيلة على اعتبار الوصول إليه تعالى، وصولاً مقربّاً منه، وقد فنيت قلوب آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذات الله، وكان لهم من الحياة الفضلى، والفناء ما يثبت لهم المثاليّة المطلقة في كلّ مقاييس الفضل، والكمال النفسي، والشخصي. وقد جاء الاختيار منه برهاناً ساطعاً لا يفسح مجالاً إلى قيل وقال، ولا إلى استدلال..
وبعد - فالعقل لا يتصور مثالية، ولا عبقريّة أرفع من مثاليتهم وعبقريتهم، فهم الراجحون في مقاييس الفضل، والسبق، والشرف، والإيمان.
أولئك هم كيف واجهتهم، ومن أي النواحي أتيتهم، تجدهم الراجحين في مقاييس الفضل والفضيلة.
* * *
في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع نسوة، ولسنا في حجّة إلى تصوير من فيه منهنّ الكفاية من ناحية الدين، والخلق، والكمال. فإنّهنّ أمهات المؤمنين حقّاً، وفي المدينة من المهاجرين، والأنصار، وبني هاشم، جمع غفير تجاوز عشرات المئات إلى عشرات الألوف. وفيهم النخبة الصالحة الممتازة من المقيمين على الحقّ، اعتصموا بحبل الله، وحبل الرسول، صبروا على الأذى، وجاهدوا في سبيل الله، أولو سابقة في الإسلام، أخلصوا لله في نيّاتهم، وتوجّهوا إليه بقلوبهم، وأعمالهم، راضوا أنفسهم في سبيل كمالها؛ فرضوا من الدنيا بالكفاف. وفي بني هاشم، والمسلمين من الأبناء ما يزيد عن العدّ، احتفل بهم التاريخ، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوى هؤلاء جميعاً، وأولئك جميعاً، وتركهم جانباً، ثمّ خرج بعليٍّ ( ع ) من الأنفس، وبفاطمة ( ع ) من النساء، وبالحسن والحسين ( ع ) من الأبناء، ولم يخرج معه أحداً غيرهم.
ولماذا؟؟..
حدّثونا فيما حدثونا به عن أبي رباح مولى أم سلمة، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جواب هذا السؤال إنّه قال: « لو علم الله تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي، وفاطمة، والحسن، والحسين لأمرني أن أباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء
- وهم أفضل الخلق - فغلبت بهم النصارى. »
بهذا يواجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه حيث يسأل، وبهذه الكلمات الوجيزة يعلن عن قيم أصحاب الكساء، وأهل آية المباهلة، وقدسهم وسموهم، وعن مكانتهم من الله عزّ وعلا.
حقّاً إنّ مثل هذا الخبر له قيمته في تعرف قيم آل رسول الله، الذين اختارهم الله؛ ليباهل بهم رسولُهُ قسس نجران.
ونحن لا نجد تصويراً لسموّ فضلهم، أدقّ وأصدق من هذا التصوير المعلن برفيع مكانتهم، وكبير قدرهم، وسامي منزلتهم، وعظيم فضلهم، ويحسبنا أن نستمع إليه يقول: « لو علم الله أن في الأرض أكرم من عليّ وفاطمة والحسن والحسين؛ لأمرني أن أباهل بهم » بخ بخ ليس في علم الله أحد أفضل منهم. لا في الأرض، ولا في السماء.
وإنّ هذا التعبير ينشئ في نفوسنا صوراً شتّى من القيم المثالية، التي تعبّر عن قيمهم الرفيعة في المجتمع الروحاني الأقدس، وهذا هو الشرف العظيم الذي تطامن إليه الرقاب بخوعاً.
ولهذا الحديث منشآة عالية في النفوس، فهو ينشئ في نفوسنا صوراً من قدس النفس، وعظيم المنزلة، وينشئ في نفوسنا صورة من الفضل والكرامة عند الله تعالى، وإنّه ليس أحدٌ أكرم عليه منهم، وينشئ في نفوسنا صورة مثالية رفيعة، ارتفعت عن كلّ تفكير، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باهل بهم، وهم أفضل الخلق، وبهم غلب النصارى. وحسب الناظر في هذا الحديث، وغيره من الأحاديث الصحيحة أن يثبت أعلى درجات الكمال، ويحسبه
أن يكون رجع إليه وعيه، وثاب إلى رشده فاثبت ذلك بعقله.
ونحن اليوم نعيش في عصر المحاكمات، وقياس الأمور بأقيسة الأرقام، لا بأقيسة الثقل.
وبعد - فلا أحسب أنّ أحداً من المسلمين يستطيع أن يرجع هذا إلى مظهر من مظاهر عطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهل بيته، وإن وجد فيهم من يعتقد مثل هذا - والعياذ بالله - فقد قصدت نفسه إلى نوازع الشيطان، التي تحيك في السرائر، وزلقت قدمه فتدحرج إلى هوّة سحيقة، فخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. فإنّ رسول الله.
( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى* عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) ( إنّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ* وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكّرُونَ* تَنزِيلٌ مِن رَبّ الْعَالَمِينَ* وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين* ثمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِنْ أحد عَنْهُ حَاجِزِينَ) .
* * *
وليست آية المباهلة بالآية الأولى والأخيرة التي التقى فيها القرآن المجيد بآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد التقى بهم مرات في كثير من النواحي. يقول ابن العباس:
(نزل في عليّ أكثر من ثلثمائة آية في مدحه. وعن الأعمش عن أصحاب ابن عباس قال: ما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا إلاّ وعليّ أميرها، وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في غير مكان،
وما ذكر عليّا إلاّ بخير)
ولا نريد هنا أن ننقل إلى القارئ كلّ ما نزل فيه، وفي أصحاب الكساء. إذ ربما يكون في النقل الكثير شيء من الإطناب، ولكن مع إمساكنا عن التبسّط في الحديث لا يسعنا إلاّ أن نلفت نظر القارئ إلى شيء ميسور فهمه. ذلك أنّ المفسرين، وحملة الحديث لم يتّفقوا على شيء من الآيات التي يدّعى نزولها في بعض الصحابة كما اتفقوا على الآيات التي نزلت في أصحاب الكساء، في مدحهم، والثناء عليهم. ونظرة عجلى في ذلك تثبت لنا صحّة الدعوة، ومثالاً واحداً نضعه بين يديك، اقرأ قوله تعالى من سورة الدهر:
( إِنّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّهِ يُفَجّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إنّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) .
اقرأ ذلك إلى قوله تعالى( إِنّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً )
اقرأ ذلك لتعلم مقام أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، وقد ورد من طرق عديدة إنّ هذه الآيات نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين(١) .
____________________
(١) أخرج غير واحد من أعلام أهل السنة عن ابن عباس، أنّ هذه الآيات نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين. وإليك نص ما قاله الزمخشري في كشّافه: (وعن ابن عباس (رض) إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالوا يا أبا الحسن -
وهل من قارئ لهذه الآيات لا يمتلئ قلبه إكباراً وإجلالا وتقديساً لهؤلاء الأبرار؟ وهذه ناحية من نواحي عظمتهم المرموقة.
أجل. إن هذه الآيات وغيرها من الآيات الكثيرة تلقي ضوءاً على عبقرية أهل البيت (عليهم السلام)، ويكاد أن يعتقد كلّ منصف إنّه لا يجد في المسلمين من يشاركهم في فضلهم، وبوضوح ترسم لنا ألوانا من السموّ، وتحتفل بضروب من العظمة، وهي بمجموعها تمثل لنا صورة من المنزلة العالية
____________________
- لو نذرت على ولديك؛ فنذر عليّ وفاطمة، وفضّة - جارية لهما - إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا. وما معهما شيء؛ فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصواع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء. وأصبحوا صيّاماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ عليّ (رضي الله عنه) بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: « ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم »، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، وقد التصقت بطنها في ظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل عليه جبرائيل عليه السلام وقال: « خذها يا محمّد، هنّاك الله في أهل بيتك » فأقرأه السورة. انتهى. من الكشاف في تفسير سورة هل أتى ( الدهر).
والمقام الرفيع عند الله تعالى، وبالأخير المثالية التي خرجت عن حدود المقاييس والموازين.
وليس هناك ما يمنعهم من هذه المثالية، وقد خرجوا من البيت الذي خرجت منه الدعوة الإسلامية، وساروا في الطريق التي يسير فيها القرآن المجيد، ويدخلون كلّ بيت يدخله القرآن، ولا يفترقون عنه حتّى يردوا على رسول الله يوم القيامة(١) .
* * *
ليس من السهل الهيّن على الإنسان أن ينتزع من نفسه الأنسجة
____________________
(١) من جملة حديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرف بين المحدّثين بحديث الثقلين، أو حديث التمسّك، ولفظه عند الترمذي « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟! ».
ولقد بسطنا البحث فيه في كتابنا (تحت راية الحقّ). وهو من الأخبار المتواترة، أجمع المحدثون على روايته، وأخرجوه من طرق عديدة. أخرجه مسلم في صحيحه، وصاحب الجمع بين الصحاح الست، وصاحب الجمع بين الصحيحين، والترمذي، والنسائي، والحاكم، والطبراني، والطبري، والبيهقي، والبزّار، والملا، وأبو يعلى إلى كثير منهم، وقد أجمعوا على صحّته. نعم البخاري لم يخرجه وإن صحّ من طريقه، ولكن حال البخاري في أمثال هذا الحديث معلوم لكلّ متتبع. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
التي يحاك منها الخطأ؛ ليشاهد الحقيقة الماثلة أمام عينيه واضحة جليلة لا يسترها ستر. ولكن من السهل الهيّين أن يوقظ في نفسه الروح العلميّة؛ فتقوده إلى دراسة النفسيات، والشخصيات عن طريق الحوادث التاريخية. وبهذا يستطيع - إذا كان جريئاً، وكان صافي النفس - أن يكشف الستار عن الحقائق، ويجليها من الأصداء المتراكمة عليها طوال السنين، ومن السهل عليه إذن أن يكون ضميره أسرع إلى اقتباس الحقائق من عينيه، ويأمن كلّ خطأ.
وأيضاً يجب أن لا نشك أنّ لكلّ جيل، ولكلّ حضارة قيم اجتماعية هي مقياس الفضيلة في الموازين.
وكذلك لا شك في اختلاف هذه القيم، وتفاوت نسبها سموّاً واعتباراً، وواجب الباحث الفصل بينها بكلّ الاعتبارات المقوّمة لهذه القيم.
والإنسان الذي يرجّح في كفّة الميزان هو الذي تحفُّ بشخصه أعلا القيم، وأمثلها. وذلك بالحصول على أمثل الصفات وأعلاها، التي هي تجعله فريداً وحيداً. وأن يتّصف بالصفات التي تقرّبه من الله « تخلّقوا بأخلاق الله »، وكلما كان الإنسان قريباً من الله، فانياً في ذات الله، كانت إنسانيته أكمل، ومنزلته أعلى وأرفع.
أمّا علي فإنّه (في كلّ ناحية من نواحي الإنسانية ملتقى بسيرته(١» ، وقد (ورث عليّ بحكم مولده، ومربّاه مناقب النبوّة، ومواهب الرسالة، وبلاغة الوحي، وصراحة المؤمن)(٢) وقد تجمعت فيه أخلاق محمّد صلى الله عليه وآله
____________________
(١) عبقريّة الإمام للعقّاد.
(٢) تاريخ الآداب العربية للزيات.
وسلم، ومحمد إنسان تجمّعت في إنسانيته صفات روحيّة، جعلته أفضل مخلوق، وأشرف مخلوق، وفوق كلّ مخلوق.
