حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 209484
تحميل: 4838


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209484 / تحميل: 4838
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها فلا ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات ولا الزوجية من جواز الوطء وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود والايقاعات فانقدح بذلك ان مثل هذه الاعتبارات انما تكون مجعولة بنفسها يصح انتزاعها بمجرد انشائها كالتكليف لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه (وهم ودفع) (أما الوهم) فهو ان الملكية كيف جعلت من الاعتبارات الحاصلة بمجرد الجعل والانشاء التي تكون من خارج المحمول حيث ليس بحذائها في الخارج شئ

______________________________

مع أن المقصود منه ذلك ولزم ترتب الآثار على الانشاء وليس هو المقصود منه. والاولى في الاستدلال لذلك بأن الآثار في لسان أدلتها محمولات على نفس العناوين المذكورة فلابد أن تكون متاخرة عنها رتبة تأخر الحكم عن موضوعه فلو كانت منتزعة عنها لزم الدور فتأمل (قوله: كما لا ينبغي ان) متعلق بقوله: لا يكاد يشك (قوله: صحة انتزاعها) اي الحجية واخواتها (قوله: يصح انتزاعها بمجرد) بل المنقدح عدم توقف اعتبارها عند الاعقلاء على الانشاء بل المصحح للانشاء هو المصحح للاعتبار فالانشاء عندهم في عرض الاعتبار لا من علله ومباديه. نعم ربما يكون ذلك عند الشارع كما ربما لا يكفي مجرد الانشاء عنده بل لابد من كونه بنحو خاص، وقد ذهب المشهور إلى تحقق الفسخ بمجرد التصرف مع انه غالبا لا يكون بقصد الانشاء، كما ذهب جماعة بل لعله المشهور إلى تحقق الرجوع في الطلاق بمجرد فعل ما يناسب الزوجية وان لم يكن بقصده، وربما يقتضيه بعض النصوص أيضا والمقام محتاج إلى مزيد التأمل (قوله: حيث ليس بحذائها) تعليل لكونها من خارج المحمول لأن المراد بما كان خارج المحمول ما ليس بحذائه شئ في الخارج ويقابله المحمول بالضميمة وهو ما يكون بأزائه شئ في الخارج سواء كان موجودا في الخارج كالسواد والبياض ام هو بنفسه في الخارج كالفوقية والتحتية. وحاصل التوهم: أن المحمول بالضميمة يمتنع اعتباره بمجرد الانشاء بل لابد في اعتباره من تحقق ما بازائه في الخارج الذي يكون عن علله الخاصة، والملكية من المحمول بالضميمة

٤٤١

وهي إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا يكاد تكون بهذا السبب بل بأسباب أخر كالتعمم والتقمص والتنعل، فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك وأين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه ؟ (وأما الدفع) فهو أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك ويسمى بالجدة أيضا واختصاص شئ بشئ خاص وهو ناشئ إما من جهة إسناد وجوده إليه ككون العالم ملكا للباري جل ذكره، أو من جهة الاستعمال والتصرف فيه ككون الفرس لزيد بركوبه له وسائر تصرفاته فيه، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختياره بيده كملك الاراضي العقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا وعرفا، فالملك الذي يسمي بالجدة ايضا غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ من سبب اختياري كالعقد أو غير اختياري كالارث ونحوهما من الاسباب الاختيارية وغيرها، فالتوهم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا، والغفلة عن أنه بالاشتراك بينه وبين الاختصاص الخاص والاضافة الخاصة الاشراقية كملكه تعالى للعالم أو المقولية كملك غيره لشئ بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد أو غيرهما من الاعمال

______________________________

فكيف يصح اعتبارها بمجرد الانشاء ؟ (قوله: وهي إحدى) يعني الملكية (قوله: بهذا السبب) يعني بالانشاء (قوله: بل باسباب) وهي علل تحقق ما بازائه في الخارج (قوله: كالتعمم) تمثيل للملكية (قوله: أيضا) يعني كما يسمى بالملك (قوله: واختصاص) معطوف على (ذلك) فانه المعني الثاني للملك (قوله: مع من اختياره بيده) متعلق ب‍ (العقد) والمراد بالموصول السلطان علي التصرف بالموضوع المملوك سواء كان مالكا ام غيره (قوله: غير الملك الذي) قد عرفت ان هذا غير ثابت بل الظاهر انه هو هو غاية الامر أن إنشاءها ليس على الحقيقية بل بنحو الادعاء ولا تخرج بذلك عن كونها اعتبارية لان الوجود الادعائي نوع من الاعتبار، وقد عرفت في مبحث

٤٤٢

فيكون شئ ملكا لاحد بمعنى ولآخر بالمعني الآخر فتدبر. إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ماله الدخل في التكليف إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل لعدم كونه حكما شرعيا ولا يترتب عليه أثر شرعي والتكليف وان كان مترتبا عليه إلا أنه ليس بترتب شرعي (فافهم) وانه لا اشكال في جريان الاستصحاب في الوقع المستقل بالجعل

