الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي10%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 937430 / تحميل: 10488
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

[ ١ ]

المجلس الأوّل

فيه أحاديث الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، رواية أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي عنه.

بسم الله الرحمن الرحيم

١/١ - أملى علينا أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمانرحمه‌الله ، قال: حدّثنا أبوالطيب الحسين بن عليّ بن محمّد التمار، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، قال: حدثني جدي، قال: حدّثنا عليّ بن حفص المدائني، قال: أخبرنا إبراهيم بن الحارث، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله، قسوة القلب، إن أبعد الناس من الله القلب القاسي.

٢/٢ - قال: وحدّثنا أبوالطيب، قال: حدّثنا عليّ بن ماهان، قال: حدّثنا عمي، قال: حذئنا محمّد بن عمر، قال: حدّثنا ثور بن يزيد، عن مكحول، قال: لما كان يوم خيبر خرج رجل من اليهود يقال له مرحب، وكان طويل القامة عظيم الهامة، وكانت اليهود تقدمه لشجاعته ويساره. قال: فخرج في ذلك اليوم إلى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما واقفه قرن(١) إلا قال: أنا مرحب، ثم حمل عليه فلم يثبت له. قال:

____________________

(١) القرن: المثل في الشجاعة.

٣

وكانت له ظئر(١) ، وكانت كاهنة، وكانت تعجب بشبابه وعظم خلقته، وكانت تقول له: قاتل كل من قاتلك وغالب كل من غالبك إلا من تسمى عليك بحيدرة، فإنك إن وقفت له هلكت.

قال: فلما كثر مناوشته، وبعل الناس بمقامه(٢) شكوا ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسألوه أن يخرج إليه علياعليه‌السلام ، فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام ، وقال له: يا علي اكفني مرحبا، فخرج إليه أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، فلما بصر به مرحب أسرع إليه فلم يره يعبأ به، فأنكر ذلك وأحجم عنه، ثم أقدم وهو يقول:

أنا الذي سمتني أمي مرحبا

فأقبل عليّعليه‌السلام بالسيف، وهو يقول:

أنا الذي سمتني أمي حيدره

فلما سمعها منه مرحب هرب ولم يقف خوفا مما حذرته منه ظئره، فتمثل له إبليس في صورة حبرمن أحبار اليهود، فقال: إلى أين يا مرحب؟ فقال: قد تسمى علي هذا القرن بحيدرة. فقال له إبليس: فما حيدرة؟ فقال: إن فلانة ظئري كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة، وتقول: إنه قاتلك. فقال له إبليس: شوها لك، لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما كان مثلك يرجع عن مثله، تأخذ بقول النساء وهن يخطئن أكثر مما يصبن، وحيدرة في الدنياكثير، فارجع فلعلك تقتله، فإن قتلته سدت قومك وأنا في ظهرك استصرخ اليهود لك. فرده فوالله ما كان إلاكفواق(٣) ناقة حتّى ضربه عليّعليه‌السلام ضربة سقط منها لوجهه وانهزم اليهود وهم يقولون: قتل مرحب، قتل مرحب.

قال: وفي ذلك يقول الكميت بن زيد الاسديرحمه‌الله في مدحه

____________________

(١) الظئر: المرضعة.

(٢) أي تحيروا ودهشوا.

(٣) الفواق: الوقت بين الحلبتين

٤

لعليّعليه‌السلام :

سقى جرع الموت ابن عثمان بعدما

تعاورها منه وليد ومرحب

فالوليد هو ابن عتبة خال معاوية بن أبي سفيان، وعثمان بن طلحة من قريش، ومرحب من اليهود.

٣/٣ - قال: وحدّثنا أبوالطيب، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، قال: حدّثنا أبوعثمان، قال: حدّثنا العتبي، قال: سمعت أعرابيا يدعو ويقول: « اللهم ارزقني عمل الخائفين وخوف العاملين حتّى اتنعم بترك النعيم، رغبة فيما وعدت، وخوفا مما أوعدت »

قال: وسمعت آخر يدعو فيقول في دعائه: « اللهم إن لك علي حقوقا فتصدق علي بها، وللناس علي تبعات فتحملها عني، وقد أوجبت لعل ضيف قرى(١) ، وأنا ضيفك، فاجعل قراي الليلة الجنّة »

٤/٤ - قال: وحدّثنا أبوالطيب، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الانباري، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن الحسن الاعرابي، قال: حدّثنا عليّ بن عمروس، عن هشام بن السائب، عن أبيه، قال: خطب الناس يوما معاوية بمسجد دمشق وفي الجامع يومئذ من الوفود علماء قريش وخطباء ربيعة ومدارهها(٢) ، وصناديد اليمن وملوكها، فقال معاوية: إن الله (تعالى) أكرم خلفاءه فأوجب لهم الجنة فأنقذهم من النار، ثم جعلني منهم وجعل أنصاري أهل الشام الذابين عن حرم الله، المؤيدين بظفر الله، المنصورين على أعداء الله.

قال: وفي الجامع من أهل العراق الاحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان، فقال الاحنف لصعصعة: أتكفيني أم أقوم أنا إليه؟ فقال صعصعة: بل أكفيكه أنا. ثم قام صعصعة فقال: يابن أبي سفيان، تكلمت فأبلغت ولم تقصر دون ما أردت، وكيف

____________________

(١) القرى: ما يقدم إلى الضيف من طعام ونحوه.

(٢) المداره: جمع مدره، السيد الشريف، وزعيم القوم وخطيبهم المتكلم عنهم.

٥

يكون ما تقول وقد غلبتنا قسرا وملكتنا تجبرا ودنتنا بغير الحق، واستوليت بأسباب الفضل علينا؟! فأما إطراؤك أهل الشام فما رأيت أطوع لمخلوق وأعصى لخالق منهم، قوم ابتعت منهم دينهم وأبدانهم بالمال، فإن أعطيتهم حاموا عنك ونصروك، وإن منعتهم قعدوا عنك ورفضوك. فقال معاوية: اسكت يابن صوحان، فوالله لولا أني لم أتجرع غصة غيظ قط أفضل من حلم وأحمد من كرم سيما في الكف عن مثلك والاحتمال لدونك لما عدت إلى مثل مقالتك. فقعد صعصعة فأنشأ معاوية يقول:

قبلت جاهلهم حلما وتكرمة

والحلم عن قدر في فضل من الكرم

٥/٥ - قال: وحدّثنا أبوالطيب الحسين بن عليّ التمار، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن أيوب، قال: حدّثنا يحيى بن عنبسة الجعفي، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما فتح لاحد باب دعاء إلا فتح الله له فيه باب إجابة، فإذا فتح لاحدكم باب دعاء فليجهد، فإن الله (عزّوجلّ) لا يمل حتّى تملوا.

قال أبوالطيب: الملل من الانسان الضجر والسأمة، ومن الله (تعالى) على جهة الترك للفعل، وإنما وصف نفسه بالملل للمقابلة بملل الانسان، كما قال:( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) (١) أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه.

٦/٦ - قال: وحدّثنا أبوالطيب، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الانباري، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا العنزي، قال أبوبكر: وقد سمعت هذا الحديث من العنزي، وقرأته عليه، قال: حدثني إبراهيم بن مسلم، قال: حدّثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن مروان بن سالم، قال: حدثنا الاعمش، عن أبي وائل وزيد بن وهب، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تاركوا الترك ما تركوكم، فإن أول من يسلب أمتي ملكها وما خولها الله لبنو قنطور بن كركرة، وهم الترك.

٧/٧ - قال: وحدّثنا أبوالطيب، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الانباري، قال:

____________________

(١) سورة التوبة ٩: ٦٧.

٦

حدّثنا أبوبكر محمّد بن عليّ بن عمر، قال: حدّثنا داود بن رشيد، قال: حدّثنا الوليد ابن مسلم، عن عبدالله بن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يعذب الله قلبا وعى القران.

٨/٨ - وحدّثنا أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان في شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة، قال: حدّثنا أبوحفص عمر بن محمّد بن عليّ الصيرفي، المعروف بابن الزيات، قال: حدّثنا أبوعلي محمّد بن همام الاسكافي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا أحمد بن سلامة الغنوي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين العامري، قال: حدّثنا أبومعمر، عن أبي بكر بن عياش، عن الفجيع العقيلي، قال: حدثني الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي، فقال: هذا ما أوصى به عليّ بن أبي طالب أخو محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عمه وصاحبه، أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمّدا رسوله وخيرته اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور.

ثمّ إنّي أوصيك - يا حسن - وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محالها، والصمت عند الشبهة والاقتصاد، والعدل في الرضا والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الامل، واذكر الموت، وازهد في الدنيا، فانك رهين موت، وغرض بلاء، وصريع سقم.

وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، له إذا عرض شئ من أمر الاخرة فابدأ به، وإذا عرض شي من أمر الدنيا فتأنه حتّى تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر جليسه.

