حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول9%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 222193 / تحميل: 5396
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

واختلاف الفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب (الأمر الثالث) أنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول بادلة حجية الخبر إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس لو لم نقل بان نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا، وكذا إذا لم يكن متضمنا له بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس إلا انه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه باحكامه وآثاره وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس بلا بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه اشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك كما أن المنصرف من الآيات والروايات على تقدير

______________________________

 (قوله: واختلاف الفاظ) معطوف على اختلاف نقل الاجماع (قوله: موهون جدا) لعدم الوثوق بصدق الناقل لو لم يكن الوثوق بخطئه (قوله: متضمنا له) يعني لرأي الامام (ع) (قوله: لنقل السبب) أي نقل رأي غير الامام وتسميته سببا بلحاظ مقام الاثبات أي كون العلم به سببا للعلم برأي الامام، وأما بلحاظ مقام الثبوت فالأنسب أن يكون رأي غيره مسببا عن رأيه (قوله: فيعامل حينئذ مع) سيأتي انشاء الله أنه لا فرق في إثبات الخبر كسائر الامارات بين المدلول المطابقي والتضمني والالتزامي وبين اللازم العقلي والعادي والاتفاقي لأنه كما يكشف عن المدول المطابقي. يكشف عن جميع المداليل المذكورة فإذا كان دليل الحجية مطلقا دل على حجيته في الجميع (قوله: الناقل بوجه) سواء أكان الوجه عقليا أم عاديا أم اتفاقيا (قوله: أظهره عدم نهوض) يعني أن أدلة الحجية للخبر لا تشمل الخبر عن حدس بل قد يدعى دخوله في معقد الاجماع على عدم حجية رأي المجتهد بالنسبة إلى مجتهد غيره إذ لا فرق بين نقله لرأى المعصوم معتمدا على قاعدة اللطف أو الملازمة بين الحكم العقلي والشرعي أو قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت العمل أو غيرها من القواعد التي تقع

١٠١

دلالتهما ذلك خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة. هذا فيما انكشف الحال وأما فيما اشتبه فلا يبعد أن يقال بالاعتبار فان عمدة أدلة حجية الأخبار هو بناء العقلاء وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم انه عن حس يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس حيث أنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشئ على التوقف والتفتيش عن أن عن حدس أو حس بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك. نعم لا يبعد أن يكن بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك امارة على الحدس أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة. هذا لكن الاجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا فلا اعتبار لها ما لم ينكشف ان نقل المسبب كان مستندا إلى الحس فلابد في الاجماعات المنقولة بالفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة الفاظها ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل

______________________________

في طريق استنباط الاحكام والتفصيل بلا فاصل (قوله: دلالتهما ذلك) أي غير ذلك أي ما كان عن حس (قوله: فان عمدة أدلة حجية) بل لو كان المستند فيها الآيات والروايات وكانت منصرفة إلى خصوص الخبر عن حس جاز الاعتماد مع الشك لبناء العقلاء على كون الخبر عن حس مع الشك في كونه كذلك فلا فرق في بنائهم على ذلك بين كون دليل الحجية الآيات والروايات أو نفس بناء العقلاء فتأمل (قوله: يعملون به فيما يحتمل) وإن لم يكن ظهور شخصي في كونه عن حس، ويشهد له عدم صحة الاحتجاج عند ترك العمل بالخبر باحتمال كونه عن حدس فلاحظ (قوله: حال الناقل) بملاحظة كونه من أهل التبحر والاطلاع والتثبت في النقل وانه لا يعتمد على ظاهر كلمات مشايخه في نقل الاجماع أو على بعض الوجوه التي يراها طريقا إلى فتوى الاصحاب في المسألة، ولا يبعد أن يكون الجامع لمثل هذه الصفات جماعة من المتأخرين كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني واضرابهم من المتبحرين المتثبتين قدس الله أرواحهم (قوله: وخصوص موضع النقل) بملاحظة كونه محررا في كتب الاصحاب أو مهملا في اكثرها

١٠٢

فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل فان كان بمقدار تمام السبب والا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الاقوال أو سائر الامارات بانه تم فافهم (فتلخص) بما ذكرنا أن الاجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي الامام (ع) بالتضمن أو الالتزام كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه (ع) وما نقله من الأقوال بنحو الجملة والاجمال وتعمه أدلة اعتباره وينقسم باقسامه ويشاركه في أحكامه وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية وأما من جهة نقل السبب فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الاقوال التي نقلت إليه على الاجمال بالفاظ نقل الاجماع مثل ما إذا نقلت على التفصيل فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الامارات مقدار كان المجموع منه وما نقله بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه أو ما له دخل فيه وبه قوامه كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل وخصوصية القضية الواقعة المسؤول عنها وغير ذلك مما له دخل في تعيين مرامه - عليه السلام - من كلامه. وينبغي التنبيه على أمور (الأول) أنه قد مر أن مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا

______________________________

 (قوله: تمام السبب) بان كان المقدار المنقول ملازما لرأي المعصوم بحيث يلزم من العلم به العلم به والا فلا يجدي النقل ما لم ينضم إلى المنقول ما لم انضم إليه لكان العلم بهما موجبا للعلم برأي المعصوم (قوله: إذا كان من نقل) قد عرفت أن أدلة الحجية بعد ما كانت لا تصلح لاثبات حجية الخبر عن حدس فلا وجه للالتزام بحجية الاجماع المنقول من حيث حكاية رأي المعصوم حتى عند من يرى الملازمة بل ليس الحجة الا نفس حكاية السبب الكاشفة عن ثبوت المسبب عند المحكى له من جهة بنائه على الملازمة لا حكاية نفس المسبب ولو عند من يرى الملازمة كما هو ظاهر، وعبارة المتن لا تخلو من ابهام (قوله: ولا تفاوت في اعتبار الخبر)

١٠٣

لقاعدة اللطف وهي باطلة، أو اتفاقا بحدس رأيه (ع) من فتوى جماعة وهي غالبا غير مسلمة وأما كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في ألسنة الاصحاب كما لا يخفى بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله - عليه السلام - على نحو الاجمال في الجماعة في زمان الغيبة وان احتمل تشرف بعض الاوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا فلا يكاد يجدي نقل الاجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز

______________________________

يريد أن يدفع اشكالا يرد على حجية الاجماع المنقول إذا لم يكن حاكيا لتمام السبب، وحاصله: أن بعض السبب إذا كان لا يترتب عليه الاثر وانما يترتب على التمام امتنع أن تشمله أدلة الحجية لأنه لابد من الأثر المصحح للتعبد كما لا يخفى وحاصل الدفع: أنه يكفي في الأثر المصحح للتعبد الأثر الضمني إذ لا ريب في حجية قول كل واحد من جزئي البينة مع أن الأثر لا يترتب إلا على تمام الخبرين ومجموعهما فكذا في المقام، ويشهد له أيضا ما ذكره من حجية الخبر الحاكي لبعض الخصوصيات التي لها دخل في الحكم مثل خصوصية السائل والزمان والمكان وغيرها مع أنها لا يترتب عليها تمام الأثر بالضرورة (قوله: لقاعدة اللطف) وهي التي اعتمدها الشيخ (ره) في حجية الاجماع، وحاصلها: أنه إذا أجمعت العلماء على رأي لابد أن يكون موافقا لرأي المعصوم (ع) لأنه يجب لطفا عليه الظهور أو إظهار من يبين الحق في تلك المسألة فلو كان العلماء على خلاف رأيه عليه السلام لردعهم وبين لهم الحق (قوله: وهي باطلة) إذ لا دليل عليها من شرع أو عقل، أما الاول فظاهر، وأما الثاني فلعدم حكم العقل بوجوب ذلك على الامام كما عن السيد المرتضى فقد قال في محكي كلامه: أنه يجوز ان يكون الحق فيما عند الامام (ع) والاقوال الأخر تكون كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لانا إذا كنا نحن السبب في استتاره فكلما يفوتنا من الانتفاع به وبتصرفه من الأحكام نكون قد اوتينا من قبل نفوسنا ولو ازلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى الينا الحق الذي عنده

١٠٤

من لفظه بما اكتف به من حال أو مقال ويعامل معه معاملة المحصل (الثاني) أنه لا يخفى أن الاجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر فلا يكون التعارض إلا بحسب المسبب وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل لكن نقل الفتاى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ لا يصلح لان يكون سببا ولا جزء سبب لثبوت الخلاف فيها الا ذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه السلام لو اطلع عليها ولو مع اطلاعه على الخلاف، وهو وان لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد إلا انه مع عدم الاطلاع عليها الا مجملا بعيد

______________________________

انتهى. قال الشيخ (ره) في العدة بعد نقل هذا الكلام: وهذا عندي غير صحيح لانه يؤدي الى انه لا يصح الاحتجاج باجماع الطائفة أصلا لانا لا نعلم بدخول الامام (ع) الا بالاعتبار الذي بيناه فمتى جوزنا انفراده (ع) بالقول ولا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالاجماع... الخ، وما ذكره الشيخ (ره) من الوجه كما ترى ومثله ما اشار إليه في كلامه الذي يرجع إلى أنه لو لم يجب عليه الظهور لم يحسن التكليف، فان ذلك لو تم لاقتضى وجوب اظهار الحق لكل احد من الامة وهو كما ترى ايضا فانه قريب من بعض شبهات التصويب، فلاحظ وتأمل (قوله: من لفظه) الضمير راجع إلى النقل (قوله: بما اكتنف) الباء بمعنى مع يعني ان نقل الاجماع حينئذ يكون اجداؤه من حيث كونه نقلا للسبب فلابد حينئذ من ملاحظة ظاهر النقل ولو من جهة الفرائن المكتنفة به حالية أو مقالية، فان كان ظاهرا فيما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة على رأي المعصوم ويكتفى به وإن لم يكن ظاهرا في ذلك وحصل له من غير جهة النقل ما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة والا فلا ينفع شيئا كما تقدم (قوله: فلا يكون التعارض الا) التعارض - كما سيأتي انشاء الله - تكاذب الدليلين وتنافيهما بحسب المدلول المطابقى أو التضمني أو الالتزامي فإذا نقل الاجماع على حكم والاجماع على

١٠٥

* فافهم (الثالث) انه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواثر وانه من حيث المسبب لابد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الاجماع بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم بها

