حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 222192 / تحميل: 5396
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

* غايته أنه ظاهر في وجوب الاحتياط مع أن هناك قرائن دالة على انه للارشاد فيختلف ايجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد إليه، ويؤيده أنه لو لم يكن للارشاد لوجب تخصيصه لا محالة ببعض الشبهات اجماعا مع أنه آب عن التخصيص قطعا كيف لا يكون قوله: (قف عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة) للارشاد مع أن المهلكة ظاهر في العقوبة ولا عقوبة في الشبهة البدوية قبل إيجاب الوقوف والاحتياط فكيف يعلل إيجابه بانه خير من الاقتحام في الهلكة ؟ (لا يقال): نعم ولكنه يستكشف منه على نحو الان إيجاب الاحتياط من قبل ليصح به العقوبة على المخالفة

______________________________

خصوص الشبهة الموضوعية. وان كان المراد به مثل: كل شئ لك حلال، فالكلام فيه هو الكلام فيما قبله، وان كان المراد به: كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي - بناء على عدم عمومه للشبهة الموضوعية - فهو وان كان حينئذ أخص مطلقا إلا أنه تقدم منه الاشكال على الاستدلال به، وعليه فيرجع عاما ايضا (قوله: غايته انه ظاهر) وحينئذ فيمكن التصرف فيه بحمله على الفضل كما هو الشائع عملا في الجمع بين ما دل على الوجوب وما دل على جواز الترك مثل افعل ولك ان لا تفعل، بل اكثر المندوبات مستفادة من مثل ذلك (قوله: قرائن دالة على انه) تظهر بمراجعة الرسائل (قوله: ببعض الشبهات) إجماعا كالشبهة الموضوعية مطلقا والشبهة الحكمية الوجوبية (قوله: كيف لا يكون قوله قف) ذكر هذا الحديث في المقام لا يخلو من شئ لأن المقصود الجواب عن اخبار الاحتياط لا اخبار التوقف إذ قد اجاب عنها اولا بما سبق (قوله: لا يقال نعم ولكنه) هذا هو الاشكال الذي اورده الشيخ (ره) على نفسه واجاب عنه بما اشار إليه المصنف (ره) بقوله: ولا يصغي إلى ما قيل... الخ (قوله: على نحو الان) الاستدلال الاني هو الاستدلال بوجود المعلول على وجود العلة، وفي المقام لما كان حسن العقاب معلولا لتنجز التكليف وثبوت البيان عليه كان الدليل الدال على وجود العقاب في الشبهة

٢٤١

* (فانه يقال): إن مجرد إيجابه واقعا ما لم يعلم لا يصحح العقوبة ولا يخرجها عن انها بلا بيان ولا برهان فلا محيص عن اختصاص مثله بما يتنجز فيه المشتبه قبل الفحص مطلقا أو الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي فتأمل جيدا (وأما العقل) فلاستقلاله بلزوم فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته حيث علم إجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه أو حرمته مما لم يكن هناك حجة على حكمه تفريغا للذمة بعد اشتغالها ولا خلاف في لزوم الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي إلا من بعض الاصحاب (والجواب): أن العقل وان استقل بذلك الا انه إذا لم ينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي

______________________________

دالا على وجود البيان على التكليف، فالأخبار المثبتة للهلكة في الشبهات كاشفة عن وجوب الاحتياط شرعا لئلا يكون العقاب بلا بيان والمعلول بلا علة (قوله: فانه يقال ان مجرد ايجابه) يعني ان ايجاب الاحتياط واقعا لو كان يكفي في حسن العقاب على المخالفة وفى كون الاقدام على الشبهة هلكة صح حينئذ استكشاف ايجاب الاحتياط في الشبهة بما دل على ثبوت الهلكة فيها دلالة ما دل على ثبوت اللازم على ثبوت ملزومه كما ذكر في السؤال، لكن ليس الامر كذلك لأن ايجاب الاحتياط واقعا ما لم يصل إلى المكلف لا يكفي في حسن العقاب على المخالفة اصلا (فان قلت): إذا كانت الهلكة لازمة لوجوب الاحتياط الواصل فليستكشف وجوب الاحتياط الواصل بما دل على ثبوت الهلكة في الشبهة (قلت): لا يمكن استكشاف ذلك للعلم بعدم وصوله من قبل غير الحديث المذكور ومن قبل نفس الحديث المذكور دوري كما عرفت في الجواب عنه سابقا وعن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل. فلاحظ (فان قلت): ما الفرق بين هذا الحديث وما تضمن الوعيد على فعل بعض المحرمات مثل قوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) ؟ إذ لا ريب في كون هذا الخطاب بنفسه بيانا على تحريم

٢٤٢

* وقد انحل هاهنا

______________________________

القتل، فهلا كان المقام كذلك (قلت): فرق واضح بين المقام وبين الوعيد على فعل المحرم فان الوعيد لما لم يمكن الأخذ بظاهره كان اقرب وجوه التصرف فيه أن يحمل على كونه كناية عن التحريم ويكون حينئذ بيانا عليه، وفي المقام لما لم يمكن الأخذ بظاره كان اقرب وجوه التصرف فيه ان يحمل فيه الشبهة على خصوص المقرونة بالعلم الاجمالي أو نحوها مما كان فيها بيان على الواقع، واجاب والدي (قدس سره) عن اشكال الفرق بأن ظاهر لسان الوعيد كون الاستحقاق فيه ناشئا من نفس الخطاب المشتمل عليه، وظاهر اخبار الوقوف كون الهلكة ناشئة من خطاب آخر، ولعله راجع إلى ما ذكرنا فلاحظ وتأمل (قوله: وقد انحل ها هنا) اعلم انه إذا تعلق علم اجمالي بثبوت التكليف في احد امور معينة كما لو علم اجمالا بوقوع النجاسة في احد أو ان اربعة كبيرين وصغيرين وقام علم تفصيلي أو اجمالي، أو علمي تفصيلي أو اجمالي، أو أصل مثبت للتكليف في بعضها المساوي للمعلوم بالاجمال بحيث لا يعلم بثبوت التكليف فيما عداه من الأطراف فهل ينحل العلم الاجمالي حقيقة أو حكما فيسقط عن التأثير اولا يكون شئ منها ؟ وهل يختلف الحال فيما لو كان العلم أو العلمي متعرضا لتعيين المعلوم بالاجمال كما لو علم بان النجس المعلوم بالاجمال هو هذا الاناء عما لو لم يكن كذلك كما لو علم بان هذا نجس من دون نظر إلى تعيين النجس ؟ كما انه هل يختلف الحال فيما لو اتحد جنس التكليف كما في الفرض المذكور عما تعدد كما لو علم بخمرية احد الاناءين وعلم تفصيلا بغصبية أحدهما المعين مثلا ؟ (وتوضيح) الحال في هذه الصور وغيرها مما يظهر بملاحظتها يكون بذكر صور معينة وتحقيق حكمها ويظهر حال غيرها مما ذكر فيها (فنقول): إذا علم اجمالا بنجاسة احد الانائين وعلم تفصيلا بنجاسة احدهما بعينه، فالظاهر انه لا اشكال في عدم وجوب الاحتياط بالاجتناب عن الطرف المشكوك، ويقع الكلام في وجهه، فالذي يظهر من المصنف (ره) انه انحلال العلم الاجمالي حقيقة فلا موجب للاحتياط، وكأن الوجه فيه، إما

٢٤٣

الوجدان إذ ليس لنا الا فرد معلوم النجاسة وآخر مشكوك النجاسة نظير الأقل والأكثر الاستقلاليين كما لو علم بنجاسة احد الاناء ين وشك في نجاسة الآخر أو ان المعلوم بالاجمال لما كان طبيعة مهملة صالحة للانطباق على كل واحد من الطرفين على البدل والمعلوم بالتفصيل طبيعة خاصة ولا ريب ان الطبيعة المهملة عين الطبيعة الخاصة في الخارج كان اتحاد المعلومين موجبا لامتناع اجتماع العلمين لأن المثلين كالضدين يمتنع اجتماعهما في محل واحد فيمتنع كون المعلوم بالتفصيل طرفا للمعلوم بالاجمال فلم يبق له إلا طرف واحد ويمتنع قيام العلم الاجمالي بطرف واحد فينقلب شكا (فان قلت): إذا فرضنا أن اطراف الشبهة اكثر من اثنين فعند خروج المعلوم بالتفصيل عن كونه طرفا له يبقى له طرفان أو اكثر ويمكن حينئذ قيام العلم الاجمالي بها (قلت): إذا فرضنا أن المعلوم بالتفصيل طرف للعلم الاجمالي بحيث يحتمل أن ينطبق عليه المعلوم بالاجمال امتنع قيام العلم الاجمالي فيما عداه من الأطراف ولو كان اكثر من واحد فان ذلك خلف لأن من خواص العلم الاجمالي أن لو عزل ما يساوي المعلوم بالاجمال انتفى في باقي الأطراف كما تقدمت إليه الاشارة وظاهر بأدنى تأمل (هذا) ولكن لا يخفى عدم تمامية كل من التقريبين (أما الأول) فلأن الوجدان حاكم بوجود علمين في محل الكلام بحيث يصح ان نخبر بأنا نعلم بنجاسة الاناء الفلاني ونعلم بنجاسة اناء زيد المردد بينه وبين الآخر (وأما الثاني) فلابتنائه على تعلق العلم بالأمور الخارجية لا الصور الذهنية إذ على الثاني تكون الصورة الحاكية عن المعلوم بالفصيل غير الصورة الحاكية عن المعلوم بالاجمال فيكون موضوع أحد العلمين غير موضوع الآخر، ولا يلزم اجتماع المثلين، مع أن الشك في الطرف الآخر إنما كان ناشئا من العلم الاجمالي فبقاؤه يدل على بقائه. فلا محيص الا عن أن يقال: ليس الانحلال في المقام حقيقيا بل حكمي بمعني مجرد عدم ترتب أثر على العلم الاجمالي وفرض وجوده كعدمه، والوجه فيه: أن المعلوم بالاجمال يمتنع أن يتنجز في المقام لا من قبل العلم التفصيلي ولا من قبل العلم الاجمالي. أما من قبل الأول فواضح لعدم تعلقه به فكيف يصلح للمنجزية. وأما من قبل الثاني فلأنه وان تعلق به إلا أن المعلوم

٢٤٤

بالاجمال لما كان صالحا للانطباق على المعلوم بالتفصيل كان تنجزه بالعلم الاجمالي موجبا لكون المعلوم بالتفصيل قام عليه منجزان العلم التفصيلي المتعلق به والعلم الاجمالي المتعلق بما هو صالح للانطباق عليه، واجتماع المنجزين على المنجز الواحد ممتنع، فلابد من استناد تنجز المعلوم بالتفصيل اليهما معا فيسقط العلم الاجمالي عن المنجزية الفعلية فلا منجزية للمعلوم بالاجمال أصلا (فان قلت): إذا كان انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل مانعا عن تأثير العلم الاجمالي به فعلا من جهة لزوم الترجيح بلا مرجح فهو بعينه مانع من تأثير العلم التفصيلي في المعلوم لعين المانع المذكور، ولازمه عدم المنجز للمعلوم بالتفصيل ايضا، فلا موجب لاشتغال الذمة بكل واحد من المعلوم بالاجمال والمعلوم بالتفصيل (قلت): فرق واضح بين المعلوم بالتفصيل والمعلوم بالاجمال فان الأول مما لا ريب في قيام المنجز عليه إما العلم التفصيلي أو مجموع العلمين، والثاني مما لا يحتمل وجود المنجز له غير العلم الاجمالي والمفروض انه يمتنع أن يكون منجزا له (والنكتة الفارقة): أن العلم الاجمالي وإن لم يتعلق إلا بالصورة المهملة الصالحة للانطباق على كل من الفردين إلا أنه ينجز نفس الواقع الذي اتحد معه وانطبق عليه فيصلح لمنجزية المعلوم بالتفصيل والعلم التفصيلي مما لا يصلح لمنجزية المعلوم بالاجمال الصالح للانطباق على كل من الفردين أصلا وانما ينجز متعلقه فقط ولا يسري التنجز من متعلقه الي الامر المردد بينه وبين غيره. ومن هنا نحكم بجود المنجز للمعلوم بالتفصيل، إما نفس العلم التفصيلي أو هو والاجمالي ولا نحكم بوجود المنجز للمعلوم بالاجمال إذ ينحصر محتمل المنجزية له بنفس العلم الاجمالي الذي قد عرفت انه ممنوع لوجود المماثل (وان شئت قلت): تنجز المعلوم بالاجمال ليس معناه الا اشتغال ذمة المكلف به في قبال اشتغالها بالمعلوم بالتفصيل وهذا ممتنع عقلا لاحتمال كونه عين المعلوم بالتفصيل فكيف يثبت في ذمة المكلف زائذا على المعلوم بالتفصيل، وحينئذ يدور الامر بين رفع اليد عن العلم التفصيلي فلا يحكم بمنجزية متعلقه أو عن العلم الاجمالي كذلك أو عنهما معا فلا يجب على المكلف اجتناب كل واحد منهما، لكن لما كان وجوب الاجتناب عن المعلوم بالتفصيل من لوازم كل

