الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي7%

الأمالي الشيخ الطوسي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 799

الأمالي الشيخ الطوسي المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 799 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 945695 / تحميل: 10641
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ الطوسي

الأمالي الشيخ الطوسي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يكون نقضاً للعهد وإن شرط عليهم(١) . وبه قال الشافعي(٢) .

قال بعض أصحابه : إنّما لا يكون نقضاً ؛ لأنّه لا ضرر على المسلمين فيه(٣) .

وقال آخرون : لا يكون نقضاً ؛ لأنّهم يتديّنون به(٤) .

إذا عرفت هذا ، فكلّ موضع قلنا : إنّه ينتقض عهدهم فأوّل ما يعمل أنّه يستوفي منهم موجب الجرم ، ثمّ بعد ذلك يتخيّر الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء.

ويجوز له أن يردّهم إلى مأمنهم في دار الحرب ويكونوا حَرْباً لنا يفعل ذلك ما يراه صلاحاً للمسلمين ، قاله الشيخ(٥) رحمه‌الله

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه يُردّ إلى مأمنه ؛ لأنّه دخل دار الإسلام بأمانٍ ، فوجب ردّه ، كما لو دخل بأمان صبي.

والثاني : يكون للإمام قتله واسترقاقه ؛ لأنّه كافر لا أمان له ، فأشبه الحربيّ المتلصّص(٦) . وهو الأقرب عندي ؛ لأنّه فَعَل ما ينافي الأمان ، بخلاف مَنْ أمّنه صبي ، فإنّه يعتقده أماناً.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٤.

(٢) المهذب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٥ ، منهاج الطالبين : ٣١٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٥.

(٣ و ٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٤.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٢ - ٧١٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٩ - ٥٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٧.

٣٢١

السادس : التميز عن المسلمين.

وينبغي للإمام أن يشترط عليهم في عقد الذمّة التميز عن المسلمين في أربعة أشياء : في لباسهم ، وشعورهم ، وركوبهم ، وكُناهم.

أمّا اللباس : فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب ، فعادة اليهود : العسلي ، وعادة النصارى : الأدكن ، والمجوس : الأسود. ويكون هذا في ثوب واحد لا في الجميع. ويأخذهم بشدّ الزنّار في وسط النصراني فوق الثياب ، واليهودي بوضع(١) خرقة فوق عمامته أو قلنسوته تخالف في اللون. ويجوز أن يلبسوا العمائم والطيلسان ، فإن لبسوا قلانس(٢) ، شدّوا في رأسها عَلَماً ليخالف قلانس القضاة ، ويختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد لا من ذهب وفضّة ، أو يضع فيه جلجلاً أو جرساً ليمتاز به عن المسلمين في الحمّام. وكذا يأمر نساءهم بلُبْس شي‌ء يفرق بينهنّ وبين المسلمات من شدّ الزنّار تحت الإزار. ويختم في رقبتهنّ. ويُغيّروا أحد الخُفّين ، فيكون أحدهما أحمر والآخر أبيض. ولا يُمنعون من لُبْس فاخر الثياب.

وأمّا الشعور : فلا يفرّقون شعورهم ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق شعره(٣) . ويحذفون مقاديم رؤوسهم ، ويجزّون شعورهم.

وأمّا الركوب : فلا يركبون الخيل ؛ لأنّه عزّ. ويركبون ما عداها بغير‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : بجعل ، بدل بوضع.

(٢) في الطبعة الحجريّة : القلانس.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨١٧ - ١٨١٨ / ٢٣٣٦ ، سنن النسائي ٨ : ١٨٤ ، الموطأ ٢ : ٩٤٨ / ٣.

٣٢٢

سرج. ويركبون عرضاً ، رجلاه إلى جانبٍ وظهره إلى آخرَ. ويُمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتّخاذه.

وأمّا الكنى : فلا يتكنّوا بكنى المسلمين ، كأبي القاسم ، وأبي عبد الله ، وأبي محمد ، وأبي الحسن ، وشبهها. ولا يُمنعون من جميع الكنى ؛ فإنّ(١) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأسقف نجران : « أسلم أبا الحارث »(٢) .

مسألة ١٨٧ : من انتقض أمانه ، يتخيّر الإمام فيه بين المنّ والقتل والاسترقاق والفداء على ما بيّنّاه. فإن أسلم قبل اختيار الإمام ، سقط ذلك كلّه إلّا ما يوجب حدّاً أو قوداً أو استعادة مال.

قال الشيخرحمه‌الله : فإنّ أصحابنا رووا أنّ إسلامه لا يُسقط عنه الحدّ(٣) ؛ لأنّه حقّ ثبت في ذمّته فلا يسقط بإسلامه ، كالدَّيْن.

ولو أسلم بعد استرقاقه ، لم ينفعه في ترك الاسترقاق ، وكذا المفاداة.

وأمّا المستأمن - وهو المعاهد في عرف الفقهاء - فهو الذي له أمان بغير ذمّة ، فللإمام أن يؤمّنه دون الحول بعوضٍ وغيره. ولو أراد إقامة حول ، وجب العوض.

فإذا عقد له الأمان ، فإن خاف منه الإمام الخيانة بإيواء عين المشركين وشبهه ، نبذ الإمام إليه الأمان ، ويردّه إلى دار الحرب ؛ لقوله تعالى :( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (٤) بخلاف أهل الذمّة ؛ فإنّه لا تنقض ذمّتهم بخوف الخيانة ؛ لالتزامهم بأحكام الإسلام من الحدود‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : لأنّ.

(٢) المصنّف - لعبد الرزّاق - ١٠ : ٣١٦ / ١٩٢٢٠ ، المغني ١٠ : ٦١٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٠٦.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٤.

(٤) الأنفال : ٥٨.

٣٢٣

وغيرها ، فيكون ذلك مانعاً لهم عن الخيانة.

والمعاهدون لا يلزمهم حدّ ولا عقوبة ، فلا زاجر لهم عن الخيانة ، فجاز لنا نبذ عهدهم مع خوف الخيانة.

وينبغي للإمام إذا عقد الذمّة أن يكتب أسماءهم وأسماء آبائهم وعددهم وحليتهم ، ويعرّف على كلّ عشرة منهم عريفاً ليحفظ مَنْ يدخل فيهم ويخرج عنهم كأن يبلغ صغير أو يفيق مجنون أو يقدم غائب أو يسلم واحد أو يموت ، ويُجبي جزيتهم. وإن تولّاه بنفسه ، جاز.

مسألة ١٨٨ : لا يجوز أخذ الجزية ممّا لا يسوغ للمسلمين تملّكه ، كالخمر والخنزير إجماعاً. نعم ، يجوز أخذها من ثمن ذلك ، فلو باع ذمّيُّ خمراً أو خنزيراً(١) على ذمّيّ وقبض الثمن ، جاز أخذه من الجزية ؛ لأنّا عقدنا الذمّة على تديّنهم بدينهم.

ولأنّ محمد بن مسلم سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن صدقات أهل الذمّة وما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم ولحم خنازيرهم وميتتهم ، قال : « عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر ، وكلّما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم ، وثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم »(٢) .

وإذا عقد لهم الذمّة ، عصموا أنفسهم وأموالهم وأولادهم الأصاغر من القتل والصبي والنهب ما داموا على الذمّة ، ولا يتعرّض لكنائسهم وخمورهم وخنازيرهم ما لم يُظهروها.

____________________

(١) في « ق » : خمرة أو خنزيره.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٨ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٠ ، التهذيب ٤ : ١١٣ - ١١٤ / ٣٣٣ بتفاوت يسير.

٣٢٤

ولو ترافعوا إلينا في خصوماتهم ، تخيّر الحاكم بين الحكم عليهم بمقتضى شرع الإسلام وبين ردّهم إلى حاكمهم.

ومَنْ أراق من المسلمين لهم خمراً أو قتل خنزيراً ، فإن كان مع تظاهرهم ، فلا شي‌ء عليه ، وإلّا وجب عليه قيمته عند مستحليه.

وإذا مات الإمام وقد ضرب لما قرّره من الجزية أمداً معيّناً أو اشترط الدوام ، وجب على القائم بعده إمضاء ذلك إجماعاً ؛ لأنّ الإمام معصوم. أمّا نائبه : فلو قرّرهم ثمّ مات المنوب فإن كان ما قرّره صواباً ، وجب اتّباعه ، وإلّا فسخ.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الثاني ينظر في عقدهم ، فإن كان صحيحاً ، أقرَّهم عليه ؛ لأنّه مؤبّد. وإن كان فاسداً ، غيَّره إلى الصحّة ؛ لأنّه منصوب لمصالح المسلمين.

ثمّ إن كان ما عقده الأوّل ظاهراً معلوماً ، اتُّبع ، وإن لم يكن معلوماً وشهد عدلان به ، عمل عليه ، ولا تُقبل شهادة بعضهم على بعض.

فإن اعترفوا بالجزية وكانت دون الواجب ، لم يلتفت إليهم ، وطالَبَهم بالواجب ، فإن بذلوه ، وإلّا ردَّهم إلى مأمنهم. وإن اعترفوا بالواجب ، أقرّهم عليه. وإن اتّهمهم في الزائد ، حلّفهم.