______________________________

خلافه فهما من حيث حكم الامام (ع) متعارضان لتنافيهما فيه، واما من حيث السبب وهو نقل آراء غيره من العلماء، فان كان ظاهر نقل الاجماع حكاية آراء جميع العلماء كما لو كان مبنى الناقل قاعدة اللطف كان النقلان متعارضين أيضا لامتناع اجتماع العلماء على الحكمين معا فيكون النقلان أيضا متنافيين، وان كان ظاهر النقل حكاية آراء جماعة منهم حصل للناقل القطع برأي المعصوم (ع) من القطع برأيهم لحسن ظنه بهم لم يكونا متعارضين وجاز صدق كل منهما معا وحينئذ يثبت الخلاف عند المنقول إليه ولا يترتب على كل واحد من النقلين أثر إلا إذا كان السبب في أحدهما ملازما لرأي المعصوم (ع) لخصوصية فيه دون الآخر فيكون ذلك النقل حجة لدلالته بالالتزام على رأي المعصوم وكذا لو كان السبب في أحدهما قد انضم إليه ما يلازم رأي المعصوم مما حصله بنفسه أو نقله له ثالث غيرهما لكن الفرض الأول استبعده المصنف (ره) (قوله: فافهم) لعله اشارة إلى عدم الفرق بين الاطلاع الاجمالي والتفصيلي فان الاطلاع التفصيلي إذا كان ملازما لرأي المعصوم (ع) كان نقله ولو اجمالا حجة لانه مدلول التزامي للمنقول فتأمل أو إلى منع الا استبعاد لاختلاف حال الناقل عصره ومشايخه الذين اعتمدهم ومجرد الخلاف لا أثر له وكم من مسألة ليس المستند فيها إلا الاجماع مع وجود الخلاف وسبر المسائل الفقهية شاهد بذلك والخلاف إنما يقدح في الاجماع بناء على قاعدة اللطف لا غير (قوله: من حيث المسبب لابد) المتعارف من نقل التواتر نقل السبب ولا يرتبط بنقل المسبب بالمرة فلابد من اجراء أحكام نقل السبب لا غير عليه (قوله: لابد في اعتباره) يعني انما يعتبر نقل التواتر بلحاظ نقل السبب إذا كان يتضمن نقل مقدار من الأخبار بحيث تكون ملازمة للمسبب بنظر المنقول إليه أيضا هذا ولكن عرفت أن نقل المسبب إذا كان مستندا إلى الحدس لا يكون

١٠٦

ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه كما إذا اخبر به على التفصيل فربما لا يكون إلا دون حد التواتر فلابد في معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحد نعم لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة - ولو عند المخبر - لوجب ترتيبه عليه ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار

فصل

مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ولا يساعده دليل وتوهم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر فيه ما لا يخفى ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره افادته الظن غايته تنقيح ذلك بالظن وهو لا يوجب الا الظن بانها أولى بالاعتبار ولا اعتبار به - مع أن دعوى القطع بانه ليس بمناط

______________________________

حجة وإنما يكون الخبر حجة حينئذ بلحاظ نقل السبب فيدل بالالتزام على وجود المسبب إذا كانت الملازمة ثابتة عند المنقول إليه فاللازم عدم التعرض لنقل التواتر من حيث نقل المسبب والاقتصار على حكمه من حيث نقل السبب لا غير (قوله: ومن حيث السبب) يعني ينظر إلى لسان النقل ولو بقرينة حال الناقل فان كان دالا على مقدار من الاخبار تلازم رأي المعصوم بنظر المنقول إليه كان حجة كما عرفت وإلا فلا إلا أن ينضم إليه ما يوجب العلم بالواقع كما فصل سابقا (قوله: وتوهم دلالة أدلة) هذا أحد الوجوه التي يتوهم منها حجية الشهرة وحاصله: ان الأدلة الدالة على حجية الخبر تدل على حجيتها بمفهوم الموافقة لأنها أولى من الخبر لكون الظن الحاصل منها أقوى من الظن الحاصل بالخبر (قوله: ضرورة عدم دلالتها) يعني أن مفهوم الموافقة إنما يكون حجة إذا كان قد أحرز مناط حكم المنطوق ولم يثبت كون مناط حجية الخبر كونه مفيدا للظن غاية الامر أنه يظن

١٠٧

غير مجازفة وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى: (خذ بما اشتهر بين أصحابك) وفي الثانية: (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به) هو الرواية لا ما يعم الفتوى كما هو أوضح من أن يخفى. نعم بناء على حجية الخبر

______________________________

كون المناط هو الظن والظن بالمناط لا اعتبار به لعدم دليل على اعتباره (قوله: غير مجازفة) إذ لو كان هو المناط لم يتخلف عند الحكم واللازم باطل إذ لا ريب في عدم حجية فتوى الفقيه مع إفادتها للظن، مضافا إلى أن كون الظن الحاصل من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من الخبر أول الكلام، كيف وقد ذكر في المعالم أن خبر العادل أقوى الظنون ؟ فلاحظ (قوله: وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة) هذا هو الوجه الثاني من وجوه حجية الشهرة وحاصله الاستدلال بالنصوص الخاصة عليه (أحدها) ما رواه ابن أبي جمهور في كتاب غوالي اللئالي عن العلامة (ره) مرفوعا إلى زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ؟ فقال يا زرارة: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر... الحديث، فانها تدل على وجوب الأخذ بما اشتهر مطلقا ولو كان فتوى، ولو سلم أنها ظاهرة في خصوص الرواية لكن تعلق الحكم على وصف الاشتهار يدل على كونه مناط الحكم (ثانيها) ما رواه المشايخ الثلاثة عن عمر بن حنظلة (وفيها) بعد ما فرض السائل تساوي الراويين في العدالة ونحوها قال (ع): ينظر في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه... الحديث، ووجه الاستدلال ما تقدم بل هو هنا أظهر من جهة الاشتمال على التعليق بقوله: فان المجمع... الخ، فانه يقتضي التعدي عن مورده كما هو ظاهر والرواية الاولى تسمى في لسانهم (المشهورة) والثانية (المقبولة) ووجه التسمية ظاهر (قوله: هو الرواية) لانصرافها من لفظ الموصول فلا إطلاق له يشمل

١٠٨

ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته بل على حجية كل امارة مفيدة للظن أو الاطمينان لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد

فصل

المشور بين الاصحاب حجية خبر الواحد في الجملة بالخصوص ولا يخفى أن هذه المسألة من اهم المسائل الاصولية وقد عرفت في أول الكتاب أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة وعليه لا يكاد يفيد في ذلك أي كون هذه المسألة أصولية تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن احوال الدليل ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة بل عن حجية الخبر الحاكي عنها

______________________________

الفتوى وأما تعليق الحكم على الوصف فليس ظاهرا في العلية بحيث يعول عليه ولذا قيل: انه يشعر بالعلية، والاشعار ليس ظهورا وأما التعليل فانما يقتضي وجوب الأخذ بما لا ريب فيه وهو مما لا ريب فيه إلا أن المشهور فتوى ليس كذلك (قوله: دون اثبات ذلك) الظاهر أن المشار إليه بذلك حجية الخبر ببناء العقلاء لكن يشكل قوله: خرط القتاد، لما تقدم من أن عمدة أدلة حجية الخبر بناء العقلاء، وسيأتي اثباته بذلك ايضا ولو كان المشار إليه هو الدعوى التي لم يستبعدها فعدم المناسبة ظاهرة أيضا

حجية خبر الواحد

(قوله: في طريق الاستنباط) يعني استنباط الأحكام الكلية الذي هو وظيفة المجتهد لا الأحكام الجزئية التي هي وظيفة العامي فان ما يقع في طريق استنباطها هو المسائل الفرعية (قوله: وعليه لا يكاد يفيد) يعني بناء على ما اشتهر من

١٠٩

كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة وهي (قول الحجة أو فعله أو تقريره) هل يثبت بخبر الواحد أو لا يثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة ؟ فان التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس من عوارضها بل من عوارض مشكوكها كما لا يخفى

______________________________

أن الموضوع لعلم الأصول هو الأدلة الأربعة يشكل جعل مسألة حجية الخبر من مسائل الأصول لأن موضوعها وهو الخبر ليس من الأدلة الأربعة، أما كونه ليس الكتاب والاجماع والعقل فواضح، وأما أنه ليس من السنة فلأن السنة فعل المعصوم، وقوله، تقريره، وليس هو أحدها وإنما هو حاك عن أحدها والحاكي غير المحكي. ومن هنا يظهر أن ما تجشمه صاحب الفصول (ره) في دفع الاشكال من أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن حال الدليل ليس له مساس في دفع هذا الاشكال لأن البحث عن حجية الخبر وإن كان بحثا عن دليلية الخبر لكنه ليس بحثا عن دليلية أحد الأدلة الأربعة بل هو بحث عن دليلية الحاكي لأحدها. ومنه يظهر الاشكال على شيخنا الاعظم (ره) حيث يظهر منه صحة ذلك جوابا عن الاشكال لولا أنه تجشم، ووجه كونه تجشما كون المسائل الاصولية يبحث فيها عن أحوال الادلة في فرض كونها أدلة فلا يكون البحث عن دليلتها بحثا في المسألة أصولية (قوله: كما لا يكاد يفيد) هذا تعريض بشيخنا الاعظم (ره) حيث أجاب عن الاشكال بان مرجع البحث في المقام إلى أن السنة - أعني قول المعصوم وفعله وتقريره - هل تثبت بخبر الواحد ؟ فيكون البحث حينئذ بحثا عن عوارض الدليل وهو السنة وحاصل التعريض: أن الثبوت المبحوث عنه ليس هو الثبوت حقيقة بل الثبوت تعبدا الراجع إلى وجوب العمل وترتيب آثار الثبوت الحقيقي وهذا المعنى من الثبوت ليس من عوارض السنة إذ لا نزاع في وجوب العمل بالسنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الذي هو مؤدى الخبر ومن أحواله كما هو ظاهر، وقد

١١٠

- مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر والمبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره لا ما هو لازمه كما هو واضح، وكيف كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن ادريس عدم حجية الخبر واستدل لهم بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم والروايات الدالة على رد ما لم يعلم انه قولهم - عليهم السلام - أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان، أو لم يكن موافقا

______________________________

تقدم (قوله: مع أنه لازم لما يبحث عنه) يعني مع أنه يرد عليه اشكال آخر وهو أن الثبوت ليس هو المبحوث عنه بل المبحوث عنه هو الحجية ومن لوازمها الثبوت المذكور والملاك الذى تعد به المسألة من مسائل الفن كون نفس المبحوث عنه من عوارض الموضوع فلا يكفي كون لازمه من العوارض إلا أن يقال: إن الحجية لما كانت عند بعضهم بن الاعتباريات المنتزعة فالبحث عنها لابد أن يكون بحثا عن نفس منشأ الانتزاع وهو ثبوت المؤدى، والملاك الذي به تعد المسألة من مسائل الفن ما يكون المبحوث عنه حقيقة من العوارض لا ما يكون المبحوث عنه عرضا كذلك كما أشار إليه في مبحث الاجتماع فتأمل، وربما يجاب بانه لما كان مفاد أدلة حجية الخبر كونه بمنزلة العلم - كما أشرنا إليه في مبحث قيام الامارات مقام العلم - كان البحث في الحقيقة عن أن السنة هل تعلم بالخبر أولا ؟ فيكون المبحوث عنه العلم بها وهو من العوارض للسنة الواقعية (فان قلت): العلم ليس من عوارض السنة الواقعية لان العلم لا يتعلق بالوجودات الواقعية وانما يتعلق بالصور الذهنية، (قلت): يكفي ذلك في عده من عوارض الواقع لحكاية الصور عن الواقع والحاكي بنظر عين المحكي ولذا كان موضوع علم الفقه فعل المكلف مع أن الاحكام التكليفية لا تتعلق بالفعل الخارجي بل تتعلق بنفس الصورة ايضا نظير العلم. ويمكن الخدشة فيه بان البحث عن كون السنة معلومة إن كان بلحاظ الآثار الشرعية للعلم كانت المسألة من المبادئ التصديقية لعلم الفقه لكون البحث فيها عن وجود

١١١

للقرآن إليهم أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق الكتاب أو السنة... إلى غير ذلك، والاجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه بل حكي عنه انه جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة، والجواب أما عن الآيات فبأن الظاهر منها أو المتيقن من اطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم الفروع الشرعية، ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الاخبار، وأما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فانها أخبار آحاد (لا يقال): إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى الا انها متواترة إجمالا