٢٤٥

من العلمين ومقتضياتهما كان ترتبه مما لا اشكال فيه لعدم تزاحمهما فيه، ووجوب الاجتناب عن الطرف المشكوك لما كان من لوازم تأثير العلم الاجمالي في متعلقه بخصوصه لا وجه للحكم به لعدم قيام المرجح له. وعلى هذا جرت طريقة العقلاء التي هي حاكمة على كل اشكال في المقام أو نقض أو ابرام، ومنه سبحانه نستمد الاعتصام (إذا عرفت) هذا عرفت انه لا فرق بين كون العلمين التفصيلي والاجمالي حقيقيين أو تنزيليين أو مختلفين، بل لا فرق بين أن يكونا علمين أو أصلين مثبتين للتكليف أو مختلفين إذ يأتي في جميع هذه الصور جميع ما ذكرنا. فلاحظ وتأمل (هذا كله) إذا كان العلمان أو ما هو بمنزلتهما مقترنين. ولو تقدم العلم التفصيلي على العلم الاجمالي كما لو علم بنجاسة اناء معين ثم علم بوقوع نجاسة فيه أو في اناء آخر، فان بنينا على أن التنجز حدوثا وبقاء منوط بالعلم حدوثا بحيث يكون حدوث العلم بالتكليف موجبا لتنجز متعلقه إلى الأبد فالمعلوم بالتفصيل لما كان متنجزا بالعلم التفصيلي حين حدوثه فإذا جاء العلم الاجمالي امتنع أن يكون منجزا لمتعلقه لما عرفت من التنافي الموجب لتعين سقوطه لتأخره الزماني إذ يكون تنجيزه حينئذ من قبيل تحصيل الحاصل الممتنع، وان قلنا - كما هو التحقيق - ان التنجز منوط بالعلم حدوثا وبقاء ففي آن حدوث العلم الاجمالي يأتي حكم صورة التقارن، ومجرد سبق العلم التفصيلي لا أثر له في الفرق، كما انه لا فرق ايضا بين أن يكون العلمان حقيقيين أو تنزيليين أو مختلفين، كما لا فرق بينها وبين ما لو كان المثبت للتكليف اجمالا وتفصيلا أصلين أو كان أحدهما أصلا والآخر علما فيجري فيه جميع ما تقدم بلا فرق أصلا. ولو تقدم العلم الاجمالي على العلم التفصيلي (فان قلنا): بأن التنجز منوط بحدوث العلم فالمعلوم بالاجمال متنجز بالعلم الاجمالي لأنه بلا مانع حين حدوثه وحدوث العلم التفصيلي لا يبطل أثره لعدم كونه مقتضيا لذلك فيبقي المعلوم بالاجمال متنجزا ويجب الاحتياط في الطرف المشكوك (وان قلنا): بأن التنجز منوط بالعلم حدوثا وبقاءا فالمعلوم بالاجمال متنجز بالعلم إلى حين حدوث العلم التفصيلي، وفى آن حدوثه يجري

٢٤٦

عليهما حكم الاقتران فيسقط العلم الاجمالي عن التأثير، ولا يجب الاجتناب الا عن المعلوم بالتفصيل، ولازم ذلك أنه لو علم اجمالا بنجاسة احد اناءين فوجب عليه اجتنابهما معا ثم في الزمان اللاحق وقعت نجاسة في احدهما المعين وجب عليه الاجتناب عن ذلك المعين ولم يجب عليه الاجتناب عن الآخر لعدم المنجز له على تقدير نجاسته. نعم قد يقال: إنه وإن انحل العلم الاجمالي المذكور إلا أن هناك علم اجمالي لم ينحل وذلك لان التكليف الممتد بامتداد الزمان أعني المستمر في الجملة مثل التكليف بالجلوس في المسجد ساعة والتكليف بالاجتناب عن النجس مدة الحياة منحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الآنات وليس المراد من ذلك أن كل زمان يفرض ملحوظ قيدا في موضوع التكليف فيكون مثلا كل حصة من الجلوس مقيدة بحصة من الزمان موضوعا مستقلا للحكم حتى يمنع ذلك بانه لا دليل عليه، بل المراد ما هو اعم من ذلك ومن ان كل حصة من الجلوس وقطعة منه بما هي جلوس موضوع مستقل للحكم، والمراد من كونها مستقلة في الموضوعية أن لها ارادة خاصة بها بحيث لا تكون القطعة الاخرى مما لها الدخل في موضوعية هذه القطعة للمقدار الخاص بها من الارادة بل كل قطعة من قطعات الجلوس المنحل إليها الجلوس المستمر قائمة بها ارادة مستقلة غير مربوطة بارادة القطعة الاخرى اصلا بحيث لو فرض تبدل الارادة الاخرى بنقيضها كانت هذه القطعة من الارادة ثابتة بحالها، فهناك حقيقة ارادات متعددة بتعدد حصص الجلوس تنحل إليها الارادة الممتدة بامتداد الجلوس بحيث يكون لكل واحدة من هذه الارادات طاعة ومعصية لا كالوجوب الارتباطي، وحينئذ ينحل التكليف بالاجتناب عن النجس مدة الحياة إلى التكليف بالاجتناب عنه يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الاحد... وهكذا إلى آخر المدة فإذا تردد النجس بين اناءين كان هناك علوم اجمالية كثيرة بتكثر الآنات منها آنية مثل أنا نعلم اجمالا بوجوب الاجتناب عن احدهما يوم الجمعة ونعلم بوجوب الاجتناب عن احدهما يوم السبت ونعلم اجمالا بوجوب الاجتناب عن احدهما يوم الاحد... وهكذا، ومنها تدريجية مثل أنا نعلم بوجوب الاجتناب اما عن الاحمر يوم الجمعة أو عن الابيض يوم السبت أو عنه يوم الاحد أو عنه يوم الاثنين... وهكذا إلى آخر ازمنة الابيض، ومع

٢٤٧

ذلك نعلم ايضا بوجوب الاجتناب اما عن الاحمر يوم الاحد أو الابيض يوم الجمعة أو عنه يوم السبت أو عنه يوم الاثنين، وحاصل هذه العلوم التدريجية: انه بعد انحلال التكليف المستمر إلى التكاليف المتعددة بتعدد الآنات فعند تردد المكلف به بين الفردين يكون التردد بين كل ما يفرض من الآناث بالنسبة إلى احدهما وكل ما يفرض من الآنات بالنسبة إلى الآخر وحينئذ فان فرض طرفا الترديد في آن واحد فالعلم الاجمالي بينهما آني وان فرضا في آنين متصلين أو منفصلين فالعلم الاجمالي بينهما تدريجي مثلا إذا فرض تردد رمضان بين شهرين فانه كما يعلم بوجوب صوم احد اليومين الاولين واحد الثانيين واحد الثالثين منهما يعلم بوجوب صوم اما الاول من الاول أو الثاني من الثاني أو الثالث منه أو الرابع منه... وهكذا، وكذا يعلم اما بوجوب صوم الثاني من الاول أو الاول من الثاني أو الثالث منه أو الرابع منه... وهكذا، وحينئذ نقول: العلم التفصيلي اللاحق للعلم الاجمالي وإن كان يوجب كون العلم الاجمالي بحكم المنحل لكن يختص ذلك بالعلم الآتي وبعض صور التدريجي مطلقا، وذلك لان بعض التدريجي لم يقم على ثبوت التكليف في احد طرفيه بعينه منجز فلا يكون له ربط بما نحن فيه، مثلا إذا علمنا بنجاسة احد الاناءين في يوم الجمعة ثم علمنا في يوم الاحد بنجاسة احدهما بعينه، فهذا العلم التفصيلي إنما يوجب انحلال العلم الكائن في يوم الاحد بنجاسة احدهما، أما العلم الاجمالي إما بنجاسة احدهما في يوم الجمعة أو الآخر في يوم السبت أو الاحد أو الاثنين فهذه العلوم التدريجية مما لم يقم العلم على ثبوت التكليف في احد اطرافها المعين لان العلم التفصيلي إنما حدث في يوم الاحد ومتعلقه في يوم الاحد ليس طرفا لجميع العلوم التدريجية وإنما يكون طرفا لبعضها فما يكون طرفا له يجري عليه حكم الانحلال وما لم يكن طرفا له لا وجه لانحلاله فيجب الاحتياط في اطرافه التدريجية. ومما ذكرنا ظهر أنه لا فرق بين أن يكون العلم التفصيلي قائما على حدوث تكليف جديد بعد التكليف المعلوم بالاجمال كما في المثال الذي ذكرنا وبين أن يكون قائما على ثبوت التكليف مقارنا للمعلوم بالاجمال كما ظهر أنه لا فرق بين العلمين الحقيقيين والتنزيليين

٢٤٨

والمختلفين وبينها وبين الاصلين المثبتين للتكليف والمختلفين (فتلخص) ان العلم التفصيلي أو ما بحكمه القائم على ثبوت التكليف في احد الطرفين إن كان مقدما على العلم الاجمالي أو مقارنا أوجب انحلال العلم الاجمالي حكما وإن كان متأخرا لم يمنع من تأثيره في المعلوم بالاجمال، ولابد من الاحتياط كما ظهر أنه لا فرق بين كون التكليف الثابت بالعلم التفصيلي متفقا صنفا مع المعلوم بالاجمال ومختلفا كما لو علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين مع العلم التفصيلي بغصبية احدهما المعين فانه يجوز شرب الآخر والوضوء منه وغير ذلك من انواع التصرف لان المناط في جميع ما ذكرناه كونه علما بالكليف سواء كان لنجاسة ام غصبية أم غيرهما. نعم لو علم اجمالا بغصبية احد الاناءين مع العلم التفصيلي بنجاسة أحدهما بعينه كان العلم التفصيلي المذكور مانعا من تنجز حرمة شرب الآخر ولا يمنع من تنجز سائر انواع التصرف فيه لان العلم الاجمالي بحرمة سائر انواع التصرف في احدهما مما لم يقم منجز على ثبوت التكليف في بعض اطرافه المعين، فتأمل جيدا. ثم ان ما ذكرنا من ان العلم التفصيلي بثبوت التكليف في احد الاطراف يمنع من تنجيز العلم الاجمالي للمعلوم بالاجمال يختص بما إذا كان العلم التفصيلي في رتبة العلم الاجمالي أما لو كان ناشئا منه لم يمنع من تنجيزه لعدم كونه في رتبته فلو علم اجمالا بوجوب احد الامرين مع كون احدهما مقدمة للآخر وجب الاحتياط بفعلهما معا ولا ينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب ما كان مقدمة للآخر بعينه اما لنفسه أو لغيره لان العلم التفصيلي بوجوبه بعينه إنما نشأ من قبل العلم الاجمالي فالعلم الاجمالي لما لم يكن في رتبته مانع من تأثيره كان تأثيره بلا مانع (واوضح) منه ما لو كان العلم التفصيلي ناشئا من منجزية العلم الاجمالي لامن قبل نفسه كما لو علم المصلي حين كونه في الركعة الثالثة بفوات التشهد أو السجدة الثانية فانه حينئذ وان علم تفصيلا بوجوب التشهد يجب عليه الاتيان بالسجدة لان العلم التفصيلي المذكور إنما جاء من تنجز المعلوم بالاجمال إذ على تقدير فوات السجدة واقعا لا يجب عليه التشهد، ولذا يجب على من فاتته سجدة فقط ان يتدارك التشهد وانما يجب تدارك التشهد على من فاتته

