المناقب

المناقب14%

المناقب مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 417

المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66047 / تحميل: 7339
الحجم الحجم الحجم
المناقب

المناقب

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مسألة ٧٣٠ : لا يُقب ل إقرار الوكيل ، فلو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة ، أو المصالحة على مال ، أو بأنّ الحقّ مؤجَّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو قد زوّروا ، أو قد أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ المدّعى ، لم يُقبل ، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وابن أبي ليلى وزفر وأحمد(١) - لأنّ الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها ، فلا يملكه الوكيل فيها ، كالإبراء. ولأنّه غير وكيلٍ في الإقرار ، فلا يكون نائباً عنه ، وإخبار الغير عن حقّ الغير إن كان شهادةً سُمعت ، وإلّا فلا ، والإقرار إخبار.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : يُقبل إقراره إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص(٢) .

وقال أبو يوسف : يُقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره ؛ لأنّ الإقرار‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٣٢ ، مختصر المزني : ١١٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ - ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥١ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

١٢١

أحد جوابي الدعوى ، فصحّ من الوكيل في الخصومة ، كالإنكار(١) .

والفرق : أنّ الإنكار لا يقطع الخصومة ، ولا يسقط حقّ الموكّل منها ، بخلاف الإقرار ، ألا ترى أنّه يصحّ منه الإنكار في الحدود والقصاص ، ولا يصحّ منه الإقرار ، فنحن نقيس على أبي حنيفة على الحدود والقصاص ودعوى النكاح والطلاق والعفو عن القصاص ، فإنّه سلّم أنّه لا يملك الوكيل الإقرار في ذلك كلّه(٢) ، فنقيس المتنازع عليه. ولأنّ الوكيل لا يصالح ولا يبرئ ، فكذلك الإقرار. وكذا يُنقض عليه بما إذا أقرّ في غير مجلس الحكم لا يلزمه ، فكذا في مجلس الحكم. ولأنّ الوكيل لا يملك الإنكار على وجهٍ يمنع الموكّل من الإقرار ، فلو مَلَك الإقرار ، لامتنع على الموكّل الإنكار ، فافترقا.

فروع :

أ - لو وكّله في الإقرار ، ففيه خلاف ، واختار الشيخ جوازه(٣) . ولا استبعاد فيه. ويلزم الموكّل ما أقرّ به ، فإن كان معلوماً ، لزمه ذلك. وإن كان مجهولاً ، رجع في تفسيره إلى الموكّل دون الوكيل.

ب - لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء ، لم يلزم إقراره الموكّل على ما قلناه‌ ، لكن ينعزل الوكيل عن الوكالة. وكذا وكيل المدّعى عليه لو أقرّ بالحقّ في ذمّة موكّله ، لم يسمع في حقّه ، لكن تبطل وكالته بالإنكار ؛

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٤ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

١٢٢

لأنّه بعد الإقرار ظ الم في الخصومة بزعمه.

وللشافعيّة وجهان في بطلان وكالته(١) .

ج - هل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو مال ، أو عين أو دَيْن ، أو أرش جناية أو بدل مال؟ الأقرب عندي : عدم الاشتراط ، بل يصحّ التعميم.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

أمّا لو وكّله في خصومةٍ معيّنة وأبهم ، لم يصحّ.

د - الأقرب : عدم اشتراط تعيين مَنْ يخاصم معه.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

ه- الأقرب : إنّ الوكيل بالخصومة من جهة المدّعى [ عليه ] لا يُقبل منه تعديل بيّنة المدّعي(٤) ؛ لأنّه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة ، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّ تعديله وحده لا ينزّل منزلة إقرار الموكّل بعدالتهم ، لكن ردّه مطلقاً بعيد ؛ لأنّ التعديل غير مستفادٍ من الوكالة ، إلّا أن يوجّه بأنّه بالتعديل مقصّرٌ في الوكالة وتاركٌ حقَّ النصح(٦) .

مسألة ٧٣١ : لو وكّله في استيفاء حقٍّ له على غيره ، فجحده مَنْ عليه الحقّ وأمكن ثبوته عليه ، لم يكن للوكيل مخاصمته ولا محاكمته‌ ، ولا يثبت الحقّ عليه ؛ لأنّ الإذن إنّما انصرف إلى الاستيفاء ، وهذه طُرقٌ إليه مغايرة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من جهة المدّعي لا يقبل بيّنة المدّعى عليه ». والمثبت هو الموافق لما في المصدر من الهامش التالي.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٦) الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

١٢٣

له ، فلا يملكها ، و قد يرتضى للقبض مَنْ لا يرتضى للخصومة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد ، ورواه الحسن عن أبي حنيفة(١) - لأنّ الأمين قد لا يُحسن الخصومة ، فلا يرتضيه الموكّل في القبض لها.

والثاني : نعم ؛ لأنّه لا يتمكّن من الاستيفاء عند إنكار مَنْ عليه إلّا بالإثبات ، فليُمكَّن ممّا يتوسّل به إلى الاستيفاء(٢) ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الموكّل باستيفائه(٤) عيناً أو دَيْناً ، فإذا وكّله في قبض عينٍ فجحدها مَنْ هي في يده ، لم يكن وكيلاً في التثبيت أيضاً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن كان دَيْناً مَلَك الإثبات ، وإن كان عيناً لم يملكه ؛ لأنّه وكيل في النقل ، فلا يملك الإثبات ، كالوكيل في نقل الزوجة(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢.

(٤) في « ث ، ر » : « بالاستيفاء ». وفي « ج ، خ » : « بالاستيفاء به ».

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، وفي المغني ٥ : ٢١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ نسبة ذلك إلى بعض أصحاب أبي حنيفة.

١٢٤

والحقّ ما قلناه ؛ ف إنّ القبض في العين كالقبض في الدَّيْن ، فإذا جاز له الخصومة في الدَّيْن ، جاز له في العين ، بخلاف الزوجة ؛ لأنّ ذلك ليس بقبضٍ.

مسألة ٧٣٢ : إذا وكّله في تثبيت حقّه على خصمه ، لم يكن للوكيل القبضُ - وبه قال أحمد(١) - لأنّ القبض لم يتناوله الإذن نطقاً ولا عرفاً ؛ إذ ليس كلّ مَنْ يُرتضى للخصومة يُرتضى للقبض ، فإنّه قد يكون خائناً.

وللشافعيّة في استيفائه بعد الإثبات طريقان :

أحدهما : إنّ فيه وجهين أيضاً ، كالوجهين في أنّ الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن ؛ لأنّه من توابع الإثبات ومقاصده ، كقبض الثمن بالإضافة إلى البيع؟

وأظهرهما : القطع بالمنع ؛ لأنّ الاستيفاء يقع بعد الإثبات ، فليس ذلك نفس المأذون فيه ولا واسطته ، بخلاف العكس [ و ](٢) بخلاف مسألة قبض الثمن ؛ لأنّه إذا وكّله بالبيع ، أقامه مقام نفسه فيه ، وأنّه عقد يتضمّن(٣) عُهَداً(٤) منها : تسليم المبيع وقبض الثمن ، فجاز أن يُمكّن من قضاياه ، وأمّا الإثبات فليس فيه ما يتضمّن التزاماً(٥) .

قال بعض الشافعيّة : الخلاف في الصورة الثانية في الأموال ، أمّا القصاص والحدّ فلا يستوفيهما بحال(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في « ث ، خ » : « متضمّن ».

(٤) « عُهَد » جمعٌ ، واحدته : « عهدة » بمعنى الشرط.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ - ٢٣١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

١٢٥

وقال بعضهم : إنّه ع لى الوجهين(١) .

وإذا جمعت بين الأمرين : الاستيفاء والإثبات وقلت : الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني؟ حصل - عند الشافعيّة - في الجواب ثلاثة أوجُه ، لكنّ الظاهر عندهم أنّه لا يفيد واحد منهما الثاني(٢) .

فروع :

أ - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولا الإبراء منه‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك.

ب - قال بعض العامّة : لو كان الموكّل عالماً بجَحْد مَنْ عليه الحقّ ، أو مَطْله ، كان التوكيل في القبض توكيلاً في الخصومة والتثبيت ؛ لعلمه بوقوف القبض عليه(٣) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لاحتمال أن يرجع الغريم إلى الحقّ ، أو يستنيب الموكّل غير وكيل القبض وكيلاً في التثبيت بعد المطالبة وتصريح الجحود.

