الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي7%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 945776 / تحميل: 10644
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

- عن أبي سعيد، مردود بتوثيق ابن سعد له، فقد قال ابن حجر العسقلاني: « قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الاشعث، فكتب الحجاج الى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط وأحلق لحيته فاستدعاه، فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج الى خراسان فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها فلم يزل بها الى أن توفي سنة ١١٠، وكان ثقة إن شاء الله تعالى، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به»(١) .

وليعلم أن توثيق ابن سعد - مع عداوته الكثيرة وبغضه الشديد لاهل البيتعليهم‌السلام الى حد ضعف الامام جعفر الصادقعليه‌السلام ، ووصف روايته بالاختلاف والاضطراب، الى غير ذلك من آيات اعراضه عن أهل البيت والائمة الطاهرين منهم - لعطية هذا دليل قاطع على صحة روايته، ومن لم يحتج به فأولئك أشد حرورية واعوجاجاً من ابن سعد.

٢٤ - عطية من رجال أحمد

ان عطية هذا من رجال أحمد بن حنبل في ( مسنده ) - كما ستعرف - وأحمد لا يروى الا عن ثقة، كما قال التقي السبكي في مقام توثيق رجال سند حديث: « من زار قبري وجبت له شفاعتي » وهو الحديث الاول من الباب الاول من كتابه، قال بعد كلام له: « وأحمدرحمه‌الله لم يكن يروي الا عن ثقة، وقد صرح الخصم [ يعنى ابن تيمية ] بذلك في الكتاب الذي صنفه في الرد على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: ان القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو الا عن ثقة عنده كما لك وأحمد بن حنبل وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة تبيين أن أحمد لا يروى الا عن ثقة، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه »(٢) .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٦.

(٢). شفاء الاسقام ١٠ - ١١.

٤١

وبعد الاطلاع على ذلك لا يبقى ريب في كون عطية ثقة، لان عدم رواية أحمد عن غير الشقة لا يخلو اما انه لا يروي عنه سواء بواسطة أو بلا واسطة، وذلك هو الظاهر بل المتعين كما ستعرفه عن قريب، فلا شك في وثوق عطية، وأما أنه لا يروي عنه بلا واسطة، لكن المانع من الرواية عنه مباشرة موجود في هذه الصورة أيضاً، فلا شك في ثقته على الصورتين.

٢٥ - اكثار أحمد الرواية عن عطية

لقد أخرج أحمد في ( مسنده ) عن عطية روايات كثيرة، كما لا يخفى على من طالعه، بل انه أخرج حديث الثقلين بالخصوص عنه عن أبي سعيد الخدري، وظاهر أن أحمد لم يرو الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، كما ذكر عبد الوهاب السبكي في ( طبقات الشافعية ) حيث قال بترجمته: « وقال أبو موسى المديني لم يخرج الا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته ».

وبهذا كله ظهر أن نسبة تضعيف عطية الى أحمد افك عظيم وظلم كبير، فالعجب من ابن الجوزي كيف خاض في غمار جحود فضائل أهل البيت حتى أنكر الحقائق ونفى البديهيات، وكيف صدرت منه هذه المجازفة بحق أحمد ومسنده وهو حنبلي المذهب؟

٢٦ - وثاقة عطية عند سبط ابن الجوزي

لقد صرح الحافظ سبط ابن الجوزي بوثاقة عطية، ورد تضعيفه حيث قال(١) بعد أن أورد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك « فان قيل: فعطية ضعيف، قالوا والدليل على ضعف الحديث أن الترمذي قال: وحدثت بهذا الحديث أو

__________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٤٢.

٤٢

سمع مني هذا الحديث محمد بن اسماعيل - يعني البخاري - فاستطرفه.

والجواب: ان عطية العوفي قد روى عن ابن عباس والصحابة وكان ثقة، وأما قول الترمذي عن البخاري فانما استطرفه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا أحله الا لطاهر لا لحائض ولا جنب »، وعند الشافعي يباح للجنب العبور في المسجد وعند أبي حنيفة لا يباح حتى يغتسل للنص، ويحمل حديث علي على أنه كان بذلك كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخصوصاً بأشياء ».

٢٧ - قال ابن معين: صالح

ان نسبة تضعيف عطية الى يحيى بن معين مردودة بنقل الدوري - وهو من كبار العلماء الثقات - عن ابن معين بأنه صالح، فقد قال الحافظ ابن حجر بترجمة عطية ما نصه: « قال الدوري عن ابن معين صالح »(١) .

فسقط ما نسبه ابن الجوزي الى ابن معين.

٢٨ - عطية من رجال بعض الصحاح

ان عطية من رجال ( الادب المفرد ) للبخاري و ( صحيح الترمذي ) و ( صحيح أبي داود )، وهذان الاخيران من ( الصحاح الستة ) عندهم، بل ان الترمذي روى حديث الثقلين بالذات عن عطية في صحيحه.

وعظمة مرويات ( الصحاح الستة ) وجلالة رواتها عند ابناء السنة قديماً وحديثاً واضحة لا تحتاج الى بيان، فان أفاد قدح ابن الجوزي في عطية شيئاً فانما يفيد اسقاط الصحاح لا غير.

٢٩ - لم يتفرد عطية عن أبى سعيد به

ان اقدام ابن الجوزي على القدح في عطية - كمحاولة يائسة

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٥.

٤٣

لتضعيف حديث الثقلين - دليل واضح على عدم اطلاعه في الحديث، وذلك: أن عطية على فرض كونه ضعيفاً غير متفرد بنقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، فلا يضر في حديث الثقلين في رواية أبي سعيد فضلا عن مطلق الحديث الوارد بالاسانيد والطرق والالفاظ المتكثرة.

نعم لم يتفرد عطية في نقل حديث الثقلين عن أبي سعيد، بل رواه عنه أبو الطفيل أيضاً - وهو من طبقة الصحابة - وذلك واضح كل الوضوح لمن راجع ( استجلاب ارتقاء الغرف ) للسخاوي، و ( جواهر العقدين ) للسمهودي، و ( وسيلة المآل ) لابن باكثير و ( الصراط السوي ) للشيخاني القادري.

٣٠ - ثبوت الحديث غير متوقف على رواية أبى سعيد

ثم انه لو سلمنا كون عطية ضعيفاً، وسلمنا تفرده برواية الحديث عن أبي سعيد، فلا ضرر على صحة حديث الثقلين كذلك، لعدم توقف صحته على رواية أبي سعيد، فقد وقفت - بحمد الله تعالى ومنه - على تنصيص جماعة من أعلام المحققين على رواية أكثر من عشرين من الصحابة حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا العدد أكثر من عدد التواتر بمراتب عديدة، كما فصلناه في مجلد حديث الولاية.

٣١ - توثيق ابن الطباع عبد الله بن عبد القدوس

وأما قدح ابن الجوزي في عبد الله بن عبد القدوس فهو مردود بتوثيق الحافظ محمد بن عيسى بن الطباع اياه، كما قال الحافظ المقدسي بترجمة عبد الله المذكور: « وحكى ابن عدي عن محمد بن عيسى انه قال: هو ثقة »(١) .

__________________

(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.

٤٤

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « وحكي عن محمد بن عيسى انّه قال: هو ثقة »(١) .

ترجمة محمد بن عيسى بن الطباع

قال الذهبي بترجمته: « ابن الطباع، محمد بن عيسى بن الطباع الحافظ الكبير، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، ما رأيت من المحدثين أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: ثقة.

قلت: توفى سنة أربع وعشرين مائتين، وهو في عشر الثمانين، وله تصانيف ومعارفرحمه‌الله

قال الاثرم: قال أحمد بن حنبل: ان ابن الطباع لبيب كيس - يعني محمد بن عيسى - و قال البخاري: سمعت علياً قال: سمعت عبد الرحمن ويحيى يسألان ابن الطباع عن حديث هشيم وما أعلم به منه، وقال أبو حاتم: سمعت محمد بن عيسى يقول: اختلف ابن مهدي وأبو داود في حديث لهشيم هل سمعه أو دلسه؟ فتراضيا بي فأخبرتهما »(٢) .

