المناقب

المناقب9%

المناقب مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 417

المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67311 / تحميل: 7511
الحجم الحجم الحجم
المناقب

المناقب

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

سبعون الف ركن ، على كل ركن ياقوتة حمراء تضيء للراكب مسيرة ثلاثة أيام وبيده لواء الحمد ينادي : لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقول الخلايق : من هذا أملك مقرب أم نبي مرسل أم حامل عرش؟ فينادي مناد من بطنان العرش : ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل ولا حامل عرش ، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين وأمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين في جنات النعيم(١)

__________________________________________

(١) رواه الخطيب البغدادي في تاريخه ١٣ / ١٢٢ و ١١ / ١١٢ وما بعدها ورواه أيضاً ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٢ / ٣٣٣.

٣٦١

الفصل الثالث والعشرون

في بيان ان النظر إليه وذكره عبادة

٣٧٣ - أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي اخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد بن يحيى الغازي ، حدثنا ، المسيب بن زهير الضبي ، حدثنا عاصم ابن على ، حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن ابراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النظر إلى وجه علي عبادة(١) .

٣٧٤ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو علي بن شاذان البغدادي بها ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا عمران بن خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين أبي نجيد ، حدثنى أبي ، عن أبيه ، عن جده قال : مرض عمران بن حصين مرضة فدخل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : انى لأبتئس عليك من شدة علتك ، فقال له : لا تفعل ذلك بأبي أنت وامي فان احب ذلك الي احبه إلى الله فوضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على رأسه ثم قال له : لا بأس عليك يا عمران فعوفى من تلك العلة وانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاه علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعدت أخاك؟ [ عمران بن حصين ] قال لا قال لم؟ قال [ لم ] اعمل ، قال عزمت عليك

__________________________________________

(١) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٢ / ٣٩٤ ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك ٣ / ١٤١ واورده أبو نعيم في حلية الاولياء ٥ / ٥٨ و ٢ / ١٨٢ وللتوسع انظر مناقب ابن المغازلي / ١٠٩.

٣٦٢

لما لم تقعد حتى تأتيه ، فلما قصد إلى عمران نظر عمران إليه فلم يصرف بصره عنه حتى جلس بين يديه فهوى إليه ثم قام منصرفا فأتبعه بصره حتى غاب عنه فقال أصحابه : لقد رأيناك ما صنعت قال : نعم سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : النظر إلى علي عبادة(١) .

٣٧٥ - وأخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، أخبرني الاستاد الامين أبو الحسن علي بن الحسين بن مردك الرازي ، أخبرنا الحافظ أبو سعد اسماعيل بن علي بن الحسين السمان ، أخبرنا عبيدالله بن محمد بن بدر الكرخي بقراءتي عليه ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد العطار ، حدثنا أبو الحسن علي بن سراج المصري(٢) ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان أبو بكر يديم النظر إلى علي فقيل له في ذلك ، فقال : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : النظر إلى عليعليه‌السلام عبادة(٣) .

٣٧٦ - وأنبأني الامام الحافظ صدر الحافظ أبوالعلا الحسن بن أحمد العطار الهمداني والإمام الاجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي قالا : أنبأنا الإمام الشريف الاجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن على الزينبي ، عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان ، حدثنا القاضي المعافي بن زكريا - من حفظه - عن ابراهيم بن الفضل ابن يوسف ، عن الحسن بن صابر ، عن وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذكر علي بن أبي طالب عبادة(٤) .

__________________________________________

(١) و (٣) انظر تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٢ / ٣٩٩ و ٣٩١ وفيه : يكثر النظر إلى مناقب ابن المغازلي / ٢١٠ ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ٢ / ٥١ عن معاذ بن جبل واخرجه من اعلامنا الإمامية ابن البطريق في عمدته / ٣٦٦ بتحقيقنا -.

(٢) في [ و ] : أبو الحسن علي بن أحمد بن سراج المصري.

(٤) كتاب مائة منقبة لابن شاذان / ١٣٦ - ح / ٦٨.

٣٦٣

الفصل الرابع والعشرون

في بيان شيء من جوامع كلمه وبوالغ حكمه

٣٧٧ - أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرني القاضي الإمام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرني محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله علي بن عبد الله العطار ببغداد ، حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن سائب ، عن أبي عبد الرحمان السلمي قال : خطب علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالكوفة فقال : ايها الناس ، ان اخوف ما اخاف عليكم : طول الأمل واتباع الهوى ، فاما طول الامل فينسي الآخرة ، واما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا ان الدنيا قد ولت مدبرة(١) والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا ، فان اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل(٢) .

٣٧٨ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عنبسة بن الأزهري ، عن يحيى بن

____________________________________

(١) في نهج البلاغة : حذاء.

(٢) رواه ابن عساكر في علىعليه‌السلام ٣ / ٢٦٠ ورواه أيضا نصر بن مزاحم في وقعة صفين / ٣.

٣٦٤

عقيل ، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام انه قال لعمر : يا أمير المؤمنين ان سرك ان تلحق بصاحبك فاقصر الأمل ، وكل دون الشبع ، واكس الازار ، وارقع القميص(١) واخصف النعل تلحق بهم.

٣٧٩ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثنا الحسين بن عبد الرحمان ، حدثنا عبيدالله بن محمد التقي عن شيخ من بني عدي قال : قال رجل لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا ، قال : وما أصف لك من دار من صح فيها أمن ، ومن سلم فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن ، في حلالها حساب وفي حرامها النار(٢) .

٣٨٠ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، اخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أبو جعفر محمد بن علي الزوزني الأديب ، حدثنا علي بن القاسم النحوي الاديب قال : سمعت عبد الله بن عروة الهروي يذكر باسناد له عن الأحنف بن قيس قال : ما سمعت بعد كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احسن من كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام حيث يقول : ان للنكبات نهايات لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها ، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة ان ينام لها حتى تنقضي مدتها ، فان في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها وفي مثله يقول القائل :

الدهر يخنق أحياناً قلادته

فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب

حتى يفرجها في حال شدتها

فقد يزيد أختناقاً كل مضطرب

__________________________________________

(١) في [ ر ] : ارفع القميص.

(٢) هكذا في المخطوطتين الموجودتين بايدينا ولكن في نهج البلاغة : ما اصف من دار اولها عناء ، وآخرها فناء ، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن انظر الخطبة رقم : ٨٢.

٣٦٥

٣٨١ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردي بخسروجرد(١) حدثني عيسى بن محمد ، حدثنا الحسن بن حماد بن حمدان العطار ، حدثنا أبو حمزة محمد بن ميمون السكوني ، أخبرني ابراهيم بن الصائغ ، عن حماد بن ابراهيم قال : قال علي ابن أبي طالبعليه‌السلام : التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين ، والعقل خير صاحب ، والأدب خير ميراث ولا وحشة أشد من العجب(٢) .

٣٨٢ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله ، أخبرنا أبو حامد ، حدثنا عيسى حدثنا الحسن ، حدثنا أبو حمزة ، أخبرني ابراهيم ، عن حماد ، عن ابراهيم : ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام جمع الدنيا والآخرة في خمس كلمات كان يقول : اللهم اني اسألك من الدنيا وما فيها ، ما اسد به لساني واحصن به فرجي وأؤدي به أمانتي وأصل به رحمي واتجر به لآخرتي.

٣٨٣ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني بكر بن محمد بن سهل بن الحداد الصوفي بمكة ، قال : حدثنا البيهقي ، واخبرنا أبو طاهر الحسين بن علي بن الحسن بن محمد بن سلمة الهمداني بها ، حدثنا أبو بكر عمر بن أحمد بن القاسم الفقيه بنهاوند - املاء - قالا حدثني موسى بن اسحاق الانصاري ، حدثنا أبو نعيم ضرار بن صرد ، حدثنا عاصم ابن حميد الحناط ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري ، عن كميل بن زياد النخعي قال : اخذ بيدي علي واخرجني إلى ناحية الجبانة(٣) فلما اصحر جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل احفظ ما اقول لك : القلوب أوعية ، خيرها اوعاها الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل

__________________________________________

(١) خسروجرد ، بضم اوله وجرد بالجيم المكسورة وراء ساكنة ودال ، مدينة كانت قصبة بيهق من اعمال نيسابور - مراصد الاطلاع ومعجم البلدان.

(٢) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٨٦.

(٣) الجبان والجبانة بالتشديد : الصحراء وتسمى بهما المقابر ايضاً.

٣٦٦

نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق(١) يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة ، محبة العالم دين يدان بها يتكسبه الطاعة في حياته.