______________________________

الامران صيغ الطلب مثل (قم) و (اقعد) وغيرهما تستعمل لانشاء المادة على نحو الادعاء (قوله: فيكون شئ) تفريع على اختلاف معنى الملك فان الغاصب التي تكون بيده العين مالكها بمعني الجدة ومالكها غيره بمعنى الاختصاص (قوله: ماله الدخل في التكليف) يعني القسم الاول من اقسام الوضع حسبما ذكره (قدس سره) لأنه منتزع من الخصوصية الموجودة في الموضوع وهي ليست اثرا شرعيا ولا موضوعا لأثر شرعي. أما الاول فلانها امر واقعي ذاتي. وأما الثاني فلأن ما يتوهم كونه اثرا لها شرعا ليس الا ترتب التكليف وجودا أو عدما، ومن المعلوم أن الترتب المذكور من قبيل ترتب المعلول على علته ذاتي لا يكون بجعل تشريعي حتى يكون امرا شرعيا. هذا ولكن قد عرفت ان اطلاق السبب على سبب التكليف مسامحة، وانما هو داع لتعلق الارادة بالتكيف فالتكليف مسبب عن الارادة لا عنه ولا الارادة عنه لانه بوجوده الاعتقادي العلمي داع إلى التكليف لا بوجوده الواقعي، وحينئذ فالتكليف المنوط به شرعي فيكون موضوعا لأثر شرعي إذ ليس المقصود من كون الشئ موضوعا للاثر الا كونه طرف اضافة ما بينه وبينه. والا اشكل جريان الاستصحاب في عامة الموضوعات الشرعية إذ ليس ترتب التكليف عليها الا لخصوصية فيها اقتضت ترتب التكليف عليها، وهل يصح دعوى الفرق بين قوله: المستطيع يجب عليه الحج، وقوله: ان استطعت يجب عليك الحج، فيجري الاستصحاب في الاول لو شك في بقاء المستطيع على ما هو عليه من الخصوصية المقتضية للحكم ولا يجري في الثاني ؟ مع أنه لو تم ذلك لم ينفع كون السببية مجعولة للشارع الاقدس

٤٤٣

حيث انه كالتكليف وكذا ما كان مجعولا بالتبع فان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه، وعدم تسميته حكما شرعيا - لو سلم - غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعا. نعم لا مجال لاستصحابه لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه (فافهم). ثم: إن ههنا تنبيهات (الأول) أنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلا ولو فرض أنه يشك لو التفت ضرورة أن الاستصحاب وظيفة الشاك ولا شك مع الغفلة أصلا

______________________________

في صحة استصحابها ايضا لأن اقتضاءها للحكم ايضا لابد أن يكون عن خصوصية فيها مقتضية له فيمنع ذلك عن صحة استصحابها، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم، وسيأتي في الاستصحاب التعليقي ماله نفع في المقام انشاء الله تعالى (قوله: حيث انه كالتكليف) كونه كالتكليف في كونه مجعولا لا يجدي في صحة الاستصحاب بعد الفرق بينهما في ان التكليف موضوع للعمل المصحح للتعبد وليس هو كذلك الا بلحاظ أثره وترتب أثره عليه انما هو لخصوصية فيه تقتضيه ذاتا والاقتضاء المذكور بعد ما لم يكن شرعيا لا يصح التعبد بلحاظه كما قرره في النوع الاول. فتأمل (قوله: ما كان مجعولا) هو القسم الثاني (قوله: لا مجال لاستصحابه لاستصحاب) يعني لا يصح استصحابه لأن الاستصحاب الجاري في سببه وهو نفس الحكم حاكم عليه كما سيأتي في الاصل السببي والمسببي انشاء الله تعالى (قوله: فافهم) لعله إشارة إلى ما يمكن أن يخدش به جريان الاستصحاب في الامور الاعتبارية المحضة حيث انها ليست موضوعا للعمل الا بلحاظ الآثار وهي ليست في الحقيقة موضوعا لها لأنها لما كانت اعتبارية محضة امتنع ان تكون ذوات آثار فالآثار في الحقيقة لمنشا الانتزاع لأنه امر حقيقي موضوع للمصلحة والمفسدة وغيرها من علل الأحكام والآثار. فتأمل

٤٤٤

فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلى

______________________________

التنبيه الاول

(قوله: فيحكم بصحة صلاة) هذا تفريع على ما ذكره من اعتبار اليقين والشك الفعليين في جريان الاستصحاب وعدم كفاية الوجود التقديري لهما (وتوضيحه): أن المكلف لو تيقن الحدث في زمان معين ثم غفل وصلى فهنا صورتان (الأولى) أن يعلم بعدم حصول الطهارة له ولا اشكال في بطلانها حينئذ (الثانية) أن يحتمل حصولها له وهذه على نحوين (الأول) أن لا يحدث له الشك في الطهارة إلا بعد الفراغ من الصلاة بأن تستمر غفلته عن الطهارة إلى أن يفرغ من الصلاة ثم يشك بعدها أنه تطهر قبل الصلاة ام لا ؟ والحكم فيه الصحة لأن الشك التقديري لما لم يكن موضوعا للاستصحاب لم يكن المصلي محكوما بالحدث الاستصحابي إلى ما بعد الفراغ فتصح صلاته، وبعد الفراغ لا مجال لاستصحاب الحدث حال الصلاة وان حصل له الشك الفعلي لحكومة قاعدة الفراغ عليه (الثاني) أن يحدث له الشك في الطهارة قبل الصلاة، ثم يغفل فيصلي فيتجدد له الشك بعد الفراغ، وهذا أيضا على نحوين (الاول) أن يحتمل أن يكون قد تطهر بعد الشك والحكم فيه الصحة ايضا إذ ليس الشك بأصعب حكما من اليقين، وقد عرفت في النحو الاول أن حكمه الصحة (الثاني) أن لا يحتمل الطهارة بعد الشك بل يحتمل الطهارة قبل الشك الاول فيكون شكه المتجدد بعد الفراغ هو الشك الاول بعينه، والحكم فيه البطلان لأن الشك لما حدث قبل الصلاة كان محكوما في زمان حدوثه بأنه محدث فتكون صلاته بالحدث الاستصحابي فتبطل كما لو كان بالحدث الواقعي، ولا مجال لقاعدة الشك بعد الفراغ لأن موردها حدوث الشك بعد الفراغ فلا تشمل صورة حدوثه قبله كما في الفرض. ومثله لو شك قبل الصلاة وبقي شاكا إلى ما بعد الفراغ. هذا ولكن في تفريع الحكم بالصحة في الصورة الاولى وبالبطلان في الصورة الاخيرة على اعتبار الشك الفعلي في