ج - قد عرفت أنّ الوكيل بالبيع لا يُسلّم المبيعَ قبل أن يقبض الموكّل(٤) أو وكيلُه الثمنَ ، فإن سلّمه قبله ، غرم للموكّل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواءً ، أو كان الثمن أكثر. وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل ، غرّمه جميع القيمة.

ويحتمل أن يحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، أصحّهما عندهم : الأوّل(٥) .

ولو باع بغبنٍ فاحشٍ بإذن الموكّل ، فقياس الوجه الثاني عندهم : إنّ

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٣) المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « المالك » بدل « الموكّل ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

١٢٦

المالك لا يغرّمه إلّا قدر الثمن ، ثمّ لو قبض الوكيل الثمنَ بعد ما غرم ، دَفَعه إلى الموكّل ، واستردّ الثمن(١) .

د - تُقبل شهادة الوكيل مع الشرائط على موكّله مطلقاً ، وتُقبل لموكّله في غير ما هو وكيلٌ فيه ، كما لو وكّله في بيع دارٍ فشهد له بعبدٍ.

ولو شهد فيما هو وكيلٌ فيه ، فإن كان ذلك قبل العزل ، لم تُقبل ؛ لأنّه متّهم حيث يجرّ إلى نفسه نفعاً ، وهو ثبوت ولاية التصرّف لنفسه.

وإن كان بعد العزل ، فإن كان قد خاصم الغريم فيه حالَ وكالته ، لم تُقبل أيضاً ؛ لأنّه متّهم أيضاً حيث يريد تمشية قوله وإظهار الصدق فيما ادّعاه أوّلاً.

وإن لم يخاصم ، سُمعت شهادته عندنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ الوجهين(٢) - لأنّه ما انتصب خصماً ، ولا يُثبت لنفسه حقّاً ، فكان كالأجنبيّ ، فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل.

وفي الثاني للشافعي : لا تُقبل أيضاً ، كما لو شهد قبل العزل(٣) .

والفرق ظاهر ، وهو أنّه قبل العزل يثبت لنفسه محلّ ولاية التصرّف.

وقال الجويني : هذه هي الطريقة المشهورة عند الشافعيّة ، وقياس المراوزة أن ينعكس ، فيقال : إن لم يخاصم ، تُقبل شهادته. وإن كان قد خاصم ، فوجهان. ورأى أنّ هذا التفصيل فيما إذا جرى الأمر على التواصل ، فأمّا إذا طال الفصل ، فالوجه : القطع بقبول الشهادة ، مع احتمالٍ فيه(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، البيان ١٣ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ - ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٧

مسألة ٧٣٣ : لو وكّل رجلين بالخصومة ولم يصرّح باستقلال كلّ واحدٍ منهما ، لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران ويتباصران(١) ، ويعضد كلّ واحدٍ منهما صاحبَه ، ويُعينه على ما فُوّض إليهما ، كما لو وكّل رجلين ببيعٍ أو طلاقٍ أو غيرهما ، أو أوصى إلى اثنين ، لم يكن لأحدهما الانفراد ، وهو أصحّ وجهي(٢) الشافعي.

والثاني : إنّ لكلّ واحدٍ منهما الاستقلال ؛ لعسر الاجتماع على الخصومة(٣) .

وكذا لو وكّل رجلين بحفظ متاعٍ ، حفظاه معاً في حرزٍ لهما ؛ لأنّ قوله : « افعلا كذا » يقتضي اجتماعهما على فعله ، وهو ممّا يمكن ، فتعلّق بهما ، بخلاف قوله : « بعتكما » حيث كان منقسماً بينهما ؛ لأنّه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع ، فانقسم بينهما ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إنّه ينفرد به كلّ واحدٍ منهما ، فإن قَبِل التقسيم قُسّم ليحفظ كلّ واحدٍ منهما بعضَه(٤) .

والحقّ ما قدّمناه ؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذنه ، فإذا أذن اتّبع حدّ إذنه.

مسألة ٧٣٤ : إذا وكّل اثنين في التصرّف فغاب أحدهما ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا للحاكم ضمّ أمينٍ إليه ليتصرّفا ؛ لأنّ الموكّل رشيد جائز التصرّف لا ولاية للحاكم عليه ، فلا يقيم الحاكم وكيلاً له بغير أمره ،

____________________

(١) في « ث » : « يتناصران ».

(٢) في « ث ، خ » : « قولَي » بدل « وجهي ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٨

بخلاف ما لو مات أحد الوصيّين حيث قال بعضهم بأنّ الحاكم يضيف إلى الوصي أميناً ليتصرّفا ؛ لكون الحاكم له النظر في حقّ الميّت واليتيم ، ولهذا لو لم يوص إلى أحدٍ أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم(١) .

فإن حضر أحد الوكيلين والآخَر غائب وادّعى الوكالة لهما وأقام البيّنة ، سمعها الحاكم ، وحَكَم بثبوت الوكالة لهما ، ولم يملك الحاضر التصرّف وحده ، فإذا حضر الآخَر تصرّفا معاً ، ولا يحتاج إلى إعادة البيّنة ؛ لأنّ الحاكم سمعها لهما مرّةً.

لا يقال : هذا حكم للغائب.

لأنّا نقول : الأصل الحكم للحاضر ، وأمّا الغائب فدخل ضمناً ، كما أنّه يحكم للوقف الذي ثبت لمن يخلق بَعْدُ لأجل مَنْ يستحقّه في الحال ، فكذا هنا.

ولو جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا نعلم فيه خلافاً. وجميع التصرّفات في هذا سواء.

وقال أبو حنيفة : إذا وكّلهما في خصومةٍ ، فلكلّ واحدٍ منهما الانفراد بها(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه لم يرض بتصرّف أحدهما ، فأشبه البيع والشراء.

مسألة ٧٣٥ : إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضرة الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه ، صحّت الوكالة ، فإذا قدّم الوكيل خصماً لموكّله بعد ذلك إلى الحاكم ، حَكَم الحاكم بعلمه عندنا - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - فيسمع‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٠ / ٩٩٤ ، المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) مختصر المزني : ٣٠٢ ، الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٧٠ ، الحاوي الكبير =

١٢٩

الحاكم دعواه على خصم موكّله.

وعند القائلين بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه لا يسمع دعواه حتى يشهد بوكالته شاهدان(١) .

وإن كان قد وكّله في غير حضور الحاكم وحضر عند الحاكم وادّعى وكالة موكِّله وأحضر شاهدين يشهدان له بالوكالة ، سمع الحاكم الشهادة بذلك ، وبه قال مالك والشافعي(٢) .

ولو أحضر خصماً وادّعى عليه الحقَّ لموكّله قبل ثبوت الوكالة ، لم يسمع الحاكم دعواه.

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع الشهادة على الوكالة ، إلّا أن يقدّم خصماً من خصماء الموكّل فيدّعي عليه حقّاً لموكّله ، فإذا أجاب المدّعى عليه حينئذٍ يسمع الحاكم البيّنةَ(٣) .

فحصل الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في فصلين :

أحدهما : إنّ عندنا يسمع الحاكم البيّنةَ من غير خصمٍ ، وعنده لا يسمع.

والثاني : إنّ عندنا لا تُسمع دعواه لموكّله قبل ثبوت وكالته ، وعنده‌

____________________

= ١٦ : ٣٢١ ، الإقناع في الفقه الشافعي : ١٩٦ ، التنبيه : ٢٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٠٤ ، الوسيط ٧ : ٣٠٨ ، الوجيز ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٨ : ١٤٢ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٨٦ ، أدب القضاء - لابن أبي الدم - : ٩٤ و ١٠٥ ، روضة الطالبين ٨ : ١٤١ ، منهاج الطالبين : ٣٣٩.

(١) راجع : المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، الذخيرة ٨ : ١٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ - ٥٥٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٣٠

تُسمع.

وأبو حنيفة بني ذلك على أصله ، وأنّ القضاء على الغائب لا يجوز ، وأنّ سماع البيّنة بالوكالة من غير خصمٍ قضاءٌ على الغائب ، وأنّ الوكالة من الحاضر لا تلزم الخصم ، فما لم يُجب عن دعوى الوكيل لم يكن رضاً بالوكالة(١) .

والشافعي وافقنا على ما قلناه ؛ لأنّه إثبات وكالةٍ ، فلم يفتقر إلى حضور الموكّل عليه ، كما إذا كان الموكّل [ عليه ](٢) جماعةً فأُحضر واحد منهم ، فإنّ الباقين لا يفتقر إلى حضورهم ، كذلك هنا الواحد.