٧

وكن لله يا بني عاملا، وعن الخنا(١) زخورا، وبالمعروف امرا، وعن المنكر ناهيا، وواخ الاخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وابغضه بقلبك، وزايله بأعمالك، كي لا تكون مثله، وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة، ومجاراة من لا عقل له ولا علم.

واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه، والزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكرا على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما حثى تتصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لاهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، واكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحا، وهذا فراق بيني وببنك.

وأوصيك بأخيك محمّد خيرا، فإنه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبي له، فأما أخوك الحسين فهو ابن أمك، ولا أزيد الوصاة بذلك، والله الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر حثى ينزل الله الامر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

٩/٩ - حدّثنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد الكاتب، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ الزعفراني، قال: حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا المسعودي، قال: حدّثنا محمّد بن كثير، عن يحيى بن حماد القطان، قال: حدّثنا أبومحمّد الحضرمي، عن أبي علي الهمداني: أن عبدالرحمن بن أبي ليلى قام إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أميرا إني لمؤمنين،سائلك لاخذ عنك، وقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله، ألا تحدّثنا عن أمرك هذا، أكان بعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم شئ رأيته؟ فإنا قد أكثرنا فيك الاقاويل، وأوثقه عندنا ما قلناه عنك وسمعناه من فيك، إنا كنا نقول: لو رجعت إليكم

____________________

(١) الخنا: الفحش في الكلام.

٨

بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينازعكم فيها أحد، والله ما أدري إذا سئلت ما أقول، أأزعم أن القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك، فان قلت ذلك فعلى مَ نصبك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد حجة الوداع، فقال: « أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه » وان كنت أولى منهم بما كانوا فيه فعلى م نتولاهم؟

فقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : يا عبد الرحمن، إن الله (تعالى) قبض نبيه صلّى الله عليه وآله وأنا يوم قبضه أولى بالناس مني بقميصي هذا، وقد كان من نبي الله إلي عهد لو خزمتموني(١) بأنفي لاقررت سمعا لله وطاعة، وإن أول ما انتقصنا بعده إبطال حقنا في الخمس، فلما دق أمرنا طمعت رعيان قريش فينا، وقد كان لي على الناس حق لو ردوه إلي عفوا قبلته وقمت به، وكان إلي أجل معلوم، وكنت كرجل له على الناس حق إلى أجل، فإن عجلوا له ماله أخذه وحمدهم عليه، وإن أخروه أخذه غير محمودين، وكنت كرجل يأخذ السهولة وهو عند الناس محزون، وإنما يعرف الهدى بقلة من يأخذه من الناس، فإذا سكت فاعفوني، فإنه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم، فكفوا عني ما كففت عنكم.

فقال عبد الرحمن: يا أميرالمؤمنين، فأنت لعمرك كما قال الأوّل:

لعمري لقد أيقظت من كان نائماً

وأسمعت من كانت له أذنان

١٠/١٠ - حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر ابن محمّد، قال: حدثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن هارون ابن مسلم، عن مسعدة بن زياد، قال: سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وقد سئل عن قوله (تعالى):( فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (٢) .

فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالما؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهلا، قال له: أفلا تعلمت حتى

____________________

(١) خزمه: شكه وثقبه وخزمه بأنفه: أذله وسخره.

(٢) سورة الانعام ٦: ١٤٩.

٩

تعمل؟ فيخصمه، فتلك الحجة البالغة.

١١/١١ - حدّثنا محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: حدثني أبوالحسن علي ابن خالد المراغي، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد بن حماد، قال: حدّثنا عبيد بن يعيش، فال: حدّثنا يونس بن بكير، قال: أخبرنا يحيى بن أبي حية أبوجناب الكلبي، عن أبي العالية، قال: سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ست من عمل بواحدة منهن جادلت عنه يوم القيامة حتّى تدخله الجنة، تقول: أي رب قد كان يعمل بي في الدنيا: الصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، وأداء الامانة، وصلة الرحم.

١٢/١٢ - وأخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرنا أبوالقاسم جعفر بن محمّد (ابن قولويه)رضي‌الله‌عنه ، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن يزيد بن إسحاق، عن الحسن بن عطية، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، قال: المكارم عشر، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن، فإنها تكون في الرجل ولا تكون في ولده، وتكون في الابن ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في الحر.

قيل: وما هن، يابن رسول الله؟ قال: صدق اللسان، وصدق البأس(١) ، وأداء الامانة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، وإطعام السائل، والمكافاة على الصنائع، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، ورأسهن الحياء.

١٣/١٣ - أملى علينا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوالطيب الحسين بن عليّ بن محمّد التمار النحوي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أبونعيم، قال: حدّثنا صالح بن عبدالله، قال: حدّثنا هشام عن أبي مخنف، عن الاعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الاصبغ بن نباتةرحمه‌الله ، قال إن أميرالمؤمنينعليه‌السلام خطب ذات يوم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال: أيها

____________________

(١) في نسخة: الناس.

١٠

الناس، اسمعوا مقالتي وعوا كلامي، إن الخيلاء من التجبر، والنخوة من التكبر، وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل، ألا إن المسلم أخو المسلم، فلا تنابزوا، ولا تخاذلوا، فإن شرائع الدين واحدة، وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق، ومن تركها مرق، ومن فارقها محق، ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن، ولا بالمخلف إذا وعد، ولا بالكذوب إذا نطق، نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الحق، وفعلنا القسط، ومنا خاتم النبيين، وفينا قادة الاسلام وأمناء الكتاب، ندعوكم إلى الله ورسوله وإلى جهاد عدوه، والشدة في أمره، وابتغاء رضوانه، والى إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وتوفير الفئ لأهله.

ألا وان أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الاموي وعمرو بن العاص السهمي يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما، وإني والله لم أخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قط، ولم أعصه في أمر قط، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الابطال، وترعد فيها الفرائص، بقوة أكرمني الله بها، فله الحمد. ولقد قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن رأسه في حجري، ولقد وليت غسله بيدي، تقلبه الملائكة المقربون معي، وأيم الله ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر باطلها على حقها إلا ما شاء الله.

قال: فقام عمار بن ياسر (رحمه الله تعالى) فقال: أما أميرالمؤمنين فقد أعلمكم أن الامة لم تستقم عليه، فتفرق الناس وقد نفذت بصائرهم.

١٤/١٤ - عنه، قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن خالد، قال: حدّثنا زيد بن الحسين الكوفي، قال: حدّثنا جعفر بن نجيح، قال: حدّثنا جندل بن والق التغلبي، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد بن عمر المازني، عن أبي زيد الانصاري، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن علي ابن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له ابن عباس: إن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام صلّى

١١

القبلتين، وبايع البيعتين، ولم يعبد صنما ولا وثنا، ولم يضرب على رأسه بزلم(١) ولا يقدح، ولد على الفطرة، ولم يشرك بالله طرفة عين.

فقال الرجل: إني لم أسالك عن هذا، إنما أسالك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتّى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفا، ثم صار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتّى قتلهم، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم.

فقال له ابن عباس: أعلي أعلم عندك أم أنا؟ فقال: لو كان علي أعلم عندي منك لما سألتك.

قال: فغضب ابن عباس حثى اشتد غضبه، ثم قال: ثكلتك أمك، عليّعليه‌السلام علمني، وكان علمه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسول الله علمه الله من فوق عرشه، فعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله، وعلم عليّعليه‌السلام من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلمي من علم عليّعليه‌السلام ، وعلم أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر.

١٥/١٥ - حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: أخبرني أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: أوحى الله إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام : يا عيسى، هب لي من عينيك الدموع، ومن قلبك الخشوع، واكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون، وقم على قبور الاموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم، وقل: إني لاحق في اللاحقين.

١٦/١٦ - حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمانرحمه‌الله ، قال: حدّثنا

____________________

(١) الزلم: واحد الازلام.

١٢

أبو الحسن عليّ بن مالك النحوي، قال: حدئنا أبوعمر محمّد بن عبد الواحد الزاهد، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدّثنا يونس بن بكير، عن عبد الحميد بن بهرام الفزاري، قال: حدثني شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: بينا رجل من أسلم في غنيمة له يهش عليها ببيداء ذي الخليفة، إذ عدا عليه الذئب، فانتزع شاة من غنمه، فهجهج به(١) الرجل ورماه بالحجارة حتّى استنقذ منه شاته.

قال: فأقبل الذئب حتّى أقعى مستثفرا بذنبه(٢) مقابلا للرجل، ثم قال له: أما اتقيت الله (عزّوجلّ)، حلت بيني وبين شاة رزقنيها الله؟ فقال الرجل: بالله ما سمعت كاليوم قط.

فقال الذئب: مم تعجب؟ قال: أعجب من مخاطبتك إياي. فقال الذئب: أعجب من ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الحرتين في النخلات يحدث الناس بما خلا، ويحدثهم بما هو آت، وأنت هاهنا تتبع غنمك.