[ وفي رواية أبي عبد اللهعليه‌السلام : صحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ] وجميل الاحدوثة بعد موته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، وصنيعة المال تزول بزواله

[ وفي رواية أبي عبد اللهعليه‌السلام : يفنى المال بزوال صاحبه ] مات خزان الاموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، اعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها ان هاهنا واومى بيده إلى صدره : علما لو أصبت له حملة بلى اصبت لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا ويستظهر بنعم الله على عباده وبحجته على كتابه أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه ، يقدح الشك في قلبه بأول شبهة لاذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذة.

[ وفي رواية أبي عبد اللهعليه‌السلام : بالدنيا ] سلس القياد للشهوات ، أو مغرما بجمع الاموال والاذخار ليسا من دعاة الدين أقرب شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم بحجة ، [ وفي رواية أبي عبد اللهعليه‌السلام بلى لن تخلو الارض من قائم لله بحجة ](٢) لئلا تبطل حجج الله وبيناته

__________________________________________

(١) الهمج بالتحريك : جمع همجة وهي ذباب صغير كالبعوض والرعاع : الاحداث الطغام من العوام والسفلة وامثالها النعيق : صوت الراعى نغمه ويقال لصوت الغراب أيضاً.

(٢) هذه العبارات الموجودة بين المعقوفات ، والمروية عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام التي توسطت كلام الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هنا ، اغلب الظن انها كتبها احد العلماء في حاشية الكتاب الحاضر ثم ادرجها المستنسخ في متن الكتاب بسبب المناسبة بين الكلامين. ونحن تركناها على حالها. كما ان هذا الحديث الملقى من قبل أمير المؤمنينعليه‌السلام على تلميذه الخاص كميل بن

٣٦٧

اولئك الأقلون عدداً ، الاعظمون عند الله قدراً بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الامر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش الجاهلون وصحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى أولئك خلفاء الله في عباده والدعاة إلى دينه هاه شوقا إليهم واستغفر الله لي ولك ، إذا شئت(١) فقم(٢) .

٣٨٤ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان ، حدثنا عبد الله بن روح المدايني ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا شعيب بن ميمون الواسطي ، عن حصين بن عبد الرحمان ، عن عبد خير ، عن عليعليه‌السلام : أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى ان يكون بغيضك يوماً ما ، وابغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما(٣) .

٣٨٥ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردي بخسروجرد قال : سمعت داود بن الحسين يذكر عن الحافظ قال : لوددت ان لي سبع كلمات قالهن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وكل ما قلته لم ينسب إلي وهي : استغفر

__________________________________________

زياد النخعي يختلف بعض الاختلاف عما ورد في نهج البلاغة وقد تركناه أيضاً على حاله.

(١) « إذا شئت فقم » قال ابن أبي الحديد : وهذه الكلمة من محاسن الآداب ، ومن لطائف الكلم لانه لم يقتصر على ان قال « انصرف » كيلا يكون امرا وحكما بالانصراف لا محالة ، فيكون فيه نوع علو عليه ، فاتبع ذلك بقوله : « إذا شئت » ليخرجه من ذل الحكم وقهر الامر إلى عزة المشيئة والاختيار - شرح نهج البلاغة ١٨ / ٣٥٢.

(٢) نهج البلاغة لعبده ٣ / ١٨٦ - ك ١٤٧ - ورواه أبو نعيم في حلية الاولياء ١ / ٧٩ - وذكره ابو اسحاق الثقفي في الغارات ١ / ١٤٧.

(٣) نهج البلاغة لعبده ك ٢٦٨ ورواه أيضاً ابن حنبل في فضائل الصحابة ١ / ٣٣٦ - والهون بالفتح - الحقير ، والمراد منه الخفيف لا مبالغة فيه إلى لا تبالغ في الحب ولا في البغض فعسى ان ينقلب كل إلى ضده فلا تعظم ندامتك على ما قدمت منه.

٣٦٨

الله حق قدره ، من لانت كلمته وجبت مودته ، ما ضاع امرء ، عرف قدره ، من جهل شيئا عاداه ، قيمة كل امرء ما يحسنه ، تفضل على من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره.

٣٨٦ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثنا عفان بن مخلد ، حدثنا وكيع ، عن اياس بن أبي تميمة قال : سمعت عطاء يقول : استعمل علي بن أبي طالبعليه‌السلام رجلاً على سرية فقال : أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه وهو يملك الدنيا والآخرة.

٣٨٧ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين ، حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا خلف بن تميم ، حدثنا عمر بن الزحال الحنفي ، حدثنا العلاء بن المسيب ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عبد خير قال : قال عليعليه‌السلام : لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل(١) .

٣٨٨ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو محمد القاسم بن غانم بن حموية بن الحسين ، أخبرني أبو الحجاف الفروس بن القرضاب البرني من ولد عفير - صاحب رسول الله - قال حدثني عبيد بن الصباح النهدي حدثني زرعة بن شداد حدثني شجاع بن وادعة - صاحب جابر بن عبد الله الانصاري - قال حدثني جابر بن عبد الله الانصاري قال : دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام لاعوده من بعض علله ، فلما نظر إليّ قال : يا جابر بن عبد الله الانصاري ، قوام الدين بأربعة : عالم مستعمل لعلمه وجاهل لا يستنكف ان يتعلمه وغني جواد بمعروفه وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فإذا عطل العالم علمه ، استنكف الجاهل أن يتعلمه ، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه ، وإذا كان ذلك

__________________________________________

(١) نهج البلاغة لعبده ك ٩٥ رواه أيضاً ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٨٣.

٣٦٩

فالويل ثم الويل ، يا جابر بن عبد الله - سبعين مرة - من كثرت نعماء الله عنده ، كثرت حوائج المخلوقين إليه ، فان قام بما امر الله عرضها للدوام ، فان لم يعمل فيها بما أمر الله عرضها للزوال والفناء(١) ثم انشأ أمير المؤمنين يقول :

ما أحسن الدنيا واقبالها

إذا أطاع الله من نالها

من لم يواس الناس من فضله

عرض للادبار اقبالها

فاحذر زوال الفضل يا جابراً

واعط من الدنيا لمن سالها

فان ذا العرش جزيل العطا

يضعف بالجنة أمثالها

قال جابر : ثم هزني إليه هزة ، خيل لي ان عضدي خرجت من كاهلي.

قال : يا جابر بن عبد الله ، حوائج الناس اليكم نعم من الله عليكم فلا تملوا النعم فتحل بكم النقم ، واعلموا ان خير المال ما اكتسب به حمداً واعقب اجراً ثم انشأ يقول :

لا تخضعن لمخلوق على طمع

فان ذلك وهن منك في الدين

وسل إلهك مما في خزائنه

فانما هي بين الكاف والنون

اما ترى كل من ترجو وتأمله

من البرية مسكين ابن مسكين

ما احسن الجود في الدنيا وفي الدين

واقبح البخل ممن صيغ من طين

ثم قال جابر بن عبد الله : فهممت أن أقوم ، فقال : وانا معك يا جابر ، قال فلبس نعليه والقى رداءه على منكبيه وطائفه فوق قذاله(٢) فلما ان بلغنا جبانة الكوفة ، سلم على أهل القبور فسمعت ضجة وهدة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الضجة وما هذه الهدة؟ فقال : هؤلاء اخواننا كانوا بالأمس معنا واليوم فارقونا ، اخوان لا يزاورون ، واوداء لا يعادون ، ثم خلع

__________________________________________

(١) نهج البلاغة لعبده ٣ / ٢٤٢ ك ٣٧٢.

(٢) الطائف : طرف الثوب المجتمع ، والقذال : جماع مؤخر الرأس ، ومعنى الجملة : ان أمير المؤمنينعليه‌السلام جمع ووضع طرف ثوبه على مؤخرة رأسه.

٣٧٠

نعليه وحسر عن رأسه وذراعيه وقال : يا جابر بن عبد الله ، اعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية ، ومن حياتكم لموتكم ، ومن صحتكم لسقمكم ، ومن غناكم لفقركم ، اليوم في الدور ، وغداً في القبور ، والى الله تصير الامور ، ثم انشأ يقول :

سلام على أهل القبور الدوارس

كأنهم لم يجلسوا في المجالس

ولم يشربوا من بارد الماء شربة

ولم يأكلوا من كل رطب ويابس

٣٨٩ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ، أخبرنا أبو على الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، حدثنى علي بن الحسين بن عبد الله ، عن(١) عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي ، أخبرنا رجل من بني شيبان ، ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام خطب فقال :

الحمد لله أحمده واستعينه وأومن به واتوكل عليه وأشهد ان لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله ، ارسله بالهدى ودين الحق ، ليزيح به علتكم ويوقظ به غفلتكم ، واعلموا انكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، وموفون على اعمالكم ومجزيون فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، فانها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم احوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور احوال مختلفة وتارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها اغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتقصمهم بحمامها(٢) وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور واعلموا عباد الله انكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كانوا أطول منكم اعمارا واشد منكم

__________________________________________

(١) هكذا في المطبوع ولكن في المخطوطتين : ابن عبد الله بن صالح.