وعليٌّ رديف محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. هذا للنبوة، وهذا للإمامة، وهو غرسه قد أخذ عنه أمثل الأخلاق، وأسمى الصفات؛ فكان عنواناً كاملاً لأسمى الصفات، وأمثل الأخلاق. والإسلام لم يعرف قط أصدق إسلاماً، ولا أشدّ إيماناً منه، ولم ينفذ الإسلام إلى أعماق قلب مسلم، كما نفذ إلى أعماق قلبه. كان يؤثر الآخرة على الأولى، ويعمل لإرضاء الله ورسوله، لإرضاء الناس، ولقد وصفه ضرار فأجاد الوصف قال:
(كان والله بعيد المدى، شديد القوى. يقول فصلاً، ويحكم عدلاً. يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطف الحكمة من نواحيه. يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبّئنا إذا استنبأناه. ونحن مع تقريبه إيّانا، وقربه منّا لا نكاد نكلّمه؛ لهيبته، ولا نبتدئه؛ لعظمته. يعظّم أهل الدين، ويحب المساكين. لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثُل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين يقول:
« يا دنيا إليكِ عنّي غرّي غيري، أ بي تعرّضتِ أم إليّ تشوقتِ؟ هيهات قد باينتك ثلاثاً لا رجعة لي عليكِ، فعمركِ قصير، وخطركِ حقير، وخطبكِ يسير. آه من قلّة الزاد، وبعد السفر. »
حقاً هذا هو عليّ عليه السلام، الشديد في محاسبة نفسه، وهذا هو علي حقّاً في كفة الميزان. فهل يرجح عليه أحد، أو يساويه أحد من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟.
هذا هو علي ( ع )، وتاريخه المجيد منذ طفولته مفعم بمئات من الأدلة والشواهد. وحسب القارئ أن يرجع إلى الأحاديث الصحيحة، والمشهورة، والمتواترة، الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في فضل عليّ عليه السلام، وقد مرّ عليك شيء منها، ونزيدك هنا بما يرجّحه في كفّة الميزان إذا نصبت الموازين:
رووا إنّه ُقدّم لرسول الله ( ص ) طير مشوي فقال:
« اللهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. »
فجاءه عليٌّ( ع ) فأكل معه(١) .
وعن سعد بن أبي وقاص(٢) (أمر معاوية بسبّ عليّ فامتنعتُ؛ فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟. قال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلن أسبّه، ولإن تكون لي واحدة منهن أحبّ
____________________
(١) أحمد في مسنده، وموفق بن أحمد عن ابن عباس، وعن أنس، والترمذي عن أنس، وابن أبي داوود، وابن المعازي من عشرين طريق.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، عن عامر أيضاً إلاّ أنّه قال: (أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ خير لي من حمر النعم). والترمذي أيضاً بعين ما عند مسلم.
إليّ من حمر النعم. سمعت رسول الله ( ص ) يقول له حين خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: « يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان. »
فقال له رسول الله (ص): « أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبوة بعدي. » وسمعته يقول يوم خيبر: « لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. » قال فتطاولنا لها فقال: « ادعوا عليّاً » فأتي به أرمداً؛ فبصق في عينيه، ودفع الراية له؛ ففتح الله عليه. ولمّا نزلت الآية( ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال« اللهم هؤلاء أهلي. »
ومن رواية أبي بكر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيّم خيمته، وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال:« يا معشر المسلمين، أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلاّ سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلاّ شقيّ الجد رديء الولادة. »
وحسب عليّ عليه السلام أن يكون مع القرآن، والقرآن معه. وأن يكون مع الحقّ، والحق معه، يدور معه كيف دار. وأن يكون عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ.
* * *
وأما الزهراء فبحسبها أن تكون مختارة الله؛ ليباهل بها رسول الله من تسع نسوة هنّ أمهات المؤمنين، ومن بين نسوة زكيّات المغرس في المنبت الأثيل، والشرف الموروث في المجد المؤثل خفرات عمر العلى غرّة المجد، وعقائل شيبة الحمد، كأم هاني وصفية.
ولا يجوز عند العقل أن يكون اختيار، ولا تكون أفضلية. ولا يتأتّى الاختيار إذا لم يكن هناك كمال مطلق، وأفضلية على سائر النساء. وإلاّ لزم الترجيح بدون مرجّح وهذا مستحيل عند العقل، لا يجوز على الحكيم.
ومن أجل هذا الاختيار نفهم التفضيل المطلق بدون مشاركة؛ لأن العقل لا يفهم الاختيار مع التساوي في الفضيلة، والمشاركة في الكمال.
فلابد إذن من أفضلية، وأكمليّة؛ ليقع الاختيار صحيحاً طبق العقل.
وإذا كانت سلام الله عليها قد اختارها الله مع من اختار، فما ذلك إلاّ من سموّ القدس، وغلبة الروحانية في الإنسانية الطاهرة المهذبة، وإذا غلبت الروحانية فقد تكاملت المثل العليا في النسوية العالية.
وعلى قدر نشأة النواميس الروحيّة في النفس البشرية تسمو الإنسانيّة، وترفع إلى منزلتها السامية التي أعدت لها في المكان الأرفع.
وحيث تجمعّت القوى الروحية، والنواميس القدسيّة في هذا الملاك النسوي الطاهر؛ فقد تهيأت النفس للمثل العليا، وخرقت العادة في اطّرادها البشري، حتّى تستحيل إلى معجزة في كمال الوجود، وكمال الفضيلة.
وهكذا كانت فاطمة بنت محمّد عليه وعليها السلام. فقد تجمّع في نسويتها نواميس روحية، وكمالات نفسيّة رفعتها في الإنسانية إلى أسمى الدرجات التي يصحّ في العقل أن ترتفع إليها امرأة، فهي إذن سيدة نساء العالمين. وكتب الحديث مليئة بالشواهد، والبراهين على فضلها، وعلو مقامها. وحسبها أنّها بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من آذاها آذى رسول الله، ومن أغضبها أغضبه.
أمّا الحسنان فبحسبهما هذا الاختيار لهما من الله تعالى.
وهذا الاختيار منه يجب أن يقطع جميع النوازع التي تحاك في الصدور، وقد لا يكون صعوبة في فهم الأفضلية حينما نفهم أنّ الاختيار من الله الحكيم، وقد رأينا من قبل أنّ الحكيم لا يختار إلاّ الأكمل الأفضل.
والقول بأنّ الله اختارهما، أمرٌ يقتضيه العقل، ويقرّه البرهان، والمنطق السديد.
والناس يخطئون فهم العقل، ويخطئون صواب المنطق، ويخطئون النبي حين يفهمون أنّ هذا الاختيار كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان تفسيراً منه للأنفس، والنساء، والأبناء، مأخوذاً بالعاطفة الإنسانية.
والمباهلة تشريع في المرحلة الحاسمة، جاء النص بها من الله سبحانه، وكما ترى المسألة مسألة إلزام الخصم حين لم ينفع معه البرهان. وإذن ليس لرسول الله( ص ) أن يختار مأخوذاً بالعاطفة، إذا جوزنا عليه ذلك تمشياً مع الخصم.
على أنّه في عرف اللغة العربية ما يشهد لنا ببنوّة الحسنين عليهما السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإذن فالآية نصّ صريح.
المفسرون
توطئة: القرآن الكريم هو كتاب الله المنزّل على نبيه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لهداية البشر، وهو آخر كتاب سماويٍ منزّل على آخر نبيّ مبعوث من عند الله سبحانه مربّياً وهادياً، ومنمياً للإحساس ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ،( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )
والقرآن هو الكتاب الخالد الذي لا تخلق جدته، وما زال، ولا يزال، ولن يزال مظهراً من مظاهر هداية الله، طبقاً لما في علمه الأزلي، يسير مع العصور في كلّ بيئة، ولكل جيل حتّى النهاية، وإلى قيام الساعة، وهو الكتاب الذي يتسامى عند العقل على كلّ كتاب أنزله الله جلّ وعلا، ومهمته هداية الناس إلى السعادتين.
وإنّه لمن الميسور جدّاً فهم القرآن الكريم، سواء في ذلك محكمه، ومتشابهه؛ لأن مردّه إلى اللغة، وإلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والراسخين في العلم من بعده حفظته، ومنفّذي أحكامه، وأعرف بحلاله وحرامه، وخاصه وعامه، ومطلقه ومقيّده.
والقرآن هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، والمخلصون لله وللدين لا يعدمون فيه الدليل على أيّ تكليف من التكاليف، أصولاً وفروعاً
فإنّ في القرآن تبيان كلّ شيء يحتاجه المسلمون لمعالم دينهم( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) ، مما يرجع إلى أحكام الإسلام، وأصوله( إلاّ أحصاها ) القرآن، وأشار إليها صريحاً حيناً، وتلويحاً حيناً آخر.
وأما الصراع الذي نشاهده أحياناً في التفسير، فليس مرجعه عجز القرآن، أو قصور لغته، أو عجز النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة من بعده عن تفسيره، وإنّما مرجع ذلك الصراع إلى الخلاف الذي انغمس فيه المسلمون منذ الساعة الأولى، وأكبر عناصر هذا الصراع، هو الصراع الذي شقّ المسلمين إلى نصفين، نصف إلى اليمين، ونصف إلى الشمال، والقرآن بينهما.
ولعلّ المفسرين انحرفوا مع ميولهم؛ متأثرين بالسياسة من ناحية، وبالعقيدة من ناحية أخرى، وأسدلوا على الواقع ستائر كثيفة مستندين إلى أحاديث أحسن ما توصف به أنّها من وضع السياسة، ومالوا إلى تأويلات تتجافاها اللغة، وتأباها الملابسات في البداية والنهاية.
ولعلّ السياسة في الصدر الأول شاءت أن تزج آية في غير مكانها؛ لغرض صرف الآية عن المعنى الذي سيقت له، كما ترى ذلك في آية:( إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .
وليس أدلّ على تأثير العقيدة، والسياسة على تفكير المفسرين من ذلك الصراع الحاد في تفسير قوله تعالى:( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) . فإنّ هذه الآية الكريمة أحيطت بميول، ونوازع دفعت المفسرين إلى التفسير البعيد الذي لا يتصل بالآية، ولا بملابساتها، ولعلّ تلك الميول أرادت أن تصرف الآية عن معناها إلى معنى آخر
يكاد أن يكون غريباً عن المعنى الذي يلوح به قوله( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ) فإنّه ليس في الشريعة من أحكام يخشى إظهارها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك ليس فيها تكاليف هي موضع العتبى؛ ليعصمه الله من الناس، وعند نزول الآية كانت الشريعة تامةً كاملةً.
ولا نريد أن ننكر أنّ في المفسرين من لا قصد له، ولكنّه انخدع في الظواهر؛ فسار في طريقه، ورائده حسن الظن.
ولكن يجب أن لا نشكّ بأنّ التفسير مع الإخلاص، وحسن النيّة يلزمه البحث في كلّ مرحلة من مراحل الملابسات، والعلل، وأسباب النزول، وبدايتها، ونهايتها. وموقع الآية من الكلام، وما إلى ذلك من مراحل ظواهر الآيات، وسياقها وإن تغاضى المفسر عن شيء من ذلك فقد أشطط في القول، وصرف الكلام العربي البليغ عن معناه.
وكذلك نرى العقيدة حكمت على بعض المفسرين بصرف معنى الولاية في آية( إنّما وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فلقد فرّقوا بين الولاية لله ولرسوله، والولاية لأولي الأمر الذين يعطون الزكاة وهم راكعون. ولم يكن من داعٍ لذلك سوى أنّ الذي أعطى الزكاة هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( ع ).
