حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 209421
تحميل: 4838


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209421 / تحميل: 4838
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

* محكمة فيما شك فيها لاجل الشك في تحقق ما اعتبر في التذكية شرعا كما أن أصالة قبول التذكية محكمة إذا شك في طروء ما يمنع عنه فيحكم بها فيما أحرز الفري بسائر شرائطها عداه كما لا يخفى فتأمل جيدا (الثاني) انه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعا وعقلا في الشبهة الوجوبية أو التحريمية في العبادات وغيرها كما لا ينبغي الارتياب في استحقاق الثواب فيما إذا احتاط وأتى أو ترك بداعي احتمال الامر أو النهي، وربما يشكل في جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب من جهة أن العبادة لابد فيها من نية القربة المتوقفة على العلم بامر الشارع تفصيلا أو اجمالا وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدي في رفع الاشكال ولو قيل بكونه موجبا لتعلق الامر به شرعا بداهة توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه فكيف يعقل أن يكون من مبادي ثبوته ؟ وانقدح بذلك أنه لا يكاد يجدي في رفعه ايضا القول بتعلق الامر به

______________________________

 (قوله: محكمة) كما عرفت في صدر المبحث كما عرفت ايضا أنه بناء على ما ذكر في معنى التذكية لا تجري اصالة عدم التذكية إذا شك في شرطية شئ لها (قوله: إذ شك في طروء) يعني بنحو تكون الشبهة موضوعية (قوله: في جريان الاحتياط) يعني في امكان الاحتياط فيها ولازم الاشكال المذكور عدم امكانه في العبادات (قوله: وغير الاستحباب) أما لو دار الأمر بين الوجوب والاستحباب فلا مجال للاشكال للعلم بالأمر المصحح النية القربة. نعم يشكل من جهة الوجه وهو اشكال آخر. فتأمل (قوله: من جهة ان العبادة) بيان لوجه الاشكال، وحاصله: أن الاحتياط عبارة عن الاتيان بمحتمل الواقع، وهذا لا يمكن في العبادة لأن قوام العبادة نية القربة وهي متوقفة على الأمر فمع الشك في الأمر تتعذر نية القربة وحينئذ لا يمكن الاتيان بمحتمل العبادة لأن المأتي به بلا نية القربة يعلم بانه ليس هو العبادة (قوله: وحسن الاحتياط) هذا أحد وجوده دفع الاشكال، وحاصله: أن حسن الاحتياط عقلا لما كان

٢٦١

من جهة ترتب الثواب عليه ضرورة أنه فرع إمكانه فكيف يكون من مبادئ جريانه ؟ هذا

______________________________

موجبا لمطلوبيته شرعا بناء على الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في المقام أمكنت نية القربة للعلم بأمر الشارع تفصيلا ولو بتوسط حسن الاحتياط عقلا. وحاصل ايراد المصنف - رحمه الله - عليه: أن حسن الاحتياط عقلا من قبيل العارض عليه والعارض متأخر رتبة عن المعروض فيمتنع أن يكون من علل وجوده لانه دور (قوله: من جهة ترتب الثواب) هذا وجه آخر لدفع الاشكال (وتوضيحه) أن ترتب الثواب على الاحتياط يتوقف على كونه طاعة وهو يتوقف على تعلق الأمر به فيكشف ترتب الثواب عن تعلق الأمر كشف المعلول عن علته، فيتأتى حينئذ الاتيان بالفعل بنية القربة. وحاصل اشكال المصنف - رحمه الله - عليه: أن ثبوت الأمر يتوقف على إمكان الاحتياط فيمتنع أن يتوقف عليه إمكان الاحتياط لانه دور. وقد يدفع بكلا تقريريه بانه دور معي فان إمكان الاحتياط وإن كان موقوفا على الأمر به إلا أن الأمر به موقوف على امكانه ولو بواسطة الامر. وفيه أن داعوية الامر باحتياط متأخرة رتبة عن الامر به فيمتنع أن تكون ماخوذة في موضوعه (وان شئت قلت): تطبيق مفهوم الاحتياط على فعل العبادة المشكوكة يتوقف على تعلق الامر بها إذ لولا الامر لا مجال لتطبيق الاحتياط عليها، وحينئذ يمتنع أن يكون المصحح للتطبيق المذكور هو الامر بالاحتياط لانه متأخر رتبة عن التطبيق، فلا يكون مصححا له. وكأن المستشكل حسب أن المراد بالامكان ما هو مفاد كان التامة، فامكنه أن يقول: لا دليل على وجوب كون المأمور به ممكنا في رتبة سابقة على الأمر بل يجوز أن يكون الامر من مقدمات إمكانه، ولذا صح أن يكون الأمر من مقدمات وجود المأمور به. وفيه أن المراد بالامكان في المقام ما هو مفاد كان الناقصة - أعني تطبيق الاحتياط على فعل العبادة المشكوكة المطلوبية - إذ قد عرفت أن هذا التطبيق يتوقف على الامر في رتبة سابقة عليه، ولا يكفي فيه الامر بالاحتياط، لأن

٢٦٢

مع أن حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم ولا ترتب الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الاءن، بل يكون حاله في ذلك حال الاطاعة فانه نحو من الانقياد والطاعة، وما قيل في دفعه من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدانية القربة فيه - مضافا إلى عدم مساعدة دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى فيها بداهة انه ليس باحتياط حقيقة بل هو أمر لو دل عليه دليل كان مطلوبا مولويا نفسيا عباديا والعقل لا يستقل الا بحسن الاحتياط والنقل لا يكاد يرشد الا إليه (نعم) لو كان هناك دليل على الترغيب في الاحتياط في خصوص العبادة لما كان محيص عن دلالته اقتضاء على ان المراد به ذاك المعنى بناء على عدم امكانه فيها بمعناه حقيقة كما لا يخفى