(٢) الحمام بالكسر : الموت.

٣٧١

بطشا واعمر دياراً وابعد آثارا فاصبحت اصواتهم خامدة من بعد طول تعليها واجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية واستبدلوا بالقصورة المشيدة والسرر [ المنضدة ] والنمارق الممهدة ، الصخور والاحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة(١) التي قد بني للخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة وموحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والاخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى واكلتهم الجنادل والثرى فاصبحوا بعد الحياة امواتاً وبعد غضارة العيش رفاتاً فجع بهم الاحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم أياب ، هيهات هيهات : « كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون »(٢) فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الامور وبعثرت القبور ، « وحصل ما في الصدور »(٣) ووقفتم للتحصيل بين يدى الملك الجليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والاستار وظهرت منكم العيوب والاسرار ، « هنالك تجزى كل نفس بما كسبت » ان الله عزوجل يقول : « ليجزى الذين أساؤا بما عملوا وليجزى الذين أحسنوا بالحسنى »(٤) وقال : « ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا »(٥) جعلنا الله واياكم عاملين بكتابه ، متبعين لاوليائه حتى يحلنا واياكم دار المقامة من فضله انه حميد مجيد(٦) .

__________________________________________

(١) لطأ بالارض : لصق - والملحدة من « الحد القبر » جعل له لحداً ، أي شقاقا في وسطه أو جانبه.

(٢) المؤمنون : ١٠٠.

(٣) العاديات : ١٠.

(٤) النجم : ٣١.

(٥) الكهف : ٤٩.

(٦) نهج البلاغة لصبحى الصالح الخطبة رقم / ٢٢١.

٣٧٢

٣٩٠ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق ، حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ، حدثنا عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن سوقة ، عن العلاء بن عبد الرحمان قال : قام رجل إلى على بن أبي طالبعليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ما الايمان؟ فقال : الايمان على أربع دعائم : على الصبر والعدل واليقين والجهاد.

والصبر من ذلك على أربع شعب : على الشوق والشفق(١) والزهد والترقب ، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن اشفق من النار رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ، ومن ترقب الموت تسارع إلى الخيرات.

والعدل على أربع شعب : تبصرة الفطنة وتأويل الحكمة وموعظة العبرة وسنة الأولين فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.

واليقين على اربع شعب : غائص الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم(٢) وروضة الحلم ، فمن فهم فسر جميل العلم ، ومن فسر جميل العلم ، عرف شرائع الحكم ، ومن عرف شرائع الحكم حلم وعاش في الناس ولم يفرط.

والجهاد على اربع شعب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر ارغم [ انف ] المنافق ، ومن صدق في المواطن قد قضى ما عليه ، ومن شنا الفاسقين وغضب لله غضب الله له وما اكتحل رجل بمثل ملمول(٣)

__________________________________________

(١) الشفق : - بالتحريك - الخوف - النهاية.

(٢) زهرة الحكم - بضم الزاى - : حسنه.

(٣) الملمول ، على وزن العصفور : هو الذي يكحل به البصر ولا يقال ميل الا للميل من اميال الطريق - لسان العرب مادة « ميل ».

٣٧٣

الحزن ، فقام الرجل إلى رأس عليعليه‌السلام فقبله(١) .

٣٩١ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الاصبهاني ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري - بمكة - حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال : سمعت الفتح بن شخرف يقول : رأيت علي بن أبي طالبعليه‌السلام في النوم فسمعته يقول : التواضع يرفع الفقير على الغني ، واحسن من ذلك تواضع الغنى للفقير(٢) .

٣٩٢ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، قال سمعت السيد أبا منصور الظفر بن محمد العلوي يقول : سمعت أبا بكر بن أبي دارم يقول : سمعت إبراهيم بن بريدة الهاشمي يقول : سمعت الفتح بن شخرف يقول : سمعت بشر بن الحارث يقول : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين تقول شيئاً لعل الله ينفعني به؟ فقال : ما احسن عطف الأغنياء على الفقراء رغبة في ثواب الله ، واحسن منها تيه(٣) الفقراء على الاغنياء ثقة بالله فقلت : يا أمير المؤمنين تزيدنا؟ قولى وهو يقول :

قد كنت ميتا فصرت حيا

وعن قليل تصير ميتا

عز بدار الفناء بيت

فاين لدار البقاء بيتا

٣٩٣ - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو منصور النصروي ، حدثني أحمد بن نجدة ، حدثني سعيد بن منصور ، حدثنا أبو شهاب ، عن القاسم بن الوليد الهمداني ، عن داود بن أبي عمرة :

__________________________________________

(١) نهج البلاغة لبعده ك / ٣٠ ورواه أيضاً ابن عساكر في ترجمة الامام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٨٨ عن قبيصة بن جابر الأسدي واورده أبو نعيم في حلية الاولياء ١ / ٧٤.

(٢) تاريخ بغداد ٩ / ٤٢٥ ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين ١ / ٤٠٢ وفيه : حدثنا الفتح بن شجرف.

(٣) لان تيه الفقير وانفته على الغنى ادل على كمال اليقين بالله فانه بذلك قد امات طمعا ومحا خوفا وصابر في بأس شديد ولا شيء من هذا في تواضع الغنى.

٣٧٤

ان علياعليه‌السلام قال خمس ، خذوهن عني : لا يخافن أحد منكم إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا يستحيى من لا يعلم ان يتعلم ولا يستحيى من يعلم إذا سئل عما لا يعلم ان يقول الله اعلم وان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد إذا ذهب الصبر ذهب الايمان إذا ذهب الرأس ذهب الجسد(١) .

٣٩٤ - أنبأني مهذب الائمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني - نزيل بغداد - أخبرني فيدر بن عبد الرحمان بن شاذي ، أخبرنا أبو غانم حميد بن المأمون ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمان الشيرازي ، أخبرنا محمد بن أحمد ابن يعقوب المديني ، قال حدثنى الحسين بن جعفر بن عبد الله ، حدثنا علي ابن الحسن القطان ، حدثنا الاصمعي ، عن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده قال : قال عبد الله بن عباس : ما انتفعت بشيء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتفاعي بكلمات كتب الي بهن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كتب اليّ :

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد ، فإن المرء قد يفرح بادراك ما لم يكن يفوته ويحزن لفوت ما لم يكن يدركه فإذ أتاك الله في الدنيا شيئاً فلا تكثرن به فرحا ، وإذا فاتك منها شيء فلا تكثرن عليه حزنا وليكن همك لما بعد الموت والسلام(٢) .

٣٩٥ - وأخبرنا الفقيه أبو سعيد الفضل بن محمد الاسترابادي ، حدثنا أبو غالب الحسن بن علي بن القاسم ، حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد الجهرمي بعسكر مكرم(٣) . حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، قال : قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر - صاحب أبي

__________________________________________

(١) نهج البلاغة لمحمد عبده ك / ٤٠٦.

(٢) رواه ، ابن عساكر في ترجمة الامام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٧٢.

(٣) عسكر مكرم ، بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء : بلدة مشهورة من نواحي خوزستان - مراصد الاطلاع.

