حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 209413
تحميل: 4838


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209413 / تحميل: 4838
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

* تكون بلا عناية الاستمرار والامتداد بان لوحظ كل جزء من الموضوع الممتد المستمر وحكم عليه في عرض ملاحظته للجزء الآخر منه والحكم عليه (وأخرى) تكون بعناية الاستمرار والاتصال بحيث يكون الحكم على الجزء اللاحق بعناية انه كان على ما قبله من الأجزاء أو استمر إليه وامتد عليه، فان كانت الدلالة على النحو الأول تعين ما ذكرت من مرجعية العام لكنه غير ما نحن فيه بل هو القسم الآخر الذي سيأتي وجوب الرجوع إلى العام فيه، اما ما نحن فيه فهو النحو الثاني مما ذكرنا (فان قلت): ما ذكرت يقتضي عدم حجية العام في الباقي بعد التخصيص لأن العام انما دل على حكم عام لجميع الافراد، فإذا خصص لم يبق الحكم عاما فاثبات الحكم الباقي بالعام اثبات لغير مدلوله به (قلت): العموم بعنوانه ليس مدلولا للعام بل مدلوله كل واحد واحد من احكام افراده غاية الامر يعتبر عنوان العموم لمدلوله في رتبة لاحقة للدلالة فإذا فرض ان العام ليس بحجة في مورد التخصيص وجب رفع اليد عن بعض مدلوله فيكون نتيجة ذلك التوزيع في المدلول. (فتأمل) مع أنه لو فرض كون العموم بعنوانه مدلولا للعام امكن دعوى وجوب رفع اليد عن دلالته على العموم بالخاص وانه الجمع العرفي بينهما وان لم يكن من باب التخصيص (وأما) في المقام فنقول: إن كان عنوان الاستمرار مدلولا عليه بالكلام بحيث كان ثبوت الحكم في الزمان الثاني بعناية الاستمرار والتبعية له كان الجمع العرفي بينه وبين ما دل على انتفاء الحكم في زمان معين في الأثناء هو الحكم بانقطاع الاستمرار فلا موجب لثبوت الحكم فيما بعد ذلك الزمان لان المفروض أن ثبوته فيه كان بعناية الاستمرار والتبعية له وقد انقطع، وان كان عنوان الاستمرار معتبرا لمدلول العام - اعني الاحكام الضمنية المندرجة الملحوظ كل منها في قبال غيره في الرتبة اللاحقة عن دلالة العام عليها - فالجمع العرفي بين العام والخاص هو رفع اليد عن الاستمرار لا غير وتبقى دلالته على الاحكام الضمنية اللاحقة بحالها ومن هنا يظهر أن المتحصل من جميع ما ذكر: أنه مهما كانت دلالة العام على الاحكام الضمنية اللاحقة تبع دلالته على الحكم المستمر وجب رفع اليد عن

٥٢١

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصصا له من الاول

______________________________

العام فيما بعد زمان التخصيص، ومهما كانت الدلالة على الاستمرار تبع الدلالة على الاحكام الضمنية وجب الرجوع إلى العام فيما بعد زمان التخصيص وبني على انقطاع الاستمرار لا غير، والظاهر أنه لا فرق بين اخذ الزمان قيدا للموضوع والحكم أو النسبة فقد يكون حكم العام ملحوظا فيه الاستمرار بحسب ظاهر أالدليل مع أخذ الزمان ظرفا للموضوع، وقد لا يكون الاستمرار ملحوظا فيه مع اخذ الزمان ظرفا للحكم أو النسبة. نعم الغالب في العمومات المغياة بغاية ملاحظة الاستمرار ولو مع اخذ الزمان ظرفا للموضوع كما لو قيل: الجلوس في المسجد يوم الجمعة إلى الليل واجب، والغالب فيما لم تذكر له غاية عدمه كما لو قيل: يجب يوم الجمعة الجلوس في المسجد، فإذا دل دليل على عدم وجوب الجلوس لزيد ساعة الزوال، فان كان العام من قبيل الاول كان الدليل دالا على كون غاية الجلوس لزيد هو الزوال وان كان من قبيل الثاني كان دالا على خروج الزوال عن الظرفية ويبقى ما بعده على ظرفيته للحكم، والأمر سهل في الامثلة بعد معرفة المعيار والله سبحانه الهادي (قوله: نعم لو كان الخاص) اعلم ان شيخنا الاعظم (ره) في رسائله فصل في المقام بين ما إذا كان الزمان مفردا للعام واما اخذ بيانا لاستمرار حكم العام، فحكم في الاول بوجوب الرجوع إلى العام، وفي الثاني بوجوب الرجوع إلى الاستصحاب، واستاذنا المصنف (ره) وافقه في حكم الاول مطلقا وفي حكم الثاني إذا لم يكن الخاص مخصصا في اول الازمنة ولم يكن الزمان في الخاص مفردا، وكلامه هذا تنبيه على الصورة الاولى وان حكمها الرجوع إلى العام لا الاستصحاب (والوجه) فيه: أن العام بالاضافة إلى كل فرد يدل على امرين، احدهما ثبوت حكم واحد مستمر، والآخر كون مبدأ ثبوته اول وجود الموضوع والخاص إذا كان مخصصا في اول الازمنة انما ينافي دلالة العام على الثاني دون دلالته على الاول فيجب الأخذ بدلالته العام على الاول. (نعم) يبقى الاشكال في أن الأخذ