فلما سمع الرجل قول الذئب ساق غنمه يحوزها حتّى إذا أدخلها قباء - قرية الانصار - سأل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصادفه في بيت أبي أيوب، فأخبره خبر الذئب، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صدقت، احضر العشية، فإذا رأيت الناس قد اجتمعوا فأخبرهم ذلك. فلما صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر واجتمع الناس إليه أخبرهم الا سلمى خبر الذ ئب، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صدق صدق صدق، فتلك الاعاجيب بين يدي الساعة، أما والذي نفس محمّد بيده ليوشك الرجل أن يغيب عن أهله الروحة أو الغدوة فيخبره سوطه أو عصاه أو نعله بما أحدث أهله من بعده.

١٧/١٧ - حدّثنا محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: حدّثنا أبوحفص عمربن محمّد بن عليّ الزيات، قال: حدّثنا عبيدالله بن جعفر بن محمّد بن أعين، قال: حدّثنا مسعر بن يحيى النهدي، قال: حدّثنا شريك بن عبدالله القاضي، قال: حدّثنا أبو

____________________

(١) أي صاح به وزجره ليكف.

(٢) استثفر الذنب بذنبه: جعله بين فخذيه.

١٣

إسحاق الهمداني، عن أبيه، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلى الاخرة: عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الاحسان.

١٨/١٨ - عنه، قال: أخبرني أبوالحسين أحمد بن الحسين بن أسامة البصري إجازة، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد الواسطي، قال: حدّثنا أبوجعفر محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا هارون بن مسلم بن سعدان، قال: حدّثنا مسعدة بن صدقة، قال: حدثني جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام أنه قال: أرسل النجاشي ملك الحبشة إلى جعفر بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب(١) ، قال: فقال جعفر بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما رأى ما بنا وتغير وجوهنا قال: الحمدالله الذي نصرمحمّدا وأقر عيني به، ألا أبشركم؟ فقلت: بلى أيها الملك. فقال: إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك، وأخبرني أن الله قد نصر نبيه محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان وفلان، وقتل فلان وفلان وفلان، التقوا بواد يقال له « بدر » ، لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك وهو رجل من بني ضمرة.

فقال له جعفر: أيها الملك الصالح، مالي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان؟ فقال: يا جعفر، إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى (صلوات الله عليه) أن من حق الله على عباده أن يحدثوا لله تواضعا عندما يحدث لهم من نعمة، فلما أحدث الله لي نعمة نبيه محمّد أحدثت لله هذا التواضع.

قال: فلما بلغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك قال لاصحابه: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله، إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، وإن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله.

____________________

(١) الخلقان: جمع خلق، والخلق من الثياب: البالي.

١٤

١٩/١٩ - حدّثنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: سألث أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام أن يعلمني دعاء أدعو به في المهمات، فأخرج إلي أوراقا من صحيفة عتيقة، فقال: انتسخ ما فيها فهو دعا، جدي عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام للمهمات، فكتبت ذلك على وجهه، فماكربني شئ قط وأهمني إلا دعوت به ففرج الله همي وكشف كربي وأعطاني سؤلي، وهو:

 « اللهم هد يتني فلهوت، ووعظت فقسوت، وأبليت الجميل فعصيت، وعرفت فاصررت ثم عرفت، فاستغفرت فأقلت، فعدت فسترت.

فلك الحمد إلهي، تقحمت أودية هلاكي، وتحللت شعاب تلفي، وتعرضت فيها لسطواتك، وبحلولها لعقوبا تك، ووسيلتي إليك التوحيد، وذريعتي أني لم أشرك بك شيئا، ولم اتخذ معك إلها، وقد فررت إليك من نفسي، واليك يفر المسئ وأنت مفزع المضيع حظ نفسه.

فلك الحمد إلهي، فكم من عدو انتضى علي سيف عداوته، وشحذ لي ظبات مدينه(١) ، فديته، وأرهف لي شبا(٢) حده، وداف لي قواتل سمومه، وسدد نحوي صوائب سهامه، ولم تنم عني عين حراسته، واضمر أن يسومني المكروه، ويجرعني ذعاف(٣) مرارته.

فنظرت يا إلهي إلى ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن الانتصار ممن قصدني بمحاربته، ووحدتي في كثير عدد من ناوأني، وأرصد لي البلاء فيما لم أعمل فيه فكري، فابتدأتني بنصرتك، وشددت أزري بقوتك، ثم فللت لي حده، وصيرته

____________________

(١) الظبة: حد السيف أو السنان ونحوه، وجمعها: ضبات والمدية: الشفرة الكبيرة.

(٢) الشبا: جمع شباة، وشباة كل شئ: طرفه.

(٣) الذعاف: السم القاتل.

١٥

من بعد جمع وحده، وأعليت كعبي، وجعلت ما سدده مردودا عليه، فرددته لم يشف غليله، ولم تبرد حرارة غيظه، قد عض على شواه(١) ، وأدبر موليا قد أخلفت سراياه.

وكم من باغ بغاني بمكائده، ونصب لي أشراك مصائده، ووكل بي تفقد رعايته، واضبأ إلي إضباء السبع لطريدته، انتظارا لانتهاز الفرصة لفريسته.

فناديتك يا إلهي مستغيثا بك، واثقا بسرعة إجابتك، عالما أنه لن يضطهد من آوى إلى ظل كنفك، ولن يفزع من لجأ إلى معاقل انتصارك، فحصنتني من بأسه بقدرتك.

وكم من سحائب مكروه قد جليتها وغواشي كربات كشفتها، لا تسأل عما تفعل، وقد سئلت فأعطيت، ولم نسأل فابتدأت، واستميح فضلك فما أكديت، أبيت إلا إحسانا، وأبيت إلا تقحم حرماتك، وتعدي حدودك، والغفلة عن وعيدك.

فلك الحمد إلهي من مقتدر لا يغلب، وذي أناة لا يعجل، هذا مقام من اعترف لك بالتقصير، وشهد على نفسه بالتضييع.

اللهم إني أتقرب إليك بالمحمّدية الرفيعة، وأتوجه إليك بالعلوية البيضاء، فاعذني من شر ما خلقت، وشر من يريدني سوءا، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك، ولا يتكأدك(٢) في قدرتك وأنت على كل شئ قدير.

اللهم ارحمني بترك المعاصي ما أبقيتني، وارحمني بترك تكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، واجعلني أتلوه على ما يرضيك به عني، ونور به بصري، وأوعه سمعي، واشرح به صدري، وفرج به عن قلبي، واطلق به لساني، واستعمل به بدني، واجعل فن من الحول والقوة ما يسهل ذلك علي، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك.

____________________

(١) الشوى: تطلق على سائر أعضاء الجسم.

(٢) أي لا يصعب عليك.

١٦

اللهم اجعل ليلي ونهاري ودنياي وآخرتي ومنقلبي ومثواي عافية منك ومعافاة وبركة منك.

اللهم أنت ربى ومولاي، وسيدي وأملي وإلهي، وغياثي وسندي، وخالقي وناصري، وثقتي ورجائي، لك محياي ومماتي، ولك سمعي وبصري، وبيدك رزفي، وإليك أمري في الدنيا والاخرة، ملكتني بقدرتك وقدرت علي بسلطانك، لك القدرة في أمري، وناصيتي بيدك، لا يحول أحد دون رضاك، برأفتك أرجو رحمتك، وبرحمتك أرجو رضوانك، لا أرجو ذلك بعملي، فقد عجز عني عملي، فكيف أرجو ما قد عجز عني؟ أشكوإليك فاقتي وضعف قوتي، وإفراطي في أمري، وكل ذلك من عندي، وما أنت أعلم به مني، فاكفني ذلك كله.

اللهم اجعلني من رفقاء محمّد حبيبك وإبراهيم خليلك، ويوم الفزع الاكبر من الامنين، فآمني وببشارتك فبشرني، وباظلالك فأظلني، وبمفازة من النار فنجني، ولا تمسني السوء ولا تخزني، ومن الدنيا فسلمني، وحجتي يوم القيامة فلقني، وبذكرك فذكرني، ولليسرى فيسرني، وللعسرى فجنبني، والصلاة والزكاة ما دمت حيا فألهمني، ولعبادتك فوفقني، وفي الفقه وفي مرضاتك فاستعملني، ومن فضلك فارزقني، ويوم القيامة فبيض وجهي، وحسابا يسيرا فحاسبني، وبقبيح عملي فلا تفضحني، وبفداك فاهدني، وبالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة فثبتني، وما أحببت فحببه إلي، وما كرهت فبغضه إلي، وما أهمني من الدنيا والاخرة فاكفني، وفي صلاتي وصيامي ودعائي ونسكي وشكري ودنياي وآخرتي فبارك لي، والمقام المحمود فابعثني، وسلطانا نصيرا فاجعل لي، وظلمي وجرمي واسرافي في أمري فتجاوز عني، ومن فتنة المحيا والممات فخلصني لا، ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فنجني، ومن أوليائك يوم القيامة فاجعلني، وأدم لي صالح الذي آتيتني، وبالحلال عن الحرام فاغنني، وبالطيب عن الخبيث فاكفني، أقبل بوجهك الكريم إلي ولا تصرفه عني، له إلى صراطك المستقيم فاهدني، ولما تحب وترضى فوفقني.