______________________________

الامر بمفهوم الاحتياط لا يصحح تطبيقه على المورد. ومن ذلك يظهر الاشكال في قوله: إلا أن الأمر به موقوف على امكانه ولو بواسطة الأمر، ضرورة أن الأمر بمفهوم لا يصحح تطبيقه ولا يمكن أن يكون دخيلا فيه لانه من قبيل الحكم والحكم لا يكون علة لوجود موضوعه. فتأمل جيدا (قوله: مع أن حسن) هذا إشكال آخر على ما ذكر في دفع الاشكال، (وتوضيحه): أن حسن الاحتياط عقلا وترتب الثواب عليه لا يكون كاشفا عن الامر به، بل يمكن أن يكون من قبيل حسن الاطاعة الحقيقية وترتب الثواب عليها فانهما لا يكشفان عن الأمر بالاطاعة شرعا لما عرفت من أن الامر بها ارشادي لا غير فلاحظ (قوله: فانه نحو من) الضمير راجع إلى الاحتياط وحينئذ يكون ترتب الثواب على الاحتياط ذاتيا بلا توسط امر به (قوله: في دفعه) أي في دفع الاشكال في جريان الاحتياط في العبادة (قوله: هو مجرد الفعل) وحينئذ لا مجال للشك في جريانه (قوله: أنه ليس باحتياط) إذ هو ليس اتيانا بمحتمل الواقع حتى يكون احتياطا حقيقة (قوله: مولويا نفسيا) يعني لا إرشاديا لأنه ليس موضوعا لحكم العقل حتى يكون الامر الشرعي ارشادا إليه (قوله: نعم لو كان هناك)

٢٦٣

* أنه التزام بالاشكال وعدم جريانه فيها وهو كما ترى (قلت): لا يخفى أن منشأ الاشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها الأمر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من قصد القربة المعتبر فيها وقد عرفت انه فاسد (١) وإنما اعتبر قصد القربة فيها عقلا لأجل أن الغرض منها لا يكاد يحصل بدونه وعليه كان جريان الاحتياط فيه بمكان من الامكان ضرورة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بتمامه وكما له غاية الأمر انه

______________________________

استدراك على قوله عدم مساعدة دليل... الخ (قوله: انه التزام بالاشكال) هذا هو اصل الاعتراض فهو مبتدأ خبره قوله: (فيه مضافا) (قوله: انه فاسد) لما تقدم في مبحث الامر من البرهان على امتناع اخذ القربة في موضوع الامر وان ليس موضوعه الا ذات العبادة (قوله: ضرورة التمكن) اقول: التمكن المذكور وان كان تمكنا من الاحتياط إلا أن مثل هذا الاحتياط

______________

(١) هذا مع انه لو اغمض عن فساده لما كان في الاحتياط في العبادات اشكال غير الاشكال فيها فكما يلتزم في دفعه بتعدد الامر فيها ليتعلق احدهما بنفس العمل والآخر باتيانه بداعي امره كذلك فيما احتمل وجوبه منها كان على هذا احتمال امرين كذلك أي أحدهما كان متعلقا بنفسه والآخر باتيانه بداعي ذاك الامر فيتمكن من الاحتياط فيها باتيان ما احتمل وجبوه بداعي رجاء امره واحتماله فيقع عبادة واطاعة لو كان واجبا وانقيادا لو لم يكن كذلك. نعم كان بين الاحتياط ههنا وفي التوصليات فرق وهو ان المأتي به فيها قطعا كان موافقا لما احتمل وجوبه مطلقا بخلافه ههنا فانه لا يوافق الا على تقدير وجوبه واقعا لما عرفت من عدم كونه عبادة الا على هذا التقدير، ولكنه ليس بفارق لكونه عبادة على تقدير الحاجة إليه وكونه واجبا (ودعوى) عدم كفاية الاتيان برجاء الامر في صيرورته عبادة اصلا ولو على هذا التقدير (مجازفة) ضرورة استقلال العقل بكونه امتثالا لامره على نحو العبادة لو كان وهو الحاكم في باب الاطاعة والعصيان فتأمل جيدا. منه قدس سره

٢٦٤

لابد أن يؤتى به على نحو لو كان مامورا به لكان مقربا بان يؤتى به بداعي احتمال الأمر أو احتمال كونه محبوبا له تعالى فيقع حينئذ على تقدير الأمر به امتثالا لامره تعالى وعلى تقدير عدمه انقيادا لجنابه تبارك وتعالى ويستحق الثواب على كل حال إما على الطاعة أو الانقياد وقد انقدح بذلك انه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى تعلق أمر بها بل لو فرض تعلقه بها

______________________________

مما لا يستقل العقل بحسنه ولا يرشد النقل إليه كما تقدم الاشكال به منه (ره) على الوجه الثالث من وجوه الدفع. هذا مضافا إلى أن نية القربة وان كانت خارجة عن موضوع الامر إلا أنه لما لم يكن للموضوع اطلاق يشمل حال عدمها كما تقدم توضيحه سابقا فلا ينطبق عنوان الاحتياط على فعله مطلقا بل يختص بالفعل الصادر عن نية القربة فيرجع الاشكال. فالاولى في دفعه (اما) بالالتزام بان القربة المعتبرة في العبادة يراد بها الجامع بين الفعل عن الأمر المعلوم والفعل برجاء الأمر ولا تختص بخصوص الأول غاية الامر اختصاص الأول بصورة العلم بالامر واختصاص الثاني بصورة الشك فيه إذ على هذا لا مجال لدعوى عدم التمكن من نية القربة مع الشك في الامر كما ذكر المستشكل للتمكن منها بالتمكن من الفرد الآخر لها (واما) من الالتزام بان الفعل في حال الشك في الامر يصدر عن نفس الامر كما يصدر عنه في حال العلم غاية الأمر أن تأثير الامر في وجود الفعل، تارة يكون بتوسط العلم به، واخرى يكون بتوسط احتماله فالعلم والاحتمال دخيلان في تأثير الامر في وجود الفعل فنية القربة الممكنة في حال العلم بعينها ممكنة في حال الشك بلا فرق بينهما اصلا، ومنه يظهر أنه لا يتوقف اندفاع الاشكال على كون نية القربة خارجة عن موضوع الامر لتأتي الوجهين ولو قيل بدخولها فيه. فلاحظ (قوله: لابدان يؤتى به على) لا ملزم بذلك إلا ما أشرنا إليه في صدر الحاشية السابقة من عدم اطلاق متعلق الامر بنحو يشمل صورة عدم الداعي. هذا لو كان الاحتياط عبارة عن مجرد فعل مشكوك المطلوبية، وان كان عبارة عن فعله بداعي موافقة