______________________________

الموضوع وإن كان بلحاظ وجوب العمل فليس ذلك من آثار العلم بالسنة المقصود بالبحث لان وجوب العمل (عقلا) من آثار منجزية الخبر للواقع وقد عرفت أن المناط فيه ليس هو العلم بالنسة (وشرعا) من آثار نفس قيام الحجة ولو لم تكن علما، مع أن ثبوته محل اشكال فتأمل (قوله: للقرآن إليهم) كلمة (إليهم) متعلقة بقوله: رد ما لم يعلم (قوله: أو على بطلان) معطوف على قوله: على رد (قوله: فبأن الظاهر منها أو) يمكن منع ذلك فان موردها وإن كان أصول الدين إلا أن ورودها مورد التنديد بالكفار والتعليل في بعضها بان الظن لا يغني عن الحق شيئا مما يوجب حفظ ظهورها في العموم كما لعله ظاهر بالتأمل، (قوله: ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة) بل الظاهر أن تلك الادلة حاكمة على ما دل منها على عدم جواز العمل بغير العلم مثل قوله سبحانه: ولا تقف ما ليس لك به علم، بناء على أن مفاد أدلة الحجية جعل الخبر علما تنزيلا بل هي كذلك بالاضافة إلى ما دل على عدم جواز العمل بالظن بناء على أن مفادها (أي أدلة الحجية) نفي كونه ظنا وأنه علم، مضافا إلى امكان دعوى ظهور أدلة المنع عن الظن في كونه ليس في نفسه من حيث كونه ظنا حجة، وحينئذ فلا تنافي أدلة الحجية الدالة على أنه من حيث كونه ظنا خاصا حجة لعدم التنافي بين المقتضي واللا مقتضي كما هو ظاهر

١١٢

للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة (فانه يقال): إنها وإن كانت كذلك الا انها لا تفيد الا فيما توافقت عليه وهو غير مفيد في اثبات السلب كليا كما هو محل الكلام ومورد النقض والابرام وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة والالتزام به ليس بضائر

______________________________

فان لم يتم شئ مما ذكرنا كان الجواب ما ذكره المصنف (ره) من كون أدلة حجية الخبر مخصصة لها لاختصاصها بالخبر في الفروع، وعموم تلك الادلة لغير الخبر وللأصول (قوله: للعلم الاجمالي بصدور) لا يخلو من تأمل فان الحر - رحمه الله - قد عقد في كتاب القضاء من وسائله بابا ذكر فيه الأخبار المذكورة إلا أن أكثرها وارد في المتعارضين، وليس مما نحن فيه وفى كون الباقي مما يبلغ حد التواتر الاجمالي محل تأمل ومحتاج إلى المراجعة (قوله: إلا فيما توافقت عليه) فان المضمون الذي توافقت عليه النصوص المعلوم إجمالا صدور بعضها مما يعلم بصدوره عن المعصوم أما ما اختلفت فلا يعلم صدوره فلا يعلم وجوب العمل به (قوله: وهو غير مفيد) يعني أن ما توافقت عليه النصوص وان كان يجب العمل به لكنه لا ينفع في اثبات نفي الحجية عن كل فرد من الخبر كما هو مدعى النافين وإنما ينفع في نفي الحجية عن نوع خاص منه وذلك ليس محل الكلام هنا لان الكلام في حجية الخبر في الجملة ولو لبعض أفراده بمعنى الموجبة الجزئية والدليل المذكور للنافي إنما يقتضي السالبة الجزئية وهي لا تنافي الموجبة الجزئية التي يدعيها المثبت ولا تثبت السالبة الكلية التي يدعيها النافي (قوله: وإنما تفيد عدم) هذا بيان لما اتفقت عليه النصوص وأنه عدم حجية المخالف للكتاب السنة معا لكن ذلك يتوقف على عدم التواتر الاجمالي فيما ليس بهذا المضمون لان الاخبار المتضمنة لهذا المضمون نادرة فلاحظ (قوله: ليس بضائر) يعني لا يقدح في دعوى حجية الخبر في الجملة. هذا ولكن بناء القائلين بحجية الخبر على تخصيص الكتاب والسنة المتواترة به فلابد حينئذ من التفصي عن هذا الاستدلال بوجه آخر ولا بأس بان يقال: إن من جملة الاخبار المانعة ما دل

١١٣

بل لا محيص عنه في مقام المعارضة وأما عن الاجماع فبأن المحصل منه غير حاصل والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصا في المسألة كما يظهر وجهه للمتامل - مع أنه معارض بمثله وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه وقد استدل للمشهور بالأدلة الاربعة

فصل في الايات التى استدل بها

فمنها آية النبأ قال الله تبارك وتعالى (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط

______________________________

على أن الخبر المخالف للكتاب زخرف - كما في رواية ابن الحر - أو: لم أقله - كما في قول النبي صلى الله عليه وآله في رواية هشام بن الحكم - وحيث أن هذا المضمون مما يأبى عن التخصيص وجب حمل المخالفة فيه على المخالفة بنحو التباين للعلم الاجمالي بصدور الاخبار المخالفة عن المعصومين - صلى الله عليهم أجمعين - فيكون المتيقن من أدلة المنع ما كان مخالفا للكتاب بنحو التباين ويبقى غيره خاليا عن المانع فيرجع فيه إلى الأدلة الدالة على الحجية (قوله: بل لا محيص عنه) بل هو مسلم ظاهرا بين القائلين بالحجية (قوله: غير قابل) لعدم ثبوت حجيته كما تقدم (قوله: خصوصا في المسألة) لأن حجيته على المنع تتوقف على اثبات حجية الخبر فكيف يكون نافيا لها لان حجيته حينئذ يلزم من وجودها عدمها، ولو قيل: إنه لا يشمل نفسه، قلنا: ولكن لا يثبت نفسه، وإن شئت قلت: يعلم إجمالا بعدم حجية هذا الاجماع المنقول إما لأن الخبر حجة فيكون مخالفا للواقع أو ليس بحجة وهو من أفراده (قوله: معارض بمثله) وهو إجماع الشيخ (ره) المعتضد باجماع جماعة كما قيل (قوله: من وجوه) احدها من جهة مفهوم الوصف المبتني على القول بحجية مفهوم الوصف (ثانيها) من جهة مفهوم خصوص الوصف الخاص أعني الفسق فان خصوصيته مناسبته لعدم القبول من جهة

١١٤

وأن تعليق الحكم بايجاب التبين عن النبأ الذي جيئ به على كون الجائي به الفاسق يقتضي انتفاءه عند انتفائه. ولا يخفى أنه

______________________________

عدم ما يوجب الأمن من تعمد الكذب في الفاسق (ثالثها) من جهة التبين المأمور به إذ ليس المراد به التبين العلمي بل التبين العرفي، ومن المعلوم حصوله بنفس خبر العادل فيكون بنفسه حجة (رابعها) من جهة التعليل في الآية الشريفة بمخافة الوقوع في الندم وخبر العادل لا يخاف من الوقوع في الندم من العمل به لان الندم إنما يحسن اطلاقه على ارتكاب ما لا يحسن فعله عند العقلاء كالاعتماد على خبر الفاسق ولا كذلك الاعتماد على خبر العادل ولو انكشف كونه مخالفا للواقع، وكأن المصنف (ره) أشار بقوله: أظهرها، إلى ما فيها من الاشكال إذ (الاول) مبني على القول بمفهوم الوصف والتحقيق خلافه (والثاني) يرجع إلى الظن بالعلية غير المستند إلى ظاهر الكلام وحجية مثله أول الكلام (والثالث) مبني على ارادة التبين العرفي المسامحي من قوله تعالى: فتبينوا، وهو خلاف الظاهر من مادة البيان (والرابع) فيه أن ظاهر الآية كون الندم على مجرد إصابة القوم بالجهالة من حيث كونها جهالة وهذا المعنى موجود بخبر العادل، وليس المراد منه السفاهة فانه خلاف الظاهر، لكن سيأتي قريبا من المصنف (ره) أن دعوى ذلك غير بعيدة لكن لا يخفى أنها خلاف مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد بن عقبة - لعنه الله - إذ لا ريب في انه لم يكن سفاهة كما هو واضح جدا (قوله: وأن تعليق الحكم بايجاب) من أهم مقاصد المثبتين والنافين والمستدلين بهذه الآية الشريفة والرادين معرفة أن موضوع القضة الشرطية هو مطلق النبأ والشرط حال من احواله أو هو نبأ الفاسق والشرط وجوده، وتوضيح ذلك: أن من الموضح في محله أن الحكم في المفهوم يجب أن يكون نقيضا للحكم في المنطوق وإنما جاز اجتماعهما في القضايا الشرطية لكون أحدهما ثابتا في حال الشرط والآخر ثابتا في حال نقيضه، مثلا مفهوم قولنا: ان جاء زيد فأكرمه، إن لم يجئ زيد لا يجب اكرامه، وقولنا: لا يجب اكرام زيد، نقيض قولنا: يجب إكرامه،

١١٥

على هذا التقرير لا يرد أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع

______________________________

المستفاد من جزاء الشرطية فإذا كان المفهوم نقيضا للمنطوق يجب أن يكون متحدا معه في جميع الخصوصيات المأخوذة فيه في القضية من الموضوع والمكان والزمان وغير ذلك، فان الاتحاد في الخصوصيات من مقومات التناقض بين الشيئين وحينئذ فإذا كان موضوع الحكم في الجزاء هو خبر الفاسق والشرط وجوده بحيث يكون مفاد الآية الشريفة مفاد قولنا: إن وجد خبر الفاسق فتبين عنه، امتنع افادة الآية لحجية خبر العادل لأن خبر العادل لما كان غير خبر الفاسق فعدم التبين عنه لا يكون نقيضا لوجوب التبين عن خبر الفاسق لاختلاف الموضوع المانع من ثبوت التناقض بينهما وإذا كان موضوع الحكم نفس النبأ مطلقا والشرط حال من أحواله وهو كون الجائي به فاسقا دلت الآية على حجية خبر العادل لأنه من أفراد موضوع الحكم فيه فينتفي عنه الحكم بوجوب التبين لانتفاء الشرط وهو كون الجائي به فاسقا وحينئذ فالعمدة في المقام تشخيص ظهور الآية في أحد المفادين، والذي يطهر من المصنف (ره) أنها ظاهرة في المفاد الثاني وأن موضوع الحكم نفس النبأ والشرط كون الجائي به فاسقا خلافا لشيخه (ره) في رسائله فادعى ظهورها في الاول وأنها من قبيل: إن رزقت ولدا فاختنه، و: إن تزوجت فلا تضيع حق زوجتك، ونحوهما، وهذا الذي ادعاه شيخه (ره) هو الذي يقتضيه التدبر، فان قوله تعالى فتبينوا، وإن كان خاليا عن الصلة إلا أنها بتقدير (عنه) يعني فتبينوا عنه كما اعترف به المصنف (ره) والضمير إنما يرجع إلى النبأ الذي جاء به الفاسق المذكور في الشرط، ولا وجه لارجاع إلى مطلق النبأ، وقوله تعالى: إن جاءكم، بمنزلة قوله: إن أخبركم، والاخبار عين وجوده الخبر فالشرط حينئذ نفس الوجود لا صفة في المخبر وهو كونه فاسقا كما هو ظاهر فكيف يدعى ظهورها في غيره ؟ (قوله: على هذا التقرير لا يرد) لم يتقدم منه إلا تصوير التقرير بلا تعرض لاثباته وبيان ما يوجب كونه ظاهر الآية كما لا يخفى وحينئذ فلا يجدي