وإنّما لم يسمع الحاكم الدعوى قبل ثبوت الوكالة ؛ لأنّ الدعوى لا تُسمع إلّا من خصمٍ إمّا عن نفسه أو عن موكّله ، وهذا لا يخاصم عن نفسه ، ولا يثبت أنّه وكيل لمن يدّعي له ، فلا تُسمع دعواه ، كما لو ادّعى لمن لم يدّع وكالته.

مسألة ٧٣٦ : إذا ادّعى أنّه وكيل فلان في خصومة فلان ، فإن كان المقصود بالخصومة حاضراً وصدّقه ، ثبتت الوكالة ، وله مخاصمته على إشكالٍ. وإن كذّبه ، أقام البيّنة على الوكالة ، فلا يحتاج إلى أن يدّعي حقّاً لموكّله على الخصم ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع البيّنة على الوكالة حتى يدّعي عليه حقّاً لموكّله فينكر(٤) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٩ - ١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٣١

وإن كان غائباً وأقا م البيّنةَ على الوكالة ، سمعها وأثبتها ، ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في إثبات الوكالة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تُسمع البيّنة إلّا في وجه الخصم ، بناءً على امتناع القضاء على الغائب(١) . وقد تقدّم(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا بدّ وأن ينصب القاضي مسخراً(٣) ينوب عن الغائب ، ليقيم المدّعي البيّنةَ في وجهه(٤) . وهو مخالف لباقي الشافعيّة.

ثمّ قال : وقد اصطلح القُضاة على أنّ مَنْ وكّل في مجلس القضاء وكيلاً بالخصومة ، يختصّ [ التوكيل ](٥) بالخصومة في ذلك المجلس(٦) .

قال الجويني : والذي يعرفه أصحاب الشافعي أنّه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ، ولا نعرف للقُضاة العرف الذي ادّعاه(٧) .

مسألة ٧٣٧ : لو وكّل رجلاً عند القاضي بالخصومة عنه وطلب حقوقه ، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً اعتماداً على العيان. فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناءً على اسمٍ ونسبٍ يذكره ولم يكن معروفاً عند الحاكم ، فلا بدّ من إقامة البيّنة على أنّ فلان بن فلان وكّله ، أو على أنّ الذي وكّله عند الحاكم هو فلان بن فلان.

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٥ / ١٨٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٨ / ١٧٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٢) في ص ١٢٩ و ١٣٠.

(٣) السخرة : ما تسخّرت من دابّة أو خادم بلا أجر ولا ثمن. لسان العرب ٤ : ٣٥٣ « سخر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والمثبت من المصدر.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

١٣٢

وبالجملة ، لا بدّ و أن يعرف الموكّل شاهدان يعرفهما القاضي ويوثّقهما إمّا بمعرفته بعدالتهما أو بحضور اثنين يزكّيانهما أو أكثر.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ القُضاة عادتهم التساهل في هذه البيّنة بالعدالة الظاهرة ، وترك البحث والاستزكاء ، تسهيلاً على الغرماء(١) .

وهو خطأ عندنا.

وقال بعضهم أيضاً : يمكن أن يكتفي بمعرِّفٍ واحد إذا كان موثوقاً به ، كما في تعريف المرأة في تحمّل الشهادة عليها يحصل بمعرِّفٍ واحد ؛ لأنّه إخبار وليس بشهادة(٢) .

وهو خطأ عندنا أيضاً ، بل لا بدّ في التعريف من عَدْلين.

مسألة ٧٣٨ : إذا وكّله في شراءٍ فاسد أو عقدٍ باطل ، مثل أن يقول : اشتر لي شيئاً إلى مقدم الحاج ، أو مجي‌ء الغلّة ، أو : بِعْ كذلك ، لم يملك هذا العقد ؛ لأنّ الله تعالى لم يأذن في الفاسد ، ولأنّ الموكّل لا يملكه فالوكيل أولى.

ولا يملك الصحيح عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، يكون فضوليّاً قد فَعَل غير المأذون فيه. ولأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، لم يلزم ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير. ولأنّه أذن له في محرَّمٍ ، فيكون الإذن محرّماً ، فلا يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٣) التنبيه : ١٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

١٣٣

لم يملك شراء الخَلّ والغنم.

وقال أبو حنيفة : يملك بذلك الشراءَ الصحيح ؛ لأنّ الشراء الفاسد يملك عقده ، فإذا عقد له عقداً صحيحاً فقد مَلَكه بما هو أولى(١) .

وهو ممنوع ، على أنّ البيع الصحيح يملك به ، والفاسد لا يملك بالعقد فيه ، وإنّما يملك بالقبض ملكاً غير لازمٍ.

مسألة ٧٣٩ : لو وكّله بالصلح عن الدم على خمرٍ ففَعَل ، حصل العفو‌ ، كما لو فَعَله الموكّل بنفسه ؛ لأنّ الصلح على الخمر وإن كان فاسداً فيما يتعلّق بالعوض ولكنّه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص ، فيصحّ التوكيل فيما لو فَعَله الموكّل بنفسه لصحّ ، لا أنّا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد.

ولو وكّله بالصلح عن القصاص على خمرٍ فصالح على خنزير ، فهو لغو ، ويبقى القصاص مستحقّاً على ما كان عليه قبل الصلح ؛ لأنّه مستبدّ بما فَعَل غير موافقٍ أمرَ الموكّل ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه كما لو عفا على خمر ؛ لأنّ الوكالة بالصلح تامّة ، والخمر لا تثبت وإن ذكرت ، وإنّما تثبت الدية ، فلا فرق فيما يصحّ ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير. وعلى هذا لو صالح على ما يصلح عوضاً كالعبد والثوب ، أو على الدية نفسها ، يجوز(٢) .

ولا خلاف بينهم في أنّه لو جرى هذا الاختلاف بين الموجب والقابل في الصلح ، يلغو ؛ لعدم انتظام الخطاب والجواب(٣) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٥٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٥ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١٣٤

ولو وكّله بأن يخالع زوجته على خمر ، فخالَع على خمر أو خنزير ، فعند الشافعيّة أنّه على ما تقدّم في الصلح عن الدم(١) .

المطلب الثاني : في حكم العهدة

مقدّمة : قد بيّنّا أنّه يجوز التوكيل بجُعْلٍ وبغير جُعْل ، فإذا وكّله على البيع أو الشراء أو غير ذلك وجَعَل له جُعْلاً ، كان للوكيل المطالبة بجُعْله قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن ؛ لأنّ الأُجرة مستحقّة بالبيع أو الشراء ، وليس التسليم شرطاً في ذلك.

وكذا لو وكّله في حجٍّ أو غيره ، استحقّ الأُجرة بنفس العمل.

وإنّما تقف الأُجرة على تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة ، كالحياكة والخياطة(٢) والصياغة(٣) وأشباه ذلك ، فإذا استأجره على نساجة ثوبٍ أو خياطته أو قصارته فإذا سلّمه إلى المستأجر معمولاً ، فله الأجر.

ولو كان العمل في دار المستأجر فكلّما عمل شيئاً ، وقع مقبوضاً ، فيستحقّ الخيّاط الجُعْل إذا فرغ من الخياطة.

أمّا في مسألتنا فقد استحقّ الأُجرة بالبيع ، فلا يقف ذلك على تسليم الثمن.

أمّا لو قال : وكّلتك في بيع مالي فإذا سلّمتَ الثمن إلَيَّ فلك كذا وكذا ، فإنّه يقف استحقاقه على التسليم ؛ لأنّه شرطه في الاستحقاق ، بخلاف الأوّل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٢) في « ج ، ر » : « كالخياطة والحياكة ».

(٣) في « ث ، ر » : « الصباغة ».

١٣٥

مسألة ٧٤٠ : الوكيل أمين ويده يد أمانةٍ لا يضمن ما يتلف في يده ، إلّا بتفريطٍ منه أو تعدٍّ فيه ، فإن تلف ما قبضه من الديون أو الأثمان أو الأعيان من الموكّل أو غرمائه ، فلا ضمان عليه ، سواء كان وكيلاً بجُعْلٍ أو بغير جُعْلٍ. فإن تعدّى فيه - كما لو ركب الدابّة ، أو لبس الثوب ، أو فرّط في حفظه - ضمن إجماعاً.

وكذا باقي الأمانات ، كالوديعة وشبهها.

وبالجملة ، الأيدي على ثلاثة أقسام :

يد أمانة ، كالوكيل والمستودع والشريك وعامل المضاربة والوصي والحاكم وأمين الحاكم والمرتهن والمستعير على وجهٍ يأتي.

ويد ضامنة ، كالغاصب والمستعير على وجهٍ والمساوم والمشتري شراءً فاسداً والسارق.