٢٦٥

لما كان من الاحتياط بشئ بل كسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها كما لا يخفى، فظهر أنه لو قيل بدلالة اخبار: (من بلغه ثواب) على استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب ولو بخبر ضعيف لما كان يجدي في جريانه في خصوص ما دل على وجوبه أو استحبابه خبر ضعيف بل كان - عليه - مستحبا كسائر ما دل الدليل على استحبابه

______________________________

الأمر على تقدير ثبوته فالملزم به أنه لولاه لا يكون الفعل احتياطا. فتأمل جيدا (قوله: لما كان من الاحتياط) لان قوام الاحتياط كون الفعل برجاء موافقة الأمر الواقعي الموجب لتردده بين كونه طاعة وانقيادا وفعل مشكوك المطلوبية لموافقة الأمر المتعلق به بعنوان كونه مشكوك المطلوبية ليس الاطاعة جزمية. ثم إن إشكال تعلق الأمر الاستحبابي بالفعل المشكوك المطلوبية من جهة لزوم اجتماع الحكمين للفعل الواحد لا مجال لدفعه ببعض ما تقدم في إشكال الجمع بين الاحكام الواقعية والظاهرية من كون الحكم الظاهري عذريا صرفا أو طريقيا لعدم كون الأمر الاستحبابي كذلك، فلا بد من دفعه بغير ذلك مما تقدمت الاشارة إليه من عدم التنافي مع اختلاف الرتبة أو غير ذلك إن تم والا اشكل تعلق الامر بالفعل المشكوك المطلوبية بما هو كذلك. فلاحظ وتأمل (قوله: لما كان يجدي في جريانه) هذا وجه آخر لدفع إشكال جريان الاحتياط في العبادة، وتوضيحه أن الشك في المطلوبية الواقعية وإن كان مانعا عن التمكن من قصد التقرب بها بالنظر إلى الامر الواقعي إلا أن الاخبار الكثيرة الدالة على ترتب الثواب على العمل الذي دل على وجوبه أو استحبابه خبر ضعيف تدل على استحباب العمل المذكور فيمكن التقرب بلحاظ هذا الاستحباب المدلول عليه بهذه الاخبار، وحاصل الاشكال عليه، ما عرفت من أن موافقة هذا الأمر الاستحبابي لما كان طاعة جزمية لم تكن من الاحتياط في شئ إذا قوامه كون الفعل بقصد موافقة الامر الواقعي الثابت في رتبة سابقة على عنوان الاحتياط الموجب لتردد الفعل بين

٢٦٦

* (لا يقال): هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب بعنوانه، وأما لو دل على استحبابه لا بهذا العنوان بل بعنوان انه محتمل الثواب لكانت دالة على استحباب الاتيان به بعنوان الاحتياط كأوامر الاحتياط لو قيل بانها للطلب المولوي لا الارشادي (فانه يقال): إن الأمر بعنوان الاحتياط - ولو كان مولويا - لكان توصليا مع أنه لو كان عباديا لما كان مصححا للاحتياط ومجديا في جريانه في العبادات كما أشرنا إليه آنفا. ثم إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار على

______________________________

كونه طاعة وانقيادا بحتا فلاحظ (قوله: لا يقال هذا لو قيل بدلالتها) هذا القائل تخيل أن وجه عدم ارتفاع الاشكال بالاستحباب المستفاد من اخبار من بلغه... الخ كون الاستحباب المذكور ناشئا عن مصلحة في نفس عنوان بلوغ الثواب على العمل ولا ربط له بالواقع فيكون استحبابا مستقلا في قبال الواقع، أما لو كان أمرا بما هو محتمل الواقع من حيث كونه كذلك كان كاستحباب الاحتياط بناء على كونه شرعيا كافيا في امكان التقرب بالعبادة المشكوكة (قوله: فانه يقال إن الأمر) حاصل الاشكال عليه امران (الأول) أن اوامر الاحتياط لو كانت مولوية لا ارشادية فهي توصلية لا عبادية، فيكفي في سقوطها مجرد موافقتها ولا يتوقف سقوطها على داعويتها كما هو شأن الاوامر العبادية، وحينئذ فلا ملزم بنية التقرب لها (والثاني) ما تقدم من لزوم الدور وغيره. هذا ولا يخفى أن مفهوم الاحتياط تارة يكون منتزعا عن مجرد فعل مشكوك المطلوبية، وأخرى يكون منتزعا عن الفعل المذكور بعنوان كونه عن دعوة امره الواقعي المحتمل، فعلى الأول يكون الأمر به مولويا عباديا تارة وتوصليا اخرى، وعلى الثاني لا يكون الامر به إلا إرشاديا لعين البرهان المتقدم على كون اوامر الاطاعة ارشادية فلا يتضح الوجه لما ذكره المصنف (ره) من لزوم كون امر الاحتياط مولويا توصليا، مضافا إلى أن كونه توصليا لا يمنع من صحة مقربيته فيصحح جريان الاحتياط في العبادة. فتأمل جيدا (قوله: لا يبعد دلالة بعض) اعلم أن الاخبار المشار