٢٤٩

السجدة لو كان قد تنجز عليه فعلها ونحوه كثير من الأمثلة. فتأمل جيدا (ولو علم) بعد الفراغ من صلوته بفوات ركن من صلوته أو جزء من وضوئه وجب عليه فعل الصلاة للعلم ببطلانها إما لفوات الركن أو لفوات الطهارة المانع من الرجوع إلى قاعدة الفراغ فيها ولا يلزم اعادة الوضوء للشك في صحته فيرجع فيه إلى قاعدة الفراغ، ولا يجئ ما ذكرنا هنا فيقال: إن العلم التفصيلي ببطلان الصلاة انما نشأ من العلم الاجمالي بفسادها أو فساد الوضوء فلا يوجب انحلاله، لان العلم بفساد احد الأمرين ليس علما منجزا حتى لا يمنع العلم الناشئ منه من تأثيره فانه علم بالموضوع ولا معنى لكونه منجزا بل المنجز هو العلم بالحكم وهو العلم بوجوب الوضوء والصلاة أو الصلاة فقط، وحيث أنه علم بما هو مردد بين الأقل والاكثر كان منحلا حقيقة إلى العلم بالأقل والشك في الزائد فيعمل على مقتضي كل منهما فيجب الأقل للعلم به ويرجع في الزائد إلى قاعدة الفراغ التي لولاها لكان المرجع فيه قاعدة الاشتغال من جهة سبق التكليف به، ومن هنا يظهر أن ما ذكرنا من ان العلم التفصيلي الناشئ من قبل العلم الاجمالي لا يمنعه من تأثيره مختص بما كان ناشئا من العلم بالتكليف اجمالا فانه الذي ينجز لا العلم بالموضوع وان اشتبه ذلك على جماعة من فضلاء عصرنا فأوجبوا فعل الوضوء في المسألة المذكورة، ومنعوا من الرجوع إلى قاعدة الفراغ فيه لما اشتهر من أن العلم التفصيلي الناشئ من العلم الاجمالي لا يوجب انحلاله. والله سبحانه اعلم (هذا كله) إذا لم يكن العلم التفصيلي قائما على تعيين المعلوم بالاجمال بل كان قائما على ثبوت التكليف في أحد الاطراف في الجملة أما لو كان قائما على تعيين المعلوم بالاجمال فلا ريب في اقتضائه انحلال المعلوم بالاجمال حقيقة ولا يمكن فرض ذلك الا في العلم التفصيلي اللاحق أما المقارن والسابق فانه مانع من ثبوت العلم الاجمالي بالمرة. نعم يمكن فرض صورة مهملة في الذهن غير حاكية عن احدهما بعينه لكن في ظرف الاذعان بها لا ترى حاكية عن الطرف غير المعلوم بالتفصيل ولو على البدل بل ترى حاكية عن المعلوم بالتفصيل لا غير (هذا) إذا كان العلمان حقيقيين اما لو كان العلم الاجمالي

٢٥٠

فانه كما علم بوجود تكاليف إجمالا كذلك علم إجمالا (تفصيلا ظ) بثبوت طرق وأصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة أو أزيد وحينئذ لا علم بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية في موارد المثبتة من الطرق والأصول العملية

______________________________

حقيقيا والتفصيلي تنزيليا كما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الاناءين وقامت البينة على كون النجس المعلوم بالاجمال هو الاناء الأبيض فان العلم الاجمالي وان كان باقيا حقيقة الا ان دليل حجية البينة يجعل موضوعها بدلا عن المعلوم بالاجمال، وجعل البدل مما لا ينافي منجزية العلم الاجمالي، ولو انعكس الامر كأن قامت البينة على نجاسة احدهما اجمالا وعلم بان النجس هو المعين لا مجال لحجية البينة في وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر للعلم بعدم انطباق موضوعها عليه، ولو كانا تنزيليين معا كما لو قامت بينة على نجاسة احد الاناءين واخرى على كون النجس هو الأبيض كانت الثانية حاكمة على الأخرى ومقتضى حجيتها عدم الاجتناب عن الآخر فيكون من قبيل جعل البدل أيضا، فالانحلال الحقيقي يكون في صورتين وجعل البدل في صورتين. فتأمل في المقام فانه به حقيق ومنه سبحانه نستمد الاعتصام فانه خير رفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم (قوله: فانه كما علم بوجود) هذا بيان لكيفية انحلال العلم الاجمالي الذي اعتمده الاخباريون لاثبات وجوب الاحتياط إلى العلم التفصيلي والشك البدوي لكن قوله: كذلك علم اجمالا بثبوت طرق... الخ يقتضي كونه منحلا إلى علم اجمالي اضيق منه دائرة وهو العلم بثبوت تكاليف تؤدي إليها الطرق بحيث لو فحص عنها المكلف لعثر عليها، وهذا العلم مقارن للعلم الأول لا لاحق له ويوجب اجراء احكام الانحلال له كما في العلم التفصيلي بعينه غاية الأمر أن هذا العلم ينحل حقيقة بالفحص لأنه إذا تفحص المكلف فان عثر على تكليف هو مؤدى طريق فقد علم تفصيلا بأن العثور عليه من المعلوم بالاجمال بالعلم الصغير الدائرة وان لم يعثر كذلك علم تفصيلا بان التكلف في ذلك المورد ليس من اطرافه فلا مجال للاحتياط فيه، فعلى هذا انحلال العلم الاجمالي

٢٥١

(ان قلت): نعم لكنه إذا لم يكن العلم بها مسبوقا بالعلم بالتكاليف (قلت): إنما يضر السبق إذا كان المعلوم اللاحق حادثا وأما إذا لم يكن كذلك بل مما ينطبق عليه ما علم أولا فلا محالة قد انحل العلم الاجمالي إلى التفصيلي والشك البدوي (ان قلت): إنما يوجب بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالاجمال ذلك إذا كان قضية قيام الطريق على تكليف موجبا لثبوته فعلا وأما بناء على أن قضية

______________________________

الكبير الدائرة بالعلم الاجمالي الضيق الدائرة من الانحلال الحكمي، وانحلال هذا العلم الاجمالي الضيق الدائرة بالعلم التفصيلي الحاصل بعد الفحص من الانحلال الحقيقي، وعبارة المصنف (ره) لا تخلو من قصور في افادة الانحلالين معا، وان كان قوله: إلى علم تفصيلي... الخ يصلح للاشارة إلى الانحلال الثاني، وقوله: كذلك علم... الخ يصلح للاشارة إلى الانحلال الأول لكن يشكل من جهة سوق الكلام الثاني بيان للاول، ولا يبعد أن يكون (علم اجمالا) من قلم الناسخ والأصل (علم تفصيلا) ويشهد به كلام في حاشيته على الرسائل في المقام، وقوله هنا: ان قلت وما بعده... إلى اخر المطلب، لكن التحقيق في كيفية الانحلال ما ذكرنا وقد تقدم مثله في باب حجية الظواهر (قوله: نعم لكنه إذا) هذا اشكال على الانحلال بالعلم التفصيلي اللاحق لا العلم الاجمالي المقارن الذى ذكرناه (قوله: إنما يضر السبق) قد عرفت أن العلم التفصيلي اللاحق لا يوجب انحلال العلم الاجمالي السابق لا حقيقة ولا حكما ما لم يرجع إلى تعيين المعلوم بالاجمال فلابد في اثبات انحلال العلم بالطرق من اثبات كونها متعرضة للمعلوم بالاجمال لا مجرد الحكاية عن ثبوت الواقع. إلا أن يقال: ان التكاليف الواقعية ليس لها ميز عند العالم بها اجمالا زائد على كونها تكاليف واقعية واذ لا ميز لها عنده يكون الانطباق قهريا، ولذا لو علم باصابة الطريق الموصل إلى مقدار المعلوم بالاجمال يرتفع العلم الاجمالي حقيقة كما ذكرنا فتأمل جيدا (قوله: إنما يوجب العلم بقيام) يعني ان ما ذكرت من انحلال العلم الاجمالي بالعلم

٢٥٢

حجيته واعتباره شرعا ليس إلا ترتيب ما للطريق المعتبر عقلا وهو تنجر ما أصابه والعذر عما أخطأ عنه فلا انحلال لما علم بالاجمال أولا كما لا يخفى (قلت): قضية الاعتبار شرعا على اختلاف ألسنة أدلته وان كان ذلك على ما قوينا في البحث الا أن نهوض الحجة على ما ينطبق عليه المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف يكون عقلا بحكم الانحلال وصرف تنجزه إلى ما إذا كان في ذاك الطرف والعذر عما إذا كان في سائر الأطراف مثلا إذا علم إجمالا بحرمة اناء زيديين الاناءين وقامت البينة على ان هذا اناؤه فلا ينبغي الشك في أنه كما إذا علم أنه اناؤه في عدم لزوم الاجتناب الا عن خصوصه دون الآخر

______________________________

التفصلي بمؤديات الطرق يتم لو كان مفاد جعل الطريق ثبوت مؤداه حقيقة كما هو مقتضي القول بالسببية فانه بقيام الطريق يعلم بثبوت التكليف تفصيلا أما بناء على الطريقية فلا علم بثبوت التكليف تفصيلا حتى يدعى الانحلال به فليس مورد الطريق الا مما يحتمل ثبوت التكليف فيه كغيره مما لم يقم على ثبوت التكليف فيه طريق (قوله: قلت قضية الاعتبار شرعا) حاصل الجواب: ان هذا وإن لم يكن من الانحلال الحقيقي لكنه بحكم الانحلال في عدم وجوب الاحتياط في غير مورده من الاطراف كما عرفت توضحيه فيما سبق، بل عرفت أن هذا من قبيل جعل البدل وليس من الانحلال في شئ لا حقيقة ولا حكما إذ ليس فيه تعرض لمقام الاشتغال بل التعرض فيه لمقام الفراغ الذي هو وظيفة جعل البدن نظير قاعدة الفراغ عما علم الاشتغال به تفصيلا فان دليل القاعدة لا يوجب انحلال العلم التفصيلي وإنما يجعل بدلا ظاهريا عما اشتغلت به الذمة. فلاحظ (قوله: مثلا إذا علم اجمالا بحرمة) لا ريب فيما ذكر إلا أن في كون المقام منه محل الاشكال حيث أن الطرق والاصول ليس لسانها التعرض لنفس المعلوم بالاجمال وتعيينه في مؤدياتها وإنما مفادها مجرد ثبوت الواقع فكيف يصح القياس بالمثال المذكور. إلا أن يقال: ان الأحكام الواقعية المعلومة اجمالا لما لم يكن لها ميز في نظر العالم أصلا كان انطباقها

٢٥٣

* ولولا ذلك لما كان يجدي القول بان قضية اعتبار الامارات هو كون المؤديات أحكاما شرعية فعلية ضرورة انها تكون كذلك بسبب حادث وهو كونها مؤديات الامارات الشرعية هذا إذا لم يعلم ثبوت التكاليف الواقعية في موارد الطرق المثبتة بمقدار المعلوم بالاجمال وإلا فالانحلال إلى العلم بما في الموارد وانحصار اطرافه بموارد تلك الطرق بلا اشكال كما لا يخفى، وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحضر في الأفعال غير الضرورية قبل الشرع ولا أقل من الوقف وعدم استقلاله لا به ولا بالاباحة ولم يثبت شرعا اباحة ما اشتبه حرمته فان ما دل على الاباحة معارض بما دل

______________________________

على مؤديات الطرق فهريا فتأمل جيدا (قوله: ولولا ذلك لما كان) يعني لولا الذى ذكرنا من أن قيام الطرق والأصول على الواقع بمنزلة الانحلال لم ينفع القول بالسببية في حصول الانحلال الذي اعترف به المعترض وذلك لان قيام الطريق مثلا وان كان يوجب العلم التفصيلي بثبوت المؤدى الا أن مثل هذا العلم لا ينحل به العلم الاجمالي لأنه على بتكليف حادث حال قيام الطريق وليس علما بثبوت الحكم من اول الأمر، وذلك لان السبب في ثبوت الحكم قيام الطريق وهو حادث متأخر عن زمان العلم الاجمالي الذي اعتمده الاخباريون في وجوب الاحتياط (قوله: وإلا فالانحلال إلى العلم) يعني أن تكلف الجواب بما ذكرنا من كون قيام الطريق بحكم الانحلال الحقيقي إنما هو إذا احتمل خطأ جميع الطرق والاصول المثبتة للواقع أما مع العلم باصابتها بمقدار المعلوم بالاجمال فهذا العلم يوجب انحلال العلم الاجمالي حينئذ. هذا ولا يخفى انه إذا اراد العلم الحادث حال قيام الطريق فقد عرفت أنه لا يوجب الانحلال إلا إذا كان قائما على تعيين المعلوم بالاجمال الذي عرفت أن كونه كذلك محل اشكال، وان اراد العلم المقارن فما ذكر في محله وقد عرفت تفصيل الحال في الحاشية على قوله: كذلك علم اجمالا.. الخ. فلاحظ وتأمل والله سبحانه هو العالم (قوله: وربما استدل) يعني على الاحتياط (قوله: الضرورية) يعني التى يضطر المكلف إلى ارتكابها (قوله: وعدم استقلاله)