٣٧٥

عثمان الجاحظ - كان الجاحظ يقول لنا زمانا : ان لأمير المؤمنينعليه‌السلام مائة كلمة ، كل كلمة منها تفي ألف كلمة ، من محاسن كلام العرب قال : وكنت أسأله دهراً بعيدا أن يجمعها ويمليها علي وكان يعدني بها ويتغافل عنها ضناً بها قال : فلما كان آخر عمره أخرج يوما جملة من مسودات مصنفاته ، فجمع منها تلك الكلمات وأخرجها إلى بخطه فكانت الكلمات المائة هذه :

لو كشف الغطاء ما أزددت يقينا ، الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ، الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، ما هلك امرء عرف قدره ، قيمة كل امرء ما يحسنه ، من عرف نفسه فقد عرف ربه ، المرء مخبوء تحت لسانه ، من عذب لسانه كثر اخوانه ، بالبر يستعبد الحر ، بشر مال البخيل بحادث أو وارث ، لا تتظر إلى من قال وانظر إلى ما قال ، الجزع عند البلاء تمام المحنة ، لاظفر مع البغي ، لاثناء مع الكبر ، لا بر مع الشح ، لا صحة مع النهم(١) لا شرف مع سوء أدب ، لا اجتناب محرم مع حرص ، لا راحة مع حسد لا محبة مع مراء ، لا سؤدد مع انتقام ، لا زيادة مع دعارة(٢) لا صواب مع ترك المشورة ، لا مروة لكذوب ، لا وفاء لملوك ، لا كرم اعز من التقوى ، لا شرف اعز من الاسلام ، لا معقل احرز من الورع ، لا شفيع انجح من التوبة ؛ لالباس أجمل من السلامة ، لاداء اعيى من الجهل ، لا مرض اضنى من قلة العقل ، لسانك يقتضيك ما عودته ، المرء عدو ما جهله ، رحم الله امرء عرف قدره ولم يتعد طوره ، اعادة الاعتذار تذكير للذنب ، النصح بين الملإ تقريع ، إذا تم العقل نقص الكلام ، الشفيع جناح الطالب ، نفاق المرء ذلة ، نعمة الجاهل كروضة على مزبلة ؛ الجزع اتعب من الصبر ، المسؤول حر حتى لا يعد اكبر الاعداء اخفاهم مكيدة ، من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه ، السامع للغيبة احد المغتابين ؛ الذل

__________________________________________

(١) في [ و ] : الهم.

(٢) في [ ر ] : ذعارة.

٣٧٦

مع الطمع ، الراحة مع اليأس الحرمان مع الحرص ، من كثر مزاحه لم يخل من حقد عليه واستخفافا به ، عبد الشهوة أذل من عبدالرق ، الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له ، كفى بالظفر شفيعا للمذنب ، رب ساع فيما يضره ، لا تتكل على المنى فانها بضائع النوكى ، الياس حر والرجاء عبد ، ظن العاقل كهانة ، من نظر اعتبر ، العداوة شغل القلب ، القلب إذا كره عمي ، الادب صورة العقل ، لاحياء لحريص ، من لانت اسافله صلبت اعاليه ؛ من اتي في عجانه قل حياؤه وبذو لسانه ، السعيد من وعظ بغيره ، الحكمة صالة المؤمن ، الشرة جامع لمساوى العيوب ، كثرة الوفاق نفاق ، كثرة الخلاف شقاق ، رب أمل خائب ؛ رب رجاء يؤدى إلى الحرمان ، رب ارباح تؤدي إلى الخسران ، رب طمع كاذب ، البغى سائق إلى الحين ، في كل جرعة شرقة ، مع كل أكلة غصة ، من كثر فكره في العواقب لم يشجع ، إذا حلت المقادير ضلت التدابير ، إذا حل المقدور بطل التدبير ، إذا حل القدر بطل الحذر ، الاحسان يقطع اللسان ، الشرف بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب ؛ اكرم الحسب حسن الخلق ، أكرم النسب حسن الأدب ؛ افقر الفقر الحمق ، اوحش الوحشة العجب. أغنى الغنى العقل ، الطامع وثاق الذل ، احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود ؛ اكثر مصارع العقول تحت بروق الاطماع ، من ابدى صفحته للحق هلك ، إذا املقتم فتاجروا الله بالصدقة ، من لان عوده كثف اغصانه ، قلب الاحمق في فيه ، لسان العاقل في قلبه ، من جرى في عنان امله عثر بأجله ، إذا وصلت اليكم اطراف النعم فلا تنفروا اقصاها بقلة الشكر ، إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكره للقدرة عليه ، ما اضمر أحدكم شيئاً إلا ظهر منه في فلتات لسانه وصفحات وجهه.

أللهم اغفر رمزات الالحاظ ؛ وسقطات الالفاظ ؛ وشهوات الجنان ، وهفوات اللسان.

البخيل مستعجل للفقر ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في

٣٧٧

الاخرة حساب الاغنياء ، لسان العاقل وراء قلبه ؛ قلب الاحمق وراء لسانه ، الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كانه غفر ، من اطال الأمل اساء العمل [ الكاسب فوق قوته خازن لغيره ](١) مسكين ابن آدم ، مكنون العلل ، مكتوم الأجل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقة وتقتله الشرقة وتنتنه العرقة.

__________________________________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس موجوداً في الاصلين بل موجود في المطبوع بالنجف.

٣٧٨

الفصل الخامس والعشرون

في بيان من غير الله خلقهم وأهلكهم بسبهم إياه

٣٩٦ - أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إلى من همدان - أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، أخبرنا أبو طالب الجعفري ، حدثنا ابن مردويه الحافظ ، حدثنا محمد بن أحمد بن علي ، حدثنا موسى بن يوسف بن موسى بن راشد القطان ، حدثنا وهب بن بقية ، حدثني هشيم ، عن اسماعيل بن سالم ، عن عماد الحضرمي ، عن زاذان أبي عمر : ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام سأل رجلاً بالرحبة عن حديث ، فكذبه ، فقال علي : انك قد كذبتني؟ فقال ما كذبتك ، قال : ادعو الله عليك ان كذبتني أن يعمي بصرك قال : ادع الله ، فدعا الله عليه فلم يخرج من الرحبة حتى قبض بصره(١) .

٣٩٧ - وأنبأني مهذب الائمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني - نزيل بغداد - أنبأني اسماعيل بن محمد بن ملة ، حدثنا القاسم بن أبي بكر ابن على ، حدثنا أبو عبد الله بن شهريار ، اخبرني أبو العباس الطهراني ، حدثنا سلمة بن شبيب النيسابوري ، حدثنا الحسن بن محمد بن أعين ، حدثنا عمرو بن ثابت قال : سمعت أبا معشر يقول : كنا جلوسا فمر بنا رجل وهو يقول : من كان يحب عليا فاني ابغضه في الله ، قال : فما قمنا من مجلسنا حتى مروا به

____________________________________

(١) فضائل الصحابة لابن حنبل ١ / ٥٣٩ - ح / ٩٠٠ ورواه أبو نعيم في حلية الاولياء ٥ / ٢٦ ورواه أيضاً البلاذرى في انساب الاشراف ٢ / ١٥٦.

٣٧٩

يقاد وهو أعمى.

٣٩٨ - وأنباني مهذب الائمة هذا ، أخبرني أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبي ، أخبرنا هلال بن محمد الحفار ، أخبرنا أبو بكر النقاش ، حدثنا مسيح بن حاتم بالبصرة ، حدثنا ابن عائشة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد قال : سمعت سعيد بن المسيب : مر غلامك فلينظر إلى وجه هذا ، فقلت وما هو؟ قال انه كان يسب عليا وطلحة والزبير فدعوت الله عليه فسود وجهه.

٣٩٩ - وأنبأني مهذب الائمة هذا ، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن اسحاق ابن ابراهيم بن مخلد الباقرجي ، أخبرنا أبو إسحاق ابراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي ، اخبرنا أبو محمد عبد الله بن ابراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز ، حدثنا أبو مسلم ابراهيم بن عبد الله بن مسلم اللخمى البصري ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن المثنى بن أنس بن مالك الانصاري ، حدثني ابن عون ، أنبأني محمد بن الاسود ، عن عامر بن سعد قال : بينا سعد يمشى إذ مر برجل وهو يشتم عليا ، فقال سعد : انك تشتم قوما قد سبق لهم من الله ما سبق ، والله لتكفن عن شتمهم أو لأدعون الله عليك قال : اتخوفني كأنه نبي قال : فقال سعد : أللهم ان كان هذا قد سب اقواماً قد سبق لهم منك ما سبق ، فاجعله اليوم نكالا ، قال فجاءت بختية وافرج الناس لها فتخبطته قال فجعلت الناس يتبعون سعداً رضي الله عنه ويقولون استجاب الله لك يا أبا اسحاق(١) .

__________________________________________

(١) الحديث بطوله في مستدرك الصحيحين ٣ / ٤٩٩ - رواه أيضاً ابن المغازلي في مناقبه / ٧٤ واورده الحلبي في سيرته ٣ / ١٨٢ التي بهامشها السيرة الدهلانية.

٣٨٠

رواة حديث الغدير من الأئمّة الثقات، وفيهم أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة ونظراؤهم

ولقد زاد الهروي هذا في الطنبور نغمة أخرى، فزاد على من زعم قدحه في حديث الغدير الواقدي وابن خزيمة، والحال أن أسلافه الذين أخذ منهم هذه المزاعم لم يذكروهما فيمن نسب إليهم القدح في هذا الحديث الشريف

هذا ويكفي في الردّ على هذه المكابرات تصريح جدّه صاحب النواقض بتواتر حديث الغدير.