اللهم إني أعوذ بك من الرياء والسمعة، والكبرياء والتعظم، والخيلاء والفخر

١٧

والبذخ والاشر والبطر والاعجاب بنفسي والجبرية رب فنجني، رب وأعوذ بك من البخل والعجز والشح والحسد والحرص والمنافسة والغش، وأعوذ بك من الطمع والطبع والهلع والجزع والزيغ والقمع، وأعوذ بك من البغي والظلم والاعتداء والفساد والفجور والفسوق، وأعوذ بك من الخيانة والعدوان والطغيان، رب وأعوذ بك من المعصية والقطيعة والسيئة والفواحش والذنوب، وأعوذ بك من الاثم والمأثم والحرام والمحرم والخبيث وكل ما لا تحب، رب وأعوذ بك من الشيطان وبغيه وظلمه وعدوانه وشركه وزبانيته وجنده، وأعوذ بك من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وأعوذ بك من شر ما خلقت من دابة وهامة أو جن أو إنس مما يتحرك، وأعوذ بك من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرئ في الارض وما يخرج منها، وأعوذ بك من شركل كاهن وساحر وزاكن(١) ونافث وراق، وأعوذ بك من شركل حاسد وطاغ وباغ ونافس وظالم ومعتد وجائر، وأعوذ بك من العمى والصمم والبكم والبرص والجذام والشك والريب، وأعوذ بك من الكسل والفشل والعجز والتفريط والعجلة والتضييع والتقصير والابطاء، وأعوذ بك من شر ما خلقت في السماوات والارض وما بينهما وما تحت الثرى، رب وأعوذ بك من الفقر والحاجة والمسكنة والضيقة والعايلة، وأعوذ بك من العيلة والذلة، وأعوذ بك من الضيق والشدة والقيد والحبس والوثاق والسجون والبلاء وكل مصيبة لا صبر لي عليها، آمين رب العالمين.

اللهم أعطنا كل الذي سألناك وزدنا من فضلك على قدر جلالك وعظمتك بحق لا إله إلا أنت العزيز الحكيم »

٢٠/٢٠ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبومحمّد عبدالله بن محمّد الابهري، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن الصباح، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبدالله ابن أخي عبد الرزاق، قال: حدثني عمي عبد الرزاق بن همام، قال: أخبرني أبي همام بن

____________________

(١) زكن عليه: شبه ولبس، والزاكن: المتفرس.

١٨

نافع، قال: أخبرني مينا مولى عبدالرحمن بن عوف الزهري، قال: قال لي عبدالرحمن: يا مينا، ألا أحدثك بحديث سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت: بلى. قال: سمعته يقول: أنا شجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، ومحبوهم من أمتي ورقها.

٢١/٢١ - حدّثنا محمّد بن محمّد بن النعمان، قال: حدّثنا أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي، قال: حدثني محمّد بن عليّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمّد بن أبي العنبر، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن أبي عمرو بن العلاء، عن عبدالله بن بريدة، عن بشير بن كعب، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا إله إلا الله » نصف الميزان، و « الحمد الله » يملاه.

٢٢/٢٢ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبومحمّد بن عبدالله بن أبي شيخ إجازة، قال: أخبرنا أبوعبدالله محمّد بن أحمد الحكيمي، قال: أخبرنا عبدالرحمن بن عبدالله أبوسعيد البصري، قال: حدّثنا وهب بن جرير، عن أبيه، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق بن يسار المدني، قال: حدثني سعيد بن مينا، عن غير واحد من أصحابه: أن نفرا من قريش اعترضوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم: عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، والعاص بن سعيد، فقال: يا محمّد، هلم فلتعبد ما نعبد فنعبد ما تعبد فنشرك نحن وأنت في الامر، فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه، وإن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه، فأنزل الله (تبارك وتعالى):( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) (١) إلى آخر السورة. ثم مشى أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه، وقال: أتزغم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى؟ فانزل الله (تعالى):( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ

____________________

(١) سورة الكافرون ١٠٩ : ١ - ٣.

١٩

خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (١) إلى آخر السورة.

٢٣/٢٣ - أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن عليّ الصيرفي، عن نصربن مزاحم، عن عمربن سعد، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد النخعي، قال: كنت مع أميرالمؤمنينعليه‌السلام في مسجد الكوفة وقد صلينا العشاء الاخرة، فأخذ بيدي حتّى خرجنا من المسجد، فمشى حتّى خرج إلى ظهر الكوفة ولايكلمني بكلمة، فلما أصحر(٢) تنفس، ثم قال: يا كميل، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ عني ما أقول، الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.

يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق.

يا كميل، صحبة العالم دين يدان الله به، تكسبه الطاعة في حياته، وجميل الاحدوثة بعد وفاته. يا كميل، منفعة المال تزول بزواله. يا كميل، مات خزان المال والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه هاه إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - لعلما جما لو أصبت له حملة، بلى أصبت له لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين في الدنيا، ويستظهر بحجج الله على خلقه، وبنعمه على عباده، ليتخذه الضعفاء وليجة دون ولي الحق، أو منقادا للحكمة لا بصيرة له في أحنائه، يقدح الشك في قلبه بأول عارض لشبهة، ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوما باللذات، سلس القياد بالشهوات، أو مغرى بالجمع والادخار، ليس من رعاة الد ين، أقرب شبها بهؤلاء

____________________

(١) سورة يس ٣٦: ٧٨ و ٧٩.

(٢) أي برز في الصحراء.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الأمويّين في هذا المجال ، أكثر ممّا ذكرناه.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

خير البشر فمن أبى فقد كفر :

س : ما معنى : « علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر » (١) ، هل صحيح من أبى ذلك فقد كفر؟

ج : الكفر لغةً بمعنى الستر( يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (٢) أي يسترها ويغفرها ، ويأتي الكفر بمعنى الجحود أيضاً وبمعان أُخرى ، والكفر اصطلاحاً : بمعنى الإلحاد بالله ، أو عدم الإيمان بخاتم الأنبياء ، وهذا يعني أنّه يستر على الحقّ ، فإنّ الله هو الحقّ.

ثمّ من الحقّ الثابت نبوّة خاتم الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن لم يؤمن به فقد كفر ، وقد ثبت بقول الله ورسوله بالنصوص القرآنية والروائية أنّ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام هو خير البشر بعد رسول الله ، فإنّ الرسول هو أشرف خلق الله ، وعليعليه‌السلام بنصّ آية المباهلة هو نفس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون أشرف خلق الله بعد رسوله ، فهو خير البشر ، ومن أبى عن هذا الحقّ فقد كفر ، وستر ما هو الحقّ ، فهو كافر بحقّ الإمام والإمامة والخلافة الحقّة ، كما أنّ من لم يؤمن برسول الله فهو كافر بحقّ النبيّ والنبوّة ، كما أنّ من لم يؤمن بالله فهو كافر بحقّ الله والتوحيد ، فيكون بهذا المعنى من الكفر في العقيدة الصحيحة والتامّة.

فإنّ الإمامة والإيمان بالولاية من العقيدة السليمة والتامّة بصريح القرآن

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ١٤٢ ، تاريخ بغداد ٧ / ٤٣٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٧٢ ، إعلام الورى ١ / ٣١٩ ، ينابيع المودّة ٢ / ٧٨.

٢ ـ التحريم : ٨.

٨١

الكريم ، وآية الإكمال( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) ، وشأن نزولها كما عند المفسّرين هو قضية الغدير الثابت متواتراً ، فمن أبى فقد كفر بأصل من أُصول الدين الإسلامي ، وهي الإمامة الحقّة.

ويحتمل أن يكون الكفر في الحديث الشريف من الكفر العملي ، فإنّ قول علي خير البشر من الولاية ، وأعظم نعمة هي نعمة الولاية( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ، والولاية لها شعب ، منها : الحُبّ المقارن مع الطاعة ، فيلزمهما العمل الصالح ، فمن أبى الولاية ومظاهرها وشعائرها ، ومقولاتها ومعانيها ، ومنها « علي خير البشر » فقد كفر وجحد بنعمة الله ، فهو كافر في مقام العمل.

( أبو الصادق ـ فلسطين ـ سنّيّ ـ ٢٠ سنة ـ هندسة تحكّم )

مصادر حديث علي وشيعته هم الفائزون :

س : أين أجد حديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والذي روته أُمّ سلمة : « علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة » ـ في كتب السنّة والشيعة؟

ج : لا يخفى عليك أنّ هذا الحديث ورد بعدّة ألفاظ ، وبأسانيد مختلفة ـ عن أُمّ سلمة ، وابن عباس ، وجابر الأنصاريّ ، وغيرهم ـ ولكن مضمونها واحد ، وهو : أنّ علياًعليه‌السلام وشيعته هم الفائزون يوم القيامة(٢) .