ولو قيل باستئناف العقد معهم ؛ لأنّ عقد الأوّل لم يثبت عنده ، كان حسناً.

مسألة ١٨٩ : قد بيّنّا أنّ أقلّ الجزية دينار عند بعض علمائنا قدره اثنا عشر درهماً نقرة مسكوكة أو مثقال. والدينار في غير الجزية يقابل بعشرة دراهم.

وللإمام أن يماكس بالزيادة ما شاء. ولو لم يبذل إلّا الدينار ، وجب‌

٣٢٥

القبول. ولو بذل الزيادة ثمّ علم عدم الوجوب ، لم ينفعه ، كالشراء بالعين ، إلّا أن ينبذ العهد ثمّ يرجع إلى بذل دينار.

وقيل : ينفع ، كما يجوز ابتداء العقد به(١) .

وقال بعض الشافعية : الأصل في الجزية الدينار ، ولا يُقبل الدراهم إلّا بالسعر والقيمة ، كما يجعل أصل نصاب الفضّة ربع دينار ، وتُقوَّم النقرة بالذهب كالسِّلَع ، ولا يجب على الإمام أن يُخبرهم عن أقلّ ما يجب عليهم(٢) .

وعلى القول بعدم قبول الدينار لو التزموا بالزيادة أوّلاً مع جهلهم بعدم اللزوم يكونون ناقضين للعهد عند بعض الشافعيّة(٣) ، كما لو امتنعوا من أداء أصل الجزية. وحينئذٍ يُبلغون المأمن أو يُقتلون؟ للشافعي قولان(٤) .

فإن قلنا : يُبلغون ، فعادوا فطلبوا العهد(٥) بدينارٍ ، اُجيبوا إليه.

ثمّ إن كان النبذ بعد مضيّ سنة ، لزمه ما التزمه بتمامه. وإن كان في أثناء السنة ، لزمه لما مضى قسطه ممّا التزم.

وإذا ضرب على الفقير ديناراً ، وعلى المتوسّط دينارين ، وعلى الغني أربعةً ، كان الاعتبار في هذه الأحوال بوقت الأخذ لا بوقت العقد.

ولو قال بعضهم : أنا فقير أو متوسّط ، قُبل قوله إلّا أن تكذّبه البيّنة.

مسألة ١٩٠ : إذا شُرطت الضيافة عليهم ثمّ رأى الإمام نقلها‌ إلى‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠.

(٥) في « ق ، ك» : العقد ، بدل العهد.

٣٢٦

الدنانير ، لم يجز إلّا برضاهم ؛ لأنّ الضيافة قد تكون أهون عليهم. وهو أحد قولي الشافعي(١) .

والثاني : يجوز ؛ لأنّ الأصل الدنانير(٢) .

فعليه إذا رُدّت إلى الدنانير ، فهل تكون في المصالح العامّة أو تختصّ بأهل الفي‌ء؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما : الثاني ؛ لأنّ القياس في الضيافة الاختصاص أيضاً إلّا أنّ الحاجة اقتضت التعميم ، فإذا رُدّت إلى الأصل ، ثبت الاختصاص ، كما في الدينار المضروب ابتداءً(٣) .

وإنّما تشترط الضيافة على الغني والمتوسّط ، دون الفقير - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه قد يتعسّر القيام بها. والثاني : يجوز كالجزية(٥) .

وعلى القول بأنّ الضيافة من الجزية يجوز اشتراطها عليه لكن لا يزاد على دينار.

ولو أراد الضيف أن يأخذ منهم ثمن الطعام ، لم يلزم. نعم ، له أن يأخذ الطعام ويذهب به ولا يأكل عندهم ، بخلاف طعام الوليمة ؛ فإنّه لا يجوز إخراجه ؛ لأنّ تلك معاوضة والوليمة تكرمة.

ولا يطالبهم بطعام الثلاثة في اليوم الأوّل. ولو لم يأتوا بطعام اليوم فللضيف المطالبة به من الغد إن جعلنا الضيافة محسوبةً من الدينار.

ولا يلزمهم اُجرة الطبيب والحمّام وثمن الدواء.

ولو تنازعوا في إنزال الضيف ، فالخيار له. ولو تزاحم الضيفان على واحد‌

____________________

(١ و ٢) الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

٣٢٧

من أهل الذمّة ، فالخيار للذمّي. وليكن للضيفان عريف(١) يُرتّب اُمورهم.

وإذا دفع الذمّيُّ الجزيةَ ، أخرج يده من جيبه وحنى ظهره وطأطأ رأسه وصبّ ما معه في كفّة الميزان ، ويأخذ المستوفي بلحيته ، ويضرب في لَهْزَمَتَيْه. واللَّهْزَمتان في اللَّحْيَيْن : مجتمع اللحم بين الماضغ والاُذن. ويكفي الضرب في أحد الجانبين ولا يراعى الجمع بينهما بالهيئة المذكورة.

وهل هي واجبة أو مستحبّة؟ وجهان(٢) . وينبني عليهما جواز أن يوكّل الذمّي مسلماً بأداء الجزية ، وأن يضمن مسلمٌ عن ذمّي ، وأن يُحيل الذمّيّ على مسلم.

ولو وكّل الذمّيُّ ذمّيّاً بالأداء ، قال الجُويني : الوجه طرد الخلاف ؛ لأنّ كلّ واحد منهم يثبت معنى الصَّغار في نفسه(٣) .

ولو وكّل مسلماً بعقد الذمّة ، جاز ؛ فإنّ الصَّغار يثبت عند الأداء دون العقد.

مسألة ١٩١ : قد بيّنّا الخلاف فيما لو امتنع قوم من أهل ذمّة الكتاب من أداء الجزية باسمها وبدّلوا أداءها باسم الصدقة ، فقال الشافعي وأبو حنيفة : يجوز(٤) . وقال مالك : لا يجوز(٥) .

وهل تسقط عنهم الإهانة حينئذٍ؟ منع بعضهم منه(٦) .

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : عريفاً. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) الوجهان للشافعيّة ، اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٧ ، وروضة الطالبين ٧ : ٥٠٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٥ ، المغني ١٠ : ٥٨١ - ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٥ و ٦) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٨.

٣٢٨

ولا فرق في جواز التبديل بين العرب والعجم ؛ فإنّ الحاجة واقتضاء الصدقة(١) لا يختلف.

وعند الشافعي لا تؤخذ من مال الصبيان والمجانين والنساء ؛ لأنّها جزية في الحقيقة(٢)

وقال أبو حنيفة : يجوز أخذها من النساء(٣) .

وينظر الإمام في تضعيف الصدقة ، فإن نقص عن الجزية ، زاد إلى ثلاثة أضعاف وأكثر.

ولو كثروا وعسر العدد ليعلم الوفاء ، ففي جواز الأخذ بغالب الظنّ وجهان ، والظاهر عند الشافعي المنع ، وأنّه لا بدّ وأن يتحقّق أخذ دينار من كلّ رأس(٤) .

ويجوز الاقتصار على تضعيف الصدقة إذا حصل الوفاء.

ولو شرط(٥) ضِعْف الصدقة وزاد على دينار عن كلّ واحد ثمّ سألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية ، اُجيبوا إليه ؛ لأنّ الزيادة اُثبتت لتغيّر. الاسم.

وللشافعيّة وجه آخر : أنّهم لا يجابون إليه(٦) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : واقتضاء المصلحة.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٥ ، المغني ١٠ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٣.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٥.

(٥) في الطبعة الحجريّة : اشترط.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٧ : ٥٠٦.

٣٢٩

ومَنْ ملك مائتين من الإبل ، اُخذ منه(١) ثمان حِقاقٍ أو عشر بنات لبون.

ولا يفرق بأخذ أربع حِقاقٍ وخمس بنات لبون ، كما لا يفرق في الصدقة عند الشافعي(٢) .

ويأخذ من ستّين من البقر أربع تبيعات لا ثلاث مُسنّات ، ولا يجعل كأنّه ملك مائة وعشرين من البقر ، كما لا يجعل في مائتين من الإبل كأنّه ملك أربعمائة حتى يجوز التفريق بأخذ أربع حِقاق وخمس بنات لبون.

وفي تضعيف الجبران عنده وجهان :

أحدهما : يضعَّف ، فيؤخذ مع [ كلّ بنت مخاض أربع شياه أو أربعون ](٣) درهماً ؛ لأنّه بعض الصدقة الموجودة.

وأصحّهما : المنع ؛ لما في تضعيف الجبران من تضعيف الضِّعْف ، فيُؤخذ مع [ كلّ ](٤) بنت مخاض شاتان أو عشرون درهماً(٥) .

ولو لم يوجد في مال صاحب ستّ وثلاثين بنتُ لبون ، أخذ الإمام حِقّتين ويردّ جبرانين.

ولا خلاف بينهم في أنّ الجبران لا يضعّف هنا ، ويُخرج الإمام الجبران‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : منها.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٦.