٢٥٤

على وجوب التوقف أو الاحتياط، وفيه (أولا) أنه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخارف والاشكال والا لصح الاستدلال على البراءة بما قيل من كون تلك الأفعال على الاباحة (وثانيا) أنه تثبت الاباحة شرعا لما عرفت من عدم صلاحية ما دل على التوقف أو الاحتياط للمعارضة لما دل عليها (وثالثا) أنه لا يسلتزم القول بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة لاحتمال ان يقال معه بالبراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان (وما قيل) من أن الاقدام على ما لا تؤمن المفسدة فيه كالاقدام على ما تعلم فيه المفسدة (ممنوع) ولو قيل بوجوب دفع الضرر المحتمل فان المفسدة المحتملة في المشتبه ليس بضرر غالبا ضرورة ان المصالح والمفاسد التي هي مناطات الأحكام ليست براجعة إلى المنافع والمضار بل ربما يكون المصلحة فيما فيه الضرر والمفسدة فيما فيه المنفعة واحتمال ان يكون في المشتبه ضرر ضعيف غالبا لا يعتني به قطعا - مع أن الضرر ليس دائما مما يجب التحرز عنه عقلا

______________________________

بيان للوقف وضمير به راجع إلى الحظر (قوله: أولا انه لا وجه) يعني أن القول بان الأصل الحظر هو احد الاقوال في المسألة فلا وجه للاستدلال به وإلا لجاز لنا الاستدلال بالقول الآخر وهو القول بالاباحة (قوله: وثانيا انه) اعتراض على قول المستدل: ولم تثبت شرعا اباحة... الخ (قوله: وثالثا انه لا يستلزم) يعني لو سلم عدم ثبوت الاباحة شرعا فليس لازم القول بالوقف هناك القول بالاحتياط في هذه المسألة إذ من المعلوم أن النزاع في تلك المسألة في نفس حكم العقل وعدمه عند النظر إلى نفس الشئ المشتمل على المصلحة الخالي عن امارة المفسدة مع قطع النظر عن العناوين الثانوية، ومن الواضح أن توقف العقل عن الحكم بالاباحة والحظر بالنظر إلى نفس الشئ لا يستلزم توقفه عن الحكم بالنظر إلى العناوين الثانوية فيجوز أن يحكم بالبراءة في المقام بالنظر إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولذا ذهب بعض القائلين بالوقف في تلك المسألة إلى القول بالبراءة الشرعية استنادا إلى ما دل عليها من الأدلة الشرعية وآخر إلى البراءة العقلية الواقعية اعتمادا

٢٥٥

* بل يجب ارتكابه احيانا فيما كان المترتب عليه أهم في نظره مما في الاحتراز عن ضرره مع القطع به فضلا عن احتماله (بقي أمور مهمة) لا بأس بالاشارة إليها (الأول) أنه إنما تجرى اصالة البراءة شرعا وعقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعي مطلقا ولو كان موافقا لها فانه معه لا مجال لها اصلا لوروده عليها كما يأتي تحقيقه فلا تجري مثلا أصالة الاباحة في حيوان شك في حليته مع الشك في قبوله التذكية فانه إذا ذبح مع سائر الشرائط المعتبرة في التذكية فاصالة عدم التذكية تدرجها فيما لم يذك

______________________________

على قاعدة اللطف وانه لو كان في الفعل مفسدة لوجب على الحكيم بيانها لطفا وثالث إلى البراءة العقلية الظاهرية اعتمادا على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فالقول بالوقف هناك لا يستلزم القول به هنا لأن النزاع هناك في حكم العقل بالنظر إلى نفس الفعل وهنا في حكم العقل ولو بالنظر إلى بعض العناين الثانوية (قوله: بل يجب ارتكابه) لما عرفت من أن وجوب دفع الضرر إنما هو بمناط وجوب تحصيل الغرض فلا يجب دفعه الا إذا كان الغرض دفعه (قوله: كما يأتي تحقيقه) يأتي في مبحث الاستصحاب انشاء الله أن الأصول الموضوعية مهما جرت امتنع جريان الأصول الحكمية سواء أكانت موافقة لها عملا أم مخالفة لأن الأولي إما واردة على الثانية أو حاكمة عليها والأصل المورود أو المحكوم لا يجري مع جريان الأصل الوارد أو الحاكم (قوله: مع الشك في قبوله التذكية) اعلم ان الشك في ذكاة الحيوان وعدمه (تارة) يكون من الشبهة الموضوعية كما لو شك في كون الحيوان مات حتف انفه أو بقطع اوداجه (واخرى) من الشبهة الحكمية كما لو شك في قابلية الحيوان للتذكية وعدمها أو احرزت القابلية وشك في اشتراط عدالة الذابح أو اسلامه أو ذكوريته مع فقد الذابح لبعضها والشك على النحو الثاني إنما يكون بناء على انها معني شرعي لا يخلو من اجمال واهمال، انا بناء على أنها مفهوم

٢٥٦

* عرفي محصل عند اهل العرف وأنها الذبح - كما في القاموس - فلا مجال للشك فيها الا على نحو الشبهة الموضوعية، وحيث أن كلام القاموس مبني على المسامحة كما يظهر من موارد استعمالها مثل قوله (ع) - في حديث السمك -: ذكاه الله تعالى لبني اسرائيل، وكل يابس ذكي، وذكاة الأرض يبسها، وذكاة الجنين ذكاة امه، وأخذ الجراد ذكاته، وذكاة السمك اخراجه حيا من الماء وذكاة الابل نحرها، وفي حسن حريز: اللبن واللبا والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شئ يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي، ونحوها كثير مما ورد فيما لا تحله الحياة من الميتة، وغير ذلك من الموارد الكثيرة الدالة على ان الذكاة ليست هي الذبح، وانها أثر يحصل بالذبح تارة وبغيره أخرى يكشف عن وجوده الشارع الأقدس يرجع فيه إليه، فمع الشك فيه للشبهة الموضوعية أو الحكمية يرجع إلى أصالة عدمه ويترتب عليها الحرمة والنجاسة، ولا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة والطهارة لأن اصالة عدم التذكية اصل موضوعي لهما فيقدم عليهما بلا فرق في ذلك بين كون الشك فيها للشك في القابلية أو في غيرها من الشرائط للشبهة الموضوعية أو الحكمية. ثم إن المصنف (ره) حيث استبعد ما ذكره في القاموس التزم بأن التذكية عبارة عن الذبح الخاص الجامع للشرائط المعتبرة مثل اسلام الذابح ونحوه ومنها قابلية المحل، فجعل النتذكية من قبيل الصلاة التى هي عبارة عن أفعال خاصة بشرائطها لا الأثر الحاصل من الأفعال كما ذكرنا، وهذا المعني وان كان اقرب مما ذكره في القاموس لكنه خلاف المتبادر منها أيضا، كما يظهر من ملاحظة موارد استعمالها التي اشرنا إليها، وعليه فلو شك فيها للشبهة الموضوعية جرى أصالة عدمها (١) وللشبهة الحكمية من جهة الشك في شرطية شئ لها لم تجر اصالة عدمها لاجمال المفهوم الموجب لليقين بعدمه على بعض التقادير واليقين بثبوته على

______________

(١) هذا لو لم نقل بطهارة اللحم حال حياة الحيوان وإلا كان الاصل بقاؤها إلى ما بعد الموت، إلا ان يحكم عليه اصالة عدم الذبح أو النحر الذي هو موضوع النجاسة. منه مد ظله

٢٥٧

وهو حرام اجماعا كما إذا مات حتف أنفه فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير المذكى شرعا

______________________________

التقدير الآخر، مثلا إذا شككنا في اعتبار عدالة الذابح في التذكية فذبح الحيوان غير العادل فالتذكية بمعني ما يعتبر فيه العدالة معلومة العدم وبمعنى ما لا يعتبر فيه العدالة معلومة الثبوت فليس الشك في البقاء وعدمه الذي هو قوام الاستصحاب بل الشك في الحقيقة في الاعتبار وعدمه، ومثل المقام استصحاب بقاء النهار بعد سقوط القرص لاثبات كونه مما ينتهي بذهاب الحمرة المشرقية، وان كان من جهة الشك في القابلية فاستصحاب عدم القابلية وان لم يكن جاريا لأن القابلية من الصفات الاعتبارية التي يكون ثبوتها للماهية ازليا ليس مسبوقا بالعدم فلا مجال لاستصحاب عدمها، لكن يجري أصالة عدم التذكية بمعنى عدم الذبح في المحل القابل، كما لو نذر أن يغتسل بكر فاغتسل بماء ليس له حالة سابقة فاصالة عدم الكرية وان لم يكن جاريا لكن اصالة عدم الغسل بالكر لا مانع منها، فتلخص: أنه على رأي القاموس لا مجال لاصالة عدم التذكية الا مع الشك فيها للشبهة الموضوعية، وعلى رأي المصنف - رحمه الله - تجري في ذلك للشك في القابلية، وعلى ما قلناه تجري في ذلك كله وللشك في شرطية شئ لها، كما ظهر أن تتبع موارد الاستعمال يشهد بوهن ما ذكره في القاموس معنى للتذكية كوهن ما ذكره المصنف (ره). فلاحظ وتأمل (قوله: وهو حرام اجماعا) أشار بذلك إلى دفع إشكال في المقام وهو أن النجاسة والحرمة معلقتان على الميتة فاثباتهما يتوقف على اثبات كون اللحم ميتة وهو لا يثبت باصالة عدم التذكية وإذا لم يثبت لا مجال لاجرائها لعدم الأثر الشرعي، فالمرجع حينئذ اصالة الحل والطهارة، وحاصل الدفع: أن الحرمة والنجاسة كما يثبتان للميتة يثبتان ايضا لما ليس بمذكى بالاجماع فيكون لهما موضوعان الميتة وما ليس مذكى واصالة عدم التذكية وان لم تثبت الاول لكنها تثبت الثاني فيترتب على جريانها الحرمة والنجاسة (قوله: فلا حاجة إلى اثبات ان)

٢٥٨

ضرورة كفاية كونه مثله حكما وذلك بأن التذكية انما هي عبارة عن فري الأوداج الأربعة مع سائر شرائطها عن خصوصية في الحيوان التي بها يؤثر فيه الطهارة وحدها أو مع الحلية ومع الشك في تلك الخصوصية فالأصل عدم تحقق التذكية بمجرد الفري بساير شرايطها كما لا يخفى. نعم لو علم بقبوله التذكية وشك في الحلية فاصالة

______________________________

اشارة إلى ما أجاب به شيخنا الاعظم (قده) عن الاشكال المذكور، وحاصله: أن اصالة عدم التذكية انما لا تصلح لاثبات عنوان الميتة لو كان العنوان المذكور عنوانا وجوديا مثل الميت حتف أنفه أما لو كان عدميا وهو ما ليس بمذكى كان اصالة عدم التذكية صالحا لاثباته، وليس مراده أن الميتة بحسب المفهوم العرفي بمعنى غير المذكي بل مراده أنها في لسان الشارع حين أخذت موضوعا للحرمة والنجاسة اريد بها ما ليس بمذكى، والباعث له على ذلك مع التفاته - قدس سره - إلى ما ذكر المصنف - رحمه الله - من أن الحرمة والنجاسة ثابتتان لغير المذكى في الكتاب والسنة، ما يظهر من الفقهاء من كون موضوع النجاسة هو الميتة لا غير تبعا لم يظهر من النصوص المقابلة للمذكي بالميتة، ففي رواية سماعة: إذا رميت وسميت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا، وما في رواية علي بن أبي حمزة: منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة: وما في رواية الصيقل: إنى أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة... إلى أن قال: فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية، ورواية أبى بصير في إليات الضان تقطع وهي أحياء أنها ميتة، وغيرها فان الجميع ظاهر في كون الميتة غير المذكي، والأمر سهل بعد عدم وضوح الثمرة العملية (قوله: ضرورة كفاية) تعليل لعدم الحاجة (قوله: هي عبارة عن فري) قد عرفت ما فيه (قوله: عن خصوصية) وهي الملازمة للقابلية (قوله: الطهارة وحدها) كما في غير مأكول اللحم القابل للتذكية كالأرانب والثعالب ونحوها (قوله: أو مع الحلية) كما في مأكول اللحم (قوله: لو علم بقبوله) كالأرانب مثلا التي علم

٢٥٩

الاباحة فيه محكمة فانه حينئذ انما يشك في ان هذا الحيوان المذكى حلال أو حرام ولا أصل فيه الا أصالة الاباحة كسائر ما شك في انه من الحلال أو الحرام. هذا إذا لم يكن هناك أصل موضوعي آخر مثبت لقبوله التذكية كما إذا شك مثلا في أن الجلل في الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته لها أم لا ؟ فاصالة قبوله لها معه محكمة ومعها لا مجال لأصالة عدم تحققها فهو قبل الجلل كان يطهر ويحل بالفري بسائر شرائطها فالأصل انه كذلك بعده، ومما ذكرنا ظهر الحال فيما اشتبهت حليته وحرمته بالشبهة الموضوعية من الحيوان وان اصالة عدم التذكية

