حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 222178 / تحميل: 5394
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ولا يكون الاشتغال به من الاول إلا مقيدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون إلا من باب

______________________________

من جهة قصور المكلف لا المكلف به كما في الاول، وشرطية وجود الموضوع راجعة إلى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف فان الاناء المفقود مما لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الكراهة بشربه إلا ان العلم بكراهته لا يصلح ان يكون موجبا لاشتغال الذمة به فيمتنع ان يكون وجوده شرطا للتكليف الذي هو في الحقيقة شرط نفس الارادة والكراهة ذاتا كما في القدرة أو عرضا كما في عدم الاضطرار، فوجود الموضوع والابتلاء به نظير وجود الحجة على التكليف ليس شرطا للتكليف وان كان شرطا للاشتغال في نظر العقل، وهذا واضح لدى التأمل، إنما الاشكال فيما ذكره من كون تنجز الباقي بعد الفقد بقاعدة الاشتغال إذا من المعلوم ان القاعدة المذكورة إنما تجري في كل ما يحتمل انه المنجز والباقي بعد الفقدان مما لا يحتمل فيه ذلك إذ المنجز إن كان هو العلم حال الفقدان فبطلانه ظاهر لعدم صلاحيته لذلك من جهة الفقدان، وان كان هو العلم قبل الفقدان فذلك العلم طرفاه المفقود والباقي معا قبل زمان الفقدان لا مطلقا فليس الوجه في تنجز الباقي إلا انه طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما المفقود قبل فقده والباقي بعد الفقدان كما اشار إليه في الحاشية، وحينئذ فلا فرق بين الاضطرار والفقدان من هذه الجهة فبالنظر إلى العلم الاجمالي بين الدفعيين لا تنجز للباقي في المقامين، والى العلم الاجمالي بين التدرجيين يتنجز الباقي في المقامين، وصحة التقييد في الاضطرار وعدمها في الفقدان إنما يوجبان الفرق في حصول العلم الاجمالي بالتكليف بعد الفقدان وحصوله بعد الاضطرار، وذلك لا يوجب فرقا في منجزية الباقي بعد الفقدان لأن العلم الحاصل حين الفقدان لا أثر له في المنجزية بعد خروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء. وعليك بالتأمل وهو سبحانه المستعان (قوله: ولا يكون الاشتغال به) هذا الأثر مشترك بين الاضطرار والفقدان لما عرفت ان

٣٠١

* الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم وتأمل فانه دقيق جدا (الثاني) انه لما كان (١) النهي عن الشئ إنما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به وأما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم فانه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء ومنه قد انقدح

______________________________

الفقدان من موانع الاشتغال فلا يكون الاشتغال الا قبله فهو من حدود الاشتغال وان لم يكن من حدود نفس التكليف كالاضطرار (قوله: داعيا للمكلف) يعني داعيا عقليا بحيث يكون عدمه ارجح من وجوده في نظره لما يترتب على الوجود من استحقاق العقاب (قوله: يكون ذلك) يعني صيرورته داعيا (قوله: بحسبها) اي بحسب العادة (قوله: طلب الحاصل) لحصول الغرض وهو عدم المفسدة (قوله: كان الابتلاء بجميع الأطراف) هذا جواب (لما) في قوله: لما كان النهي. وحاصل المراد: انه يعتبر في صحة النهي عن شئ كونه في معرض ابتلاء المكلف إذ لو لم يكن كذلك كان تركه مستندا إلى عدم حصول الداعي إلى فعله فلا مجال للنهي عنه لأنه من قبيل تحصيل الحاصل، وحينئذ إذا كان بعض اطراف المعلوم بالاجمال خارجا عن محل الابتلاء لا يكون ذلك العلم الاجمالي منجزا وموجبا للاحتياط فيما هو محل الابتلاء من الأطراف لاحتمال كون المعلوم منطبقا على ما هو خارج عن محل الابتلاء فلا يكون التكليف به فعليا. وتوضيح الحال: ان موضوع التكليف (تارة) يكون في معرض الابتلاء للمكلف فيحسن ان يخاطب بالاجتناب عنه مطلقا كما في بعض اواني المكلف التي

______________

(١) كما انه إذا كان فعل الشئ الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة ان يتركه العبد وان لا يكون له داع إليه لم يكن الامر به والبعث إليه موقع اصلا كما لا يخفى. منه قدس سره

٣٠٢

تكون تحت يده (واخرى) لا يكون كذلك فلا يحسن الخطاب به الا مشروطا بالابتلاء كما في الاواني التى قد تقتضي العادة نادرا ابتلاءه بها كأواني الملك بالنسبة إلى سواد الرعية فانه لا يصح ان تقول له: اجتنب عن اناء الملك مطلقا، وان صح ان تقول له: إن دخلت بيت الملك فاجتنب الاناء الفلاني (وثالثة) لا يصح الخطاب به لا مطلقا ولا مشروطا كالثوب يلبسه انسان معين من سواد الرعية وسكان البراري والقفار بالنسبة إلى الملك فلا يحسن خطاب الملك بالاجتناب عنه مطلقا لا مطلقا ولا مشروطا، وقد عرفت في الحاشية السابقة انه لا قصور في مفسدة الموضوع المذكور من حيث اقتضائها الكراهة حيث انها مفسدة بلا مزاحم ولا في تحقق الكراهة لقدرة المكلف على الارتكاب والاجتناب غاية الأمر أنه لا يحسن الخطاب به لحصول الصوارف العادية عنه بحيث يعد النهي عنه من قبيل تحصيل الحاصل لغوا ومن هنا وقع الاشكال في اعتبار هذا الشرط في منجزية العلم الاجمالي، فمنعه بعض زعما منه أن امتناع الخطاب لا يقدح في منجزية العلم بعد تعلقه بالارادة الكامنة في نفس المولى إذ الخطاب لا موضوعية له في المنجزية به هو ملحوظ طريقا إلى تلك الارادة وحاكيا عنها، ولذا لو علمت الارادة المذكورة مع العلم بعدم الخطاب لمانع وجب موافقتها، كما أنه لو علم بالخطاب وعلم بعدم الارادة لم تجب الموافقة في نظر العقل فإذا كان المنجز هو العلم بالارادة فهو حاصل، ولو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ويترتب حينئذ وجوب الاحتياط فيما هو محل الابتلاء (والجواب): أن المانع من الخطاب في المقام ليس الا كونه بحيث لا يوجب تحميلا على المكلف والقاء له في كلفة التكليف، وهذا مما لا يمنع أن يكون العلم مما يترتب عليه الأثر أعني المنجزية واشتغال الذمة إذ لو ترتب عليه ذلك كان مترتبا بعينه على الخطاب ويكون به حسنا والمفروض خلافه. وبالجملة: العلم من قبيل الخطاب فالالتزام بقبح الخطاب ولغويته وعدم ترتب اثر عليه ملازم لالتزام ذلك في العلم بعينه وهو ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد كما هو

٣٠٣

* أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه

______________________________

ظاهر بادنى تأمل (قوله: ان الملاك في الابتلاء المصحح) يعني أن الميزان الذي يعرف به كون الموضوع مبتلي به وغير مبتلى به هو كون العلم به موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد إلى الترك أو غير موجب لذلك فان كان موجبا له فالموضوع مبتلي به إذ لا معنى لتحميل العبد وايقاعه في الكلفة الا التسبب إلى ايجاد ذلك الداعي العقلي إلى الفعل أو الترك فلو لم يكن موجبا لذلك الداعي فالموضوع غير مبتلي به (قوله: ولو شك في ذلك كان المرجع) يعني لو شك في الابتلاء للشك في صحة انقداح الداعي إلى ترك المعلوم بالاجمال فالمرجع فيما هو محل الابتلاء من الاطراف اصل البراءة لعدم القطع باشتغال الذمة بالمعلوم بالاجمال ليجب فيه الاحتياط من جهة الشك في الشرط، لكن لا يخفى أن الابتلاء ليس شرطا للاشتغال والتنجز العقلي بوجوده الواقعي حتى يكون الشك فيه شكا فيه بل هو شرط بوجوده العلمي فما لم يعلم الابتلاء يعلم بعدم حكم العقل بالاشتغال، فلا يخلو التعبير من مسامحة (قوله: لا اطلاق الخطاب) يعني ليس المرجع اطلاق الخطاب كما قد يظهر من كلام شيخنا الاعظم (ره) في رسائله لأن الاطلاق إنما يكون مرجعا فيما إذا احرزت صحته وشك في مطابقته للواقع وعدمها من جهة الشك في التقييد وعدمه لا ما إذا علم بمطابقته للواقع وشك في صحته وعدمها، والمقام من الثاني لما عرفت أن الموضوع الخارج عن محل الابتلاء لا قصور في ثبوت التكليف به لثبوت مقتضيه وعدم المزاحم له غاية الامر انه لا يحسن الخطاب به للغويته وعدم ترتب فائدة عليه وذلك إنما يوجب عدم صحته لانه في ظرف ثبوته لا يكون

٣٠٤

* لا فيما شك في اعتباره في حصته (١) تأمل لعلك تعرف انشاء الله تعالى (الثالث) انه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن يكون أطرافه محصورة وأن يكون غير محصورة (نعم) ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا أو زجرا فعلا وليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر فلابد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال أنه يكون اولا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة أطرافه وملاحظة أنه مع آية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلا فالبراءة لأجل الشك في

______________________________

مطابقا للواقع بخلاف سائر المطلقات مثل اكرم العالم إذا شك في تقييده بالعدالة فان الشك في التقييد المذكور إنما يوجب الشك في مطابقة اطلاق العالم الشامل للفاسق والعادل للواقع مع القطع بصحته، ولو كان غير مطابق للواقع فضمير (به) راجع إلى الاطلاق و (بشئ) متعلق بالتقييد، و (بعد) ظرف لشك، وضمير (بدونه) راجع إلى التقييد (قوله: لا فيما شك) يعني لا يتشبث بالاطلاق إذا شك في وجود ما يعتبر في صحته كالابتلاء الذي هو شرط صحة اطلاق الخطاب (قوله: أو ضرر فيها) أي في الموافقة القطعية (قوله: أو غيرهما) أي غير العسر والضرر مثل خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء (قوله: وليس بموجبة) معطوف على موجبة (قوله: ان نفسها) اي الموافقة القطعية (قوله: ولو كانت) يعني الاطراف (قوله: مع أية مرتبة) إذ قد تكون بعض مراتب الكثرة موجبة وبعض مراتبها غير موجبة (قوله: فالمتبع هو اطلاق دليل) من الواضح أن ادلة العسر والحرج والضرر مقيدة لأدلة

______________

(١) نعم لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الاطلاق وعدم بيان التقييد دالا على فعليته ووجود الابتلاء المصحح لها كما لا يخفى فافهم. منه قدس سره

٣٠٥

* التكليف الفعلي. هذا هو حق القول في المقام وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف (الرابع) أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الاطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكم واقعا. ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شئ مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال وانه (تارة) يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها فانه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ولو لم يجتنب عما يلاقيه فانه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده كشئ آخر شك في نجاسته بسب آخر.