١١٦

فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع فافهم. نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيئ الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع - مع أنه يمكن أن يقال: إن القضية - ولو كانت مسوقة لذلك - إلا أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر فتدبر

______________________________

في دفع الايراد المذكور (قوله: فلا مفهوم له أو مفهومه) الظاهر أن القضية في المقام مما لا مفهوم لها لا أن مفهومها سالبة بانتفاء الموضوع وذلك من جهة أن وجوب التبين يمتنع أن يكون نفسيا إذ لا ريب في خلافه ولا غيريا لعدم كونه مقدمة لواجب شرعي ولا إرشاد بالعدم وجوب التبين عقلا إلا في مقامات مخصوصة توقف فيها العلم بالامتثال على العلم بالواقع فلابد أن يكون كناية عن عدم حجية الخبر فكأنه قيل إن جاءكم فاسق بنبأ فخبره ليس بحجة، وحينئذ فالمفهوم يكون موجبة بانتفاء الموضوع لا سالبة كذلك، وحيث أن الموجبة بانتفاء الموضوع ممتنعة لا مجال لدعوى المفهوم في المقام أصلا، مضافا إلى أنه لو سلم كون حكم المنطوق موجبا وأن المفهوم يكون سالبة بانتفاء الموضوع لكن ثبوت المفهوم ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع إنما يصح في القضايا الشرطية الخبرية لا الشرعية لان انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ضروري ذاتي لا شرعي فلا مجال لاعمال التشريع فيه فقولنا: إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب عليك ختانه، ليست مما يمكن أن تكون شرعية كما هو ظاهر، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم، (قوله: مع أنه يمكن أن يقال ان) لعل الوجه فيما ذكره أن المفهوم وان كان يجب أن يتحد مع المنطوق في جميع الخصوصيات المذكورة في القضية من موضوع وغيره لكن يجب أن يعرى عن خصوصية الشرط فيكون المنطوق ثابتا في حال الشرط والمفهوم ثابتا في غير حاله وحينئذ فإذا كان الشرط نفس الموضوع فمقتضي لزوم تعريته عن خصوصية الشرط لزوم تعريته عن خصوصية الموضوع فيكون

١١٧

* ولكنه يشكل بانه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن التعليل باصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم. ولا يخفى أن الاشكال إنما يبتني على كون الجهالة

______________________________

المفهوم حينئذ عدم حكم المنطوق ولو في غير ذلك الموضوع فيكون المفهوم في المقام عدم وجوب التبين ولو عن غير الفاسق إذا لم يوجد خبر الفاسق وهو المطلوب (وفيه) أن التعرية عن خصوصية الشرط وان كانت مسلمة لكن خصوصية الشرط في المقام وجود الموضوع وتعريته عن وجود الموضوع لا يقتضي تعريته عن نفس الموضوع مثلا إذا قيل إذا وجد لك ولد فاختنه، فالضمير في الجزاء راجع إلى وجوده حينئذ فتعرية الحكم عن وجود الولد لا يقضتي تعريته عن نفس الولد ولذا كان المفهوم: إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب ختانه، فالضمير راجع إلى ولده لا إلى مطلق الولد فكذا في المقام ولا وجه حيئذ لظهور الآية في عدم وجوب التبين عن مطلق الخبر. هذا لو أراد المصنف (ره) دعوى الدلالة من جهة أداة الشرط وأما لو أراد دعوى الدلالة من جهة أخرى فقد عرفتها وعرفت ما فيها ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فتدبر، (قوله: ولكنه يشكل بانه ليس) هذا الاشكال الثاني من الاشكالين اللذين زعم شيخنا الأعظم في رسائله عدم امكان الذب عنهما (يعني عدم امكان دفعهما) وحاصله: أنه لو سلم كون القضية المذكورة في نفسها ظاهرة في المفهوم فهي لما كانت معللة بعدم اصابة القوم بالجهالة المستفاد من قوله تعالى: أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، دلت على أن الوجه في وجوب التبين هو اصابة قوم بجهالة والوقوع في خلاف الواقع، ومن المعلوم أن هذا المانع لا يختص بخبر الفاسق فان خبر العادل مثله أيضا فيدل التعليل على المنع عن العمل بخبر العادل، وحينئذ يقع التعارض بين المفهوم المقتضي لجواز العمل يخبر العادل والتعليل المانع عنه، ولا ريب في كون التعليل مقدما على المعلل لكونه حاكما عليه فقد يرفع به اليد عن عمومه كما في أكرم العلماء لانهم عدول، أو عن خصوصه كما في قوله: أكرم زيدا لأنه عادل

١١٨

* بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة. ثم انه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الامام - عليه السلام - بواسطة أو وسائط فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي

______________________________

فانه في الأول يقتضي التخصيص بالعدول من العلماء، وفي الثاني يقتضي التعميم لكل عادل بل وكذا في الأول فيوجب اكرام الجهلاء العدول كما انه في الثاني يقتضي التخصيص بحال العدالة فلا يشمل زيدا حال الفسق فكذا الحال في المقام يقتضي تعميم المنع لخبر العادل أيضا (فان قلت): المفهوم حاكم على التعليل في المقام لأنه إذا دل على جواز العمل بخبر العادل فقد دل على كونه علما تنزيلا كما عرفت الاشارة إليه فلا يكون العمل به موجبا لاصابة قوم بجهالة بل يكون بعلم كما لا يخفى (قلت): الاصل في التعليل أن يكون ارتكازيا لا تعبديا والارتكاز العقلائي يقتضي كون المنع من جهة كون خبر الفاسق جهلا حقيقة بذاته، وهذا المانع بعينه حاصل في خبر العادل ولو بالنظر إلى المفهوم لان المفهوم إنما يقتضي كونه علما تعبدا لا حقيقة، وكونه علما تعبدا لا يوجب ارتفاع المحذور المذكور في التعليل كما هو ظاهر (فان قلت): المفهوم أخص مطلقا من التعليل والخاص - ولو كان مفهوما - مقدم على العام ولو كان تعليلا (قلت): هذا مسلم إذا كان المفهوم مستفادا من الكلام الخالي عن التعليل أما إذا كان مستفادا منه فلا، والسر فيه: ان المفهوم لما كان مدلولا للكلام من جهة دلالته على خصوصية في المنطوق تلازم المفهوم يقع التعارض في الحقيقة بين التعليل وبين المعلل في دلالته على الخصوصية وقد عرفت أن التعليل مقدم والظهور المنعقد تابع له (قوله: بمعنى عدم العلم) كما هو مقتضي مادة الاشتقاق (قوله: غير بعيدة) بل هي بعيدة بملاحظة مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد - لعنه الله - (قوله: فانه كيف يمكن الحكم) إعلم أن في ثبوت السنة بالاخبار بالواسطة - كما لو أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا (ع) أنه يجب الغسل يوم الجمعة - إشكالين أحدهما

١١٩

ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الاثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر لانه وإن كان أثرا شرعيا لهما إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس في ان يكون بلحاظه أيضا حيث أنه صار أثرا يجعل آخر فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل

______________________________

ما أشار إليه المصنف (ره) بهذا الكلام وهو يختص بالاخبار عن الواسطة كخبر الكليني، وثانيهما يختص بخبر البزنطي وما بعده ولا يشمل خبر الكليني، وحاصل الاشكال الاول أنه لا ريب في أن جعل الحجية للخبر ووجوب تصديقه في فرض يكون لمؤداه أثر عملي وإلا كان الجعل لغوا بل لا معنى له أصلا، وعليه فالاثر للمؤدى يكون من علل وجود الحجية ووجوب التصديق فلابد أن يكون متقدما عليه رتبة تقدم العلة على معلولها فإذا كان مؤدى الخبر خبرا آخر كخبر الكليني الحاكي عن خبر علي بن ابراهيم ولم يكن للخبر المؤدى أثر غير وجوب تصديقه يلزم أن يكون وجوب التصديق الثابت للخبر الحاكي كخبر الكليني منشأ بلحاظ وجوب التصديق الثابت لخبر علي بن ابراهيم فيكون الأثر المصحح لوجوب تصديق خبر الكليني عين وجوب التصديق وهو مستحيل لما عرفت من وجوب كونه غيره متقدما عليه رتبة، وهذا الاشكال بعينه يجري في الاخبار بالعدالة من حيث ترتب وجوب التصديق على خبره لا غيره من الآثار مثل جواز الائتمام به ونحوه فانه لا مجال للاشكال فيه لاختلاف الأثر (قوله: ليس إلا بمعنى) يعنى ليس معنى وجوب التصديق إلا وجوب ترتيب الأثر الشرعي الثابت للمخبر به فيكون أثر المؤدى من قبيل الموضوع لوجوب تصديق الخبر (قوله: بلحاظ نفس هذا) لان الأثر الشرعي عين هذا الوجوب فكيف يكون وجوب التصديق ثابتا بلحاظ نفسه وموضوعا لنفسه ويكون بنفسه مصححا لنفسه (قوله: نعم لو أنشأ هذا) يعني لو كان هناك إنشاءان أحدهما إنشاء

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران ولا وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا لاجل ان دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة ضرورة أنه رب واجب يكون مقدما على الحرام في صورة المزاحمة بلا كلام فكيف يقدم على احتماله احتماله في صورة الدوران بين مثليهما فافهم

______________________________

الجانبين (قوله: ووجب) معطوف على (لا يجوز) وضمير بها في المقامين راجع إلى الشك والزيادة (قوله: وكذا وجب) على معطوف (لا يجوز) ايضا يعنى بحيث تكون شدة الطلب تبلغ حدا موجبا للتعيين في محتملها عند الدوران بين التعيين والتخيير (قوله: الحرمة مطلقا) يعني وان لم تكن مشتملة على الشدة والزيادة (قوله: يكون مقدما على) كما لو توقف اتقاذ الغريق على استطراق ارض مغصوبة أو ركوب سفينة كذلك (قوله: على احتماله) ضمير الاول للواجب والثاني للحرام (قوله: مثليهما) اي الواجوب والتحريم. تنبيه. لو بني على التخيير في المقام فهل هو ابتدائي بحيث لا يجوز له في الزمان الثاني اختيار غير ما اختاره اولا، أو استمراري ؟ قولان اقواهما الثاني لعدم الفرق بين الوقائع في نظر العقل فكما يخير في الزمان الاول يخير في الزمان الثاني. ودعوى لزوم المخالفة القطعية لو اختار غير ما اختاره اولا مندفعة بلزوم الموافقة القطعية أيضا ولا ترجيح للموافقة الاحتمالية على الموافقة القطعية الملازمة للمخالفة القطعية. هذا بناء على التخيير العملي أما بناء على التخيير في الأخذ باحد المحتملين فحيث كان المستند فيه اخبار التخيير بين المتعارضين فالمرجع اطلاق تلك الاخبار، ومع عدمه الاستصحاب والظاهر ثبوت الاطلاق لأخبار التخيير من حيث الزمان لأن اختلاف الزمان موجب لتعدد الوقائع التي لا فرق فيها في مرجعية تلك الاخبار كما هو ظاهر بالتأمل، فالتخيير إذا استمراري ايضا وسيأتي انشاء الله في أحكام التعارض ماله نفع في المقام فانتظر والله سبحانه الموفق المعين