كما لايخفى عليك أيضاً ، أنّ هذا الحديث ورد في مصادر كثيرة للفريقين.

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٢٤ ، الإرشاد ١ / ٤١ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٦٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٣ ، أنساب الأشراف : ١٨٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٧٣ و ١٩٧ و ٢ / ٧٨ و ٢٤٥ و ٣١٢ ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٧٩ ، فتح القدير ٥ / ٤٧٧ ، نور الأبصار : ١١٩ ، المعجم الأوسط ٦ / ٣٥٤ ، مجمع الزوائد ١٠ / ٢١ ، نظم درر السمطين : ٩٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٥٦ ، الصحاح ١ / ٣٩٧ ، النهاية في غريب الحديث ٤ / ١٠٦ ، لسان العرب ٢ / ٥٦٦ ، تاج العروس ٢ / ٢٠٩.

٨٢

« ـ »

معنى حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة :

س : أُودّ الاستفادة إذا سمحتم لي ، يقال في الإمام عليعليه‌السلام : إنّ حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة.

ما هو المقصود بذلك؟ هل يعني أنّه يكفي محبّة الإمامعليه‌السلام بدون صلاة؟ وهذا من المنظور السطحي ، أم محبّة الإمام مقرونة بالأعمال الحسنة ، وليست السيئة؟

ج : لقد استفاضت الأخبار عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيئة ، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة »(١) .

وهناك عدّة تأويلات ذكرت لهذا الخبر :

منها : عن الشهيد الثاني ( قدس سره ) : « حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة ، وهي توجب عدم ملابسة شيء من الذنوب البتة ، لأنّ المحبّ الحقيقيّ يؤثر رضا المحبوب كيف كان.

ولاشكّ أنّ رضا عليعليه‌السلام في ترك المحرّمات والقيام بالواجبات ، فمحبّة علي الحقيقيّة تؤثّر لأجل ذلك ، فلا يفعل ما يوجب النار فيدخل الجنّة ، ومن خالف هوى محبوبه فمحبّته معلولة »(٢) .

ومنها : عن علي بن يونس العامليّ ( قدس سره ) : « إنّ من أحبّ علياً لا يخرج من الدنيا إلاّ بتوبة تكفّر سيئاته ، فتكون ولايته خاتمة عمله ، ومن لم يوفّق للتوبة ابتلى بغمّ في نفسه ، أو حزن في ماله ، أو تعسير في خروج روحه ، حتّى يخرج من الدنيا ولا ذنب له يؤاخذ به »(٣) .

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ٢ / ٧٥ و ٢٩٢ ، فردوس الأخبار : ٣٤٧.

٢ ـ رسالة في العدالة : ٢٢٧.

٣ ـ الصراط المستقيم ١ / ١٩٩.

٨٣

ومنها : عن الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « إنّ الله تعالى آلى على نفسه أن لا يطعم النار لحم رجل أحبّ علياًعليه‌السلام ، وإن ارتكب الذنوب الموبقات ، وأراد الله أن يعذّبه عليها ، كان ذلك في البرزخ ، وهو القبر ومدّته ، حتّى إذا ورد القيامة وردها وهو سالم من عذاب الله ، فصارت ذنوبه لا تضرّه ضرراً يدخله النار »(١) .

ومنها : عن بعض الأعاظم ، نقله الشيخ الماحوزيّ : « إنّ محبّة عليعليه‌السلام توجب الإيمان الخاصّ ، والتشيّع بقول مطلق ، وحينئذ لا يضرّ معه سيئة ، لأنّ العصيان في غير الأُصول الخمسة لا يوجب الخلود في النار ، بل المفهوم من أخبارنا الواردة عن أئمّتناعليهم‌السلام : إنّ ذنوب الشيعة الإمامية مغفورة »(٢) .

ومنها : عن ابن جبر ( قدس سره ) : « لمّا كان حبّه هو الإيمان بالله تعالى وبغضه هو الكفر استحقّ محبّه الثواب الدائم ، ومبغضه العذاب الدائم ، فإن قارن هذه المحبّة سيئة استحقّ بها عقاباً منقطعاً ، ومع ذلك يرجى له عفو من الله تعالى ، أو شفاعة من الرسول ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ شيء قلّ ضرره بإضافته إلى ما كثر ضرره ، جاز أن يقال : إنّه غير ضارّ ، كما يقال : لا ضرر على من يحبّ نفسه في مهلكة ، وإن تلف ماله.

فحبّهعليه‌السلام يصحّح العقيدة ، وصحّة العقيدة تمنع من الخلود ، فلا تضرّ سيئته كلّ الضرر ، وبغضه يفسدها ، وفسادها يوجب الخلود ، ويحبط كلّ حسنة »(٣) .

ومنها : عن الشيخ الطريحي : « الظاهر أنّ المراد بالحبّ الحبّ الكامل المضاف إليه سائر الأعمال ، لأنّه هو الإيمان الكامل حقيقة ، وأمّا ما عداه فمجاز ، وإذا كان حبّه إيماناً وبغضه كفراً ، فلا يضرّ مع الإيمان الكامل سيئة ، بل تغفر إكراماً لعليعليه‌السلام ، ولا تنفع مع عدمه حسنة إذ لا حسنة مع عدم الإيمان »(٤) .

__________________

١ ـ الأربعين : ١٠٥ عن الإرشاد.

٢ ـ الأربعين : ١٠٥.

٣ ـ نهج الإيمان : ٤٤٩.

٤ ـ مجمع البحرين ١ / ٤٤٢.

٨٤

هذه بعض التأويلات وبها نكتفي.

( نور ـ دبي ـ ٢٤ سنة ـ طالب )

تشخيص قبره وبنائه :

س : من هو أوّل من وضع علامة على قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ؟ ومن هو نصب الضريح وبنى القبة؟

ج : بعد شهادة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالكوفة تولّى الإمامان الحسن والحسينعليهما‌السلام تغسيله وتكفينه ودفنه في الغريّ ، وقد عفّيا موضع قبرهعليه‌السلام بوصية كانت منه إليهما ، لما كان يعلمه من عدواة بني أُمية له ، وما ينتهون إليه من سوء نيّاتهم.

فلم يزل قبرهعليه‌السلام مخفيّاً حتّى دلّ عليه الإمام الصادقعليه‌السلام في زمن الدولة العباسيّة ، وحينها أخذت الشيعة تأتي إلى زيارتهعليه‌السلام .

وقال ابن الدمشقي : « وقيل : إنّ الرشيد خرج يوماً إلى الصيد ، فأتى إلى موضع قبره الآن ، فأرسل فهداً على صيد ، فتبع الفهد الصيد إلى موضع القبر ، فوقف ولم يتجاوزه ، فعجب الرشيد من ذلك ، فحضر إليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين مالي من كرامة إن دللتك على قبر علي بن أبي طالب؟

قال : كلّ كرامة.

قال : هذا قبره.

قال : من أين علمت ذلك؟

قال : كنت أخرج إليه مع أبي فيزوره ، وأخبرني أنّه كان يجيء مع جعفر الصادق فيزوه ، وإنّ جعفراً كان يجيء مع أبيه محمّد الباقر فيزوره ، وأن محمّداً كان يجيء مع علي بن الحسين فيزوره ، وأنّ الحسين أعلمهم أنّ هذا قبره.

٨٥

فتقدّم الرشيد بأن يحجّر ويبنى عليه ، فكان أوّل من بنى عليه هو ، ثمّ تزايد البناء »(١) .

وحكم الرشيد بين سنة ١٧٠هـ ـ ١٩٣ هـ

ولكن السيّد ابن طاووس يذهب إلى أنّ أوّل من وضع صندوقاً على قبر أمير المؤمنين عليعليه‌السلام هو داود بن علي العباسيّ ، المتوفّى ١٣٣ هـ.(٢) .

والظاهر أنّ أوّل من بيّن قبر الإمامعليه‌السلام هو الإمام الصادقعليه‌السلام ، وأوّل من وضع ضريحاً ـ صندوقاً ـ على قبرهعليه‌السلام هو داود بن علي العباسيّ ، وأوّل من أمر ببناء قبّة على قبرهعليه‌السلام هو هارون الرشيد.

( السيّد الموسوي ـ )

كان في صلح الحديبية :

س : هل كان الإمام علي عليه‌السلام في صلح الحديبية أم لا؟

ج : لقد كان الإمام عليعليه‌السلام موجوداً في صلح الحديبية ، فقد روي البخاريّ عن أبي إسحاق قال : « حدّثني البراة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكّة يستأذنهم ليدخل مكّة ، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلاّ ثلاث ليال ، ولا يدخلها بجلبان السلاح ، ولا يدعو منهم أحداً ، قال : فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب ، فكتب : «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله » ، فقالوا : لو علمنا أنّك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ، ولكن أكتب هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله.

فقال : «أنا والله محمّد بن عبد الله ، وأنا والله رسول الله » ، قال : وكان لا يكتب ، قال : فقال لعلي : «امح رسول الله » ، فقال علي : «والله لا أمحوه

__________________

١ ـ جواهر المطالب ٢ / ١١٤.