٤٤٥

ثم شك في انه تطهر قبل الصلاة لقاعدة الفراغ، بخلاف من التفت قبلها وشك ثم غفل وصلى فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي (لا يقال): نعم ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها (فانه يقال): نعم لولا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها (الثاني) أنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شئ على تقدير ثبوته وإن لم يحرز

______________________________

الاستصحاب وعدم الاكتفاء بالتقديري نوع غموض، لأنه لو بني على كفاية الشك التقديرى لا يمكن القول بالبطلان في الصورة الأولى لقاعدة الفراغ، كما أنه لو بني على اعتبار الشك الفعلي يمكن القول بالبطلان في الصورة الاخيرة لحصول الشك الفعلي بعد الفراغ وهو كاف في اثبات الحدث ظاهرا في حال الصلاة فيثبت البطلان لولا قاعدة الشك بعد الفراغ، فينبغي ابتناء الصحة والبطلان في الفرضين على جريان قاعدة الفراغ وعدمه، فان جرت فيهما فالحكم الصحة، وان لم تجر فيهما فالحكم البطلان، وان جرت في احدهما دون الآخر فاللازم التفصيل بينهما (قوله: ثم شك) يعني بعد الفراغ (قوله: لقاعدة الفراغ) تعليل للصحة (قوله: مع القطع بعدم) هذا خلاف فرض اعتبار فعلية الشك فانه إذا فرض كونه في حال الصلاة غافلا فليس بشاك فلا يحكم عليه بأنه محدث ظاهرا لا في حال الصلاة ولا فيما قبله لان التعبد بالحدث في كل زمان من الأزمنة فرع كونه شاكا في بقائه فيه والمفروض عدمه فالاستدلال بناء على ما عرفت بدعوى القطع بعدم الحدث الاستصحابي لا القطع بعدم رفعه. فلاحظ (قوله: لا يقال نعم) هذا إشكال على الحكم بالصحة في الفرض الاول.

التنبيه الثاني

(قوله: هل يكفي في صحة الاستصحاب) إعلم إنه إذا قامت الامارة

٤٤٦

ثبوته فيما رتب عليه أثر شرعا أو عقلا ؟ إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين ولابد منه بل ولا شك فانه على تقدير لم يثبت ومن أن اعتبار اليقين إنما هو لأجل أن التعبد والتنزيل شرعا إنما هو في البقاء لا في الحدوث فيكفي الشك فيه على تقدير الثبوت فيتعبد به على هذا التقدير فيترتب عليه الأثر فعلا

______________________________

على ثبوت حكم في زمان فلا إشكال في أن مقتضي دليل الحجية وجوب العمل على طبق ذلك الحكم في ذلك الزمان ولو شك في الحكم فيما بعده من الازمنة فان كان مفاد الامارة ثبوت الحكم في الزمان الأخير ايضا كانت هي المرجع، وإن لم تكن دالة على ذلك بأن لا تكون متعرضة إلا لمجرد الثبوت لم تكن هي المرجع ضرورة، وفي جواز الرجوع حينئذ إلى الاستصحاب ليثبت به بقاء الحكم إشكال لعدم اقتضاء الامارة اليقين بثبوت مؤداها حتى يكون الشك في بقائه بل انما تقتضي احتمال ثبوته وإذ لا يقين بالثبوت لاشك في البقاء فلا مجال للاستصحاب لاختلال ركنيه معا والمصنف (ره) دفع هذا الاشكال بأن ادلة الاستصحاب ليس موضوعها الشك في البقاء الفعلي حتى يتوقف على اليقين بالثبوت، بل البقاء التقديري اي البقاء على تقدير الثبوت فهي تجعل الملازمة بين ثبوت الشئ وبقائه ولو علم بعدم الثبوت لأن صدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها فإذا ثبتت الملازمة المذكورة بالاستصحاب وقامت الامارة على الثبوت كانت حجة عليه وعلى البقاء لأن الدليل على أحد المتلازمين دليل على الملازم الآخر كما لو قامت الامارة على نجاسة شئ فانها تكون حجة على نجاسة ملاقيه لثبوت الملازمة بين نجاسة الشئ ونجاسة ملاقيه، غاية الامران الملازمة في المثال واقعية وفى المقام ظاهرية (قوله: فيما رتب عليه) يعني إذا كان المقام مترتبا على البقاء التقديري، اما لو كان مترتبا على البقاء الفعلي يمتنع جريان الاستصحاب لعدم الاثر لمؤداه (قوله: شرعا أو عقلا) الاول في استصحاب الموضوع والثاني في استصحاب الحكم (قوله: اشكال) يعني في الكفاية اشكال (قوله: من عدم) بيان لعدم الكفاية (قوله: ولاشك فانه) يعني ولاشك في البقاء فان الشك فيه في الفرض على تقدير الثبوت لا مطلقا (قوله: ومن ان اعتبار)

٤٤٧

فيما كان هناك أثر وهذا هو الاظهر وبه يمكن ان يذب عما في استصحاب الاحكام التي قامت الامارات المعتبرة على مجرد ثبوتها وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها من الاشكال بانه لا يقين بالحكم الواقعي ولا يكون هناك حكم آخر فعلي بناء على ما هو التحقيق (١) من أن قضية حجية الأمارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الاصابة والعذر مع المخالفة كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا كالقطع والظن في حال الانسداد على الحكومة لا انشاء أحكام فعليه شرعية ظاهرية كما هو ظاهر الاصحاب، ووجه الذب بذلك: أن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا للملازمة بينه وبين ثبوته واقعا (ان قلت): كيف وقد أخذ اليقين بالشئ في التعبد ببقائه في الاخبار ولا يقين في فرض تقدير الثبوت (قلت): نعم