٢٦٧

إليها تحتمل بدوا أحد معان ثلاثة (الأول) حجية الخبر الضعيف الدال على استحباب الفعل أو وجوبه وترتب الثواب عليه فيكون مفادها حكما اصوليا لا فرعيا (الثاني) استحباب الفعل الذي بلغ المكلف عليه الثواب فيكون الفعل بسبب طروء عنوان بلوغ الثواب عليه مستحبا شرعيا كسائر المستحبات الشرعية (الثالث) ترتب الثواب على الانقياد الحاصل من الفعل برجاء كونه مطلوبا شرعا: وظاهر فتوى المشهور بالاستحباب بمجرد ورود الخبر الضعيف الدال على وجوب الفعل أو استحبابه هو الاول حتى اشتهر تعليل ذلك بالتسامح في أدلة السنن إذ لو لا استفادتهم من الاخبار المذكورة ذلك لم يكن وجه لافتاء العامي بالاستحباب بمجرد عثور المجتهد على الخبر وعدم عثور العامي عليه، بل اللازم على تقدير استفادتهم منها الثاني الفتوى باستحباب الفعل الذي بلغ المكلف عليه الثواب ولا يكون مستحبا في حق العامي إلا إذا عثر على الخبر الدال على ترتب الثواب عليه، إلا أن يكونوا قد فهموا من البلوغ الطريقية المحضة إلى نفس الوجود الواقعي بحيث تدل على استحباب الفعل الذي يوجد خبر يدل على ترتب الثواب عليه وان لم يبلغ المكلف، والمصنف (ره) استظهر الثاني من صحيحة هشام بتقريب: أن ترتب الثواب على العمل المترتب على بلوغ الثواب عليه (تارة) يكون بعنوان كونه رجاء موافقة الواقع، وعليه فلا طريق الا استكشاف الامر المولوي الموجب لاستحبابه لعدم المقتضي له مع صلاحية العنوان المذكور لترتب الثواب ولو لم يكن أمر حيث أنه إطاعة حكمية موجبة بذاتها لترتب الثواب عليها كالاطاعة الحقيقة (واخرى) يكون على نفس العمل بلا أخذ العنوان المذكور جهة تقييدية بل أخذه جهة تعليلية، وعليه فلابد من استكشاف الامر المولوي لعدم صلاحية نفس العمل لترتب الثواب عليه إلا بتوسط انطباق عنوان الاطاعة اللازم لوجود الأمر، وظاهر الصحيحة هو الثاني، وظاهر غيرها وان كان الاول إلا أنه لا منافاة بينهما فيؤخذ بظاهر كل منهما (هذا) ولكن لا يخفى أن المناط في استكشاف الامر المولوي في مثل: من سرح لحيته فله كذا، ليس هو ترتب الثواب على العمل مطلقا

٢٦٨

استحباب ما بلغ عليه الثواب فان صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن ابي عبد الله - عليه السلام - قال: (من بلغه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شئ من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقله) ظاهرة في ان الاجر كان مترتبا على نفس العمل الذي بلغه عنه أنه ذو ثواب وكون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعي إلى العمل غير موجب لان يكون الثواب إنما يكون مترتبا عليه فيما إذا أتى برجاء أنه مأمور به وبعنوان الاحتياط

______________________________

لأن الثواب بعد ما كان لا يختص بالاطاعة ويكون على الانقياد فلا ملازمة بينه وبين الاطاعة اللازمة للأمر الا في ظرف القطع بعدم انطباق عنوان الانقياد، وهذا القطع غير حاصل في المقام فمع احتمال كون الثواب من جهة الانقياد لا مجال للاستكشاف المذكور، مضافا إلى أن ظاهر الصحيحة كون موضوع الثواب هو العمل المتفرع على البلوغ لمكان الفاء، وهذا العمل هو منشأ انتزاع عنوان الانقياد الذي قد عرفت أنه كالاطاعة يمتنع أن يتعلق به الامر المولوي ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور وجعل الثواب مترتبا على نفس العمل بلا ملاحظة حيثية ترتبه على البلوغ، لا أقل من كون الصحيحة من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية المانع عن انعقاد ظهوره الموجب لاجراء حكم الاجمال عليه فيرجع إلى غيره مما هو ظاهر في المعنى الاخير، ولو فرض عدم حجيته في نفسه فالمرجع اصالة عدم الاستحباب، مع أن الحكم بالاستحباب يحتاج إلى تكلف دفع اشكال الجمع بينه وبين الحكم الواقعي الذي عرفت الاشارة إليه قريبا. وأما المعنى الاول فهو ساقط قطعا لعدم اشعار في النصوص به فضلا عن ظهورها فيه، بل لعل صراحة النصوص بترتب الثواب على العمل ولو في صورة مخالفة الخبر للواقع شاهد بخلافه لان الامر الطريقي لا يصلح لترتب الثواب في صورة الخطأ، بل يكون حينئذ على الانقياد فتأمل، فالمتعين من بين المعاني هو الاخير والله سبحانه اعلم (قوله: غير موجب لأن يكون) يعني لا يوجب ان يكون الترتب على البلوغ ملحوظا قيدا في موضوع

٢٦٩

بداهة أن الداعي إلى العمل لا يوجب له وجها وعنوانا يؤتي به بذاك الوجه والعنوان واتيان العمل بداعي طلب قول (النبي) كما قيد به في بعض الأخبار وإن كان انقيادا إلا أن الثواب في الصحيحة إنما رتب على نفس العمل ولا موجب لتقييدها به لعدم المنافات بينهما بل لو أتى به كذلك أو التماسا للثواب الموعود كما قيد به في بعضها الآخر لأوتى الاجر والثواب على نفس العمل لا بما هو احتياط وانقياد فيكشف عن كونه بنفسه مطلوبا وإطاعة فيكون وزانه وزان: من سرح لحيته، أو من صلى أو صام فله كذا، ولعله لذلك أفتى المشهور بالاستحباب فافهم وتأمل (الثالث)

______________________________

الثواب (قوله: في بعض الاخبار) هو رواية محمد بن مروان عن ابي عبد الله (ع) قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله شئ من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى الله عليه وآله لم يقله (قوله: ولا موجب لتقييدها) قد عرفت أنه لو لم يكن موجب للتقيد فلا موجب للاطلاق المؤدى إلى استظهار الاستحباب (قوله: كذلك) يعني طلب قول النبي - صلى الله عليه وآله - (قوله: في بعضها الآخر) وهو رواية محمد ابن مروان عن ابي جعفر - عليه السلام -: من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه (قوله: لاوتى الأجر والثواب) هذا غير ظاهر إذ لو فرض دلالة هذه النصوص على استحباب الفعل كما ذكر المصنف - رحمه الله - كان ترتب الثواب على العمل منوطا بقصد استحبابه المستفاد منها أما لو لم يقصد الأمر الواقعي المحتمل فالثواب المترتب لابد أن يكون على الانقياد لا غير لان ترتب الثواب تابع لقصد الفاعل عقلا فان قصد أمرا معينا ترتب الثواب المترتب على ذلك الامر ولا يترتب ثواب غيره إلا تفضلا فثواب الاطاعة لا يترتب على الانقياد ولا العكس بل المترتب ثواب نفسه عليه (قوله: فيكون وزانه وزان) قد عرفت الفرق بينهما (قوله: ولعله لذلك أفتى) قد عرفت أن فتوى المشهور إنما تتم بناء على استفادة حجية الخبر