٢٨١

فصل

لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الايجاب أو التحريم فتارة لتردده بين المتباينين وأخرى بين الاقل والاكثر الارتباطيين فيقع الكلام في مقامين (المقام الاول) في دوران الامر بين المتباينين. لا يخفى أن التكليف المعلوم بينهما مطلقا - ولو كانا فعل أمر وترك آخر - ان كان فعليا من جميع الجهات بان

______________________________

الدورانه بينه المتباينين

(قوله: بين المتباينين) تباين المكلف به (تارة) يكون بالذات كما لو علم اجمالا بوجوب عتق رقبة أو صيام شهرين (وأخرى) بالعرض كما لو علم اجمالا بوجوب القصر أو التمام، فان القصر إنما يباين التمام بلحاظ اخذ بشرط لا في القصر وشرط شئ في التمام فلا ينطبق احدهما على الآخر، وهذا بخلاف الأقل والأكثر فان الأقل لا يباين الاكثر، بل الاقل بعض الاكثر الموجب لكون وجوده عين وجود الاكثر. وان شئت قلت: لابد في كل علم اجمالي قائم بالمتباينين من امكان فرض قضيتين شرطيتين مقدم احداهما احد الامرين وتاليها نقيض الآخر ومقدم ثانيتهما عين الآخر وتاليها نقيض مقدم الاولى كقولنا: إن كان العتق واجبا فليس الصيام واجبا، وان كان الصيام واجبا فليس العتق واجبا، وان كان القصر واجبا فليس التمام واجبا، وان كان التمام واجبا فليس القصر واجبا، ولا يصح فرضهما في الأقل والاكثر، فلا يقال: إن كانت العشرة واجبة فليست التسعة واجبة لان التسعة بعض العشرة فوجوب العشرة وجوب التسعة وزيادة. ثم إن المراد من القضية السلبية في التالي سلب المعلوم بالاجمال فلا ينافي احتمال فرد آخر غيره. فلاحظ (قوله: الارتباطيين) أما الأقل والاكثر الاستقلاليان فلا اجمال في المكلف به فيهما لأن الأقل معلوم التكليف به والزائد مشكوك التكليف بدوا (قوله: ولو كان فعل امر وترك) لا يخفى أنه إذا علم اجمالا بوجوب شئ وحرمة آخر فلا علم اجمالا

٢٨٢

يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الاجمال والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وحينئذ لا محالة يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الاباحة مما يعم أطراف العلم مخصصا عقلا لاجل مناقضتها معه، وإن لم يكن فعليا كذلك - ولو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا عن شمول أدلة البراءة الشرعية للاطراف. ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيلي والاجمالي إلا أنه

______________________________

بوجوب أو تحريم وإنما علم اجمالا بالالزام المردد بين الوجوب والتحريم فلا يدخل في العنوان المذكور في صدر المبحث إلا إذا اريد من المكلف به ما هو اعم من الفعل والترك فانه حينئذ يصح أن يقال: علم بوجوب فعل احدهما أو ترك الآخر أو بحرمة احدهما أو ترك الآخر. لكن عليه كان اللازم الاكتفاء باحد الامرين من الوجوب والتحريم ولا داعي إلى ذكرهما معا، والامر سهل (قوله: فلا محيص عن تنجزه) قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن التكليف الفعلي من جميع الجهات حيث كان مضادا للترخيص الشرعي فلا فرق بين العلم به والظن به واحتماله ولو موهوما في امتناع شمول ادلة الترخيص لأن شمولها يوجوب إما العلم بالمتضادين أو الظن بهما أو احتمالهما، والجميع ممتنع ولا ميز للعلم الاجمالي على الظن والاحتمال في امتناع شمول ادلة الترخيص لمورده دون موردهما، بل الجميع مما لا مجال لشمول ادلة الترخيص لمورده. نعم بينهما ميز في ثبوت الترخيص العقلي وعدمه فان العلم لما كان واجدا لمقتضي الحجية سواء أكان بنحو العلية التامة أم مجرد الاقتضاء امتنع الترخيص العقلي في مخالفته، وليس كذلك الظن والاحتمال. هذا لو لم يكن معنى فعليته من جميع الجهات مساوقا لتنجزه وإلا فلا مجال لاحتمال فعليته من جميع الجهات مع عدم المنجز له في ظرف الشك فيه (قوله: لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا) (اما) عدم المانع عقلا فلان العلم الاجمالي ليس علة تامة للتنجز

٢٨٣

* كالعلم التفصيلي حتي يمتنع الترخيص الشرعي في مخالفته لكونه ترخيصا في المعصية قبيحا في نظر العقل كما أشار إليه في مبحث القطع. هذا وقد عرفت هناك ما فيه وأن العلم الاجمالي ليس سنخا غير سنخ العلم التفصيلي، بل كشفه واراءته لمتعلقه كشف العلم التفصيلي عنه، بل هو هو غاية الامر يشك في انطباقه على كل واحد من اطرافه على البدل، وهو امر خارج عن متعلق العلم، وقد يكون المعلوم بالتفصيل كذلك فيشك فيما علم وجوب اكرامه تفصيلا أنه عالم أو جاهل أو غني أو فقير... إلى غير ذلك من العناوين المنطبقة عليه، فكما لا يقدح ذلك في كشف العلم التفصيلي عن متعلقه لا يقدح الشك في انطباق المعلوم بالاجمال في كشف العلم الاجمالي عن متعلقه كما هو ظاهر. نعم الشك المذكور يوجب كون كل واحد من الاطراف موضوعا لادلة الاصول، وهذا المقدار لا أثر له في عدم منجزية العلم لأن إعمال أدلة الاصول في كل واحد من الاطراف يتوقف على عدم المانع عقلا عنه فإذا كان العلم الاجمالي منجزا لمتعلقه في نظر العقلاء منع ذلك من إعمال ادلة الاصول لأن إعمالها يكون ترخيصا في محتمل المعصية وهو قبيح عقلا. فالعمدة حينئذ هو اثبات هذه الجهة، اعني كونه منجزا في نظر العقلاء محدثا بمجرد حدوثه للداعي العقلي نحو موافقته كما في العلم التفصيلي فيكون ذلك مانعا عن اجراء الاصول في الاطراف، وإلا فمجرد كون كل واحد من الاطراف مشمولا لأدلة الاصول لا أثر له في رفع منجزيته، وقد عرفت فيما سبق أن احداثه للداعي العقلي إلى موافقته مما لا مجال للريب فيه عند العقلاء، إذ لافرق عندهم في حدوث الداعي المذكور بين أن يسمع العبد مولاه يقول: اكرم هذا، مشيرا إلى معين، وبين أن يسمعه يقول: اكرم زيدا، مع تردد زيد في نظر العبد بين شخصين معينين، وكما ينبعث نحو موافقة العلم في الاول بمجرد حصوله ينبعث نحو موافقته في الثاني ايضا كذلك ولا يتوقف حدوث الداعي له على عدم ورود الترخيص في مخالفته بحيث يكون منتظرا لذلك، بل لو سمع المولى يقول: لا تكرم هذا ولا ذلك لانك لا تعرف كلا منهما أنه زيد، عد ذلك منه مخالفا لقوله الأول مضادا له، وأقل

٢٨٤

* سبر لحال العقلاء في هذا المقام كاف في اثبات ما ذكرنا. مع ان ما ذكره المصنف (ره) لا يكاد يلتزم به هو (ره) ولا غيره في جميع الموارد الفقهية، وان صدر من بعضهم ما يوهم ذلك كان في مقام التشكيك وابداء الاحتمال مما لا يعد خلافا في المسألة فراجع كلماتهم في المباحث الفقهية وتامل (واما) عدم المانع شرعا فلان المحتمل في المنع احد امرين (الاول) ان موضوع ادلة الاصول ما لم يعلم انه حرام، وهذا العنوان مما لا يحرز في كل واحد من الاطراف لأن المعلوم بالاجمال لما كان معلوما أنه حرام فمع احتمال انطباقه على كل واحد من الطرفين يكون كل واحد منهما مما يحتمل أنه معلوم الحرمة واحتمال انه معلوم الحرمة ينافي احراز انه لم يعلم انه حرام، ومع عدم احراز عنوان العام لا يجوز التمسك بالعام (وهذه) الشبهة ذكرها المصنف (ره) في مجهول التاريخ في مبحث الاستصحاب ولم يذكرها هنا مع عدم ظهور الفرق بين المقامين (وحاصل) الوجه في دفعها: أن العلم ليس من الصفات التي تسري إلى ما ينطبق عليه موضوعها كالصفات الخارجية حتى يصح قياسها عليها بحيث يكون حال العلم حال نفس النجاسة، فكما أن احتمال انطباق النجس المعلوم بالاجمال على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كون كل واحد منها محتملا أنه نجس يكون احتمال انطباق المعلوم الحرمة على كل واحد من الاطراف موجبا لاحتمال كونه معلوم الحرمة بل ليس العلم إلا قائما بنفس الصورة لا يتعداها إلى ما تتحد معه تلك الصورة خارجا. والوجه في ذلك: انه لا ريب في مضادة الشك للعلم كما لا ريب في كون كل واحد من الاطراف مشكوك الحرمة فيمتنع ان يحتمل انه معلوم الحرمة، وهذا واضح بانى تأمل (الثاني) لزوم التناقض في مدلول أدلة الاصول لو بني على تطبيقها على كل واحد من الطرفين. فان قوله (ع): كل شئ لك حلال حتى تعلم انه حرام، لو بني على تطبيق صدره على كل واحد من الطرفين كان اللازم تطبيق ذيله على المعلوم بالاجمال فيلزم التناقض لأن عدم حل المعلوم بالاجمال وحل كل واحد من طرفيه مما لا يجتمعان (وفيه) أن هذا الاشكال على تقدير تماميته - كما سيجيئ توضيح الحال فيه في الاستصحاب انشاء الله - مختص بمثل

٢٨٥

* روايتي مسعدة وابن سنان المشتملتين على قوله (ع): فتدعه، فيكون نظير قوله (ع) في بعض أخبار الاستحصاب: ولكن تنقضه بيقين آخر، ولا مجال له في مثل احاديث الوضع والرفع والسعة، بل وفي مثل كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام لأن عدم الحكم على المعلوم بالاجمال من حيث كونه معلوما لا ينافي الحكم بالحل على كل واحد من طرفيه لكونه مشكوكا لجواز اجتماع عناوين متعددة بعضها موضوع للحكم وبعضها غير موضوع له، فان زيدا العالم يجب اكرامه لكونه عالما ولا يجب اكرامه لكونه غنيا أو فقيرا أو طويلا أو قصيرا... إلى غير ذلك. اللهم إلا أن يستفاد منه أن الحكم بالحل على المشكوك لعدم المقتضي للمنع وعدم الحكم به على المعلوم الحرمة لوجود المقتضي للمنع، وحينئذ ففعلية الحل لا تكون الا في ظرف عدم المانع عنه المقتضي للمنع، فلا يمكن تطبيق الرواية الا في مورد لا يكون فيه مانع عن الحكم بالحل كالشبهات البدوية، بل يشكل التمسك حينئذ بمثل حديث الرفع أيضا لوقوع التعارض بينه وبين الغاية في هذه الرواية الموجب لتقديم الغاية لعدم التنافى بين المقتضي واللا مقتضي، ويكون مفاد مجموع الأدلة أن المشكوك لا مقتضي فيه للمنع، والمعلوم فيه مقتضى المنع ففي الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي لا مجال لفعلية الحل في كل واحد من الاطراف للاقتران بالمانع. فلاحظ وتأمل (ثم انه) لو بني على شمول ادلة الاصول لكل واحد من الاطراف فلابد من رفع اليد عنها لما عرفت من كون العلم علة تامة للتنجز فيكون الترخيص في اطرافه ترخيصا في المعصية وهو قبيح بل ممتنع لانه نقض للغرض ومضاد للحرمة المعلومة كما عرفت الاشارة إليه في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية (فان قلت): رفع اليد عن عموم أدلة الاصول إنما يتم لو كان العلم الاجمالي علما حقيقيا أما لو كان دليلا علميا كالعموم أو الاطلاق أو نحوهما من الظهورات فلا وجه لتعين رفع اليد عن عموم أدلة الاصول بل يدور الامر بين رفع اليد عنها وبين رفع اليد عن الدليل المثبت للحرمة اجمالا، فلابد حينئذ من الرجوع إلى الاقوى فقد يكون عموم