وترجم له أيضاً بقوله: « وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى ابن الطباع الحافظ نزيل الثغر بأذنة، سمع مالكاً وطبقته، قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للابواب منه، وقال أبو داود: كان يتفقه ويحفظ نحواً من أربعين ألف حديث »(٣) .

٣٢ - توثيق ابن حبان عبد الله بن عبد القدوس

وعبد الله بن عبد القدوس موثوق عند ابن حبان أيضاً، فقد أورده في الثقات قائلا: « عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي من أهل الري،

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٤١١.

(٣). العبر ١ / ٢٩٣.

٤٥

يروي عن الاعمش وابن أبي خالد، روى عنه سعيد بن سليمان و [ محمد ] ابن حميد، [ ربما أغرب ] »(١) .

وقال ابن حجر بترجمته: « ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أغرب »(٢) .

ثم ان لتوثيق ابن حبان قيمة كبيرة ودرجة من الاعتبار عظيمة، ذلك لان ابن حبان ممن يعادي أهل البيتعليهم‌السلام ويسيء اليهم، فقد زعم بالنسبة الى الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بأنه آت بالعجائب وواهم ومخطيء كما لا يخفى على من راجع ( الميزان للذهبي ٣ / ١٥٨ ) و ( تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٨ ) لابن حجر العسقلاني.

وظاهر أن هكذا ناصبي عنيد لا يوثق الرافضي أبداً.

٣٣ - توثيق البخاري عبد الله بن عبد القدوس

ولقد وثق البخاري - مع ما هو عليه من التعصب والتعسف - عبد الله بن عبد القدوس على ما نقل عنه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) اذ قال: « وثقه البخاري وابن حبان ».

وقال العسقلاني بترجمته: « قال البخاري: هو في الاصل صدوق، الا أنه يروي من أقوام ضعاف »(٣) .

ولا يخفى أن الرواية عن الضعاف أمر قلما سلم منه أسلافهم، كما لا يخفى على من راجع ( المنهاج ) لابن تيمية وغيره، فلو كان هذا - على تقدير تسليمه - قدحاً في عبد الله بن عبد القدوس لتوجه الى جمهور علمائهم، ولا تسع الخرق على الراقع.

هذا كله مع أن عبد الله بن عبد القدوس قد روى حديث الثقلين

__________________

(١). الثقات ٧ / ٤٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

(٣). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣.

٤٦

- الذي أورده ابن الجوزي - عن الاعمش وهو ثقة، فلا كلام حينئذ أصلا

٣٤ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال البخاري

وعبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح البخاري ) في تعليقاته، كما في رمز « خت » الموضوع له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) و ( تقريب التهذيب ١ / ٤٣٠ ) وغيرها.

ولما ثبت من كلمات علمائهم المحققين أن تخريج البخاري عن رجل دليل على عدالته وان كان في تعليقاته، فلا قيمة لطعن أي طاعن.

قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري في مقام الجواب عن الطعن في رجال البخاري: « وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لاي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته. ولا سيما ما انضاف الى ذلك من اطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة اجماع الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا اذا خرج له في الاصول.

فأما ان أخرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجاته من اخراج له فيهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره من أحد منهم طعنا، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الامام، فلا يقبل الا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقاً او في ضبطه لخبر بعينه، لان الاسباب الحاملة للائمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعني بذلك انه لا يلتفت الى ما قيل فيه. قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه الا بحجة ظاهرة،

٤٧

وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما »(١) .

وبما ذكره صرح الشيخ ملا علي القاري في شرح المشكاة عند ما ذكر الصحيحين(٢) .

فعلى فرض ثبوت طعن يحيى بن معين في عبد الله بن عبد القدوس، فان الوقوف على هذين النصين وأمثالهما يكفي للاعراض عنه وعدم الالتفات اليه واغترار ابن الجوزي به كاشف عن عدم خبرته ومجازفته.

٣٥ - عبد الله بن عبد القدوس من رجال الترمذي

وان عبد الله بن عبد القدوس من رجال ( صحيح الترمذي ) أيضاً، كما يعلم من رمز « ت » المعين له في ( الكاشف ٢ / ١٠٥ ) و ( تهذيب التهذيب ٥ / ٣٠٣ ) وغيرهما.

٣٦ - جرح عبد الله بن عبد القدوس لا يقدح في الحديث

ولو تنزلنا، وفرضنا عبد الله بن عبد القدوس رجلا مقدوحاً، فان ذلك لا يخل بثبوت أصل حديث الثقلين، بل لا يضر فيه حتى برواية الاعمش عن عطية عن أبي سعيد، لعدم تفرد عبد الله بن عبد القدوس بروايته عن الاعمش، فلقد رواه عن الاعمش: محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، ومحمد بن فضيل ابن غزوان الضبي، كما لا يخفى على من راجع ما تقدم عن ( مسند أحمد ) و ( صحيح الترمذي ).

فما ادعاه ابن الجوزي لا يفيده بحال، بل لو تأملت جيداً لظهر لك ان

__________________

(١). هدى الساري ٢ / ١٤٢ - ١٤٤.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ١ / ١٦.

٤٨

رواية عبد الله لهذا الحديث عن الاعمش مؤيدة لصدق سائر رواته عنه، ويظهر أيضاً لك صدقه في روايته عن الاعمش.

أضف الى هذا أنه كما لم يتفرد عبد الله في روايته حديث الثقلين عن الاعمش، كذلك الاعمش لم يتفرد في روايته عن عطية، فقد رواه عنه أيضاً: عبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العزرمي، وأبو اسرائيل اسماعيل بن خليفة العبسي الملائي، وهارون بن سعد العجلى، وكثير بن اسماعيل التيمي النواء، كما هو غير خاف على ناظر أحاديث ( مسند ) أحمد و ( معاجم ) الطبرانيّ في الباب.

٣٧ - ما أورده في جرح ابن داهر مجمل

وأما قول ابن الجوزي في الطعن في عبد الله بن داهر: « واما ابن داهر فقال احمد ويحيى ليس بشىء، ما يكتب منه انسان فيه خبر » فهو مردود بأن الطعن هذا - على تقدير ثبوت صدوره عنهما - مبهم، كما لا يخفى على من راجع ( التدريب ) للسيوطي وغيره، ويتضح لكل متتبع لاقوال الفحول والمحققين من القوم: ان الطعن المبهم لا يقبل من أي كائناً من كان، وقد جاء بيان ذلك بالتفصيل في مجلد حديث الولاية.

ثم ان السبب في اساءة ظنهما - على تقدير الثبوت - بعبد الله بن داهر انما هو اكثاره رواية فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما قال الذهبي: « قال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل علي، وهو متهم في ذلك »(١) .

ولا شك في ان الطعن في هكذا رجال لمثل هذه الاسباب غير مسموع، لانه ناشئ عن كمال بغضهم وانحرافهم عن اهل البيتعليهم‌السلام .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٤١٧.

٤٩

٣٨ - عبد الله بن داهر غير واقع في طرق الحديث

وذكر ابن الجوزي لعبد الله بن داهر بصدد الطعن في حديث الثقلين عجيب جداً، لانه لم يقع في سند من أسانيد هذا الحديث الشريف، وهذه أسانيده وطرقه مذكورة في كتب أعاظم الحفاظ وكبار أعلام أهل السنة، بل وكذلك عبد الله بن عبد القدوس، فان وقوعهما في سند هذا الحديث يختص بهذا السند الطريف الذي ذكره ابن الجوزي تمهيدا للطعن فيه، وكأنّه غافل عن أن المراجعة الواحدة لمسند احمد وصحيح مسلم وصحيح الترمذي يظهر تلبيسه ويكشف سوء نيته.