______________________________

بقبولها للتذكية وطهارتها بها فشك في أنها حلال اللحم أو حرامه فانه لا مانع حينئذ من أصالة الحل لعدم الاصل الموضوعي الحاكم عليها (قوله: ولا أصل فيه الا) يمكن الرجوع إلى استصحاب الحرمة الثابت قبل ان يشعر أو يؤبر فلاحظ، (قوله: كما إذا شك) مثال للمنفي (قوله: ومعها لا مجال لاصالة) يعني مع اصالة بقاء القابلية الثابتة قبل الجلل لا مجال لجريان اصالة عدم التذكية لان التذكية إذا كانت عبارة عن فري الأوداج في المحل القابل، فباستصحاب القابلية يثبت كون الفري في المحل القابل الذي هو عين التذكية والأصل في المقام نظير إجراء أصالة الطهارة لاثبات كون الصلاة حال الطهارة ومثل كل أصل جرى لاثبات قيد الموضوع أو جزئه وليس هو من الأصل المثبت كما يأتي انشاء الله تعالى بيان ذلك في مبحث الاستصحاب. نعم بناء على أن التذكية نفس الأثر المترتب على الذبح فاستصحاب القابلية لا ينفع في إثبات فعلية التذكية الا بناء على الأصل المثبت، فيتعين الرجوع في اثباتها في المثال المذكور إلى الاستصحاب التعليقي فيقال: كان هذا الحيوان قبل الجلل إذا ذبح بالشروط المخصوصة يصير ذكيا وهو باق على ما هو عليه (قوله: فهو قبل الجلل) هذا لا يناسب ما ذكره إذ ليس هو من استصحاب القابلية بل استصحاب حكمي تعليقي لا موضوع التنجيزي. فتأمل

٢٦٠

* محكمة فيما شك فيها لاجل الشك في تحقق ما اعتبر في التذكية شرعا كما أن أصالة قبول التذكية محكمة إذا شك في طروء ما يمنع عنه فيحكم بها فيما أحرز الفري بسائر شرائطها عداه كما لا يخفى فتأمل جيدا (الثاني) انه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعا وعقلا في الشبهة الوجوبية أو التحريمية في العبادات وغيرها كما لا ينبغي الارتياب في استحقاق الثواب فيما إذا احتاط وأتى أو ترك بداعي احتمال الامر أو النهي، وربما يشكل في جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب من جهة أن العبادة لابد فيها من نية القربة المتوقفة على العلم بامر الشارع تفصيلا أو اجمالا وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدي في رفع الاشكال ولو قيل بكونه موجبا لتعلق الامر به شرعا بداهة توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه فكيف يعقل أن يكون من مبادي ثبوته ؟ وانقدح بذلك أنه لا يكاد يجدي في رفعه ايضا القول بتعلق الامر به

______________________________

 (قوله: محكمة) كما عرفت في صدر المبحث كما عرفت ايضا أنه بناء على ما ذكر في معنى التذكية لا تجري اصالة عدم التذكية إذا شك في شرطية شئ لها (قوله: إذ شك في طروء) يعني بنحو تكون الشبهة موضوعية (قوله: في جريان الاحتياط) يعني في امكان الاحتياط فيها ولازم الاشكال المذكور عدم امكانه في العبادات (قوله: وغير الاستحباب) أما لو دار الأمر بين الوجوب والاستحباب فلا مجال للاشكال للعلم بالأمر المصحح النية القربة. نعم يشكل من جهة الوجه وهو اشكال آخر. فتأمل (قوله: من جهة ان العبادة) بيان لوجه الاشكال، وحاصله: أن الاحتياط عبارة عن الاتيان بمحتمل الواقع، وهذا لا يمكن في العبادة لأن قوام العبادة نية القربة وهي متوقفة على الأمر فمع الشك في الأمر تتعذر نية القربة وحينئذ لا يمكن الاتيان بمحتمل العبادة لأن المأتي به بلا نية القربة يعلم بانه ليس هو العبادة (قوله: وحسن الاحتياط) هذا أحد وجوده دفع الاشكال، وحاصله: أن حسن الاحتياط عقلا لما كان

٢٦١

من جهة ترتب الثواب عليه ضرورة أنه فرع إمكانه فكيف يكون من مبادئ جريانه ؟ هذا

______________________________

موجبا لمطلوبيته شرعا بناء على الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في المقام أمكنت نية القربة للعلم بأمر الشارع تفصيلا ولو بتوسط حسن الاحتياط عقلا. وحاصل ايراد المصنف - رحمه الله - عليه: أن حسن الاحتياط عقلا من قبيل العارض عليه والعارض متأخر رتبة عن المعروض فيمتنع أن يكون من علل وجوده لانه دور (قوله: من جهة ترتب الثواب) هذا وجه آخر لدفع الاشكال (وتوضيحه) أن ترتب الثواب على الاحتياط يتوقف على كونه طاعة وهو يتوقف على تعلق الأمر به فيكشف ترتب الثواب عن تعلق الأمر كشف المعلول عن علته، فيتأتى حينئذ الاتيان بالفعل بنية القربة. وحاصل اشكال المصنف - رحمه الله - عليه: أن ثبوت الأمر يتوقف على إمكان الاحتياط فيمتنع أن يتوقف عليه إمكان الاحتياط لانه دور. وقد يدفع بكلا تقريريه بانه دور معي فان إمكان الاحتياط وإن كان موقوفا على الأمر به إلا أن الأمر به موقوف على امكانه ولو بواسطة الامر. وفيه أن داعوية الامر باحتياط متأخرة رتبة عن الامر به فيمتنع أن تكون ماخوذة في موضوعه (وان شئت قلت): تطبيق مفهوم الاحتياط على فعل العبادة المشكوكة يتوقف على تعلق الامر بها إذ لولا الامر لا مجال لتطبيق الاحتياط عليها، وحينئذ يمتنع أن يكون المصحح للتطبيق المذكور هو الامر بالاحتياط لانه متأخر رتبة عن التطبيق، فلا يكون مصححا له. وكأن المستشكل حسب أن المراد بالامكان ما هو مفاد كان التامة، فامكنه أن يقول: لا دليل على وجوب كون المأمور به ممكنا في رتبة سابقة على الأمر بل يجوز أن يكون الامر من مقدمات إمكانه، ولذا صح أن يكون الأمر من مقدمات وجود المأمور به. وفيه أن المراد بالامكان في المقام ما هو مفاد كان الناقصة - أعني تطبيق الاحتياط على فعل العبادة المشكوكة المطلوبية - إذ قد عرفت أن هذا التطبيق يتوقف على الامر في رتبة سابقة عليه، ولا يكفي فيه الامر بالاحتياط، لأن

٢٦٢

مع أن حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم ولا ترتب الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الاءن، بل يكون حاله في ذلك حال الاطاعة فانه نحو من الانقياد والطاعة، وما قيل في دفعه من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدانية القربة فيه - مضافا إلى عدم مساعدة دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى فيها بداهة انه ليس باحتياط حقيقة بل هو أمر لو دل عليه دليل كان مطلوبا مولويا نفسيا عباديا والعقل لا يستقل الا بحسن الاحتياط والنقل لا يكاد يرشد الا إليه (نعم) لو كان هناك دليل على الترغيب في الاحتياط في خصوص العبادة لما كان محيص عن دلالته اقتضاء على ان المراد به ذاك المعنى بناء على عدم امكانه فيها بمعناه حقيقة كما لا يخفى

______________________________

الامر بمفهوم الاحتياط لا يصحح تطبيقه على المورد. ومن ذلك يظهر الاشكال في قوله: إلا أن الأمر به موقوف على امكانه ولو بواسطة الأمر، ضرورة أن الأمر بمفهوم لا يصحح تطبيقه ولا يمكن أن يكون دخيلا فيه لانه من قبيل الحكم والحكم لا يكون علة لوجود موضوعه. فتأمل جيدا (قوله: مع أن حسن) هذا إشكال آخر على ما ذكر في دفع الاشكال، (وتوضيحه): أن حسن الاحتياط عقلا وترتب الثواب عليه لا يكون كاشفا عن الامر به، بل يمكن أن يكون من قبيل حسن الاطاعة الحقيقية وترتب الثواب عليها فانهما لا يكشفان عن الأمر بالاطاعة شرعا لما عرفت من أن الامر بها ارشادي لا غير فلاحظ (قوله: فانه نحو من) الضمير راجع إلى الاحتياط وحينئذ يكون ترتب الثواب على الاحتياط ذاتيا بلا توسط امر به (قوله: في دفعه) أي في دفع الاشكال في جريان الاحتياط في العبادة (قوله: هو مجرد الفعل) وحينئذ لا مجال للشك في جريانه (قوله: أنه ليس باحتياط) إذ هو ليس اتيانا بمحتمل الواقع حتى يكون احتياطا حقيقة (قوله: مولويا نفسيا) يعني لا إرشاديا لأنه ليس موضوعا لحكم العقل حتى يكون الامر الشرعي ارشادا إليه (قوله: نعم لو كان هناك)

٢٦٣

* أنه التزام بالاشكال وعدم جريانه فيها وهو كما ترى (قلت): لا يخفى أن منشأ الاشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها الأمر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من قصد القربة المعتبر فيها وقد عرفت انه فاسد (١) وإنما اعتبر قصد القربة فيها عقلا لأجل أن الغرض منها لا يكاد يحصل بدونه وعليه كان جريان الاحتياط فيه بمكان من الامكان ضرورة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بتمامه وكما له غاية الأمر انه

______________________________

استدراك على قوله عدم مساعدة دليل... الخ (قوله: انه التزام بالاشكال) هذا هو اصل الاعتراض فهو مبتدأ خبره قوله: (فيه مضافا) (قوله: انه فاسد) لما تقدم في مبحث الامر من البرهان على امتناع اخذ القربة في موضوع الامر وان ليس موضوعه الا ذات العبادة (قوله: ضرورة التمكن) اقول: التمكن المذكور وان كان تمكنا من الاحتياط إلا أن مثل هذا الاحتياط

______________

(١) هذا مع انه لو اغمض عن فساده لما كان في الاحتياط في العبادات اشكال غير الاشكال فيها فكما يلتزم في دفعه بتعدد الامر فيها ليتعلق احدهما بنفس العمل والآخر باتيانه بداعي امره كذلك فيما احتمل وجوبه منها كان على هذا احتمال امرين كذلك أي أحدهما كان متعلقا بنفسه والآخر باتيانه بداعي ذاك الامر فيتمكن من الاحتياط فيها باتيان ما احتمل وجبوه بداعي رجاء امره واحتماله فيقع عبادة واطاعة لو كان واجبا وانقيادا لو لم يكن كذلك. نعم كان بين الاحتياط ههنا وفي التوصليات فرق وهو ان المأتي به فيها قطعا كان موافقا لما احتمل وجوبه مطلقا بخلافه ههنا فانه لا يوافق الا على تقدير وجوبه واقعا لما عرفت من عدم كونه عبادة الا على هذا التقدير، ولكنه ليس بفارق لكونه عبادة على تقدير الحاجة إليه وكونه واجبا (ودعوى) عدم كفاية الاتيان برجاء الامر في صيرورته عبادة اصلا ولو على هذا التقدير (مجازفة) ضرورة استقلال العقل بكونه امتثالا لامره على نحو العبادة لو كان وهو الحاكم في باب الاطاعة والعصيان فتأمل جيدا. منه قدس سره

٢٦٤

لابد أن يؤتى به على نحو لو كان مامورا به لكان مقربا بان يؤتى به بداعي احتمال الأمر أو احتمال كونه محبوبا له تعالى فيقع حينئذ على تقدير الأمر به امتثالا لامره تعالى وعلى تقدير عدمه انقيادا لجنابه تبارك وتعالى ويستحق الثواب على كل حال إما على الطاعة أو الانقياد وقد انقدح بذلك انه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى تعلق أمر بها بل لو فرض تعلقه بها