______________________________

الاحكام الأولية وان كانت بلسان الحاكم فهي رافعة لنفس التكليف في ظرف ثبوته واقعا فمع الشك فيها يكون الشك في مطابقة الاطلاق للواقع فاصالة الاطلاق فيه حجة لولا أن الشبهة مصداقية، فالتمسك بها يتوقف على حجية اصالة العموم والاطلاق في الشبهات المصداقية. نعم تختص الشبهة في المقام بكون الأصل العقلائي فيها هو الاحتياط نظير الشك في القدرة لكون الشك في المزاحم مع احراز مقتضي التكليف وفي مثله يبني على عدم المزاحم، ومنه يظهر أنه لا يتضح الوجه في حكمه بالرجوع إلى اصالة الاطلاق ومع عدمه فالرجوع إلى البراءة إذ المرجع اصالة عدم المزاحم سواء كان هناك اطلاق أم لم يكن، وان هذا هو حق القول في المقام. فلاحظ (قوله: دون غيرها) إذ هو بعد ما لم يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه لا مقتضي للاحتياط فيه (قوله: فيما كانت الملاقاة بعد العلم) اعلم انه إذا علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين مثلا ثم علم بملاقاة اناء ثالث لأحدهما فلا ريب في انه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو صاحب الملاقى - بالفتح - فيكون حينئذ علمان يشتركان في طرف واحد وهو صاحب الملاقى - بالفتح - ويختلفان بالمتلاقيين، ومقتضى حجية العلم الاجمالي وجوب الاحتياط في

٣٠٦

الملاقي - بالكسر - كما يجب في الملاقى - بالفتح - وصاحبه (وقد) يدفع وجوب الاحتياط فيه بان التكليف بالاجتناب عنه تكليف زائد على التكليف المعلوم بالاجمال والأصل فيه البراءة (وفيه) أنه يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى الملاقى - بالفتح - فانه يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب إما عن الملاقي - بالكسر - أو عن صاحب الملاقى - بالفتح - والتكليف بالملاقى تكليف زائد يرجع فيه إلى أصل البراءة، ولا مرجح لملاحظة العلم بين الاصليين على ملاحظة هذا العلم الحادث بل التحقيق انه هنا علم واحد قائم بين المتلاقيين والطرف الآخر كما لو علم اجمالا اما بوجوب اكرام زيد وعمرو وإما بوجوب اكرام خالد الذي لا اشكال في وجوب الاحتياط التام فيه باكرام الجميع (وقد يدفع) كما قد يظهر من شيخنا الاعظم قدس سره في رسائله بان طهارة الملاقي - بالكسر - ونجاسته لما كانت من آثار طهارة الملاقى - بالفتح - ونجاسته، وكان ذلك موجبا لامتناع جريان الاصل في الأول في عرض جريانه في الثاني للسببية والمسببية الموجبة للترتب بينهما كما سيأتي انشاء الله بيانه في محله، كانت المعارضة بين اصالتي الطهارة أو استصحابهما في الاصليين لا غير، وبعد تساقطهما يرجع إلى اصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - بلا معارض (وفيه) أنه مبني على القول بأن المانع من جريان الأصل في طرف العلم الاجمالي هو المعارضة دون العلم الاجمالي المبتني على كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية الحاصلة من جريان الأصل في تمام الأطراف دون وجوب الموافقة القطعية، وقد عرفت ان التحقيق هو الثاني وحينئذ لا مجال لجريان الأصل في بعض الاطراف وان لم يكن له معارض لأن اجراءه مخالفة احتمالية مضافا إلى أن أصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - معارضة باصالة الحل في الاصليين لانها فيهما اصل مسببي يرجع إليها بعد تعارض اصالة الطهارة فيهما وبعد التعارض يرجع إلى اصالة الحل في الملاقي - بالكسر - ولازم ذلك جواز شربه وعدم ترتيب آثار الطهارة عليه. نعم لو كان مسبوقا بالطهارة أمكن في بعض الصور معارضة أصالة الحل فيهما باستصحاب الطهارة فيه وبعد التعارض يرجع إلى اصل الطهارة فيه. لكن قد يكون الأصليان مسبوقين بالحل فيتعارض استصحاب الحل فيهما باستصحاب

٣٠٧

الطهارة فيه ثم يتعارض اصل الحل فيهما بقاعدة الطهارة فيه ويرجع فيه إلى اصل الحل لا غير. فتأمل جيدا (وقد يدفع) بما يظهر من المصنف (ره) من أن العلم القائم بين الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى لما كان حادثا بعد العلم الاول لم يكن منجزا لأن احد طرفيه منجز بالعلم الأول وقد عرفت أنه إذا كان لبعض الأطراف منجز تعييني امتنع تنجيز العلم الاجمالي لمتعلقه ومن هنا لو انعكس الفرض بان تأخر العلم الاجمالي القائم بين الاصليين وجب الاحتياط في الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى - بالفتح - ولم يجب الاحتياط فيه كما بينه في الصورة الثانية، ولو اقترن العلمان زمانا وجب الاحتياط في الجميع لحدوث العلمين في اطراف غير منجزة (وفيه) انك قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن وجوب الاجتناب عن النجس إذا تعلق به العلم في زمان وبقي ممتدا بامتداد الزمان فتنجزه في كل آن يستند إلى العلم في ذلك الآن لا إلى العلم فيما قبله وحينئذ فوجوب الاجتناب عن أحد الأصليين في حال حدوث العلم الثاني يكون تنجزه مقارنا لتنجز وجوب الاجتناب إما عن الملاقي بالكسر أو عن الطرف الثالث ويكون الحال كما لو علم دفعة اما بنجاسة المتلاقيين أو بنجاسة الطرف الثالث في وجوب الاحتياط في الجميع (فان قلت): ما ذكرت من اناطة التنجز بالعلم حدوثا وبقاء هل يختص بالتكليف الممتد المنحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الزمان كوجوب الاجتناب عن النجس أو يعم ما لم يكن كذلك كوجوب صوم أول يوم من الشهر ؟ وما الموجب لهذه الدعوى ؟ (قلت): لا فرق بين القسمين فإذا علم المكلف قبل الهلال بايام أنه يجب عليه صوم أول الشهر فمجرد حدوث العلم موجب لتنجز وجوب الصوم فإذا بقي العلم بقي التنجز. إذا انتفى العلم لحدوث شك سار ارتفع التنجز، والموجب لدعوى ذلك: أنه لو كان مجرد حدوث العلم موجبا لحدوث التنجز وبقائه كان اللازم حكم العقل بوجوب الامتثال ولو بعد ارتفاع العلم بوجوب الصوم وهو ظاهر البطلان (فان قلت): كيف يكون ظاهر البطلان مع انه لو تردد اليوم الواجب الصوم بين يومين وصام أحدهما فانه يرتفع العلم وجوب الصوم مع بقاء تنجز وجوب صوم اليوم المردد، ولذا نقول بوجوب صوم اليوم الثاني (قلت):

٣٠٨

لا نسلم أنه بعد صوم اليوم الاول من اليومين يرتفع العلم بوجوب صوم اليوم المردد بل هو بعد باق حتى لو صام الثاني منهما ايضا، غاية الامر يعلم بسقوط الوجوب للعلم بالامتثال وهو لا ينافى العلم بالثبوت فبعد صوم اليوم الاول يستند تنجز صوم اليوم المردد حينئذ إلى العلم في ذلك الزمان (فان قلت): كيف يكون العلم بوجوب صوم اليوم المردد منجزا بعد صوم أحدهما أو افطاره مع أن بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء فوجوب صوم اليوم الثاني إنما يكون لقاعدة الاشتغال التي هي عين وجوب دفع الضرر المحتمل لا لأجل العلم (قلت): لا يعتبر في بقاء التنجز لبقاء العلم بقاء تمام الأطراف تحت الابتلاء وانما يعتبر ذلك في حدوث التنجز وأما وجوب صوم اليوم الثاني لقاعدة الاشتغال فهو فرع منجزية العلم في تلك الحال واشغاله لذمة المكلف ولولاه لا معنى لقاعدة الاشتغال، فوجوب الاحتياط عقلا في كل واحد من الأطراف في كل آن لأجل احتمال كون الطرف هو الواجب المنجز في ذلك الآن وهو فرع تنجز المعلوم الاجمالي بالعلم في ذلك الآن، ولا فرق في ذلك بين ما قبل الشروع في واحد من الأطراف وما بعده وان حصل احتمال الموافقة في الثاني فقاعدة الاشتغال بما هي هي ليست منجزة بل هي فرع وجود منجز وشاغل لذمة المكلف يحتمل انطباقه على مجراها، فلابد من وجود ذلك المنجز وهو العلم وإن كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء إذ لا يقدح ذلك عقلا إلا في حدوث التنجز. فتأمل (وقد يدفع) ايضا بان العلم بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو طرف الملاقى ناشئ من العلم الاجمالي بنجاسة أحد الأصليين فيكون متأخرا عنه رتبة، وحينئذ فلا يصلح لأن ينجز متعلقه لأن أحد طرفيه متنجز بالعلم السابق رتبة، ولأجل ذلك تختلف الصور في وجوب الاجتناب عن الملاقي - بالكسر - دون الملاقى - بالفتح - أو العكس أو وجوب الاجتناب عنهما باختلاف كون العلم الذي أحد طرفيه الملاقي - بالكسر - ناشئا مما كان أحد طرفيه الملاقى (بالفتح) أو العكس أو كونهما ناشئين عن سبب ثالث (وفيه) أن العلم المذكور وإن كان ناشئا عن العلم بنجاسة أحد الأصليين إلا أن العلم بالنجاسة ليس منجزا حتى يمنع تنجيزه لطرفيه من تنجيز العلم

٣٠٩

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه ايضا، ضرورة ان العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل

______________________________

الثاني لأنه علم بالموضوع وهو لا يصلح للمنجزية بل المنجز هو العلم بوجوب الاجتناب عن أحدهما الناشئ من العلم بالنجاسة وهو مما لا يكون علة للعلم بوجوب الاجتناب الذى طرفه الملاقي (بالكسر) أصلا بل هما معلولان لعلة واحدة فلا يصلح أن يكون احدهما مانعا عن منجزية الآخر، وعلى هذا فلم يتضح الوجه فيما هو المشهور من طهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، وان كان هو الذي يقتضيه المذاق الفقهي. وكأن الوجه فيه: أن السبق الزماني لأحد العلمين موجب لاستناد التنجز إليه دون اللاحق وإن قلنا بأن التنجز يستند إلى العلم حدوثا وبقاء - كما ذكرناه آنفا - إذ غاية ما يقتضي اقتران العلمين حدوث احدهما مع بقاء الآخر، لكن ذلك لا ينافي استناد التنجز عند العقلاء إلى السابق، فان الانحلال الموجب لسقوط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقيا - كما عرفت - ولا عقليا ايضا - كما يقتضيه النظر الدقيق - بل هو عقلائي، والعقلاء مع اختلاف العلمين بالسبق واللحوق لا يرون للاحق أثرا في المنجزية، لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الانضمام، وحينئذ يتعين التفصيل بين الصور - كما ذكره المصنف (ره) - ثم انه لا مجئ لشبهة معارضة أصل الطهارة في الملاقي (بالكسر) لاصل الحل في الاصليين على مسلك المصنف - رحمه الله - وما بعده لأن العلم الاجمالي بين الاصليين لما كان منجزا استند سقوط الاصول إليه فلا يرجع إلى الاصل في الملاقي بالكسر الا بعد تنجيز العلم القائم بين الاصليين المانع من جريان الاصول فيهما ففي رتبة جريان الاصل في الملاقي (بالكسر) لا مجال لجريان الاصول في الاصليين حتى تتوهم المعارضة بينهما بل تختص المعارضة على مسلك الشيخ - رحمه الله - لا غير كما ذكرنا (قوله: ومنه ظهر انه لا مجال لتوهم) يعني ما ذكره من قوله:

٣١٠

(واخرى) يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم اجمالا نجاسته أو نجاسة شئ آخر ثم حدث العلم بالملاقات والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشئ ايضا فان حال (١) الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا

______________________________

كان فردا آخر. وغرضه بهذا الكلام الاشارة إلى ما عن ظاهر ابن زهرة من أن المتنجس من شؤون نفس النجس فوجوب الاجتناب عن النجس يقتضي الاجتناب عنه وعما لاقاه نظير وجوب اكرام زيد المقتضي لاكرامه واكرام ولده وخادمه وسائر توابعه، فالخروج عن عهدة وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال يتوقف على الاجتناب عن الملاقي لاحتمال انطباقه على الملاقى (بالفتح) المقتضي وجوب اجتنابه حينئذ لاجتناب ملاقية حينئذ، ويكون الحال كما لو قسم أحد الاناءين قسمين فانه يجب الاحتياط فيهما ولا يرجع في أحدهما إلى أصل الطهارة أو غيره من الاصول النافية. وحاصل دفع المصنف - رحمه الله - له: المنع عن ذلك وان الملاقاة للنجس تقتضي تنجس الملاقي له فيحدث فرد آخر للنجس يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقى غاية الأمر ان للنجس فردين ذاتيا وعرضيا، ولذلك لا تجري أحكام النجس على المتنجس به فان نجاسة البول تذهب بالغسل مرتين وليس كذلك المتنجس به بل إما أن تذهب بالغسل مرة لو كان اطلاق أو يحتاج إلى الغسل ثلاثا لو لم يكن اطلاق. فتأمل (قوله: واخرى يجب الاجتناب) معطوف على قوله: تارة يجب الاجتناب... الخ (قوله: عما لاقاه دونه) يعني عن الملاقى (بالكسر) دون الملاقى (بالفتح) (قوله: فان حال الملاقي) يعني الملاقى (بالفتح) ووجه كون حاله في هذه الصورة حال الملاقى (بالكسر) في الصورة السابقة أنه طرف لعلم اجمالي قائم بينه وبين شئ قد تنجز بعلم سابق على هذا العلم قائم به والملاقي بالكسر فصار كأنه مشكوك بدوا لانحلال العلم الذي هو طرفه بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق، وحيث أن المصنف - رحمه الله - يدعى الانحلال الحقيقي

______________

(١) وان لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه الا من قبل ملاقاته. منه قدس سره

٣١١

(وكذا) لو علم بالملاقات ثم حدث العلم الاجمالي ولكن كان الملاقي خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلي به بعده (وثالثة) يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة انه حينئذ يعلم اجمالا اما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان (المقام الثاني): في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

______________________________

بتنجز أحد أطراف العلم قال غير معلوم النجاسة... الخ، ولو كان يرى الانحلال الحكمي لقال: ليس طرفا لعلم اجمالي منجز (قوله: وكذا لو علم) يعني يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر ايضا دون الملاقى لو علم بملاقاة اناء مثلا لآخر ثم خرج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء ثم علم اجمالا بنجاسته قبل الملاقاة أو اناء ثالث فانه حينئذ يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي بالكسر أو صاحب الملاقى بالفتح فيحدث بسببه علم بوجوب الاجتناب عن أحدهما فيجب الاحتياط فيهما والعلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح أو صاحبه لا أثر له لخروجه عن محل الابتلاء فإذا اتفق ان صار في محل الابتلاء لا يجب الاجتناب عنه لما تقدم في الملاقي بالكسر في الصورة السابقة من أنه فرد آخر مشكوك بدوا وليس طرفا لعلم اجمالي منجز. هذا وقد عرفت في الصورة السابقة الاشكال الجاري في هذين الفرضين بعينه الموجب للاحتياط فلاحظ (قوله: عنهما) يعني المتلاقيين.

الأقل والأكثر الارتباطيان

(قوله: الارتباطيين) المراد من الأكثر الارتباطي هو المركب من أمرين أو أمور يترتب عليها غرض واحد أو أغراض متعددة متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بحيث لا يترتب الأثر المقصود على بعضها الا في ظرف وجود الباقي ومن هنا لا يسقط الأمر ببعضها الا في ظرف سقوط الأمر بالباقي ويقابله الأكثر

٣١٢

(والحق) أن العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما ايضا يوجب الاحتياط عقلا باتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (وتوهم) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الاكثر بدوا ضرورة لزوم الاتيان بالاقل لنفسه شرعا

______________________________

الاستقلالي فان كل واحد من أجزائه يترتب عليه الغرض مطلقا ولو في ظرف عدم الباقي كصوم شهر رمضان فان صوم كل يوم يترتب عليه الغرض ولو مع عدم صوم بقية أيامه، وعلى هذا فلا يعتبر في محلا الكلام أن يكون الأقل ارتباطيا بل لو كان الأقل بسيطا والأكثر المركب من ذلك الأقل وغيره ارتباطيا كان محلا للكلام من حيث البراءة والاشتغال (قوله: والحق أن العلم الاجمالي بثبوت) من الواضح أن الأقل لما كان داخلا في الاكثر وبعضا منه كان الوجوب النفسي على تقدير ثبوته للأكثر ثابتا للأقل أيضا غايته أنه لم يثبت له وحده بل ثبت له مع غيره، وحينئذ فلا اجمال في المعلوم حتى يسري الاجمال إلى العلم ويحكم بأن التكليف الثابت للأقل أو الأكثر معلوم بالاجمال، بل التكليف للأقل معلوم تفصيلا وللزائد على الأقل مشكوك بدوا، وحينئذ كان اللازم على المصنف - رحمه الله - التصدي لوجه منجزية العلم بالتكليف على النحو المذكور لوجوب الأكثر، مع أن الزائد على الأقل مما لم يعلم لا تفصيلا ولا إجمالا فهو لا معلوم ولا مما يحتمل انطباق المعلوم عليه، ولا يحسن قياس العلم المذكور بالعلم الاجمالي المردد بين المتباينين لوضوح الفرق بينهما فان المعلوم بالاجمال هناك محتمل الانطباق على كل واحد من الاطراف، والمعلوم هنا معلوم الانطباق على الاقل تفصيلا وعدم الانطباق على الاكثر كذلك، ولذا لا ريب في حصول مثل هذا العلم في الاقل والاكثر الاستقلالي، مع أنه لا مجال لتوهم وجوب الاحتياط فيه باتيان الأكثر وحيثية الارتباط والاستقلال لا دخل لها في وجود العلم الاجمالي وعدمه كما هو ظاهر بأدنى تأمل. نعم لو كان بناؤه على امكان ثبوت الوجوب الغيري للأجزاء المبتني على أخذ الحدود

٣١٣

أو لغيره كذلك أو عقلا ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالاكثر (فاسد) قطعا لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الاقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه

______________________________

الذهنية في موضوع الوجوب الغيري كان اجمال المعلوم وتردده بين الاقل بشرط لا والاكثر محققا، إلا أن الذي صرح به في مقدمة الواجب خلافه وان كان قد يظهر منه هنا ارتضاؤه، كما سيأتي الاشارة إليه في وجه الانحلال. هذا ومما يمكن أن يوجه به اجمال العلم بنحو يقتضي الاحتياط أن الاقل وان كان معلوما وجوبه إلا أنه لا اطلاق له من حيث انفراده عن الزائد واجتماعه معه، بل هو مهمل من حيث الحالين، والاجمال الاحوالي كالاجمال الافرادي يقتضي عدم جواز الاقتصار على الاقل في حال الانفراد للشك في وجوبه في تلك الحال، وكأن المصنف - رحمه الله - اكتفى في وجه منجزية الاكثر بما سيأتي في نقض دعوى الانحلال. فتأمل وانتظر (قوله: أو لغيره كذلك) يعني شرعا بناء على وجوب المقدمة شرعا أو عقلا بناء على وجوبها عقلا لا غير، وهذا مبني على أخذ الحدود الذهنية في موضوع التكليف الغيري كما أشرنا إليه (قوله: فاسد قطعا) لان العلم تفصيلا بالوجوب المردد بنى النفسي والغيري للأقل ناشئ من العلم اجمالي بالوجوب النفسي اجمالا، وقد تقدم في مبحث الانحلال أن مثله لا يوجب الانحلال فراجع. نعم لو قرر الانحلال بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل بناء على ثبوت الوجوب النفسي للأجزاء - كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة - لم يكن مجال لهذا الاشكال إذ ليس لنا الا علم واحد وهو هذا العلم كما عرفت لا علمان ينشأ أحدهما من الآخر (قوله: لاستلزام الانحلال المحال) يعني الخلف (قوله: لزوم الاقل فعلا) يعني تنجز الاقل والا فلزومه واقعا لا يتوقف على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر بل يكفي فيه ثبوت التكليف واقعا إما للاقل أو للاكثر وهو معلوم فيكون لزوم الاقل إما لنفسه أو لغيره معلوما. نعم

٣١٤

الا إذا كان متعلقا بالاقل كان خلفا، مع انه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الاقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه محال (نعم) انما ينحل إذا كان الاقل ذا مصلحة ملزمة فان وجوبه حينئذ يكون معلوما له وإنما كان الترديد لاحتمال ان يكون الاكثر

______________________________

تنجز التكليف بالأقل المردد بين النفسي والغيري يتوقف على تنجز التكليف النفسي مطلقا ولو كان قائما بالأكثر إذ لو لم يكن منجزا على تقدير قيامه بالاكثر امتنع تنجز التكليف بالاقل لو كان غيريا، لأن تنجز التكليف الغيري للأقل تابع لتنجز التكليف النفسي للاكثر، فلا يمكن الحكم بتنجز الاول على تقدير ثبوته إلا في فرض تنجز الثاني فلو كان تنجز الاول يستنتج منه عدم تنجز الثاني كان خلفا للفرض (قوله: مع انه يلزم من وجوده عدمه) الضمائر البارزة راجعة إلى الانحلال (قوله: لاستلزامه عدم) يعني ان الانحلال يقتضي عدم تنجز التكليف النفسي على تقدير كونه متعلقا بالاكثر، وهو يقتضي عدم تنجز الاقل مطلقا ولو كان واجبا غيريا لما عرفت من تبعية تنجز الوجوب الغيري لتنجز الوجوب النفسي، وإذا لم يتنجز وجوب الاقل لو كان غيريا امتنع الانحلال لانه يتوقف على تنجز وجوب الأقل مطلقا. فتأمل. ثم إنك عرفت الاشارة في تقرير الاشكالين إلى أنهما يتوقفان على التلازم بين الوجوب النفسي والغيري في مرتبة التنجز كما هما متلازمان في جميع مراتب الحكم السابقة على هذه المرتبة، ولو منع ذلك لم يتم كل من الاشكالين (أما) الاول فلمنع ما ذكر في تقريره من توقف لزوم الأقل مطلقا على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر إذ لا موجب لهذا التوقف الا التلازم المذكور، فلو منع منع التوقف المذكور وجاز الالتزام بتنجيز الأقل مطلقا وعدم تنجز التكليف النفسي لو كان متعلقا بالأكثر (وأما) الثاني فلمنع قوله: المستلزم - يعني عدم تنجز التكليف على كل حال - لعدم لزوم الاقل، إذ لا موجب ايضا لهذا الاستلزام إلا ما ذكرنا من التلازم فلو منع منع الاستلزام. ثم ان نظير هذين الاشكالين يجري

٣١٥

على الانحلال الحقيقي بالعلم بالوجوب النفسي للأقل كما عرفت بيانه في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ، فيقال: يتوقف تنجز وجوب الأقل لنفسه على تنجز الاكثر لو كان هو الواجب فلا يمكن ان يترتب عدم الثاني على نفس الاول لأنه خلف كما يقال: الانحلال بالعلم التفصيلي يستلزم عدم تنجز الاكثر وهو يستلزم عدم تنجز الاقل مطلقا وهو يستلزم عدم الانحلال، وسند توقف في الاول والاستلزام في الثاني هو التلازم بين الوجوبات النفسية الضمنية في مرتبة التنجز بمعني أنه لو ثبت وجوب واحد لجملة اشياء بنحو الارتباط بينها فانه وان انحل إلى وجوبات ضمنية متعددة بتعدد تلك الاشياء إلا أنها لما كانت متلازمة في مقام الأثر والثبوت والسقوط امتنع التفكيك بينها في التنجز بحيث يتنجز بعضها ولا يتنجز البعض الآخر، فلو بني على جواز التكفيك بينها فيه جاز منع التوقف والاستلزام كما تقدم حرفا فحرفا فلاحظ. وحيث عرفت أن التحقيق والمختار للمصنف (ره) أن الأجزاء واجبة بالوجوب النفسي، فدعوى الانحلال ينبغي ان تكون بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه، وحينئذ يتوقف منع الانحلال على اثبات التلازم بين الوجوبات الضمنية النفسية. فنقول: لا تلازم بين تلازمها في مقام الثبوت والسقوط وتلازمها في مقام التنجز لاختلاف المناط في المقامين، فان المناط في تلازمها في مقام الثبوت والسقوط تلازمها في الغرض والمصلحة وجودا وعدما الذي هو الوجه في الثبوت والسقوط، والمناط في مقام التنجز هو البيان وهي غير متلازمة فيه فان العلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه إنما يصلح بيانا على وجوب الأقل لنفسه ولا يصلح بيانا على وجوب الزائد، وكيف وقد عرفت انه مشكوك محضا بحيث لا يحتمل انطباق المعلوم عليه اصلا فكيف يمكن أن يتنجز ؟ وهل يمكن دعوى كون التنجز بلا بيان ؟ وبالجملة: لابد في المقام من الالتزام باحد امور: (الاول) تنجز وجوب الزائد على الاقل بمجرد العلم بوجوب الاقل (الثاني) عدم تنجز الاقل وعدم تنجز الزائد (الثالث) التفكيك بين الاقل والزائد في التنجز، وحيث أن الاول غير ممكن لانه تنجيز بلا بيان، وكذا