٥٢٢

لما ضربه في غير مورد دلالته فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته فيصح التمسك ب‍ (أوفوا بالعقود) ولو خصص بخيار المجلس ونحوه ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله فافهم. وإن كان مفادهما على النحو الثاني فلابد من التمسك بالعام بلا كلام لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده فله الدلالة على حكمه والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه، وان كان مفاد العام على النحو الاول والخاص على النحو الثاني فلا مورد للاستصحاب فانه وان لم يكن هناك دلالة اصلا الا أن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته

______________________________

بدلالة العام على الأول لا يقتضي كون مبدأ ثبوته الزمان المتصل بزمان الخاص إذا العام لا يدل على ذلك. (وقد) دفعه في الحاشية بأن المخصص إن كان راجعا إلى تقييد الموضوع فلا اشكال إذ بعد التقييد يكون الموضوع المقيد ثابتا له الحكم من اول وجوده، مثلا قوله تعالى: (اوفوا بالعقود) بعد تقييد بمثل: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، يكون المراد: العقد في حال الافتراق يجب الوفاء به، وان كان راجعا إلى التخصيص بحسب الزمان فمفاد اطلاق العام ثبوت الحكم من الأول فالاول فإذا لم يكن الاول مبدأ كان الثاني مبدأه. (هذا) وكأن وجه دلالة الاطلاق على ذلك ظهور الدليل في كون نفس الموضوع علة تامة للحكم فإذا دل دليل على عدم كونه كذلك في الزمان الأول بقيت دلالته على عليته فيما بعد ذلك من الزمان بحالها فتأمل جيدا (قوله: لما ضربه في غير) يعني لما ضر الخاص المذكور بالعام في غير مورد دلالته يعني ما بعده من الزمان (قوله: لا في أوله) كما في خيار الغبن بناء على ثبوته عند العلم بالغبن (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى الاشكال المتقدم (قوله: على النحو الثاني) يعني ما يكون فيه الزمان مفردا أو معددا للموضوع (قوله: لم يكن هناك دلالة) يعني لا للخاص كما هو

٥٢٣

من إسراء حكم موضوع إلى آخر لا استصحاب حكم الموضوع ولا مجال أيضا للتمسك بالعام لما مر آنفا فلابد من الرجوع إلى سائر الاصول، وان كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص ولكنه لو لا دلالته لكان الاستصحاب مرجعا لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو صح استصحابه فتأمل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا - أعلى الله مقامه - في المقام نفيا واثباتا في غير محله (الرابع عشر) الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الاصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب ويدل عليه - مضافا إلى أنه كذلك لغة - كما في الصحاح وتعارف استعماله فيه في الاخبار في غير باب - قوله عليه السلام في اخبار الباب: ولكن تنقضه بيقين آخر، حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وانه ليس الا اليقين