٢٧٠

* أنه لا يخفى ان النهي عن شئ إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان بحيث

______________________________

الضعيف منها ولا يكفي فيها استفادة الاستحباب (قوله: إذا كان بمعنى طلب تركه) قد عرفت الاشارة إلى جملة من أنحاء تصور الماهية في مسألة تعلق الامر بالطبايع وان الماهية التي تكون موضوعا للامر والنهي تكون ملحوظة بما أنها حاكية عن الوجود الخارجي بحيث لا ترى الا خارجية وان لحاظها كذلك قد يكون لحاظا لصرف الطبيعة وهو المسمى بصرف الوجود وقد يكون لحاظا لكل حصة حصة من الطبيعة وهو المسمى بالطبيعة السارية، ولازم الاول ان لو كانت موضوعا للنهي كانت له طاعة واحدة حاصلة بترك جميع أفرادها ومعصية واحدة حاصلة بفعل بعض أفرادها ولو مع ترك الباقي، ولازم الثاني أن لو كانت موضوعا للنهي كانت له طاعات متعددة ومعصية كذلك بتعدد حصص الطبيعة فإذا ارتكب فردا وترك آخر عصى في الاول واطاع في الثاني، فلو ارتكب أفرادا كثيرة وترك مثلها عصى في كل واحد مما ارتكب واطاع في كل واحد مما ترك، والسر في ذلك أن التكليف المتعلق بها على النحو الاول ليس الا تكليفا واحدا لموضوع واحد فلا مجال لتعدد اطاعته ومعصيته، والتكليف المتعلق بها على النحو الثاني منحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الحصص فلكل واحد من تلك التكاليف طاعة ومعصية. ومنه يظهر أنه لو شك في فردية خارجي لتلك الماهية، فعلى الاول يجب الاحتياط إذ الشك ليس في التكليف لكون التكليف الوارد على المفهوم المحصل معلوما وانما الشك في أن ارتكاب ذلك الخارجي المشتبه معصية للنهي أولا وحيث أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فلابد من تركه ليحصل اليقين بالفراغ عن التكليف المعلوم، وعلى الثاني لا يجب الاحتياط لأن الشك في فردية الخارجي مستلزم للشك في أصل التكليف به حيث أنه على تقدير كونه فردا فهو موضوع لتكليف مستقل فالشك في فرديته مستلزم للشك في تعلق التكليف به، ومع الشك في التكليف يكون المرجع البراءة. ومن هنا يظهر أن اطلاق القول بان المرجع في الشبهة الموضوعية التحريمية هو البراءة في غير محله بل يختص بما

٢٧١

لو وجد في ذاك الزمان أو المكان - ولو دفعة - لما امتثل أصلا كان اللازم على المكلف إحراز أنه تركه بالمرة ولو بالأصل فلا يجوز الاتيان بشئ يشك معه في تركه إلا إذا كان مسبوقا به ليستصحب مع الاتيان به (نعم) لو كان بمعنى طلب ترك كل فرد منه على حدة لما وجب إلا ترك ما علم أنه فرد وحيث لم يعلم تعلق النهي إلا بما علم أنه مصداقه فاصالة البراءة في المصاديق المشتبهة محكمة، فانقدح بذلك أن مجرد العلم بتحريم شئ لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة أو كان الشئ مسبوقا بالترك وإلا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا فكما يجب فيما علم وجوب شئ إحراز إتيانه إطاعة لأمره فكذلك يجب فيما علم حرمته إحراز تركه وعدم اتيانه امتثالا لنهيه غاية الامر كما يحرز وجود الواجب بالاصل كذلك يحرز ترك الحرام به والفرد المشتبه

______________________________

كان موضوع النهي فيه ملحوظا بنحو الطبيعة السارية. هذا ولكن قد يقال: بأن صرف الوجود وإن كان عبارة عن صرف المفهوم الصالح للانطباق على القليل والكثير إلا أنه كما يكون في ظرف انطباقه على القليل عين القليل يكون في ظرف انطباقه على الكثير عين الكثير فالشك في فردية خارجي للطبيعة ملزوم للشك في اتساع دائرة التكليف بنحو يشمل ذلك الخارجي وضيقه فلا يخرج أصل التكليف عن كونه موضوعا للشك الموجب للرجوع فيه إلى اصالة البراءة. ومما ذكرنا يظهر لك الفرق بين المقام وبين الموارد التي يكون الشك فيها في المحصل فان المتحصل الواجب لما لم يكن عين المحصل في الخارج، بل كان أجنبيا عنه فالشك فيه لا يكون شكا في التكليف، بل الشك فيما يحصل الواجب يقينا الموجب لتحصيل الفراغ عنه يقينا بالاحتياط (قوله: إذا كان بمعنى) يعني كان ملحوظا بنحو صرف الوجود (قوله: مسبوقا به ليستصحب) يعني إذا كان مسبوقا بتركه بحيث يصدق عليه أنه تارك للخمر مثلا فانه يجوز له ارتكاب الفرد المشكوك لاستصحاب

٢٧٢

وان كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه إلا أن قضية لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرز عنه ولا يكاد يحرز الا بترك المشتبه ايضا فتفطن (الرابع) أنه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا ولا يخفى أنه مطلقا كذلك حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة أو امارة معتبرة على انه ليس فردا للواجب أو الحرام ما لم يخل بالنظام فعلا فالاحتياط قبل ذلك مطلقا يقع حسنا كان في الامور المهمة كالدماء والفروج أو غيرها وكان احتمال التكليف قويا أو ضعيفا كانت الحجة على خلافه اولا، كما ان الاحتياط الموجب لذلك لا يكون حسنا كذلك وان كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من اول الامر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا فافهم.