وإنّه لمن المؤسف أشد الأسف أن نجد من المفسرين من جرفته السياسة الخادعة إلى اصطناع أساليب بعيدة عن المقصد السامي الذي يحاوله كتاب الله المجيد، ويجترئون على صرف الآيات عن مقصدها؛ لغرض أكثر ما يتّصل بالسياسة والعقيدة، وهذه الجرأة قد أدّت إلى القول بالرأي في كتاب
المؤمنينعليهالسلام : فإنّه بغى عليك ولو بارزته لقتلته ، ولو بغى جبل على جبل لهُدّ الباغي »(١) .
مسألة ٣٩ : ينبغي للمسلم أن لا يطلب المبارزة إلّا بإذن الإمام إذا أمكن - وبه قال الثوري وإسحاق وأحمد(٢) - لأنّ الامام أعرف بفرسانه وفرسان المشركين ومَنْ يصلح للمبارزة ومَنْ لا يصلح ومَنْ يكون قرناً للكافر ومَنْ لا يكون ، فربما تضرّر المسلمون. بكسر قلوبهم عند عجز صاحبهم ، فينبغي تفويضه إلى الإمام ليختار للمبارزة مَنْ يرتضيه لها ، فيكون أحفظ لقلوب المسلمين وكسر قلوب الكفّار.
ولأنّ عليّاًعليهالسلام وحمزة وعبيدة استأذنوا النبيعليهالسلام يوم بَدْر ، رواه العامّة(٣) .
ومن طريق الخاصّة : أنّ أمير المؤمنينعليهالسلام سُئل عن المبارزة بين الصفّين بغير إذن الإمام ، قال: « لا بأس بذلك ، ولكن لا يطلب ذلك إلّا بإذن الإمام »(٤) .
ورخّص فيها مطلقاً من غير إذن الإمامِ مالك والشافعي وابن المنذر ؛ لأنّ أبا قتادة قال : بارزت رجلاً يوم خيبر(٥) فقتلته. ولم يُعلم أنّه استأذن النبيعليهالسلام (٦) .
____________________
(١) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ٣٤ - ٣٥ / ٢ بتفاوت يسير.
(٢ و ٣) المغني ١٠ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٧.
(٤) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٣.
(٥) في الشرح الكبير : « حنين » بدل « خيبر ».
(٦) المغني ١٠ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٨ ، الوجيز ٢ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٦ و ٤٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٨ ، معالم السنن - للخطّابي - ٤ : ١١ ، الجامع لأحكام القرآن ٣ : ٢٥٨.
وهي حكاية حال لا عموم لها. ولاحتمال أن يكون المشرك سأل المبارزة ، لا أنّ أبا قتادة طلبها.
ويؤيّده : قول الصادقعليهالسلام : « إنّ الحسن بن عليعليهماالسلام دعا رجلاً إلى المبارزة ، فعلم أمير المؤمنينعليهالسلام ، فقال له : لئن عدت إلى مثلها لاُعاقبنّك ، ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنّك ، أما علمت أنّه بغى »(١) .
وقد ظهر من هذا أنّ طلب المبارزة ممنوع منه بغير إذن الإمام ، وفعلها سائغ من دون إذنه.
مسألة ٤٠ : إذا خرج عِلْجٌ(٢) يطلب البراز ، استحبّ لمن فيه قوّة ( أن يبارزه )(٣) بإذن الإمام ، وينبغي للإمام أن يأذن له في ذلك ؛ لأنّ في تركه ضعف قلوب المسلمين واجتراء المشركين ، وفي الخروج ردّ عن المسلمين وإظهار قوّتهم وشجاعتهم.
فانقسمت(٤) أربعة أقسام :
الأوّل : أن تكون واجبةً ، وهي ما إذا ألزم الإمام بها.
الثاني : أن تكون مستحبّةً ، وهي أن يخرج ( رجل من المشركين )(٥) فيطلب المبارزة ، فيستحبّ ( لمن فيه قوّة )(٦) من المسلمين الخروج إليه.
الثالث : أن تكون مكروهةً ، وهي أن يخرج الضعيف من المسلمين
____________________
(١) التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ٣٤ - ٣٥ / ٢ : « الحسين بن عليعليهماالسلام ».
(٢) العِلْج : الرجل القويّ الضخم من الكفّار. لسان العرب ٢ : ٣٢٦ « علج ».
(٣) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : مبارزته.
(٤) أي : المبارزة.
(٥) بدل ما بين القوسين في « ك» : المشرك.
(٦) بدل ما بين القوسين في « ق » : لذي القوّة.
الذي لا يعلم من نفسه المقاومة.
الرابع : أن تكون مباحةً ، وهي أن يخرج ابتداءً فيبارز.
مسألة ٤١ : إذا خرج المشرك وطلب المبارزة ، جاز لكلّ أحد رميه وقتله ؛ لأنّه مشرك لا أمان له ولا عهد إلّا أن تكون العادة بينهم جارية أنّ مَنْ خرج يطلب المبارزة لا يتعرّض له ، فيجري مجرى الشرط ، فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه ، وجب الوفاء له بالشرط ، لقولهعليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .
فإن انهزم المسلم تاركاً للقتال أو مثخناً بالجراح ، جاز قتاله ؛ لأنّ المسلم إذا صار إلى هذه الحالة فقد انقضى القتال ، والمشرك شرط الأمان ما دام في القتال وقد زال.
ولو شرط المشرك أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفّه ، وجب الوفاء له إلّا أن يترك المسلم قتاله أو يثخنه بالجراح فيرجع فيتبعه فيقتله ، أو يخشى عليه منه فيمنع ويدفع عن المسلم ويقاتل إن امتنع من الكفّ عنه إلّا بالقتال ؛ لأنّه نقض الشرط وأبطل أمانه بمنعهم من تخليصه.
ولو أعان المشركون صاحبَهم ، كان على المسلمين إعانةُ صاحبهم ، ويقاتلون مَنْ أعان عليه ، ولا يقاتلونه ؛ لأنّ النقض ليس من جهته.
وإن كان قد شرط أن لا يقاتله غير مبارزه ، وجب الوفاء له. فإن استنجد أصحابَه فأعانوه ، فقد نقض أمانه ، ويقاتل معهم. ولو منعهم فلم يمتنعوا ، فأمانُه باقٍ ، فلا يجوز قتاله ولكن يقاتل أصحابه.
هذا إذا أعانوه بغير قوله ، ولو سكت ولم ينههم عن إعانته ، فقد
____________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٩ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥.
نقض أمانه ؛ لأنّ سكوته يدلّ على الرضى بذلك ، أمّا لو استنجدهم ، فإنّه يجوز قتاله مطلقاً.
ولو طلب المشرك المبارزة ولم يشترط(١) ، جاز معونة قرنه. ولو شرط أن لا يقاتله غيره ، وجب الوفاء له. فإن فرّ المسلم وطلبه(٢) الحربي ، جاز دفعه ، سواء فرّ المسلم مختاراً أو لإثخانه بالجراح.
ويجوز لهم معاونة المسلم مع إثخانه.
وقال الأوزاعي : ليس لهم ذلك(٣) .
وهو غلط ؛ لأنّ عليّاًعليهالسلام وحمزة أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين أثخن عبيدة(٤) .
ولو لم يطلبه المشرك ، لم تجز محاربته ؛ لأنّه لم ينقض شرطاً.
وقيل : يجوز قتاله ما لم يشترط(٥) الأمان حتى يعود إلى فئته(٦) .
مسألة ٤٢ : تجوز المخادعة في الحرب وأن يخدع المبارز قرنه ليتوصّل بذلك إلى قتله إجماعاً.
روى العامّة أنّ عمرو بن عبد وُدّ بارز عليّاًعليهالسلام ، فقال : ما اُحبّ ذلك يا بن أخي ، فقال عليعليهالسلام : « لكنّي أحبّ أن أقتلك » فغضب عمرو وأقبل إليه ، فقال عليعليهالسلام : « ما برزت لأقاتل اثنين » فالتفت عمرو ، فوثب عليعليهالسلام فضربه ، فقال عمرو : خدعتني ، فقال عليعليهالسلام : « الحرب خدعة »(٧) .
____________________
(١) في « ق » : ولم يشرط.
(٢) في « ق » : فطلبه.
(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٣٨٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٠.
(٥) في « ق » : لم يشرط.
(٦) كما في شرائع الإسلام ١ : ٣١٣.
(٧) تاريخ الطبري ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٠.
ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليهالسلام : « إنّ عليّاًعليهالسلام كان يقول : لئن تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول على رسول اللهصلىاللهعليهوآله ما لم يقل ، سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوآله يقول : الحرب خدعة»(١) .
مسألة ٤٣ : يكره تبييت العدوّ ليلاً ، وإنّما يلاقون بالنهار ، إلّا مع الحاجة إلى التبييت فيبيّتهم.
ويستحبّ أن يلاقوا بالنهار ، ويبدأ بالقتال بعد الزوال ، ويكره قبله إلّا مع الحاجة.
ويكره أن يعرقب الدابّة ، وإن وقفت به ، ذبحها ولا يعرقبها.
وأمّا نقل رؤوس المشركين إلى بلاد الإسلام : فإن اشتمل على نكاية في الكفّار ، لم يكن مكروها. وكذا إن اُريد معرفة المسلمين بموته ؛ فإنّ أبا جهل لمـّا قتل حمل رأسه(٢) . وإن لم يكن كذلك ، كان مكروهاً ؛ لأنّه لم ينقل إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآله رأس كافر قطّ.
وللشافعي وجهان : الكراهة وعدمها(٣) .
____________________
(١) التهذيب ٦ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٩٨.
(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٨.
(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٨ - ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٠.
الفصل الثالث
في الأمان
وفيه مباحث :
عقد الأمان ترك القتال إجابةً لسؤال الكفّار بالإمهال ، وهو جائز إجماعاً.
قال الله تعالى :( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (١) .
وروى العامّة : أنّ النبيصلىاللهعليهوآله أمَّن المشركين يوم الحديبيّة ، وعقد معهم الصلح(٢) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه السكوني عن الصادقعليهالسلام ، قال : قلت : ما معنى قول النبيصلىاللهعليهوآله : « يسعى بذمّتهم أدناهم »؟ قال « لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا(٣) قوماً من المشركين فأشرب رجل فقال : أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم فاُناظره(٤) ، فأعطاه الأمان أدناهم ، وجب على أفضلهم الوفاء به »(٥) .
____________________
(١) التوبة : ٦.
(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤٠٩ / ١٧٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٣٨ - ١٣٩ / ٦٥٨ و ٥٦٣ - ٥٦٤ / ٣١٧٧.
(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حاصر ». وما أثبتناه من المصدر.
(٤) في النسخ الخطّية والحجريّة : « فأنظره ». وما أثبتناه من المصدر.
(٥) الكافي ٥ : ٣٠ - ٣١ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٤.
ولا خلاف بين المسلمين في ذلك.
مسألة ٤٤ : إنّما يجوز عقد الأمان مع اعتبار المصلحة ، فلو اقتضت المصلحة ترك الأمان وأن لا يجابوا إليه ، لم يفعل ؛ لأنّه مصلحة في بعض الأحوال ومكيدة من مكايد القتال في المبارزة ، فإذا لم تكن مصلحة ، لم يجز فعله ، وسواء في ذلك عقد الأمان لمشرك واحد أو لجماعة كثيرة ، فإنّه جائز مع المصلحة إجماعاً.
ومَنْ طلب الأمان من الكفّار ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام ، وجب أن يعطى أماناً ثم يردّ إلى مأمنه ؛ للآية(١) .