(٣) ورد بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة هكذا : بنت مخاض أربع شياه أو عشرين. وما أثبتناه من المصدر كما يقتضيه السياق.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٠.

٣٣٠

من الفي‌ء ، كما إذا أخذه ، ردّه إلى الفي‌ء(١) .

وهل يؤخذ من بعض النصاب قسطُهُ من واجب تمام النصاب ، كشاة من عشرين شاةً ونصفِ شاة من عَشْر؟ فيه للشافعي قولان :

أحدهما : نعم ؛ قضيّةً للتضعيف.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ الأثر عن عُمر ورد في تضعيف ما يجب على المسلم لا في إيجاب ما لا يجب فيه شي‌ء على المسلم(٢) .

مسألة ١٩٢ : إذا استأذن الحربيّ في دخول دار الإسلام ، أذن له الإمام إن كان يدخل للرسالة أو حمل مِيرَة أو متاع تشتدّ حاجة المسلمين إليه.

ولا يجوز توظيف مالٍ على الرسول والمستجير لسماع كلام الله تعالى ؛ فإنّ لهما الدخولَ من غير إذن.

وإن كان يدخل لتجارة لا تشتدّ الحاجة إليها ، فيجوز أن يأذن له ، ويشترط عليه عُشْر ما معه من مال التجارة ؛ لأنّه لمـّا ارتفق بالتجارة جُعل عليه في مقابلة إرفاقه شي‌ء.

وإنّما يؤخذ العُشْر من مال التجارة ، ولا يُعشّر ما معه من ثوبٍ ومركوبٍ.

وللشافعيّة وجهان في أنّه هل يجوز للإمام أن يزيد المشروط على العُشْر؟ أصحّهما عندهم : الجواز.

وكذا يجوز نقصها ، فيردّ العُشْر إلى نصف العُشْر فما دون خصوصاً فيما تكثر حاجة المسلمين إليه ، كالمـِيرَة(٣) .

ولو رأى أن يأذن لهم ويرفع الضريبة أصلاً ، ففي جوازه وجهان :

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٦.

(٣) الوسيط ٧ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧.

٣٣١

أحدهما : المنع ؛ لئلا يتردّدوا ويرتفقوا بدار الإسلام من غير مالٍ.

وأظهرهما : الجواز ؛ لدعاء الحاجة إليه(١) .

ثمّ إن شرط الأخذ من تجارة الكافر ، أخذ ، سواء باع مالَه أو لا. وإن شرط الأخذ من الثمن ، فلا يؤخذ ما لم يَبعْ.

وأمّا الذمّيّ فله أن يتّجر فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام ، ولا يؤخذ من تجارته شي‌ء إلّا أن يشترط عليه مع الجزية.

ثمّ الذمّيّ في بلد الحجاز كالحربيّ في بلد الإسلام - ولا يؤخذ منهما في كلّ حول إلّا مرّة واحدة - إذا كان يدور في بلاد الإسلام تاجراً. ويكتب له وللذمّيّ براءة حتى لا يطالب في بلد آخر قبل مُضيّ الحول.

ولو رجع الحربيّ إلى دار الحرب ثمّ عاد في الحول ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يؤخذ في كلّ مرّة ؛ لئلّا يرتفق بدار الإسلام بلا عوض ، بخلاف الذمّيّ ؛ فإنّه في قبضة الإمام.

والثاني : أنّه لا يؤخذ إلّا مرّة ؛ لأنّ الضريبة كالجزية(٢) .

ويتخيّر الإمام فيما يضرب بين أن يستوفيها دفعة واحدة وبين أن يستوفيها في دفعات.

وما ذكرناه من أخذ المال من تجارة الحربيّ أو الذمّيّ [ فيما ](٣) إذا شُرط عليه ذلك ، فأمّا إذا اُذن للحربيّ في دخول دار الإسلام أو الذمّيّ في دخول الحجاز بلا شرط ، فوجهان :

أحدهما : يؤخذ ، حملاً للمطلق على المعهود.

____________________

(١) الوسيط ٧ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧.

(٣) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : كما ، بدل فيما. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣٣٢

والثاني : المنع ؛ لأنّهم لم يلتزموا(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كانوا يأخذون من المسلمين إذا دخلوا دارهم تجّاراً ، اُخذ منهم مثل ما يأخذون وإن لم يشترط ، وإلّا فلا يؤخذ منهم(٢) .

واعتُرض عليه بأنّه مجازاة غير الظالم. ولأنّه لو وجب أن نتابعهم في فعلهم ، لوجب أن نقتل مَنْ أمّنّاه إذا قتلوا مَنْ أمّنوه(٣) .

مسألة ١٩٣ : إذا صالحنا طائفة من الكفّار على أن تكون أراضيهم لهم‌ ويؤدّون خراجاً عن كلّ جريب في كلّ سنة شيئاً ، جاز ، ويُطّرد ملكهم.

قال الشافعي : والمأخوذ جزيةً مصرفه مصرف الفي‌ء ، والتوكيل بإعطائه كالتوكيل بإعطاء الجزية(٤) .

ويشترط أن يكون ما يخصّ كلّ واحد من أهل الجزية قدر دينار إذا وزّع على عدد رؤوسهم ، ويلزمهم ذلك ، زرعوا أو لا.

ولا يؤخذ من أراضي الصبيان والمجانين والنساء.

ولهم بيع تلك الأراضي وهبتها وإجارتها.

ولو استأجر مسلم ، فالاُجرة للكافر ، والخراج عليه.

ولو باعها من مسلمٍ ، انتقل الواجب إلى رقبة البائع ، ولا خراج على المشتري.

____________________

(١) الوسيط ٧ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٦ ، المغني ١٠ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٦.

(٣) حكى الرافعي الاعتراض عن الشافعيّة في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣.

(٤) الوسيط ٧ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٨.

٣٣٣

وعند أبي حنيفة يلزمه الخراج(١) .

وقال مالك : لا يصحّ بيعها من مسلمٍ(٢) .

ولو أسلموا بعد الصلح ، سقط عنهم الخراج - خلافاً لأبي حنيفة(٣) - وعليهم أن يؤدّوا عن الموات الذي يمنعوننا عنه دون ما لا يمنعون عنه.

ولو أحيوا منه شيئاً بعد الصلح ، لم يلزمهم شي‌ء لما أحيوا إلّا إذا شرط عليهم أن يؤدّوا عمّا يحيونه.

ولو صالحناهم على أن تكون الأراضي لنا وهُمْ يسكنونها ويؤدّون عن كلّ جريب كذا ، فهذا عقد إجارة ، والمأخوذ اُجرة ، فتجب معها الجزية ، ولا يشترط أن تبلغ ديناراً عن كلّ رأس. وتؤخذ من أراضي النساء والصبيان والمجانين. ويُوكَّل المسلم في أدائها. وليس لهم بيع تلك الأراضي وهبتها ، ولهم إجارتها ، فإنّ المستأجر يؤجر.

البحث الرابع : في بقايا أحكام المساكن والأبنية والمساجد.

مسألة ١٩٤ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز للحربيّ دخول دار الإسلام إلّا بإذن الإمام‌ خوفاً من تضرّر المسلمين بالتجسيس وشراء سلاح وغير ذلك ، فإذا أذن لمصلحةٍ كأداء رسالةٍ وتجارةٍ ، جاز بعوضٍ وغيره.

فإن دخل بغير أمانٍ ، فقال : أتيت لرسالةٍ ، قُبل قوله ؛ لتعذّر إقامة البيّنة عليه.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

(٢) حلية العلماء ٧ : ٧٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

(٣) الوسيط ٧ : ٧٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

٣٣٤

ولو قال : أمَّنني مسلم ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يُقبل إلّا ببيّنة ؛ لإمكان إقامتها(١) .

وقال بعض الشافعيّة : يُقبل ، كما لو قال : لرسالةٍ(٢) .

والفرق : إمكان إقامة البيّنة على الثاني دون الأوّل.

ولو دخل ولم يدّع شيئاً ، كان للإمام قَتْلُه واسترقاقهُ وأخذُ مالِه ؛ لأنّه حربيّ دخل دارنا بغير أمان ولا عهد ، بخلاف الذمّيّ إذا دخل الحجاز بغير إذنٍ ، لأنّ الذمّيّ محقون الدم ، فيستصحب الحكم فيه ، بخلاف الحربيّ.

مسألة ١٩٥ : لا يجوز لكافرٍ حربيُّ أو ذمّيًّ سكنى الحجاز إجماعاً ؛ لقول ابن عباس : أوصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة أشياء ، قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنتُ أجيزهم » ( قال : وسكت عن الثالث )(٣) .

وقالعليه‌السلام : « لا يجتمع دينان في جزيرة العرب »(٤) .

والمراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار الحجازُ خاصّة ، ونعني بالحجاز مكّة والمدينة وخيبر واليمامة وينبع وفدك ومَخاليفها(٥) .

وسُمّي حجازاً ؛ لأنّه حجز بين نَجْد وتهامة.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٨.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٩.