٣٩ - استنكار المحققين قدح ابن الجوزي في الحديث

ولما ذكرنا وغيره استنكر جماعة من اكابر محققيهم وأعاظم محدثيهم ايراد ابن الجوزي حديث الثقلين في كتابه ( العلل المتناهية ) ومنهم:

١ - سبطه ، حيث قال في ( التذكرة ) بعد أن نقل الحديث عن مسند احمد: « فان قيل: فقد قال جدك في كتاب ( الواهية ): أنبأنا عبد الوهاب الانماطي، عن محمد بن المظفر، عن محمد العتيقى، عن يوسف بن الدخيل عن ابى جعفر العقيلي، عن احمد الحلواني، عن عبد الله بن داهر، ثنا عبد الله ابن عبد القدوس، عن الاعمش، عن عطية، عن ابى سعيد، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعناه. ثم قال جدك: عطية ضعيف، وابن عبد القدوس رافضي، وابن داهر ليس بشيء.

قلت: الحديث الذي رويناه أخرجه احمد في ( الفضائل )، وليس في اسناده احد ممن ضعفه جدي، وقد اخرجه ابو داود في سننه والترمذي أيضاً وعامة المحدثين، وذكره رزين في الجمع بين الصحاح. والعجب كيف خفى عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن ارقم: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الى آخر ما سبق ».

٢ - السخاوي حيث قال بعد ايراد الحديث وتأييده « وتعجبت من

٥٠

ايراد ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، بل أعجب من ذلك قوله « انه حديث لا يصح » مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في ( صحيح ) مسلم »(١) .

٣ - السمهودي بعد اثبات الحديث وروايته عن الصحاح والمسانيد، قال: « ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية )، فاياك أن تغتر به، وكأنه لم يستحضره حينئذ »(٢) .

ولا يخفى أن هذا الكلام حسن ظن به، وكيف يصدق عاقل ذلك ويذعن أن يكون ابن الجوزي - مع ما هو عليه من سعة النظر وكثرة الاطلاع كما يقول مترجموه - غافلا عن طرق حديث الثقلين المتكاثرة المروية في الصحاح والمسانيد والمعاجم، أمثال مسند ابن راهويه، ومسند أحمد، ومسند عبد بن حميد، ومسند الدارمي، وصحيح مسلم، وصحيح الترمذي، وفضائل القرآن لابن أبى الدنيا، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي، وكتاب السنة لابن ابى عاصم، ومسند البزار، والخصائص للنسائي، ومسند أبى يعلى، والذرية الطاهرة للدولابي، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح أبى عوانة، والمصاحف لابن الانباري، والامالي للمحاملى، والولاية لابن عقدة، والطالبيين للخفاجى، والمعاجم الثلاثة للطبراني، والمستدرك للحاكم، وشرف النبوة للخركوشي، ومنقبة المطهرين، وحلية الاولياء لابي نعيم، وكتاب طرق حديث الثقلين لابن طاهر المقدسي وغيرها.

ألم يكن في هذه الكتب غير الطريق الذي ذكره ابن الجوزي؟

نعم كان، الا أنه شاء ان يخدع ناظر كتابه بأن روايته منحصرة بهذا الطريق، وبما أن رجاله ضعفاء بزعمه فالحديث إذا لا يصح. هكذا شاء الا ان الله كشف سره وهتك ستره بأيدى أهل نحلته. والحمد لله رب العالمين.

٤ - ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) و ( تتمة الصواعق )، فقال بعد أن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٥١

روى الحديث عن بعض المصادر المعتبرة: « وذكر ابن الجوزي لذلك في ( العلل المتناهية ) وهم أو غفلة عن استحضار بقية طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن ارقم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم غدير خم ».

ثم جعل يؤيد الحديث ويثبته بأقوال العلماء ورواياته الكثيرة.

وقال في ( تتمة الصواعق ): « ولم يصب ابن الجوزي في ايراده في ( العلل المتناهية ) ».

٥ - المناوى : « قال الهيثمي: رجاله موثقون، ورواه ابو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز ابن الاخضر. ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي »(١) .

٦ - حسن زمان في ( القول المستحسن ) عن المناوي بلفظه.

٧ - الشيخانى القادرى في ( الصراط السوي ) بعد أن ذكر الحديث قال: « وقد أخطأ ابن الجوزي حيث ذكر هذا في ( واهياته ) على عادته في ذلك، غافلا عما ذكر مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ».

٤٠ - رواية ابن الجوزي حديث الثقلين

لقد عثرنا على رواية ابن الجوزي حديث الثقلين في ( كتاب المسلسلات )(٢) في سياق يدل على اعتقاده بصحته، وأما ايراده اياه في ( العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ) فلعله كان قبل روايته اياه بهذا الطريق، أو أنه يقدح في طريقه المذكور هناك فقط، ان لم يكن غفلة أو تعصباً وعلى كل حال فهذا نص ما جاء في المسلسلات:

__________________

(١). فيض القدير ٣ / ١٤ - ١٥.

(٢). نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة كتبت في حياة المؤلف سنة ٥٨١ كتبها على بن ملكداد الجنزى وفي آخرها قراءات وسماعات أهمها ما هو بخط المؤلف. وهي ضمن المجموع رقم ٣٧ ق ٦ - ٢٧، انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية ) فهرس حديث ص ٤٠ ) وهذا الحديث في الورقة ٨ أ - ب.

٥٢

« الحديث الخامس »: قال شيخنا أدام الله أيامه: انا محمد بن ناصر قال: انا محمد بن علي بن ميمون قال: انا أبو عبد الله محمد بن علي العلوي قال: ثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي قال: ثنا الحسين بن محمد الفزاري قال: ثنا الحسن بن علي بن بزيع قال: ثنا يحيى بن حسن بن فرات قال: ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم عن حبان بن الحارث الازدي عن الربيع بن جميل الضبي عن مالك بن ضمرة:

عن أبى بكر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يرد علي الحوض راية علي أمير المؤمنين وامام الغر المحجلين، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه، فأقول: ردوا رواء، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً، وجه امامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجم في السماء.

قال الشيخ: اشهدوا علي عند الله ان أبا الفضل بن ناصر حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا الغنائم بن النرسي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا عبد الله محمد بن علي العلوي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان القاضي محمد بن عبد الله حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسين بن محمد بن الفرزدق حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحسن بن علي بن بزيع حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان يحيى بن حسن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله أن أبا عبد الرحمن حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان الحارث بن حصيرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان صخر بن الحكم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان حبان بن الحارث حدثني بهذا، قال: اشهدوا علي عند الله ان الربيع بن جميل الضبي حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان مالك بن ضمرة حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان أبا ذر الغفاري حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدثني بهذا قال: اشهدوا علي عند الله ان

٥٣

جبرئيلعليه‌السلام حدثني بهذا عن الله جل وجهه وتقدست أسماؤه ».

٥٤

*(٣)*

قدح ابن تيمية

قال ابن تيمية في كتابه الذي ألفه رداً على العلامة الحلّيرضي‌الله‌عنه :

« قال الرافضي: العاشر - ما رواه الجمهور من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق. وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته وعلي سيدهم، فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الامام.

والجواب من وجوه:

أحدها - ان لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فقال: اما بعد أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب

٥٥

ربي، وانّي تارك فيكم ثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمر بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله، وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكبها الى الناس: اللهم اشهد - ثلاث مرات.

واما قوله « وعترتي فإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض »، فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا أنه لا يصح.

وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على ان أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره، لكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرءون المنزهون عن التدنس بشيء منه »(١) .

وهذا الكلام يشتمل على أباطيل:

١ - دعوى عدم دلالة الحديث على وجوب التمسك بالعترة

أما ما زعمه من دلالة لفظ حديث الثقلين في ( صحيح مسلم ) على وجوب التمسك بالكتاب فقط، وأنه لا دلالة فيه على وجوب التمسك بالعترة، فهو - بالاضافة الى بعده عن دأب المحدثين وأهل الكلام - يفيد سوء فهمه وكثرة وهمه. ولما كان كلام الشيخ محمد أمين بن محمد معين السندي - وهو

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ١٠٤ - ١٠٥.