ويد مختلف فيها ، وهو يد الأجير المشترك ، كالقصّار والصائغ والحائك والصبّاغ وما أشبه ذلك.

وفيها للشافعيّة قولان(١) .

وعندنا أنّها يد أمانة.

إذا عرفت هذا ، فكلّ يد أمانة لا ضمان على صاحبها إلاّ بتعدٍّ أو تفريطٍ ؛ لأنّه لو كُلّف الضمان لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها ، فيلحقهم الضرر ، فاقتضت الحكمة زوال الضمان عنهم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٣٧ ، الوسيط ٤ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٤٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٦٦ ، البيان ٦ : ٤١١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤٧ - ١٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٩٩ ، المغني ٦ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٦ : ١٣٥ - ١٣٦.

١٣٦

مسألة ٧٤١ : إذا تعدّي الوكيل أو فرَّط - مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكّل إليه ليبيعه ، أو ركب الدابّة - ضمن إجماعاً ، سواء تلفت العين بذلك التصرّف أو بغيره. ولا تبطل وكالته بمجرّد التعدّي ، فله بيع الثوب بعد لُبْسه ، والدابّةِ بعد ركوبها - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الوكالة تضمّنت شيئين : الأمانة والإذن في التصرّف ، فإذا تعدّى ، زالت الأمانة وبقي الإذن بحاله. ولأنّ الوكالة أمانةٌ وإذنٌ في التصرّف ، والأمانة حكمٌ يترتّب عليه ، فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد ، كما أنّ الرهن لمّا كان المقصود منه التوثيق ومن حكمه الأمانة ، لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن ، بخلاف الوديعة ؛ فإنّها أمانة محضة ، فلا يبقى مع التعدّي.

والثاني : إنّه تبطل الوكالة ؛ لأنّها أمانة ، فترتفع بالتعدّي ، كالوديعة(٢) .

وقد بيّنّا بطلانه.

فعلى ما اخترناه من صحّة تصرّفه إذا باع وسلَّم العين إلى المشتري ، زال الضمان عنه إجماعاً ؛ لاستقرار ملك المشتري عليه ، وزوال ملك الموكّل عنه ، وقد أخرجه من يده بإذن المالك.

فروع :

أ - هل يخرج من الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم؟ الأقرب : عدم الخروج ؛ لأنّه ربما يبطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري ، فيكون التلف على ملك الموكّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٣ - ١٥٤ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤ - ٥٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٤.

١٣٧

والثاني : إنّه يخرج من ضمان عهدته ؛ لزوال ملك الموكّل عنه بالبيع ، ودخوله في ملك المشتري وضمانه(١) .

ونحن فيه من المتردّدين.

ب - إذا(٢) باع ما فرّط فيه وقبض الثمن ، كان الثمن أمانةً في يده غير مضمونٍ عليه وإن كان أصله مضموناً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه ، وقد قبضه بإذن الموكّل ، فيخرج عن العهدة.

ج - لو دفع إليه مالاً ووكّله في شراء شي‌ء به ، فتعدّى في الثمن ، صار ضامناً له ، فإذا اشترى به وسلّم ، زال الضمان.

وهل يزول بمجرّد الشراء به؟ وجهان تقدّما(٣) .

وإذا قبض المبيع ، كان أمانةً في يده.

د - لو تعدّى في العين ثمّ باعها وسلّمها ، زال الضمان على ما تقدّم(٤) ، فإذا ردّها المشتري عليه بعيبٍ ، عاد الضمان.

مسألة ٧٤٢ : لو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً - مثلاً - فتصرّف فيها على أن تكون قرضاً عليه ، صار ضامنا ؛ لتعدّيه بالتصرّف ، وليس له أن يشتري للموكّل بدراهم من نفسه ولا في الذمّة ، فإن فَعَل ونسب الشراء إلى الموكّل أو نواه ، كان فضوليّاً فيه إن أجاز الموكّل صحّ ، وإلّا بطل. وإن لم ينوه ولا سمّاه ، وقع عنه.

ولو عادت الدراهم التي أنفقها إلى يده فأراد أن يشتري بها للموكّل‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ث ، ج » : « لو » بدل « إذا ».

(٣) في الفرع « أ ».

(٤) في ص ١٣٦ ، ذيل المسألة ٧٤١.

١٣٨

ما أمره ، كان له ذلك ؛ لأنّ الوكالة لا تبطل بالتعدّي.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما كما قلناه.

والثاني : إنّ الوكيل ينعزل بتعدّيه ، فليس له الشراء حينئذٍ ، فإذا اشترى شيئاً ، لم يكن مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه. ولو ردّ ما اشتراه بعيبٍ واستردّ الثمن ، عاد مضموناً عليه(١) .

مسألة ٧٤٣ : إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده ، ولا يلزمه تسليمه إليه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره ؛ لأنّه رضي بكونه في يده حيث وكّله في القبض ، ولم يرجع عن ذلك ، فإن طلبه الموكّل فأخّر ردّه ، فإن كان لعذرٍ لم يضمن ، ويجب عليه مع أوّل وقت الإمكان وإن لم يجدّد الطلب ، فإن أخّر ضمن. وإن كان تأخيره لا لعذرٍ(٢) ، كان ضامناً كالمودع ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٧٤٤ : إذا وكّله في الشراء ، فإن اشترى ما أمره به على الوجه الذي أمره به ، وقع الملك للموكّل ، وانتقل من البائع إلى الموكّل ، ولا ينتقل إلى الوكيل بحالٍ عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي في أصحّ قولَيْه ، وأحمد(٣) - لأنّ الوكيل قَبِل عقداً لغيره ، فوجب أن ينتقل الملك إلى ذلك الغير دونه ، كالأب والوصي.

وقال أبو حنيفة : إنّه يقع للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموكّل ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ج ، ر » : « لغير عذر » بدل « لا لعذر ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢١١ - ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٣٩

حقوق العقد تتعلّق با لوكيل ؛ بدليل أنّه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ، ولم ينتقل إلى الموكّل(١) . ولأنّ الخطاب إنّما جرى مع الوكيل وأحكام العقد تتعلّق به(٢) .

ونمنع تعلّق حقوق العقد بالوكيل ، والخطاب وقع له على سبيل النيابة للغير.

وينتقض ما ذكره بشراء الأب للطفل ابتداءً.

ثمّ نقول : لو ثبت الملك للوكيل لكان إذا وكّله في شراء أب الوكيل فاشتراه ، وجب أن يعتق عليه ؛ لدخوله في ملكه ، وليس كذلك ، بل يملكه الموكّل.

وألزمتُ بعضَ الحنفيّة بذلك ، فأجاب بأنّه في الزمن الأوّل يقع للوكيل ، وفي الزمن الثاني ينتقل إلى الموكّل ، فألزمتُه بأنّه بِمَ يرجّح الانتقال في الزمن الثاني إلى الموكّل دون العتق؟

مسألة ٧٤٥ : إذا وكّل المسلم ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير ، فاشتراه له ، لم يصح الشراء عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه بنفسه لا يجوز أن يوكّل فيه الذمّي ، كالعقد على المجوسيّة ، وبهذا خالف سائر الأموال.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إلى ملك الموكّل ».

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٧ - ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٤ ، روضة القضاة ٢ : ٦٤٥ / ٣٦٣١ و ٣٦٣٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغنى ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

واشهد ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام قاتلهم وانا معه فامر بذلك الرجل فالتمس فاتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي نعته(١) .

٢٤٣ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرني أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني بالكوفة من اصل كتابه ، حدثنا أحمد بن حازم ، عن أبي عروة ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، حدثنا الاعمش ، عن اسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد ، حدثنا ابن أبي غرزة ، حدثنا عبيدالله بن موسى أخبرنا فطر بن خليفة ، عن اسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانقطعت نعله فخلف علياعليه‌السلام يصلحها ، فمشى قليلا ثم قال : ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، فقال أبو بكر ، أنا هو؟ قال لا ، قال عمر : انا هو؟ قال لا ، ولكن خاصف النعل يعنى علياعليه‌السلام فأتيناه فبشرناه فلم يرفع برأسه كأنه كان قد سمعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

٢٤٤ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثني موسى بن مسعود ، حدثني عكرمة بن عمار ، عن سماك ابن زميل الدؤلى وقد كان يهوى نجدة قال : قال ابن عباس : لما اعتزلت الخوارج دخلوا دارا وهم ستة آلاف ، واجمعوا على ان يخرجوا على علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ معه ] يعني مع

__________________________________________

(١) صحيح البخاري الجزء الرابع / ٢٠٠ وصحيح مسلم الجزء الثالث كتاب الزكاة / ١١٢ كنز العمال ١١ / ٣٠٧ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٢٦٥ - خصائص النسائي / ٣٠٥.