______________________________

مما لا يستقل العقل بحسنه ولا يرشد النقل إليه كما تقدم الاشكال به منه (ره) على الوجه الثالث من وجوه الدفع. هذا مضافا إلى أن نية القربة وان كانت خارجة عن موضوع الامر إلا أنه لما لم يكن للموضوع اطلاق يشمل حال عدمها كما تقدم توضيحه سابقا فلا ينطبق عنوان الاحتياط على فعله مطلقا بل يختص بالفعل الصادر عن نية القربة فيرجع الاشكال. فالاولى في دفعه (اما) بالالتزام بان القربة المعتبرة في العبادة يراد بها الجامع بين الفعل عن الأمر المعلوم والفعل برجاء الأمر ولا تختص بخصوص الأول غاية الامر اختصاص الأول بصورة العلم بالامر واختصاص الثاني بصورة الشك فيه إذ على هذا لا مجال لدعوى عدم التمكن من نية القربة مع الشك في الامر كما ذكر المستشكل للتمكن منها بالتمكن من الفرد الآخر لها (واما) من الالتزام بان الفعل في حال الشك في الامر يصدر عن نفس الامر كما يصدر عنه في حال العلم غاية الأمر أن تأثير الامر في وجود الفعل، تارة يكون بتوسط العلم به، واخرى يكون بتوسط احتماله فالعلم والاحتمال دخيلان في تأثير الامر في وجود الفعل فنية القربة الممكنة في حال العلم بعينها ممكنة في حال الشك بلا فرق بينهما اصلا، ومنه يظهر أنه لا يتوقف اندفاع الاشكال على كون نية القربة خارجة عن موضوع الامر لتأتي الوجهين ولو قيل بدخولها فيه. فلاحظ (قوله: لابدان يؤتى به على) لا ملزم بذلك إلا ما أشرنا إليه في صدر الحاشية السابقة من عدم اطلاق متعلق الامر بنحو يشمل صورة عدم الداعي. هذا لو كان الاحتياط عبارة عن مجرد فعل مشكوك المطلوبية، وان كان عبارة عن فعله بداعي موافقة

٢٦٥

لما كان من الاحتياط بشئ بل كسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها كما لا يخفى، فظهر أنه لو قيل بدلالة اخبار: (من بلغه ثواب) على استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب ولو بخبر ضعيف لما كان يجدي في جريانه في خصوص ما دل على وجوبه أو استحبابه خبر ضعيف بل كان - عليه - مستحبا كسائر ما دل الدليل على استحبابه

______________________________

الأمر على تقدير ثبوته فالملزم به أنه لولاه لا يكون الفعل احتياطا. فتأمل جيدا (قوله: لما كان من الاحتياط) لان قوام الاحتياط كون الفعل برجاء موافقة الأمر الواقعي الموجب لتردده بين كونه طاعة وانقيادا وفعل مشكوك المطلوبية لموافقة الأمر المتعلق به بعنوان كونه مشكوك المطلوبية ليس الاطاعة جزمية. ثم إن إشكال تعلق الأمر الاستحبابي بالفعل المشكوك المطلوبية من جهة لزوم اجتماع الحكمين للفعل الواحد لا مجال لدفعه ببعض ما تقدم في إشكال الجمع بين الاحكام الواقعية والظاهرية من كون الحكم الظاهري عذريا صرفا أو طريقيا لعدم كون الأمر الاستحبابي كذلك، فلا بد من دفعه بغير ذلك مما تقدمت الاشارة إليه من عدم التنافي مع اختلاف الرتبة أو غير ذلك إن تم والا اشكل تعلق الامر بالفعل المشكوك المطلوبية بما هو كذلك. فلاحظ وتأمل (قوله: لما كان يجدي في جريانه) هذا وجه آخر لدفع إشكال جريان الاحتياط في العبادة، وتوضيحه أن الشك في المطلوبية الواقعية وإن كان مانعا عن التمكن من قصد التقرب بها بالنظر إلى الامر الواقعي إلا أن الاخبار الكثيرة الدالة على ترتب الثواب على العمل الذي دل على وجوبه أو استحبابه خبر ضعيف تدل على استحباب العمل المذكور فيمكن التقرب بلحاظ هذا الاستحباب المدلول عليه بهذه الاخبار، وحاصل الاشكال عليه، ما عرفت من أن موافقة هذا الأمر الاستحبابي لما كان طاعة جزمية لم تكن من الاحتياط في شئ إذا قوامه كون الفعل بقصد موافقة الامر الواقعي الثابت في رتبة سابقة على عنوان الاحتياط الموجب لتردد الفعل بين

٢٦٦

* (لا يقال): هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب بعنوانه، وأما لو دل على استحبابه لا بهذا العنوان بل بعنوان انه محتمل الثواب لكانت دالة على استحباب الاتيان به بعنوان الاحتياط كأوامر الاحتياط لو قيل بانها للطلب المولوي لا الارشادي (فانه يقال): إن الأمر بعنوان الاحتياط - ولو كان مولويا - لكان توصليا مع أنه لو كان عباديا لما كان مصححا للاحتياط ومجديا في جريانه في العبادات كما أشرنا إليه آنفا. ثم إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار على

______________________________

كونه طاعة وانقيادا بحتا فلاحظ (قوله: لا يقال هذا لو قيل بدلالتها) هذا القائل تخيل أن وجه عدم ارتفاع الاشكال بالاستحباب المستفاد من اخبار من بلغه... الخ كون الاستحباب المذكور ناشئا عن مصلحة في نفس عنوان بلوغ الثواب على العمل ولا ربط له بالواقع فيكون استحبابا مستقلا في قبال الواقع، أما لو كان أمرا بما هو محتمل الواقع من حيث كونه كذلك كان كاستحباب الاحتياط بناء على كونه شرعيا كافيا في امكان التقرب بالعبادة المشكوكة (قوله: فانه يقال إن الأمر) حاصل الاشكال عليه امران (الأول) أن اوامر الاحتياط لو كانت مولوية لا ارشادية فهي توصلية لا عبادية، فيكفي في سقوطها مجرد موافقتها ولا يتوقف سقوطها على داعويتها كما هو شأن الاوامر العبادية، وحينئذ فلا ملزم بنية التقرب لها (والثاني) ما تقدم من لزوم الدور وغيره. هذا ولا يخفى أن مفهوم الاحتياط تارة يكون منتزعا عن مجرد فعل مشكوك المطلوبية، وأخرى يكون منتزعا عن الفعل المذكور بعنوان كونه عن دعوة امره الواقعي المحتمل، فعلى الأول يكون الأمر به مولويا عباديا تارة وتوصليا اخرى، وعلى الثاني لا يكون الامر به إلا إرشاديا لعين البرهان المتقدم على كون اوامر الاطاعة ارشادية فلا يتضح الوجه لما ذكره المصنف (ره) من لزوم كون امر الاحتياط مولويا توصليا، مضافا إلى أن كونه توصليا لا يمنع من صحة مقربيته فيصحح جريان الاحتياط في العبادة. فتأمل جيدا (قوله: لا يبعد دلالة بعض) اعلم أن الاخبار المشار

٢٦٧

إليها تحتمل بدوا أحد معان ثلاثة (الأول) حجية الخبر الضعيف الدال على استحباب الفعل أو وجوبه وترتب الثواب عليه فيكون مفادها حكما اصوليا لا فرعيا (الثاني) استحباب الفعل الذي بلغ المكلف عليه الثواب فيكون الفعل بسبب طروء عنوان بلوغ الثواب عليه مستحبا شرعيا كسائر المستحبات الشرعية (الثالث) ترتب الثواب على الانقياد الحاصل من الفعل برجاء كونه مطلوبا شرعا: وظاهر فتوى المشهور بالاستحباب بمجرد ورود الخبر الضعيف الدال على وجوب الفعل أو استحبابه هو الاول حتى اشتهر تعليل ذلك بالتسامح في أدلة السنن إذ لو لا استفادتهم من الاخبار المذكورة ذلك لم يكن وجه لافتاء العامي بالاستحباب بمجرد عثور المجتهد على الخبر وعدم عثور العامي عليه، بل اللازم على تقدير استفادتهم منها الثاني الفتوى باستحباب الفعل الذي بلغ المكلف عليه الثواب ولا يكون مستحبا في حق العامي إلا إذا عثر على الخبر الدال على ترتب الثواب عليه، إلا أن يكونوا قد فهموا من البلوغ الطريقية المحضة إلى نفس الوجود الواقعي بحيث تدل على استحباب الفعل الذي يوجد خبر يدل على ترتب الثواب عليه وان لم يبلغ المكلف، والمصنف (ره) استظهر الثاني من صحيحة هشام بتقريب: أن ترتب الثواب على العمل المترتب على بلوغ الثواب عليه (تارة) يكون بعنوان كونه رجاء موافقة الواقع، وعليه فلا طريق الا استكشاف الامر المولوي الموجب لاستحبابه لعدم المقتضي له مع صلاحية العنوان المذكور لترتب الثواب ولو لم يكن أمر حيث أنه إطاعة حكمية موجبة بذاتها لترتب الثواب عليها كالاطاعة الحقيقة (واخرى) يكون على نفس العمل بلا أخذ العنوان المذكور جهة تقييدية بل أخذه جهة تعليلية، وعليه فلابد من استكشاف الامر المولوي لعدم صلاحية نفس العمل لترتب الثواب عليه إلا بتوسط انطباق عنوان الاطاعة اللازم لوجود الأمر، وظاهر الصحيحة هو الثاني، وظاهر غيرها وان كان الاول إلا أنه لا منافاة بينهما فيؤخذ بظاهر كل منهما (هذا) ولكن لا يخفى أن المناط في استكشاف الامر المولوي في مثل: من سرح لحيته فله كذا، ليس هو ترتب الثواب على العمل مطلقا

٢٦٨

استحباب ما بلغ عليه الثواب فان صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن ابي عبد الله - عليه السلام - قال: (من بلغه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شئ من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقله) ظاهرة في ان الاجر كان مترتبا على نفس العمل الذي بلغه عنه أنه ذو ثواب وكون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعي إلى العمل غير موجب لان يكون الثواب إنما يكون مترتبا عليه فيما إذا أتى برجاء أنه مأمور به وبعنوان الاحتياط

______________________________

لأن الثواب بعد ما كان لا يختص بالاطاعة ويكون على الانقياد فلا ملازمة بينه وبين الاطاعة اللازمة للأمر الا في ظرف القطع بعدم انطباق عنوان الانقياد، وهذا القطع غير حاصل في المقام فمع احتمال كون الثواب من جهة الانقياد لا مجال للاستكشاف المذكور، مضافا إلى أن ظاهر الصحيحة كون موضوع الثواب هو العمل المتفرع على البلوغ لمكان الفاء، وهذا العمل هو منشأ انتزاع عنوان الانقياد الذي قد عرفت أنه كالاطاعة يمتنع أن يتعلق به الامر المولوي ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور وجعل الثواب مترتبا على نفس العمل بلا ملاحظة حيثية ترتبه على البلوغ، لا أقل من كون الصحيحة من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية المانع عن انعقاد ظهوره الموجب لاجراء حكم الاجمال عليه فيرجع إلى غيره مما هو ظاهر في المعنى الاخير، ولو فرض عدم حجيته في نفسه فالمرجع اصالة عدم الاستحباب، مع أن الحكم بالاستحباب يحتاج إلى تكلف دفع اشكال الجمع بينه وبين الحكم الواقعي الذي عرفت الاشارة إليه قريبا. وأما المعنى الاول فهو ساقط قطعا لعدم اشعار في النصوص به فضلا عن ظهورها فيه، بل لعل صراحة النصوص بترتب الثواب على العمل ولو في صورة مخالفة الخبر للواقع شاهد بخلافه لان الامر الطريقي لا يصلح لترتب الثواب في صورة الخطأ، بل يكون حينئذ على الانقياد فتأمل، فالمتعين من بين المعاني هو الاخير والله سبحانه اعلم (قوله: غير موجب لأن يكون) يعني لا يوجب ان يكون الترتب على البلوغ ملحوظا قيدا في موضوع

٢٦٩

بداهة أن الداعي إلى العمل لا يوجب له وجها وعنوانا يؤتي به بذاك الوجه والعنوان واتيان العمل بداعي طلب قول (النبي) كما قيد به في بعض الأخبار وإن كان انقيادا إلا أن الثواب في الصحيحة إنما رتب على نفس العمل ولا موجب لتقييدها به لعدم المنافات بينهما بل لو أتى به كذلك أو التماسا للثواب الموعود كما قيد به في بعضها الآخر لأوتى الاجر والثواب على نفس العمل لا بما هو احتياط وانقياد فيكشف عن كونه بنفسه مطلوبا وإطاعة فيكون وزانه وزان: من سرح لحيته، أو من صلى أو صام فله كذا، ولعله لذلك أفتى المشهور بالاستحباب فافهم وتأمل (الثالث)