(٣) صحيح البخاري ٦ : ١١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ - ١٢٥٨ / ١٦٣٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٥ / ٣٠٢٩ ، المغني ١٠ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٢ ، وبدل ما بين القوسين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : وقال السبب الثالث. وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصادر.

(٤) الموطّأ ٢ : ٨٩٢ / ١٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٠٨ ، المغني ١٠ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٢.

(٥) المخلاف واحد المخاليف : الكورة. القاموس المحيط ٣ : ١٣٧ « خلف ».

٣٣٥

وجزيرة العرب ما بين عدن إلى ريف العراق طولاً ، ومن جدّة والسواحل إلى أطراف الشام عرضاً ، قاله الأصمعي وأبو عبيد(١) .

وقال أبو عبيدة : هي من حَفَر أبي موسى(٢) إلى اليمن طولاً ، ومن رمل « يَبْرِين »(٣) إلى منقطع السماوة عرضاً(٤) .

قال(٥) الخليل : إنّما قيل لها جزيرة العرب ؛ لأنّ بحر الحبش وبحر فارس والفرات أحاطت بها ، ونُسبت إلى العرب ؛ لأنّها أرضها ومسكنها ومعدنها(٦) .

وإنّما قلنا : إنّ المراد بجزيرة العرب الحجازُ خاصّة ؛ لأنّه لولاه لوجب إخراج أهل الذمّة من اليمن ، وليس واجباً ، ولم يخرجهم عمر من اليمن وهي من جزيرة العرب ، وإنّما أوصى النبيعليه‌السلام بإخراج أهل نَجْران من جزيرة العرب(٧) ؛ لأنّهعليه‌السلام صالحهم على ترك الربا ، فنقضوا العهد(٨) .

____________________

(١) غريب الحديث - للهروي - ٦ : ٦٧ « جزر » ، سنن البيهقي ٩ : ٢٠٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٢ ، المغني ١٠ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٣.

(٢) حَفَر أبي موسى : ركايا احتفرها على جادّة البصرة إلى مكة. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٤٠٧ ، لسان العرب ٤ : ٢٠٧ « حفر ». وأبو موسى هو الأشعري كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٢.

(٣) يَبْرين : اسم قرية كثيرة النخل والعيون العذبة بحذاء الأحساء من بني سعد بالبحرين. معجم البلدان ١ : ٧١ « أبرين » و ٥ : ٤٢٧ « يبرين ».

(٤) غريب الحديث - للهروي - ٢ : ٦٧ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٢ ، المغني ١٠ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٣.

(٥) في الطبعة الحجريّة : وقال.

(٦) العين ٦ : ٦٢ « جزر » ، المغني ١٠ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٣.

(٧) سنن البيهقي ٩ : ٢٠٨ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ : ٣٤٥ / ١٣٠٣٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٢ / ١٧٠١.

(٨) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ - ١٦٨ ، الحديث ٣٠٤١ وذيله ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٤.

٣٣٦

ويجوز لهم دخول الحجاز بإذن الإمام ، وأن يقيموا ثلاثة أيّام ، فيجوز ( حينئذٍ أن ينتقل )(١) إلى غيره من بعض مواضع الحجاز ؛ لأنّه لا مانع منه.

ولو مرض بالحجاز ، جازت له الإقامة ؛ لمشقّة الانتقال عليه. ولو مات ، دُفن فيه.

قال الشيخرحمه‌الله : يجوز له الاجتياز في أرض الحجاز بإذنٍ وغيره(٢) .

ولو كان له دَيْنٌ ، لم يكن له المقام أكثر من ثلاثة أيّام لاقتضائه ، بل يُوكّل في قبضه.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يمنعه من ركوب بحر الحجاز ؛ لأنّه ليس بموضع إقامة ، ولا له حُرمة ببعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منه. ولو كان فيه جزائر وجبال ، مُنعوا من سكناها ، وكذا حكم سواحل بحر الحجاز ، لأنّها في حكم البلاد(٣) .

مسألة ١٩٦ : لا يجوز لهم دخول الحرم لا اجتيازاً ولا استيطاناً ، قاله الشيخ(٤) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لقوله تعالى :( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (٦) والمراد به الحرم ؛ لقوله تعالى :( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ) (٧) يريد ضرراً بتأخّر الجلب عن الحرم ، ولقوله تعالى :( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٨) .

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : أن ينتقل حينئذٍ.

(٢ و ٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٨.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٧.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٨ ، المغني ١٠ : ٦٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١.

(٦ و ٧) التوبة : ٢٨.

(٨) الإسراء : ١.

٣٣٧

وقال أبو حنيفة : يجوز [ لهم ](١) دخول الحرم والإقامة فيه مقام المسافر ، ولا يستوطنوه ، ويجوز لهم دخول الكعبة ؛ لأنّ المنع من الاستيطان لا يمنع الدخول والتصرّف ، كالحجاز(٢) .

ولم نستدلّ نحن بمنع استيطان الحجاز على المنع من دخول الحرم ، بل استدللنا بالآية على وقوع الفرق ، فيبطل القياس.

إذا عرفت هذا ، فإن قدم بمِيرَةٍ لأهل الحرم ، مُنع من الدخول ، فإن أراد أهل الحرم الشراءَ منه ، خرجوا إلى الحِلّ واشتروا منه.

ولو جاء رسولاً ، بعث الإمام ثقةً يسمع كلامه ، ولو امتنع من أداء الرسالة إلّا مشافهةً ، خرج إليه الإمام من الحرم لسماع كلامه ، فإن دخل بغير إذنٍ عالماً ، عُزّر ، لا جاهلاً.

فلو(٣) مرض في الحرم ، نقله منه ، ولو مات ، لم يدفنه(٤) فيه ، بخلاف الحجاز.

فإن دفن في الحرم ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يُنبش ، ويُترك مكانه ؛ لعموم ورود منع النبش(٥) .

وقال الشافعي : يُنبش ويُخرج إلى الحِلّ إلّا أن يتقطّع(٦) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : له. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) حلية العلماء ٧ : ٧١٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٧ ، المغني ١٠ : ٦٠٥ - ٦٠٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١.

(٣) في « ق » : فإن.

(٤) في « ق » : لم ندفنه.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٩ ، منهاج الطالبين : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٨ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦.

٣٣٨

ولو صالَحهم الإمام على دخول الحرم بعوضٍ ، قال الشيخ : جاز ، ووجب عليه دفع العوض. وإن كان خليفةً للإمام ووافَقه على عوضٍ فاسدٍ ، بطل المسمّى ، وله اُجرة المثل(١) .

ومَنَع الشافعي من ذلك كلّه وأبطل الصلح.

قال : فإن دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه ، لم يردّ العوض ؛ لأنّه حصل لهم ما صالحهم عليه ، وإنّما أوجب ما صالحهم عليه ؛ لأنّه لا يمكنهم الرجوع إلى عوض المثل ، فلزمهم المسمّى وإن كان الصلح فاسداً. ولو وصلوا إلى بعض ما صالحهم على دخوله ، أخرجهم ، وكان عليهم العوض بقدره(٢) .

ولو صالح الإمام الرجلَ أو المرأة على الدخول إلى الحجاز بعوضٍ ، جاز ؛ لأنّ المرأة كالرجل في المنع.

ولو صالح المرأة على سكنى دار الإسلام غير الحجاز بعوضٍ ، لم يلزمها ذلك ؛ لأنّ لها المقام فيها بغير عوضٍ ، بخلاف الحجاز.

مسألة ١٩٧ : المسجد الحرام لا يجوز لمشركٍ ذمّيٍّ أو حربيُّ دخوله إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (٣) .

وأمّا مساجد الحجاز غير الحرم وسائر المساجد بالبلدان فحكمها واحد ، فذهبت الإماميّة إلى منعهم من الدخول فيها بإذن مسلمٍ وبغير إذنه ، ولا يحلّ للمسلم الإذن فيه - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٤) - لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٤٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٨.

(٣) التوبة : ٢٨.

(٤) المغني ١٠ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٠.

٣٣٩

مسجد ، فلا يجوز لهم الدخول إليه ، كالحرم.

ولقولهعليه‌السلام : « جنّبوا مساجدكم النجاسة »(١) .

ولأنّ منعهم كان مشهوراً.

دخل أبو موسى على عمر ومعه كتاب حساب عمله ، فقال عمر : ادع الذي كتبه ليقرأه ، قال : إنّه لا يدخل المسجد ، قال : ولِمَ لا يدخل؟ قال : لأنّه نصرانيّ ، فسكت(٢) . وهو يدلّ على شهرته بينهم.

ولعدم انفكاكهم من حدث الجنابة والحيض والنفاس ، وهذه الأحداث تمنع من المقام في المسجد فحدثُ الشرك أولى. ولأنّهم ليسوا من أهل المساجد. ولأنّ منعهم من الدخول فيه إذلالٌ لهم وقد اُمرنا به.

وقال أكثر العامّة : يجوز لهم الدخول بإذن المسلم(٣) ، لأنّ النبيعليه‌السلام أنزل وَفْد ثقيف في المسجد(٤) . وشدّ ثمامة بن أثال الحنفي في ساريةٍ من المسجد(٥) .