______________________________

تركه للخمر الذي هو موضوع الطلب نظير استصحاب الطهارة من الحدث والخبث لاثبات الطهارة المعتبرة في الصلاة وغيرها (قوله: وان كان مقتضى اصالة) يعني مقتضى أصالة البراءة مع قطع النظر عن العلم بحرمة صرف الطبيعة أما بالنظر إليه فحيث أنه بيان يكون رافعا لموضوع اصالة البراءة، وهذا هو المراد من تقديم مقتضى لزوم احراز الترك اللازم على مقتضى اصالة البراءة والا فلا وجه لتقديم مقتضى أحدهما على مقتضى الآخر مع تساويهما في الاقتضاء (قوله: حتى فيما كان) بيان لوجه الاطلاق، (قوله: حجة على عدم) هذا في الشبهة في الحكم الكلي (قوله: أو امارة معتبرة) هذا في الشبهة الموضوعية (قوله: ما لم يخل بالنظام) قيد لقوله: حسن الاحتياط (قوله: قبل ذلك) يعني قبل أن يكون مخلا فعلا بالنظام، (قوله: كان في الامور) بيان لوجه الاطلاق (قوله: لذلك) يعني الخلل بالنظام (قوله: كذلك) يعني مطلقا بالنحو المذكور (قوله: وان كان الراجح) يعني إذا كان الاحتياط التام موجبا لاختلال النظام فالراجح لمن التفت إلى ذلك التبعيض في الاحتياط والاقتصار فيه على ما لا يلزم منه الاختلال وترجيح الاحتياط في الموارد المهتم بها، أو يكون احتمال التكليف فيها أقوى على الاحتياط

٢٧٣

فصل

إذا دار الأمر بين وجوب شئ وحرمته لعدم نهوض حجة على احدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ففيه وجوه (الحكم) بالبراءة عقلا ونقلا لعموم النقل وحكم العقل بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به (ووجوب) الاخذ باحدهما تعيينا أو تخييرا (والتخيير) بين الترك والفعل عقلا مع التوقف عن الحكم به رأسا أو مع الحكم عليه بالاباحة شرعا اوجهها الاخير لعدم الترجيح بين الفعل والترك وشمول مثل: (كل شئ لك حلال حتى تعرف انه حرام) له

______________________________

في غيرها، ووجه ترجيح تلك الموارد على غيرها ظاهر (قوله: لعموم النقل) مثل حديث الرفع وغيره مما استدل به على البراءة (قوله: للجهل به) الموجب لصدق عدم البيان الذي هو موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان (قوله: ووجوب الأخذ) معطوف على الحكم بالبراءة فيكون هو الوجه الثاني (قوله: تعيينا) بان يأخذ باحتمال الحرمة فان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ولغير ذلك (قوله: أو تخييرا) بان يتخير بين الأخذ باحتمال الوجوب فيلزمه الفعل والأخذ باحتمال الحرمة فيلزمه الترك، وبذلك يفترق عن الوجه الثالث الذي هو التخيير بين الفعل والترك فانه تخيير في العمل لا غير (قوله: أوجهها الأخير) وهو التخيير عقلا عملا والحكم بالاباحة شرعا فالدعوى مركبة من أمرين (قوله: لعدم الترجيح) استدلال على الامر الأول منهما، وحاصله: ان في كل من الفعل والترك احتمال الموافقة والمخالفة إذ لو فعل احتمل الموافقة على تقدير الوجوب والمخالفة على تقدير الحرمة ولو ترك احتمل الموافقة على تقدير الحرمة والمخالفة على تقدير الوجوب وحيث تساوى الفعل والترك في ذلك يحكم العقل بالتخيير بينهما فان شاء فعل وان شاء ترك (قوله: وشمول مثل) استدلال على الأمر الثاني منهما يعني أن الرواية المذكورة لا تختص بمحتمل الحرمة والاباحة بل تشمل محتمل الحرمة والوجوب

٢٧٤

ولا مانع عنه عقلا ولا نقلا وقد عرفت انه لا يجب موافقة الاحكام التزاما ولو وجب لكان الالتزام إجمالا بما هو الواقع معه ممكنا والالتزام التفصيلي باحدهما لو لم يكن تشريعا محرما لا نهض على وجوبه دليل قطعا، وقياسه بتعارض الخبرين الدال احدهما على الحرمة والآخر على الوجوب باطل فان التخيير بينهما على تقدير كون الاخبار حجة من باب السببية يكون على القاعدة

______________________________

فتكون حجة على ثبوت الاباحة فيه شرعا. هذا ولكن قد عرفت أن مفاد الرواية جعل الحل الواقعي المقابل للحرمة في ظرف الشك في الحرمة نظير قاعدة الطهارة وقاعدة الحرية وغيرهما، ومن المعلوم أن الحل المقابل للحرمة ليس هو الاباحة شرعا بل هو أعم منها ومن الاستحباب والوجوب والكراهة. مع انه لو سلم كون مفادها جعل الحل ظاهرا في ظرف الشك في الحرمة من دون نظر إلى جعل الحل الواقعي ليترتب عليه آثاره فليس الحل المجعول إلا ما يقابل الحرمة لا ما يرادف الاباحة شرعا فاثبات الاباحة بالرواية يتوقف على تطبيقها بلحاظ احتمال الوجوب وحرمة الترك ولولاه لم تكن دليلا إلا على مجرد رفع المنع ورفع وجوب الاحتياط. فتأمل جيدا (قوله: ولا مانع عنه عقلا) كما في الشبهة المحصورة (قوله: ولا نقلا) كما في الشبهة البدوية بناء على تقديم اخبار الاحتياط كما هو مذهب الاخباريين (قوله: وقد عرفت انه لا يجب) دفع لما يتوهم من أن كل شئ لك حلال وان كان في نفسه لا قصور فيه من حيث شموله للمقام إلا انه ممنوع من أجل ما دل على وجوب الموافقة الالتزامية لأن جعل الاباحة يوجب الالتزام بما علم انه خلاف الحكم الواقعي (وحاصل الدفع): انك قد عرفت أنه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية، ولو سلم وجوبها فاللازم الالتزام بالواقع اجمالا وهو لا ينافي الالتزام بالاباحة تفصيلا ظاهرا (قوله: والالتزام التفصيلي) شروع في الرد على القول بوجوب الأخذ باحدهما (قوله: لو لم يكن تشريعا) بل قد عرفت انه تشريع محرم (قوله: وقياسه بتعارض الخبرين) شروع في الجواب