______________________________

الثواب (قوله: في بعض الاخبار) هو رواية محمد بن مروان عن ابي عبد الله (ع) قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله شئ من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى الله عليه وآله لم يقله (قوله: ولا موجب لتقييدها) قد عرفت أنه لو لم يكن موجب للتقيد فلا موجب للاطلاق المؤدى إلى استظهار الاستحباب (قوله: كذلك) يعني طلب قول النبي - صلى الله عليه وآله - (قوله: في بعضها الآخر) وهو رواية محمد ابن مروان عن ابي جعفر - عليه السلام -: من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه (قوله: لاوتى الأجر والثواب) هذا غير ظاهر إذ لو فرض دلالة هذه النصوص على استحباب الفعل كما ذكر المصنف - رحمه الله - كان ترتب الثواب على العمل منوطا بقصد استحبابه المستفاد منها أما لو لم يقصد الأمر الواقعي المحتمل فالثواب المترتب لابد أن يكون على الانقياد لا غير لان ترتب الثواب تابع لقصد الفاعل عقلا فان قصد أمرا معينا ترتب الثواب المترتب على ذلك الامر ولا يترتب ثواب غيره إلا تفضلا فثواب الاطاعة لا يترتب على الانقياد ولا العكس بل المترتب ثواب نفسه عليه (قوله: فيكون وزانه وزان) قد عرفت الفرق بينهما (قوله: ولعله لذلك أفتى) قد عرفت أن فتوى المشهور إنما تتم بناء على استفادة حجية الخبر

٢٧٠

* أنه لا يخفى ان النهي عن شئ إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان بحيث

______________________________

الضعيف منها ولا يكفي فيها استفادة الاستحباب (قوله: إذا كان بمعنى طلب تركه) قد عرفت الاشارة إلى جملة من أنحاء تصور الماهية في مسألة تعلق الامر بالطبايع وان الماهية التي تكون موضوعا للامر والنهي تكون ملحوظة بما أنها حاكية عن الوجود الخارجي بحيث لا ترى الا خارجية وان لحاظها كذلك قد يكون لحاظا لصرف الطبيعة وهو المسمى بصرف الوجود وقد يكون لحاظا لكل حصة حصة من الطبيعة وهو المسمى بالطبيعة السارية، ولازم الاول ان لو كانت موضوعا للنهي كانت له طاعة واحدة حاصلة بترك جميع أفرادها ومعصية واحدة حاصلة بفعل بعض أفرادها ولو مع ترك الباقي، ولازم الثاني أن لو كانت موضوعا للنهي كانت له طاعات متعددة ومعصية كذلك بتعدد حصص الطبيعة فإذا ارتكب فردا وترك آخر عصى في الاول واطاع في الثاني، فلو ارتكب أفرادا كثيرة وترك مثلها عصى في كل واحد مما ارتكب واطاع في كل واحد مما ترك، والسر في ذلك أن التكليف المتعلق بها على النحو الاول ليس الا تكليفا واحدا لموضوع واحد فلا مجال لتعدد اطاعته ومعصيته، والتكليف المتعلق بها على النحو الثاني منحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الحصص فلكل واحد من تلك التكاليف طاعة ومعصية. ومنه يظهر أنه لو شك في فردية خارجي لتلك الماهية، فعلى الاول يجب الاحتياط إذ الشك ليس في التكليف لكون التكليف الوارد على المفهوم المحصل معلوما وانما الشك في أن ارتكاب ذلك الخارجي المشتبه معصية للنهي أولا وحيث أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فلابد من تركه ليحصل اليقين بالفراغ عن التكليف المعلوم، وعلى الثاني لا يجب الاحتياط لأن الشك في فردية الخارجي مستلزم للشك في أصل التكليف به حيث أنه على تقدير كونه فردا فهو موضوع لتكليف مستقل فالشك في فرديته مستلزم للشك في تعلق التكليف به، ومع الشك في التكليف يكون المرجع البراءة. ومن هنا يظهر أن اطلاق القول بان المرجع في الشبهة الموضوعية التحريمية هو البراءة في غير محله بل يختص بما

٢٧١

لو وجد في ذاك الزمان أو المكان - ولو دفعة - لما امتثل أصلا كان اللازم على المكلف إحراز أنه تركه بالمرة ولو بالأصل فلا يجوز الاتيان بشئ يشك معه في تركه إلا إذا كان مسبوقا به ليستصحب مع الاتيان به (نعم) لو كان بمعنى طلب ترك كل فرد منه على حدة لما وجب إلا ترك ما علم أنه فرد وحيث لم يعلم تعلق النهي إلا بما علم أنه مصداقه فاصالة البراءة في المصاديق المشتبهة محكمة، فانقدح بذلك أن مجرد العلم بتحريم شئ لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة أو كان الشئ مسبوقا بالترك وإلا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا فكما يجب فيما علم وجوب شئ إحراز إتيانه إطاعة لأمره فكذلك يجب فيما علم حرمته إحراز تركه وعدم اتيانه امتثالا لنهيه غاية الامر كما يحرز وجود الواجب بالاصل كذلك يحرز ترك الحرام به والفرد المشتبه

______________________________

كان موضوع النهي فيه ملحوظا بنحو الطبيعة السارية. هذا ولكن قد يقال: بأن صرف الوجود وإن كان عبارة عن صرف المفهوم الصالح للانطباق على القليل والكثير إلا أنه كما يكون في ظرف انطباقه على القليل عين القليل يكون في ظرف انطباقه على الكثير عين الكثير فالشك في فردية خارجي للطبيعة ملزوم للشك في اتساع دائرة التكليف بنحو يشمل ذلك الخارجي وضيقه فلا يخرج أصل التكليف عن كونه موضوعا للشك الموجب للرجوع فيه إلى اصالة البراءة. ومما ذكرنا يظهر لك الفرق بين المقام وبين الموارد التي يكون الشك فيها في المحصل فان المتحصل الواجب لما لم يكن عين المحصل في الخارج، بل كان أجنبيا عنه فالشك فيه لا يكون شكا في التكليف، بل الشك فيما يحصل الواجب يقينا الموجب لتحصيل الفراغ عنه يقينا بالاحتياط (قوله: إذا كان بمعنى) يعني كان ملحوظا بنحو صرف الوجود (قوله: مسبوقا به ليستصحب) يعني إذا كان مسبوقا بتركه بحيث يصدق عليه أنه تارك للخمر مثلا فانه يجوز له ارتكاب الفرد المشكوك لاستصحاب

٢٧٢

وان كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه إلا أن قضية لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرز عنه ولا يكاد يحرز الا بترك المشتبه ايضا فتفطن (الرابع) أنه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا ولا يخفى أنه مطلقا كذلك حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة أو امارة معتبرة على انه ليس فردا للواجب أو الحرام ما لم يخل بالنظام فعلا فالاحتياط قبل ذلك مطلقا يقع حسنا كان في الامور المهمة كالدماء والفروج أو غيرها وكان احتمال التكليف قويا أو ضعيفا كانت الحجة على خلافه اولا، كما ان الاحتياط الموجب لذلك لا يكون حسنا كذلك وان كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من اول الامر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا فافهم.

______________________________

تركه للخمر الذي هو موضوع الطلب نظير استصحاب الطهارة من الحدث والخبث لاثبات الطهارة المعتبرة في الصلاة وغيرها (قوله: وان كان مقتضى اصالة) يعني مقتضى أصالة البراءة مع قطع النظر عن العلم بحرمة صرف الطبيعة أما بالنظر إليه فحيث أنه بيان يكون رافعا لموضوع اصالة البراءة، وهذا هو المراد من تقديم مقتضى لزوم احراز الترك اللازم على مقتضى اصالة البراءة والا فلا وجه لتقديم مقتضى أحدهما على مقتضى الآخر مع تساويهما في الاقتضاء (قوله: حتى فيما كان) بيان لوجه الاطلاق، (قوله: حجة على عدم) هذا في الشبهة في الحكم الكلي (قوله: أو امارة معتبرة) هذا في الشبهة الموضوعية (قوله: ما لم يخل بالنظام) قيد لقوله: حسن الاحتياط (قوله: قبل ذلك) يعني قبل أن يكون مخلا فعلا بالنظام، (قوله: كان في الامور) بيان لوجه الاطلاق (قوله: لذلك) يعني الخلل بالنظام (قوله: كذلك) يعني مطلقا بالنحو المذكور (قوله: وان كان الراجح) يعني إذا كان الاحتياط التام موجبا لاختلال النظام فالراجح لمن التفت إلى ذلك التبعيض في الاحتياط والاقتصار فيه على ما لا يلزم منه الاختلال وترجيح الاحتياط في الموارد المهتم بها، أو يكون احتمال التكليف فيها أقوى على الاحتياط

٢٧٣

فصل

إذا دار الأمر بين وجوب شئ وحرمته لعدم نهوض حجة على احدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ففيه وجوه (الحكم) بالبراءة عقلا ونقلا لعموم النقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به (ووجوب) الاخذ باحدهما تعيينا أو تخييرا (والتخيير) بين الترك والفعل عقلا مع التوقف عن الحكم به رأسا أو مع الحكم عليه بالاباحة شرعا اوجهها الاخير لعدم الترجيح بين الفعل والترك وشمول مثل: (كل شئ لك حلال حتى تعرف انه حرام) له

______________________________

في غيرها، ووجه ترجيح تلك الموارد على غيرها ظاهر (قوله: لعموم النقل) مثل حديث الرفع وغيره مما استدل به على البراءة (قوله: للجهل به) الموجب لصدق عدم البيان الذي هو موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان (قوله: ووجوب الأخذ) معطوف على الحكم بالبراءة فيكون هو الوجه الثاني (قوله: تعيينا) بان يأخذ باحتمال الحرمة فان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ولغير ذلك (قوله: أو تخييرا) بان يتخير بين الأخذ باحتمال الوجوب فيلزمه الفعل والأخذ باحتمال الحرمة فيلزمه الترك، وبذلك يفترق عن الوجه الثالث الذي هو التخيير بين الفعل والترك فانه تخيير في العمل لا غير (قوله: أوجهها الأخير) وهو التخيير عقلا عملا والحكم بالاباحة شرعا فالدعوى مركبة من أمرين (قوله: لعدم الترجيح) استدلال على الامر الأول منهما، وحاصله: ان في كل من الفعل والترك احتمال الموافقة والمخالفة إذ لو فعل احتمل الموافقة على تقدير الوجوب والمخالفة على تقدير الحرمة ولو ترك احتمل الموافقة على تقدير الحرمة والمخالفة على تقدير الوجوب وحيث تساوى الفعل والترك في ذلك يحكم العقل بالتخيير بينهما فان شاء فعل وان شاء ترك (قوله: وشمول مثل) استدلال على الأمر الثاني منهما يعني أن الرواية المذكورة لا تختص بمحتمل الحرمة والاباحة بل تشمل محتمل الحرمة والوجوب

٢٧٤

ولا مانع عنه عقلا ولا نقلا وقد عرفت انه لا يجب موافقة الاحكام التزاما ولو وجب لكان الالتزام إجمالا بما هو الواقع معه ممكنا والالتزام التفصيلي باحدهما لو لم يكن تشريعا محرما لا نهض على وجوبه دليل قطعا، وقياسه بتعارض الخبرين الدال احدهما على الحرمة والآخر على الوجوب باطل فان التخيير بينهما على تقدير كون الاخبار حجة من باب السببية يكون على القاعدة

______________________________

فتكون حجة على ثبوت الاباحة فيه شرعا. هذا ولكن قد عرفت أن مفاد الرواية جعل الحل الواقعي المقابل للحرمة في ظرف الشك في الحرمة نظير قاعدة الطهارة وقاعدة الحرية وغيرهما، ومن المعلوم أن الحل المقابل للحرمة ليس هو الاباحة شرعا بل هو أعم منها ومن الاستحباب والوجوب والكراهة. مع انه لو سلم كون مفادها جعل الحل ظاهرا في ظرف الشك في الحرمة من دون نظر إلى جعل الحل الواقعي ليترتب عليه آثاره فليس الحل المجعول إلا ما يقابل الحرمة لا ما يرادف الاباحة شرعا فاثبات الاباحة بالرواية يتوقف على تطبيقها بلحاظ احتمال الوجوب وحرمة الترك ولولاه لم تكن دليلا إلا على مجرد رفع المنع ورفع وجوب الاحتياط. فتأمل جيدا (قوله: ولا مانع عنه عقلا) كما في الشبهة المحصورة (قوله: ولا نقلا) كما في الشبهة البدوية بناء على تقديم اخبار الاحتياط كما هو مذهب الاخباريين (قوله: وقد عرفت انه لا يجب) دفع لما يتوهم من أن كل شئ لك حلال وان كان في نفسه لا قصور فيه من حيث شموله للمقام إلا انه ممنوع من أجل ما دل على وجوب الموافقة الالتزامية لأن جعل الاباحة يوجب الالتزام بما علم انه خلاف الحكم الواقعي (وحاصل الدفع): انك قد عرفت أنه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية، ولو سلم وجوبها فاللازم الالتزام بالواقع اجمالا وهو لا ينافي الالتزام بالاباحة تفصيلا ظاهرا (قوله: والالتزام التفصيلي) شروع في الرد على القول بوجوب الأخذ باحدهما (قوله: لو لم يكن تشريعا) بل قد عرفت انه تشريع محرم (قوله: وقياسه بتعارض الخبرين) شروع في الجواب