______________________________

بيان لوجه الكفاية يعني ان اعتبار اليقين في لسان الادلة ليس لأن له موضوعية للحجية بل لبيان أن محل التعبد هو البقاء لا الحدوث (قوله: فيما كان) يعني إذا كان مترتبا على البقاء التقديري كما تقدم (قوله: هو الاظهر) بل الأظهر خلافه فانه مما لا يساعد عليه التركيب (قوله: من الاشكال) بيان للموصول في قوله: عما في... الخ، وقوله: (بانه) متعلق به فانه تقرير للاشكال (قوله: لا انشاء) معطوف على قوله (ره): ان قضية... الخ، كما هو ظاهر الأصحاب أما عليه فلا مجال للاشكال فان الحكم الظاهري المستفاد من دليل الامارة يكون عين الواقع على

______________

(١) واما بناء على ما هو المشهور من كون مؤديات الامارات أحكاما ظاهرية شرعية كما اشتهر ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم فالاستصحاب جار لان الحكم الذي أدت إليه الامارة محتمل البقاء لامكان اصابتها الواقع وكان مما يبقى والقطع بعدم فعليته حينئذ مع احتمال بقائه لكونها بسبب دلالة الامارة والمفروض عدم دلالتها إلا على ثبوته لا على بقائه غير ضائر بفعليته الناشئة باستصحابه فلا تغفل. منه قدس سره

٤٤٨

ولكن الظاهر أنه أخذ كشفا عنه ومرآة لثبوته ليكون التعبد في بقائه والتعبد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه فافهم (الثالث) أنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص احد الاحكام أو ما يشترك بين الاثنين منها أو الازيد من أمر

______________________________

تقدير المصادفة فيصح استصحابه لاحتمال المصادفة ويكون باقيا على تقديرها وإن كان على تقدير المخالفة يكون مرتفعا قطعا في الزمان المتأخر لقصور الامارة عن الدلالة عليه فيه فلا مقتضي لثبوته ويكون استصحابه حينئذ من القسم الثاني من استصحاب الكلي، كما افاد ذلك المصنف (ره) في حاشيته على المقام. نعم لو كان مراد الاصحاب ثبوت حكم ظاهري غير الواقع حتى على تقدير المصادفة امتنع الاستصحاب لأنه من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي (قوله: ولكن الظاهر انه) هذا الاستظهار ممنوع جدا كما عرفت، وعلى هذا فالوجه في اندفاع الاشكال ما اشرنا إليه سابقا وسيأتي انشاء الله من أن دليل حجية الامارة يقتضي تنزيلها منزلة العلم كما يقتضي تنزيل مؤداها منزلة الواقع، وحينئذ إذا قامت على ثبوت شئ في زمان معين كانت علما به تنزيلا فيترتب عليه أثره من عدم جواز نقضه بالشك (وأما) ما قيل في الذب عن أصل الاشكال من أن الحكم الواقعي متيقن الثبوت ظاهرا بواسطة قيام الامارة عليه فيستصحب (ففيه) ان اليقين بالثبوت الظاهري عين اليقين الوجداني بالحكم الظاهري فيرجع إلى ما هو ظاهر الاصحاب الذي اشار إليه المصنف (ره) وأوضحه في الحاشية كما عرفت

التنبيه الثالث

(قوله: لا فرق في المتيقن السابق) هذا شروع في حكم استصحاب الكلي باقسامه وهي ثلاثة (الأول) أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد بعينه ويشك في بقائه للشك في بقاء ذلك الفرد كأن يعلم بوجود زيد في الدار فيعلم

٤٤٩

عام فان كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في ضمنه وارتفاعه كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام، وان كان الشك فيه من جهة تردد الخاص الذي في ضمنه بين ما هو باق أو مرتفع قطعا فكذا لا اشكال في استصحابه

______________________________

بوجود الانسان فيها ثم يشك في بقاء الانسان للشك في بقاء زيد (الثاني) أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد مردد بين فردين يعلم بزوال أحدهما بعينه على تقدير حدوثه وببقاء الآخر بعينه على تقدير حدوثه، فيشك لأجل ذلك في بقاء الكلى لاحتمال حدوثه في طويل العمر كأن يعلم بوجود الحيوان في فرد مردد بين البقة والجمل ثم يعلم بعد ثلاثة أيام بأنه إن كان الموجود هو الجمل فهو باق وإن كان البقة فهو زائل، فحينئذ يشك في بقاء الحيوان (الثالث) أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد بعينه ويعلم بزوال ذلك الفرد ويحتمل حدوث فرد آخر للكلي مقارن لزواله أو لوجوده باق بعد زواله كأن يعلم بوجود الانسان في زيد ثم يعلم بزوال زيد ويحتمل وجود عمرو مقارنا لزوال زيد أو مقارنا لحياته مع بقائه بعد زواله فيكون بقاء الكلي المحتمل في فرد آخر غير الفرد المتيقن وجوده فيه (قوله: فان كان الشك) هذا إشارة إلى القسم الأول (قوله: استصحابه كاستصحابه) الضمير الاول راجع إلى الكلي والثاني إلى الخاص (قوله: بلا كلام) حكي الاشكال فيه عن بعض بان الكليات اعتبارات لا تكون موضوعا للتعبد الشرعي، وفيه أن دعوى جواز الاستصحاب مبنية على كون الكلي موضوعا للآثار الشرعية وإلا فلا معنى له كما هو واضح، فان كان اشكال في ذلك فهو اشكال في جواز كونه موضوعا للاثر لا في صحة الاستصحاب ويندفع بمراجعة البحث عن تعلق الأمر بالطبائع. فراجع (قوله: وان كان الشك) هذا إشارة إلى القسم الثاني (قوله: فكذا لا اشكال في استصحابه) يمكن الاشكال عليه بما يأتي منه في مبحث مجهول التاريخ من احتمال كون رفع