ولو سُلّم ، لكان في صدر الإسلام.

____________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٠ ، المغني ١٠ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٤.

(٣) أحكام القرآن - لابن العربي - ٢ : ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٨ ، المغني ١٠ : ٦٠٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٠ ، المجموع ٢ : ١٧٤.

(٤) المغازي - للواقدي - ٣ : ٩٦٤ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٤ : ١٨٤ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٨٤ ، تاريخ الإسلام - للذهبي - ٢ : ٦٦٨ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٣ / ٣٠٢٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤ ، مسند أحمد ٥ : ٢٥٣ / ١٧٤٥٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٢٥ ، و ٥ : ٢١٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٦ / ١٧٦٤ ، سنن النسائي ٢ : ٤٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤ ، مسند أحمد ٣ : ٢٠٥ / ٩٥٢٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها، ومن لا يقول مثل ما تقول، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد، يا علي اقبل وصيتي وأنجز مواعيدي وأد ديني، يا علي اخلفني في أهلي، وبلغ عني من بعدي.

قال عليّعليه‌السلام : فلما نعى إلي نفسه، رجف فؤادي وألقي علي لقوله البكاء، فلم أقدر أن أجيبه بشئ، ثم عاد لقوله فقال: يا علي، أو تقبل وصيتي؟ قال: فقلت، وقد خنقتني العبرة، ولم أكد أن أبين. نعم، يا رسول الله.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بلال ائتني بسوادي(١) ، ائتني بذي الفقار، ودرعي ذات الفضول، ائتني بمغفري ذي الجبين، ورايتي العقاب، وائتني بالعنزة(٢) والممشوق(٣) ؟ فأتى بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرتهنة.

ثم قال: ائتني بالمرتجز(٤) والعضباء(٥) ، ائتني باليعفور والدلدل(٦) ، فأتى بها، فأوقفها بالباب، ثم قال: ائتني بالاتحمية(٧) والسحاب، فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشئ شئ، فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب، فطلبها فأتي بها، والبيت غاص يومئذ بمن فيه من المهاجرين والانصار.

ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا؛ ومد إصبعه، وقال: في حياة مني، وشهادة من في البيت، لكيلا ينازعك أحد من بعدي، فقمت وما أكاد أمشي على قدم حتّى استودعت ذلك جميعا منزلي. فقال: يا علي أجلسني، فأجلسته وأسندته إلى صدري.

____________________

(١) أي أمتعته وثقله، ويطلق السواد على المال أيضا.

(٢) العنزة: شبه العكازة، أطول من العصاء وأقصر من الرمح، ولها زج من أسفلها.

(٣) الممشوق من القضبان: الطويل الدقيق.

(٤) المرتجز: فرسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمي به لحسن صهيله.

(٥) العضباء: ناقتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سميت به لنجابتها.

(٦) اليعفور: حمار كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الدلدل: بغلة شهباء كانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٧) الاتحمية: ضرب من البرود ينسج في بلاد العرب.

٦٠١

قال عليّعليه‌السلام : فلقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن رأسه ليثقل ضعفا، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم: إن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي عليّ بن أبي طالب، يقضي ديني، وينجز موعدي، يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، لا تبغضوا عليا، ولا تخالفوا أمره فتضلوا، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا، أضجعني يا علي، فأضجعته فقال: يا بلال ائتني بولدي الحسن والحسين، فانطلق فجاء بهما فأسندهما إلى صدره، فجعلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشمهما. قال عليّعليه‌السلام : فظننت أنهما قد غماه - قال أبوالجارود: يعني أكرباه - فذهبت لآخذهما عنه، فقال: دعهما يا علي يشماني وأشمهما، ويتزودا مني وأتزود منهما، فسيلقيان من بعدي أمرا عضالا، فلعن الله من يخيفهما، اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين.

١٢٤٥/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوأحمد عبيدالله بن الحسين بن إبراهيم العلوي النصيبي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عبد العظيم بن عبدالله الحسني بالري، قال: حدّثنا أبوجعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن أميرالمؤمنينعليهم‌السلام ، أنه قال: المرض لا أجر فيه، ولكنه لا يدع على العبد ذنبا إلا حطه، وإنما الاجر في القول باللسان والعمل بالجوارح، وإن الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النية والسريرة الصالحة الجنة.

١٢٤٦/٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن الحسن الرزاز أبوالعباس، قال: حدّثنا أبوأمي محمّد بن عيسى أبوجعفر القيسي، قال: حدّثنا إسحاق بن يزيد الطائي، عن عبد الغفار بن القاسم، عن عبدالله بن شريك العامري، عن جندب بن عبدالله البجلي، عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يضرب الحجاب وهو في منزل عائشة، فجلست بينه وبينها فقالت: يابن أبي طالب، ما وجدت لاستك مكانا غير فخذي أمط عني، فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين كتفيها، ثم قال لها: ويل لك ما

٦٠٢

تريدين من أميرالمؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين.

١٢٤٧/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد أبوالقاسم الموسوي في منزله بمكة، قال: حدثني عبيدالله بن أحمد بن نهيك الكوفي بمكة، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الاشعري القمي، قال: حدثني عبدالله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: جاء رجل من الانصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله، ما حق العلم؟ قال: الانصات له. قال: ثم مه. قال: الاستماع له. قال: ثم مه. قال: ثم الحفظ. قال: ثم مه، يا نبي الله. قال: العمل به. قال: ثم مه. قال: ثم نشره.

١٢٤٨/٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن محمود ابن بنت الاشج الكندي بأسوان، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن هشام الناشري الكوفي، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضال، قال: حدّثنا عاصم بن حميد الحناط،. عن أبي حمزة ثابت بن أبي صفية، قال: حدثني أبوجعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام . قال عاصم: وحدثني أبوحمزة، عن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسينعليهما‌السلام ، عن أبيها الحسين، عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان: الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له.

١٢٤٩/٦ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى الخنيسي، قال: حدّثنا منذر بن جيفر العبدي، عن الرصافي - واسمه عبيدالله بن الوليد -، عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، عن أم سلمةرضي‌الله‌عنه ، قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.

٦٠٣

١٢٥٠/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبدالله ابن سليمان بن الاشعث السجستاني، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد النهشلي شاذان، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الخزاز، قال: حدّثنا مندل بن عليّ العنزي، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته، فغدا إليه عليّعليه‌السلام في الغداة، وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد، فدخل فإذا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحن الدار، وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي، فقال: السلام عليك، كيف أصبح رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: بخير، يا أخا رسول الله. فقال عليّعليه‌السلام : جزاك الله عنا أهل البيت خيرا. قال له دحية: إني أحبك، وإن لك عندي مديحة أهديها إليك. أنت أميرالمؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وسيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين، لواء الحمد بيدك يوم القيامة، تزف أنت وشيعتك مع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحزبه إلى الجنان، قد أفلح من والاك، وخاب وخسر من خلاك، محبو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محبوك، ومبغضوه مبغضوك، لا تنالهم شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ادن من صفوة الله. فأخذ رأس النبيّعليه‌السلام فوضعه في حجره، فانتبه النبيّعليه‌السلام فقال: ما هذه الهمهمة، فأخبره الحديث، فقال: لم يكن دحية، كان جبرئيلعليه‌السلام سماك باسم سماك الله (تعالى) به، وهو الذي ألقى محبتك في قلوب المؤمنين، ورهبتك في صدور الكافرين.

١٢٥١/٨ - قال أبوالمفضل: سمعت عبدالله بن أبي داود قبل أن يبنى له المنبر، يعتذر إلى أبي عبدالله المستملي من النصب، ثم أملى ذلك المجلس كله من حفظه في فضائل أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وهذا الحديث أول ما بدأ به: قال أبوالمفضل: وحدّثنا عبدالله بن سليمان بن الاشعث، قال: حدّثنا هشام بن يونس اللؤلؤي، قال: حدّثنا حسين بن سليمان - يعني الانصاري الرفاء -، عن عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك، قال: نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأخذ بيده، وقال: يا علي، كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغضك.

١٢٥٢/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوجعفر

٦٠٤

محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي بالكوفة، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب أبوسعيد الاسدي، قال: أخبرني السيد بن عيسى الهمداني، عن الحكم بن عبدالرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري، قال: كانت أمارة المنافقين بغض عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فبينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد ذات يوم، في نفر من المهاجرين والانصار، وكنت فيهم، إذ أقبل عليّعليه‌السلام فتخطى القوم حتّى جلس إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان هناك مجلسه الذي يعرف به، فسار رجل رجلا وكانا يرميان بالنفاق، فعرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أرادا، فغضب غضبا شديدا حتّى التمع وجهه، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يدخل عبد الجنة حتّى يحبني، ألا وكذب من زعم أنه يحبني وهو يبغض هذا، وأخذ بكف عليّعليه‌السلام ، فأنزل الله (عزّوجلّ) هذه الآية في شأنهما( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ) (١) إلى آخر الآية.

____________________

(١) سورة المجادلة ٥٨: ٩.