(٢) فضائل الصحابة لابن حنبل ٢ / ٦٣٧ - اسد الغابة ٤ / ٣٢ مع اختلاف يسير - مستدرك الصحيحين ٣ / ١٢٢ - ونظيره في حلية الاولياء لابي نعيم ١ / ٦٧.

٢٦١

عليعليه‌السلام قال وكان لا يزال يجيء انسان فيقول : يا أمير المؤمنين ان القوم خارجون عليك ، فيقول : دعوهم فانى لا اقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون ، فلما كان ذات يوم أتيته قبل صلاة الظهر فقلت له : يا أمير المؤمنين ابرد بالصلاة(١) لعلي ادخل على هؤلاء القوم ، فأكلمهم فقال : انى اخافهم عليك ، فقلت : كلا وكنت رجلاً حسن الخلق لا اوذى احداً فأذن لى فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمنية وترجلت ودخلت عليهم نصف النهار فدخلت على قوم لم ار قوماً قط أشد منهم اجتهاداً ، جباههم قرحة من السجود وايديهم كأنها ثفن الابل ، وعليهم قمص مرخصة مشمرين ، مهشمة وجوههم من السهر ، فسلمت عليهم فقالوا مرحبا يابن عباس ، ما جاء بك قلت أتيتكم من عند المهاجرين والانصار من عند صهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي وعليهم نزل القرآن وهو أعلم بتأويله منكم ، فقالت طائفة منهم لا تخاصموا قريشاً فان الله عزوجل قال : « بل هم قوم خصمون »(٢) قال اثنان أو ثلاثة لنكلمنه ، فقلت هاتوا ما نقمتم على صهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمهاجرين والانصار وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم احد وهم اعلم بتأويله منكم ، قالوا ثلاثاً ، قلت هاتوا ، قالوا اما احداهن فانه حكم الرجال في امر الله وقد قال الله عزوجل : « إن الحكم إلا لله »(٣) فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عزوجل ، فقلت هذه واحدة ، فما [ الثانية ]؟ قالوا اما الثانية فانه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فلئن كانوا مؤمنين ما حل لنا قتالهم وسباهم؟ فقلت : وماذا الثالثة؟ قالوا انه محا نفسه من أمير المؤمنين فان لم يكن أمير المؤمنين فانه لأمير الكافرين ، قلت هل عندكم غير هذا؟ قالوا كفانا هذا ، قلت لهم : اما قولكم حكم الرجال في امر الله فانا اقرأ عليكم في كتاب الله عزوجل ما ينقض قولكم ، اترجعون؟ قالوا : نعم ، قلت فان الله قد

__________________________________________

(١) أي خفف الصلاة.

(٢) الزخرف : ٥٨.

(٣) الانعام : ٥٧ - يوسف : ٤٠ و ٦٧.

٢٦٢

صير من حكمه إلى الرجال في ربع درهم ثمن ارنب ، وتلا هذه الايه : « لا تقتلوا الصيد وانتم حرم » إلى قوله « يحكم به ذوا عدل منكم »(١) وقال في المرأة وزوجها : « وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها »(٢) الآية : فناشدتكم الله هل تعلمون حكم الرجال في اصلاح ذات بينهم وفي حقن دمائهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة ، فايهما ترون أفضل؟ قالوا : بل هذه ، قلت خرجت من هذه؟ قالوا : نعم ، قلت : واما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم افتسبون أمكم عائشة؟ فوالله ان قلتم ليست بأمنا ، لقد خرجتم من الاسلام ، والله ولئن قلتم نسبيها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الاسلام وانتم بين ضلالتين ، ان الله عزوجل قال : « النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه أمهاتهم »(٣) فان قلتم ليست بأمنا لقد خرجتم من الإسلام ، اخرجت من هذه؟ قالوا : نعم ، قلت واما قولكم محى نفسه من أمير المؤمنين فأنا آتيكم بما(٤) ترضون ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية كاتب المشركين أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وقال يا علي : اكتب « هذا ما صالح عليه محمد رسول الله » فقال المشركون : والله ما نعلم أنك رسول الله ، ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أللهم انك تعلم اني رسولك ، امح يا علي ، اكتب « هذا ما كاتب عليه محمد بن عبد الله » فوالله لرسول الله خير من علي ، فلقد محى نفسه ، قال فرجع منهم الفان وخرج سائرهم فقتلوا(٥) .

٢٤٥ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو بكر محمد بن

__________________________________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) النساء : ٣٥.

(٣) الاحزاب : ٦.

(٤) في المخطوطتين : عن ترضون.

(٥) مستدرك الصحيحين ٢ / ١٥٠ - تاريخ ابن عساكر ترجمة الامام علي عليه‌السلام ٣ / ١٩١ - خصائص النسائي / ٣٢٦.

٢٦٣

الحسين بن علي بن المؤمل ، أخبرنا أبو أحمد الحافظ ، أخبرنا أبو عروبة ، حدثنا اسماعيل بن يعقوب ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد الله بن عيسى ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني : ان علياًعليه‌السلام خطب أهل الكوفة فقال : يا أهل الكوفة لولا أن تبطروا(١) لحدثتكم بما وعدكم الله على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين تقتلونه ، منهم المخدج اليد وهو صاحب الثدية ، فوالله لا يقتل منكم عشرة ولا يفلت منهم عشرة ، فاطلبوه فطلبوه فلم يقدروا عليه ثم قال : اطلبوه والله ما كذبت ولا كذبت ، فطلبوه فوجدوه منكباً على وجهه في جدول من تلك الجداول ، فأخذوا برجله فجروه فأتوا به أمير المؤمنين رضي الله عنه فكبر وحمد الله وخر ساجداً ومن معه من المسلمين(٢)

__________________________________________

(١) البطر : التجبر وشدة النشاط.

(٢) فضائل الصحابة ٢ / ٦١٢ - تاريخ بغداد ١١ / ١١٨ وفي ١ / ١٧٤ روى جزأ منه مسند احمد ١ / ١١٣ و ١٢١ و ١٢٢ - خصائص النسائي / ٣٢٢ - كنز العمال ١١ / ٢٩٦ مع اختلاف.

٢٦٤

الفصل السابع عشر

في بيان ما نزل من الآيات في شأنه

٢٤٦ - أخبرنا الإمام الأجل شمس الائمة سراج الدين أبو الفرج محمد بن أحمد المكي - أدام الله سموه - أخبرنا الشيخ الامام الزاهد أبو محمد اسماعيل بن علي بن اسماعيل ، حدثنا السيد الاجل الامام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الموفق بالله ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن علي المؤدب المعروف بالمكفوف بقراءتي عليه - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر ، أخبرني الحسين بن محمد بن أبي هريرة ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا محمد بن الاسود ، عن مروان بن محمد ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ان منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس ، وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقنا رفضونا وآلوا(١) على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يواكلونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا ، فقال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون »(٢) ثم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع ، وبصر بسائل فقال له النبي

____________________________________

(١) آلو : حلفوا واقسموا.

(٢) المائدة : ٥٥.

٢٦٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل أعطاك احد شيئا؟ قال : نعم ، خاتماً من ذهب. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من اعطاك؟ قال : ذلك القائم واومى بيده إلى عليعليه‌السلام ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : على أي حال اعطاك هو؟ قال : اعطاني وهو راكع فكبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قرأ : « ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون »(١) (٢) فانشأ حسان بن ثابت يقول في ذلك :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطيء في الهدى ومسارع

ايذهب مدحيك والمحبر ضائعاً

وما المدح في حب الاله بضائع(٣)

فانت الذي اعطيت إذ كنت راكعا

فدت-ك نفوس القوم ياخير راكع

فانزل فيك الله خير ولاية

فبينها في محكمات الشرائع(٤)

٢٤٧ - وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب الي من همدان - أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني اجازة ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري - رضي الله عنه وارضاه في داره باصبهان في سكة الخوز - أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني ، حدثنا أحمد بن محمد بن السري ، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، حدثني أبي ، حدثني عمي الحسين بن سعيد ، عن أبيه ، عن اسماعيل بن زياد البزاز ، عن إبراهيم بن مهاجر ، حدثني يزيد بن شراحيل الانصاري - كاتب عليعليه‌السلام - قال : سمعت علياعليه‌السلام يقول : حدثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانا مسنده إلى صدري فقال : أي علي الم تسمع قول الله

__________________________________________

(١) المائدة : ٥٦.