٣١٦

* الثاني للعلم بجوب الاقل الصالح لمنجزيته، فيتعين الثالث، والرجوع إلى طريقة العقلاء في الاحتجاج والاعتذار يلحق ما ذكرنا بالبديهيات إذ لا ريب في صحة الاحتجاج عند ترك الاقل بالعلم بوجوبه، وفى صحة الاعتذار عند ترك الجزء المشكوك بالجهل بوجوبه. فلاحظ، ولو، بنى على كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري فان بنينا على أن العلم التفصيلي القائم على ثبوت التكليف في بعض الاطراف يقتضي انحلاله حقيقة كما هو ظاهر المصنف (ره) في مبحث الانحلال فالعلم الاجمالي بالوجوب النفسي لابد من انحلاله حقيقة حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لنفسه أو لغيره وبعد انحلاله حقيقة لا منجز لوجوب الزائد على الاقل فيدور الأمر حينئذ بين الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، ولابد من تعين الثالث منها لعين الوجه المتقدم، وان بنينا على انحلاله حكما فلابد من الالتزام به هنا لعين الوجه السابق في مبحث الانحلال وليس معنى انحلاله حكما الا عدم صلاحيته لمنجزية المعلوم بالاجمال الصالح للانطباق على الأكثر، وحينئذ فلا منجز لوجوب الاكثر اجمالا ولا تفصيلا فتنتهي النوبة أيضا إلى التردد بين المحتملات الثلاثة ويتعين الاخير منها، وبذلك يتضح لك عدم تمامية نقض الانحلال بالنحو الذي ذكره المصنف (ره) على جميع المباني (نعم هنا) شبهة اخرى تقتضي الاحتياط وهي أن العلم التفصيلي بوجوب الاقل إذا نجزه واشتغلت به ذمة المكلف لابد من الاحتياط بالاكثر لان الاقتصار على اتيان الأقل بوجوب الشك في سقوط وجوب الأقل، ومن الواضح أن الشك في السقوط مجرى لقاعدة الاشتغال فما لم يأت بالاكثر يشك في سقوط وجوب الاقل، ولابد له من إحراز سقوطه (ويمكن) الجواب عنها بأن الشك في السقوط إنما يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال لو كان منشؤه الشك في اتيان المكلف به وليس في المقام كذلك للعلم باتيان الاقل وانما منشؤه الشك في كون وجوبه استقلاليا أو في ضمن الاكثر إذ على تقدير كونه ضمنيا لا يسقط الا في ظرف سقوط وجوب الزائد المتوقف على اتيانه لتلازم الوجوبات الضمنية في الثبوت والسقوط، وعلى تقدير كونه استقلاليا يسقط بمجرد إتيان الاقل، وحيث كان منشأ الشك في سقوط وجوب الاقل ذلك لا الشك في اتيان الاقل فالمرجح فيه

٣١٧

ذا مصلحتين

______________________________

اصل البراءة (ومن) هذا يظهر لك الجواب عن الشبهة التي ذكرناها في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ الراجعة إلى اجمال الاقل المعلوم من حيث الاحوال، وحاصل الجواب: ان الانفراد مما يعلم بعدم اخذه قيدا في الاقل والا فهو خارج حينئذ عما نحن فيه ويكون الواجب حينئذ مرددا بين اخذه بشرط لا واخذه بشرط شئ بل الشك إنما هو في أخذ الاقل موضوعا للوجوب لا بشرط واخذه بشرط شئ والاتيان به وحده وإن كان يوجب الشك في وجوبه في هذا الحال فيشك في سقوط وجوبه، إلا أن منشأ الشك في سقوطه الشك في ثبوت الوجوب الملازم له لغيره وفى مثله يرجع إلى البراءة (فان قلت): هذا بعينه جاء في التردد بين وجوبه بشرط لا ووجوبه بشرط شئ لو اقتصر على الاتيان به وحده إذ الشك في السقوط ناشئ من الشك في وجوب غيره معه فليرجع فيه إلى البراءة، مع أنه لا ريب في الرجوع إلى قاعدة الاشتغال (قلت) الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ليس للشك في سقوط التكليف بذات الاقل بل للشك في سقوط التكليف بالامر المردد بين شرط لا وشرط شئ فانه يعلم اجمالا بوجوب احد الأمرين من شرط لا وشرط شئ فيتنجز المعلوم بالاجمال، فالاقتصار على ذات الاقل يوجب الشك في سقوط التكليف بذلك الأمر المردد في حصوله خارجا، فالشك في السقوط للشك في اتيان الموضوع الواجب لا لشئ آخر. فلاحظ (ثم إنه) يمكن أن يقرب الانحلال بالعلم التفصيلي بحرمة ترك الأقل بنحو لا يوقف على امكان التفكيك بين الوجوبات النفسية الضمنية أو بين الوجوب الغيري والنفسي كما كان يتوقف عليه انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل تركنا ذكره خوف الاطالة واعتمادا على ذكرنا له في الحاشية القديمة على الكتاب فليراجع وليتأمل فان المقام به حقيق واليه سبحانه نبتهل في فيض العناية والتوفيق (قوله: ذا مصلحتين) يعني غير متلازمتين بحيث يمكن انفكاك احدهما عن الاخرى فتترتب احداهما على الأقل لو اقتصر عليه وتترتبان معا على الاكثر، وهذا هو المسمى بالاكثر الاستقلالي، ولهذا كان خارجا عن محل الكلام في المقام إذ

٣١٨

أو مصلحة أقوي من مصلحة الأقل فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة بلا كلام الا انه خارج عما هو محل النقض والابرام في المقام. هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز الا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعيه الأوامر والنواهي للمصالح والمفساد في المأمور بها المنهي عنها وكون الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلابد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى

______________________________

هو في الارتباطي (قوله: أو مصلحة أقوى) يعني غير متلازمة المراتب كما تقدم.

شبهة الغرض

(قوله: هذا مع أن الغرض الداعي) هذا وجه آخر لوجوب الاحتياط (وتوضيحه): أن المشهور بين العدلية أن الأمر بالشئ ناشئ عن غرض للآمر في ذلك الشئ فيكون الامر دائما معلو لذلك الغرض، فالعلم بالأمر يستلزم العلم بالغرض لأن العلم بالمعلول يستلزم العلم بالعلة، وحينئذ فيجب بحكم العقل العلم بحصول ذلك الغرض ومع الاقتصار على فعل الاقل يشك في حصوله فلابد من الاحتياط ليحصل العلم بحصوله، فالشك في المقام راجع إلى الشك في محصل الغرض بعد الجزم بثوبته لا في أصل ثبوته مع العلم بمحصله على تقدير ثبوته كما في الشبهة البدوية والشك في المحصل موضوع لقاعدة الاشتغال لا لاصالة البراءة (قوله: بناء على ما ذهب) أما بناء على ما ذهب إليه جماعة من كون الغرض يحصل بنفس الامر لا بفعل المأمور به فلا موجب للاحتياط حينئذ للعلم بحصول الغرض بمجرد الأمر (قوله: وكون الواجبات) الظاهر أن المراد أن الواجبات الشرعية مقربات للواجبات العقلية كما يشهد به قوله تعالى: (إن الصلاة

٣١٩

* ولا وجه للتفصي عنه (تارة) بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الامر دون المأمور به (وأخرى) بان حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا باتيانها على وجه الامتثال وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة اجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ومعه لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الامر فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته

______________________________

تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي... الآية) لا أن الواجبات الشرعية واجبات عقلية لو اطلع العقل على جهاتها، والامر سهل (قوله: ولا وجه للتفصي عنه تارة) المتفصي بذلك شيخنا المرتضى (قده) في رسائله، وحاصل ما ذكره أولا: ان النزاع في البراءة والاشتغال في هذه المسألة من حيث التردد في الوجوب بين الاقل والاكثر مع التغافل عن حيثية الشك في الغرض ومقتضاها، بشهادة أن النزاع في هذه المسالة لا يختص بمذهب دون غيره بل تجري على جميع المذاهب، (قوله: وأخرى بأن حصول) هذا هو الوجه الثاني، وحاصله: ان الشك في محصل الغرض وان كان موضوعا لقاعدة الاشتغال إلا أنه حيث يمكن القطع بحصوله وهو متعذر في العبادات لاحتمال توقف حصول الغرض فيها على الجزم بالنية وهو ممتنع مع الشك والتردد في الواجب بين الاقل والاكثر فيسقط حكم العقل بوجوب الجزم بحصول الغرض ويبقى حكمه من حيث تردد الوجوب بين الاقل والاكثر الذي هو وجوب فعل الاقل للعلم بوجوبه وجواز ترك الاكثر للجهل بوجوبه (قوله: على وجه الامتثال) يعني على وجه الاطاعة (قوله: كان لاحتمال) (كان) تامة فاعلها قوله: (مجال) و (لاحتمال) متعلق بها، (قوله: اعتبار معرفة) يعني اعتبار المعرفة في تحقق الامتثال المعتبر في صحة العبادة وحصول الغرض منها (قوله: ومعه) الضمير راجع إلى احتمال الاعتبار

٣٢٠

باتيان ما علم تعلقه به فانه واجب عقلا وان لم يكن في المأمور به مصحلة ولطف رأسا لتنجزه بالعلم به إجمالا وأما الزائد عليه - لو كان - فلا تبعة على مخالفته من جهته فان العقوبة عليه بلا بيان وذلك ضرورة أن حكم العقل بالبراءة - على مذهب الاشعري - لا يجدي من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية بل من ذهب إلى ما عليه غير المشهور لاحتمال أن يكون الداعي إلى الامر ومصلحته على هذا المذهب ايضا هو ما في الواجبات من المصلحة وكونها ألطافا فافهم.