٥٦

من أكابر محدثي أبناء السنة المتأخرين - حول رواية مسلم المذكورة كافياً في الرد على هذا الزعم الفاسد، فاننا ننقله بنصه:

تحقيق محمد أمين السندي في معنى الحديث

« ووجدنا في أهل البيت سلام الله تعالى عليهم أجمعين وتحيته، حديث التمسك المشهور، وفتشنا عن مخرجيه، فاذا هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه، ولفظه من حديث زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد يا أيها الناس انما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيبه، واني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به، وحث فيه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاث مرات - الحديث.

فنظرنا فيه فوجدناه يعبر عن القرآن واهل البيت بالثقلين، وهو كل نفيس خطير مصون، ففهمنا نفاسة أهل البيت وخطرهم وصونهم من قبيل كل تلك الاوصاف التي للقرآن، للجمع بينهما بذلك، وعلمنا أن هذه الأوصاف وغيرها للقرآن، يرجع عمدتها الى إفادة علوم المعارف الالهية والاحكام الشرعية، فظننا أنها في أهل البيت على منوالها في القرآن راجعة الى افادة تلك العلوم، وقد اعتضدنا في هذا بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث: « يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه واني تارك فيكم الثقلين »، فان النبي لا يوصى أمته بعده الا بالقيام على الحق والسنة، فترك الثقلين فيها والوصية بهما ليس الا لكونهما خليفتين منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الارشاد الى ذلك.

فظننا أنه كما وقع التصريح بالتمسك بكتاب الله فكذا المراد التمسك بأهل البيت، ان كان قوله « أهل بيتي » عطفاً على أولهما بتقدير لفظ « ثانيهما » بقرينة القرين أو فهمه من غير تقدير، ولا صحة لعطفه على « كتاب الله »

٥٧

للزوم كونهما أولين وعدم ذكر الثاني رأساً، فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الاخذ بمذهبهم. وان كان عطفاً على « بكتاب الله » في قوله: « فتمسكوا بكتاب الله » - وهو القريب الظاهر من الوجه الاول - وفيهم كونه ثاني الامرين من الامر بالتمسك كالاول، كان التصريح بالتمسك بهم في حديث مسلم هذا كالتمسك بالقرآن.

وهذا كله في لفظ هذا الحديث بناءاً على ظاهر الكلام، فانتظرنا لفظاً في هذا الحديث يفسر حديث مسلم على ما فهمنا، فاذا الترمذي أخرج - وقال حسن غريب - انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

فنظرنا فإذا هو مصرح بالتمسك بهم، وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك امر متحتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك بهما بعد حث على وجه ابلغ، وهو قوله: « فانظروا كيف تخلفوني فيهما » فقلنا حديث مسلم حديث صحيح ظاهر في معنى فسره على ذلك المعنى حديث حسن آخر، فثبت معناه نصاً من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فآمنا به في نظائره من صحاح الاحاديث، والحمد لله رب العالمين.

ومع هذا لم نال جهداً في طلب الطرق الاخرى تزيد الصحة على الصحة ويؤيد بعضها بعضاً، فوجدنا أخرج أحمد في مسنده ولفظه: انى أوشك أن أدعي فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما وسنده لا بأس به.

٥٨

فازددنا منه أن كل اخباراتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وان كان وحياً من الله سبحانه - لكن هذا وحي أظهره به وأسنده الى الله سبحانه فقال: « أخبرني اللطيف الخبير »، وفيه من تأكد أخبار كونهم على الحق كالقرآن، وصونهم أبداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير. وفيه ان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انهما لن يفترقا » ليس بدعاء مجرد - على بعد أن يكون مراداً - بل هو اخبار من الله سبحانه وتعالى، وان قوله في بعض الروايات « اني سألت لهما ذلك » دعاء مجاب متحتم باخبار اللطيف تعالى.

ومن تجلي ألفاظ لطفه أن سرى روح القدس الحق في علومهم كسرايته في القرآن، أو سرى سر الاتحاد بين مداركهم وبين القرآن فنيطت به أشد نياط لن يتفرقا بسببه أبداً، والى ذلك التلويح باختيار اللطيف هاهنا من بين اسماء الله تعالى.

وعدم الافتراق هذا بينهما انما هو في الحكم، فلا يحكمون بحكم لا يحكم به الكتاب، والسنة في هذا الحديث داخل في الكتاب على ما صرحوا به، فظاهر الحث بالتمسك بهم التمسك بأخذ الاحكام الالهية منهم، دليله قرانهم في ذلك بكتاب الله والاخبار بترتب عدم الضلال عليه كما بالتمسك بالكتاب، فلا احتمال لان يحمل التمسك بهم من حيث المودة والصلة بهم في هذا الحديث وكان ذلك ظاهر من هذا الحديث كما ذكرنا كالنص به.

ولكن مع هذا انتظرنا ما يدل على تصريح التمسك بهم في أخذ العلوم من حديث آخر، فيفسر هذا الحديث ويعينه في ظاهره، فاذاً قد ورد في خبر قريش: « وتعلموا منهم فانهم اعلم منكم »، فقلنا اذا ثبت هذا العموم في علماء قريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لانهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقيتهم.

ولما كان هذا بطريق دلالة النص انتظرنا نصاً فيهم يدلنا على امامتهم في العلم، فوجدنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت » فعلمنا انهم الحكماء العارفون العلماء الوارثون الذين وقع الحث

٥٩

على التمسك في دين الله تعالى وأخذ العلوم عنهم، وايدنا في ذلك ما أخرج الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) عن جعفر الصادقرضي‌الله‌عنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) انتهى.

وكيف لا وهم أحد الثقلين، فكما أن القرآن حبل ممدود من السماء فكذلك اهل هذا البيت المقدس صلوات الله تعالى وتسليماته عليهم أجمعين. وقد قال قائلهم (ع) مخبراً عن نفسه القدسي وسائر رهطه المطهرين:

وفينا كتاب الله انزل صادقاً

وفينا الهدى والوحي والخير يذكر

ومما نزل فيهم من الكتاب الآية المتقدمة، وقد ذكر جملة ما نزلت فيهم من الآيات الشيخ أبو الفضل ابن حجر في الصواعق فليطلب فيه.

وكذلك أيدنا فيه ما ثبت عن سيد الساجدين عليه وعلى آبائه التسليمات الناميات المباركات والتحيات الطيبات الزاكيات: انه اذا كان تلى قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يقرأ دعاءاً طويلا يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية، وعلى وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقون لائمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: « وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر » الى ان قال: « فإلى من يفزع خلف هذه الامة وقد درست أعلام الملة ودانت الامة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول:( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ ) ، فمن الموثوق به على ابلاغ الحجة وتأويل الحكم، الا أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله تعالى بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم الا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الافات، وافترض مودتهم في الكتاب » انتهى. و ذكره ابن حجر في الصواعق.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

١٠٢٩/٣٥ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى العراد، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن شمون البصري، قال: حدثني الحسن ابن الفضل بن الربيع حاجب المنصور لقيته بمكة، قال: حدثني أبي، عن جدي الربيع، قال: دعاني المنصور يوما فقال: يا ربيع، أحضر لي جعفر بن محمّد الساعة والله لأقتلنة؟ فوجهت إليه، فلما وافى قلت: يابن رسول الله، إن كان لك وصية أو عهد تعهده إلى أحد فافعل. قال: فاسأذن لي عليه، فدخلت إلى المنصور فأعلمته موضعه، فقال: أدخله، فلما وقعت عين جعفرعليه‌السلام على المنصور رأيته يحرك شفتيه بشئ لم أفهمه، فلما سلم على المنصور نهض إليه فاعتنقه وأجلسه إلى جانبه، فقال له: ارفع حوائجك؟ فأخرج رقاعا لأقوام، وسأل في اخرين فقضيت حوائجه.