(٢) تفسير الطبري ٦ / ١٨٦ و ١٨٧.

(٣) في فرائد السمطين في جنب الاله

(٤) رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ١٨١ - وفرائد السمطين للجويني ١ / ١٨٩ - تفسير الدر المنثور ٢ / ٢٩٣ - وللمزيد انظر العمدة لابن البطريق من تحقيقنا / ١١٩ إلى ١٢٥.

٢٦٦

تعالى : « ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية »(١) أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الامم للحساب تدعون غراً محجلين(٢) .

٢٤٨ - وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا القاضي الامام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أبويحيى عبد الرحمان بن سلم الرازي الاصبهاني ، حدثنا يحيى بن حريش ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن عمر ، قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون » فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخل المسجد والناس يصلون ما بين راكع وقائم ، وإذا سائل ، قال له : يا سائل اعطاك احد شيئاً؟ قال : لا ، الا هذا الراكع لعلي اعطاني خاتما(٣) .

٢٤٩ - وأنبأني أبو العلاء الحافظ الحسن بن أحمد العطار الهمداني اجازة ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحافظ ، حدثنا محمد بن عمر بن غالب ، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة ، حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه

__________________________________________

(١) البينة : ٧.

(٢) شواهد التنزيل للحسكاني ٢ / ٣٥٦ - تفسير الدر المنثور ٦ / ٣٧٩ وكفاية الطالب / ٢٤٦.

(٤) حديث مشهور وله مصادر كثيرة منها : تفسير الثعلبي المخطوط الورق / ٧٤ - مناقب ابن المغازلي / ٣١١ - تاريخ ابن عساكر ترجمة الامام علي عليه‌السلام ٢ / ٤٠٩.

٢٦٧

وآله : ما أنزل الله آية فيها « يا أيها الذين آمنوا » إلا وعلي رأسها وأميرها(١) .

٢٥٠ - وأخبرني الشيخ الامام أبو محمد العباس بن محمد بن أبي منصور الغضارى الطوسي - فيما كتب إلى من نيسابور - أخبرنا القاضي أبو سعيد محمد ابن سعيد بن محمد بن الفرخزادي ، أخبرنا الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد ابن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد الشيباني العدل ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الخوارزمي - ابن عم الاحنف بن قيس - حدثنا أحمد بن حماد المروزي ، حدثني محبوب بن حميد البصري - وسأله عن هذا الحديث روح بن عبادة - بن حامد - [ حدثني القاسم بن بهرام ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : قال الامام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي ، وأخبرنا أيضا عبد الله بن حامد أخبرني ](٢) أحمد بن عبد الله المزني ، حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سهيل بمن علي بن مهران الباهلي بالبصرة ، حدثنا أبو مسعود عبد الرحمان بن فهر بن هلال ، حدثني القاسم بن يحيى ، عن أبي علي العنزي ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى : « يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا »(٣) قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أبو بكر وعمر ، وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً - وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء - فقال عليعليه‌السلام : إن بريء ولداي مما بهما ، صمت لله ثلاثة أيام شكراً.

وقالت فاطمة : إن برئ ولداى مما بهما ، صمت لله ثلاثة أيام شكراً ،

__________________________________________

(١) حلية الاولياء ١ / ٦٤ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ١ / ٥١ - فضائل الصحابة ٢ / ٦٥٤ - تاريخ ابن عساكر ترجمة الامام علي عليه‌السلام ٢ / ٤٠٩.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في [ و ].

(٣) الانسان : ٧.

٢٦٨

وقالت جارية يقال لها فضة : إن برأ سيداي مما بهما ، صمت ثلاثة أيام شكراً ، فألبس الغلامان العافية وليس عند آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليل ولا كثير ، فانطلق عليعليه‌السلام إلى شمعون بن جابا الخيبري - وكان يهوديا - فاستقرض منه ثلاثة اصوع من شعير.

٢٥١ - وفي حديث المزني عن ابن مهران الباهلي : فانطلق عليعليه‌السلام إلى جار له من اليهود يعالج الصوف ، يقال له شمعون بن جابا ، فقال : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة اصوع من شعير؟ قال : نعم ، فأعطاه ، فجاء بالشعير والصوف فاخبر فاطمةعليها‌السلام بذلك فقبلت وأطاعت ، قالوا فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرصا وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين ، اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه علي رضي الله عنه فبكى فانشأ يقول :

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين(١)

يشكو إلى الله ويستكين

يشكو الينا جائعا حزين

كل امرئ بكسبه رهين

وفاعل الخيرات

يستبين موعده جنة عليين

حرمها الله على الضنين

وللبخيل موقف مهين

تهوى به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

فانشأت فاطمةعليها‌السلام تقول :

__________________________________________

(١) حن حنيناً : صوت لا يسما عن طرب أو حزن.

٢٦٩

امرك يابن عم سمع وطاعة

ما بي من لؤم ولا ضراعة

غذيت من خبز له صناعة

اطعمه ولا ابالي الساعة

ارجو إذا اشبعت ذا مجاعة

ان ألحق الاخيار والجماعة

وادخل الخلد ولي شفاعة

قال : فاعطوه الطعام باجمعه ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما ان كان اليوم الثاني قامت فاطمةعليها‌السلام إلى صاع فطحنته واختبزته ، وصلى عليعليه‌السلام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، يتيم من اولاد المهاجرين ، استشهد والدي يوم العقبة ، اطعموني اطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه عليعليه‌السلام فانشأ يقول :

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم

قد حرم الخلد على اللئيم

يزل في النار إلى الجحيم

شرابه الصديد(١) والحميم

قال فانشأت فاطمةعليها‌السلام تقول :

اني لأعطيه ولا ابالي

وأوثر الله على عيالي

امسوا جياعاً وهم اشبالي

اصغرهما يقتل في القتال

بكر بلا يقتل باغتيال

للقاتل الويل مع الوبال

تهوى به النار إلى سفال

مصفد اليدين بالاغلال

كبوله زادت على الاكبال(٢)

__________________________________________

(١) الصديد : هو الدم والقيح الذي يسيل من الجسد - لسان العرب.

(٢) الكبول : القيود.

٢٧٠

قال : فاعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما كان في(١) اليوم الثالث قامت فاطمةعليها‌السلام إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، وصلى عليعليه‌السلام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم اسير ، فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا ، اطعموني فاني اسير محمد اطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه عليعليه‌السلام فانشأ يقول :

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيد مسود

هذا اسير للنبي المهتد

مكبلاً في غله مقيد

يشكوا الينا الجوع قد تمرد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فاطعمي من غير من أنكد

حواست جمع كن

قال فانشأت فاطمةعليها‌السلام تقول :

لم يبق مما جئت غير صاع

قد دميت كفي مع الذراع

ابناي والله من الجياع

ابوهما للخير ذو اصطناع

يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين طويل الباع(٢)

وما على رأسي من قناع

إلا قناع نسجه من صاع(٣)

قال فاعطوه ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلما كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم ، اخذ عليعليه‌السلام بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسينعليه‌السلام واقبل نحو رسول الله صلى الله عليه

__________________________________________

(١) كذا في الاصلين ولكن « في » زائدة.

(٢) عبل الذراعين : طويلهما الباع : قد رمد اليدين ، طويل الباع : كريم مقتدر.

(٣) هذا هو الصحيح وفي المخطوط : « نسجه النساع » ومعناه غير واضح وان امكن حمله على معنى صحيح.

٢٧١

وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا أبا الحسن ما اشد ما يسوءني ما أرى بكم؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عيناها ، فلما رآها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : واغوثاه بالله ، أهل بيت محمد يموتون جوعا! فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال : يا محمد خذ هنأك الله في اهل بيتك ، قال : وما آخذ يا جبرئيل؟ فاقرأه « هل أتى على الانسان » إلى قوله : « انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً » إلى آخر السورة.

وزادني ابن مهران الباهلي في هذا الحديث : فوثب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى دخل على فاطمة ، فلما رأى ما بهم ، انكب عليهم ثم قال : انتم منذ ثلاث فيما ارى وانا غافل عنكم! فهبط جبرئيل بهذه الآيات : « ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً »(١) قال : هي عين في دار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين(٢) .

٢٥٢ - أخبرنا الشيخ الامام الحافظ سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب الي من همدان - أخبرنا الشيخ الامام عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني اجازة ، أخبرنا الشريف أبو طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري في داره باصبهان في سكة الخوز(٣) ، أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك

__________________________________________

(١) الدهر - ٦ - ٨.