٢٨٦

* الأصل وقد يكون دليل الحكم المعلوم بالاجمال (قلت): هذا الاشكال وان أجيب عنه بوجوه كثيرة، إلا أن التحقيق في الجواب أن اصالة الظهور في دليل التحريم حاكمة على اصالة العموم في دليل الأصل لأن أصالة الظهور في كل مقام انما تجري في مورد يحتمل مطابقة مؤداها للواقع اما لو علم بعدم مطابقة مؤداها للواقع فلا موضوع لها واعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب العلم بعدم مطابقة أصالة الظهور في دليل الأصل للواقع دون العكس لأن إعمال اصالة الظهور في دليل التحريم يوجب تنجز التحريم عند العقل، وحينئذ يمتنع الترخيص في مخالفته فيعلم بعدم مطابقة الظهور لدليل الترخيص للواقع فلا موضوع لأصالة الظهور فيه، وإعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص لا يوجب العلم بعدم مطابقة ظهور دليل التحريم للواقع لامكان مطابقته للواقع حينئذ وانما توجب سقوط الظهور عن الحجية فيه إذ المصحح للترخيص عدم الحجة على التحريم الواقعي لا عدم التحريم في نفسه (والوجه) في أصل الاشكال توهم التنافي بين التحريم الواقعي والترخيص فتتعارض اصالة الظهور المثبتة لهما فلابد من الأخذ بالأقوى، وليس الامر كذلك لما عرفت من عدم التضاد بين الحكم الواقعي والظاهري وانما التنافي بين الحجة على الحكم الواقعي والترخيص في مخالفته فيكون العلم بالحجة على الحكم الواقعي وهي اصالة الظهور في دليل التحريم موجبا للعلم بعدم الترخيص فلا، مجال لاعمال اصالة الظهور في دليل الترخيص للعلم بمخالفتها للواقع، وليس العلم بالحجة على الترخيص موجبا للعلم بعدم التحريم واقعا، بل هو مستحيل إذ لا ترخيص الا في مورد الشك فيه فلا تكون اصالة الظهور في دليل الترخيص رافعة لموضوع اصالة الظهور في دليل الواقع، بل هذه مزيلة وتلك مزالة فلا يتعارضان (فان قلت): إذا كان العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بنحو يمتنع الترخيص في مخالفته كان اللازم عدم العمل على الامارة القائمة على نفي التكليف في بعض الاطراف كما لو قامت البينة على طهارة احد الاناءين في الشبهة المحصورة، مع أنه لا ريب في جواز العمل عليها، فيكشف ذلك عن جواز الترخيص في مخالفته فلا يكون علة لوجوب الموافقة القطعية،

٢٨٧

* (قلت): قد عرفت الاشارة في مبحث القطع إلى أنه لا مجال للتفكيك في اقتضاء العلم الاجمالي بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، وما ذكر في السؤال لا يدل على خلاف ذلك لأن المقصود من كونه علة لوجوب الموافقة القطعية أنه يقتضي تنجز المعلوم بقول مطلق وليس للشارع الاقدس التصرف في مقام منجزيته له والردع عنها لا أنه بحيث يمنع عن تصرف الشارع الاقدس في مقام الفراغ، فان العلم التفصيلي - مع انه لا اشكال في منجزيته لمتعلقه - قد ثبت تصرفه في مقام الفراغ عنه بجعل الامارات والاصول المفرغة، مثل قاعدتي التجاوز والفراغ واصالة الطهارة من الخبث واستصحاب الطهارة من الحديث ونحوها والبينة القائمة على طهارة أحد الاناءين في الشبهة المحصورة من هذا القبيل، فان مدلولها المطابقي وان كان هو طهارة ما قامت على طهارته من الاناءين، الا ان مدلولها الالتزامي كون الآخر هو النجس، فمقتضي حجيتها في مدلولها الالتزامي أن ترك الآخر ترك المعلوم بالاجمال وفراغ عنه، فحجيتها في هذا المقام تصرف في مقام الفراغ عما تنجز بالعلم لا تصرف في أصل التنجز الممنوع عنه عقلا بناء على انه علة لوجوب الموافقة القطعية، وهذا هو ما اشتهر من جواز الترخيص بعد جعل البدل، واصل الطهارة ونحوه من الاصول النافية للتكليف انما امتنع جريانها في أحد الاطراف لانها لا تصلح لتعيين المعلوم بالاجمال الابناء على الأصل المثبت الذي لا نقول به (فان قلت): إذا جاء الترخيص بعد جعل البدل فلم لا يكون عموما أدلة الأصول بعد ما كان شاملا لكل واحد من الأطراف كاشفا عن جعل البدل ؟ فان عمومه لكل واحد منها وان كان شموليا لا بدليا إلا أنه لما امتنع ذلك لأنه ترخيص في المعصية فليحمل على أنه بدلي ويكون كاشفا عن جعل مقدار الحرام بدلا على البدل إذ هو أولى من رفع اليد عنه بالنسبة إلى جميع الأطراف بالمرة (قلت): قد عرفت سابقا أن المصحح للترخيص في نظر العقل ليس مجرد جعل البدل واقعا بل المصحح هو العلم بجعل البدل، واحتمال جعل البدل واقعا غير كاف بل هو نظير احتمال مخالفة الحجة القائمة على ثبوت المعلوم بالاجمال للواقع لا يصلح

٢٨٨

* عذرا في نظر العقل، فما لم يعلم العقل بجعل البدل يرد الترخيص، فإذا كانت صحة الترخيص في نظر العقل موقوفة على العلم بجعل البدل امتنع استكشاف جعل البدل من دليل الترخيص لأنه دور، فانه على هذا يكون العلم بجعل البدل موقوفا على العلم بالترخيص، وقد عرفت أن العلم بالترخيص موقوف على العلم بجعل البدل، (وبالجملة): احتمال جعل البدل لما لم يكن حجة على جعله ولا يصلح عذرا في نظر العقل كان اقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية بحاله فيكون الترخيص في بعض الأطراف ترخيصا في محتمل المعصية الممتنع، فلا يخرج الترخيص عن كونه ترخيصا في محتمل المعصية حتى يكون جعل البدل معلوما محرزا فيمتنع استفادة العلم بجعل البدل من قبل دليل الترخيص. نعم لو فرض النص من الشارع الأقدس على جواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة لابد حينئذ من استفادة جعل البدل صونا لكلام الحكيم عن اللغوية، لكن هذا ليس مما نحن فيه لأن الكلام في استفادة جعل البدل من نفس دليل الترخيص بحيث يكون مدلولا التزاميا له فانه موقوف على احتمال ارادة الترخيص، وقد عرفت القطع بعدم ارادته لأنه ترخيص في المعصية والاستفادة في الفرض المذكور ليست من نفس الكلام الملقي إلى المكلف بل من قاعدة امتناع صدور اللغو من الحكيم. فتأمل في المقام فانه به حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (فان قلت): لو نذر المكلف ان يتصدق بدرهم لو لم يكن مشغول الذمة لزيد بدرهم، فانه يعلم اجمالا اما بوجوب دفع درهم لزيد وفاء لما في ذمته واما بوجوب الصدقة بدرهم، ولا ريب في جريان استصحاب عدم اشتغال ذمته بدين لزيد، وهذا الاستصحاب اصل ناف جار في بعض اطراف العلم وليس متعرضا لمقام الفراغ وجعل البدل فيكشف ذلك عن عدم وجوب الموافقة القطعية (قلت): ما ذكرت من جريان الاصل المذكور مسلم وكذا عدم كونه من قبيل جعل البدل لانه لابدان يكون بلسان تعيين المعلوم بالاجمال والاصل لا يفي بذلك الا بناء على الاصل المثبت، والوجه في جريانه - مع انه اصل ناف للتكليف - ان من آثار موارده ثبوت التكليف في الطرف الآخر

٢٨٩

* لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيلي فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات وله مجال مع الاجمالي فيمكن أن لا يصير فعليا معه لامكان جعل الظاهري في اطرافه وإن كان فعليا من غير هذه الجهة فافهم. ثم إن الظاهر أنه لو فرض أن المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقا ولو كانت أطرافه غير محصورة وإنما التفاوت بين المحصورة وغيرها

______________________________

فيكون من قبيل الاصل المثبت للتكليف في احد الاطراف فيوجب انحلال العلم الاجمالي كما تقدم تفصيله فراجعه. ومن هنا يظهر لك الفرق بين جعل البدل وبين الانحلال مع اشتراكهما في عدم لزوم الاحتياط فان الاول يلزم فيه ان يكون متعرضا لتعيين المعلوم بالاجمال ولا كذلك الثاني، ويلزم في الثاني ان يكون متقدما أو مقارنا للعلم ولا يلزم ذلك في جعل البدل، فان الامارة القائمة بعد العلم على تعيين المعلوم بالاجمال تسوغ ارتكاب بقية الاطراف، ولا كذلك الاصل المثبت للتكليف في بعض الاطراف إذا كان متاخرا عن العلم كما عرفت ذلك كله في مبحث الانحلال والله سبحانه اعلم (قوله: لا مجال للحكم الظاهري) لأن العلم التفصيلي لا يكون مقرونا بالشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري فلا يمكن جعل الحكم الظاهري معه (قوله: وله مجال مع الاجمالي) أي وللحكم الظاهري مجال مع العلم الاجمالي (قوله: لامكان جعل) لاقترانه بالشك (قوله: فعليا من غير) اي فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم تفصيلا لتنجز وان لم يكن فعليا من الجهة التي تضاد الترخيص وجعل الحكم الظاهري (قوله: ولو كانت أطرافه غير محصورة) إشكال على ما اشتهر من وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي إذا كانت محصورة وعدم وجوبه إذا كانت اطرافه غير محصورة، وحاصل الاشكال: ان الحكم المعلوم بالاجمال ان كان فعليا من جميع الجهات بحيث يمتنع الترخيص في مخالفته ولو في حال الشك فيه يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت غير محصورة لامتناع الترخيص في بعض الاطراف حتى لا يجب الاحتياط فيه، وان لم يكن