٢٧٥

ومن جهة التخيير بين الواجبين المتزاحمين وعلى تقدير أنها من باب الطريقية فانه وإن كان على خلاف القاعدة إلا أن احدهما تعيينا أو تخييرا حيث كان واجدا لما هو المناط للطريقية من احتمال الاصابة مع اجتماع سائر الشرائط جعل حجة في هذه الصورة بأدلة

______________________________

عما استدل به لكل واحد من بقية الاقوال واشارة إلى الاستدلال للقول بوجوب الاخذ باحدهما والرد عليه (وحاصل الاستدلال) انه لا إشكال في وجوب الاخذ باحد الخبرين لو دل على وجوب شئ والآخر على حرمته ولا فرق بين مورد تعارض الخبرين وبين المقام فما دل على وجوب الاخذ تخييرا هناك دال عليه هنا (وحاصل الجواب عنه): ان قياس المقام بصورة التعارض قياس مع الفارق فانه إذا بني على كون حجية الخبر من باب السببية فالتخيير حينئذ يكون على القاعدة لان كل فرد من الخبر يكون واجد المناط وجوب الاخذ به فمع تعارض الخبرين لما لم يمكن الاخذ بهما معا وجب الاخذ باحدهما تخييرا كما هو القاعدة في جميع المقتضيات المتزاحمة التي لا يمكن اعمال جميعها فانه يتخير بينها في الاعمال كالغريقين للذين لا يمكن انقاذهما معا، وحينئذ لا مجال لقياس المقام بصورة التعارض فان كلا من احتمالي الوجوب والحرمة لا اقتضاء له في وجوب الاخذ به حتى يتخير بينهما من جهة التزاحم، وان بني على كون حجية الخبر من باب الطريقية فان الاصل عند التعارض وان كان هو التساقط دون الترجيح والتخيير إلا أنه لما قام الدليل على الترجيح مع وجود المرجح والتخيير مع عدمه امكن ان يكون الوجه فيه هو الطريقية النوعية التى عليها الخبر، ومن المعلوم عدم وجود صفة الطريقية المذكورة في احتمالي الوجوب والحرمة فيكف يصح قياسهما بذلك المقام (قوله: ومن جهة) عطف تفسيري على القاعدة (قوله: احدهما تعيينا) يعني مع وجود المرجح فيه (قوله: أو تخييرا) يعني مع عدم المرجح (قوله: للطريقية) يعني الطريقية الفعلية (قوله: من احتمال) بيان للمناط والمراد الطريقية النوعية التي لا ينافيها وجود المعارض (قوله: جعل حجة) الضمير النائب عن

٢٧٦

الترجيح تعيينا أو التخيير تخييرا، وأين ذلك مما إذا لم يكن المطلوب إلا الأخذ بخصوص ما صدر واقعا وهو حاصل والأخذ بخصوص احدهما ربما لا يكون إليه بموصل نعم لو كان التخيير بين الخبرين لأجل إبدائهما احتمال الوجوب والحرمة وإحداثهما الترديد بينهما لكان القياس في محله لدلالة الدليل على التخيير بينهما على التخيير ههنا فتأمل جيدا. ولا مجال ههنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فانه لا قصور فيه ههنا وإنما يكون عدم تنجز التكليف لعدم التمكن من الموافقة القطعية

______________________________

الفاعل راجع إلى احدهما (قوله: مما إذا لم يكن المطلوب) كما فيما نحن فيه إذ ليس الا الحكم الواقعي (قوله: وهو حاصل) يعني للالتزام به اجمالا (قوله: والاخذ بخصوص) يعني الاخذ باحدهما تخييرا أو تعيينا (قوله: ربما لا يكون) إذ أحدهما محتمل الواقع (قوله: على التخيير بينهما) متعلق ب‍ (الدليل) والضمير راجع إلى (الخبرين) (قوله: على التخيير ههنا) متعلق ب‍ (دلالة) (قوله: فتأمل جيدا) يمكن أن يكون اشارة إلى القطع بعدم كون المناط إبداء الاحتمال، ضرورة أنه لو قام احد الخبرين على الوجوب والآخر على الحرمة واحتمل كون الحكم الواقعي هو الكراهة مثلا لا يجوز الالتزام باحتمال الكراهة بل يجب الالتزام بخصوص مضمون احد الخبرين (قوله: ولا مجال ههنا) هذا رد على الوجه الاول وهو الحكم بالبراءة عقلا، وحاصله أنه لا وجه لتطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان في المقام لوجود البيان وهو العلم بلزوم الفعل أو الترك كما لو علم بوجوب شئ أو حرمة آخر فانه لا ينبغي التأمل في وجوب الاحتياط معه بفعل الاول وترك الثاني، غاية الامر ان المكلف في المقام لا يمكنه الاحتياط والموافقة القطعية لامتناع الجمع بين الفعل والترك لكونهما نقيضين كما لا يمكنه المخالفة القطعية لامتناع ترك النقيضين فلا يترتب على العلم المذكور اثر في نظر العقل ويسقط عن المنجزية، فعدم منجزيته ليس لعدم كونه

٢٧٧

كمخالفتها والموافقة الاحتمالية حاصلة لا محالة كما لا يخفى. ثم إن مورد هذه الوجوه وإن كان ما إذا لم يكن واحد من الوجوب والحرمة على التعيين تعبديا إذ لو كانا تعبديين

______________________________

بيانا بل لعدم القدرة فكيف يصح تطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان (فان قلت): إذا حكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك كان ذلك موجبا لسقوط العلم بالالتزام المردد بين الوجوب والحرمة عن كونه بيانا فيصح حينئذ تطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان (قلت): أولا نمنع سقوطه عن البيانية ولو بملاحظة حكم العقل بالتخيير فان العجز عن موافقة التكليف المعلوم لا يوجب عدم كون العلم بيانا عليه فضلا عن العجز عن الموافقة القطعية. وثانيا انه لا مجال لتطبيقها ولو في الرتبة اللاحقة إما للزوم اجتماع المثلين أو للزوم اللغوية، فتأمل جيدا (قوله: كمخالفتها) الاضافة إلى الضمير غير ظاهرة المعنى (قوله: ثم ان مورد هذه الوجوه) اعلم: ان الوجوب والتحريم المعلوم ثبوت احدهما اجمالا في الواقعة الخاصة تارة يكونان توصليين، واخرى تعبديين، وثالثة يكون احدهما المعين تعبديا دون الآخر، ورابعة يكون احدهما المردد تعبديا دون الآخر، وتشترك الصور الاربع في امتناع الموافقة القطعية، وتفترق الأولى والأخيرة عن الباقيتين في امتناع المخالفة القطعية فيهما وإمكانها في الباقيتين إذ لو فعل المكلف أو ترك لا بقصد التقرب يقطع بالمخالفة في الصورة الثانية، ولو فعل لا بقصد التقرب يقطع بالمخالفة في الصورة الثالثة لو كان الوجوب المحتمل تعبديا، ولو ترك لا بقصد التقرب يقطع بالمخالفة لو كان التحريم المحتمل تعبديا، وحيث اشتركت جميعها في امتناع الموافقة القطعية اشتركت في الرجوع إلى اصالة التخيير لعدم المرجح، وحيث افترقت في إمكان المخالفة القطعية افترقت في جواز الرجوع إلى اصالة الاباحة، فما تمكن فيها المخالفة القطعية لا يجوز الرجوع فيه إلى اصالة الاباحة لأن الرجوع إليها موجب للمخالفة القطعية الممنوع عنا عقلا، ومالا تمكن فيها المخالفة القطعية يجوز الرجوع فيها إلى اصالة الاباحة لعدم المانع كما تقدم (قوله: هذه الوجوه)

٢٧٨

أو كان أحدهما المعين كذلك لم يكن إشكال في عدم جواز طرحهما والرجوع إلى الاباحة لانها مخالفة عملية قطعية - على ما أفاد شيخنا الاستاذ قدس سره - إلا أن الحكم أيضا فيهما إذا كانا كذلك هو التخيير عقلا بين اتيانه على وجه قربي بأن يؤتى به بداعي احتمال طلبه وتركه كذلك لعدم الترجيح وقبحه بلا مرجح. فانقدح أنه لا وجه لتخصيص المورد بالتوصليين بالنسبة إلى ما هو المهم في المقام وان اختص بعض الوجوه بهما كما لا يخفى. ولا يذهب عليك ان استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما

______________________________

يعني الوجوه في المسألة التي منها الرجوع إلى البراءة (قوله: لانها مخالفة عملية) هذا ربما ينافي ما سيأني منه (ره) من الرجوع إلى الاباحة عند الاضطرار إلى بعض اطراف الشبهة المحصورة لعدم الفرق بينه وبين المقام إلا أن يكون هذا منه جريا على مذاق شيخه. فتأمل (قوله: لا وجه لتخصيص المورد) المقصود به التعريض بشيخه في رسائله حيث انه بعد ما ذكر وجوها في المسألة منها الرجوع إلى الاباحة ظاهرا قال: ومحل هذه الوجوه ما لو كان كل من الوجوب والتحريم توصليا... الخ، فان مقصوده وإن كان أن تمام الوجوه المذكورة إنما تكون في الصورة المذكورة لا تخصيص مرجعية اصالة التخيير بها، لكن لما كان المهم وهو اصالة التخيير لا يختص بالصورة المذكورة كان المناسب له التعرض لذلك. فتأمل (قوله: ما هو المهم) يعني اصالة التخيير التي عقد لها المبحث (قوله: بعض الوجوه) يعني القول بالاباحة (قوله: ولا يذهب عليك ان استقلال) يعني أن ما ذكرنا من استقلال العقل بالتخيير بين الفعل والترك إنما هو فيما لم يحتمل أهميته أحد الحكمين على تقدير ثبوته، أما مع احتمال أهميته في ظرف ثبوته لزيادة مصلحته أو مفسدته فالعقل يحكم بتعين موافقة محتمل الاهمية، فلو دار الامر بين وجوب شئ وحرمته واحتمل أهمية الوجوب على تقدير ثبوته واقعا لتأكد

٢٧٩

على التعيين ومع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعينه، كا هو الحال في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في غير المقام، ولكن الترجيح إنما يكون لشدة الطلب في أحدهما وزيادته على الطلب في الآخر بما لا يجوز الاخلال بها في صورة المزاحمة

______________________________

مصلحته أو أهمية التحريم لتأكد مفسدته تعين الفعل في الاول والترك في الثاني كما هو الحال في الدوران بين التعيين والتخيير العقليين. كما في المتزاحمات فانه كما لا ريب عند تزاحم المقتضيات في وجوب الأخذ بالأهم منها - لو كان - لأن الأخذ بالمهم تفويت للمقدار الاهم بلا مسوغ كذلك يجب الاخذ بمحتمل الأهمية، فكما يجب انقاذ من يعلم أنه نبي عند دوران الامر بين انقاذه وانقاذ مؤمن غيره لعدم التمكن من انقاذهما معا، كذا يجب انقاذ من يحتمل انه نبي عند الدوران المذكور وكذا نقول في المقام إذا احتمل أهمية احد الحكمين بعينه يكون من الدوران بين التعيين والتخيير العقلي والاصل التعيين (قلت): قياس المقام على صورة الدوران بين التعيين والتخيير في المتزاحمات غير ظاهر، إذ التعيين مع إحراز الاهمية إنما هو من جهة لزوم التفويت، ومع احتمال الاهمية من جهة الشك في المزاحمة الذي هو كالشك في وجود المزاحم موجب للاحتياط، والمقام ليس من التزاحم في شئ إذ لم يحرز المقتضي إلا لأحد الحكمين فلا موجب للاخذ بمحتمل الاهمية على تقدير ثبوته. نعم لو كان احد الحكمين مظنونا والآخر محتملا وجرت مقدمات الانسداد وجب الاخذ بالمظنون على ما تقدم. فتأمل (قوله: على التعيين) أما لو احتمل الترجيح في احدهما على الترديد فلا مجال لاحتمال التعيين كما هو ظاهر (قوله في غير المقام) يعني مقام التزاحم) (قوله: ولكن الترجيح) يعني الترجيح المحتمل الموجب للتعيين في نظر العقل إنما هو بمعني شدة الطلب في احدهما وأهمية مصلحته أو مفسدته بالنسبة إلى الآخر لا غير ذلك (قوله: بما لا يجوز الاخلال) يعني بحيث تبلغ شدة الطلب حدا موجبا للترجيح على تقدير التزاحم باحراز المقتضى من

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617