(٢) لاحظ مناقب ابن المغازلي / ٢٧٢ - ٢٧٤ - اسد الغابة ٥ / ٥٣٠ خالياً عن ذكر الاشعار - ورواه الحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ / ٢٩٩ عن علي عليه‌السلام أوجز من ذلك.

(٣) سكة الخوز محلة كانت باصبهان ، قال في معجم البلدان ج ٢ ص ٤٩٥ (خوز) والخوزيون محلة باصبهان نزلها قوم من الخوز فنسب إليهم فيقال لها : درخوزيان

٢٧٢

الاصبهاني ، حدثنا محمد بن أحمد بن سالم حدثني ابراهيم بن أبي طالب النيشابوري ، حدثنا محمد بن النعمان بن شبل ، حدثنا يحيى بن أبي زوق الهمداني ، عن أبيه ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله تعالى : « ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيما وأسيرا » قال نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالبعليه‌السلام وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ظلا صائمين حتى إذا كان آخر النهار واقترب الافطار قامت فاطمةعليها‌السلام إلى شيء من طحين كان عندها فخبزته قرص ملة(١) وكان عندها نحي(٢) فيه شيء من سمن قليل فأدمت القرصة الملة شيء من السمن ينتظران بها افطارهما ، فأقبل مسكين رافع صوته ينادي : المسكين الجائع المحتاج ، فهتف على بابهم فقال عليعليه‌السلام لفاطمة : عندك شيء تطعمينه هذا المسكين؟ قالت فاطمة : هيأت قرصا وكان في النحي شيء من سمن ، فجعلته فيه انتظر به افطارنا ، فقال لها عليعليه‌السلام آثري به هذا المسكين الجائع المحتاج ، فقامت فاطمةعليها‌السلام بالقرص مأدوماً فدفعته إلى المسكين فجعله المسكين في حضنه وخرج به متوجها من عندهما يأكل من حضن نفسه ، فاقبلت امرأة معها صبي صغير تنادي : اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم ، ولا أحد ، فلما رأت المرأة التي معها اليتيم المسكين يأكل من حضن نفسه ، اقبلت باليتيم فقالت : يا عبد الله اطعم هذا اليتيم المسكين مما أراك تأكل ، فقال لها المسكين : لا لعمرك والله ما كنت لأطعمك من رزق ساقه الله تعالى [ إلي ] ، ولكني ادلك على من اطعمني ، فقالت : فأدللني عليه؟ فقال لها : أهل ذلك البيت الذي ترين ، واشار إليه من بعيد فان في ذلك المنزل رجلا وامرأة اطعمانيه ، قالت المرأة : فان الدال على الخير كفاعله ، قال المسكين وإني لارجو أن يطعما يتيمك كما اطعماني ، فأقبلت باليتيم حتى

__________________________________________

(١) الملة : الجمرة والرماد الحارة وخيز الملة الخبز التي يخبز فيها.

(٢) النحي : بكسر النون زق السمن.

٢٧٣

ضربت على علي ونادت : يا أهل المنزل اطعموا اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم ، من فضل ما رزقكم الله ، فقال عليعليه‌السلام لفاطمة : عندك شيء؟ فقال : فضل طحين عندي فجعلته حريرة وليس عندنا غيره ، وقد اقترب الافطار فقال لها علي : آثرى به هذا المسكين اليتيم « وما عند الله خير وابقى »(١) فقامت فاطمةعليها‌السلام بالقدر بما فيه فكبتها في حضن المرأة ، فخرجت المرأة تطعم الصبي اليتيم مما في حضنها ، فلم تجز بعيداً حتى اقبل أسير من اسراء المشركين ينادي : الأسير الغريب المسكين الجائع ، فلما نظر الأسير إلى المرأة تطعم الصبي من حضنها ، اقبل إليها فقال : يا أمة الله اطعميني مما اراك تطعمينه هذا الصبي ، قالت المرأة : لا لعمرك والله ما كنت لأطعمك من رزق ، رزق الله هذا اليتيم المسكين ، ولكني ادلك على من اطعمني كما دلني عليه سائل قبلك ، قال لها الاسير : وأن الدال على الخير كفاعله ، فقالت له : أهل ذلك المنزل الذي ترى فيه رجلا وامرأة ، اطعما مسكينا سائلا وهذا اليتيم ، فانطلق الاسير إلى باب علي وفاطمة : فهتف بأعلى صوته : يا أهل المنزل ، اطعموا الأسير الغريب المسكين من فضل ما رزقكم الله تعالى ، فقال على لفاطمة : اعندك شيء؟ قالت : ما عندي طحين اصبت فضل تميرات فخلصتهن من النوى وعصرت النحي فقطرته على التمرات ودققت ما كان عندي من فضل الاقط ، فجعلته حيساً(٢) فما فضل عندنا شيء نفطر عليه غيره ، فقال لها عليعليه‌السلام : آثرى به هذا الاسير المسكين ، الغريب ، فقامت فاطمة إلى ذلك الحيس فدفعته إلى الاسير ، وباتا يتضوران على الجوع من غير افطار ، ولا عشاء ولا سحور ، ثم اصبحا صائمين حتى اتاهما الله سبحانه برزقهما عند الليل ، فصبرا

__________________________________________

(١) القصص : ٦٠.

(٢) الحيس : تمر واقط وسمن تخلط وتعجن وتسوى كالثريد - المعجم الوسيط.

٢٧٤

على الجوع(١) فنزل في ذلك « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً واسيراً » أي على شدة شهوتهم له « مسكيناً » قرص ملة ، « ويتيما » حريرة ، « واسيراً » حيساً ، « انما نطعمكم » يخبر عن ضميرهما « لوجه الله » يقول ارادة ما عند الله من الثواب « لا نريد » ( منكم ) في الدنيا ( جزاء ) يعنى ثوابا « ولا شكوراً » يقول ثناء يثنون به علينا « انا نخاف » يخبر عن ضميرهما « من ربنا يوما عبوساً قمطريراً « قال العبوس : تقبض ما بين العينين من اهواله وخوفه ، والقمطرير : الشديد ، « فوقهم الله شر ذلك » يقول خوف ذلك « اليوم ، ولقيهم نضرة » يقول بهجات الجنة ، « وسروراً » يقول سرهما من قرة العين بالجنة « وجزاهم » يقول واثابهم « بما صبروا » على الجوع حتى آثروا بالطعام لافطارهم اليتيم والمسكين والاسير ، حيساً وحريراً « متكئين فيها على الارائك » الارائك : الأسرة المرمولة(٢) بالدر والياقوت والزبرجد في عليين مضروبة عليها الحجال « لا يرون فيها شمسا » يوذيهم حرها ، « ولا زمهريراً » يقول لا يؤذيهم برده ، و« دانية » قريبة « عليهم ظلالها وذللت [ قطوفها ] » يقول قربت الثمار منهم « تذليلاً » يأكلونها قياما وقعوداً ومتكئين ومستلقين على ظهورهم ، ليس القائم باقدر عليها من المتكى ، وليس المتكى باقدر عليها من المستلقى ، « ويطوف عليهم ولدان » من الوصفاء « مخلدون » قال مسورون باسورة الذهب والفضة ، وقال مخلدون لم يذوقوا طعم الموت قط ، وانما خلقوا خدما لأهل الجنة ، « إذا رأيتهم حسبتهم » من بياضهم وحسنهم « لؤلؤا منثوراً » لكثرتهم ، فشبه بياضهم وحسنهم باللؤلؤ ، وكثرتهم بالمنثور.

المراسيل :

٢٥٣ « قال رضي الله عنه » قوله تعالى : « فاليوم الذين آمنوا من الكفار

__________________________________________

(١) في [ و ] : على غير افطار.

(٢) الاسرة كالاجنة : وزناً : جمع سرير ، والمرمولة : المزينة.

٢٧٥

يضحكون على الارائك ينظرون »(١) قيل نزلت في أبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وغيرهم من مشركي مكة ، كانوا يضحكون من بلال وعمار واصحابهما(٢) .

٢٥٤ - وقيل ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام جاء في نفر من المسلمين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسخر به المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم قالوا لأصحابهم : رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فانزل الله هذه الآية قبل ان يصل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) عن مقاتل والكلبي.

٢٥٥ - « قال رضي الله عنه » قيل لما نزلت قوله : « قل لا اسئلكم عليه اجراً إلا المودة في القربى »(٤) قالوا هل رأيتم اعجب من هذا يسفه احلامنا ويشتم آلهتنا ويرى قتلنا ويطمع أن نحبه فنزل : « قل ما سئلتكم من أجر فهو لكم »(٥) أي ليس في ذلك اجر لأن منفعة المودة تعود اليكم وهو ثواب الله تعالى ورضاه.