______________________________

المفروض ولا للعام كما تقدم (قوله: من اسراء حكم موضوع) لان الموضوع المقيد بالزمان الأول غيره مقيدا بالزمان الثاني ومع تعدد الموضوع لا مجال للاستصحاب المقيد بالزمان، كما تقدم الاشكال فيه وان منع الاستصحاب فيه مبني على كون المرجع في وحدة الموضوع الدليل لا العرف لوحدة الموضوع عرفا، ولا فرق بينه وبين المقيد بغير الزمان مثل: الماء المتغير نجس، هذا مضافا إلى امكان استصحاب نقيض حكم العام فانه غير ملحوظ فيه الزمان كنفسه (قوله: اطلاق كلام) قد عرفت كيفية اطلاق كلامه (ره) إلا ان كونه في مقام البيان من هذه الجهات كلها غير ظاهر بل ليس نظره إلا صلاحية العام للمرجعية وعدمها فتأمل كلامه

التنبيه الرابع عشر

(قوله: كما في الصحاح) وكذا في القاموس ومجمع البحرين وظاهر الأخير نسبته إلى أئمة اللغة (قوله: في غير باب) فلاحظ باب الشك في عدد

٥٢٤

وقوله ايضا: لا حتى يستيقن انه قد نام، بعد السؤال منه (ع) - عما إذا حرك في جنبه شئ وهو لا يعلم، حيث دل باطلاقه - مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الامارة الظن وما إذا لم تفد، بداهة انها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له احيانا على عموم النفى لصورة الافادة وقوله عليه السلام بعده ولا تنقض اليقين بالشك، أن الحكم في المغيا مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا يخفى، وقد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين (الأول) الاجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار (وفيه) أنه لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الاصحاب على الاعتبار لاحتمال ان يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه (الثاني) أن الظن غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع وان كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده وإن كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك فتأمل جيدا (وفيه) أن قضية عدم اعتباره لالغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا يكاد يكون إلا عدم اثبات مظنونه

______________________________

الركعات (قوله: بعد السؤال) ظرف ل‍ (قوله) (قوله: دل باطلاقه) فاعل دل راجع إلى (قوله) (قوله: على عموم) متعلق بقوله: (دل) (قوله: وقوله (ع) بعده) معطوف على فاعل (دل) يعني دل قوله (ع): لا تنقض... الخ على (ان الحكم المغيا) بقوله (ع) حتى... الخ (مطلقا) يعني وان كان الظن على خلافه (هو عدم نقض اليقين بالشك) والعبارة لا تخلو من قصور (قوله: وقد استدل) المستدل شيخنا (ره) في رسائله (قوله: وفيه ان قضية) يعني ان عدم اعتبار الظن شرعا أو عقلا معناه عدم ثبوت مؤداه لا لزوم ترتيب آثار الشك المتساوي الطرفين عليه فإذا فرض ان الاستصحاب من آثار الشك المتساوي الطرفين لا يترتب على الظن مع قيام الدليل

٥٢٥

به تعبدا ليترتب عليه آثاره شرعا لا ترتيب آثار الشك مع عدمه، بل لابد حينئذ في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الأصول العملية من الدليل فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب فلابد من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة ولا ارتياب ولعله أشير إليه بالامر بالتأمل فتأمل جيدا (تتمة) لا يذهب عليك انه لابد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم إمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه فها هنا مقامان (المقام الأول) انه لا اشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما، ضرورة انه بدونه لا يكون الشك في البقاء بل في الحدوث ولا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان واقامة برهان (والاستدلال) عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر لتقومه بالموضوع وتشخصه به (غريب)

______________________________

على عدم اعتباره أو عدم قيام دليل على اعتباره (قوله: آثاره شرعا) الضمير راجع إلى مظنونه وضمير (عدمه) راجع إلى الشك (قوله: من الدليل) خبر (لا) في لابد (قوله: ولعله) بل هو الظاهر كما يظهر من ملاحظة كلامه في غير المقام

بقاء اشتراط الموضوع

(قوله: ضرورة انه بدونه) يعني أن ظاهر ادلة الاستصحاب كون موضوعه الشك في البقاء الموقوف على كون متعلق اليقين والشك واحدا وجودا والاختلاف بينهما في الحدوث والبقاء فقط فيكون متعلق اليقين الحدوث ومتعلق الشك البقاء، أما مع اختلاف الموضوع بأن يكون المتيقن حكم موضوع والمشكوك حكم موضوع آخر لا يكون الشك في الحكم الثاني شكا في البقاء بل في ثبوت حكم آخر غير المتيقن فلا مجال للاستصحاب (قوله: والاستدلال عليه) المستدل شيخنا الاعظم (ره) حيث قال: والدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب

٥٢٦

بداهة ان استحالته حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبدا والالتزام بآثاره شرعا، واما بمعنى احراز وجود الموضوع خارجا فلا يعتبر قطعا في جريانه لتحقق اركانه بدونه نعم ربما يكون مما لابد منه في ترتيب بعض الآثار ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى احراز حياته لجواز تقليده وان كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب اكرامه أو الانفاق عليه وانما الاشكال كله في هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم

______________________________

واضح لأنه لو لم يعلم تحققه لاحقا فإذا اريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به فاما أن يبقى في غير محل وموضوع وهو محال، واما ان يبقي في موضوع غير الموضوع السابق، ومن المعلوم أن هذا ليس ابقاء لنفس ذلك العارض وانما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد فيخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم فهو المستصحب دون وجوده وبعبارة أخرى... الخ، واعترضه جماعة من تلامذته بما أشار إليه المصنف (ره) من أن المراد بالابقاء إن كان هو البقاء الحقيقي ثم ما ذكر أما لو كان المراد منه الابقاء التعبدي الذي هو عبارة عن مجرد لزوم ترتيب الآثار في مقام الظاهر فلا استحالة فيه مع الشك في الموضوع. هذا ولا يخفى أن هذا الاستدلال من شيخنا (قدس سره) على اعتبار البقاء بالمعنى الآتي - أعني احراز وجود الموضوع لاحقا لا بمعنى اتحاد موضوع القضيتين - فلا يناسب ذكر هذا الكلام هنا بل المناسب ذكره بعد قوله: واما بمعنى احراز... الخ. فلاحظ (قوله: ففي استصحاب عدالة) قد عرفت أنه لابد ان يكون المستصحب أثرا شرعيا أو موضوعا للاثر الشرعي، وحينئذ فقد يكون موضوع الأثر مجرد وجود الشئ فلا حاجة حينئذ في جريان الاستصحاب إلى أكثر من كون ذلك الشئ معلوم الثبوت مشكوك البقاء وذلك مثل جواز التقليد فان موضوعه مجرد عدالة المجتهد فإذا علم رأي مجتهد وشك في

٥٢٧

أو بنظر العقل ؟ فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الاحكام لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض

______________________________

عدالته جرى استصحاب عدالته، ولو اعتبر في جواز التقايد الحياة جرى استصحاب حياته وعدالته، وليس احراز الحياة شرطا في جريان استصحاب العدالة لما عرفت من أن موضوع الأثر الشرعي نفس الحياة والعدالة فإذا اجتمعت أركان الاستصحاب فيهما من اليقين بالثبوت والشك في البقاء جرى الاستصحاب فيهما. وقد يكون موضوع الأثر الشرعي وجود الشئ لأمر خارجي معين فيتوقف جريان الاستصحاب على احراز ذلك الأمر الخارجي المعين مثل جواز الائتمام فانه انما يترتب على عدالة الامام المعين فلا يجري الاستصحاب إلا مع احراز امام معين ليشك في عدالته فإذا احرز امام معين وشك في عدالته جرى استصحاب عدالته، اما لو لم يحرز وكان الشك في عدالة زيد مثلا امتنع جريان الاستصحاب ليترتب عليه صحة الائتمام، لأن عدالة زيد ليست موضوعا لجواز الائتمام مطلقا حتى يترتب باستصحابها، بل موضوعه عدالة زيد الذي هو الامام المعين. وهكذا الحال في جميع الآثار المتعلقة بالأمر الخارجي المعين مثل وجوب اكرامه وقبول شهادته ونفوذ تصرفه والانفاق عليه ونحوها إذ ما لم يحرز الأمر الخارجي امتنع أن يقال: هذا كان عدلا أو زوجة أو وليا أو نحوها وقد شك في بقائه على ما كان حتى يجري الاستصحاب في حاله ووصفه. ومجرد الشك في ثبوت الحال والوصف لموضوع لا ينفع في ترتيب الآثار المذكورة على استصحابه بعدما كانت موضوعا للاثر بما انها حال ووصف لنفس الأمر الخارجي المعين، فاحراز الموضوع في هذه المقامات ليس دخيلا في جريان الاستصحاب إلا من حيث دخله في كون المشكوك موضوعا للاثر. وقدم تقدم أن لو وجب صوم زمان هو رمضان لابد من احراز أن الزمان رمضان ولا ينفع استصحاب بقاء رمضان في ترتيبه (قوله: فلو كان مناط) شروع في بيان ثمرة الخلاف في مرجع الاتحاد (قوله: لقيام احتمال)