٢ ـ فرحة الغريّ : ١٦.

٨٦

أبداً » ، قال : فأرينه ، قال : فأراه إيّاه ، فمحاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده »(١) .

( سلام حسن ـ العراق ـ طالب علم )

طالب بحقّه :

س : سؤالي هو استيضاح لإشكال علق في ذهني ، مفاده : إنّا حين نسأل عن سبب عدم مطالبة الإمام عليعليه‌السلام بحقّه ، وعدم خروجه على من غصب حقّه ، يرد الجواب المعروف : أنّه لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام ووحدته ، ولكن نرى أوّلاً : إنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد خرج ـ ولو لبعض الشيء ـ على الخلافة المزيّفة ، كما نقل لنا التاريخ ذلك في قصّة نفي الصحابيّ الجليل أبو ذر الغفاريعليه‌السلام ، وكذلك الخطبة الشقشقية ، ومواقف أُخرى أنتم أكثر منّي اطلاعاً عليها.

وأمّا ثانياً : فإنّا نشاهد بحسب الواقع اليوم : أنّ ما عليه المسلمون من تخلّف اليوم ، يرجع بشكل واضح لتلك الرزايا الأُولى من غصب الخلافة ، فأقول : ـ وأرجو السماح من الإمام أوّلاً ومنكم ثانياً ـ لو أنّ الإمام طالب بحقّه جهراً وبقوّة لما حدث ما حدث.

أرجو أن توضّحوا لي هذا الاستفسار بشكل مبسّط ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الميامين.

ج : نوضّح الجواب بنقاط :

١ ـ إنّ جوابنا بأنّ الإمام لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام هو جواب على سبب عدم قتال أمير المؤمنينعليه‌السلام لمن غصب حقّه ، وليس جواب عن السؤال عن سبب عدم مطالبته بحقّه.

٢ ـ نحن لا نقول : إنّ الإمامعليه‌السلام لم يطالب بحقّه ـ كما هو مفروض السؤال ـ

__________________

١ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٧١.

٨٧

فهناك تسرّع لدى السائل أو غيره ، وإنّما الصحيح أنّ الإمامعليه‌السلام لم يقاتل ، لأنّ قتاله كان سيضرّ بالإسلام ويضعفه ، وأيضاً لا يصل لحقّه منه لقلّة أنصاره.

ولكن هذا غير المطالبة بالحقّ بالوسائل الأُخرى المتاحة ، والتي ليس فيها ضرر لإلقاء الحجّة على الغاصبين ، والمسلمين الآخرين ، والأجيال اللاحقة من المسلمين.

فإنّ الإمامعليه‌السلام استخدم في المطالبة بحقّه مختلف الأساليب بالقدر المستطاع ، كالتذكير بوصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإثبات أفضليته وأعلميته وقرابته ووراثته ، وغيرها ، أي استخدم جميع الوسائل المتاحة للمقاومة السلبية والإيجابية ، وهذا قطعاً يثبت أنّه طالب بحقّه ، والمطالبة بالحقّ لا تنحصر بالقتال فقط.

٣ ـ نعم إنّ ما نحن فيه اليوم هو من آثار ما مضى من أفعال القوم ، ولو كان الإمامعليه‌السلام يستطيع أن يمنعه بالسيف لفعل ، ولكن يجب أن ننظر بموضوعية لسلوك الإمامعليه‌السلام الحكيم ، بأنّه بسلوكه المتوازن بين عدم القتال وعدم السكوت عن حقّه ، والوقوف ما استطاع أمام محاولات حرف الإسلام عن مساره العام ، وإن وقع الظلم عليه خاصّة ، قد حافظ على الهيكل العام للإسلام كما تجده اليوم ، واستطاع أن يبقي الإسلام الحقّ النازل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيّاً إلى اليوم ، ببقاء هذه الثلّة المؤمنة الموالية ، وهم شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهي المرجوّة والمبشرّة بالنجاة ، حتّى ظهور الحجّة المنتظرعليه‌السلام ، إذ ببقائها بقت الحجّة موجودة لمن يطلبها.

( فدك ـ البحرين ـ ١٦ سنة ـ طالبة )

تكليمه للشمس :

س : أُريد توضيحاً حول الرواية التي نقلها العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) في كتابه

٨٨

البحار (١) ، عن كتاب « مناقب آل أبي طالب » (٢) لابن شهر آشوب ( قدس سره ) ، حول تكليم الإمام علي عليه‌السلام للشمس ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ هناك كثيراً من الفضائل والمناقب للإمام عليعليه‌السلام ، ذكرتها كتب السنّة والشيعة ، ومن تلك الفضائل هي قضية ردّ الشمس لهعليه‌السلام ، كما ردّت من قبل لسليمان وصيّ داودعليهما‌السلام ، وليوشع بن نون وصيّ موسىعليهما‌السلام .

وأمّا بالنسبة إلى قضية تكليم الشمس لهعليه‌السلام فليست ببعيدة ، وذلك :

أوّلاً : باعتبار أنّ للإمامعليه‌السلام كما قلنا فضائل ومناقب كثيرة ، فتكون قضية تكليم الشمس لهعليه‌السلام واحدة من تلك الفضائل الكثيرة ، فليس هو إنساناً عادياً لا فضائل له ولا مناقب حتّى نستبعدها لهعليه‌السلام .

ثانياً : باعتبار أنّ الشمس ردّت لهعليه‌السلام لبيان فضيلة له ، فما المانع من أن تتكلّم معهعليه‌السلام لنفس السبب المذكور.

ثالثاً : باعتبار أنّ القرآن الكريم ذكر لنا قضية مشابهة لها ، وهي تكليم المولى تعالى لموسىعليه‌السلام من خلال الشجرة ، فإذا أمكن تكليم الشجرة بقدرة ربانية ، فما المانع من تكليم الشمس للإمام عليعليه‌السلام بقدرة ربانية؟

كما ذكر لنا القرآن الكريم موارد أُخرى مشابهة لها من ناحية الإعجاز ، كقضية انشقاق القمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإحياء عيسىعليه‌السلام للموتى ، وغير ذلك.

( حسن رضائي )

تصدّقه بالخاتم لم يخرجه من الصلاة :

س : يقول أعداء أهل البيت : بأنّ الإمام علي عليه‌السلام عندما تصدّق خرج من

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤١ / ١٧٤.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤٣.

٨٩

الصلاة لحظة ، فهذا ليس من صفة الإمام المعصوم؟ فما هو الجواب المقنع؟

ج : هناك عدّة نقاط :

١ ـ لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب الإمام عليعليه‌السلام .

٢ ـ هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.

٣ ـ سئل ابن الجوزيّ الحنبلي المتعصّب ـ الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ عن هذا الإشكال ، أجاب ببيتين من الشعر :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سـكرُهُ حتّى تمكّن من

فعل الصُحاةِ فهذا واحد الناس(١)

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٨ سنة ـ التاسعة أساسي )

سكوته عمّا جرى على ولده محسن :

س : لدي مداخلة أو بالأحرى استفسار إذا سمحتم ، وهو بخصوص إسقاط جنين الزهراءعليها‌السلام .

هل يمكن أن يسكت أمير المؤمنينعليه‌السلام على إسقاط جنينه وقتل ولده ؟

ج : إنّ الإمام عليعليه‌السلام ترك مقاتلة القوم بعد اغتصابهم الخلافة ، لوصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بترك مقاتلة القوم ، إذ كان يؤدّي إلى الفرقة ومحو دين الله ، والأهمّ عندهعليه‌السلام أن يستمر دين الله ، وإن كان ناقصاً ، بدل أن يمحى بالكلّية.

هذا بالإضافة إلى أنّ الإمام كان يتمتّع ـ كما هو معروف ـ بأعلى درجات الإيمان والتضحية من أجل الدين ، تجعله يغضّ الطرف عن مظلمة تقع عليه

__________________

١ ـ روح المعاني ٣ / ٣٣٦.

٩٠

مقابل صيانة الدين وحفظ الشريعة ، ولو بالقدر المتيسّر.

فالمطالبة بظلامة ابنه لا تقاس بشيء عند تلك النفوس الكاملة ، مقابل حرف مسار دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بغصب الخلافة ، مع ملاحظة أنّ قتل محسن كان في خضم تلك الأحداث التي أدّت إلى غصب الخلافة ، ومصيبة عصيان أمر الله ، وإهمال وصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله غطّت وحجبت مصيبة مقتل ابنه ، أو الاعتداء على الزهراءعليها‌السلام ، أو محاولة حرق دارها ، فهي جزئيات دخلت في المصبّ العام للمصيبة ، ولم تكن حوادث مستقلّة منفردة على حدة ، حتّى نحتمل تصرّف وموقف مختلف من الإمامعليه‌السلام اتجاهها.