______________________________

 (قوله: باتيان ما علم) متعلق بالتخلص وضمير (تعلقه) راجع إلى الامر، وضمير (به) راجع إلى (ما علم) والمراد بما علم الأقل (قوله: مخالفته من جهته) ضمير (مخالفته) راجع إلى الأمر وضمير (جهته) راجع إلى الزائد (قوله: وذلك ضرورة) شروع في تعليل قوله سابقا: لا وجه للتفصي... الخ، وحاصل ما يرد الوجه الأول المنع من كون النزاع في المسألة من حيث التردد في التكليف من حيث الغرض ونحوه إذ لا ريب أن الحكم بالبراءة من حيث نفس التكليف يجدي عملا بالبراءة من حيث الغرض مع أن القائل بالبراءة هنا يجعلها مبني له في مقام الاستنباط للفروع وهو يذهب إلى المشهور بين العدلية، فلابد أن يكون بناؤه على البراءة من جميع الحيثيات حتى من حيث الغرض كما هو ظاهر (قوله: بل من ذهب) معطوف على قوله: (من ذهب) السابق الواقع مفعولا لقوله: (لا يجدي) يعني أن من ذهب إلى أن المصلحة في الامر لا يرى انه يجب أن تكون في الامر بل يجوز ذلك ويجوز كونها في المأمور به في قبال دعوى وجوب كونها في المأمور به، فإذا جاز عنده أن تكون في المأمور به كان الاقتصار على الأقل موجبا للشك في حصول الغرض. اللهم إلا أن يدعي أن الشك في حصول الغرض إنما يوجب الاحتياط لو كان المكلف مكلفا بتحصيله قبل الشك في حصوله وهو مما لم يحرز في المقام بعد احتمال

٣٢١

* وحصول اللطف والمصلحة في العبادة وان كان يتوقف على الاتيان بها على وجه الامتثال الا انه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الأجزاء واتيانها على وجهها كيف ولا إشكال في إمكان الاحتياط ها هنا كما في المتباينين ولا يكاد يمكن مع اعتباره. هذا مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه كذلك والمراد بالوجه في كلام من صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه ووجوب اقترانه به هو وجه نفسه من وجوبه النفسي لا وجه أجزائه من وجوبها الغيري أو وجوبها العرضي واتيان الواجب مقترنا بوجهه غاية ووصفا باتيان الاكثر بمكان من الامكان لانطباق الواجب عليه

______________________________

كونه من فعل الآمر لا المأمور، ولعله إلى هذا أشار بقوله: فافهم (قوله: وحصول اللطف والمصلحة) هذا رد على الوجه الثاني من وجهي التفصي، وحاصله: انه لا يعتبر الجزم بالنية بالنسبة إلى الأجزاء في حصول الغرض للاجماع على امكان الاحتياط في المقام كما في المتباينين ولو كان يعتبر ذلك لما كان الاحتياط ممكنا. اللهم إلا أن يكون المراد من الاحتياط الممكن هو الاحتياط في المأمور به لا في الغرض (فالاولى أن يقال): إن امتناع حصول العلم بحصول الغرض لا يمنع من وجوب الاحتياط في المقام لما عرفت سابقا من وجوبه مع الشك في القدرة، ومنه المقام كما هو ظاهر. نعم لو علم بعدم حصول الغرض من فعل الأكثر من جهة الجزم باعتبار الجزم بالنية في حصول الامتثال لما وجب الاحتياط حينئذ، لكنه خلاف الفرض (قوله: قصد الوجه كذلك) يعني قصده في كل واحد من الاجزاء كما سيشير إليه (قوله: والمراد بالوجه) هذا خلاف المحكي عن المشهور بل خلاف اطلاق معقد الاجماع المحكي عن السيد الرضي الذي اقره عليه السيد المرتضى من بطلان صلاة من صلى صلاة لا يعرف أحكامها فلاحظ (قوله: من وجوبها الغيري) قد عرفت ان الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي أصالة لا عرضا ولا بالوجوب الغيري. فتأمل (قوله: لانطباق الواجب عليه) من المعلوم أن الواجب لو كان في الواقع هو الأقل فلا ينطبق الا على نفسه

٣٢٢

ولو كان هو الاقل فيتأتى من المكلف معه قصد الوجه واحتمال اشتماله على ما ليس من أجزائه ليس بضائر إذا قصد وجوب المأتي على إجماله بلا تمييز ماله دخل في الواجب من أجزائه لا سيما إذا دار الزائد بين كونه جزءا لماهيته وجزءا لفرده حيث ينطبق الواجب على المأتي حينئذ بتمامه وكماله لان الطبيعي يصدق على الفرد

______________________________

ويمتنع أن ينطبق على الأكثر. نعم الاكثر فيه الواجب ويشتمل على الواجب لا أنه هو الواجب وحينئذ كيف يمكن فعل الاكثر مقترنا بوجهه غاية ووصفا. (فالأولى) أن يقال: ان قصد الوجه في الاجزاء أيضا ممكن لانه عبارة عن اتيان الفعل الخارجي عن ارادة فعل الواجب لوجوبه وهو حاصل لأن فعل الزائد لا يكون الا عن هذه الارادة، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، ومثله فعل كل واحد من الأطراف في الشبهة الوجوبية مع التردد بين المتباينين لكن عرفت أن هذا خلاف ظاهر معقد الاجماع. فتأمل (قوله: جزءا لماهيته وجزءا لفرده) جزء الماهية هو الذي بانتفائه تنتفي الماهية وجزء الفرد هو الذي بانتفائه ينتفي الفرد وان لم تنتف الماهية ويكون ذلك في الماهيات المشككة التي تنطبق على الكثير بعين انطباقها على القليل فالكثير كله فرد واحد كالقليل وكل جزء من الكثير جزء من الفرد وليس جزءا من الماهية لأنه بانتفائه ينتفي الكثير ولا تنتفي الماهية، وحينئذ فإذا وجبت الماهية فعند الاتيان بالفرد الكثير لابد من قصد الوجوب في كل واحد من اجزائه لان الماهية الواجبة تنطبق على الكثير بتمام اجزائه، وحينئذ فإذا تردد الشئ بين كونه جزءا للماهية وجزءا للفرد يتأتى قصد الوجوب فيه، وإن لم يعلم وجوبه بوجوب الماهية للشك في كونه جزءا من الماهية. ومما ذكرنا يظهر لك الاشكال في كون الاذكار المستحبة في الصلاة مثل القنوت والتكبير للهوي للركوع والسجود وللرفع منهما وغيرهما أجزاء صلاتية لامتناع كونها أجزاء للماهية إذ انتفاؤها لا يوجب انتفاء الماهية وامتناع كونها أجزاء للفرد لامتناع قصد الوجوب فيها اجماعا ظاهرا فكيف تكون حينئذ اجزاء صلاتية، وقد يترتب

٣٢٣

بمشخصاته (نعم) لو دار بين كونه جزءا ومقارنا لما كان منطبقا عليه بتمامه لو لم يكن جزءا لكنه غير ضائر لانطباقه عليه أيضا فيما لم يكن ذاك الزائد جزءا غايته لا بتمامه بل بسائر أجزائه. هذا - مضافا إلى أن اعتبار قصد الوجه من رأس مما يقطع بخلافه - مع أن الكلام في هذه المسألة لا يختص بما لابد أن يؤتى به على وجه الامتثال من العبادات - مع أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد والاحتمال فلا وجه معه للزوم مراعات الامر المعلوم أصلا ولو باتيان الاقل لو لم يحصل الغرض

______________________________

على ذلك أن فعلها في غير محلها لا يوجب البطلان من جهة الزيادة العمدية المستفاد قدحها في الصلاة من مثل قوله - عليه السلام - في رواية أبي بصير: من زاد في صلاته فعليه الاعادة، لعدم صدق الزيادة عليها إذا كان فعلها في غير محلها على النحو الذي يؤتى بها عليه لو فعلت في محلها. نعم لو أتي بها في غير محلها بقصد الجزئية من الصلاة كسائر الاجزاء الصلاتية من الركوع والسجود بطلت الصلاة، بل الظاهر ذلك لو أتي بها في محلها بالقصد المذكور لما عرفت من عدم كونها أجزاء صلاتية فالاتيان بها بقصد الجزئية يوجب صدق الزيادة العمدية، كما اوضحنا ذلك في الفقه فراجع (قوله: بمشخصاته) كان الاولى أن يقول: باجزائه (قوله: لما كان منطبقا) جواب (لو) (قوله: بتمامه) يعني حتى الآمر المقارن لو لم يكن جزءا، وحينئذ لا يمكن الاتيان به بقصد الوجوب لاحتمال كونه مقارنا لاجزءا فلا يكون واجبا نظير الأذكار الصلاتية التي أشرنا إليها (قوله: لانطباقه عليه) يعني لانطباق الواجب على المأتي به في الجملة لا على تمامه بل على اجزائه المعلومة (قوله: لا يختص بما) بل يجري في التوصليات التي لا يتوقف حصول الغرض فيها على قصد الامتثال فضلا عن قصد الوجه (قوله: من العبادات) بيان لما الموصولة (قوله: مع انه لو قيل باعتبار قصد) هذا اشكال على قول المتفصي: فلم يبق الا التخلص (قوله: لو لم يحصل الغرض) فانه إذا لم يحصل غرض الآمر لا يسقط الأمر والعقل انما يحكم بوجوب موافقته

٣٢٤

وللزم الاحتياط باتيان الاكثر مع حصوله ليحصل القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال لاحتمال بقائه مع الاقل بسبب بقاء غرضه. فافهم هذا بحسب حكم العقل

______________________________

لغاية سقوطه لا تعبدا فإذا لم يسقط لبقاء الغرض لا تجب موافقته عنده وهو واضح لكنه خلاف الفرض إذ الفرض الشك في حصول الغرض وعدمه فيمكن دعوى وجوب موافقة الامر حينئذ عقلا فلا يظهر توجه كلام المصنف (ره) عليه، ولعله إليه اشار بقوله: فافهم، وان كان بعيدا

الجواب عن شبهة الغرض

(قوله: لاحتمال بقائه) اي بقاء الغرض مع الاقتصار على الاقل (ثم) انه قد يجاب عن شبهة الغرض (تارة) بأن ترك الاقل مفوت للغرض قطعا بخلاف ترك الاكثر للشك في كونه مفوتا له ومع الشك في كونه مفوتا لا تعلم حرمته والاصل البراءة (وفيه) أنه يتم لو كان الثابت حرمة تفويت الغرض لا غير، اما لو كان الثابت وجوب تحصيله فمع الشك في حصوله يرجع إلى قاعدة الاشتغال التي هي المرجع عند الشك في المحصل (واخرى) بأن الاوامر الشرعية وان كانت أوامر غيرية والمطلوب النفسي هو نفس العرض إلا أن حب الغرض لما كان يلزمه كراهة تركه، وكما يحتمل أن يكون الوجه في الاوامر الغيرية هو حب الغرض يمكن أن يكون كراهة تركه بأن يكون للكراهة نحو جلوة بها كانت هي الداعي إلى الامر، وعلى التقدير الثاني لا يجب الاحتياط للشك في كون ترك الزائد تركا للغرض فيشك في كونه حراما والأصل البراءة (وفيه) (اولا) امتناع استناد الأمر الشرعي إلى كراهة ترك المصلحة وإنما يستند إلى ارادة فعلها إذ الارادة الغيرية إنما تستند إلى ارادة نفسية لا إلى كراهة نفسية كما هو ظاهر (وثانيا) أن استناد الأمر الشرعي إلى الكراهة لا أثر له في رفع وجوب الاحتياط بعد العلم بارادة المصلحة لنفسها فان هذا العلم يقتضي الاحتياط، وكون كراهة تركها لا يقتضي الاحتياط لا يجدي إذ المقام من قبيل اجتماع المقتضي واللا مقتضي، ولا ريب في كون الأثر فيه للمقتضي. فلاحظ (وقد) يجاب بأن

٣٢٥

* واما النقل (١) فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع

______________________________

الغرض إنما يجب تحصيله إذا قامت عليه الحجة وليس عليه حجة في المقام غير الأمر والمعلوم منه ليس الا ما تعلق بالأقل فهو إنما يكشف عن غرض فيه لا في الاكثر (وفيه) ان ذلك مسلم إلا أنه لا يرفع الشك في حصول الغرض القائم بالاقل بفعل الأقل لاحتمال قيامه بالزائد على الأقل معه، ولا ساد لهذا الاحتمال إلا أن تقوم الحجة على عدم وجوب الزائد ومجرد عدم الحجة على وجوبه لا يكون حجة على عدم وجوبه، فما دام احتمال وجوبه موجودا كان احتمال عدم حصول الغرض من الأقل موجودا معه ايضا (والاولى) ان يجاب بأن العلم بالغرض والمصلحة ليس له اقتضاء في نظر العقل اكثر من اقتضاء العلم بالأمر، فان كان الشك في حصوله ناشئا من الشك في وجود موضوعه فالمرجع فيه اصالة الاشتغال، وان كان الشك في حصوله للشك في مقومه وموضوعه وانه الاقل أو الاكثر فالمرجع فيه اصالة البراءة والشاهد على ذلك ما عرفت من بناء العقلاء في امثال المقام على الرجوع إلى البراءة وعدم الاعتناء باحتمال عدم حصول الغرض مع فعل الأقل. نعم لو كان نفس الغرض موضوعا للامر كما لو قال: حصل مصلحة الصلاة، كان المرجع اصالة الاحتياط لو شك في حصوله للشك في نفس وجود الموضوع، فالجواب عن شبهة الغرض يكون هو الجواب عن شبهة الشك في سقوط الأمر بفعل الأقل الذي عرفته سابقا، والله سبحانه هو العالم (قوله: وأما النقل فالظاهر ان عموم مثل) الكلام في جريان البراءة الشرعية (تارة) يكون بناء على البراءة العقلية (واخرى) بناء على الاحتياط (فعلى) الاول نقول: إن كان الوجه في انحلال العلم الاجمالي بالوجوب النفسي هو العلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه كما هو التحقيق