ويجوز أن يعقد الأمان لرسول المشركين وللمستأمن ؛ لأنّ النبيصلىاللهعليهوآله كان يؤمن رُسُل المشركين(٢) . ولأنّ الحاجة تدعو إلى المراسلة ، ولو قَتَلوا رسلهم لقتلوا رُسُلَنا فتفوت المصلحة.
ولا تقدّر مدّة العقد لهما بقدر ، بل يجوز مطلقاً ومقيّداً بزمان طويل أو قصير نظراً إلى المصلحة.
مسألة ٤٥ : يجوز للإمام عقد الصلح إجماعاً ؛ لأنّ أمور الحرب موكولة إليه كما كانت موكولة إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فإن رأى المصلحة في عقده لواحد ، فَعَل ، وكذا لأهل حصن أو قرية أو بلد أو إقليم ولجميع الكفّار بحسب المصلحة ؛ لعموم ولايته ، ولا نعلم فيه خلافا.
____________________
(١) التوبة : ٦.
(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٣ - ٨٤ / ٢٧٦١ و ٢٧٦٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٢١١ ، المغني ١٠ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.
وأمّا نائبه : فإن كانت ولايته عامّة ، كان له ذلك أيضا ، وإن لم تكن عامّة ، جاز عقد أمانه لجميع من في ولايته ولآحادهم ، وأمّا غير ولايته : فحكمه حكم آحاد الرعايا.
وأمّا آحاد الرعية : فيصحّ أمان الواحد منهم للواحد من المشركين وللعدد اليسير ، كالعشرة والقافلة القليلة والحصن الصغير ؛ لعموم قولهعليهالسلام : « ويسعى بذمّتهم أدناهم »(١) .
ولقول الصادقعليهالسلام : « إنّ عليّاًعليهالسلام أجاز أمان عبدٍ مملوك لأهل حصن ، وقال : هو من المؤمنين »(٢) .
ولأنّ علّة تسويغه للواحد - وهو استمالته إلى الإسلام مع الأمن منه - موجود في العدد اليسير.
أمّا العدد الكثير من المشركين فإنّه موكول إلى الإمام خاصّة ؛ لأنّ في تسويغه للواحد من المسلمين تعطيلاً للجهاد على الإمام وتقويةً للكفّار.
مسألة ٤٦ : يصحّ عقد الأمان من الحُرّ والعبد المأذون له في الجهاد وغير المأذون ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أكثر العلماء والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، وهو مروي عن عليعليهالسلام ، وعن عمر(٣) - لما رواه العامّة عن النبيصلىاللهعليهوآله أنّه قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم
____________________
(١) سنن أبي داوُد ٤ : ١٨٠ - ١٨١ / ٤٥٣٠ ، سنن النسائي ٨ : ١٩ - ٢٠ و ٢٤ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٣١ / ١٥٥ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٩ ، و ٣٠ ، و ٩ : ٩٤ ، مسند أحمد ١ : ١٩١ / ٩٦٢ ، الكافي ٥ : ٣٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٥.
(٢) الكافي ٥ : ٣١ / ٢ ، التهذيب : ١٤٠ / ٢٣٥.
(٣) المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ ، الاُمّ ٤ : ٢٨٤ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٠.
فمَنْ أخفر(١) مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبل منه صرف ولا عدل »(٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليهالسلام : « إنّ عليّاًعليهالسلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن وقال : هو من المؤمنين »(٣) .
ولأنّه مسلم مكلّف غير متّهم في حقّ المسلمين ، فصحّ أمانه ، كالحُرّ.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يصحّ أمان العبد إلّا أن يكون مأذوناً له في القتال ، لأنّه لا يجب عليه الجهاد ، فلا يصحّ أمانه ، كالصبي(٤) .
وينتقض بالمرأة والمأذون له.
مسألة ٤٧ : يصحّ أمان المرأة إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلىاللهعليهوآله أجاز أمان اُمّ هاني ، وقال : « إنّما يجير على المسلمين أدناهم »(٥) .
وأمّا المجنون فلا ينعقد أمانه ؛ لرفع القلم عنه.
وكذا الصبي لا ينعقد أمانه وإن كان مميّزاً مراهقاً - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٦) - لرفع القلم عنه.
____________________
(١) الخُفارة : الذمام. وأخفرت الرجل : إذا نقضت عهده وذمامه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٥٢ « خفر ».
(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٢٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٩٩ / ٤٧٠ ، سنن البيهقي ٩ : ٩٤ ، المغني ١٠ : ٤٢٤.
(٣) الكافي ٥ : ٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٥.
(٤) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٠ ، المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٣.
(٥) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٣٤ / ٢٦١٢ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦.
(٦) الاُمّ ٤ : ٢٨٤ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٦ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٧ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٣.
وقال مالك وأحمد : يصحّ أمان المراهق(١) ؛ لقولهعليهالسلام : « إنّما يجير على المسلمين أدناهم»(٢) .
وليس حجّةً ؛ لعدم إسلامه حقيقةً وإنّما هو تمرين.
وأمّا المكره فلا ينعقد أمانه إجماعاً ، وكذا مَنْ زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك ؛ لعدم معرفته بمصلحة المسلمين ، فأشبه المجنون.
وأمّا الكافر فلا ينعقد أمانه وإن كان ذمّيّاً ؛ لأنّ النبيصلىاللهعليهوآله قال : « ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم »(٣) فجَعَل الذمّة للمسلمين. ولأنّه متّهم على المسلمين.
وأمّا الأسير من المسلمين فإذا عقد أماناً باختياره ، نفذ ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) . وكذا يجوز أمان التاجر والأجير في دار الحرب.
وقال الثوري : لا يصحّ أمان أحد منهم(٥) . والعموم يُبطله.
والشيخ الهِمّ والسفيه ينعقد أمانهما - وبه قال الشافعي(٦) - للعموم.
مسألة ٤٨ : إذا انعقد الأمان ، وجب الوفاء به على حسب ما شرط فيه من وقت وغيره ما لم يخالف المشروع بالإجماع.
قال الباقرعليهالسلام : « ما من رجل آمَن رجلاً على ذمّة(٧) ثمّ قتله إلّا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر »(٨) .
____________________
(١) المنتقي - للباجي - ٣ : ١٧٣ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٠ ، المغني ١٠ : ٤٢٥ - ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٦ و ٥٤٧.
(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٨ ، الهامش (٥)
(٣) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص ٨٨ ، الهامش (٢)
(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٧.
(٦) الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.
(٧) في « ق ، ك» : دمه.
(٨) الكافي ٥ : ٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٦.
ولو انعقد فاسداً ، لم يجب الوفاء به إجماعاً ، كأمان الصبي والمجنون ، وكما إذا تضمّن الذمام شرطاً لا يسوغ الوفاء به.
وفي هذه الحالات كلّها يجب ردّ الحربي إلى مأمنه ، ولا يجوز قتله ؛ لأنّه اعتقد صحّة الأمان ، وهو معذور ، لعدم علمه بأحكام الإسلام.
وكذا كلّ حربي دخل دار الإسلام بشبهة الأمان ، كمن سمع لفظاً فاعتقده أمانا ، أو صحب رفقة فتوهّمها أمانا ، أو طلبوا أمانا فقال المسلمون : لا نذمّكم ، فاعتقدوا أنّهم أذمّوهم ، فلا يجوز قتلهم ، بل يردّون إلى مأمنهم ، لقول الصادق و(١) الكاظمعليهماالسلام : « لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان ، فقالوا : لا ، فظنّوا أنّهم قالوا : نعم ، فنزلوا إليهم ، كانوا آمنين »(٢) .
مسألة ٤٩ : الأمان ينعقد بالعبارة والمراسلة والإشارة المفهمة والمكاتبة.
وقد ورد في الشرع للعبارة صيغتان : أجرتك ، وأمَّنتك.
قال الله تعالى :( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ ) (٣) .
وقال النبيصلىاللهعليهوآله : « مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومَنْ أغلق بابه فهو آمن »(٤) .
____________________
(١) في المصدر : أو.
(٢) الكافي ٥ : ٣١ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ / ٢٣٧.
(٣) التوبة : ٦.
(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٤٠٨ / ٨٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٦٢ / ٣٠٢١.
وينعقد الأمان بأي اللفظين وقع ، وبما يؤدّي معناهما ، مثل : أذممتك ، أو : أنت في ذمّة الإسلام ، سواء أدّى بالصريح أو بالكناية مع القصد بلغة العرب أو غيرها ، فلو قال بالفارسيّة : « مَتَرس » - أي : لا تخف(١) - فهو آمن.
أمّا قوله : لا بأس عليك ، أو : لا تخف ، أو : لا تذهل ، أو : لا تحزن ، وما شاكله : فإن علم من قصده الأمان ، فهو أمان(٢) ؛ لأنّ المراعي القصد لا اللفظ ، وإن لم يقصد ، لم يكن أماناً إلّا أنّهم لو سكنوا إلى ذلك ودخلوا ، لم يتعرّض لهم ويردّون إلى مأمنهم.
وكذا لو أومأ مسلم إلى مشرك بما توهّمه أماناً فأخلد إليه ودخل دار الإسلام.
ولو أشار المسلم إليهم بما يرونه أماناً وقال : أردت به الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم أرد به(٣) الأمان ، فالقول قوله ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، فيرجع إليه.
ولو دخل بسفارة أو لسماع كلام الله ، لم يفتقر إلى عقد أمان ، بل ذلك القصد يؤمّنه. وقصد التجارة لا يؤمّنه وإن ظنّه أماناً.
ولو قال الوالي : أمّنت مَنْ قصد التجارة ، صحّ.
ولو خرج الكفّار من حصنهم بناءً على هذه الإشارة وتوهّمهم أنّها أمان ، لم يجز قتلهم.
ولو مات المسلم ولم يبيَّن أو غاب ، كانوا آمنين ورُدّوا إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حَرْباً.
____________________
(١) جملة : « أي لا تخف » لم ترد في « ق ، ك».
(٢) في « ك» والطبعة الحجرية : آمن.
(٣) في « ق ، ك» : « منه » بدل « به ».
ولو قال للكافر : قِفْ ، أو : قُمْ ، أو : ألق سلاحك ، فليس أماناً ، خلافاً لبعض العامّة(١) .
وقال الأوزاعي : إن(٢) ادّعى الكافر أنّه أمان ، أو قال : إنّما وقفت لندائك ، فهو آمن ، وإن لم يدّع ذلك ، فليس أماناً(٣) .
وهو غلط ؛ لأنّه لفظ لا يشعر منه الأمان ولا يستعمل فيه دائماً ، فإنّه إنّما يستعمل غالباً للإرهاب والتخويف ، فيصدَّق المسلم ، فإن قال : قصدت الأمان ، فهو أمان ، وإن قال : لم اُرده ، سُئل الكافر فإن قال : اعتقدته أماناً ، رُدّ إلى مأمنه ، ولم يجز قتله ، وإن لم يعتقده ، فليس بأمان ، ولو ردّ الكافر الأمان ، ارتدّ الأمان ، وإن قَبِل صحّ ، ولا يكفي سكوته ، بل لا بدّ من قبوله ولو بالفعل.
ولو أشار عليهم مسلم في صفّ الكفّار فانحاز إلى صفّ المسلمين وتفاهما الأمان ، فهو أمان ، وإن ظنّ الكافر أنّه أراد الأمان والمسلم لم يُرده ، فلا يغتال بل يلحق بمأمنه ، ولو قال : ما فهمت الأمان ، اغتيل.
مسألة ٥٠ : يجوز الأمان بالمراسلة.