عبد الحق الدهلوي

وقال الشيخ عبد الحق الدّهلوي في ( شرح المشكاة ): « وهذا الحديث صحيح بلا ريب، رواه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وله طرق كثيرة، رووه عن ستة عشر نفس من الصحابة، وفي رواية لأحمد: أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيده صحاح أو حسان، ولا التفات بقول من تكلّم في صحته ولا بقول بعضهم القائل بأن: اللهم وال من والاه، موضوع. لوروده من طرق متعدّدة صحح أكثرها الذهبي، كذا قال الشيخ ابن حجر في الصواعق المحرقة.

ولكنا نقول للشيعة على طريق الإلزام - حيث اتفقوا على لزوم أن يكون دليل الامامة متواتراً، وأنه متى لم يكن الحديث متواتراً لم يجز الاستدلال به على الامامة - بأن هذا الحديث غير متواتر يقيناً، على أنه مختلف فيه - وإنْ كان هذا الاختلاف في بعض الخصوصيات - وقد طعن في صحته بعض أئمّة الحديث وعدولهم المرجوع إليهم في هذا الشأن، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم، وقد تركه أهل الحفظ والإتقان الذين طافوا البلاد وساروا إلى الأمصار في طلب الحديث، كالبخاري ومسلم والواقدي وغيرهم من أكابر أهل الحديث، وهذا وإنْ كان غير مخل بصحة الحديث إلّا أن دعوى التواتر في مثله من

٣٨١

العجائب ».

فهو وإنْ بالغ في الردّ على من أنكر صحة الحديث وخدش في ثبوته، إلّا أنه حاول إنكار تواتره، فسلك طرقاً ملتوية وأتى بكلمات متهافتة سعياً وراء ذلك، ولكن لا تخفى حقيقة الأمر على الناظر في كلامه، لأنه ينكر تواتر هذا الحديث في حين أنه يذعن بكثرة طرقه، وأنه رواه ستة عشر شخص من الصحابة وأن أكثر طرقه صحاح أو حسان. فأيّ كلام في ثبوت تواتر حديث هذا شأنه!؟ مع أنهم يعتقدون بحصول التواتر بالأقل من هذا العدد، ويرون تحققه لما رواه ثمانية من الصحابة كما في ( الصواعق ).

بل ذكر هذا الشيخ أن في روايةٍ لأحمد أنه سمعه من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثون من الصحابة، وشهدوا به لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

وهذا بناءاً على ما ذكره هذا الرجل، وإلّا فقد علمت أن رواته من الصحابة يزيدون على المائة

وقد نص أبو محمد علي بن أحمد بن حزم على تواتر حديث رواه أربعة من الصحابة، حيث قال في ( المحلى ) في مسألة عدم جواز بيع الماء بعد أن نقل رواية المنع عن أربعة من الصحابة: « فهؤلاء أربعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته »، فمن العجيب أن يكون ما رواه الأربعة متواتراً ولا يكون ما رواه الستة عشر أو الثلاثون أو الأكثر بمتواتر، وهل هذا إلّا تحكّم قبيح وتعصب فضيح؟!

هذا بالاضافة إلى ما تقدم من تصريح الأئمّة المحققين من أهل السنة ومنهم الذهبي الذي استند اليه ابن حجر، كما ذكره عبد الحق في هذه العبارة، بتواتر حديث الغدير

ومن العجائب أيضاً نفيه تواتر حديث الغدير تمسكاً بوجود الاختلاف فيه، وهذا واضح البطلان جداً، لاعترافه هو في هذا الكلام ببطلان هذا الخلاف، وإذا كان الخلاف في الحديث مردوداً كان التمسك بهذا الخلاف مردوداً كذلك.

٣٨٢

والحاصل إنّ هذا الكلام مختل الأركان ضعيف البنيان واضح البطلان، فهو من جهة يتمسك بقدح القادحين في هذا الحديث للقدح في تواتره، ومن جهة أخرى ينص على أن الخلاف في هذا الحديث مردود، ومن جهة ثالثة يعود ليمدح القادحين فيه ويصفهم بالامامة في هذا الشأن ليشيد بالتالي بقدحهم في الحديث ويسقطه بذلك عن الاعتبار.

وإذا كانت هذه التناقضات والتعصبات - التي يأباها أتباع القادحين ومقلديهم - قادحة في الأحاديث المتواترة، كان مكابرة المخالفين للإسلام وقدحهم في تواتر معاجز النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - جديرة بالإذعان ومؤثرة في الطعن في الدين الحنيف. وذلك لأن هذه المكابرات وتلك التعصبات من باب واحد.

والفرق بأن القادحين هنا أئمة عدول بخلافهم هناك فإنهم ملحدون لا يسمن ولا يغني من جوع. أما أولاً: فلأنّهم لدى الشيعة في مرتبة واحدة، وأما ثانياً: فمع التسليم بالفرق فإنّ كلام الطرفين في البابين في البطلان على حد سواء. على أن الملاك في التواتر حصول شروطه، فمتى تحققت في مورد حكم بتواتره، وليس من شروطه عدم وجود قادح فيه أبداً، بل إذا توفرت شروط التواتر، كان قدح القادحين موجباً للطعن فيهم لا في الحديث وإنْ كانوا من كبار الأئمّة، فلو قدح أبو حاتم وأمثاله في وجوب الصوم مثلاً كان ذلك موجباً للقدح في أنفسهم لا في وجوب الصوم كما لا يخفى.

ثم إنّ نسبة القدح في حديث الغدير إلى أبي داود أكذوبة أخرى، لما عرفت سابقاً من أنه قد روى هذا الحديث. فهذه النسبة باطلة لا أصل لها البتّة. ومن التعصب الفاحش أن ينسب إلى أبي داود هذا البهتان ويتّهم بهذا الأمر الفظيع، ثم يتمسك بهذا القدح المزعوم - مع الاعتراف بكونه مردوداً - في نفي تواتر الحديث خلافاً للمحققين من الأئمّة، وبالرغم من الإذعان بكثرة طرقه!!

٣٨٣

النقض بموقف ابن مسعود من الفاتحة والمعوذتين

ثم إن التمسك بقدح أبي حاتم وجماعته لإِنكار تواتر حديث الغدير، منقوض بإنكار ابن مسعود كون الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وإسقاطه إيّاهما من مصحفه، مع قيام الإجماع من المسلمين على تواترهما وأنّهما من القرآن، وإنّ من جحد ذلك كافر، قال السيوطي: « قال النووي في شرح المهذّب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر ».

وأمّا موقف ابن مسعود من هذه السور، فهو مما اشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار. قال الراغب: « وأسقط ابن مسعود من مصحفه أمّ القرآن والمعوّذتين »(١) .

وقال السيوطي: « أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن الأنباري في المصاحف، عن محمد بن سيرين أن أبيّ بن كعب كان يكتب فاتحة الكتاب والمعوّذتين، وأللهم إياك نعبد، وأللهم إنا نستعينك، ولم يكتب ابن مسعود شيئاً من هذا، وكتب عثمان بن عفّان فاتحة الكتاب والمعوّذتين »(٢) .

وقال السّيوطي: « أخرج عبد بن حميد، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال: لو كتبتها، لكتبت في أوّل كل شيء »(٣) .

وقال أيضاً: « أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن مسعود أنه كان يحكّ المعوّذتين، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صحّ عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -

___________________

(١). المحاضرات ٢ / ١٨٩.

(٢). الدر المنثور ١ / ٢.

(٣). نفس المصدر ١ / ٢.

٣٨٤

قراءتهما في الصلاة وأثبتهما في المصحف »(١) .

و قال: « أخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن حبّان وابن مردويه عن زرّ بن حبيش، قال: أتيت المدينة، فلقيت أبيّ بن كعب، فقلت له: يا أبا المنذر، إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوّذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق، لقد سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عنهما، وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك، قال: قيل لي: قل: فقلت: فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال السيوطي: « أخرج أبو عبيدة عن ابن سيرين، قال: كتب أبيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوّذتين، وأللهمّ إنّا نستعينك، واللهمّ إياك نعبد، وتركهنّ ابن مسعود، وكتب عثمان منهنّ فاتحة الكتاب والمعوّذتين »(٣) .

وقال محب الدين الطبري الشافعي في ذكر مطاعن عثمان: « و [ أما ] الخامسة عشرة وهي إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فانه لو بقي في أيدي الناس لكان أدّى ذلك إلى الفتنة الكبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوّذتين، من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة إنهما من القرآن، وقال عثمان لما عوتب في ذلك: خشيت الفتنة في القرآن »(٤) .

وقال حسين الديار بكري المؤرّخ: « أما إحراق مصحف ابن مسعود، فليس ذلك مما يعتذر عنه، بل هو من أكبر المصالح، فإنه لو بقي في أيدي الناس لأدى ذلك إلى فتنة كبيرة في الدين، لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكر عند أهل العلم بالقرآن، ولحذفه المعوّذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنهما من

___________________

(١). الدر المنثور ٦ / ٤١٦.