______________

(١) لكنه لا يخفى انه لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط وهو ما إذا علم اجمالا بالتكليف الفعلي الامر الواقعي وهو واضح البطلان. منه مد ظله

٣٢٦

قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته فبمثله يرتفع الاجمال والتردد عما تردد أمره بين الاقل والاكثر ويعينه في الاول (لا يقال): إن جزئية السورة المجهولة - مثلا - ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول والمرفوع بحديث الرفع إنما هو المجعول

______________________________

أمكن رفع الوجوب النفسي الضمني الثابت للزائد بمثل حديث الرفع لكونه مما لا يعلم، وان كان الوجه في الانحلال هو العلم الاجمالي بوجوب الأقل اما لنفسه أو لغيره أمكن رفع الوجوب النفسي الاستقلالي الثابت للاكثر بمثل الحديث المذكور لكونه أيضا مما لا يعلم وهذا واضح (وعلى) الثاني فان كان الوجه في الاحتياط امتناع الانحلال من جهة التلازم بين الوجوبات النفسية الضمنية وبين الوجوب النفسي والغيري اشكل جريان الحديث سواء كان لرفع الوجوب النفسي الاستقلالي للأكثر أم الضمني للزائد أو الجزئية، اما الاول فلانه يعارض بجريانه لرفع الوجوب النفسي للاقل والعلم الاجمالي بوجوب الأقل لنفسه أو لغيره لا يمنع من جريانه فيه لانه لا ينجز على تقدير الوجوب الغيري للاقل لارتفاع الوجوب النفسي للأكثر المانع من تنجز الوجوب الغيري للاقل - لو كان -. واما الثاني فلمنافاة جريانه لرفع الوجوب الضمني مع البناء على تنجز وجوب الاقل لنفسه لأن الجمع بينهما يوجب احتمال التفكيك، وقد عرفت انه ممتنع، ومنه يظهر الحال في الثالث إذ لا معنى لرفع الجزئية إلا رفع الوجوب الضمني المتعلق بالجزء لأن الجزئية من الاعتبارات المنتزعة من نفس الوجوب المذكور فلا معنى لرفعها الا رفع منشأ انتزاعها، وقد عرفت امتناعه لاقتضاء رفعه التفكيك بين الوجوبات الضمنية احتمالا، وقد عرفت انه ممتنع جزما، وان كان الوجه في الاحتياط شبهة الغرض، أو شبهة الشك في سقوط الامر، أو شبهة اهمال الموضوع، فلا مجال للبراءة الشرعية أيضا لعدم جريانها في امثال هذه المقامات. وبالجملة: فالتفكيك بين البراءة العقلية والشرعية في الجريان وعدمه مشكل جدا (قوله: قاض برفع جزئية) ربما ينسب إلى المصنف (ره) أن الوجه في تخصيص تطبيق الحديث على الجزئية المشكوكة دون

٣٢٧

بنفسه أو أثره ووجوب الاعادة إنما هو أثر بقاء الامر الاول بعد العلم مع انه عقلي وليس إلا من باب وجوب الاطاعة عقلا (لانه يقال): إن الجزئية وإن كانت غير مجعولة بنفسها إلا انها مجعولة بمنشأ انتزاعها وهذا كاف في صحة رفعها (لا يقال): إنما يكون ارتفاع الامر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه وهو الامر الاول ولا دليل آخر على امر آخر بالخالي عنه (لانه يقال): نعم وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه

______________________________

الوجوب النفسي للاكثر أن تطبيقه على الوجوب المذكور معارض بتطبيقه على وجوب الاقل فانه مشكوك أيضا واحتمال معارضة تطبيقه على الجزئية بتطبيقه على كلية الاقل فانها مشكوكة. مندفع بأنه لا أثر لرفع كلية الاقل إذ وجوب الاتيان به عقلا ليس من آثار كليته. لكن فيه ما عرفت من أن الجزئية من الاعتبارات المنتزعة من الوجوب فرفعها إنما يكون برفعه فإذا امتنع رفعه امتنع رفعها. فتأمل (قوله: بنفسه أو اثره) إذا لرفع فيه رفع تشريعي والرفع التشريعي إنما يتعلق بالامر الشرعي فإذا لم يكن الشئ امرا شرعيا ولا ذا اثر شرعي ليكون رفعه بلحاظه امتنع رفعه تشريعا وان كان رفعه تكوينا ممكنا إلا ان الحديث ليس متضمنا لذلك والالزم الكذب (قوله: ووجوب الاعادة) دفع توهم أن الجزئية لها اثر شرعي وهو وجوب الاعادة فيصح رفعها بلحاظه. ووجه الدفع: ان وجوب الاعادة عبارة اخرى عن وجوب اطاعة الامر بفعل المأمور به تاما بعد فعله ناقصا وهو أثر عقلي لبقاء الامر الاول، واما وجوب الاعادة شرعا فهو عين بقاء الامر وعدم سقوطه بفعل الاقل وليس أثرا للجزئية اصلا (قوله: وهو الامر الاول) المراد بالامر الاول الوجوب النفسي الثابت للاكثر، وحينئذ يكون الوجوب النفسي للاقل مشكوكا فيجري فيه الحديث ولا دليل على وجوبه حينئذ كما عرفت، وهذا مبني على وجوب الجزء لغيره اما على تقدير وجوبه لنفسه فقد عرفت انه لا يمكن رفع الوجوب النفسي الضمني

٣٢٨

* إلا أن نسبة حديث الرفع الناظر إلى الادلة الدالة على بيان الاجزاء إليها نسبة الاستثناء وهو معها يكون دالة على جزئيتها إلا مع الجهل بها كما لا يخفى فتدبر جيدا

______________________________

لامتناع التفكيك الذي هو مبنى الاحتياط العقلي (قوله: إلا ان نسبة حديث الرفع) حاصل الجواب: أن الحديث الشريف لو كان موجبا لرفع الوجوب بتمامه على تقدير ثبوته للاكثر كان اجراؤه لرفعه موجبا للشك في وجوب الاقل لاحتمال كون الوجوب ثابتا للاكثر فيكون مرفوعا، أما إذا كان موجبا لرفع خصوص الوجوب الضمني القائم بالجزء مع بقاء وجوب الباقي بحاله فالاقل يكون معلوم الوجوب حينئذ ولا يمكن اجراء الحديث لرفع وجوبه فيكون حديث الرفع محددا لوجوب الاكثر على تقدير ثبوته واقعا والوجه في هذ التحديد هو الجمع بين ما دل على جزئية كل واحد وما دل على رفع الجزئية المجهولة، فان لازم الجمع المذكور هو وجوب الاقل لانه معلوم الجزئية وعدم وجوب الزائد على لكونه مجهول الجزئية (هذا) ويمكن الخدشة فيه بأن أدلة الجزئية الواقعية إنما تفيد حكما واقعيا، وحديث الرفع ونحوه إنما يفيد حكما ظاهريا، ومن المعلوم أن احدهما ليس في عرض الآخر حتى يكون دليل احدهما بمنزلة الاستثناء من دليل الآخر، فحديث الرفع ليس مما يرفع الجزئية واقعا حتى يكون بمنزلة الاستثناء مما دل على الجزئية واقعا، بل إنما يقتضي رفعها ظاهرا، وكونه بمنزلة الاستثناء يتوقف على وفاء ادلة الجزئية بثبوتها ظاهرا في كل واحد من الاجزاء حتى مشكوك الجزئية، ولا ريب في انها لا تفي بذلك، وليست دالة إلى على الجزئية واقعا. مضافا إلى ما عرفت من ان تخصيص الوجوب الضمني الثابت الزائد بالرفع يتوقف على إمكان التفكيك في التنجز بين الوجوبات الضمنية وهو غير مبني على الاحتياط، فانه لو جاز هذا التفكيك جاز الرجوع إلى البراءة العقلية في خصوص الزائد على الأقل، ولا مجال للاحتياط العقلي فيه الذى هو المختار عند المصنف (ره)

٣٢٩

وينبغي التنبيه على أمور

(الاول) أنه ظهر مما مر حال دوران الامر بين المشروط بشئ ومطلقه وبين الخاص كالانسان وعامه كالحيوان، وأنه لا مجال ههنا للبراءة عقلا بل كان الامر فيهما أظهر، فان الانحلال المتوهم في الاقل والاكثر لا يكاد يتوهم ههنا، بداهة

______________________________

فلاحظ وتأمل (قوله: الاول انه ظهر مما مر حال) هذا شروع في حكم الشك في شرطية شئ للمأمور به وفي حكم الدوران في الواجب بين التعيين التخيير كما لو شك في كون الاقامة شرطا للصلاة، أو شك في كون الواجب في الركوع والسجود مطلق الذكر أو خصوص التسبيح (وحاصل) ما ذكر في بيان حكمهما: انه لا مجال للبراءة العقلية فيهما سواء قلنا بها في الاقل والاكثر أم لم نقل. أما على الثاني فواضح إذ المانع المتقدم من انحلال العلم الاجمالي هناك جار بعينه هنا بل بطريق اولى كما سيظهر. وأما على الاول فللفرق بين مسألة الاقل والاكثر وبين هاتين المسألتين بأن الاولى انما تكون في المركب الخارجي الذي هو واحد اعتبارا ومتعدد خارجا فان كلا من اجزاء الاكثر له وجود ممتاز في قبال غيره إذ وجود التكبير غير وجود القراءة وهما غير وجود الركوع وهي غير وجود السجود وهكذا سائر اجزاء الصلاة واجزاء غيرها من الواجبات فتمكن فيها دعوى الانحلال لو شك في جزئية الاستعاذة مثلا للصلاة إذ يعلم تفصيلا بوجوب ما عدا الاستعاذة مثلا من الاجزاء ويشك في وجوب الاستعاذة فيتنجز ما علم وجوبه ويرجع في وجوب الاستعاذة إلى البراءة عقلا، ولا تمكن الدعوى المذكورة في المقام بأن يقال: وجوب ذات المشروط أو ذات العام معلوم ويشك في وجوب التقييد بالشرط أو الخصوصية، لأن ذات المشروط - على تقدير الشرطية - ليست مما يتصف بالوجوب الغيري ليعلم بوجوبها تفصيلا إما لنفسها أو لغيرها كما في ذات الأقل، لأنها في حال وجدان الشرط عين الواجب فتكون واجبة بالوجوب النفسي، وفي حال فقدانه مباينة للواجب وليست مقدمة له لتجب بوجوب غيري