فقال المنصور: ارفع حوائجك في نفسك. فقال له جعفرعليه‌السلام : لا تدعني حتّى آتيك. فقال له المنصور: ما إلى ذلك سبيل، وأنت تزعم للناس - يا أبا عبدالله - أنك تعلم الغيب. فقال جعفرعليه‌السلام : من أخبرك بهذا، فأومأ المنصور إلى شيخ قاعد بين يديه، فقال جعفرعليه‌السلام للشيخ: أنت سمعتني أقول هذا القول؟ قال الشيخ: نعم. قال جعفرعليه‌السلام للمنصور: أيحلف يا أميرالمؤمنين؟ فقال له المنصور: احلف، فلما بدأ الشيخ في اليمين قال جعفرعليه‌السلام للمنصور: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام أن العبد إذا حلف باليمين التي ينزه الله (عزّوجلّ) فيها وهو كاذب امتنع الله من عقوبته عليها في عاجلته لما نزه الله (عزّوجلّ)، ولكني أنا استحلفه. فقال المنصور: ذلك لك. فقال جعفرعليه‌السلام للشيخ: قل أبرأ إلى الله من حوله وقوته، وألجأ إلى حولي وقوتي، إن لم أكن سمعتك تقول هذا القول فتلكأ الشيخ، فرفع المنصور عمودا كان في يده وقال: والله لئن لم تحلف لأعلونك بهذا العمود؟ فحلف الشيخ، فما أتم اليمين حتّى دلع لسانه كما يدلع الكلب، ومات لوقته، ونهض جعفرعليه‌السلام .

قال الربيع: فقال لي المنصور: ويلك اكتمها الناس لا يفتنون. قال الربيع:

٤٦١

فشيعت جعفراعليه‌السلام وقلت له: يابن رسول الله، إن المنصور كان قد هم بأمر عظيم، فلما وقعت عينك عليه وعينه عليك زال ذلك. فقال: يا ربيع، إني رأيت البارحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فقال لي: يا جعفر خفته. فقلت: نعم رسول الله. فقال لي: إذا وقعت عينك عليه فقل: (بسم الله استفتح، وبسم الله استنجح، وبمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبة أمري وكل صعوبة، وسهل لي حزونة أمري وكل حزونة، واكفني مؤنة أمري وكل مؤنة).

قال أبوالمفضل: حدّثنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي بسر من رأى، باسناد عن أهله لا أحفظه - فذكر هذا الحديث، وذكر فيه: أن المنصور قام إليه واعتنقه فقال لي: المنصور خليفة، ولا ينبغي للخليفة أن يقوم إلى أحد ولا إلى عمومته، وما قام المنصور إلا إلى أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليه‌السلام .

١٠٣٠/٣٦ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر ابن محمّد العلوي الحسنيرحمه‌الله سنة سبع وثلاث مائة، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: حدّثنا حسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين (صلوات الله عليهم)، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: المؤمن غر(١) كريم، والفاجر خب(٢) لئيم، وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

قال: وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أشرار الناس من يبغض المؤمنين وتبغضه قلوبهم، المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت، اولئك لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم يوم القيامة، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ

____________________

(١) أي ليس بذي نكر، فهو ينخذع لانقياده ولينه، يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة، وقلة الفطنة للشر، وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلا، ولكنه كرم وحسن خلق.

(٢) الخب: الخداع، الذي يسعى بين الناس بالفساد.

٤٦٢

بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) (١) .

١٠٣١/٣٧ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوالعباس أحمد ابن عبيد الله بن عمار الثقفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي سنة خمسين ومائتين، قال: حدثني الحسن بن حمزة أبومحمّد النوفلي، قال: حدثني أبي وخالي يعقوب بن الفضل بن عبدالرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن الزبير بن سعيد الهاشمي، قال: حدثنيه أبوعبيدة بن محمّد بن عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه بين القبر والروضة، عن أبيه وعبيد الله بن أبي رافع جميعا، عن عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه وأبي رافع مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال أبوعبيدة: وحدثنيه سنان بن أبي سنان: أن هند بن هند بن أبي هالة الاسدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واُمه خديجة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخته لأمه فاطمة (صلوات الله عليها).

قال أبوعبيدة: وكان هؤلاء الثلاثة هند بن هالة وأبو رافع وعمار بن ياسر جميعا يحدثون عن هجرة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات لله عليه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ومبيته قبل ذلك على فراشه.

قال: وصدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة، واقتصاصه عن الثلاثة: هند وعمار وأبي رافع، وقد دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: كان الله (عزّوجلّ) مما يمنع نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعمه أبي طالب، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته، فلما مات أبوطالب نالت قريش من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغيتها وأصابته بعظيم من الأذى حتّى تركته لقى(٢) ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم! وصلتك رحم، فجزيت خيرا يا عم. ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر فاجتمع

____________________

(١) سورة الأنفال ٨: ٦٢، ٦٣.

(٢) اللقى: الملقى على الأرض.

٤٦٣

بذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزنان حتّى عرف ذلك فيه.

قال هند: ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة، ليأتمروا في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسروا ذلك بينهم، فقال بعضهم: نبني له علما، وينزل برجا نستودعه فيه، فلا يخلص من الضباة(١) إليه أحد، ولا يزال في رنق(٢) من العيش حتّى يتضيفه(٣) ريب المنون، وصاحب هذه المشورة العاص بن وائل وأمية وأبي ابنا خلف.

وقال قائل: بئس الرأي ما رأيتم، ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن(٤) له الحدب(٥) الحميم والمولى الحليف، ثم ليأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من انشوطتكم(٦) قولوا قولكم.

قال عتبة وشيبة وشركهما أبوسفيان، قالوا: فإنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا، ونوثق محمّدا عليه كتافا وشدا، ثم نقصع البعير بأطراف الرماح، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك(٧) إربا إربا.

فقال صاحب رأيهم: إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق، فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاوة(٨) لسانه، فصبا القوم إليه، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة، فليسيرن حينئذ إليكم بالكتائب والمقانب(٩) ، فلتهلكن كما هلكت إياد ومن كان قبلكم؟! قولوا قولكم.

____________________

(١) الصباة: جمع صابي، الذي خرج من دين إلى دين غيره.

(٢) الرنق: الكدورة.

(٣) أي ينزل به.

(٤) تنمر: تشبه بالنمر، وتنمر له: تنكر وتغير.

(٥) الحدب: الشفيق، العطوف.

(٦) الانشوطة: عقدة يسهل إنحلالها.

(٧) الدكادك: الأرض التي فيها غلظ.

(٨) الطلاوة: الحسن والبهجة.

(٩) المقانب: جمع مقنب، وهو جماعة الخيل والفرسان.

٤٦٤

فقال له أبوجهل: لكن أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة، فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا(١) ، ثم تسلحوه حساما عضبا(٢) ، وتمهل الفتية حتّى إذا غسق الليل وغور بيتوا بابن أبي كبيشة بياتا، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم، فيرضون حينئذ بالعقل(٣) منهم، فقال صاحب رأيهم: أصبت يا أبا الحكم.

ثم أقبل عليهم فقال: هذا الرأي فلا تعدلوا به رأيا، وأوكئوا في ذلك أفواهكم(٤) حتّى يستتب أمركم، فخرج القوم عزين(٥) ، وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيلعليه‌السلام ، فتلا هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٦) .

فلما أخبره جبرئيلعليه‌السلام بأمر الله في ذلك ووحيه، وما عزم له من الهجرة، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام ، وقال له: يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا، يخبرني أن قريشا اجتمعوا على المكر بي وقتلي، وأنه أوحى إلي ربي (عزّوجلّ) أن أهجر دار قومي، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي - أو قال: مضجعي - ليخفى بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل، وما صانع؟ فقال عليّعليه‌السلام : أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم، فتبسم عليّعليه‌السلام ضاحكا، وأهوى إلى الأرض ساجدا، شكرا بما أنبأه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سلامته، وكان علي (صلوات الله عليه) أول من سجد لله شكرا، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما

____________________

(١) النجد: الشجاع.

(٢) أي قاطعا.

(٣) العقل: الدية.

(٤) أي سدوها.

(٥) العزون: جمع عزة، وهي الفرقة من الناس.

(٦) سورة الأنفال ٨: ٣٠.

٤٦٥

رفع رأسه قال له: امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك، واقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله.