٢٩٠

هو ان عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم مع كونه فعليا لولاه من سائر الجهات (وبالجملة) لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين المحصورة وغيرها في التنجز وعدمه فيما كان المعلوم اجمالا فعليا يبعث المولى نحوه فعلا أو يزجر عنه كذلك مع ما هو عليه من كثرة أطرافه والحاصل أن اختلاف الاطراف في الحصر وعدمه لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم ولو أوجب تفاوتا فانما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع الحصر وعدمها مع عدمه فلا يكاد يختلف العلم الاجمالي باختلاف الاطراف قلة وكثرة في التنجيز وعدمه ما لم يختلف المعلوم في الفعلية وعدمها بذلك وقد عرفت آنفا أنه لا تفاوت بين التفصيلي والاجمالي في ذلك ما لم يكن تفاوت

______________________________

فعليا كذلك بحيث يصح الترخيص في بعض اطرافه لا يجب الاحتياط في اطرافه وان كانت اطرافه محصورة كما عرفت سابقا فكون الاطراف محصورة أو غير محصورة مما لا أثر له في الفرق من حيث وجوب الاحتياط وعدمه، بل الفرق في ذلك انما ينشأ من اختلاف المعلوم من حيث كونه فعليا من جميع الجهات بحيث يضاده الترخيص الشرعي أو غير فعلي بحيث لا يضاده الترخيص الشرعي (قوله: هو ان عدم الحصر) يعني عدم حصر الأطراف قد يلازم وجود المانع من فعلية الحكم من سائر الجهات بحيث لولا المانع الملازم لكان فعليا من سائر الجهات غير الجهة التي تضاد الترخيص ولأجل المانع لا يكون فعليا من سائر الجهات بحيث لو علم به تفصيلا لما تنجز، وذلك مثل الخروج عن محل الابتلاء أو الاضطرار إلى الارتكاب أو غيرهما مما سيذكره المصنف (ره) (قوله: لولاه من سائر) ضمير (لولاه) راجع إلى (ما يمنع) و (من سائر) متعلق بقوله: (فعليا) (قوله: في فعلية) بيان ل‍ (ناحية المعلوم) و (مع الحصر) متعلق ب‍ (فعلية) (قوله: والاجمالي في ذلك)

٢٩١

في طرف المعلوم أيضا فتأمل تعرف وقد انقدح أنه

______________________________

المشار إليه التنجيز وعدمه (قوله: في طرف المعلوم) يعني من حيث كونه فعليا من جميع الجهات وليس فعليا كذلك فان العلم التفصيلي لما لم يكن معه الشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري صار الحكم معه فعليا من جميع الجهات والعلم الاجمالي لما كان معه الشك لم يكن الحكم معه كذلك. ثم إن اوجه ما يذكر في الفرق بين العلم بالمردد بين الأطراف المحصورة والعلم بالمردد بين الأطراف غير المحصورة أن احتمال انطباق المعلوم بالاجمال في الثاني على كل واحد من الاطراف لما كان ضعيفا لم يكن محركا على الموافقة بخلاف الأول، للفرق الواضح بين العلم بنجاسة اناء مردد بين اناءين وبين العلم بنجاسة اناء مردد بين عشرة الآف فان احتمال الانطباق في الاول لما كان قويا كان محركا على الموافقة وفي الثاني لما كان ضعيفا لم يصلح ان يكون محركا ونظيره في العرفيات سب أحد ثلاثة على الاجمال وسب واحد من اهل البلد كذلك إذ في الاول يتأثر كل واحد من الثلاثة، وفي الثاني لا يتأثر واحد من أهل البلد، وكذا لو علم أن في احد الاناءين سما فانه يمنع من استعمالهما معا ولا كذلك العلم بان في احد عشرة الآف سما فانه لا يصلح رادعا عن الارتكاب. وفيه أنه إن كان الغرض أن نفس العلم المتعلق بالامر المردد بين الامور غير المحصورة لا يصلح ان يكون بيانا على متعلقه ومنجزا له، ففيه ما عرفت من انه إذ لا قصور في ناحية العلم لكشفه عن متعلقه كشفا تاما، ولا في ناحية المعلوم لكونه فعليا بحيث لو علم به تفصيلا لوجبت موافقته فلم لا يكون بيانا عليه ؟ وان كان الغرض انه ينجز متعلقه لكن احتمال انطباقه على كل واحد لما كان ضعيفا لم يحدث داعيا إليه، ففيه أنه بعد تنجز المعلوم واستحقاق العقاب على مخالفته كيف لا يكون احتمال انطباقه على كل واحد من الاطراف موجبا لحدوث الداعي العقلي إلى اجتناب كل واحد منها ؟ مع أن احتمال الانطباق ملازم لاحتمال العقاب على تقدير الارتكاب المانع من جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان. واما ما ذكر من ضعف احتمال

٢٩٢

* لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة

______________________________

الانطباق، ففيه أنه مسامحة لأن ضعف احتمال الانطباق يلازمه قوة احتمال عدم الانطباق الذى هو الظن بعدم الانطباق ويلازمه الظن بالانطباق على غير الأطراف وهو خلف (وبالجملة): العلم المذكور بعد ما كان بيانا على متعلقه كان منجزا له، وحينئذ فيكون احتمال انطباقه على كل واحد من الأطراف ملازما لاحتمال العقاب على تقدير المخالفة، وهذا الاحتمال لابد أن يكون داعيا في نظر العقل موجبا لرجحان الاحتياط في كل واحد من الأطراف على عدمه وان كان ذلك الاحتمال ضعيفا جدا، ولذا لو فرض كون احتمال الانطباق على بعض الأطراف في الشبهة المحصورة كان ضعيفا لا مجال لتوهم عدم وجوب الاحتياط عقلا فيه. وأما ما ذكر من الأمثلة العرفية فلا مجال للاستشهاد به للفرق بينها وبين ما نحن فيه، فان قاعدة وجوب دفع الضرر المقطوع به أو المظنون أو المحتمل وان كانت من القواعد الفطرية الموجبة للداعي النفسي إلا أن باب تزاحم الدواعي واسع جدا، فقد يترجح عندهم الاقدام على الضرر المحتمل لداع آخر أهم إذ لو فرض الاجتناب عما يحتمل عندهم كونه سما لتردده بين الاطراف غير المحصورة لزم الهرج والمرج لوجود هذا الاحتمال في اكثر موارد الابتلاء، وكذا الحال في السباب فان سب واحد من أهل البلد لا يكون نقصا في كل واحد لكثرة وجود من يستحق السب في اكثر البلاد، وسب واحد من اثنين يكون نقصا في كل واحد لندرة الاستحقاق، ولذا ترى الانسان لا يتأثر إذا قيل له: أنت تغضب في السنة مرة، بل لعله يعده مدحا لكثرة وقوع الغضب من اكثر أفراد الانسان، ويغضب إذا قيل له: أنت تغضب في كل ساعة مرة (وبالجملة): لا مجال لقياس ما نحن فيه على الامور العرفية، والتأمل يشهد بذلك. فتأمل. ويمكن أن يقال: ان الشبهة بعد ما لم تكن الا محصورة أو غير محصورة كان الفرق بينهما دائما بزيادة واحد والعقل لا يجد لزيادة الواحد دخلا في عدم وجوب الاحتياط. فلاحظ، (قوله: لا وجه لاحتمال عدم) مما ذكرنا هنا وفي مبحث القطع الاجمالي

٢٩٣

مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا وإلا لم يحرم مخالفته كذلك ايضا. ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو مرددا أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كايام حيض المستحاضة مثلا لما وجب موافقته بل جاز مخالفته وأنه لو علم فعليته ولو كان بين أطراف تدريجية لكان منجزا ووجب موافقته فان التدرج لا يمنع عن الفعلية ضرورة أنه كما يصح التكليف بامر حالي كذلك يصح بامر استقبالي كالحج في الموسم للمستطيع فافهم.

______________________________

يتضح لك سقوط هذا الاحتمال. فراجع وتأمل (قوله: مخالفتها) هذه الاضافة لا تخلو من سماجة وتقدم مثلها (قوله: أو من جهة تعلقه بموضوع) هذا لا ينبغي عده قسما مقابلا لما قبله فانه من القسم الاول أعني عدم الابتلاء، (قوله: كأيام حيض المستحاضة) يعني لو ابتلي الرجل بزوجته في أثناء الشهر فوجدها مستمرة الدم فانه يعلم بان لها أيام حيض يحرم فيها نكاحها لكن لا يدري انها فيما مضى أو في الحال أو فيما يأتي (قوله: بين أطراف تدريجية) كما لو نذر أن يصوم يوم الجمعة وتردد بين غده وما بعده فانه يعلم اجمالا بوجوب صوم الغد أو ما بعده وهما مترتبان زمانا ولا يقدح ترتبهما في وجوب الاحتياط. ودعوى أن ما بعد الغد مستقبل فلا يصح التكليف به لعدم القدرة عليه قبل وجوده فلا علم اجمالي بالتكليف. مندفعة بانه يصح التكليف بالاستقبالي كما يصح بالحالي كما هو موضح في الواجب المعلق، ونظيره التكليف بالحج في الموسم وهو أيام الحج من شهر ذي الحجة فانه يتحقق عند خروج الرفقة عليه بمدة طويلة،

٢٩٤

تنبيهات

(الأول): أن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ضرورة

______________________________

 (قوله: ان الاضطرار كما يكون) اعلم ان الاضطرار إلى مخالفة العلم في بعض الاطراف (تارة) يكون إلى واحد معين (وأخرى) يكون إلى واحد غير معين، وكل منهما إنما أن يكون حال العلم، واما أن يكون طاريا بعده، وكل منهما إما أن يرتفع الاضطرار بحيث يحسن التكليف به حال العلم معلقا على ارتفاع الاضطرار، اولا اما لاستمرار الاضطرار إلى آخر العمر أو لارتفاعه في زمان بعيد عن العلم بحيث لا يحسن التكليف به. ولا بأس بالتعرض لاحكام كل واحدة من الصور تفصيلا (فنقول): إذا كان الاضطرار إلى معين حال العلم مستمرا أو مرتفعا بحيث لا يحسن التكليف به حال العلم معلقا فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الاحتياط في بقية الاطراف لعدم العلم بالتكليف وان علم بموضوعه فان الفرد المضطر إليه مما يعلم بعدم التكليف به والفرد الآخر مما يشك في كونه موضوعا له فيكون التكليف به مشكوكا بدوا (فان قلت): لا ريب في كون الشك في الاضطرار إلى الحرام موضوعا لوجوب الاحتياط فالموضوع المحرم محرز الثبوت وانما الشك في الاضطرار إليه، فلا وجه لرفع اليد عن التكليف مع الشك في الاضطرار إليه (قلت): ما نحن فيه مما لم يحرز فيه موضوع التكليف لما عرفت من أن المضطر إليه خارج عن حيطة التكليف قطعا والطرف الآخر مما أحرز عدم الاضطرار إليه ويشك في كونه موضوعا للتكليف. نعم لو احرز موضوع التكليف كهذا الاناء المعين وشك في الاضطرار إليه كان ذلك مجرى لاصالة الاحتياط (وان كان) الاضطرار إلى المعين حال العلم يعلم بارتفاعه بحيث يحسن التكليف به بعده وجب الاحتياط في الطرف الآخر للعلم الاجمالي بالتكليف بالامر المردد بينه وبين المضطر إليه بعد ارتفاع الاضطرار. مثلا إذا