٣٣٠

* ولما لم يعلم بوجوبها تفصيلا نفسيا أو غيريا كما في ذات الاقل لم يكن وجه للانحلال، وهكذا الحال في ذات العام إذا شك في وجوب الخاص. وعمدة النكتة فيه: ان الوجوب الوارد على المشروط ليس قائما بامرين ذات المشروط وأمر آخر لتكون ذات المشرط جزءا من الواجب ويجري عليها حكم الاقل، بل ليس قائما إلا بأمر واحد وهو ذات المشروط لا غير والتقييد بالشرط ليس جزءا للواجب بل إنما يوجب تضييق دائرة الذات في مقام موضوعيتها للوجوب، فالشك في الشرطية في الحقيقة شك في ان ذات المشروط التي هي تمام موضوع الطلب موضوع له في جميع الاحوال والاطوار، أو في خصوص بعضها، فليس هناك تكليف معلوم وتكليف مشكوك كما في باب الاقل والاكثر. ومنه يظهر أنه لو بني على وجوب الجزء نفسيا - كما هو التحقيق والمختار للمصنف (ره) في مبحث مقدمة الواجب - فالانحلال بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي الذي تقدم تقريره في الاقل والاكثر غير آت هنا، إذ الشك ليس في التكليف بل في اطلاق موضوع التكليف وتقييده، ومثله الشك في التعيين والتخيير بلا فرق اصلا بينهما في هذه الجهة. نعم بينهما فرق من جهة أخرى، وهي أن ذات المشروط لا تختلف باختلاف حالي وجود الشرط وعدمه، بل هما طارئان على أمر واحد خارجي فهما من أحواله وأطواره مع حفظ ذات واحدة فيهما فان زيدا في حال علمه هو زيد في حال جهله ولا يتعدد بتعدد الاطوار والاحوال اصلا، بخلاف الجامع بلحاظ حصصه وافراده فان الانسان المتحد مع خصوصية زيد غير المتحد مع خصوصية عمرو، وليست خصوصية زيد وعمرو من قبيل الخصوصيات الطارئة على ذات واحدة، بل هو متعدد بتعدد تلك الخصوصيات لعدم كون تلك الخصوصيات احوالا لأمر واحد وطارئه على شئ فارد، بل كل خصوصية منها مقومة لحصة معينة وبها تتباين تلك المقومات، ومن هذه الجهة من الفرق يمكن ان تفترق مسألتا الشك في الشرطية والدوران بين التعيين والتخيير في الرجوع إلى البراءة والاحتياط وان اتفقتا في عدم كون الشك فيهما في التكليف النفسي الضمني، فان الشك في الشرطية لما كان راجعا إلى الشك في

٣٣١

اطلاق موضوع التكليف النفسي وتقييده كانت الذات التي هي معروض الاطلاق والتقييد ما يعلم بتعلق التكليف بها وكونها في موضوعيتها له مقيدة أمر مشكوك، وهذا الشك يوجب الشك في تعلق الامر الغيري بالشرط بحيث يلزم من تركه مخالفة التكليف المعلوم، وحيث لا بيان على ذلك فالمرجع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، والشك في التعيين لما كان راجعا إلى الشك في موضوع التكليف وانه الجامع بين الافراد أو خصوص فرد منه، ولم يكن هناك امر واحد محفوظ كان المكلف به مرددا بين المتباينين، والمرجع فيه الاشتغال (اللهم) إلا أن يقال: قد اشتهر ان مقوم العالي مقوم للسافل فالجامع لابد أن يكون موجودا ضمنا في الفرد، بل برهان الاشتراك في الأثر يقتضي وجود الجهة الجامعة بين الافراد، بل انتزاع مفهوم واحد من الافراد المتعددة يقتضي وجود منشأ الانتزاع في كل واحد منها، ولازم ذلك كله أن يكون الجامع مما يعلم تفصيلا كونه موضوعا للتكليف النفسي ويكون الشك في اعتبار الخصوصية زائدا عليه فيكون حال الشك في التعيين حال الشك في الشرطية، بل لعله حال الشك في الجزئية لكون الخصوصية الفردية مقومة للفرد المحتمل التعيين فيكون لها حظ من الوجوب النفسي فيكون الحكم فيه هو البراءة العقلية (فان قلت): ما ذكر مسلم إلا أن ما يعلم وجوده في ضمن الفرد هو الماهية المهملة المشتركة بين الماهية الشخصية - اعني الفرد - والمطلقة الصالحة للانطباق على كل فرد، والماهية المهملة غير صالحة للانطباق على غير الفرد المحتمل التعيين، وحينئذ فالماهية المطلقة مباينة للماهية المحدودة الشخصية، فإذا دار الواجب بينهما فقد تردد بين متباينين والماهية المهملة المتيقنة أمر ثالث غير كل واحد من الطرفين فتعين كونها موضوعا للتكليف النفسي لا يجدي في الانحلال بعد كون الواجب مرددا بين امرين متباينين (قلت): قد عرفت في الجواب عن بعض شبهات الاحتياط في الاقل والاكثر ان تردد الواجب بين المتباينين إنما يوجب الاحتياط إذا كان ما به الامتياز في كل واحد من المتباينين مما يقتضي التكليف حفظه، كما لو كان مرددا بين ما اخذ بشرط لا وبين ما اخذ بشرط شئ لا ما إذا تردد بين ما اخذ لا بشرط وبين ما اخذ

٣٣٢

أن الاجزاء التحليلية لا يكاد يتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا، فالصلاة مثلا في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعين وجودها في ضمن صلاة اخرى فاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متبائنة للمأمور بها كما لا يخفى (نعم) لا بأس بجريان البراءة النقلية في خصوص دوران الامر بين المشروط وغيره دون دوران الامر بين

______________________________

بشرط شئ. مضافا إلى أن الكلام هنا في الفرق بين الشك في التعيين والشك في الشرطية وما ذكر في الاول من تردد الواجب بين المتباينين وان المتيقن كونه موضوعا للتكليف هو الماهية المهملة وهي غير كل واحد منهما بعينه جار في الثاني لما عرفت من ان المتيقن مع الشك في الشرطية هو ذات المشروط مهملة والواجب مردد بين كونه مطلقا وكونه مشروطا، بل العلم التفصيلي الذي ادعي اقتضاؤه الانحلال مع الشك في الجزئية إنما قام على ثبوت التكليف لذات الاقل مهملة مع التردد في انها واجبة مع الباقي أو مطلقا فحكم مثل هذا الشك المقرون بمثل هذا العلم إن كان هو الاحتياط في المقام كان هو حكمه في الشك في الجزئية والشرطية أيضا، وان كان حكمه البراءة فيهما كانت حكمه في المقام أيضا، فلا موجب للفرق بين المقامات الثلاثة فان الجميع على نسق واحد (والتحقيق) الرجوع إلى البراءة في الجميع لما اشرنا إليه من عدم البيان الملزم لفعل الخصوصية الزائدة على الطبيعة المعلوم تعلق التكليف بها مهملة التي يعلم بحرمة تركها تفصيلا، والمقام محتاج إلى مزيد تأمل والله سبحانه هو الهادي (قوله: الاجزاء التحليلية) هي التي يحللها العقل ويميز بعضها عن بعض في مقابل الاجزاء الخارجية، والمراد من الاجزاء التحليلية في المقام ذات المشروط والتقييد وذات العام والخصوصية المفردة للعام (قوله: فالصلاة مثلا) بيان لوجه عدم الاتصاف باللزوم (قوله: موجودة بعين) يعني فلا يمكن تعلق الوجوب الغيري بها للزوم اجتماع المثلين، لكن هذا الاشكال بعينه جار في الاجزاء الخارجية، والمصحح لتعلق الوجوب الغيري بها من اخذ الحدود الذهنية جار ايضا (قوله: تكون متبائنة) يعني وليس بينهما

٣٣٣

الخاص وغيره لدلالة مثل حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته وليس كذلك خصوصية الخاص فانها إنما تكون منتزعة عن نفس الخاص فيكون الدوران بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين فتأمل جيدا

______________________________

المقدمية التي هي مناط الوجوب الغيري وإلا فمحض المباينة غير كاف في المنع إذ المقدمة لابد ان تكون مباينة كما هو ظاهر، ولكن يمكن ان يقال: إن مناط المقدمية في الجزء حال عدم اجتماع تمام الاجزاء ليس إلا كونه بحيث لو انضم إليه بقية الاجزاء لالتأم منه الكل وهو بعينه موجود في الصلاة الفاقدة للشرط إذ لو انضم إليها تمام ما يعتبر في المشروط لكانت عين المشروط. نعم لا تم ذلك في المقامين معا لو بني على اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة، لكنه غير مختار المصنف (ره). فتأمل (قوله: لدلالة مثل حديث الرفع على) قد تقدمت الاشارة إلى أن الجزئية منتزعة من الوجوب الضمني القائم بالجزء فرفعها إنما يكون برفعه. أما الشرطية فان كانت منتزعة من تقييد المشروط بالشرط في رتبة سابقة على التكليف لم تكن شرعية ولا يمكن رفعها بحيث الرفع، وان كانت منتزعة من تعلق التكليف بالمقيد بالشرط كانت شرعية وكان رفعها برفع التكليف المذكور، لكن إن بنينا على الانحلال فلا اشكال إذ يكون رفعها برفع الخصوصية القائمة بالمقيد الموجبة لانتزاع اضافة الشرطية، أما بناء على عدم الانحلال كما يرى المصنف (ره) فيشكل رفع الخصوصية المذكورة لما تقدم في رفع الجزئية لعدم الفرق بين المقامين في هذه الجهات (قوله: منتزعه عن نفس الخاص) يعني لا من أمر خارج عنه حتى تكون نظير خصوصية الشرط بل هي منتزعة من نفس الخاص فتكون مقومة لنفس الواجب فيدور الأمر بين وجوب الخاص ووجوب العام فيكونان من قبيل المتباينين، لكن عرفت أن خصوصية الخاص وان كانت مقومة للخاص إلا أن الخاص لما كان متقوما بالعام ولو كان بنحو الطبيعة المهملة فالدروان بين وجوب الخاص ووجوب العام ملزوم لليقين بوجوب العام في الجملة

٣٣٤

* (الثاني) انه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شئ أو شرطيته في حال نسيانه عقلا ونقلا ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية فلو لا مثل حديث الرفع مطلقا و (لا تعاد) في الصلاة يحكم عقلا بلزوم اعادة ما أخل بجزئه أو شرطه نسيانا كما هو الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا

______________________________

ويكون الشك في وجوبه مطلقا أو وجوب الخصوصية، ففي الحقيقة يكون الدوران بين الاطلاق والتقييد من حيث الافراد وهو كالدوران بين الاطلاق والتقييد من حيث الأحوال كما في الشك في الشرطية أو بين الاهمال والاطلاق من حيث الأحوال كما في الشك في الجزئية، وتباين صور المفاهيم في الجميع حاصل، فان كان مثله مانعا عن إعمال البراءة الشرعية فليكن كذلك في الجميع، وان لم يكن مانعا في بعضها لم يكن مانعا في الباقي. فتأمل جيدا والله سبحانه هو الهادي، (قوله: إذا شك في جزئية شئ) اعلم أن الكلام في الناسي (تارة) يكون في ناسي الجزئية مع الالتفات إلى ذات الجزء (وأخرى) في ناسى نفس الجزء (اما) حكم الأول فهو انه لا ريب في معذوريته في حال النسيان عقلا في ترك الجزء، وأما بعد الالتفات إليها فصحة المأتي به والاكتفاء به يتوقف على قيام دليل بالخصوص عليه، ولا ينبغي التأمل في دلالة حديث: لا تعاد الصلاة، عليه، لكنه مختص بالصلاة، واما حديث رفع النسيان فيشكل جريانه لاثبات ذلك سواء كان مفاده مفاد حكم العقل من المعذورية ورفع التنجز، أم رفع وجوب التحفظ أم رفع الجزئية حقيقة برفع الوجوب الضمني القائم بالجزء. إذ الأول ليس إلا حكم العقل بمعذورية الناسي وهو أعم من صحة الناقص، ومثله الثاني غاية الأمر أنه يقتضي نفي المؤاخدة على الناسي ولو كان نسيانه عن تقصير. واما الثالث فمع انه يشكل في نفسه باقتضائه اختصاص الوجوب الضمني بالملتفت مع ان الأحكام الواقعية مشتركة بين الملتفت والناسي اشتراكها بين العالم والجاهل اجماعا وللزوم الدور المشهور فتأمل، بل لزوم الخلف لأن عنوان نسيان الجزئية إنما يعتبر في فرض الجزئية حال

٣٣٥

النسيان فلا يمكن أن يكون رافعا لها، لا يجدي في اثبات صحة الناقص فان نسيان الجزئية وان كان لا يقتضي في نفسه إلا رفع نفس الوجوب الضمني الذي هو منشأ انتزاع الجزئية إلا أن رفع الوجوب المذكور لما كان ملازما لرفع وجوب الناقص لتلازم الوجوبات الضمنية في مقام الثبوت والسقوط كان تطبيقه لرفع الوجوب الخاص بالجزء دالا بالالتزام على ارتفاع وجوب الباقي، وليس في الحديث الشريف دلالة على ثبوت الوجوب للناقص لأنه رافع وليس فيه شائبة الوضع (فان قلت): الأدلة الواقعية دالة على ثبوت كل واحد من تلك الوجوبات الضمنية، وحديث الرفع لا يصلح للحكومة عليها الا من حيث دلالتها على وجوب الجزء المنسي جزئيته فترفع اليد عن دلالتها عليه ولا وجه لرفع اليد عن دلالتها على ثبوت بقية الوجوبات (قلت): لا ريب في دلالتها على ثبوت كل واحد من تلك الوجوبات لكنها تدل مع ذلك على انها وجوبات ضمنية لا استقلالية وبواسطة دلالتها على الضمنية يكون الحديث دالا بالمطابقة على رفع خصوص الوجوب الضمني القائم بالجزء المنسية جزئيته وبالالتزام على رفع الوجوب الباقي، فهو يعارض الأدلة الواقعية في تمام مدلولها ولازم تقديمه عليها سقوط حجيتها في تمام ايضا، وحينئذ فلا دليل على صحة الناقص المأتي به ولازم ذلك وجوب الاعادة بعد الالتفات لعموم دليل التكليف الواقعي بالتام ورفع اليد عنه حال النسيان لا يمنع من وجوب الأخذ به بعد الالتفات، واما وجوب القضاء خارج الوقت فيتوقف على اقتضاء دليله ذلك، وقد تقدم في مبحث الإجزاء بعض الكلام فيه فراجع.