٥٢٨

خصوصيات موضوعه لاحتمال دخله فيه ويختص بالموضوعات، بداهة انه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل، ضرورة أن انتقاء بعض الخصوصيات وإن كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان الدليل من مقوماته، كما انه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا (مثلا) إذا ورد: العنب إذا غلى يحرم، كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ويرون العنبية والزبيبية

______________________________

كما تقدم في أوائل مبحث الاستصحاب (قوله: بنظر العرف ولا في) كما لو قيل: الماء إذا تغير نجس، فان موضوع النجاسة في لسان الدليل نفس الماء، وكذا عند العرف فلو زال تغيره امكن استصحاب النجاسة لو كان المرجع في اتحاد القضيتين أحدهما (قوله: هو خصوص العنب) يعني المفهوم الذي لا يصدق على الزبيب وإلا لما شك في ثبوت الحكم الزبيب لأن الدليل يكون رافعا للشك. فالشك انما كان لأجل أنه لا يفهم من العنب المأخوذ موضوعا للحكم المذكور إلا الذات التي لا تصدق على الزبيب (قوله: بحسب ما يرتكز في اذهانهم) هذا - كما سيأتي - شروع في دفع توهم أنه كيف يكون الموضوع في نظر العرف غير الموضوع في لسان الدليل، مع أن المرجع في فهم الدليل هو العرف (وتوضيح) الدفع: انه لا تنافي بين فهمهم من الدليل كون الحكم الشرعي كالتحريم بالغليان مثلا الذي تضمن اثباته الدليل موضوعه العنب على أن يكون وصف العنبية مقوما له بحيث ينتفي الموضوع بانتفائه. وكون المرتكز في أذهانهم كون التحريم بالغليان موضوعه ذات العنب ووصف العنبية من الحالات فكونهم مرجعا في فهم الدليل معناه أنهم مرجع في معني الكلام،

٥٢٩

من حالاته المتبادلة بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه ولو كان محكوما به كان من بقائه، ولا ضير في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة يصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه. ولا يخفى أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع فيكون نقضا بلحاظ موضوع ولا يكون بلحاظ موضوع آخر فلابد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ ؟

______________________________

وكونهم مرجعا في الاتحاد معناه أن ارتكازهم في تمييز قوام الموضوع عن حاله هو الميزان في الاتحاد المصحح للاستصحاب (أقول): يمكن أن يقال: انه لو فرض كون ارتكازهم مطابقا لفهمم من الدليل لكنه إذا صدق على الزبيب انه كان عنبا يصدق بالضرورة انه كان إذا غلى بنجس فيجري الاستصحاب إذا شك في بقائه على ما كان، وحينئذ لا يحتاج إلى تصحيح كون ارتكازهم في الحكم على خلاف الدليل ولا تنقيح ما عليه ارتكازهم (قوله: من حالاته المتبادلة) يعني من حالات الموضوع المتبادلة عليه لا من مقوماته كما هو ظاهر الدليل (قوله: من ارتفاع الحكم) ولا يصدق الارتفاع إلا مع وحدة الموضوع والمحل، وهكذا البقاء (قوله: إذا لم تكن بمثابة) وإلا كان الدليل موافقا للعرف في الموضوع (قوله: يختلف بحسب الملحوظ) قد عرفت أن النقض في النصوص معناه رفع اليد عما كان لشئ مع الشك في بقائه فمهما صدق كون الشئ كان كذا فإذا شك في بقائه على ما كان وجب العمل على بقائه، ولأجل ذلك يختلف صدق النقض وعدمه باختلاف ما يكون الشئ حاكيا عنه، فقد يجعل حاكيا عن الموضوع العقلي أو الدليلي فلا يصدق أنه كان كذا الانتفائه فيجعل حاكيا عن الموضوع العرفي فيصدق انه كان كذا لبقائه، وقد يكون الأمر بالعكس