٢٥٦ - وروى أبو الأحوص عن أبي اسحاق في قوله تعالى : « وقفوهم انهم مسؤولون »(٦) يعنى عن ولاية علي(٧) .

٢٥٧ - قوله تعالى : « أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون »(٨) قيل : نزلت في قصة بدر في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث لما برزوا لقتال عتبة وشيبة والوليد. ف‍ « الذين آمنوا » حمزة وعلي وعبيدة ، « والذين اجترحوا السيئات » عتبة وشيبة والوليد(٩) .

__________________________________________

(١) المطففين : ٣٤ - ٣٥.

(٢) روى نظيره الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ / ٣٢٧ في تفسير الآية / ٢٩.

(٣) تفسير الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٢٣.

(٤) الشورى : ٢٣.

(٥) سبأ : ٤٧.

(٦) الصافات : ٢٤.

(٧) رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ / ١٠٦.

(٨) الجاثية : ٢١.

(٩) نظيره في شواهد التنزيل ٢ / ١٦٨.

٢٧٦

٢٥٨ - قوله تعالى : « لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة »(١) نزلت في أهل الحديبية ، قال جابر : كنا يوم الحديبية الفاً واربعمائة فقال لنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتم اليوم خيار أهل الارض ، فبايعنا تحت الشجرة على الموت فما نكث الاجد بن قيس وكان منافقا ، وأولى الناس بهذه الآية علي بن أبي طالبعليه‌السلام لانه قال [ تعالى ] : « وأثابهم فتحاً قريباً » - يعنى فتح خيبر - وكان ذلك على يد علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٢)

٢٥٩ - قال رضي الله عنه : روى السيد أبو طالب باسناده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلى : من احبك وتولاك ، اسكنه الله معنا ثم تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر »(٣)

٢٦٠ - قوله تعالى : « السابقون السابقون »(٤) ، قيل : هم الذين صلوا إلى القبلتين ، وقيل : السابقون إلى الطاعة ، وقيل إلى الهجرة ، وقيل إلى الاسلام واجابة الرسول ، وكل ذلك موجود في أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٥) .

٢٦١ - قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة »(٦) قيل سأل الناس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاكثروا ، فامروا بتقديم الصدقة على المناجاة ، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالبعليه‌السلام قدم ديناراً فتصدق به ، ثم نزلت رخصة(٧) .

__________________________________________

(١) الفتح : ١٨.

(٢) رواه أيضاً الكنجي في كفاية الطالب / ٢٤٧ واورده ابن هشام في السيرة النبوية ٣ / ٣١٥.

(٣) القمر : ٥٤ - ٥٥.

(٤) الواقعة : ١٠.

(٥) ورد نظيره في شواهد التنزيل ١ / ٢٥٦.

(٦) المجادلة : ١٢.

(٧) للحديث مصادر كثيرة منها : صحيح الترمذي ٥ / ٤٠٦ - خصائص النسائي / ٢٧٦ مناقب ابن

٢٧٧

٢٦٢ - وعن عليعليه‌السلام : ان في كتاب الله لآية ، ما عمل بها احد قبلى ولا يعمل بها احد بعدي [ وهي ] « يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة » [ عملت بها ] ثم نسخت(١) وقيل عمل بها افاضل الصحابة منهم علي والاول أظهر.

٢٦٣ - وعن ابن عمر انه قال : ثلاث لعلي وددت أن تكون لي واحدة منهن كانت أحب الي من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى(٢) .

٢٦٤ - قوله تعالى : « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات بيايعنك »(٣) روى الزبير ابن العوام قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو النساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية ، فكانت فاطمة بنت اسد ام علي بن أبي طالبعليه‌السلام أول امرأة بايعت(٤) .

٢٦٥ - وعن جعفر بن محمد : ان فاطمة بنت أسد أول امرأة هاجرت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة على قدميها ، وكانت ابر الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) .

وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان الناس يحشرون يوم القيامة عراة فقالت : واسوأتاه ، فقال لها : اني اسأل الله ان يبعثك كاسية ، وسمعته يذكر ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه ، فقال : انى أسأل الله ان يكفيك ذلك.

__________________________________________

المغازلي / ٣٢٥ وما بعدها - تفسير الطبري ٢٨ / ١٤.

(١) لهذا الحديث ايضاً مصادر كثيرة منها : تفسير الطبري ٢٨ / ١٤ وتفسير الكشاف ٣ / ٢١٠ والدر المنثور للسيوطي ٦ / ١٨٧.

(٢) الحديث ليس في الاصلين ، ولكن موجود في المطبوع بالنجف.

(٣) الممتحنة : ١٢.

(٤) و (٥) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١ / ١٤.

٢٧٨

٢٦٦ - قال روى أبو صالح ، عن ابن عباس : ان عبد الله بن ابي واصحابه خرجوا فاستقبلهم نفر من اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه : انظروا كيف أرد ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيد بني هاشم ، خلد(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عليعليه‌السلام : يا عبد الله اتق الله ولا تنافق ، فان المنافق شر خلق الله فقال : مهلا يا أبا الحسن والله ايماننا كإيمانكم ، ثم تفرقوا ، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه : كيف رأيتم ما فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا ، ونزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم إنما نحن مستهزؤن »(٢) فدلت الآية على ايمان عليعليه‌السلام ظاهراً وباطناً ، وعلى قطعه موالاة المنافقين واظهاره عداوتهم والمراد بالشياطين رؤساء الكفار(٣) .

٢٦٧ - قوله تعالى : « أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه »(٤) قال ابن عباس : هو عليعليه‌السلام شهد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منه(٥) .

٢٦٨ - قوله [ تعالى ] : « ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً »(٦) . قال ابن عباس : هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٧) .

٢٦٩ - وروى زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي رضي الله عنه قال : لقيني رجل فقال : يا أبا الحسن أما والله انى لأحبك في الله ، فرجعت إلى رسول الله

__________________________________________

(١) الخلد ، بالتحريك : من اسماء النفس - لسان العرب ، وخلد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه بحكم آية المباهلة ويؤيده الروايات.

(٢) البقرة : ١٤.

(٣) انظر نظيره في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ١ / ٧٢.

(٤) هود : ١٧.

(٥) رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ٢٧٥ إلى ٢٨٢.

(٦) مريم : ٩٦.

(٧) شواهد التنزيل ١ / ٦٤ - الدر المنثور ٤ / ٢٨٧ - مناقب ابن المغازلي / ٣٢٧.

٢٧٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته بقول الرجل ، فقال رسول الله : لعلك يا علي اصطنعت إليه معروفاً؟ قال : فقلت : والله ما اصطنعت إليه معروفاً ، فقال رسول الله : الحمد لله الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق اليك بالمودة ، قال فنزل قوله تعالى : « ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا »(١) .

٢٧٠ - قال الله تعالى : « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا »(٢) قيل : نزل قوله تعالى : « فمنهم من قضى نحبه » في حمزة وأصحابه ، كانوا عاهدوا الله لا يولون الأدبار ، فجاهدوا مقبلين حتى قتلوا ، [ و ] « ومنهم من ينتظر » علي بن أبي طالبعليه‌السلام مضى على الجهاد ولم يبدل ولم يغير.

الآثار :

٢٧١ - أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ زين الائمة أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرني القاضى الامام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدى شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو سعيد الماليني ، أخبرنا أبو أحمد بن عدى ، أخبرنا أبو يعلى ، حدثنا إبراهيم بن الحجاج قال حدثنا حماد - يعنى ابن سلمة - عن الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس : ان الوليد بن عقبة قال لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : أنا ابسط منك لساناً واحد منك سناناً واملا منك حشواً في الكتيبة ، فقال له عليعليه‌السلام : على رسلك ، فانك فاسق ، فانزل الله عزوجل : « افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً لا يستوون »(٣) يعنى عليا [ المؤمن ] والوليد الفاسق(٤)

٢٧٢ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو الحسين بن الفضل

__________________________________________

(١) انظر تفصيل ذلك في شواهد التنزيل ١ / ٣٥٩

(٢) الاحزاب : ٢٣.

(٣) السجدة : ١٨.

(٤) تفسير الطبري ٢١ / ٦٨ - تاريخ بغداد ١٣ / ٣٢١ وذكره الزمخشري في الكشاف ٢ / ٥٢٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417