(٢). نفس المصدر ٦ / ٤١٦.

(٣). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٦٧.

(٤). الرياض النضرة ٢ / ١٩٨، مع اختلاف.

٣٨٥

القرآن »(١) .

وقال المولوي محسن الكشميري: « وأسقط، أي ابن مسعود، عنه، أي عن المصحف، المعوذتين وبالغ في أنهما ليست من القرآن مع أن الفاتحة أمّه »(٢) .

وروى أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: « كان عبد الله يحك المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى »(٣) .

وأخرج رواية زرّ بن حبيش المتقدمة: « قلت لأبيّ: إنّ أخاك يحكّهما من المصحف فلم ينكر. قيل لسفيان: ابن مسعود؟ قال: نعم، وليسا في مصحف ابن مسعود، كان يرى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعوّذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرأ بهما [ يقرأهما ] في شيء من صلاته، فظنّ أنهما عوذتان وأصرّ على ظنّه »(٤) .

و قال البخاري: « حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال:

حدثنا عبدة بن أبي لبابة، عن زر، قال: سألت أبيّ بن كعب، قلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال أبي: سألت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال لي: قل، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٥) .

وقال ابن حجر العسقلاني بشرح هذا الحديث:

« قوله: يقول كذا وكذا، هكذا وقع هذا اللفظ مبهماً، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاماً له، وأظن ذلك من سفيان، فإنّ الاسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإِبهام، وكنت أظن أولاً أن الذي

___________________

(١). الخميس ٢ / ٢٧٣.

(٢). نجاة المؤمنين - مخطوط.

(٣). المسند ٥ / ١٢٩ - ١٣٠.

(٤). مسند أحمد ٥ / ١٣٠.

(٥). صحيح البخاري بشرح ابن حجر ٨ / ٦٠٣ - ٦٠٤.

٣٨٦

أبهمه البخاري، لأنّني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان، ولفظه: قلت لأبيّ: إنّ أخاك يحكهما [ يحكها ] من المصحف. وكذا أخرجه الحميدي، عن سفيان، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، وكان سفيان تارة يصرّح بذلك وتارة يبهمه، وقد أخرجه أحمد أيضاً وابن حبّان من رواية حمّاد بن سلمة عن عاصم بلفظ: ان [ عبد الله ] ابن مسعود كان لا يثبت [ يكتب ] المعوّذتين في مصحفه، وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم، بلفظ: ان عبد الله يقول في المعوذتين، وهذا أيضاً فيه إبهام.

وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد [ زيد ] النخعي، قال: كان ابن مسعود يحك المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، قال الأعمش: و [ قد ] حدثنا عاصم عن زرّ عن أبي بن كعب، فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب الماضي، و قد أخرجه البزاز وفي آخره [ و ] يقول: إنما أمر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نتعوّذ بهما.

قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أنه قرأها في الصلاة. قلت: هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر، وزاد فيه ابن حبّان من وجه آخر عن عقبة بن عامر، فإنْ استطعت أن لا تفوتك قراءتهما [ في صلاة ] فافعل.

و أخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير، عن رجل من الصحابة أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أقرأه المعوّذتين وقال له: إذا أنت صلّيت فاقرأ بهما. وإسناده صحيح. ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل: إنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلّى الصبح فقرأ فيها بالمعوذتين.

وقد تأوّل القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الانتصار، وتبعه عياض وغيره، ما حكى عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنّه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلّا أن

٣٨٧

كان النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اذن في كتابته فيه وكأنّه لم يبلغه الاذن في ذلك قال: فهذا تأويل منه وليس جحداً لكونهما قرآناً، وهو تأويل حسن، إلّا أن الرواية [ الصحيحة ] الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله، نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور.

وقال غير القاضي: لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيّتهما، وإنما كان في صفة من صفاتهما [ صفتهما ] انتهى. وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بيّنه القاضي. ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع.

وأمّا قول النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وإنّ من جحد شيئاً منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر، وقد سبقه لذلك أبو محمد بن حزم، قال في أوائل المحلّى: ما نقل عن ابن مسعود من انكار قرآنيّة المعوّذتين، فهو كذب باطل، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظنّ أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل، والطعن في الروايات الصحيحة بغير سند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإنْ أراد استقراره فهو مقبول.

وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة: وإنّما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة، ولم يقل أنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفر لأن الاجماع لم يكن استقر، قال: ونحن الآن نكفّر من جحدها، قال: وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوّذتين يعني انه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك.

وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي، فقال: إنْ قلنا أن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإنْ قلنا أنه لم يكن متواتراً لزم أن بعض القرآن لم يتواتر. قال: وهذه عقدة صعبة، وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود، ولكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلت العقدة

٣٨٨

بعون الله تعالى »(١) .

وقال السيوطي بعد أن ذكر أحاديث في مسألة جزئية البسملة من كل سورة: « فهذه الأحاديث تعطي التواتر المعنوي بكونها قرآناً منزلاً في أوائل السور، ومن المشكل على هذا الأصل ما ذكره الامام فخر الدين، قال: نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنا إنْ قلنا أن النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإنْ قلنا لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان، فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل. قال: والأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة، وكذا قال القاضي أبو بكر لم يصح عنه أنها ليست بقرآن ولا حفظ عنه، إنّما حكّها وأسقطها من مصحفه إنكاراً لكتابتها لا جحداً لكونها قرآناً، لأنّه كانت السنّة عنده أن لا يكتب في المصحف إلّا ما أمره النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بإثباته فيه ولم يجده كتب ذلك ولا سمعه أمر به.

وقال النووي في شرح المهذّب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح.

وقال ابن حزم في المحلى: هذا كذب على ابن مسعود، موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زرّ عنه، وفيه المعوّذتان والفاتحة.

وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، فأخرج أحمد وابن حبان عنه أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كان عبد الله بن مسعود يحك

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٦٠٣ - ٦٠٤.

٣٨٩

المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله، وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه أنه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن نتعوذ بهما، وكان عبد الله لا يقرأ بهما أسانيدها صحيحة، قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح أنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قرأهما في الصلاة.

قال ابن حجر: فقول من قال إنه كذب مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، قال: وقد أوّله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق، قال: وهو تأويل حسن إلّا أن الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. قال: ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف، فيتم التأويل المذكور، قال: لكن من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع، قال: وقد أجاب ابن الصباغ بأنه لم يستقر عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره، لكن لم يتواترا عنده، انتهى

وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن: ظن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنّه رأى النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يعوّذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه، ولا نقول أنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار. قال: وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللّوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلّمها على كل أحد.

قلت: وإسقاطه الفاتحة من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسندٍ صحيح كما تقدم في أوائل النوع التاسع عشر »(١) .

___________________

(١). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٨١ - ٨٢.

٣٩٠

أقول:

فإذا لم يكن إنكار ابن مسعود المعوّذتين قادحاً في تواترهما وقرآنيّتهما، فإنّ قدح مثل أبي حاتم وغيره في حديث الغدير، لا يكون قادحاً في تواتره قطعاً، كيف والحال أن أبا حاتم وأمثاله لا يبلغون في الشرف والكرامة مرتبة تراب أقدام ابن مسعود!! بل إنّ غبار أنف فرس ابن مسعود مع رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أفضل من أبي حاتم وأمثاله، حسب ما نقله ابن حجر المكي في تفضيل معاوية على عمر بن عبد العزيز.

النقض بموقف بعضهم من حديث انشقاق القمر

وأيضاً: فإنّ كان إنكار أبي حاتم ومن حذا حذوه حديث الغدير يضرّ في تواتره، كان إنكار بعضهم حديث انشقاق القمر موجباً للقدح في تواتر هذه المعجزة العظيمة والكرامة الباهرة الثابتة - لرسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد جاء في ( نهاية العقول ) للرازي أنّ « الحليمي » قد منع وقوع انشقاق القمر. و « الحليمي » من أكابر علماء أهل السنّة ومن فطاحل أئمّتهم، كما لا يخفى على من راجع تراجمه في معاجم التراجم المعتبرة(١) .

لكن حديث انشقاق القمر متواتر قطعاً:

قال الشهاب القسطلاني: « وقال ابن عبد البرّ: قد روي هذا الحديث - يعني حديث انشقاق القمر - عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله الجمّ الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأيّد بالآية الكريمة. إنتهى.