قال: وإن القى عليك شبه مني، أو قال: شبهي، قال: إن - بمعنى نعم(١) - قال: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا علي أن الله (تعالى) يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يابن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل، فصبرا صبرا، فإن رحمة القريب من المحسنين. ثم ضمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى صدره وبكى إليه وجدا به، وبكى عليّعليه‌السلام جشعا(٢) لفراق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

واستتبع رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر بن أبي قحافة وهند بن أبي هالة، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار، ولبث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكانه مع عليّعليه‌السلام يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتّى صلى العشاءين.

ثم خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فحمة العشاء الآخرة، والرصد من قريش قد أطافوا بداره، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين، فخرج وهو يقرأ هذه الآية( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) (٣) وأخذ بيده قبضة من تراب، فرمى بها على رؤوسهم، فما شعر القوم به حتّى تجاوزهم، ومضى حتّى أتى إلى هند وأبي بكر فنهضا معه، حتّى وصلوا إلى الغار.

ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر إلى الغار، فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع

____________________

(١) تأتي (إن) بمعنى (نعم) من أحرف الجواب.

(٢) الجشع: أشد الحرص.

(٣) سورة يس: ٣٦: ٩.

٤٦٦

الأثر، أقبل القوم على عليّعليه‌السلام يقذفونه بالحجارة والحلم(١) ، ولا يشكون أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على علي (صلوات الله عليه)، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها، فلما بصر بهم عليّعليه‌السلام قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثب له عليّعليه‌السلام فختله وهمز يده(٢) ، فجعل خالد يقمص قماص البكر(٣) ، ويرغو رغاء الجمل، ويذعر ويصيح، وهم في عرج الدار(٤) من خلفه، وشد عليهم عليّعليه‌السلام بسيفه - يعني سيف خالد - فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار، فتبصروه فإذا هو عليّعليه‌السلام ، فقالوا: إنك لعلي؟ قال: أنا علي. قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك؟ قال: لا علم لي به، وقد كان علم - يعني علياعليه‌السلام - أن الله (تعالى) قد أنجى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه، فأذكت قريش عليه العيون(٥) ، وركبت في طلبه الصعب والذلول، وأمهل علي (صلوات الله عليه) حتّى إذا أعتم(٦) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتّى دخلا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هندأ أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين، فقال أبوبكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب. فقال: إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن. قال: فهي لك بذلك، فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام فأقبضه الثمن، ثم أوصاه بحفظ ذمته رأداء أمانته.

وكانت قريش تدعو محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهلية الأمين، وكانت

____________________

(١) الحلم: جمع حلمة، وهي شجرة السعدان.

(٢) أي غمزها وضغطها.

(٣) القماص: الضرب بالرجل، البكر: الفتى من الابل.

(٤) عرج الدار: منعطفها أو مصعدها أو سلمها.

(٥) أي أرسلت عليه الطلائع.

(٦) أي دخل في العتمة.

٤٦٧

تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك، فأمر علياعليه‌السلام أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة وعشيا: ألا من كان له قبل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤد إليه أمانته.

قال: وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتّى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم.

قال أبوعبيدة: فقلت لعبيد الله - يعني ابن أبي رافع - أو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: إني سألت أبي عما سألتني، وكان يحدث بهذا الحديث، فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجةعليها‌السلام ؟ وقال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجةعليها‌السلام ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفك من مالها الغارم والعاني(١) ويحمل الكل(٢) ، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة، وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين - يعني رحلة الشتاء والصيف - كانت طائفة من العير لخديجة، وكانت أكثر قريش مالا، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينفق منه ما شاء في حياتها ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها.

قال: وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي وهو يوصيه: وإذا أبرمت ما أمرتك فكن على اهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم كتابي إليك، ولا تلبث بعده. وانطلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجهه يؤم المدينة، وكان مقامه في الغار ثلاثا، ومبيت علي (صلوات الله عليه) على الفراش أول ليلة.

قال عبيد الله بن أبي رافع: وقد قال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام شعرا يذكر فيه

____________________

(١) العاني: الأسير.

(٢) الكل: الضعيف ومن لا ولد له ولا والد، والعيال والثقل.

٤٦٨

مبيته على الفراش ومقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار ثلاثاً:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

محمّد لما خاف أن يمكروا به

فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

وبت أراعيهم متى ينشرونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

ويات رسول الله في الغار آمنا

هناك وفي حفظ الإله وفي ستر

أقام ثلاثا ثم زمت قلائص قلائص

يفرين الحصا أينما تفري(١)

ولما ورد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة، نزل في بني عمرو بن عوف بقباء، فأراده أبوبكر على دخوله المدينة وألاصه(٢) في ذلك، فقال: ما أنا بداخلها حتّى يقدم ابن عمي وابنتي؟ يعني عليا وفاطمةعليهما‌السلام .

قال: قال أبواليقظان. فحدّثنا رسول الله ونحن معه بقباء، عما أرادت قريش من المكر به ومبيت عليّعليه‌السلام على فراشه، قال: أوحى الله (عزّوجلّ) إلى جبرئيل وميكائيلعليه‌السلام أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: عبدي ألاكنتما مثل وليي عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه، ثم ظل - أو قال: رقد - على فراشه يفديه بمهجته، اهبطا إلى الارض كلاكما فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب والله (عزّوجلّ) يباهي بك الملائكة! قال: فأنزل الله (عزّوجلّ) في عليّعليه‌السلام :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (٣) .

قال أبوعبيدة: قال أبي وابن أبي رافع: ثم كتب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى

____________________

(١) القلائص: جمع قلوص، وهي الناقة الشابة، وفرى الأرض: سارها وقطعها.

(٢) ألاصه: أي أداره على الشئ الذي يرومه منه.

(٣) سورة البقرة ٢: ٢٠٧.

٤٦٩

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه وقلة التلوم(١) ، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي، فلما أتاه كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهيأ للخروج والهجرة، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى، وخرج عليّعليه‌السلام بفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب - وقد قيل هي ضباعة - وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو واقد رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعل يسوق بالرواحل فاعنف بهم، فقال علي (صلوات الله عليه): ارفق بالنسوة يا أبا واقد، إنهن من الضعائف. قال: إني أخاف أن يدركنا الطالب - أو قال: الطلب - فقال عليّعليه‌السلام : اربع عليك(٢) ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي: يا علي، إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه. ثم جعل - يعني علياعليه‌السلام - يسرق بهن سرقا رفيقا وهو يرتجز ويقول:

ليس إلا الله فارفع ظنكا

يكفيك رب الناس ما أهمكا

 وسار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين(٣) ، وثامنهم مولى لحرب بن امية يدعى جناحا، فأقبل عليّعليه‌السلام على أيمن وأبي واقد، وقد تراءى القوم، فقال لهما: أنيخا الإبل واعقلاها، وتقدم حتّى أنزل النسوة، ودنا القوم فاستقبلهمعليه‌السلام منتضيا سيفه، فاقبلوا عليه فقالوا: أظننت أنك يا غدر(٤) ناج بالنسوة؟! ارجع لا أبا لك. قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: لترجعن راغما، أو لنرجعن بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها، فحال عليّعليه‌السلام بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه، فراغ عليّعليه‌السلام عن ضربته وتختله عليّعليه‌السلام فضربه على عاتقه، فأسرع السيف

____________________

(١) التلوم: الانتظار والتمكث.

(٢) أي توقف وتحبس.

(٣) استلأم الرجل: لبس اللأمة، وهي أداة الحرب وعدتها.

(٤) أي يا غادر.

٤٧٠

مضيا فيه حتّى مس كاثبة فرسه(١) ، فكانعليه‌السلام يشد على قدمه شد الفرس، أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول:

خلوا سبيل الجاهد المجاهد آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدع عنه القوم وقالوا له: اغن عنا نفسك يابن أبي طالب. قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيثرب، فمن سره أن افري لحمه واريق دمه فليتعقبني أو فليدن مني. ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما: أطلقا مطايا كما.