٦٠٥

[ ٢٨ ]

مجلس يوم الجمعة

السابع من ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٥٣/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (قدس الله روحه)، قال: أخبرنا جماعة، قال: حدّثنا أبوالمفضل محمّد بن عبدالله ابن المطلب الشيباني، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا مطر بن أرقم، عن الحسن بن عمرو النعيمي، عن أبي قبيصة صفوان بن قبيصة، عن الحارث بن سويد: أنه حدثه أن عبدالله بن مسعود أخبرهم، قال: قرأت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة من القرآن، أخذتها من فيه، وزيد ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان، وقرأت سائر - أو قال: بقية - القرآن على خير هذه الامة وأقضاهم بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه).

١٢٥٤/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الابواب، قال: حدّثنا محمّد بن الفضل بن المختار الباني، ويعرف بفضلان صاحب الجار، قال: حدثني أبي الفضل بن مختار، عن الحكم ابن ظهير الفزاري الكوفي، عن ثابت بن أبي صفية أبي حمزة، قال: حدثني أبوعامر

٦٠٦

القاسم بن عوف، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: حدثني سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، قال: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فجلست بين يديه وسألته عما يجد، وقمت لاخرج، فقال لي: اجلس يا سلمان، فسيشهدك الله (عزّوجلّ) أمرا إنه لمن خير الامور، فجلست فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه، ودخلت فاطمةعليها‌السلام ابنته فيمن دخل، فلما رأت ما برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الضعف خنقتها العبرة حتّى فاض دمعها على خدها، فأبصر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما يبكيك يا بنية، أقر الله عينك، ولا أبكاها؟ قالت: وكيف لا أبكي، وأنا أرى ما بك من الضعف. قال لها: يا فاطمة، توكلي على الله، واصبري كما صبر آباؤك من الانبياء، وأمهاتك من أزواجهم، ألا أبشرك يا فاطمة؟ قالت: بلى يا نبي الله - أو قالت: يا أبه -.

قال: أما علمت أن الله (تعالى) اختار أباك فجعله نبيا، وبعثه إلى كافة الخلق رسولا، ثم اختار عليا فأمرني فزوجتك إياه واتخذته بأمر ربي وزيرا ووصيا.

يا فاطمة، إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا، وأقدمهم سلما، وأعلمهم علما، وأحلمهم حلما، وأثبتهم في الميزان قدرا، فاستبشرت فاطمةعليها‌السلام ، فأقبل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هل سررتك يا فاطمة؟ قالت: نعم يا أبه. قال: أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟ قالت: بلى يا نبي الله.

قال: إن عليا أول من آمن بالله (عزّوجلّ) ورسوله من هذه الامة، هو وخديجة أمك، وأول من وازرني على ما جئت.

يا فاطمة، إن عليا أخي وصفيي وأبو ولدي، إن عليا أعطي خصالا من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده، فأحسني عزاك، واعلمي أن أباك لاحق بالله (عزّوجلّ).

قالت: يا أبتاه فرحتني وأحزنتني. قال: كذلك يا بنية أمور الدنيا، يشوب سرورها حزنها، وصفوها كدرها، أفلا أزيدك يا بنية؟ قالت: بلى يا رسول الله.

٦٠٧

قال. إن الله (تعالى) خلق الخلق فجعلهم قسمين، فجعلني وعليا في خيرهما قسما، وذلك قوله (عزّوجلّ):( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) (١) ثم جعل القسمين قبائل، فجعلنا في خيرها قبيلة، وذلك قوله (عزّوجلّ):( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) (٢) ثم جعل القبائل بيوتا، فجعلنا في خيرها بيتا في قوله (سبحانه):( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) ، ثم إن الله (تعالى) اختارني من أهل بيتي، واختار عليا والحسن والحسين وأختارك، فأنا سيد ولد ادم، وعلي سيد العرب، وأنت سيدة النساء، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن ذريتكما المهدي، يملا الله (عزّوجلّ) به الارض عدلاكما ملئت من قبله جورا.

١٢٥٥/٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي، قال: حدثني هشام بن ناجية أبوثور القرشي بسلمية، قال: حدثني عطاء بن مسلم الحلبي، عن أزهر بن راشد، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: أنه ذكروا علياعليه‌السلام ، فقال: إنه كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة خاصة، ولقد كانت له عليه دخلة لم تكن لاحد من الناس.

١٢٥٦/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن العباس بن اليزيدي النحوي أبوعبدالله، قال: حدّثنا أبوالأسود الخليل بن أسد النوشجاني، قال: حدثني محمّد بن سلام الجمحي، قال: حدثني يونس بن حبيب النحوي، وكان عثمانيا، قال: قلت للخليل بن أحمد: أريد أن أسالك عن مسألة فتكتمها علي؟ قال: إن قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال، فتكتمه أنت أيضا؟ قال: قلت: نعم، أيام حياتك. قال: سل. قال: قلت. ما بال أصحاب رسول

____________________

(١) سورة الواقعة ٥٦: ٢٧.

(٢) سورة الحجرات ٤٩: ١٣.

(٣) سورة الاحزاب ٣٣: ٣٣.

٦٠٨

الله (صلّى الله عليه وآله ورحمهم) كأنهم كلهم بنو ام واحدة وعليّ بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة(١) ؟ قال: من أين لك هذا السؤال؟ قال: قلت: قد وعدتني الجواب. قال: وقد ضمنت الكتمان. قال: قلت: أيام حياتك.

فقال: إن علياعليه‌السلام تقدمهم إسلاما، وفاقهم علما، وبذهم(٢) شرفا، ورجحهم زهدا، وطالهم جهادا فحسدوه، والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان منهم، فافهم.

١٢٥٧/٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبودلف هاشم بن مالك الخزاعي في مسجد الشرقية ببغداد سنة أربع وثلاث مائة، قال: حدّثنا العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدّثنا أبوزيد سعيد بن أوس، قال: سمعت أبا عمرو ابن العلاء:

لكل امرئ شكل من الناس مثله

فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا

لان صحيح العقل لست بواجد له

في طريق حين تفقده شكلا

١٢٥٨/٦ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا الحسن ابن عليّ بن زكريا البصري، قال: حدّثنا سليمان بن داود أبوأيوب الشاذكوني البصري، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول في مسجد الخيف: إنما سموا إخوانا لنزاهتهم عن الخيانة، وسموا أصدقاء لانهم يصادقوا حقوق المودة.

١٢٥٩/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا إسحاق ابن محمّد بن مروان الغزال، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبوحفص الاعشى، قال: سمعت الحسن بن صالح بن حي، قال: سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: لقد عظمت منزلة الصديق حتّى إن أهل النار يستغيثون به ويدعونه قبل القريب الحميم،

____________________

(١) العلة: الضرة، وبنو الغلات: بنو رجل وأحد من امهات شتى.

(٢) أي غلبهم وفاقهم.

٦٠٩

قال الله (تعالى) مخبرا:( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (١) .

١٢٦٠/٨ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد بن جعفر العلوي الحسني، قال: حدّثنا أبونصر أحمد بن عبد المنعم بن نصر الصيداوي، قال: حدّثنا عبدالله بن بكير، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام ، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن الدنيا كلها لقمة واحدة فأكلها العبد المسلم ثم قال: « الحمد لله » ، لكان قوله ذلك خيرا له من الدنيا وما فيها.

١٢٦١/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: أخبرنا رجاء بن يحيى أبوالحسين العبرتائي الكاتب، قال: حدّثنا أبوهاشم داود بن القاسم بن المفضل، قال: حدّثنا عبيدالله بن الفضل أبوعيسى النبهاني بالقسطاس، قال: حدّثنا هارون بن عيسى بن بهلول المصري الدهان، قال: حدّثنا بكار بن محمّد بن شعبة اليمامي، قال: حدثني محمّد بن شعبة الذهلي قاضي اليمامة، قال: حدثني بكر بن الملك الاعتق البصري، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جده أميرالمؤمنينعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، خلق الله الناس من أشجار شتى، وخلقني وأنت من شجرة واحدة، أنا أصلها وأنت فرعها، فطوبى لعبد تمسك بأصلها، وأكل من فرعها.

١٢٦٢/١٠ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد ابن سعيد بن محمّد بن شرحبيل أبوبكر الترخمي بحمص، وعبد الرزاق بن سليمان ابن غالب الازدي بأرتاح واللفظ له، قالا: حدّثنا أبوعبد الغني الحسن بن عليّ الازدي المعاني بمعان، قال: حدّثنا عبد الرزاق بن همام، قال: أخبرني أبي، عن مينا بن أبي مينا مولى عبدالرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها.

____________________

(١) سورة الشعراء ٢٦: ١٠٠، ١٠١.

٦١٠

وزاد عبد الرزاق: وشيعتنا ورقها، الشجرة أصلها في جنة عدن، والفرع والورق والثمر في الجنة.