___________________

(١). الأنساب الحليمي، وفيات الأعيان ٢ / ١٣٧، مرآة الجنان - حوادث سنة ٤٠٣ طبقات الأسنوي ١ / ٤٠٤.

٣٩١

وقال العلّامة ابن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب: الصحيح عندي أنّ انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن، مروي في الصحيحين وغيرهما، من طرق من حديث شعبة، عن سليمان عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن أبن مسعود. ثمّ قال: وله طرق أخر شتّى بحيث لا يمترى في تواتره انتهى »(١) .

وقال السيوطي في كلام له في معنى التواتر: « فقد وصف جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين أحاديث كثيرة بالتواتر، منها: حديث نزل القرآن على سبعة أحرف، وحديث الحوض، وانشقاق القمر، وأحاديث الهرج والفتن في آخر الزمان »(٢) .

فإذا لم يؤثّر إنكار « الحليمي » ومنعه وقوع إنشقاق القمر في تواتر هذا الحديث، كان إنكار بعض المتعصّبين حديث الغدير غير مؤثّر في تواتره كذلك.

ومن الغرائب إنكار الشاه وليّ الله الدهلوي هذا الحديث كذلك، وقد قال ما نصّه: « أمّا شقّ القمر، فعندنا ليس من المعجزات، إنّما هو من آيات القيامة، كما قال الله تعالى:( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ، ولكنه أخبر عنه قبل وجوده، فكان معجزة من هذا السبيل »(٣) .

عود إلى النظر في كلام عبد الحق الدهلوي

وأمّا استناد الشيخ عبد الحقّ بترك البخاري ومسلم والواقدي رواية حديث الغدير، فقد تقدّم الجواب عنه بالتفصيل في الردّ على كلام الفخر الرازي.

على أنّ ترك هؤلاء روايته، غير قادح في صحة الحديث، كما اعترف هو بذلك، وإذْ ليس قادحاً في صحته، فكيف يكون قادحاً في تواتره؟

وبالجملة، فإنّ دعوى عدم تواتر حديث الغدير، بالاستناد الى هذه

___________________

(١). المواهب اللدنية ١٥ / ٣٥٦.

(٢). إتمام الدراية / ٥٥، هامش مفتاح العلوم.

(٣). راجع: التفهيمات الالهية ٣ / ٦٥.

٣٩٢

الهفوات والأباطيل، من أعجب العجائب. ولنعم ما قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث إنشقاق القمر: « فأمّا من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه، فجوابه: أنه لم ينقل عن أحد منهم أنّه نفاه وهذا كاف، فإنّ الحجة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح النفي، حتى أنّ من وجد منه صريح النفي يقدّم عليه من وجد منه صريح الإثبات »(١) .

محمد البرزنجي

وممن وقع في هذه الورطة، محمد بن عبد الرسول البرزنجي، فإنّه مع دعوى انسابه إلى الدّوحة العلوية، وبالرغم من تصريحه بصحة حديث الغدير سلك سبيل مشايخه المتعصّبين، فتطرّق إلى الخلاف في صحّته وأثنى على من نسب إليهم القدح فيه، وعدّ فيهم أبا داود السجستاني - كذباً وبهتاناً - فقال:

« والخلاف في صحته ينفي تواتره، بل يخرجه عن كونه صحيحاً متّفقاً عليه، والطاعنون جمع من أئمّة الحديث أجلّاء، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم وغيرهما »(٢) .

حسام الدين السهارنبوري

وقال حسام الدين ابن الشيخ محمد بايزيد السهارنبوري:

ولا نسلّم أنّ الأمة تلقّت هذا الحديث بالقبول، لأن جماعة من الأئمة العدول وثقات المحدّثين المرجوع اليهم في هذا الشأن كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهما، طعنوا فيه، وتكلّموا في صحّته، على ما صرّح بذلك الشيخ ابن حجر -رحمه‌الله - في الصواعق، وعليّ القوشجي -رحمه‌الله - في شرح التجريد، وإنّ جماعة من أهل الحق والإيقان وأكابر المحدثين كالإمام البخاري

___________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٤٧.

(٢). نواقض الروافض - مخطوط.

٣٩٣

ومسلم والواقدي وغيرهم لم يرووه، كما ذكر الشيخ عبد الحق، وهؤلاء من أعاظم علماء السنّة والجماعة وأكابر أصحاب الحديث وأخبار خير البريّة - عليه الصلاة والتحيّة - وقد طافوا البلاد وساروا في الأمصار في طلب الأحاديث والآثار، وبلغوا في هذا العلم الشريف أقصى الغاية وارتقوا فيه على أعلى الدرجات.

فدعوى تلقي جميع الأمة حديثاً طعن فيه رؤساء المحدّثين وتركه ثقاتهم بالقبول باطلة وإثبات تواتره مع طعن أئمّة المحدثين وعدولهم فيه مشكل جداً »(١) .

أقول: لقد تبع هذا الرجل ابن حجر المكي وعبد الحق الدهلوي وأخذ عنهما هذه الخرافات، لكن لا يخفى من كلامه أنّه أكثر منهما تعصباً وأشد انحرافاً عن الحق، لأن ابن حجر وعبد الحق قد شهدا قبل القدح في حديث الغدير بصحته وكثرة طرقه، وأنه قد رواه ستة عشر من الصحابة وشهد به ثلاثون منهم على ما أخرجه أحمد، وأن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن، وقد أضاف عبد الحق أن القدح فيه مردود غير مسموع.

لكن صاحب المرافض لم يتعرض لهذه الكلمات الحقة، واقتصر على أخذ الخرافات وآيات التعصب والعناد منهما، فذكر كلماتهما الباطلة ونسج على منوالهما في تلك الدعاوي الكاذبة

وعلى كل حال، فلا يخفى بطلان هذه المناقشات وسقوطها عن درجة الاعتبار، ولا سيما دعوى قدح جماعة من الأئمّة العدول المرجوع إليهم في حديث الغدير، فإنّها دعوى كاذبة باطلة، كما ذكرنا مراراً، ويشهد بذلك نسبة القدح إلى أبي داود - تبعاً لغيره - وقد علمت أن أبا داود من رواة هذا الحديث الشريف.

ومن الجدير بالذكر أن صاحب المرافض قد نقل حديث الغدير عن أحمد ابن حنبل في فضائل أمير المؤمنين -عليه‌السلام - من ذي قبل.

___________________

(١). مرافض الروافض - مخطوط.

٣٩٤

ابن تيمية

وقال ابن تيمية: « أما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليس [ هو ] في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته. ونقل عن البخاري وابراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث، أنهم طعنوا فيه وضعّفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسّنه كما حسّنه الترمذي. وقد صنف أبو العباس ابن عقدة مصنفاً في جمع طرقه »(١) .

أقول:

أما قوله: « فليس في الصحاح » فيكفي في رده كلام القاضي سناء الله في ( السيف المسلول ) حيث صرح فيه برواية الجمهور هذا الحديث في الصحاح السنن والمسانيد، وقد سبق نص كلامه فيما مضى.

وأيضاً يتضح بطلانه من مراجعه: صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجة وصحيح ابن حبان والمستدرك والمختارة للضياء المقدسي - وهي كلّها من الكتب الصحاح لدى أهل السنة - فإنها قد أخرجت حديث الغدير.

ولقد اعترف ابن روزبهان - مع تعصبه - بكون هذا الحديث مخرجاً في الصحاح كما سيجيء ان شاء الله.

وأمّا: أن « البخاري » طعن فيه، فنقول: لقد كان أهل الحق في حيرة وعجب من ترك البخاري حديث الغدير، مع توفر شروط التواتر فيه بأضعاف مضاعفة، فهو مؤاخذ على تركه رواية هذا الحديث، حتى جاء ابن تيميّة فادّعى طعن البخاري فيه، وهذا أعجب من ذلك بكثير! وهل من الجائز الاعتماد على هكذا أناس في نقل السنة النبويّة؟

___________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٣٩٥

ولقد وقفت على طرف من قوادح البخاري وكتابه فيما سبق نقلاً عن أكابر القوم وستقف على طرف آخر منها فيما سيأتي إنْ شاء الله تعالى. وإنّ من أفحش قوادحه وأقبح مساويه استرابته في بعض أحاديث الامام الصادق -عليه‌السلام - تبعاً ليحيى القطان جعله الله قاطناً في دركات النيران، على ما ذكر ابن تيمية حيث قال:

« وبالجملة، فهؤلاء الأئمّة الأربعة ليس منهم من أخذ عن جعفر من قواعد الفقه، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة، وقد استراب البخاري في بعض أحاديثه لمـّا بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام، فلم يخرج له، ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري »(١) .