وينبغي لأمير العسكر أن يتخيّر للرسالة رجلاً مسلماً أميناً عدلاً ، ولا يكون خائناً ولا ذميّاً ولا حربيّاً مستأمناً ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٤) .
وأنكر عمر على أبي موسى الأشعري لمـّا اتّخذ كاتباً نصرانيّاً ، وقال :
____________________
(١) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٤٩.
(٢) في « ك» والطبعة الحجرية : « لو » بدل « أن ».
(٣) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٤٩.
(٤) هود : ١١٣.
اتّخذت بطانةً من دون المؤمنين وقد قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً ) (١) (٢) أي : لا يقصّرون في فساد اُموركم.
وينبغي أن يكون بصيراً بالاُمور عارفاً بمواقع أداء الرسالة.
وإذا أرسل الأمير رسولاً مسلماً فذهب الرسول إلى أمير المشركين فبلّغه الرسالة ، ثمّ قال له : إنّي اُرسل على لساني إليك الأمان ولأهل ملّتك فافتح الباب ، ثمّ ناوله كتاباً صنعه على لسان الأمير وقرأه بمحضر من المسلمين ، فلمـّا فتحوا ودخل المسلمون وشرعوا في السبي ، فقال لهم أمير المشركين : إنّ رسولكم أخبرنا(٣) أنّ أميركم أمَّننا ، وشهد اُولئك المسلمون على مقالته ، كانوا آمنين ، ولم يجز سبيهم ؛ لعسر التمييز بين الحقّ والاحتيال في حقّ المبعوث إليه ؛ إذا الاعتماد على خبره ، فيجعل كأنّه صدق بعد ما تثبت رسالته ؛ لئلّا يؤدّي إلى الغرور في حقّهم وهو حرام.
مسألة ٥١ : لو أرسل الأمير إليهم مَنْ يُخبرهم بأمانة ثمّ رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة ، فهُمْ آمنون وإن لم يعلم المسلمون التبليغ ؛ لأنّ البناء إنّما هو على الظاهر فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته ، ولأنّ قول الرسول يحتمل الصدق ، فتثبت شبهة التبليغ.
ولو كتب مَنْ ليس برسول كتاباً فيه أمانهم وقرأه عليهم وقال : إنّي رسول الأمير إليكم ، لم يكن أماناً من جهته ؛ لأنّه ليس للواحد من
____________________
(١) آل عمران : ١١٨.
(٢) اُنظر : أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٣٧ ، وأحكام القرآن - للكيا الهراسي - ٢ : ٣٠٤ ، والجامع لأحكام القرآن ٤ : ١٧٩.
(٣) في « ق » : خبّرنا.
المسلمين أن يؤمّن حصناً كبيراً ، ولا من جهة الإمام ؛ لأنّه ليس برسوله ، ولا غرور هنا ؛ لأنّ التقصير من جهتهم حيث عوّلوا على قول مجهول لم يعتضد بشهادة أحد من المسلمين.
ولو ناداهم من صفّ المسلمين مسلمٌ - وهُمْ قليلون يصحّ أمان الواحد لهم - إنّي رسول الأمير إليكم وإنّه أمَّنكم ، كان أماناً من جهته ؛ لأنّ مَنْ يملك الأمان إذا أخبر عمّن يملك الأمان ، كان أماناً صحيحاً ؛ لأنّه على تقدير صدقه يكون أماناً من جهة المخبر عنه ، وعلى تقدير كذبه يكون أماناً من جهته.
مسألة ٥٢ : إذا أمّن الإمام أو نائبه المشركين ثمّ بعث ( إليهم رسولاً )(١) لينبذ إليهم ويُخبرهم نقض العهد ، فجاء الرسول وأخبر بإعلامهم ، لم يعرّض لهم حتى يعلموا ذلك بشاهدين ؛ لأنّ خبره دائر بين الصدق والكذب ، وليس بحجّة في نقض العهد ؛ لتعلّقه باستباحة السبي واستحلال الأموال والفروج والدماء ، وهو لا يثبت مع الشبهة ، بخلاف الأمان ؛ فإنّ قوله حجّة فيه ، لتعلّقه بحفظ الأموال وحراسة الأنفس وحقن الدماء ، وهو يثبت مع الشبهة.
فلو أغار المسلمون فقالوا : لم يبلغنا خبر رسولكم ، فالقول قولهم ؛ لأنّهم أنكروا نبذ الأمان ، والأصل معهم ، فيصار إلى قولهم ؛ لأنّ في وسع الإمام أن ينفذ إليهم مع الرسول شاهدين.
أمّا لو كتب الإمام إليهم نقض العهد وسيّره مع رسوله وشاهدين ، فقرأه عليهم بالعربيّة واحتاجوا إلى ترجمان يُترجم بلسانهم ، وشهد الآخران
____________________
(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : رجلاً.
عليهم ، فادّعوا أنّ الترجمان لم يُخبرهم بنقض العهد بل أخبرهم(١) بأنّ الإمام زاد في مدّة الأمان ، لم يلتفت إليهم ؛ لأنّ الإمام أتى بما في وسعه من الإخبار بالنقض والشهادة ، وإنّما التقصير من جهتهم حيث اختاروا للترجمة خائناً ، إلّا أن يعلم مَنْ حضر من المسلمين أنّ الترجمان خان فيُقبل قولهم.
ولو خاف الإمام أن يكون الرسول قد رأى عورةً للمسلمين يدلّ عليها العدوّ ، جاز له منعه من الرجوع ، وكذا يمنع التاجر لو انكشف على عورة ينبغي إخفاؤها عن المشركين ، ويجعل عليهما حرساً يحرسونهما نظراً للمسلمين ودفعاً للفتنة عنهم.
ولو خاف هربهما مع احتياجه إلى حفظهما ، جاز له أن يقيّدهما حتى تنقضي الحاجة.
ولو لم يخف الإمام منهما ، أنفذهما ، فإن خافا من اللصوص ، سيَّر معهما مَنْ يبلغهما مأمنهما ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (٢) .
ويجوز الاستئجار عليه من بيت المال ، وكذا مؤونتهما من بيت المال حال(٣) منعهما.
مسألة ٥٣ : وقت الأمان قبل الأسر ، فيجوز عقده لآحاد المشركين قبل الأسر إجماعاً.
وهل يجوز لآحاد المسلمين عقد الأمان بعد الأسر؟ منعه علماؤنا
____________________
(١) في « ق » : « أخبر » بدل « أخبرهم ».
(٢) التوبة : ٦.
(٣) في « ك» والطبعة الحجريّة : حالة.
وأكثر أهل العلم(١) ؛ لأنّه قد ثبت للمسلمين حقّ استرقاقه ، فلا يجوز إبطاله. ولأنّ المشرك إذا وقع في الأسر ، يتخيّر الإمام فيه بين أشياء تأتي ، ومع الأمن يبطل التخيير ، فلا يجوز إبطال ذلك عليه.
وقال الأوزاعي : يصحّ عقده بعد الأسر ؛ لأنّ زينب بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآله أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع ، فأجاز النبيصلىاللهعليهوآله أمانها(٢) (٣) .
وليس حجّةً ؛ لأنّ للإمام ذلك فكيف النبيصلىاللهعليهوآله ، والنزاع في آحاد المسلمين.
مسألة ٥٤ : يجوز للإمام أن يؤمّن الأسير بعد الاستيلاء عليه والأسر ؛ لأن النبيصلىاللهعليهوآله أجاز أمان زينب لزوجها(٤) . ولأنّ للإمام أن يمنّ عليه فيطلقه والأمان دون ذلك(٥) ، بخلاف آحاد المسلمين.
ولو حصل الكافر في مضيق أو في حصن فلحقه المسلمون ، صحّ الأمان ؛ لأنّه بعدُ على الامتناع.
ولو أقرّ المسلم بأمان المشرك ، فإن كان في وقت يصحّ منه إنشاء الأمان ، صحّ إقراره وقُبِل منه إجماعاً ، وإن كان في وقت لا يصحّ منه إنشاؤه - كما لو أقرّ بعد الأسر - لم يُقبل قوله إلّا أن تقوم بيّنة بأمانه قبل الأسر.
ولو شهد جماعة من المسلمين أنّهم أمّنوه ، لم يقبل ؛ لأنّهم يشهدون
____________________
(١) المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.
(٢) سنن البيهقي ٩ : ٩٥.
(٣) المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٢.
(٤) سنن البيهقي ٩ : ٩٥ ، المغني ١٠ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.
(٥) في « ق ، ك» : والأمان دليل ذلك. وفي الطبعة الحجريّة : والأمان دليل على ذلك. وما أثبتناه يقتضيه السياق.
على فعلهم. وبه قال الشافعي(١) .
وقال بعض العامّة : يُقبل ؛ لأنّهم عدول من المسلمين غير متّهمين شهدوا بأمانه ، فوجب أن يُقبل ، كما لو شهدوا على غيرهم أنّه أمّنه(٢) .
أمّا لو شهد بعضهم أنّ البعض الآخر أمّنه ، قُبل.
مسألة ٥٥ : لو جاء مسلم بمشرك فادّعى أنّه أسره وادّعى الكافر أنّه أمّنه ، قدّم قول المسلم؛ لاعتضاده بأصالة إباحة دمه وعدم الأمان.
وقيل : يُقبل قول الأسير ؛ لاحتمال صدقه ، فيكون شبهةً في حقن دمه(٣) .
وقيل : يرجع إلى شاهد الحال ، فإن كان الكافر ذا قوّة ومعه سلاحه ، فالظاهر صدقه ، وإلّا فالظاهر كذبه(٤) .
ولو صدّقه المسلم ، لم يُقبل ؛ لأنّه لا يقدر على أمانه ولا يملكه ، فلا يُقبل إقراره به.
وقيل : يُقبل ؛ لأنّه كافر لم يثبت أسره ولا نازَعه فيه مُنازع ، فقُبل قوله في الأمان(٥) . ولا بأس به.
ولو أشرف جيش الإسلام على الظهور فاستذمّ الخصم ، جاز مع نظر المصلحة. ولو استذمّوا بعد حصولهم في الأسر فأذمّ ، لم يصح على ما قلنا. ولو ادّعى الحربيّ الأمان فأنكر المسلم ، فالقول قول المسلم ؛ لأصالة
____________________
(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢ ، المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.
(٢) المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٤٨.
(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥١.
(٥) المغني ١٠ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥١ - ٥٥٢.
عدم الأمان وإباحة دم المشرك. ولو حِيل بينه وبين الجواب بموت أو إغماء ، لم تسمع دعوى الحربيّ. وفي الحالين يردّ إلى مأمنه ثم هو حَرْبٌ.
مسألة ٥٦ : شرط الأمان أن لا يزيد على سنة إلّا مع الحاجة ، ويصحّ على أربعة أشهر وفوق ذلك إلى السنة.
وللشافعي فيما بين السنة وأربعة أشهر قولان(١) .
ولو أمّن جاسوساً أو من فيه مضرّة ، لم يصح. ولا تُشترط المصلحة في عقد الأمان ، بل يكفي عدم المضرّة في الصحّة.
ويصحّ الأمان بجُعْل وغيره(١) ، فلو حصر المسلمون حصناً فقال لهم رجل : أمِّنوني أفتح لكم الحصن ، جاز أن يعطوه أماناً إجماعاً. فإن أمّنوه ، لم يجز لهم نقض أمانه ، فإن أشكل القائل وادّعاه كلّ واحد من أهل الحصن ، فإن عُرف صاحب الأمان ، عُمل على ما عرف ، وإن لم يُعرف ، لم يُقتل واحد منهم ؛ لاحتمال صدق كلّ واحد وقد حصل اشتباه المحرَّم بالمحلَّل فيما لا ضرورة إليه ، فكان الكلّ حراماً ، كالأجنبيّة المشتبهة بالاُخت.