١٢٦٣/١١ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبدالله ابن إسحاق بن إبراهيم بن حماد الخطيب المدائني، قال: حدّثنا عثمان بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، قال: حدّثنا عبدالله بن لهيعة، عن أبي الزبير، قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: بينا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفات وعليّعليه‌السلام تجاهه ونحن معه، إذ أومأ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّعليه‌السلام فقال: ادن مني يا علي، فدنا منه، فقال: ضع خمسك - يعني كفك - في كفي، فأخذ بكفه، فقال: يا علي، خلقت أنا وأنت من شجرة، أنا أصلها، وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، من تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة.

١٢٦٤/١٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا الحسن ابن عليّ بن زكريا العاصمي، قال: حدّثنا صهيب بن عباد بن صهيب، قال: حدّثنا أبي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وأغصان الشجرة ذاهبة على ساقها، فأي رجل تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة برحمته.

قيل: يا رسول الله، قد عرفنا الشجرة وفرعها، فمن أغصانها؟ قال: عترتي، فما من عبد أحبنا أهل البيت، وعمل بأعمالنا، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب، إلا أدخله الله (عزّوجلّ) الجنة.

٦١١

[ ٢٩ ]

مجلس يوم الجمعة

الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وأربع مائة

فيه بقية أحاديث أبي المفضل محمّد بن عبدالله الشيباني.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٦٥/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (قدس الله روحه)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا يحيى بن عليّ بن عبد الجبار السدوسي بالسيرجان، قال: حدثني عمي محمّد بن عبد الجبار، قال: حدّثنا حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان ومعاوية بن الريان، جميعا عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي، قال: كنا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلوسا، فأتى عليّعليه‌السلام فدخل المسجد، وقد وافق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قياما، فلما رأى عليا جلس، ثم أقبل عليه، فقال: يا أبا الحسن، إنك أتيت ووافق قياما فجلست لك، أفلا أخبرك ببعض ما فضلك الله به؟ أخبرك أني ختمت النبيين، وختمت أنت يا علي الوصيين، وحق على الله ألا يوقف موسى بن عمرانعليه‌السلام موقفا إلا أوقف معه وصيه يوشع بن نون، وإني أقف وتوقف وأسأل وتسأل، فاعدد يابن أبي طالب جوابا، فإنما أنت مني تزول أينما زلت.

قال عليّعليه‌السلام : يا نبي الله، فما الذي تبينه لي، لاهتدي بهداك لي؟

٦١٢

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وإنه (عزّوجلّ) هاديك ومعلمك، وحق لك أن تعي، لقد أخذ الله ميثاقي وميثاقك وميثاق شيعتك وأهل مودتك إلى يوم القيامة، فهم شيعتي ورذوي مودتي، وهم ذوي الالباب، يا علي حق على الله أن ينزلهم في جناته، ويسكنهم مساكن الملوك، وحق لهم أن يطيبوا.

١٢٦٦/٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الرزاز القرشي، قال: حدّثنا أيوب بن نوح بن دراج، قال: حدثني محمّد بن أبي عقيلة، قال: حدثني الحسين بن زيد، قال: حدثني أبي زيد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، قال: سمعته يقول: من تعزى عن الدنيا بثواب الآخرة فقد تعزى عن حقير بخطير، وأعظم من ذلك من عد فائتها سلامة نالها، وغنيمة أعين عليها.

١٢٦٧/٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبيدالله ابن محمّد بن عبيد بن ياسين بن محمّد بن عجلان التميمي العابد، قال: سمعت سيدي أبا الحسن عليّ بن محمّد ابن الرضاعليهم‌السلام بسرمن رأى، يقول: الغوغاء قتلة الانبياء، والعامة اسم مشتق من العمى، ما رضي الله لهم أن شبههم بالانعام حتّى قال: (بل هم أضل)(١) .

١٢٦٨/٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: أخبرنا رجاء بن يحيى أبوالحسين العبرتائي الكاتب، قال: حدّثنا هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب بسر من رأى، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّعليهم‌السلام ، قال: أردت سفرا، فأوصاني أبي عليّ بن الحسينعليه‌السلام فقال في وصيته: إياك يا بني أن تصاحب الاحمق أو تخالطه واهجره ولا تحادثه، فإن الاحمق هجنة(٢) غائبا كان أو حاضرا، إن تكلم فضحه حمقه، وإن سكت قصر به عيه، وإن

____________________

(١) سورة الفرقان ٢٥: ٤٤.

(٢) الهجنة في الكلام: العيب والقبح، وفي العلم: إضاعته.

٦١٣

عمل أفسد، وان استرعى أضاع، لاعلمه من نفسه يغنيه، ولا علم غيره ينفعه، ولا يطيع ناصحه، ولا يستريح مقارنه، تود أمه أنها ثكلته، وامرأته أنها فقدته، وجاره بعد داره، وجليسه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعني من فوقه، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه.

١٢٦٩/٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني إبراهيم ابن حفص بن عمر العسكري بالمصيصة، قال: حدّثنا عبيد بن الهيثم الانماطي بحلب، قال: حدّثنا الحسين بن علوان الكاتب، قال: سمعت جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، يحدث عن آبائهعليهم‌السلام ، عن علي (صلوات الله عليه) رفعه، قال: حسن البشر بالناس نصف العقل، والتقدير نصف المعيشة، والمرأة الصالحة أحد الكاسبين.

١٢٧٠/٦ - وباسناده، عن عليّعليه‌السلام ، قال: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: شريف من وضيع، وحليم من سفيه، ومؤمن من فاجر.

١٢٧١/٧ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الازدي بأرتاح، قال: حدّثنا أبوعبد الغني الحسن بن عليّ الازدي المعاني، قال: حدّثنا عبد الوهاب بن همام الحميري، قال: حدّثنا جعفر ابن سليمان الضبعي البصري قدم علينا اليمن، قال: حدّثنا أبوهارون العبدي، عن ربيعة السعدي، قال: حدثني حذيفة بن اليمان، قال: لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم جعفر والنبيعليه‌السلام بأرض خيبر، فأتاه بالفرع(١) من الغالية والقطيفة، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لادفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فمد أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعناقهم إليها، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين علي؟ فوثب عمار بن ياسر فدعا علياعليه‌السلام ، فلما جاء قال له النبيّعليه‌السلام : يا علي، خذ القطيفة إليك، فأخذها عليّعليه‌السلام وأمهل حتّى قدم المدينة، فانطلق إلى البقيع، وهو سوق المدينة، فأمر صائغا ففصل

____________________

(١) فرع كل شئ أعلاه، والمراد بالنفيس العالي منهما.

٦١٤

القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب، وكان ألف مثال، ففرقه عليّعليه‌السلام في فقراء المهاجرين والانصار، ثم رجع إلى منزله، ولم يترك له من الذهب قليلا ولا كثيرا، فلقيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار، فقال: يا علي، إنك أخذت بالامر ألف مثقال، فاجعل غدائي اليوم وأصحابي هؤلاء عندك، ولم يكن عليّعليه‌السلام يرجع يومئذ إلى شئ من العروض(١) ذهب أو فضة، فقال حياء منه وتكرما: نعم يا رسول الله، وفي الرحب والسعة، ادخل يا نبي الله أنت ومن معك. قال: فدخل لنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال لنا: ادخلوا.

قال حذيفة: وكنا خمسة نفر، أنا وعمار وسلمان وأبو ذر والمقدادرضي‌الله‌عنهم ، فدخلنا ودخل علي على فاطمةعليها‌السلام يبتغي عندها شيئا من زاد، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور، وعليها عراق(٢) كثير، كأن رائحتها المسك، فحملها عليّعليه‌السلام حتّى وضعها بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن حضر معه، فأكلنا منها حتّى تملانا، ولا ينقص منها قليل ولا كثير، وقام النبيّعليه‌السلام حتّى دخل على فاطمةعليها‌السلام ، وقال: أنى لك هذا الطعام، يا فاطمة؟ فردت عليه ونحن نسمع قولهما فقالت:( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٣) .

فخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلينا مستعبرا، وهو يقول. الحمد لله الذي لم يمتني حتّى رأيت لابنتي ما رأى زكرياعليه‌السلام لمريم. كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها: يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول:( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .

١٢٧٢/٨ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن قيس بن مسكان أبوعمر المصيصي الفقيه من أصل كتابه، قال: حدّثنا

____________________

(١) العروض: جمع عرض، وهو المتاع وحطام الدنيا.

(٢) العراق: العظم جرد لحمه.

(٣) سورة آل عمران ٣: ٣٧.

٦١٥

عبدالله بن الحسين بن جابر أبومحمّد إمام جامع المصيصة، قال: حدثني عبد الحميد ابن عبدالرحمن بن بشير الحماني، قال: حدثني عبدالله بن قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: أصبح عليّعليه‌السلام ذات يوم ساغبا، فقال: يا فاطمة، هل عندك شئ تطعميني؟ قالت: والذي أكرم أبي بالنبوة، وأكرمك بالوصية، ما أصبح عندي شئ يطعمه بشر، وما كان من شئ أطعمك منذ يومين إلا شئ كنت اوثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين. قال: أعلى الصبيين! ألا أعلمتني فأتيكم بشئ؟ قالت: يا أبا الحسن، إني لاستحي من إلهي أن اكلفك ما لا تقدر.