٤٥٠

فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعا من أحكامه ولوازمه وتردد ذاك الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه غير ضائر بالاستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه مع عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه وإنما كان التردد بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد الخاصين اللذين كان امره مرددا بينهما لاخلاله باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب كما لا يخفى. نعم يجب رعاية التكاليف المعلومة اجمالا المترتبة على الخاصين فيما علم تكليف في البين

______________________________

اليد عن بقاء الكلي من نقض اليقين باليقين لاحتمال كون الكلي موجودا في معلوم الزوال فيكون الكلي معلوم الزوال لكن سيأتي انشاء الله اندفاعها (قوله: فيترتب عليه) كما هو الحال في كل ما يجري فيه الاستصحاب (قوله: وتردد ذاك الخاص) هذا اشارة إلى بعض شبهات المنع عن جريان الاستصحاب في القسم الثاني (وتوضيحه): أن الكلي ليس له وجود مستقل عن وجود الفرد وانما هو موجود في ضمنه وكل واحد من الفردين اللذين يعلم وجود الكلي في أحدهما في هذا القسم مما لا تجتمع فيه أركان الاستصحاب فان أحدهما معلوم الارتفاع والآخر غير معلوم الحدوث فكيف يجري الاستصحاب في نفس الكلي الذي يكون وجوده عين وجود أحدهما ولاسيما مع كون الفرد غير المعلوم الحدوث محكوما بعدم حدوثه بالاستصحاب (قوله: غير ضائر) هو خبر قوله: تردد (وتوضيح) عدم ضيره: أن اليقين والشك إنما يتعلقان بالصور الذهنية لا بمحكياتها الخارجية فعدم اجتماع اليقين بالحدوث مع الشك في البقاء في كل واحد من الفردين لا ينافي اجتماعهما في نفس الكلي، ضرورة صدق قولنا في المثال المتقدم: وجود الحيوان معلوم وبقاؤه مشكوك، ولازم ذلك جواز الاستصحاب في الكلى لاجتماع الاركان فيه فيجب ترتيب آثاره عليه وعدم جوازه في كل واحد من الفردين بعينه فلا يجب ترتيب آثار كل منهما إلا

٤٥١

(وتوهم) كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك المردد مسببا عن الشك في حدوث الخاص المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث باصالة عدمه (فاسد) قطعا لعدم كون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه لا أنه من لوازمه

______________________________

إذا كان هناك علم اجمالي بالتكليف فانه حينئذ يكون منجزا ويجب الاحتياط فيه (قوله: وتوهم كون الشك) هذا إشارة إلى شبهة أخرى للمنع وحاصلها: أن الشك في بقاء الكلي وزواله مسبب عن الشك في وجود الفرد الطويل العمر والأصل الجاري في السبب مقدم على الاصل الجاري في المسبب فاصالة عدم الفرد الطويل العمر تقتضي انتفاء الكلي فلا يجري الاصل في بقائه (قوله: فاسد قطعا) هو خبر توهم (ووجه) الفساد أمور أشار إليها (الاول) منع السببية على النحو الذي ذكره فان احتمال بقاء الكلي وإن كان من لوازم حدوث الفرد الطويل العمر إلا أن احتمال ارتفاعه ليس من لوازم عدم حدوثه إذ لا اقتضاء لعدم حدوثه في ارتفاع الكلي وانما المقتضي له حدوث الفرد القصير العمر فيكون سبب الشك في بقاء الكلي وارتفاعه الشك في كون الحادث هو طويل العمر أو قصيره، ومن المعلوم أنه لا أصل يصلح لتعيين الحادث فان اصالة عدم حدوث الفرد الطويل العمر لا يثبت كون الحادث هو القصير إلا بناء على الأصل المثبت، فان كون الحادث هو القصير من الملازمات الاتفاقية لعدم حدوث الفرد الطويل من جهة العلم الاجمالي بحدوث أحدهما المقتضي لملازمة وجود كل منهما لعدم الآخر (الثاني) أن بقاء الكلي عين بقاء الفرد الطويل العمر لا أنه من لوازمه حتى تصح دعوى السببية والمسببية بينهما (وفيه) أن دعوى السببية انما كانت بين بقاء الكلي وحدوث الفرد لا بين حدوثه وحدوثه حتى تدفع بما ذكر. مع أن العينية بين الوجودين ذاتا لا تقتضي العينية بينهما اعتبارا إذ لا ريب أن الوجود المضاف إلى الفرد بما

٤٥٢

على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقليا ولا يكاد يترتب باصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه وأحكامه شرعا، وأما إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففي استصحابه اشكال أظهره عدم جريانه فان وجود الطبيعي وان كان بوجود فرده إلا أن وجوده في ضمن المتعدد من افرداه ليس من نحو وجود واحد له بل متعدد حسب تعددها فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها لقطع بارتفاع وجوده وإن شك في وجود فرد آخر