قال الشافعي : ويحرم استرقاقهم ؛ لما قلنا في القتل ؛ فإنّ استرقاق مَنْ لا يحلّ استرقاقه محرَّم(٣) .
وقال بعض العامّة : يقرع فيخرج صاحب الأمان ويسترقّ الباقي ؛ لأنّ الحقّ لواحد وقد اشتبه ، كما لو أعتق عبداً من عشرة ثمّ اشتبه ، بخلاف
____________________
(١) الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٠.
(٢) في « ق ، ك» : وبغيره.
(٣) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.
القتل ؛ فإنّ الاحتياط فيه أبلغ من الاحتياط في الاسترقاق(١) .
قال الأوزاعي : لو أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه وكانوا عشرةً فاسترقّ(٢) علينا ثمّ أشكل فادّعى كلّ واحد منهم أنّه الذي أسلم ، سعى كلّ واحد منهم في قيمة نفسه ، وتُرك له عُشْر قيمته(٣) .
مسألة ٥٧ : إذا نادى المشركون بالأمان ، وكانت المصلحة تقتضيه ، أمَّنهم ، وإلّا فلا. فإذا طلبوا الأمان(٤) لأنفسهم ، كانوا مأمونين على أنفسهم.
وللشافعي في السراية إلى ما معه من أهلٍ ومالٍ لو قال : أمَّنتك ، قولان(٥) .
ولو طلبوا أماناً(٦) لأهليهم فقالوا : أمِّنوا أهلينا ، فقال لهم(٧) المسلمون : أمّنّاهم ، فهُمْ فيءٌ وأهلهم آمنون ؛ لأنّهم لم يذكروا أنفسهم صريحاً ولا كنايةً ، فلا يتناولهم الأمان.
أمّا لو قالوا : نخرج على أن نراوضكم(٨) في الأمان على أهلنا فقالوا(٩) لهم : اخرجوا ، فهُمْ آمنون وأهلهم ؛ لأنّهم بأمرهم بالخروج
____________________
(١) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.
(٢) أي : خفي علينا. وبدلها في المصدر : أشرف.
(٣) المغني ١٠ : ٤٣٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٣.
(٤) في « ق » : أماناً.
(٥) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٥.
(٦) في « ق » : الأمان.
(٧) كلمة « لهم » لم ترد في « ق ».
(٨) فلان يراوض فلاناً على أمر كذا : أي يداريه ليدخله فيه. لسان العرب ٧ : ١٦٤ « روض ».
(٩) في « ق » : فقال.
أفيزكّي مال غيره من ماله ؟ فقال: إنّه ماله ما دام في يده، وليس ذلك المال لأحد غيره، ثمّ قال: يا زرارة، أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو ؟ وعلى من ؟ قلت: للمقترض، قال: فله الفضل وعليه النقصان، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه ولا ينبغي له أن يزكّيه ؟! بل يزكّيه فإنّه عليه.
ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله(١) .
[ ١١٦٢٦ ] ٢ - وعن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليهالسلام ) في رجل استقرض، مالاً فحال عليه الحول وهو عنده، قال: إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، وإن كان لا يؤدي أدّى المستقرض.
ورواه الشيخ بإسناده عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى مثله(٢) .
[ ١١٦٢٧ ] ٣ - وعن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليهالسلام ) قال: سألته عن رجل عليه دَين وفي يده مال لغيره، هل عليه زكاة ؟ فقال: إذا كان قرضاً فحال عليه الحول فزكّه(٣) .
[ ١١٦٢٨ ] ٤ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين ابن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عمّن أخبره قال: سألت أحدهما (عليهماالسلام ) عن رجل عليه دَين وفي يده مال وفىٰ بدَينه
____________________
(١) التهذيب ٤: ٣٣ / ٨٥.
٢ - الكافي ٣: ٥٢٠ / ٥.
(٢) التهذيب ٣: ٣٢ / ٨٣.
٣ - الكافي ٣: ٥٢١ / ٧.
(٣) في المصدر: فزكّاه.
٤ - الكافي ٣: ٥٢١ / ٩.
والمال لغيره، هل عليه زكاة ؟ فقال: إذا استقرض فحال عليه الحول فزكاته عليه إذا كان فيه فضل.
[ ١١٦٢٩ ] ٥ - محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن علي ابن النعمان، عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله (عليهالسلام ) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله، على من الزكاة، على المقرض، أو على المستقرض ؟ فقال: على المستقرض لأنّ له نفعه وعليه زكاته.
[ ١١٦٣٠ ] ٦ - وبإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطيّة قال: قلت لهشام بن أحمر: اُحبّ أن تسأل لي أبا الحسن (عليهالسلام ) : إنّ لقوم عندي قروضاً ليس يطلبونها منّي، أفعليّ فيها(١) زكاة ؟ فقال: لا تُقضىٰ ولا تُزكّىٰ، زكِّ.
[ ١١٦٣١ ] ٧ - عبد الله بن جعفر في ( قرب الإِسناد ) عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام ) : الرجل يكون عنده المال قرضاً فيحول عليه الحول، عليه زكاة ؟ فقال: نعم.
أقول: وتقدّم ما يدلّ على بعض المقصود(٢) ويأتي ما يدلّ عليه(٣) .
____________________
٥ - التهذيب ٤: ٣٣ / ٨٤.
٦ - التهذيب ٤: ٣٣ / ٨٦.
(١) ( فيها ): ليس في المصدر.
٧ - قرب الإِسناد: ١٦.
(٢) تقدم ما يدل على ذلك في الحديث ٥ من الباب ٥ وعلى بعض المقصود في الباب ٦ من هذه الأبواب.
(٣) يأتي في الباب ٨ من هذه الأبواب، وما يدل على اعتبار الحول في الباب ١٥ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.
٨ - باب أنّ من كان عنده وديعة لم تجب عليه زكاتها إلا أن يتّجر بها فتستحب |
[ ١١٦٣٢ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليهالسلام ) قال: إن كان عندك وديعة فحرّكتها(١) فعليك الزكاة، فإن لم تحرّكها فليس عليك شيء.
أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) ويأتي ما يدلّ عليه(٣) .
٩ - باب أنّ من كان عليه دَين أو مهر غير موجود معه لم يجب عليه زكاته |
[ ١١٦٣٣ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله( عليهالسلام ) في الرجل ينسيء أو يعين(٤) فلا يزال ماله ديناً، كيف يصنع في زكاته ؟ قال: يزكّيه ولا يزكّي ما عليه من الدَين، إنّما الزكاة على صاحب المال(٥) .
____________________
الباب ٨
فيه حديث واحد
١ - الكافي ٣: ٥٢١ / ١٠.
(١) في نسخة: تحرّكها ( هامش المخطوط ) وكذلك المصدر.
(٢) تقدم في الباب ٥ من هذه الأبواب.
(٣) يأتي في الباب ٩ من هذه الأبواب.
الباب ٩
فيه ٣ أحاديث
١ - الكافي ٣: ٥٢١ / ١٢، وأورد قطعة منه في الحديث ١١ من الباب ٦ من هذه الأبواب.
(٤) في نسخة: يعير ( هامش المخطوط ).
(٥) قوله: « يزكيه » أي يزكّي ماله بشرائط الزكاة السابقة، من الملك والتمكن من التصرف، =
[ ١١٦٣٤ ] ٢ - وعن غير واحد من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي ابن مهزيار قال: كتبت إليه أسأله عن رجل عليه مهر امرأته لا تطلبه منه إمّا لرفق بزوجها، وإمّا حياء، فمكث بذلك على الرجل عمره وعمرها، يجب عليه زكاة ذلك المهر أم لا ؟ فكتب: لا تجب عليه الزكاة إلّا في ماله.
[ ١١٦٣٥ ] ٣ - عبد الله بن جعفر في ( قرب الإِسناد ) عن عبد الله بن الحسن، عن جدّه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر( عليهالسلام ) قال: سألته عن الرجل يكون عليه الدَين ؟ قال: يزكّي ماله، ولا يزكّي ما عليه من الدَين، إنّما الزكاة على صاحب المال.
أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .
١٠ - باب وجوب الزكاة مع الشرائط وإن كان على المالك دَين بقدر المال أو أكثر، وحكم من خلّف لأهله نفقة، وحكم اشتراط البائع زكاة الثمن على المشتري |
[ ١١٦٣٦ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر( عليهالسلام ) ، وضريس،
____________________
= لا الذي في ذمّة الناس لما مضى ويأتي، وقوله: « لا يزكّي ما عليه من الدين » مخصوص بما ليس بموجود في يده، وقد تقدّم التصريح به ويأتي مثله، ولولا ذلك لزم التناقص، وقوله: « إنما الزكاة على صاحب المال » لا ينافي ذلك بل يؤيّده لأن ما في يده من القرض فهو صاحبه وله ربحه وعليه وضعيته وزكاته وهو ملكه كما مرّ التصريح به. « منه قده ».
٢ - الكافي ٣: ٥٢١ / ١١.
٣ - قرب الإِسناد: ١٠٢.
(١) تقدم في الباب ٦ من هذه الأبواب.
الباب ١٠
فيه حديث واحد
١ - الكافي ٣: ٥٢٢ / ١٣.
عن أبي عبد الله( عليهالسلام ) أنّهما قالا: أيّما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنّه يزكّيه، وإن كان عليه من الدَين مثله وأكثر منه فليزكّ ما في يده.
أقول: ويدلّ على ذلك ما سبق من أحاديث وجوب زكاة القرض على المقترض(١) ، بل جميع أحاديث وجوب الزكاة عموماً(٢) ، ويأتي ما يدلّ على الحكمين الأخيرين في زكاة النقدين(٣) .
____________________
(١) تقدم في الباب ٧ من هذه الأبواب.
(٢) تقدم ما يدل على ذلك بعمومه في الأبواب ١ - ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(٣) يأتي ما يدل عليه في الباب ١٣، وما يدل على الحكمين الاخيرين في البابين ١٧ و ١٨ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.
أبواب زكاة الأنعام
١ - باب اشتراط بلوغ النصاب في وجوب الزكاة في الإِبل والبقر والغنم، وعدم وجوب شيء فيما نقص عن النصاب، وأنّه لا يضم أحدها إلى الآخر |
[ ١١٦٣٧ ] ١ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن عمر بن اُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليهالسلام ) قال: ليس فيما دون الخمس من الإِبل شيء الحديث.
[ ١١٦٣٨ ] ٢ - وبإسناده عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام ) : رجل كنّ عنده أربع أيْنُق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة، أيزكّيهنّ ؟ قال: لا يزكّي شيئاً منهنّ، لأنّه ليس شيء منهنّ تامّاً، فليس تجب فيه الزكاة.
ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن مهزيار، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة(١) .
____________________
أبواب زكاة الأنعام
الباب ١
فيه حديثان
١ - الفقيه ٢: ١٢ / ٣٣، وأورده بتمامه في الحديث ١ من الباب ٢ من هذه الأبواب.
٢ - الفقيه ٢: ١١ / ٣٢، وأورد قطعة منه في الحديث ١٤ من الباب ١ واُخرى في الحديث ١ من الباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضّة، واُخرى في الحديث ١ من الباب ٢ من أبواب زكاة الغلاّت.
(١) التهذيب ٤: ٩٢ / ٢٦٨، والاستبصار ٢: ٣٩ / ١٢٠.
وبإسناده عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن المختار بن زياد، عن حمّاد(١) .
أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) ، ويأتي ما يدلّ عليه في أحاديث كثيرة جداً(٣) .
٢ - باب تقدير النصب في الإِبل، وما يجب في كلّ نصاب منها، وجملة من أحكامها |
[ ١١٦٣٩ ] ١ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن عمر بن اُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر( عليهالسلام ) قال: ليس فيما دون الخمس من الإِبل شيء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشرة، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فاذا بلغت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم، فاذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض(٤) إلى خمس وثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون(٥) ذكر، فإن زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإن زادت واحده ففيها حقّة(٦) ، وإنّما سمّيت حقّة
____________________
(١) التهذيب ٤: ٩٢ / ٢٦٧، والاستبصار ٢: ٣٨ / ١١٩.
(٢) تقدم في الباب ١٠ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(٣) يأتي في الأبواب ٢ و ٤ و ٦ و ١١ من هذه الأبواب، وفي الباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضّة.
الباب ٢
فيه ٧ أحاديث
١ - الفقيه ٢: ١٢ / ٣٣، وأورد صدره في الحديث ١ من الباب ١، وذيله في الحديث ١ من الباب ١٣ من هذه الأبواب.
(٤) ابن مخاض وبنت مخاض من الابل: ما استكمل الحول، ودخل في السنة الثانية. ( مجمع البحرين - مخض - ٤: ٢٢٩ ).
(٥) ابن لبون وبنت لبون من الابل: ما استكمل السنة الثانية ودخل في السنة الثالثة. ( مجمع البحرين - لبن - ٦: ٣٠٦.
(٦) الحِقّ والحِقّة من الإِبل: ما استكمل ثلاث سنين ودخل في السنة الرابعة. ( مجمع البحرين - حقق - ٥: ١٤٩ ).
لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها، إلى ستّين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة(١) إلى خمس وسبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين ومائة، فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة وفي كل أربعين ابنة لبون.
[ ١١٦٤٠ ] ٢ - محمّد بن الحسن بإسناده عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليهالسلام ) قال: سألنه عن الزكاة ؟ فقال: ليس فيما دون الخمس من الإِبل شيء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان إلى خمس عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين، فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس وعشرين، فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم يكن(٢) ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة، فاذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة الحديث.
[ ١١٦٤١ ] ٣ - وبإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال، عن محمّد وأحمد
____________________
(١) الجذع والجذعة من الابل: ما دخل في السنة الخامسة. ( مجمع البحرين - جذع - ٤: ٣١٠ ).
٢ - التهذيب ٤: ٢٠ / ٥٢، والاستبصار ٢: ١٩ / ٥٦ بالسند الاول، وأورد ذيله في الحديث ٣ من الباب ١٠ من هذه الأبواب.
(٢) في المصدر: تكن.
٣ - التهذيب ٤: ٢١ / ٥٤، والاستبصار ٢: ٢٠ / ٥٨، وأورد قطعة منه في الحديث ٣ من الباب ١٧ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
ابني الحسن، عن أبيهما، عن القاسم بن عروة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله( عليهماالسلام ) قالا: ليس في الإِبل شيء حتى تبلغ خمساً، فإذا بلغت خمساً ففيها شاة، ثمّ(١) في كلّ خمس شاة حتى تبلغ خمساً وعشرين، فإذا زادت(٢) ففيها ابنة مخاض، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت على خمس وثلاثين فابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإن زادت فحقّة إلى ستين، فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين، فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت فحقّتان إلى عشرين ومائة، فإن زادت ففي كلّ خمسين حقّة، وفي كلّ أربعين ابنة لبون الحديث.
[ ١١٦٤٢ ] ٤ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد الله (عليهالسلام ) قال: في خمس قلائص(١) شاة، وليس فيما دون الخمس شيء، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع، وفي خمس وعشرين خمس، وفي ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين.
وقال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا وبين الناس.
فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا كثرت
____________________
(١) في الاستبصار: و ( هامش المخطوط ).
(٢) في نسخة زيادة: واحدة ( هامش المخطوط ) وكذلك التهذيب.
٤ - الكافي ٣: ٥٣٢ / ٢.
(٣) في التهذيب: قلاص ( هامش المخطوط ).
والقلائص والقلاص: جمع قلوص وهي الشابة من الابل. ( مجمع البحرين - قلص - ٤: ١٨١ ).
الإِبل ففي كل خمسين حقّة.
ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير(١) .
وبإسناده عن سعد، عن أبي جعفر، عن الحسين بن سعيد مثله، وزاد بعد قوله: إلى تسعين: فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة(٢) .
[ ١١٦٤٣ ] ٥ - وعنه، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة بن سبيع(٣) ، عن أبيه، عن جدّه، عن جدّ أبيه(٤) - في حديث - أنّ أمير المؤمنين كتب له في كتابه بخطّه: من لم يكن معه شيء إلّا أربعة من الإِبل وليس له مال غيرها فليس فيها شيء إلّا أن يشاء ربّها، فإذا بلغ ماله خمساً من الإِبل ففيها شاة.
[ ١١٦٤٤ ] ٦ - وعنه، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل كلّهم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهماالسلام ) قالا في صدقة الإِبل: في كلّ خمس
____________________
(١) الاستبصار ٢: ١٩ / ٥٧.
(٢) التهذيب ٤: ٢١ / ٥٣.
٥ - الكافي ٣: ٥٣٩ / ٧، والتهذيب ٤: ٩٥ / ٢٧٣، وأورد صدره في الحديث ٢ من الباب ١٣ من هذه الأبواب.
(٣) كذا في الاصل والمخطوط والمصدر وهو المنقول عن المصدر في كتب الحديث والرجال المتأخرة. لكن لم اجد ذكراً لرجل باسم « زمعة بن سبيع » في اصول الكتب الرجالية، إلا أن النجاشي عنون ل « ربيعة بن سميع » في الطبقة الاولى من سلفنا المتقدمين في التصنيف، وقال: « عن امير المؤمنين (عليهالسلام ) ، له كتاب في زكوات النعم » ثم ذكر طريقه اليه، وهو ينتهي الى مقرن، عن جده ربيعة، وقد اتفقت المصادر الرجالية على نقل ذلك عن النجاشي كذلك. فيستفاد من وحدة الطريق واتحاد موضوع الحديث وقوع التصحيف في اسم الرجل، ولم اجد من نبّه عليه. وقد نقل عن بعض النسخ المعتمدة للكافي اسم الرجل ( ربيعة )، كما ان كلمة ( عن جده ) لم ترد في السند في تلك النسخة.
(٤) كذا في الاصل والمصدر، وكتب في هامش المخطوط على كلمة ( جد ) علامة نسخة.
٦ - الكافي ٣: ٥٣١ / ١.
شاة إلى أن تبلغ خمساً وعشرين، فإذا، بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ خمساً وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون، ثمّ ليس فيها شيء حتىٰ تبلغ خمساً وأربعين، فإذا بلغت خمساً وأربعين ففيها حقّة طروقة الفحل، ثمّ ليس فيها شيء حتى تبلغ ستّين، فإذا بلغت ستّين ففيها جذعة، ثمّ ليس فيها شيء حتى تبلغ خمساً وسبعين، فإذا بلغت خمساً وسبعين ففيها ابنتا لبون، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل، ثمّ ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كلّ خمسين حقّة، وفي كلّ أربعين ابنة لبون، ثم ترجع الإِبل على أسنانها(١) ، وليس على النيف شيء، ولا على الكسور شيء الحديث.
ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله(٢) ، وكذا كلّ ما قبله.
[ ١١٦٤٥ ] ٧ - ورواه الصدوق في ( معاني الأخبار ) عن أبيه، عن سعد بن
____________________
(١) ذكر الكليني في الكافي ٣: ٥٣٣، والصدوق في الفقيه ٢: ١٣، وفي معاني الأخبار: ٣٢٨: « باب اسنان الإِبل ».
من أول ما تطرحه اُمه إلى تمام السنة حوار، فاذا دخل في الثانية سمّي ابن مخاض لأن اُمّه قد حملت، فإذا دخل في الثالثة سمّي ابن لبون وذلك أن اُمه قد وضعت وصار لها لبن، فإذا دخل في الرابعة سمّي الذكر حِقّاً والاُنثىٰ حِقّة لأنّه قد استحق أن يحمل عليه، فإذا دخل في الخامسة سمّي جذعاً، فإذا دخل في السادسة سمّي ثنياً لأنه قد ألقىٰ ثنيته، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته وسمي رباعيّاً، فإذا دخل في الثامنة ألقىٰ السن التي بعد الرباعية وسمّي سديساً، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه سمي بازلاً، فاذا دخل في العاشرة فهو مخلف، وليس له بعد هذا اسم، والأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن مخاض إلى الجذع، انتهى.
قال الصدوق ( في المعاني: ٣٢٩ ): وجدت هذا مثبتاً بخط سعد بن عبد الله بن أبي خلف (رضياللهعنه )
(٢) التهذيب ٤: ٢٢ / ٥٥، والاستبصار ٢: ٢٠ / ٥٩.
٧ - معاني الأخبار: ٣٢٧ / ١، وأورد ذيله عن الكافي في الحديث ١ من الباب ٣، وفي الحديث ١ من الباب ٧ من هذه الأبواب.
عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عيسى مثله، إلّا أنّه قال على ما في بعض النسخ الصحيحة: فإذا بلغت خمساً وعشرين ( فإن زادت واحدة )(١) ففيها بنت مخاض - إلى أن قال: - فإذا بلغت خمساً وثلاثين ( فإن زادت واحدة )(٢) ففيها ابنة لبون، ثم قال: إذا بلغت خمساً وأربعين ( وزادت واحدة )(٣) ففيها حِقّة، ثمّ قال: فإذا بلغت ستّين ( وزادت واحدة )(٤) ففيها جذعة، ثم قال: فإذا بلغت خمسة وسبعين ( وزادت واحدة )(٥) ففيها بنتا لبون، ثمّ قال: فإذا بلغت تسعين ( وزادت واحدة )(٦) ففيها حِقّتان، وذكر بقيّة الحديث مثله.
أقول: حمله الشيخ على التقيّة لأنّه موافق لمذهب العامّة، قال: وقد صرّح بذلك عبد الرحمن بن الحجّاج في حديثه في قوله: هذا فرق بيننا وبين الناس.
قال: ويحتمل أن يكون أراد: فإذا بلغت خمساً وعشرين فزادت واحدة ففيها بنت مخاض، قال: ولو صرّح بذلك لم يكن فيه تناقض فيجوز تقديره لورود الأخبار المفصلة، وكذا يقدّر في بقيّة الحديث.
هذا ملخّص كلامه.
ويمكن الحمل على الاستحباب، وحمله السيّد المرتضى على كون بنت المخاض على وجه القيمة، للخمس شياه لجواز إخراج القيمة(٧) ، وعلى رواية الصدوق فلا إشكال فيه.
واعلم أنّ ابنة المخاض هي التي دخلت في الثانية، وبنت اللبون التي دخلت في الثالثة، والحقّة التي دخلت في الرابعة، والجذعة التي دخلت في الخامسة، ذكره جماعة من الفقهاء(٨) واللغويّين، ويأتي ما يدلّ على المقصود(٩) .
____________________
(١ - ٦) ما بين الأقواس لم يرد في النسخة المطبوعة من المعاني.
(٧) راجع الانتصار: ٨١.
(٨) راجع البحار ٩٦: ٥١، والمعتبر ٢٦٣، والتذكرة ٢١٣.
(٩) يأتي ما يدل عليه بعمومه في الأبواب ٣ و ٧ و ٨ و ٩ من هذه الأبواب، وفي الباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة.