ولك مثلاً بموقف الحسينعليه‌السلام ، فإنّه ضحّى بكلّ شيء حتّى طفله الرضيع في المصبّ العام لأحداث ثورته ودعوته ، لتصحيح مسار الإسلام.

« ـ ـ »

تكلّمه وهو صغير وقراءته للقرآن قبل نزوله :

س : أمّا بعد ، لقد تلقّيت أجوبتكم ، وجزاكم الله كلّ خير.

لقد قرأت كتاب : علي من المهد إلى اللحد للسيّد القزويني ، ووجدت فيه بعض الأفكار التالية : تكلّم عليعليه‌السلام وهو ابن ثلاثة أيّام ، وأنّه قرأ القرآن قبل أن ينزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما مدى صحّة هذه الأفكار؟ جزاكم الله كلّ خير.

ج : هذه ليست أفكاراً ، وإنّما أقوال تستند إلى روايات ، وردت في بعض المجامع الحديثية عند الشيعة الإمامية ، ككتاب بحار الأنوار.

والحال أنّ التكلّم عند الطفولة بشكل عامّ يُعدّ من المعجزات التي أشار إليها القرآن الكريم بحقّ عيسىعليه‌السلام ، والملاحظ أنّ ولادة الإمام عليعليه‌السلام في جوف الكعبة هو بحدّ ذاته يُعدّ معجزة كبيرة ، تحمل في طيّاتها معان كثيرة للمتأمّل بإنصاف ، ويكون الإخبار عن قراءته للقرآن الكريم قبل إعلان الرسالة هو أحد المعاني التي ينبغي الوقوف عندها في هذه المعجزة والكرامة الأوحدية ـ

٩١

الولادة في جوف الكعبة ـ التي لم تكن لأحد من قبله أو بعده ، ولعلّها تكشف لنا عن مصداق من المصاديق المستفادة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين يدي الله ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزئين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب »(١) .

« عبد الله ـ المغرب ـ سنّي ـ ٢٤ سنة »

معنى أنّه ولي الله :

س : أمّا بعد : إذا كانت ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى أنّه ولي لله تعالى ، فأهل السنّة مجمعون عليها ولاشكّ في ذلك ، لأنّه من السابقين للإسلام ، الذين قال الله فيهم : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(٢) .

وتكفي شهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله له في عدّة أحاديث ، منها قوله : « أليس الله بأولى بالمؤمنين »؟

قالوا : بلى ، قال : « اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة بأسانيد صحاح(٣) .

وأمّا إذا كانت ولايته بمعنى أحقّيته بوراثة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام الدين والدنيا ـ أي أنّه الأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر ـ فهذا غير مُسَلَّم ، للإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر عليه ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه ، وكان هو

__________________

١ ـ نظم درر السمطين : ٧ و ٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧ ، جواهر المطالب ١ / ٦١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٧ و ٢ / ٣٠٧.

٢ ـ التوبة : ١٠٠.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١٥٢ و ٤ / ٢٨١ و ٣٧٠ و ٥ / ٣٤٧ و ٣٧٠ ، الجامع الكبير ٥ / ٢٩٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٥.

٩٢

نفسهعليه‌السلام معترفاً بهذا ، لا ينازعهما فيه ، وقد بايعهما بالخلافة.

وفي تفضيل عثمان على علي خلاف بين أهل السنّة ، والأكثر على تفضيل عثمان.

أمّا الولاية له ولأولاده بالمعنى الثاني ـ التي يعتقد بها البعض ـ فهي مردودة ؛ لأنّها بمعنى العصمة له وللأئمّة من ذرّيته ، وأحقّيتهم بالولاية الدينية على المؤمنين ، وقد وُجِدَ كثير من المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أفضل من بعضهم ، ولأنّ أساس التفضيل في الإسلام ليس قائماً على النسب والقرابة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو بالتقوى والإيمان ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) .

ومذهب أهل السنّة : أنّه لا عصمة لأحد غير الأنبياء عليهم‌السلام ، وعصمتهم في ما يتعلّق بتبليغ الوحي ، وهم معصومون عن كبائر الذنوب دون صغائرها ، وأهل البيت داخلون تحت قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلّ بني آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوّابون » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة ، وحسّنه الألباني .

وهم داخلون كذلك تحت الخطاب الإلهيّ للناس جميعاً ، وذلك في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر عليه‌السلام ، وفيه : « يا عبادي : إنّكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فاستغفروني أغفر لكم »(٢) .

ج : في السؤال فقرات عديدة ، يمكن الإجابة عليها حسب نقاط :

النقطة الأُولى : معنى عليعليه‌السلام ولي الله ، هو تولّي شؤون إدارة البلاد والعباد بأمر من الله سبحانه ، وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) ، التي ذكر المفسّرون نزولها بحقّ الإمام عليعليه‌السلام عندما تصدّق وهو في حال الركوع من صلاته.

__________________

١ ـ الحجرات : ١٣.

٢ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٧.

٣ ـ المائدة : ٥٥.

٩٣

وأيضاً المستفاد من قول المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

والمراد من كلمة مولى في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ولاية الأمر ، لقرينة لفظية تدلّ عليها ، وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألست أولى بكم من أنفسكم »؟ الدالّة على ولاية الأمر بكلّ وضوح ، والتي أردفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله المتقدّم : «فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وقد فهم العرب الذين حضروا واقعة التنصيب هذه في غدير خم أنّه تنصيب للإمامة وقيادة الأُمّة من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما عبّر عن ذلك حسّان بن ثابت ـ شاعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في نفس الواقعة ، حيث أنشد قائلاً :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسـمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال قـم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه

وكن للذي عادى علياً معاديا(١)

إلاّ أنّ السياسة وغلبة الآراء وتفرّق المصالح أخذا بالمسلمين يومذاك شرقاً وغرباً ، تمخّض عنه مؤتمر السقيفة بين المهاجرين والأنصار ، الذي أدّى إلى تنصيب أبي بكر خليفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في عملية انتخابية ، جرى فيها من التهديد والوعيد بين الطرفين ، ممّا لا نودّ ذكره ، أو التطرّق إليه.

وأمّا قولك : من أنّ أهل السنّة مجمعون على ولاية عليعليه‌السلام بمعنى الولاية الذي تريده ، فهم ـ كما تعلم ـ يثبتونه لغيره من أفاضل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل

__________________

١ ـ نظم درر السمطين : ١١٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٢.

٩٤

ـ لو شئت الحقّ ـ يثبتون الولاية بهذا المعنى الذي تريده لكلّ المسلمين.

وعند ذلك ، فما ميزة الإمام عليعليه‌السلام ليختصّه ويفرده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير بهذه الولاية إذا كانت عامّة لجميع المسلمين؟ ألا ترى نفسك أنّك تستهزئ بشخصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما تنسب له مثل هذا التصرّف ، وتجعل ذلك الموقف يوم الغدير تحت الشمس الحارقة لذلك الجمع ، ورسول الله يرتقي أقتاب الإبل ، ليقول قولاً متسالماً عليه ، وثابت لجميع المسلمين ، تجعله سفاهة في سفاهة ـ أعوذ بالله ـ يعاب عليه أدنى الناس لو فعله؟

النقطة الثانية : كون الإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر على عليعليه‌السلام ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه.

والجواب : لا يوجد إجماع في مسألة التفضيل؟ وإنّما مدرك هذه الأقوال هو بضع روايات فيها الكثير من التأمّل ، فالمفاضلة الواردة في حقّ الثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان ـ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنسب إلى ابن عمر ، كما هو الوارد في صحيح البخاريّ في مناقب عثمان ، وبملاحظة سنّ ابن عمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكونه لم يبلغ الحلم بعد ، يدرك أنّ عالَمه هو عالم الصبيان ، إذ لم يكن ابن عمر قد بلغ مبلغ الرجال ، لينقل حال المفاضلة هذه عندهم ، كما هو واضح.

والمفاضلة الواردة في حقّ الأربعة ـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ـ فراويها جعدبة بن يحيى ، الذي يمكن العودة إلى ترجمته في لسان الميزان لننظر مصداقية نقله هذا ، بعد القدح الوارد فيه هناك(١) .

وإن كان هناك بحث يجب القيام به في موضوع المفاضلة هذه ، فالآيات والروايات صادحة بتفضيل الإمام عليعليه‌السلام على من سواه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويمكن للمتتبّع الحصيف أن يقرأ تفسير الآيات الكريمة التالية ، وأسباب

__________________

١ ـ لسان الميزان ٢ / ١٠٥.

٩٥

نزولها ، ليجد موضع الإمام عليعليه‌السلام منها : آية المباهلة ، آية التطهير ، آية المودّة ، آية الولاية ، سورة الدهر ، وغيرها من الآيات الواردة في حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبيان منزلته ومكانته العالية.

بل كفاهعليه‌السلام أن يكون حبُّه علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق ، ليكون قسيم النار والجنّة بجدارة ، إذ المحبّون له سيكونون من المؤمنين ومن أهل الجنّة حتماً ، والمبغضون له سيكونون من المنافقين ومن أهل النار حتماً ، وذلك حسب الحديث الوارد عن الإمام عليعليه‌السلام : «إنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليَّ ، لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق »(١) .