______________________________

أنه كذلك غير الوجود المضاف إلى الكلي بما أنه كذلك. ولذا قد ينعدم الفرد ولا ينعدم الكلي لوجوده في فرد آخر. فتأمل. مضافا إلى أن العينية أقرب إلى اثبات التوهم من الاثنينية فيرجع الاشكال إلى التعبير محضا. فلاحظ (الثالث) انه لو سلم اللزوم فهو عقلي، وفي مثله فالأصل الجاري في السبب غير حاكم على الأصل الجاري في المسبب بل لابد من الرجوع إلى الأصل الجاري في المسبب (وهنا) شبهة أخرى وهي أن وجود الكلي لما كان بوجود فرد من أفراده كان عدمه بعدم تمام الأفراد فإذا علم بعدم كل فرد للكلي غير الفرد الطويل العمر فبضميمة اصالة عدم الفرد المذكور يثبت عدم تمام الأفراد فيثبت عدم الكلي فيكون موضوع الأثر محرزا بعضه بالوجدان وبعضه بالاصل (وتندفع) بما أشرنا إليه من أن عدم الطبيعي ليس عين عدم جميع الافراد حتى يكون الاثر الثابت لعدم الطبيعي في الحقيقة ثابتا لعدم تمام الافراد الثابت بعضه بالوجدان وبعضه بالاصل بل يخالفه، ولذلك ترى أن عدم الطبيعي لا تكثر فيه وعدم الافراد متكثر قطعا، فاثبات عدم الطبيعي باثبات عدم الافراد بالأصل يتوقف على القول بالاصل المثبت. فلاحظ وتأمل (قوله: واما إذا كان الشك) هذا تعرض لحكم القسم الثالث (قوله: فان وجود الطبيعي) يعني يعتبر في صحة جريان الاستصحاب أن يكون الشك في البقاء والبقاء عين الحدوث وجودا وان كان غيره زمانا فإذا علم بوجود الكلي في فرد وعلم بارتفاع ذلك الفرد فقد علم بارتفاع وجود الكلي

٤٥٣

مقارن لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه بنفسه أو بملاكه كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن أو حادث (لا يقال): الأمر وإن كان كما ذكر إلا أنه حيث كان التفاوت بين الايجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة ليس إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما لمساوقة الاتصال مع الوحدة فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه

______________________________

واحتمال وجود فرد آخر وان كان شكا في وجود الكلي إلا أن هذا الوجود المشكوك ليس بقاء لذلك الوجود المعلوم، وإلا فقد عرفت العلم بارتفاعه فكيف يكون مما يحتمل بقاؤه فلا يكون الشك في هذا الوجود المشكوك شكا في بقاء وجود الكلي المعلوم ليكون موردا للاستصحاب بل شك في وجود آخر للكلي والأصل عدمه (قوله: مقارن لوجود) اشارة إلى اقسام القسم الثالث فان الفرد الآخر المحتمل بقاء الكلي فيه (تارة) يحتمل وجوده مقارنا لوجود الفرد المعلوم الارتفاع (وأخرى) مقارنا لزواله، والأخير (تارة) يكون لملاك حادث مقارن لزوال المعلوم (وأخرى) يكون لملاك مقارن لوجود المعلوم، وذلك كما لو علم بارتفاع الوجوب واحتمل وجود الاستحباب مقارنا لارتفاعه إما لملاك ثابت حال وجود الوجوب أو حال ارتفاعه (قوله: لا يقال الامر وان كان) هذا اشكال على التمثيل بالاستحباب لا على منع الاستصحاب في هذا القسم. وحاصل الاشكال: أن الاستحباب بعض مراتب الوجوب فيكون وجوده عين وجوده كما هو الحال في السواد الضعيف والشديد فلا يكون وجود الاستحباب بعد الوجوب إلا بقاء لوجود الجامع بينهما وهو الطلب فيصح استصحابه (قوله: إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه) هذا راجع إلى الوجوب والاستحباب وأما الحرمة والكراهة فالتفاوت بينهما بشدة الكراهة وعدمها (قوله: لمساوقة الاتصال) يعني ملازمة الاتصال بحسب الوجود الحاصل بعدم تخلل العدم للوحدة

٤٥٤

لا في حدوث وجود آخر (فانه يقال): الأمر وإن كان كذلك إلا أن العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين ردين متباينين لا واحد مختلف الوصف في زمانين لم يكن مجال للاستصحاب

______________________________

بحسبه (قوله: وان كان كذلك) يعني أن الاستحباب من مراتب الوجوب حقيقة لكنه مباين له عرفا، والمعيار في جريان الاستصحاب الوحدة العرفية ولو مع التعدد عقلا. ثم ان ما ذكره المصنف (ره) من كون الاستحباب من مراتب الوجوب هو المشهور ظاهرا، ولكنه لا يخلو من تأمل، إذ لازمه كون اجتماع عناوين مستحبة موجبا لوجوب المعنون مع أن بطلانه ضروري. مضافا إلى أن المرتكز في اذهان العقلاء كون جواز الترك في المستحبات وعدم جوازه في الواجبات من جهة الترخيص وعدمه لا لضعف الطلب وتأكده. نعم يبقى الاشكال في امكان الجمع بين طلب الفعل ولو كان ضعيفا والترخيص في الترك، ولعل الوجه فيه أن الطلب مع عدم الترخيص يكون بداعي احداث الداعي العقلي من حيث ترتب الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة معا ومع الترخيص يكون بداعي احداث الداعي العقلي من حيث ترتب الثواب فقط لأن الاذن انما تنافي العقاب لا غير، وأما وجه عدم التنافي بين الارادة الحقيقية والترخيص فهو الذي تقدم في بيان عدم تضاد الأحكام الظاهرية والواقعية. فتأمل جيدا (قوله: لا واحد مختلف الوصف) يعني ليست صفتا الوجوب والاستحباب القائمتان بالطلب من قبيل الأحوال المتبادلة على الموضوع الواحد عرفا بل من قبيل المقومات للموضوع بحيث يتعدد تبادلها فلا مجال للاستصحاب لاعتبار اتحاد الموضوع فيه عرفا (أقول): بعدما عرفت من تباين الوجوب والاستحباب ارتكازا فالظاهر أن منشأ اعتبار الوجوب طلب الشئ مع عدم الاذن في تركه ومنشأ اعتبار الاستحباب طلب الشئ مع الاذن في تركه فإذا علم بارتفاع الوجوب فعلم بجواز الترك وشك في بقاء الطلب لم يكن مانع من استصحاب بقائه فيثبت الاستحباب، نظير ما تقدم من أن الجمع بين أدلة التكاليف وأدلة رفع القلم عن