٢٧٥

ومن جهة التخيير بين الواجبين المتزاحمين وعلى تقدير أنها من باب الطريقية فانه وإن كان على خلاف القاعدة إلا أن احدهما تعيينا أو تخييرا حيث كان واجدا لما هو المناط للطريقية من احتمال الاصابة مع اجتماع سائر الشرائط جعل حجة في هذه الصورة بأدلة

______________________________

عما استدل به لكل واحد من بقية الاقوال واشارة إلى الاستدلال للقول بوجوب الاخذ باحدهما والرد عليه (وحاصل الاستدلال) انه لا إشكال في وجوب الاخذ باحد الخبرين لو دل على وجوب شئ والآخر على حرمته ولا فرق بين مورد تعارض الخبرين وبين المقام فما دل على وجوب الاخذ تخييرا هناك دال عليه هنا (وحاصل الجواب عنه): ان قياس المقام بصورة التعارض قياس مع الفارق فانه إذا بني على كون حجية الخبر من باب السببية فالتخيير حينئذ يكون على القاعدة لان كل فرد من الخبر يكون واجد المناط وجوب الاخذ به فمع تعارض الخبرين لما لم يمكن الاخذ بهما معا وجب الاخذ باحدهما تخييرا كما هو القاعدة في جميع المقتضيات المتزاحمة التي لا يمكن اعمال جميعها فانه يتخير بينها في الاعمال كالغريقين للذين لا يمكن انقاذهما معا، وحينئذ لا مجال لقياس المقام بصورة التعارض فان كلا من احتمالي الوجوب والحرمة لا اقتضاء له في وجوب الاخذ به حتى يتخير بينهما من جهة التزاحم، وان بني على كون حجية الخبر من باب الطريقية فان الاصل عند التعارض وان كان هو التساقط دون الترجيح والتخيير إلا أنه لما قام الدليل على الترجيح مع وجود المرجح والتخيير مع عدمه امكن ان يكون الوجه فيه هو الطريقية النوعية التى عليها الخبر، ومن المعلوم عدم وجود صفة الطريقية المذكورة في احتمالي الوجوب والحرمة فيكف يصح قياسهما بذلك المقام (قوله: ومن جهة) عطف تفسيري على القاعدة (قوله: احدهما تعيينا) يعني مع وجود المرجح فيه (قوله: أو تخييرا) يعني مع عدم المرجح (قوله: للطريقية) يعني الطريقية الفعلية (قوله: من احتمال) بيان للمناط والمراد الطريقية النوعية التي لا ينافيها وجود المعارض (قوله: جعل حجة) الضمير النائب عن

٢٧٦

الترجيح تعيينا أو التخيير تخييرا، وأين ذلك مما إذا لم يكن المطلوب إلا الأخذ بخصوص ما صدر واقعا وهو حاصل والأخذ بخصوص احدهما ربما لا يكون إليه بموصل نعم لو كان التخيير بين الخبرين لأجل إبدائهما احتمال الوجوب والحرمة وإحداثهما الترديد بينهما لكان القياس في محله لدلالة الدليل على التخيير بينهما على التخيير ههنا فتأمل جيدا. ولا مجال ههنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فانه لا قصور فيه ههنا وإنما يكون عدم تنجز التكليف لعدم التمكن من الموافقة القطعية

______________________________

الفاعل راجع إلى احدهما (قوله: مما إذا لم يكن المطلوب) كما فيما نحن فيه إذ ليس الا الحكم الواقعي (قوله: وهو حاصل) يعني للالتزام به اجمالا (قوله: والاخذ بخصوص) يعني الاخذ باحدهما تخييرا أو تعيينا (قوله: ربما لا يكون) إذ أحدهما محتمل الواقع (قوله: على التخيير بينهما) متعلق ب‍ (الدليل) والضمير راجع إلى (الخبرين) (قوله: على التخيير ههنا) متعلق ب‍ (دلالة) (قوله: فتأمل جيدا) يمكن أن يكون اشارة إلى القطع بعدم كون المناط إبداء الاحتمال، ضرورة أنه لو قام احد الخبرين على الوجوب والآخر على الحرمة واحتمل كون الحكم الواقعي هو الكراهة مثلا لا يجوز الالتزام باحتمال الكراهة بل يجب الالتزام بخصوص مضمون احد الخبرين (قوله: ولا مجال ههنا) هذا رد على الوجه الاول وهو الحكم بالبراءة عقلا، وحاصله أنه لا وجه لتطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان في المقام لوجود البيان وهو العلم بلزوم الفعل أو الترك كما لو علم بوجوب شئ أو حرمة آخر فانه لا ينبغي التأمل في وجوب الاحتياط معه بفعل الاول وترك الثاني، غاية الامر ان المكلف في المقام لا يمكنه الاحتياط والموافقة القطعية لامتناع الجمع بين الفعل والترك لكونهما نقيضين كما لا يمكنه المخالفة القطعية لامتناع ترك النقيضين فلا يترتب على العلم المذكور اثر في نظر العقل ويسقط عن المنجزية، فعدم منجزيته ليس لعدم كونه

٢٧٧

كمخالفتها والموافقة الاحتمالية حاصلة لا محالة كما لا يخفى. ثم إن مورد هذه الوجوه وإن كان ما إذا لم يكن واحد من الوجوب والحرمة على التعيين تعبديا إذ لو كانا تعبديين