نسيان الجزء

(وأما) نسيان الجزء فالكلام فيه (تارة) فيما لم يقم دليل من عموم أو اطلاق على جزئية المنسي في حال نسيانه بناء على امكان التفكيك بين الناسي للجزء وغيره في الجزئية (وأخرى) فيما لو قام (اما) الكلام في الاول فظاهر المصنف - رحمه الله - هو الاحتياط العقلي والبراءة الشرعية، وكأن الوجه في

٣٣٦

الأول ما دل على الاحتياط عقلا مع الشك في الجزئية، وفى الثاني ما دل على البراءة الشرعية لعدم الفرق بين الشك في جزئية المنسي بعد الالتفات والشك في أصل الجزئية. ويمكن الخدشة فيه بالفرق بين المقامين بحدوث الشك بعد فعل الاقل فالعلم الاجمالي بوجوب المردد بين الاقل والاكثر لا يوجب الاحتياط لحصوله بعد الامتثال في أحد الاطراف، ومثله لا ينجز كما لو علم بوجوب صوم أمس أو غد، ومثله الاستصحاب التعليقي لأنه كان لو التفت وجب عليه فعل المنسي فكذا بعد الالتفات، لأن الملازمة فيه ليست شرعية، نعم لو بني على الاحتياط في المسألة السابقة من جهة الشك في حصول الغرض أو الشك في سقوط الامر المتعلق بالأقل لزم البناء عليه هنا ايضا لذلك كما يمكن البناء على الاحتياط لاستصحاب التكليف بالجزء المنسي الثابت قبل نسيانه، لكنه مختص بما إذا طرأ النسيان في الاثناء بعد التكليف بالتمام دون ما لو كان النسيان من أول الامر لعدم اليقين المصحح للاستصحاب، بل ومبني على عدم اقتضاء حديث رفع النسيان رفعه حقيقة، والا فهو حاكم على الاستصحاب للعم بارتفاع الحالة السابقة. ثم لو تم الاستصحاب المذكور فلا مجال للبراءة الشرعية لحكومته عليها كما سيأتي، ولا فرق بين حديث الرفع وغيره من أدلتها. نعم قول أبي جعفر - عليه السلام - لزرارة: لا تعاد الصلاة الا من خمسة.. الخ مقدم على الاستصحاب بل وسائر أدلة الجزئية المقتضية للاعادة. ومن هذا يظهر لك أن المراد من حديث الرفع في كلام المصنف - رحمه الله - رفع ما لا يعلمون لا رفع النسيان لأن محل كلامه صورة الشك في الجزئية حال النسيان ورفع النسيان إنما يجري في صورة العلم بالجزئية لولاه. نعم يبقي الاشكال على المصنف - رحمه الله - في إعمال حديث: لا تعاد، في صورة الشك وليس موضوعه ذلك إذ هو نظير رفع النسيان موضوعه الجزء المعلوم الجزئية، وليس هو من الاحكام الظاهرية فتأمل جيدا، (وأما) الكلام في الثاني فيظهر الحال فيه مما سبق إذ مقتضى قيام الدليل على الجزئية حال النسيان وجوب الاعادة وعدم الاكتفاء بالناقض إلا أن يقوم دليل

٣٣٧

* نصا أو إجماعا. ثم لا يذهب عليك أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال بمثل حديث الرفع كذلك يمكن تخصيصها بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية

______________________________

بالخصوص على الاكتفاء به، ولا ريب في اقتضاء حديث: لا تعاد الصلاة. ذلك في خصوص الصلاة، وأما حديث رفع النسيان فقد عرفت الكلام فيه في نسيان الجزئية وأنه لا يدل على صحة الناقص والاكتفاء به بوجه. فراجع وتأمل (قوله: نصا) كالخمسة المذكورة في حديث لا تعاد (قوله: أو اجماعا) كتكبيرة الافتتاح وسائر الأركان (قوله: كذلك يمكن تخصيصها بهذا) شروع في امكان التفكيك بين ناسي الجزء والملتفت إليه في الواجب، خلافا لشيخه (ره) حيث بنى على امتناعه - كما سيشير إليه - (وتوضيح) الاشكال: أنه إذا قام دليل على جزئية شئ ولم يكن له اطلاق يشمل حال نسيان الجزء وجب الحكم بجزئيته في ذلك الحال لأنه لو لم يكن جزءا في حال النسيان يلزم أن يكون الملتفت مكلفا بالتام الشامل لذلك الجزء والناسي مكلفا بالناقص الخالي عن ذلك الجزء، وهذا التنويع محال لامتناع جعل عنوان الناسي موضوعا لكل خطاب، إذ الغرض من الخطابات ليس الا البعث والزجر وهو لا يترتب على خطاب الناسي، لأن تأثيره في البعث يتوقف على علم المكلف بانطباق عنوانه عليه وعلمه بانطباق عنوان الناسي عليه يوجب التفاته إلى المنسي فينتفي عنه العنوان المذكور، فلا يترتب الغرض المذكور على خطاب موضوعه الناسي أصلا، فيكون محالا. وقد أجاب المصنف - رحمه الله - عنه بان التفكيك بين الناسي والملتفت في جزئية المنسي وعدمها لا يتوقف على جعل الناسي موضوعا للخطاب ليرد المحذور، بل يمكن أن يكون على أحد وجوه (الأول) أن يجعل عنوان المكلف الشامل للملتفت والناسي موضوعا للخطاب بما عدا المنسي من الاجزاء لا غير، ثم تكليف الملتفت بالمنسي فالملتفت الآتي بالتمام آت بما هو المأمور به والناسي الآتي بالناقص ايضا آت بما هو مأمور به (فان قلت): أخذ الالتفات قيدا في موضوع الخطاب بالجزء

٣٣٨

محال لان الالتفات متأخر عن الحكم فكيف يؤخذ في موضوعه (قلت): ذاك في الالتفات إلى الحكم لا في الالتفات إلى الموضوع، والثاني هو محل الكلام (الثاني) أن يكلف الملتفت بالتمام والناسي بالناقص ولكن لا بعنوان الناسي بل بعنوان ملازم له مثل ضعيف الدماغ أو رطب الدماغ أو نحو ذلك (الثالث) أن يكلف الملتفت بالتمام ولا يكلف الناسي بشئ ولكن يصح فعله للناقص لاشتماله على المصلحة ويكفي في بعثه إلى الناقص اعتقاده توجه أمر الملتفت إليه فيأتي بالناقص بداعي موافقة أمر الملتفت بالتمام، وهذا الوجه الاخير ذكره المصنف (رحمه الله) في حاشيته على الرسائل، والوجهان الاولان وان كان لا بأس بهما في مقام الثبوت إلا انهما خلاف ما عليه الادلة الدالة على الجزئية وعدمها بالاضافة إلى الملتفت والناسي، فان الجمع بين الادلة الدالة على الجزئية وبين حديث: لا تعاد الصلاة ونحوه مما دل على صحه صلاة الناسي إذا ترك ما عدا الاركان يقتضي اطلاق جزئية الاركان وثبوتها في حالي الالتفات إليها والنسيان وتخصيص جزئية كل جزء جزء عداها بالالتفات إليه، فما التفت إليه منها فهو جزء وما لم يلتفت إليه فليس بجزء، فالملتفت والناسي لابد أن يشتركا في الامر بالأركان وقد يشتركان في الأمر بما عداها إذا لم يكن موضوعا للنسيان فيختلف أمر الناسي سعة وضيقا باختلاف حال النسيان من حيث طروئه على تمام ما عدا الاركان أو على بعضه كثيرا أو قليلا. ومنه يظهر لك عدم تمامية الوجه الاخير (اولا) من جهة انه لابد من أمر الناسي بالاركان وبالمقدار الملتفت إليه من الاجزاء زائدا عليها لوجود المقتضي وهو المصلحة في فعله وعدم المانع (وثانيا) من جهة أن اطاعة أمر الملتفت لا توجب عبادية فعله بعد ما لم يكن فعله موضوعا له إلا أن يكون من باب الاشتباه في التطبيق. فتأمل. كما منه يظهر أن فعل الناسي انما كان عبادة وطاعة لامره المتعلق به وليس له في ذلك خطأ واشتباه، بل كما هو غافل عن كونه ناسيا غافل عن كونه ملتفتا. نعم هو ملتفت إلى ما فعله من الاجزاء كالملتفت إلى تمام الاجزاء وليس الاختلاف بينه وبين الملتفت الا غفلته عن الجزء المنسي والتفات الملتفت إليه الذي هو معنى كونه

٣٣٩

كما إذا وجه الخطاب على نحو يعم الذاكر والناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقا وقد دل دليل آخر على دخله في حق الذاكر أو وجه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسي كي يلزم استحالة ايجاب ذلك عليه بهذا العنوان لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة كما توهم لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر وايجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي فلا تغفل (الثالث) أنه ظهر مما مر حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو شطرا في الواجب

______________________________

ناسيا في قبال الملتفت. وهذا الذي ذكرناه قريب مما ذكره المصنف (ره) اولا. فلاحظ وتأمل (قوله: كما إذا وجه الخطاب) هذا هو الوجه الاول (قوله: بالخالي) متعلق بالخطاب (قوله: مطلقا) يعني حتى في حق الناسي (قوله: أو وجه إلى) هذا هو الوجه الثاني) قوله: بهذا العنوان) يعني عنوان الناسي (قوله: لخروجه) تعليل للاستحالة، (قوله: كما توهم لذلك) يعني لاجل استحالة خطاب الناسي بعنوان النسيان توهم بعض استحالة تخصيص الجزئية بحال الذكر وانما كان توهما لعدم التلازم بين استحالة الخطاب على النحو المذكور واستحالة التخصيص المذكور لما عرفت (قوله: حال زيادة الجزء) اعلم أنه الجزء المعتبر في المركب يمكن اعتباره على أحد وجوه، فتارة يعتبر بنحو صرف الوجود المضاف إلى نفس الجامع بين الأفراد الذي هو نقيض عدمه، وأخرى يعتبر بشرط لا - يعني شرط ان لا يتكرر الوجود - وثالثة بشرط شئ - أي بشرط أن يتكرر وجوده - ورابعة بنحو يصدق على القليل والكثير المتدرج كما في موارد التخيير بين الأقل والأكثر كما في التسبيح في الركوع والسجود بناء على كون تمام التسبيح المتعدد واجبا، ثم إن عنوان زيادة الجزء انما يصح انتزاعه في الصورتين الأوليين دون الأخيرتين لأن الزيادة عبارة عن كون الوجود مما لا يترتب عليه أثر مقصود مرغوب،

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617