٤٥٥

لما مرت الاشارة إليه ويأتي من أن قضية إطلاق اخبار الباب أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا وان لم يكن بنقض بحسب الدقة ولذا لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا، ومما ذكرنا في المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام في الشبهات الحكمية والموضوعية فلا تغفل

______________________________

الصبي يقتضي الحكم بشرعية عبادة الصبي، وكذا الجمع بين أدلة التكاليف وأدلة نفي الحرج والضرر يقتضي صحة الوضوء الحرجي والضرري. فتأمل جيدا، وقد تقدم في مبحث نسخ الوجوب ماله نفع في المقام فراجع (قوله: ويأتي) يعني في الخاتمة (قوله: وان لم يكن بنقض) كما في مثل استصحاب الكرية بعد نقصه بأخذ مقدار منه وكما في استصحاب النجاسة بعد زوال تغيره من قبل نفسه (قوله: وان كان هناك) كما في مثل استصحاب الحمرة للجسم بعد العلم بارتفاع السواد (قوله: في الشبهات الحكمية) كما إذا شك في أن الواجب في الكفارة مد أو مدان فباعطاء المد يشك في وجوب المد أيضا، ولا يجوز استصحابه لأنه من هذا القسم الثالث (قوله: والموضوعية) كما لو شك في فوات فريضة الصبح مرة أو مرتين فبقضاء الصبح مرة يشك في وجوبها عليه ولا يجوز استصحابه لما ذكر بل يجري فيه وفي أمثاله استصحاب العدم في زمن التعيين بوجود المعلوم إلى ما بعده والله سبحانه أعلم

تنبيه

هذا كله لو كان الاثر الشرعي للكلي أما لو كان الاثر للفرد فان كان الشك في بقائه للشك في طول عمره وقصره جرى استصحابه بلا كلام، وان كان لتردده بين فردين كما لو كان انسان وكيلا لزيد ولعمرو على الانفاق على عيالهما ثم علم بموت زيد وبحياة عمرو وقد حضره انسان واجب النفقة على أحدهما فتردد بين أن يكون

٤٥٦

عيالا لزيد وان يكون عيالا لعمرو، فعلى الأول لا يجب عليه انفاقه عليه لموت معيله، وعلى الثاني يجب لحياة معيله ففي جواز استصحاب حياة معيله، لاثبات وجوب انفاقه عليه اشكال الذي يجري على ألسنة بعض أهل العصر ذلك لاجتماع اركان الاستصحاب فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء كالكلي المردد بين فردين في القسم الثاني. لكن الظاهر المختار لجماعة من مشايخنا المعاصرين هو المنع (والوجه فيه): أنه يعتبر في صحة جريان الاستصحاب تعلق اليقين والشك بنفس موضوع الاثر الشرعي ومثل عنوان المعيل في المثال المذكور ليس كذلك لأنه إن أخذ عنوانا حاكيا عن زيد كان معلوم الوفاة وان أخذ حاكيا عن عمرو كان معلوم الحياة وان أخذ مرددا لم يكن موضوعا للاثر لكون المفروض كون الاثر لمصداق الفرد لا لمفهومه المردد الصالح للانطباق على كل واحد منهما ولو على البدل. وبهذا يظهر الفرق بين الاستصحاب هنا واستصحاب الكلي في القسم الثاني مع تردده بين فردين أيضا فان نفس متعلق اليقين والشك هناك وهو الكلي موضوع للاثر الشرعي وليس كذلك هنا لكون الأثر للشخص لا للكلي، ومن هنا يظهر أيضا أن المنع المذكور لا يختص بالاستصحاب بل يجري في عامة الأصول لاطراد وجه المنع فيها ويترتب على ذلك أن لو صلى مع اشتباه القبلة إلى الجهات الأربع ثم علم بعد تمام الصلاة بفساد واحدة منها بعينها وجب عليه اعادة تلك الصلاة ولا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في الصلاه إلى القبلة المرددة بين معلومة الفساد ومعلومة الصحة لأن الصلاة المذكورة من الفرد المردد الذي لا يجري فيه الأصل، ولو علم بفساد واحدة منها مرددة جرت قاعدة الفراغ في كل واحدة منها بعينها، والعلم الاجمالي المذكور لا يمنع لعدم الاثر لمتعلقه لاحتمال كون الفاسدة غير ما وقعت إلى القبلة، إلا ان يكون وجوب الأربع ليس من باب الاحتياط بل من باب الاكتفاء تعبدا من جهة النص فلابد من الاحتياط باعادة الجميع للعلم الاجمالي المذكور فلاحظ. (ثم إنه) قد اشتهر أن الوجه في تحرير مسألة استصحاب الفرد المردد أن