وأما: أن « ابراهيم الحربي » طعن فيه، فإنّ طعنه مردود بالوجوه التي ذكرناها في رد قدح ابن أبي داود

على أن هذا الرجل مقدوح لما ذكروا في ترجمته من أنه كان يستحسن الابتلاء بعشق الصبي المليح قال صلاح الدين الكتبي:

« وقال ياقوت: حدثني صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود ابن النجار، قال: حدثني أحمد بن سعيد الصباغ، يرفعه إلى أبي نعيم، قال: كان يحضر مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبّان للقراءة عليه، ففقد أحدهم، فسأل عنه من حضر، فقالوا: هو مشغول، ثم سأل يوماً آخر فقالوا: هو مشغول وكان قد ابتلي بمحبة شخص شغله عن الحضور، وعظّموا إبراهيم الحربي أن يخبروه بجلية الحال. فلما تكرّر السؤال عنه - وهم لا يزيدونه على أنه مشغول - قال: يا قوم، إن كان مريضاً قوموا بنا لنعوده، وإنْ كان مديوناً اجتهدنا في مساعدته

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٨٦.

٣٩٦

أو محبوساً سعينا في خلاصه، فخبّروني عن جلية حاله. فقالوا: نجلك عن ذلك فقال: لا بدّ أن تخبروني، فقالوا: إنه ابتلي بعشق صبي. فاحتشم إبراهيم ثم قال: هذا الصبي الذي ابلي بعشقه هو مليح أو قبيح؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم، وقالوا: أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال: إنه بلغني أن الانسان إذا ابتلي بمحبة صورة قبيحة، كان بلاء يجب الاستعاذة من مثله، وإنْ كان مليحاً كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة فيه. قال: فعجبنا مما أتى به »(١) .

أقول: وكيف لا يتعجبون مما أتى به؟ وعشق الصبي في غاية القبح والشناعة والفظاعة، وقد كتب الشيخ محمد حياة السندي - وهو من أكابر العلماء المتبحّرين - رسالة في النهي عن عشق صور المرد والنسوان قال فيها على ما نقل عنها معاصره القنوجي في ( اتحاف النبلاء ) بترجمته: « تلك لعمر الله الفتنة الكبرى والبلية العظمى استعبدت النفوس لغير خلّاقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشّاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد - إلى قوله -: إنما حكى الله العشق عن الكفرة قوم لوط وامرأة العزيز، وكانت إذ ذاك مشركة، والفتنة بعشق الصور تنافي أن يكون دين العبد كله لله، بل ينقص من دينه بحسب ما حصل له من فتنة العشق، وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شيء من الدين، والمفتون بالصور مخالف لقوله:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ) والمبتلى بها ليس بغاض بصره بل يلتذ بالنظر الحرام وربما يقع به في الزنا - إلى قوله: - فإنّ تعبّد القلب للمعشوق شرك وقد أثبت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اسم التعبد على المحبة لغير الله تعالى في قوله في الصحيح: تعس عبد الدينار وعبد الدراهم الخ ».

وقال الذهبي بترجمة إبراهيم الحربي: « قال المسعودي: كانت وفاة الحربي

___________________

(١). فوات الوفيات ١ / ١٦.

٣٩٧

المحدث الفقيه في الجانب الغربي وله نيف وثمانون سنة، وكان صدوقاً عالماً فصيحاً جواداً عفيفاً زاهداً عابداً ناسكا، وكان مع ذلك ضاحك السنّ ظريف الطّبع ولم يكن معه تكبّر ولا تجبّر، يمازح مع أصدقائه بما يستحيى منه ويستقبح من غيره »(١) .

قال: « ويروى أن ابراهيم لما صنّف غريب الحديث وهو كتاب نفيس كامل في معناه، قال ثعلب: ما لإِبراهيم وغرائب الحديث، رجل محدث، ثم حضر مجلسه فلما حضر المجلس سجد ثعلب وقال: ما ظننت أن على وجه الأرض مثل هذا الرجل »(٢) .

هذا، ولم ينقل الذهبي عن الحربي أنه أنكر على ثعلب سجوده له، فهو اذاً يجوّز السجود لغير الله تعالى، وهذا أيضاً من مساويه وقبائحه.

ومن مساويه طعنه في علي بن المديني - شيخ البخاري - إذ قال الذهبي: « قال أبو بكر الشافعي: سمعت إبراهيم الحربي يقول: عندي عن علي بن المديني قمطر ولا أحدّث عنه بشيء، لأنّه رأيته في المغرب وبيده نعله مبادراً، فقلت: إلى أين؟ قال: ألحق الصلاة مع أبي عبد الله، فظننته يعني أحمد بن حنبل، ثم قلت: من أبو عبد الله؟ قال: ابن أبي داود »(٣) .

وهذا لا يكون إلّا من التعنت

ولا بأس بنقل كلمات أساطين أهل السنة في الثناء على بن المديني ليتضح سقوط كلام الحربي ومدى انهماكه في التعصب المقيت:

قال النووي: « علي بن المديني الامام أحد أئمّة الاسلام المبرزين في الحديث. صنف فيه مائتي مصنف لم يسبق الى معظمها ولم يلحق في كثير منها، سمع أباه وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة ويحيى القطان وخلائق. روى عنه معاذ ابن معاذ وأحمد بن حنبل والبخاري وخلائق من الأئمّة، وأجمعوا على جلالته وإمامته

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦٤.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦١.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٦٩.

٣٩٨

وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره.

قال عبد الغني بن سعيد المصري: أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن مروان في وقته، والدر قطني في وقته.

وقال سفيان بن عيينة - وهو أحد شيوخ علي بن المديني -: حدثني علي بن المديني - وتلومونني على حب علي، والله لقد كنت أتعلّم منه أكثر ممّا يتعلّم منّي -.

وكان سفيان يسميه حيّة الوادي، وكان اذا سئل عن شيء يقول: لو كان حية الوادي.

وقال حفص بن محبوب: كنت عند ابن عيينة، ومعنا علي بن المديني وابن الشاذكوني، فلما قام ابن المديني، قال السفيان: إذا قامت الخيل لم نجلس مع رجّالة.

وقال محمد بن يحيى: رأيت لعلي بن المديني كتاباً على ظهره مكتوب المائة والنيف والستون من علل الحديث.

وقال عباس العنبري: كانوا يكتبون قيام ابن المديني وقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل أو نحو هذا، وكان ابن المديني إذا قدم بغداد تصدّر بالحلقة وجاء أحمد ويحيى والمعيطي والناس يتناظرون، فإذا اختلفوا في شيء تكلّم فيه.

وقال الأعين: رأيت ابن المديني مستلقياً، وأحمد بن حنبل عن يمينه ويحيى ابن معين عن يساره، وهو يملي عليهما.

وقال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد قط إلّا عند علي بن المديني.

وقال يحيى القطان: نحن نستفيد من ابن المديني أكثر مما يستفيد منا.

وقال عبد الرحمن بن المهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وخاصة بحديث ابن عيينة.

وقال أبو حاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل وكان أحمد بن حنبل لا يسميّه بل يكنّيه ابا الحسن تبجيلاً، وما سمعت أحمد سمّاه

٣٩٩

قط.

قال البخاري: توفي ابن المديني ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين بالعسكر»(١) .

ابن حزم

وقال ابن حزم الاندلسي - فيما نقل عنه ابن تيمية -: « وأما من كنت مولاه فعلي مولاه، فلا يصح من طريق الثقات أصلاً »(٢) .

أقول: أعوذ بالله من الكذب والبهتان والتفوه بمثل هذا الهذر والهذيان ولكن ابن حزم مشهور بالتعصب لبني أمية ماضيهم وباقيهم، وباعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين - عليهم الصلاة والسلام - إلى غير ذلك من مساويه وصفاته حتى أجمع فقهاء عصره على تضليله

ولا بدّ من نقل نصوص عبارات مشاهير علمائهم المحققين في ترجمته في هذا المقام:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « ولد بقرطبة سنة ٣٨٤، ونشأ في نعمة ورئاسة، وكان أبوه من الوزراء وولي هو وزارة بعض الخلفاء من بني أمية بالأندلس، ثم ترك واشتغل في صباه بالأدب والمنطق والعربية وقال الشعر وترسّل ثم أقبل على العلم فقرأ الموطأ وغيره. ثم تحوّل شافعيّاً فمضى على ذلك وقت ثم انتقل إلى مذهب الظاهر وصنف فيه وردَّ على مخالفيه.

وكان واسع الحفظ إلّا أنه لثقته بحافظته، كان يهجم على القول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة، وقد تتبع كثيراً منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري م المحلى خاصة، وسأذكر منها أشياء.

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٥٠ - ٣٥١.

(٢). منهاج السنة ٤ / ٨٦.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417