فخرج واثقا بالله حسن الظن به، فاستقرض دينارا، فبينا الدينار في يد عليّعليه‌السلام إذ عرض له المقدادرضي‌الله‌عنه في يوم شديد الحر، قد لوحته الشمس من فوقه وتحته، فأنكر عليّعليه‌السلام شأنه، فقال: يا مقداد، ما أزعجك هذه الساعة؟ قال: خل سبيلي يا أبا الحسن، ولا تكشفني عما ورائي. قال: إنه لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك. قال: يا أبا الحسن، إلى الله ثم إليك أن تخلي سبيلي، ولا تكشفني عن حالي. فقال عليّعليه‌السلام : إنه لا يسعك أن تكتمني حالك. فقال: إذا أبيت، فوالذي أكرم محمّدا بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني إلا الجهد، ولقد تركت عيالي بحال لم تحملني لها الارض، فخرجت مهموما وركبت رأسي فهذه حالي. فهملت عينا عليّعليه‌السلام بالدموع حتّى أخضلت دموعه لحيته، ثم قال: أحلف بالذي حلفت به، ما أزعجني من أهلي إلا الذي أزعجك، ولقد استقرضت دينارا فخذه، فدفع الدينار إليه، وآثره به على نفسه.

وانطلق إلى أن دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلما قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب مر بعليّ بن أبي طالب وهو في الصف الاول، فغمزه برجله، فقام عليّعليه‌السلام مستعقبا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلم عليه، فرد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا أبا الحسن، هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك؟ فمكث

٦١٦

مطرقا لا بحير جوابا حياء من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه، وأين وجهه، وقد كان أوحى الله (تعالى) إلى نبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتعشى الليلة عند عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلما نظر رسول الله إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن، مالك لا تقول: لا، فانصرف، أو تقول: نعم، فأمضي معك؟ فقال حياء وتكرما: فاذهب بنا.

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة الزهراءعليها‌السلام وهي في مصلاها، قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رحلها خرجت من مصلاها، فسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد عليها السلام، ومسح بيده على رأسها، وقال لها: يا بنتاه، كيف أمسيت رحمك الله. قالت: بخير، قال: غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة، فوضعتها بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما نظر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى الطعام وشم رائحته، رمى فاطمةعليها‌السلام ببصره رميا شحيحا، فقالت له فاطمةعليها‌السلام : سبحان الله، ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟ قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي، وأنت تحلفين بالله مجتهدة، ما طعمت طعاما مذ يومين؟ قال: فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا. فقال لها: يا فاطمة، أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشم مثل ريحه قط، وما أكلت أطيب منه قط؟

قال: فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفه الطيبة المباركة بين كتفي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فغمزها، ثم قال: يا علي، هذا بدل دينارك، وهذا جزاء دينارك من عند الله( إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) ثم استعبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باكيا، ثم قال: الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتّى يجزيكما، ويجزيك يا علي

____________________

(١) سورة آل عمران ٣: ٣٧.

٦١٧

بمنزلة زكريا، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.

١٢٧٣/٩ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، باسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سألت أم سلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلا نظر الله إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذبه.

فقالت أم سلمةرضي‌الله‌عنه : زدني في النساء المساكين من الثواب بأبي أنت وأمي. فقال: يا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت كان لها من الاجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله (عزّوجلّ)، فإذا وضعت قيل لها: قد غفر لك ذنبك فاستأنفي العمل، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحرير رقبة من ولد إسماعيل.

١٢٧٤/١٠ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني احمد ابن إسحاق بن العباس أبوالقاسم الموسوي بديبل، قال: أخبرني أبي إسحاق بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد، قال: حدثني عليّ بن جعفر بن محمّد وعليّ بن موسى بن جعفر، هذا عن أخيه، وهذا عن أبيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أغزى علياعليه‌السلام في سرية وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريته، فقال رجل من الانصار لاخ له: اغز بنا في سرية علي، لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به، فبلغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله، فقال: إنما الاعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله، فقد وقع أجره على الله، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى.

١٢٧٥/١١ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا عليّ بن جعفر بن مسافر الهذلي بتنيس، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا محمّد بن يعلى، عن أبي نعيم عمر بن صبح الهروي، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال

٦١٨

ابن سبرة، عن عليّعليه‌السلام و عبدالله بن مسعود، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: من خرج يطلب بابا من علم ليرد به باطلا إلى حق أو ضلالة إلى هدى، كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاما.

١٢٧٦/١٢ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبومحمّد الحسن بن عليّ بن نعيم بن سهل بن أبان النعيمي الطائفي، وكان مجاورا بمكة، قال: حدّثنا عقبة بن المنهال بن بحر أبوزياد، قال: حدّثنا عبدالله بن جعفر الهاشمي، قال: حدّثنا المتفجع بن مصعب بن توبة بن ثبيت المزني، قال: حدّثنا جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن جده. قال: وحدّثنا عقبة بن المنهال بن بحر، قال: حدّثنا عبدالله بن حميد بن البناء، قال: حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جابر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جاءني جبرئيل من عند الله بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض. إني افترضت محبة علي على خلقي، فبلغهم ذلك عني.

١٢٧٧/١٣ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أبويعلى محمّد بن زهير القاضي بالابلة، قال: حدّثنا عليّ بن أيمن، قال: حدثني مصبح ابن هلقام أبوعلي العجلي، قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن قروزي بالرملة، قال: حدّثنا أبوأمية محمّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، قال: حدّثنا الحسن بن عطية، قال: كان أبي ينال من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأتي في المنام فقيل له: أنت الساب عليا؟ فخنق حتّى أحدث في فراشه ثلاثا، يعني صنع به ذلك في المنام ثلاث ليال.

١٢٧٨/١٤ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا محمّد ابن إبراهيم بن توزون، قال: حدّثنا أحمد بن داود بن موسى المكي بمصر، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الكسائي، قال: حدّثنا نوح بن دراج القاضي، عن ابن أبي ليلى، عن أبي جعفر المنصور، قال: كان عندنا بالشراة قاض إذا فرغ من قصصه ذكر علياعليه‌السلام فشتمه، فبينا هو كذلك إذ ترك ذلك يوما ومن الغد، فقالوا: نسي، فلما كان اليوم الثالث

٦١٩

تركه أيضا، فقالوا له وسألوه، فقال: لا والله لا أذكره بشتيمة أبدا، بينا أنا نائم والناس قد جمعوا فيأتون النبيّعليه‌السلام فيقول لرجل: اسقهم، حتّى وردت على النبيّعليه‌السلام فقال له: اسقه، فطردني فشكوت ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا رسول الله، مره فليسقني. قال: اسقه، فسقاني قطرانا، فأصبحت وأنا أتحشاه.

١٢٧٩/١٥ - وعنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا أحمد ابن جعفر بن محمّد بن أصرم البجلي بالكوفة، قال: حدّثنا محمّد بن عمارة الاسدي، قال: أخبرني يحيى بن ثعلبة، قال: وحدثني أبونعيم محمّد بن جعفر بن محمّد الحافظ بالرملة، قال: حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، قال: حدّثنا هشام بن محمّد بن السائب أبوالمنذر، قال: حدثني يحيى بن ثعلبة أبوالمقوم الانصاري، عن أمه عائشة بنت عبدالرحمن بن السائب، عن أبيها، قال: جمع زياد بن أبيه شيوخ أهل الكوفة وأشرافهم في مسجد الرحبة ليحملهم على سب أميرالمؤمنينعليه‌السلام والبراءة منه، وكنت فيهم، فكان الناس من ذلك في أمر عظيم، فغلبتني عيناي فنمت، فرأيت في النوم شيئا طويلا، طويل العنق، أهدل، أهدب(١) فقلت: من أنت؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة. قلت: وما النقاد؟ قال: طاعون بعثت إلى صاحب هذا القصر لاجتثه من جديد الاض، كما عتا وحاول ما ليس له بحق. قال: فانتبهت فزعا، وأنا في جماعة من قومي، فقلت: هل رأيتم ما رأيت؟ فقال رجلان منهم. رأينا كيت وكيت بالصفة، وقال الباقون: ما رأينا شيئا، فما كان بأسرع من أن خرج خارج من دار زياد، فقال: يا هؤلاء انصرفوا، فإن الامير عنكم مشغول، فسألناه عن خبره، فخبرنا أنه طعن في ذلك الوقت، فما تفرقنا حتّى سمعنا الواعية عليه، فأنشأت أقول في ذلك:

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم

بحملهم حين ناداهم إلى الرحبة

يدعو على ناصر الاسلام حين يرى

له على المشركين الطول والغلبة

ما كان منتهيا عما أراد بنا

حتّى تناوله النقاد ذو الرقبه

____________________

(١) الاهدل: المسترخي المشفر أو الشفة، والاهدب: الذي طال هدب عينيه، وكثرت أشفارهما.

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790

791

792

793

794

795

796

797

798

799