٤٥٧

بعض الاعاظم (١) (قدس سره) ورد النجف الأشرف في أيام حياة المصنف (ره) فسأل في بعض مجالسه عن عباءة تنجس جانب منها غير معين وطهر منها جانب معين يحتمل كونه المتنجس فلاقى بدن المصلي كلا من جانبيها المطهر وغير المطهر، زاعما (قدس سره) أن مقتضى استصحاب نجاسة الجانب المتنجس نجاسة البدن الملاقي للعلم بملاقاته له، مع أنه لو فرض ملاقاة البدن للجانب غير المطهر فقط لم يحكم بنجاسته بناء على طهارة الملاقي لاحد أطراف الشبهة المحصورة فكيف يحكم بنجاسة البدن لو لاقى الجانب المطهر بعد ملاقاته للجانب المحتمل للنجاسة مع العلم بأن ملاقاته للجانب المطهر لا تؤثر فيه نجاسة أصلا ؟ فكان المتحصل في الجواب هو طهارة البدن لعدم جريان استصحاب النجاسة لكون موضوعه الفرد المردد. واشتهرت هذه المسألة بمسألة العباءة. ثم إنه كما لا يجوز استصحاب الفرد المردد لا يجوز استصحاب المفهوم المردد كما لو شك في مفهوم الكر أنه ما يساوي ثلاثة وأربعين شبرا تقريبا أو ما يساوي سبعة وعشرين فوجد ماء بالمقدار الأول ثم نقص حتى صار بالمقدار الثاني فلا يصح استصحاب الكرية، وكذا لو شك في أن النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية لا مجال لاستصحاب النهار بعد غياب القرص، أو شك في أن العدالة اجتناب الكبائر مطلقا أو مع منافيات المروءة فوجد شخص مجتنبا للجميع ثم ارتكب بعض منافيات المروءة فلا يصح استصحاب العدالة... إلى غير ذلك من الموارد التي يشك فيها في بقاء المفهوم لتردده بين مفهومين يعلم بارتفاع أحدهما وببقاء الآخر فانه لا يجوز الاستصحاب فيها لما ذكر من أن المفهوم المردد ليس موضوعا للاثر والمعين لم تجتمع فيه أركان الاستصحاب والله سبحانه أعلم.

______________

(١) المرحوم السيد اسماعيل الصدر (قدس سره)

٤٥٨

(الرابع) أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الامور القارة أو التدريجية غير القارة فان الامور غير القارة وإن كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء إلا بعدما انصرم منه جزء وانعدم إلا أنه ما لم يتخلل في البين العدم بل وان تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا وان انفصل حقيقة كانت باقية مطلقا أو عرفا

______________________________

التنبيه الرابع

(قوله: من الامور القارة) القار هو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود في زمان واحد مثل زيد وعمرو مقابل التدريجي وهو ما لا يكون كذلك بل يوجد منه جزء في آن فينعدم ويوجد الجزء الآخر منه في آن آخر... وهكذا حتى تنتهي أجزاؤه. مثل جريان الماء وسيلان الدم ونحوهما (وحاصل) المراد: أنك عرفت أن المستفاد من أدلة الاستصحاب وجوب العمل على البقاء مهما كان الشك في البقاء، ومن المعلوم صدق البقاء حقيقة وعقلا على وجود الأمر التدريجي في الزمان الثاني كصدقه على وجود القار كذلك، مجرد عدم اجتماع الأجزاء في الوجود في زمان واحد في الأول واجتماعها في الثاني لا يوجب الفرق في ذلك. والرجوع إلى موارد الاستعمال مثل قولهم: بقي الجريان والسيلان، يلحق ما ذكر بالضروري (ومنشأ) الاشكال في جريان الاستصحاب ملاحظة الأجزاء في التدريجي كلا مستقلا فيرى أن الجزء الاول منه المعلوم الوجود في الزمان الأول معلوم الارتفاع في الزمان الثاني والجزء الثاني منه مشكوك الحدوث فيرجع إلى أصالة عدمه (ويندفع) بأنه لا وجه لذلك بعد صدق الوجود الواحد على الوجود الممتد تدريجا بحيث يكون أوله حدوثا وما بعده بقاء كما يصدق على الوجود الممتد القار بعينه (قوله: وان كان وجودها) من هذا توجه الاشكال كما عرفت (قوله: إلا انه ما) إشارة إلى دفع الاشكال (قوله: بما لا يخل) كما في مثل الكلام الواحد فانه يصدق عرفا مع تخلل السكوت اليسير (قوله: مطلقا) يعني حقيقة وعرفا وهو راجع إلى صورة عدم تخلل العدم (قوله: أو عرفا)

٤٥٩

ويكون رفع اليد عنها مع الشك في استمرارها وانقطاعها نقضا ولا يعتبر في الاستصحاب بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته غير صدق النقض والبقاء كذلك قطعا، هذا مع أن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الاين وغيره إنما هو في الحركة القطعية وهي كون الشئ في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى فانه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا، فانقدح بذلك أنه لا مجال للاشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار وترتيب مالها من الآثار، وكذا كما إذا كان الشك في الامر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهي أو أنه بعد في البين،

______________________________

راجع إلى قوله: (ره) وان تخلل... الخ (قوله: نقضا) خبر يكون (قوله: والبقاء كذلك) يعني عرفا (قوله: هذا مع أن) يعني أن الحركة على قسمين قطعية وتوسطية (فالاولى) عبارة عن كون الشئ في كل آن في مكان إذا كانت الحركة في المكان كحركة السائر فانه في كل آن يكون في مكان غير ما كان فيه في الآن السابق أو في حد إذا كانت الحركة في غير المكان كحركة الطفل والشجرة في النمو فانهما ما داما في النمو يكون نموهما في كل آن بحد خاص فهو في الآن اللاحق يخلع حدا كان له في الآن السابق ويلبس حدا آخر فهو في كل آن في خلع ولبس ومثله الاشتداد في الكيف (والثانية) عبارة عن كون الشئ بين المبدأ والمنتهى، كالنهار الذي هو عبارة عن كون الشمس بين المشرق والمغرب، والليل الذي هو عبارة عن كونها بين المغرب والمشرق. والتدرج والتصرم إنما هو في القسم الأول لا الثاني فانه من القار، ولذا يقال: النهار يوجد عند طلوع الشمس وينعدم بغروبها. هذا وحيث أن الفرق بين القسمين انما هو بمحض الاعتبار وملاحظة مجموع ما بين المبدأ والمنتهى وعدمه فالعمدة ما تقدم (قوله: واما إذا كان من جهة الشك) الشك في مثل جريان الماء (تارة) يكون للشك في طروء ما يمنع عن جريانه أو قوة استعداده للجريان

٤٦٠