وتقدم ما يدل على ذلك في الباب ١٠ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
٣ - باب وجوب الزكاة في الإِبل سواء كانت بخاتي * أم عراباً * |
[ ١١٦٤٦ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهماالسلام ) - في حديث - قال: قلت: فما في البخت السائمة شيء ؟ قال: مثل ما في الإِبل العربية.
ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب(١) .
ورواه الصدوق في ( معاني الأخبار ) عن أبيه، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن حمّاد بن عيسى(٢) .
أقول: ويدلّ على ذلك جميع ما دلّ على وجوب الزكاة في الإِبل فإنّها تصدق على القسمين(٣) .
٤ - باب تقدير النصب في البقر، وما يجب في كل واحد منها
[ ١١٦٤٧ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
____________________
الباب ٣
فيه حديث واحد
* - البخاتي: الإِبل الخراسانية. ( القاموس المحيط - بخت - ١: ١٤٣ ).
* - العراب: الإِبل العربية. ( القاموس المحيط - عرب - ١: ١٠٢ ).
١ - الكافي ٣: ٥٣١ / ١، وأورد صدره في الحديث ٦ من الباب ٢، وذيله في الحديث ١ من الباب ٧ من هذه الأبواب.
(١) التهذيب ٤: ٢٣ / ٥٥، والاستبصار ٢: ٢١ / ٥٩.
(٢) معاني الأخبار: ٣٢٨ / ١.
(٣) تقدم في البابين ١ و ٢ من هذه الأبواب، وفي البابين ٨ و ١٠ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
الباب ٤
فيه حديث واحد
١ - الكافي ٣: ٥٣٤ / ١، وأورد ذيله في الحديث ٢ من الباب ٧ وفي الحديث ١ من الباب ٨ من هذه الأبواب.
حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل، عن أبي جعفر وأبي عبد الله( عليهماالسلام ) قالا في البقر: في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي، وليس في أقلّ من ذلك شيء، وفي أربعين بقرة(١) مسنّة، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شيء حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة، وليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شيء، فإذا بلغت ستّين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنّة إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كلّ أربعين مسنّة، ثم ترجع البقر على أسنانها، وليس على النيّف شيء ولا على الكسور شيء الحديث.
ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب(٢) .
أقول: التبيع: هو الذي دخل في الثانية: والمسنّة: هي التي دخلت في الثالثة، ذكر ذلك جماعة من العلماء(٣) ، وقد تقدّم ما يدلّ على المقصود(٤) .
٥ - باب وجوب الزكاة في الجواميس مثل زكاة البقر
[ ١١٦٤٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر( عليهالسلام ) ، قال: قلت له: في الجواميس شيء ؟ قال مثل: ما في البقر.
____________________
(١) في التهذيب زيادة: بقرة ( هامش المخطوط ) وكذلك المصدر.
(٢) التهذيب ٤: ٢٤ / ٥٧.
(٣) راجع قواعد العلاّمة: ٥٣، والمعتبر: ٢٦٣.
(٤) تقدم في الباب ١٠ من أبواب ما تجب فيه الزكاة، وفي الباب ١ من هذه الأبواب.
الباب ٥
فيه حديث واحد
١ - الكافي ٣: ٥٣٤ / ٢.
ورواه الصدوق بإسناده عن حريز(١) .
٦ - باب تقدير النصب في الغنم، وما يجب في كل نصاب منها |
[ ١١٦٤٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل، عن أبي جعفر وأبي عبد الله( عليهماالسلام ) في الشاء(٢) : في كلّ أربعين شاة شاة، وليس فيما دون الأربعين شيء، ثمّ ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة، فإذا تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة، وسقط الأمر الأوّل، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شيء، وليس في النيّف شيء.
وقالا: كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه.
محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله(٣) .
[ ١١٦٥٠ ] ٢ - وبإسناده عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن عبد الرحمن
____________________
(١) الفقيه ٢: ١٤ / ٣٦.
الباب ٦
فيه ٤ أحاديث
١ - الكافي ٣: ٥٣٤ / ١.
(٢) في المصدر والتهذيبين: في الشاة.
(٣) التهذيب ٤: ٢٥ / ٥٨، والاستبصار ٢: ٢٢ / ٦١.
٢ - التهذيب ٤: ٢٥ / ٥٩، والاستبصار ٢: ٢٣ / ٦٢، وأورد مثل ذيله عن أبي بصير في
ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، وعن الحسين بن سعيد، عن النضر ابن سويد، عن عاصم بن حميد عن محمّد بن قيس، عن أبي عبد الله( عليهالسلام ) قال: ليس في ما دون الأربعين من الغنم شيء، فاذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة الحديث.
أقول: حكم الثلاثمائة وواحدة غير مذكور هنا صريحاً فلا ينافي الحديث الأوّل، ولو كان صريحاً في وجوب ثلاث شياه لا غير تعين حمله على التقيّة، ذكره جماعة من علمائنا(١) .
[ ١١٦٥١ ] ٣ - عبد الله بن جعفر في ( قرب الإِسناد ) عن عبد الله بن الحسن، عن جدّه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، قال: سألته عن الزكاة في الغنم ؟ فقال: من كلّ أربعين شاة شاة، وفي كلّ مائة شاة شاة، وليس في الغنم كسور.
أقول: هذا الاجمال محمول على التفصيل السابق(٢) .
[ ١١٦٥٢ ] ٤ - محمّد بن علي بن الحسين في ( معاني الأخبار ) عن محمّد بن هارون الزنجاني، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد متّصل إلى النبي (صلىاللهعليهوآله ) ، أنّه كتب لوائل بن حجر الحضرمي ولقومه: من محمّد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وعلى التيعة شاة، والتيمة لصاحبها، وفي
____________________
الحديث ٣ من الباب ١٠ وقطعة منه في الحديث ١ من الباب ١١ من هذه الأبواب.
(١) راجع منتقى الجمان ٢: ٩١، جواهر الكلام ١٥: ٨٤ و ٨٥، ورياض المسائل ١: ٢٦٦.
٣ - قرب الإِسناد: ١٠٢.
(٢) تقدم في الحديثين ١ و ٢ من هذا الباب.
٤ - معاني الأخبار: ٢٧٥ / ١.
السيوب الخمس، لا خلاط ولا وراط ولا شناق ولا شغار، ومن أحبى فقد أربى، وكل مسكر حرام.
قال الصدوق: قال أبو عبيد: التيعة: الأربعون من الغنم.
والتيمة يقال: إنّها الشاة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأُخرى ويقال: إنّها الشاة تكون لصاحبها في منزله يحتلبها.
والسيوب: الركاز.
ويقال: الخلاط، إذا كان بين الخليطين عشرون ومائة شاة لأحدهما ثمانون وللآخر أربعون.
والوراط: الخديعة والغشّ، ويقال إن قوله: لا خلاط ولا وراط، مثل قوله (عليهالسلام ) : لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع.
والشنق: ما بين الفريضتين.
والشغار: أن يخطب الرجل إلى الرجل اُخته أو بنته على أن يزوّجه هو أيضاً ابنته أو اُخته فلا يكون بينهما مهر سوى ذلك.
والإحباء: بيع الحرث قبل ان يبدو صلاحه.
أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .
٧ - باب اشتراط السوم في الأنعام وأن لا تكون عوامل فلا تجب الزكاة في المعلوفة والعوامل بل تستحب |
[ ١١٦٥٣ ] ١ - محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد ابن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي
____________________
(١) تقدم في الباب ١٠ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
الباب ٧
فيه ٨ أحاديث
١ - الكافي ٣: ٥٣١ / ١، وأورد صدره في الحديث ٦ من الباب ٢، وذيله في الحديث ١ من الباب ٣ من هذه الأبواب.
والفضيل، عن أبي جعفر وأبي عبد الله( عليهماالسلام ) - في حديث زكاة الإِبل - قال: وليس على العوامل شيء، إنّما ذلك على السائمة الراعية.
ورواه الشيخ، والصدوق كما مرّ(١) .
[ ١١٦٥٤ ] ٢ - وبهذا الإِسناد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهماالسلام ) - في حديث زكاة البقر - قال: ليس على النيف شيء، ولا على الكسور شيء، ولا على العوامل شيء، إنّما(٢) الصدقة(٣) على السائمة الراعية.
ورواه الشيخ كما مرّ(٤) .
[ ١١٦٥٥ ] ٣ - وبالإِسناد عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام ) : هل على الفرس أو البعير تكون للرجل يركبها(٥) شيء ؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شيء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء.
[ ١١٦٥٦ ] ٤ - وعن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير - في حديث - قال: كان علي (عليهالسلام ) لا يأخذ من جمال العمل صدقة، كأنّه لم يحب(٦) ( أن يؤخذ من الذكورة شيء )(٧) لأنّه ظهر يحمل عليها.
____________________
(١) مرّ في الحديثين ٦ و ٧ من الباب ٢ من هذه الأبواب.
٢ - الكافي ٣: ٥٣٤ / ١، وأورد صدره في الحديث ١ من الباب ٤، وذيله في الحديث ١ من الباب ٨ من هذه الأبواب.
(٢) في نسخة: وإنما ( هامش المخطوط ).
(٣) في الاستبصار: ذلك ( هامش المخطوط ).
(٤) مرّ في الحديث ١ من الباب ٤ من هذه الأبواب.
٣ - الكافي ٣: ٥٣٠ / ٢، وأورده بتمامه في الحديث ٣ من الباب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(٥) في المصدر: يركبهما.
٤ - الكافي ٣: ٥٣١ / ٧، واورد صدره في الحديث ٢ من الباب ٩ من هذه الأبواب.
(٦) في المصدر: يجب.
(٧) في نسخة: أن يأخذ من المذكورة شيئاً ( هامش المخطوط ).
[ ١١٦٥٧ ] ٥ - محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد ابن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل، عن أبي جعفر وأبي عبد الله( عليهماالسلام ) قالا: ليس على العوامل من الإِبل والبقر شيء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية الحديث.
[ ١١٦٥٨ ] ٦ - وبإسناده عن علي بن الحسن، عن هارون بن مسلم(١) ، عن القاسم بن عروة، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أحدهما( عليهماالسلام ) قال: ليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإِبل، والبقر والغنم، وكلّ شيء من هذه الأصناف من الدواجن والعوامل فليس فيها شيء الحديث.
[ ١١٦٥٩ ] ٧ - وبإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن اسحاق بن عمّار قال: سألته عن الإِبل تكون للجمّال أو تكون في بعض الأمصار، أتجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية ؟ فقال: نعم.
وعنه، عن أحمد، عن الحسين(٢) ، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الله بن مسكان، عن اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد الله( عليهالسلام ) وذكر مثله(٣) .
____________________
٥ - التهذيب ٤: ٤١ / ١٠٣، والاستبصار ٢: ٢٣ / ٦٥، وأورد ذيله في الحديث ١ من الباب ٨ من هذه الأبواب.
٦ - التهذيب ٤: ٤١ / ١٠٤، والاستبصار ٢: ٢٤ / ٦٦، وأورد صدره في الحديث ٤ من الباب ٩ من هذه الأبواب.
(١) في الاستبصار: مروان بن مسلم ( هامش المخطوط ).
٧ - التهذيب ٤: ٤١ / ١٠٥، والاستبصار ٢: ٢٤ / ٦٧.
(٢) في التهذيب: محمد بن الحسين ( هامش المخطوط ).
(٣) التهذيب ٤: ٤٢ / ١٠٧، والاستبصار ٢: ٢٤ / ٦٩.