ثم سار ظاهرا قاهرا حتّى نزل ضجنان، فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فظل ليلته تلك هو والفواطم - امه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة بنت الزبير - طررا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر فصلىعليه‌السلام بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلا بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتّى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله (تعالى):( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) إلى قوله:( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ) الذكر علي، والانثى الفواطم المتقدم ذكرهن، وهن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزبير( بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) يقول: علي من فاطمة - أو قال: الفواطم - وهن من علي( فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) (٢)

____________________

(١) كاثبة الفرس: المنسج أو مقدمه حيث تقع عليه يد الفارس. وقيل: أعلى الظهر.

(٢) سورة آل عمران ٣: ١٩١، ١٩٥.

٤٧١

وتلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (١) .

قال: وقال. يا علي، أنت أول هذه الامة إيمانا بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبك - والذي نفسي بيده - إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر.

تمّ المجلس السادس عشر، والحمد لله رب العالمين،

ويتلوه المجلس السابع عشر.

____________________

(١) سورة البقرة ٢: ٢٠٧.

٤٧٢

[ ١٧ ]

المجلس السابع عشر

من روايات أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني، رواية المسمين في أول المجلس عنه، رواية محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي عنهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٠٣٢/١ - أخبرنا جماعة منهم الحسين بن عبيد الله، وأحمد بن محمّد بن عبدون، والحسن بن إسماعيل بن أشناس وأبو طالب بن غرور وأبو الحسن الصقال، قالوا: حدّثنا أبوالمفضل محمّد بن عبدالله الشيباني، قال: حدّثنا أحمد بن عبدالله بن سابور أبوالعباس الدقاق، قال: حدّثنا أيوب بن محمّد الرقي الوزان، قال: حدّثنا سلام ابن رزين الحراني، قال: حدثني إسرائيل بن يونس الكوفي، عن جده أبي إسحاق، عن الحارث الهمداني، عن عليّعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة، وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، والموت يأتيكم بغتة، فمن يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة.

١٠٣٣/٢ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن عثمان بن نصر النريزي ببرديج الحافظ، قال: حدّثنا يحيى بن عمر بن فضلان التنوخي، قال: حدّثنا أحمد بن سليمان بن حميد الخفتاني، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بالمدينة،

٤٧٣

عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّعليه‌السلام ، عن جابر بن عبدالله، قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما عبدالله (عزّوجلّ) بشئ أفضل من فقه في دين - أو قال: في دينه - قال الخفتاني: فذكرته لمالك بن أنس فقيه أهل دار الهجرة فعرفه وأثبته لي عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام .

١٠٣٤/٣ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوسعد داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول النحوي بالأنبار، قال: حدثني جدي إسحاق بن البهلول التنوخي، قال: حدثني أبي البهلول بن حسان، قال: حدثني طلحة بن زيد الرقي، عن الوضين بن عطاء، عن عمير بن هانئ العبسي، عن جنادة بن أبي امية، عن عبادة بن الصامت، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغتر فيها بيد ولا لسان، فقال عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه): يا رسول الله، وفيهم يومئذ مؤمنون؟ قال: نعم. قال فينقص ذلك من إيمانهم شيئا؟ قال: لا، إلاكما ينقص القطر من الصفا، إنهم يكرهونه بقلوبهم.

١٠٣٥/٤ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان بن زياد الكوفي ببغداد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا يحيى بن سالم الفراء، عن حماد بن عثمان، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (صلوات الله عليهم)، عن عليّعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: لما أسري بي إلى السماء، دخلت الجنة فرأيت فيها قيعانا يققا(١) من مسك، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وربما أمسكوا، فقلت لهم: مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ قالوا: حتّى تأتينا النفقة. قلت. وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن (سبحان، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) فإذا قالهن بنينا، وإذا سكت وأمسك أمسكنا.

١٠٣٦/٥ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد بن جعفر الحسنيرضي‌الله‌عنه ، قال: حدثني أيوب بن محمّد بن فروخ الوزان

____________________

(١) أي بيضا.

٤٧٤

بالرقة، قال: حدّثنا سعيد بن مسلمة، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جدهعليه‌السلام ، عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن السخاء شجرة من أشجار الجنة، لها أغصان متدلية في الدنيا، فمن كان سخيا تعلق بغصن من أغصانها، فساقه ذلك الغصن إلى الجنة؟ والبخل شجرة من أشجار النار لها أغصان متدلية في الدنيا، فمن كان بخيلا تعلق بغصن من أغصانها، فساقه ذلك الغصن إلى النار.

١٠٣٧/٦ - قال أبوالمفضل: قال لنا أبوعبدالله الحسني: وحدثني شيخ من أهلنا، عن أبيه، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، بحديثه هذا، حديث السخاء والبخل، قال: فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : ليس السخي المبذر الذي ينفق ماله في غير حقه، ولكنه الذي يؤدي إلى الله (عزّوجلّ) ما افترض عليه في ماله من الزكاة وغيرها، والبخيل الذي لا يؤدي حق الله (عزّوجلّ) عليه في ماله.

١٠٣٨/٧ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن محمود ابن بنت الأشج الكندي باسران، قال: حدّثنا أحمد بن عبدالرحمن أبوجعفر الذهلي، قال: حدّثنا عمار بن الصباح، قال: حدثني عبد الغفور أبوالصباح الواسطي، عن عبد العزيز بن سعيد الأنصاري، عن أبيه، عن جده - وكانت له صحبة - عن أم سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت: حب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع بأزواجه، فكان يأوي في كل يوم وليلة إلى امرأة منهن وهو حرام(١) يبتغي بذلك العدل بينهن.

قالت: فلما أن كانت ليلة عائشة ويومها خلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه) يناجيه وهما يسيران، فأطال مناجاته، فشق ذلك على عائشة، فقالت: إني أريد أن أذهب إلى علي فأناله - أو قالت: أتناوله - بلساني، في حبسه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عني، فنهيتها، فنصت(٢) ناقتها في السير، ثم إنها رجعت إلي

____________________

(١) أي محرم.

(٢) نص ناقته: استحثها واستقصى آخر ما عندها من السير.

٤٧٥

وهي تبكي، فقلت: مالك؟ قالت: إني أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يابن أبي طالب، ما تزال تحبس عني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تحولي بيني وبين علي، إنه لا يحاقه في أحد، وإنه لا يبغضه - والذي نفسي بيده - مؤمن ولا يحبه كافر، ألا إن الحق بعدي مع علي، يميل معه حيثما مال، لا يفترقان جميعا حتّى يردا علي الحوض. قالت أم سلمة: فقلت لها قد نهيتك فأبيت إلا ما صنعت.

١٠٣٩/٨ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن مخلد الجعفي الدهان بالكوفة، قال: حدثني عباد بن سعيد الجعفي وهو جده لأمه، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي البهلول، قال: حدّثنا صالح بن أبي الاسود، عن أبي الجارود، عن حكيم بن جبير، عن سالم الجعفي، قال: قال علي (صلوات الله عليه) وهو في الرحبة جالس: انتدبوا؟ وهو على المسير من السواد، فانتدبوا نحو من مائة، فقال: ورب السماء ورب الأرض، لقد حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الامة ستغدر بي من بعده عهدا معهودا وقضاء مقضيا، وقد خاب من افترى.

١٠٤٠/٩ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا مسدد بن يعقوب بن إسحاق بن زياد القلوسي البصري قاضي تنيس، قال: حدّثنا إسحاق بن سيار النصيبي، قال: حدثني أبونعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا فطر بن خليفة، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت ثعلبة بن مرثد الحماني، قال: سمعت عليا (صلوات الله عليه)، قال: والله إنه لعهد عهده إلي النبيّ الامي أن الامة ستغدر بك بعدي.

١٠٤١/١٠ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبونصر ليث بن محمّد بن نصر بن الليث البلخي، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الصمد بن مزاحم الهروي، سنة إحدى وستين ومائتين، قال: حدثني خالي عبد السلام بن صالح أبوالصلت الهروي، قال: حدثني عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري، قال: حدّثنا أبوهارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: حج عمر بن الخطاب في إمرته، فلما افتتح الطواف حاذى الحجر الأسود، ومر فاستلمه وقبله، وقال: أقبلك وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولكن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بك حفيا ولولا أني رأيته

٤٧٦

يقبلك ما قبلتك.