وروى الترمذيّ بسنده عن أنس بن مالك قال : « كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طير ، فقال : «اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير » ، فجاء علي فأكل معه »(٢) .

قال المباركفوريّ : « وأمّا الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه »(٣) .

وقال الذهبيّ : « وأمّا حديث الطير ، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل »(٤) .

فأحبّ الخلق إلى الله تعالى هو أكثر الناس اتباعاً لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أهل

__________________

١ ـ فضائل الصحابة : ١٧ ، صحيح مسلم ١ / ٦١ ، فتح الباري ٧ / ٥٨ ، تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٥١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٤ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ / ٤٧ و ١٣٧ و ٦ / ٥٣٤ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٠٤ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٦٧ ، الأذكار النووية : ٢٧٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٠ ، دفع شبه التشبيه : ٢٤١ ، الجامع لأحكام القرآن ٧ / ٤٤ ، علل الدارقطنيّ ٣ / ٢٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٨ / ٣٤٩ و ٤٢ / ٢١٧ و ٢٧٤ و ٥١ / ١١٩ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ١٨٩ و ١٢ / ٣٦٦ و ٥٠٩ و ١٧ / ١٦٩ ، انساب الأشراف : ٩٧ ، الجوهرة : ٦٢ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١٤٩ و ٢ / ١٨٠.

٢ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠.

٣ ـ تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٥٣.

٤ ـ تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٣.

٩٦

طاعته سبحانه ، قال تعالى :( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (١) .

ومن هنا كانت طاعتهعليه‌السلام طاعة لله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني »(٢) .

أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، والذهبيّ في تلخيص المستدرك في نفس الصفحة ، وصرّح كلّ منهما بصحّته على شرط الشيخين.

كيف لا يكون الأفضل وقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوحي إليَّ في علي ثلاث : أنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين » ، رواه الحاكم في المستدرك وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه »(٣) .

والأفضل هو مَن يكون خيرة الله من خلقه مع النبيّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمةعليها‌السلام : « يا فاطمة : أما ترضين أنّ الله عزّ وجلّ أطلع إلى أهل الأرض فأختار رجلين ، أحدهما أبوك ، والآخر بعلك »(٤) .

أمّا كون أبي بكر وعمر أحقّ بالخلافة من عليعليه‌السلام فهذا لا وجه له ، إذ لم تكن الأحقّية المدّعاة بتنصيب من الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بإجماع من الأُمّة ، للخلاف الكبير الوارد في مؤتمر السقيفة ، أو حتّى بامتيازات خاصّة تؤهّلهما لتولّي شؤون المسلمين دونهعليه‌السلام ، فقد ورد عن عمر بن الخطّاب قوله ـ في أكثر من مورد ومورد ـ : « لولا علي لهلك عمر »(٥) .

__________________

١ ـ آل عمران : ٣١.

٢ ـ المستدرك ٣ / ١٢١ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٧.

٣ ـ المستدرك ٣ / ١٣٧.

٤ ـ المصدر السابق ٣ / ١٢٩.

٥ ـ تأويل مختلف الحديث : ١٥٢ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ و ١٤١ و ١٢ / ١٧٩ و ٢٠٥ ، نظم درر السمطين : ١٣٠ ، جواهر المطالب ١ / ١٩٥ و ٢٩٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢١٦ و ٢٢٧ و ٣ / ١٤٧.

٩٧

بل قال عمر في نفسه : « كل الناس أفقه من عمر »(١) .

وقد صرّح أبو بكر معترفاً بعجزه عن إدارة شؤون المسلمين بقوله : « أقيلوني فلست بخيركم »(٢) .

وقد صرّح عمر بن الخطّاب ـ وهو أوّل من أختار أبا بكر وبايعه على الخلافة ـ : « أنّ بيعة أبي بكر كانت فلته وقى الله شرّها ، حيث قال : « فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلته وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرّها »(٣) .

وأخيراً : فما بالك تحتجّ علينا بما ورد في كتبكم ، وأنت تعلم أن هذا ليس بحجّة في المناظرة ، ألا ترى ما ذكرنا لك ، واحتججنا عليك بما ورد في كتبكم ، ولم نأتِ بما في كتبنا ورواياتنا ، وإلاّ فعندنا أنّهم لا فضل لهم ، حتّى تأتي النوبة لمفاضلتهم مع الإمام عليعليه‌السلام !!

وأمّا تفضيل عثمان على عليعليه‌السلام ، فلا اعتقد أنّه يستحقّ الإجابة بعدما سمعت ما تقدّم.

وأمّا ما ذكرت من عدم منازعته لهما فلا نسلّم به ، بل إنّه طالب بحقّه بأقصى ما تسمح به مصلحة الإسلام ، وأنّه امتنع عن البيعة حتّى أكره بعد ستة أشهر كما يعترف البخاريّ ، وأمّا ما ذكرته من كتبكم فلا حجّة فيه علينا ، مع أنّه ضعيف في نفسه.

__________________

١ ـ الغدير ٦ / ٩٨ عن أربعينة الرازي : ٤٦٧ ، المبسوط ١٠ / ١٥٣ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٣٨ ، المجموع ١٦ / ٣٢٧ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٤ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ و ١٧ / ١٧١ ، كشف الخفاء ١ / ٢٦٩ و ٣٨٨ و ٢ / ١١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٩٩ و ١٥ / ١٧٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٧٨ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٣٣ ، فتح القدير ١ / ٤٤٣.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٦٩.

٣ ـ صحيح البخاريّ ٨ / ٢٦ ، فتح الباري ١٢ / ١٣٢ ، المصنّف للصنعانيّ ٥ / ٤٤٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٠ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٤ / ٢٧٣ ، صحيح ابن حبّان ٢ / ١٤٨ و ١٥٥ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٣ و ١١ / ١٣ ، الثقات ٢ / ١٥٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٢٨٣ ، جامع البيان ٢ / ٤٤٦ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٦٦ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤٨٧.

٩٨

النقطة الثالثة : الولاية لعليعليه‌السلام وأولاده.

والجواب : التولّي لعليعليه‌السلام وأولاده ـ الأئمّة الأحد عشر من بعده ـ لم يكن وليد رأي أو اجتهاد ، أو دعوة للإرث التقليدي من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بفعل عامل القرابة والمصاهرة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما هذا الأمر وليد النصوص النبوية المعصومة ، التي دعت إلى ولاية علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

فقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الثقلين المتواتر المشهور : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(١) .

وواضح لمن له أدنى مسكة علم أنّ التمسّك بالكتاب والعترة هو الاتباع والأخذ بهديهما ، وهو معنى الولاية لهما.

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوالي وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي »(٢) .

__________________

١ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطنيّ ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

٢ ـ حلية الأولياء ١ / ١٢٨ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٤٠ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٧٩ و ٢ / ٤٨٩ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٨.

٩٩

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحبّ أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي ، قضباناً من قضبانها غرسها بيده ، وهي جنّة الخلد ، فليتولّ علياً وذرّيته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة »(١) .

وأمّا عصمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ففي حديث الثقلين دلالة واضحة عليها ، إذ جعل الله سبحانه العصمة من الضلال بالتمسّك بالثقلين معاً ، وغير المعصوم لا يهدي إلى الحقّ مطلقاً ، كما قال تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

أمّا قولك : إنّ الولاية له ولأولاده بمعنى العصمة فهي خلط منك ، لأنّ معنى الولاية شيء ـ وهي خلافة الله في أرضه ، والولاية في شؤون الدين والدنيا ـ ومعنى العصمة شيء آخر ، وهو العصمة من الخطأ والنسيان ، وكلّ منفر للناس من أوّل حياته إلى آخرها.

نعم ، نحن نقول : لابدّ للولي أن يكون معصوماً ، إذ لو جاز عليه الخطأ لجاز للناس عدم اتباعه فيه ، فلا تكون له ولاية عليهم ، وغيرها من الأدلّة مذكورة في محلّها ، فالعصمة لازمة للولاية وليست بمعناها ، فافهم.

وأمّا قولك : إنّ بعض الصحابة أفضل منهم ، لو سلّمنا فإنّه لا يلزم التناقض ؛ لأنّه لو فرضنا أنّ هناك صحابيّاً أفضل من بعض الأئمّةعليهم‌السلام ، ولكنّه ليس أفضل من الولي في زمنه ، وهو علي أو الحسن أو الحسينعليهم‌السلام .

ونحن على أقلّ الاحتمالات وتنزّلاً معك نثبت من خلال ما نقلتموه أنتم في تراجمهم أنّ كلّ واحد منهم كان أفضل الخلق في زمانه ، فتأمّل.

ثمّ متى ادعى الشيعة أنّ أساس التفضيل القرابة والنسب ، نعم إنّ القرابة منقبة وفضيلة ، ولكن ليست هي المقوّم للولاية ، وإنّما الولاية اختيار من الله

__________________

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦١٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٤٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٨٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799