٢٩٥

حدث العلم بغصبية احد الاناءين يوم الخميس مع الاضطرار إلى استعمال الأبيض منهما إلى صباح الجمعة فانه يعلم بوجوب الاجتناب اما عن الابيض يوم الجمعة لو كان هو النجس أو الاسود من الآن فيجب الاجتناب عن الاسود لانه أحد الفردين المعلوم وجوب الاجتناب عن أحدهما (وان طرأ) الاضطرار إلى معين بعد حدوث العلم مستمرا أو بحيث لا يحسن التكليف به معلقا حال العلم وجب الاحتياط في الطرف الآخر، وذلك لأن التكليف بالمضطر إليه على تقديره وان كان ينتهي بالاضطرار إلا أن العلم الاجمالي حين حدوثه لما نجز المعلوم بالاجمال المحتمل الانطباق على الطرف الآخر كما يحتمل انطباقه على المضطر إليه قبل زمان الاضطرار وجب الاحتياط في الطرف غير المضطر إليه لاصالة الاشتغال، وان ارتفع العلم بالتكليف فعلا لانه يكفي في بقاء تنجز الصوم المردد بقاء العلم به ولو بعد موافقته في بعض أطرافه، ولا يعتبر في بقاء التنجز بقاء العلم بالتكليف الفعلي الباقي ببقاء العلم كما لو علم بوجوب صوم أحد اليومين من الخميس والجمعة فصام الخميس فانه في عشاء الجمعة لا يعلم بالتكليف فعلا لكنه يعلم بوجوب صوم اليوم المردد بين اليومين وهو كاف في بقاء تنجزه، فلم يكن بد من الاحتياط بصوم يوم الجمعة لقاعدة الاشتغال وان كان صوم يوم الجمعة مشكوك الوجوب لأن الشك في التكليف انما يكون موردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان إذا لم يحتمل كونه المنجز، والا كان المرجع فيه قاعدة الاشتغال، ولذا لو شك في التكليف الذي علم ثبوته تفصيلا للشك في امتثاله كانت هي المرجع دون اصالة البراءة كما هو واضح فكذا في المقام (وان كان) الاضطرار إلى المعين طارئا بعد حدوث العلم ويعلم بارتفاعه في زمان يحسن التكليف به حال العلم معلقا وجب الاحتياط في الطرف الآخر لما عرفت وللعلم الاجمالي بالمردد بينه وبين المضطر إليه بعد العلم كما عرفته في الصورة الثانية فهذه صور أربع للاضطرار إلى معين لا يجب الاحتياط في الاولى منها ويجب في الثلاث الأخيرة (ولو كان) الاضطرار إلى غير المعين فصوره ايضا أربع وهي الجارية في الاضطرار إلى معين بعينها، ففي الصورة الاولى لا يجب الاحتياط

٢٩٦

* في غير ما اختاره عند المصنف (ره) خلافا لشيخه - رحمه الله - في رسائله فاوجب الاحتياط فيه، والوجه فيما اختاره المصنف (ره): ما ذكره في المتن من أن الاضطرار لما كان مانعا من فعلية التكليف كان الاضطرار إلى غير المعين موجبا لتضييق دائرة التكليف وتقييده بغير ما اختار فيكون ما اختاره اولا حلالا وما يبقى مشكوك الحرمة بدوا للشك في كونه هو النجس والاصل فيه البراءة، وقد عرفت في المقدمة الرابعة من مقدمات الانسداد الاشكال عليه من بعض مشايخنا المعاصرين دام تأييده، كما عرفت دفع ذلك الاشكال فيما هو محل الكلام من ارتكابهما تدريجا أما لو ارتكبهما دفعة فلا ينبغي التأمل في تحقق المعصية لاندفاع الاضطرار بغير الحرام جزما فلا وجه لارتفاع حرمته. وتوضيحه يظهر من ملاحظة تقريب الاشكال هناك فراجع وتأمل. وربما يوجه ما ذكره شيخنا في رسائله بان الاضطرار إلى واحد غير معين ليس اضطرارا إلى الحرام، ولذا لو انكشف الحال وارتفع الاجمال كان المتعين أنه الحلال كافيا في رفع الاضطرار، وإذا لم يكن الاضطرار إلى الحرام لا وجه لرفع اليد عن فعلية التكليف به غاية الامر أن العقل يعذر في ارتكاب واحد منهما فيبقي الباقي على منعه لأن الترخيص الآتي من قبل الاضطرار انما يمنع عن تحصيل العلم بالموافقة فيسقط وجوبه لا عن نفس الموافقة فيبقي وجوبها (وفيه) أنه لا ريب في أن الاضطرار إلى واحد غير معين من الامرين اضطرار إلى كل منهما تخييرا ولا فرق بين الاضطرار التعييني والتخييري في رفع فعلية التكليف (فان قلت): لازم ذلك جواز الارتكاب للنجس حتى لو ارتفع الاجمال (قلت): لا يجوز حينئذ لامكان الجمع بين غرضي الشارع وهما رفع الاضطرار والاجتناب عن النجس، ولولا ما ذكرنا من كون الاضطرار التخييري كالتعييني لم يكن وجه للترخيص في ارتكاب واحد من الأطراف لأن التكليف بالحرام إذا كان غير مزاحم بشئ كان مطلقا من حيث الانطباق على كل واحد من الطرفين، ومع هذا الاطلاق لا مجال للترخيص في بعض الاطراف فانه مناف للواقع المعلوم اجمالا كما هو ظاهر، فلا يكون الترخيص الا من جهة تقييد

٢٩٧

أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لا حقا وذلك لأن التكليف (١)

______________________________

الواقع بحالة عدم انطباقه على ما يختار، ولذا لا ريب في ان ما يختاره لرفع الاضطرار حلال واقعا وان كان هو النجس، وذلك كله شاهد بكون الاضطرار إلى غير المعين اضطرارا إلى الحرام في الجملة ولو تخييرا وانه كاف في تقييد الواقع. فلاحظ (وأما) بقية صور الاضطرار إلى غير معين فيعلم الحكم فيها مما تقدم في الثلاث الأخيرة من صور الاضطرار إلى معين لعدم الفرق بينها في مقتضيات الاحتياط. ويعلم ذلك بمقايسة كل صورة إلى نظيرتها، فلاحظ والله سبحانه ولي التوفيق (قوله: انه مطلقا) يعني سواء أكان اضطرارا إلى معين ام إلى غير معين (قوله: ارتكاب) يعني في الشبهة التحريمية (قوله: أو تركه) يعني في الشبهة الوجوبية (قوله: تعيينا) يعني إذا كان الاضطرار إلى معين (قوله: أو تخييرا) يعني إذا كان الاضطرار إلى غير معين (قوله: وهو ينافي العلم) لأن جواز ارتكاب واحد ينافي حرمته على تقدير الارتكاب فلابد من تضييق دائرة الحرمة وتقييد اطلاقها فتختص بالنجس ان كان هو الباقي ولا تكون له ان كان ما ارتكب فيكون ثبوت الحرمة مشكوكا للشك في كون الباقي هو النجس كما عرفت بيانه ايضا في الحاشية السابقة (قوله: وكذلك لا فرق) يعني فلا يجب الاحتياط في الباقي ولو كان الاضطرار مطلقا لاحقا للعلم الاجمالي (قوله: وذلك لان التكليف) اشارة إلى وجه القول بوجوب

______________

(١) لا يخفى ان ذلك انما يتم فيما كان الاضطرار إلى احدهما لا بعينه واما لو كان إلى احدهما المعين فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجز لعدم منعه عن العلم بفعلية التكليف المعلوم اجمالا المردد بين ان يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في الطرف الآخر ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم اصلا وعروض -

٢٩٨

الاحتياط إذا كان الاضطرار لاحقا للعلم ودفعه، وحاصل الوجه: أنه قبل طروء الاضطرار يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب عن النجس المردد مثلا وهذا العلم يوجب تنجيز المعلوم بالاجمال، وبعد طروء الاضطرار إلى معين أو غير معين وان ارتفع العلم المذكور الا ان قاعدة الاشتغال بالتكليف المنجز تقتضي وجوب الاحتياط في الباقي. وحاصل الدفع: أن وجوب الاجتناب المعلوم قبل طروء الاضطرار ليس مطلقا بل هو مقيد بعدم طروء الاضطرار ففي زمان الاضطرار لا علم بالتكليف من أول الأمر حتى يكون الباقي طرفا لمعلوم منجز فيكون مجرى لقاعدة الاشتغال ليجب فيه الاحتياط. هذا وقد استشكل المصنف (ره) في هذا الدفع في حاشيته على المقام بان الباقي طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما الباقي مطلقا والمضطر إليه قبل طروء الاضطرار، كما اشرنا إليه هنا واوضحناه في مبحث الانحلال، فوجوب الاحتياط فيه لأجل هذا العلم القائم بين التدريجيين وان لم يكن طرفا لعلم اجمالي آخر قائم بين الدفعيين من جهة منافاة الاضطرار لفعلية التكليف مطلقا، لكنه خص هذا الاشكال بالاضطرار إلى معين دون الاضطرار إلى غير معين، مع ان الفرق بينهما غير واضح لانه إذا اختار المكلف احد الطرفين فارتكبه كان الآخر عنده طرفا لعلم اجمالي قائم بينه وبين ما ارتكبه قبل طروء الاضطرار بعين العلم الحاصل له في صورة الاضطرار إلى معين، ومن هنا ذكرنا سابقا ان الحكم في الصور الثلاث الاخيرة الجارية في الاضطرار إلى غير معين هو الحكم فيها في الاضطرار إلى المعين (فان قلت): إذا كان الاضطرار إلى غير معين منهما فكل منهما موضوع للاضطرار كما تقدم فلا يكون احدهما قبل الارتكاب طرفا لعلم اجمالي تدريجي (قلت): الاضطرار وان

______________

- الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه لا عن فعلية المعلوم بالاجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الآخر بعد العروض وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى احدهما لا بعينه فانه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا فافهم وتأمل (منه قدس سره)

٢٩٩

* المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما كان الاضطرار إلى المعين أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين (لا يقال): الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس الا كفقد بعضها فكما لا إشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه قبل عروضه (فانه يقال): حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فإذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال به يقينا الفراغ عنه كذلك وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه فانه من حدود التكليف به وقيوده

______________________________

كان إلى كل منهما إلا أنه على البدل فيكون هناك علم اجمالي على البدل قائم بالطرف الذي لا ينطبق عليه الاضطرار فتأمل جيدا (قوله: محدودا بعدم) يعني مشروطا بعدم طروء الاضطرار بحيث ينتهي التكليف بطروئه، (قوله: حيث ان فقد المكلف به) المراد من المكلف به في المقام الموضوع الذي يتعلق به فعل المكلف مثل الاناء النجس كما تقتضيه قرينة السؤال ووجه الفرق بين فقد بعض الاطراف والعجز عنه والاضطرار إليه مع اشتراكها في كون عدمها دخيلا في التكليف في الجملة - بحيث ربما يقال يعتبر في التكليف عدم الاضطرار والقدرة وكون موضوعه في مقام الابتلاء بحيث يكون موجودا لا مفقودا - أن مقام شرطية هذه الامور الثلاثة للتكليف مختلفة فان شرطية عدم الاضطرار راجعة إلى شرطية عدم المزاحم للمصلحة المقتضية للحكم، فان المفسدة في النجس مثلا إنما تصلح للتأثير في حرمة شربه إذا لم تزاحم بمصلحة أهم كما لو توقف حفظ النفس من الهلاك على شرب النجس الذي هو معنى الاضطرار إليه أما إذا زوحمت كان شرب النجس ارجح من عدمه، وشرطية القدرة راجعة إلى شرطية عدم المانع من تعلق الارادة

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617