______________________________

بيانا بل لعدم القدرة فكيف يصح تطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان (فان قلت): إذا حكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك كان ذلك موجبا لسقوط العلم بالالتزام المردد بين الوجوب والحرمة عن كونه بيانا فيصح حينئذ تطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان (قلت): أولا نمنع سقوطه عن البيانية ولو بملاحظة حكم العقل بالتخيير فان العجز عن موافقة التكليف المعلوم لا يوجب عدم كون العلم بيانا عليه فضلا عن العجز عن الموافقة القطعية. وثانيا انه لا مجال لتطبيقها ولو في الرتبة اللاحقة إما للزوم اجتماع المثلين أو للزوم اللغوية، فتأمل جيدا (قوله: كمخالفتها) الاضافة إلى الضمير غير ظاهرة المعنى (قوله: ثم ان مورد هذه الوجوه) اعلم: ان الوجوب والتحريم المعلوم ثبوت احدهما اجمالا في الواقعة الخاصة تارة يكونان توصليين، واخرى تعبديين، وثالثة يكون احدهما المعين تعبديا دون الآخر، ورابعة يكون احدهما المردد تعبديا دون الآخر، وتشترك الصور الاربع في امتناع الموافقة القطعية، وتفترق الأولى والأخيرة عن الباقيتين في امتناع المخالفة القطعية فيهما وإمكانها في الباقيتين إذ لو فعل المكلف أو ترك لا بقصد التقرب يقطع بالمخالفة في الصورة الثانية، ولو فعل لا بقصد التقرب يقطع بالمخالفة في الصورة الثالثة لو كان الوجوب المحتمل تعبديا، ولو ترك لا بقصد التقرب يقطع بالمخالفة لو كان التحريم المحتمل تعبديا، وحيث اشتركت جميعها في امتناع الموافقة القطعية اشتركت في الرجوع إلى اصالة التخيير لعدم المرجح، وحيث افترقت في إمكان المخالفة القطعية افترقت في جواز الرجوع إلى اصالة الاباحة، فما تمكن فيها المخالفة القطعية لا يجوز الرجوع فيه إلى اصالة الاباحة لأن الرجوع إليها موجب للمخالفة القطعية الممنوع عنا عقلا، ومالا تمكن فيها المخالفة القطعية يجوز الرجوع فيها إلى اصالة الاباحة لعدم المانع كما تقدم (قوله: هذه الوجوه)

٢٧٨

أو كان أحدهما المعين كذلك لم يكن إشكال في عدم جواز طرحهما والرجوع إلى الاباحة لانها مخالفة عملية قطعية - على ما أفاد شيخنا الاستاذ قدس سره - إلا أن الحكم أيضا فيهما إذا كانا كذلك هو التخيير عقلا بين اتيانه على وجه قربي بأن يؤتى به بداعي احتمال طلبه وتركه كذلك لعدم الترجيح وقبحه بلا مرجح. فانقدح أنه لا وجه لتخصيص المورد بالتوصليين بالنسبة إلى ما هو المهم في المقام وان اختص بعض الوجوه بهما كما لا يخفى. ولا يذهب عليك ان استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما

______________________________

يعني الوجوه في المسألة التي منها الرجوع إلى البراءة (قوله: لانها مخالفة عملية) هذا ربما ينافي ما سيأني منه (ره) من الرجوع إلى الاباحة عند الاضطرار إلى بعض اطراف الشبهة المحصورة لعدم الفرق بينه وبين المقام إلا أن يكون هذا منه جريا على مذاق شيخه. فتأمل (قوله: لا وجه لتخصيص المورد) المقصود به التعريض بشيخه في رسائله حيث انه بعد ما ذكر وجوها في المسألة منها الرجوع إلى الاباحة ظاهرا قال: ومحل هذه الوجوه ما لو كان كل من الوجوب والتحريم توصليا... الخ، فان مقصوده وإن كان أن تمام الوجوه المذكورة إنما تكون في الصورة المذكورة لا تخصيص مرجعية اصالة التخيير بها، لكن لما كان المهم وهو اصالة التخيير لا يختص بالصورة المذكورة كان المناسب له التعرض لذلك. فتأمل (قوله: ما هو المهم) يعني اصالة التخيير التي عقد لها المبحث (قوله: بعض الوجوه) يعني القول بالاباحة (قوله: ولا يذهب عليك ان استقلال) يعني أن ما ذكرنا من استقلال العقل بالتخيير بين الفعل والترك إنما هو فيما لم يحتمل أهميته أحد الحكمين على تقدير ثبوته، أما مع احتمال أهميته في ظرف ثبوته لزيادة مصلحته أو مفسدته فالعقل يحكم بتعين موافقة محتمل الاهمية، فلو دار الامر بين وجوب شئ وحرمته واحتمل أهمية الوجوب على تقدير ثبوته واقعا لتأكد

٢٧٩

على التعيين ومع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعينه، كا هو الحال في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في غير المقام، ولكن الترجيح إنما يكون لشدة الطلب في أحدهما وزيادته على الطلب في الآخر بما لا يجوز الاخلال بها في صورة المزاحمة

______________________________

مصلحته أو أهمية التحريم لتأكد مفسدته تعين الفعل في الاول والترك في الثاني كما هو الحال في الدوران بين التعيين والتخيير العقليين. كما في المتزاحمات فانه كما لا ريب عند تزاحم المقتضيات في وجوب الأخذ بالأهم منها - لو كان - لأن الأخذ بالمهم تفويت للمقدار الاهم بلا مسوغ كذلك يجب الاخذ بمحتمل الأهمية، فكما يجب انقاذ من يعلم أنه نبي عند دوران الامر بين انقاذه وانقاذ مؤمن غيره لعدم التمكن من انقاذهما معا، كذا يجب انقاذ من يحتمل انه نبي عند الدوران المذكور وكذا نقول في المقام إذا احتمل أهمية احد الحكمين بعينه يكون من الدوران بين التعيين والتخيير العقلي والاصل التعيين (قلت): قياس المقام على صورة الدوران بين التعيين والتخيير في المتزاحمات غير ظاهر، إذ التعيين مع إحراز الاهمية إنما هو من جهة لزوم التفويت، ومع احتمال الاهمية من جهة الشك في المزاحمة الذي هو كالشك في وجود المزاحم موجب للاحتياط، والمقام ليس من التزاحم في شئ إذ لم يحرز المقتضي إلا لأحد الحكمين فلا موجب للاخذ بمحتمل الاهمية على تقدير ثبوته. نعم لو كان احد الحكمين مظنونا والآخر محتملا وجرت مقدمات الانسداد وجب الاخذ بالمظنون على ما تقدم. فتأمل (قوله: على التعيين) أما لو احتمل الترجيح في احدهما على الترديد فلا مجال لاحتمال التعيين كما هو ظاهر (قوله في غير المقام) يعني مقام التزاحم) (قوله: ولكن الترجيح) يعني الترجيح المحتمل الموجب للتعيين في نظر العقل إنما هو بمعني شدة الطلب في احدهما وأهمية مصلحته أو مفسدته بالنسبة إلى الآخر لا غير ذلك (قوله: بما لا يجوز الاخلال) يعني بحيث تبلغ شدة الطلب حدا موجبا للترجيح على تقدير التزاحم باحراز المقتضى من

٢٨٠