قال: وكان في الحجيج عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: بلى والله إنه ليضر وينفع. قال: فبم قلت ذلك، يا أبا الحسن؟ قال: بكتاب الله (تعالى). قال: أشهد أنك لذو علم بكتاب الله (تعالى)، فأين ذلك من الكتاب؟ قال: قوله (تعالى):( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) (١) وأخبرك أن الله (تعالى) لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج ذريته من صلبه في هيئة الذر، فألزمهم العقل، وقررهم أنه الرب وأنهم العبيد، فأقروا له بالربوبية، وشهدوا على أنفسهم بالعبودية، والله (عزّوجلّ) يعلم أنهم في ذلك في منازل مختلفة، فكتب أسماء عبيده في رق، وكان لهذا الحجر يومئذ عينان وشفتان ولسان، فقال: افتح فاك، ففتح فاه فألقمه ذلك الرق، ثم قال له: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، فلما هبط آدمعليه‌السلام هبط والحجر معه، فجعل في موضعه الذي ترى من هذا الركن، وكانت الملائكة تحج هذا البيت من قبل أن يخلق الله (تعالي) آدمعليه‌السلام ، ثم حجه آدم، ثم نوح من بعده، ثم هدم البيت ودرست قواعده، فاستودع الحجر من أبي قبيس، فلما أعاد إبراميم وإسماعيل بناء البيت وبناء قواعده، واستخرجا الحجر من أبي قبيس بوحي من الله (عزّوجلّ)، فجعلاه بحيث هو اليوم من هذا الركن، وهو من حجارة الجنة، وكان لما انزل في مثل لون الدر وبياضه، وصفاء الياقوت وضيائه، فسودته أيدي الكفار ومن كان يلمسه من أهل الشرك بعتائر هم(٢) . قال: فقال عمر: لا عشت في امة لست فيها يا أبا الحسن.

١٠٤٢/١١ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني أبوعبدالله جعفر ابن محمّد بن جعفر العلوي الحسنيرضي‌الله‌عنه ، قال: حدثني محمّد بن عليّ بن

____________________

(١) سورة الاعراف ٧: ١٧٢.

(٢) الغتائر، جمع عتيرة: وهي شاة يذبحها أهل الجاهلية في رجب تقربون بها، وهي أيضا الذبيحة التي كانت تذبح للاصنام، فيصب دمها على رأسها.

٤٧٧

الحسين بن زيد بن علي، قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بمكارم الاخلاق، فإن الله (عزّوجلّ) بعثني بها، وإن من مكارم الاخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده.

١٠٤٣/١٢ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق ابن البهلول القاضي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبي البهلول بن حسان، عن أبي شيبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث الهمداني، عن عليّعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: إن للمسلم على أخيه المسلم من المعروف ستّاً: يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويسمته(١) إذا عطس، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذ دعاه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه(٢) .

١٠٤٤/١٣ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوجعفر محمّد بن إبراهيم بن الفضل الدبيلي بمكة، قال: حدّثنا عبد الحميد بن صبيح أبويحيى العبدي بعدن، قال: حدّثنا حماد بن زيد، عن أبي هارون العبدي، قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري قال: مرحبا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: سيأتيكم قوم من أقطار الارض يتفقهون، فإذا رأيتموهم فاستوصوا بهم خيرا. قال: ويقول: أنتم ومية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٠٤٥/١٤ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفمل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الرزاز القرشي، قال: حدّثنا جدي لامي محمّد بن عيسى القيسي، قال: حدّثنا إسحاق ابن يزيد الطائي، قال: حدّثنا هاشم بن البريد، عن أبي سعيد التيمي، قال: سمعت أبا ثابت مولى أبي ذررحمه‌الله يقول: سمعت أم سلمةرضي‌الله‌عنه تقول: سمعت رسول

____________________

(١) في نسخة: يشمته، وكلاهما بمعنى، يقال: سمعت العاطس أو شمته، إذا دعا له بقوله: يرحمك الله أو نحوه.

(٢) يأتي في الحديث: ١٣١٠.

٤٧٨

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي قبض فيه يقول وقد امتلات الحجرة من أصحابه: أيها الناس، يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف فيكم كتاب الله (عزّوجلّ) وعترتي أهل بيتي.

ثم أخذ بيد عليّعليه‌السلام فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، خليفتان بصيران لا يفترقان حتّى يردا علي الحوض، فأسألهما ماذا خلفت فيهما.

١٠٤٦/١٥ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عليّ بن موسى بن سعدان المعدل بالانبار، قال: حدّثنا أحمد بن ميثم بن أبي نعيم الطلحي، قال: حدثني جدي أبونعيم الفضل بن دكين، قال: حدثني موسى بن قيس الحضرمي، قال: حدثني سلمة بن كهيل، عن عياض بن عياض، وكان من خيار أهل القبلة، عن مالك بن جعونة، عن أم سلمةرضي‌الله‌عنه ، قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول وهو آخذ بكف عليّعليه‌السلام : الحق بعدي مع علي، يدور معه حيث دار.

١٠٤٧/١٠ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن شاذان بن حباب الازدي الخلال بالكوفة، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن عبد الواحد المزني، قال: حدّثنا حسن بن حسين العرني، عن يحيى بن يعلى، عن عمر بن موسى - يعني الوجيهي -، عن زيد بن علي، عن آبائه (صلوات الله عليهم)، عن عليّعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال: ألا إنك المبتلى والمبتلى بك، أما إنك الهادي لمن اتبعك، ومن خالف طريقتك ضل إلى يوم القيامة(١) .

١٠٤٨/١٧ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوسليمان أحمد ابن هوذة بن أبي هراسة الباهلي بالنهروان من كتابه، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق بن أبي ٠ بشر الاحمري بنهاوند، قال: أخبرنا عبدالله بن حماد الانصاري، عن عبد العزيز بن محمّد بن الدراوردي، قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وأنا عنده، فقال له جعفرعليه‌السلام : يا سفيان، إنك رجل مطلوب،

____________________

(١) يأتي في الحديث: ١٠٩٤.

٤٧٩

وأنا رجل تسرع إلي الالسن، فسل عما بدا لك. فقال: ما أتيتك يابن رسول الله إلا لاستفيد منك خيرا.

قال: يا سفيان، إني رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث: تعجيله، وستره، وتصغيره، فإنك إذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظم عند من تسد يه إليه.

يا سفبان، إذا أنعم الله على أحد بنعمة فليحمد الله (عزّوجلّ)، وإذا استبطأ الرزق فليستغفر الله، وإذا احزنه أمر قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.

يا سفيان، ثلاث أيما ثلاث! نعمت الهدية، نعمت العطية الكلمة الصالحة بسمعها المؤمن فينطوي عليها حتي يهديها إلى أخيه المؤمن.

وقالعليه‌السلام : المعروف كاسمه، وليس شئ أعظم من المعروف إلا ثوابه، وليس كل من يحب أن يمنع المعروف يصنعه، ولا كل من يرغب فيه يقدر عليه، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والاذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب إليه.

١٠٤٩/١٨ - أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي بسر من رأى، قال: حدثني أبي عبد الصمد بن موسى، قال: حدثني عمي عبد الوهاب بن محمّد بن إبراهيم، عن أبيه محمّد بن إبراهيم، قال: بعث أبوجعفر المنصور إلى أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام وأمر بفرش فطرحت إلى جانبه فأجلسه عليها، ثم قال: علي بمحمّد، علي بالمهدي، يقول ذلك مرارا، فقيل له: الساعة يأتي يا أميرالمؤمنين، ما يحبسه إلا أنه يتبخر.

فما لبث أن وافى وقد سبقته رائحته، فأقبل المنصور على جعفرعليه‌السلام ، فقال: يا أبا عبدالله، حديث حدثنيه في صلة الرحم اذكره يسمعه المهدي، قال: نعم، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصير ها الله (عزّوجلّ) ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها ثلاث سنين، ثم تلاعليه‌السلام :

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799