٥٣٠

فالتحقيق أن يقال: إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون

______________________________

 (ويمكن) أن يقال: لا ملزم في حمل الشئ على الموضوع حتى يتردد في أن أي موضوع هو المكحي به، بل اطلاقه يقتضي أن كل شئ يصدق انه كان كذا وقد شك في بقائه على ما كان وجب العمل على بقائه سواء كان ذلك الشئ موضوعا في نظر العقل أم العرف أم الدليل أم لا، فان صدق إنه كان حراما ولو بواسطة أو صدق إنه كان خمرا أو عنبا جرى الاستصحاب، وان لم يصدق إنه كان كذا امتنع الاستصحاب. نعم يبقي الاشكال في أن صدق كان هذا الشئ كذا هل هو منوط بنظر العرف أو بنظر العقل مثلا الملح الذي استحال إليه الكلب لا يصدق بنظر العرف أنه كان كلبا حتى يصدق أنه كان نجسا أو حراما، لكن يصدق بنظر العقل انه كان كلبا (ويفترق) هذا التقرير عن سابقه (أولا) بانه لا وجه لاحتمال الرجوع إلى الدليل إذ ليس في الدليل تعرض لصدق قولنا: هذا كان كذا، وكذبه بل يدور الامر بين الرجوع فيه إلى العقل والرجوع إلى العرف (وثانيا) ان الرجوع إلى العقل يوجب التوسعة في موضوع الاستصحاب على هذا التقرير فيصح استصحاب نجاسة الكلب إذا صار ملحا بخلاف التقرير السابق لما عرفت من عدم الصدق عرفا (وثالثا) بانه لا مانع أيضا من استصحاب الأحكام الكلية لو كان المرجع العقل على هذا التقرير ويمتنع استصحابها على التقرير السابق (ورابعا) بان الحمل على الموضوع العرفي على التقرير الأول أسهل اثباتا لأن الدليل عليه يكون مرددا مجملا في نفسه، وبالاطلاق المقامي ينزل على العرفي بخلاف التقرير الثاني لأن الحمل عليه لا يخلو من مسامحة كما يظهر بالتأمل فتأمل جيدا (قوله: فالتحقيق أن يقال) من المعلوم أن لفظ (النقض) كسائر الالفاظ المذكورة في الكتاب والسنة يجب حمله على المعني الحقيقي عند العرف، وليس دعوى الرجوع إلى العرف في المقام راجعة إلى خلاف ذلك بل راجعة إلى أن النقض الحقيقي بلحاظ الموضوع العرفي - كما على التقرير الأول - دون العقلي أو الدليلي أو هو بلحاظ نظر العرف المبني على المسامحة في صدق إن هذا كان كذا

٥٣١

بلحاظ الموضوع العرفي لأنه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات الشرعية فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم لا محيص عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف وان لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا ولا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك وان كان هناك اتحاد عقلا كما مرت الاشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي فراجع (المقام الثاني) أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة في مورده وإنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه، والتحقيق، أنه للورود فان رفع اليد عن اليقين السابق بسبب إمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين

______________________________

- كما على التقرير الثاني - دون النظر الحقيقي. ولا يبعد صدق الدعوى المذكورة ويكون المقام نظير الأوزان القائمة بالموضوعات العرفية فإذا وجب صاع حنطة امتنع اعطاء ما دون صاع ولو بمثقال لأنه ليس صاعا حقيقة، ويجوز اعطاء صاع حنطة مخلوطة بما ليس من الحنطة من تراب أو تبن أو غيرهما مما يتعارف خلطها به ولا تخرج بذلك عن كونها حنطة وان كانت لو ميز عنها الخليط نقصت عن الصاع بعشرة مثا قيل. والانصاف أن اطلاق نصوص المقام يقتضي كون الاعتبار بنظر العرف ولابد من التأمل. فتأمل (قوله: بلحاظ الموضوع العرفي) هذا جري على التقرير الأول الذي قد عرفت أنه لا ملزم به (قوله: في القسم الثالث) وهو الشك في الاستحباب عند القطع بارتفاع الايجاب

الاستصحاب والامارات

(قوله: والتحقيق انه للورود) من المعلوم أن الورود عبارة عن كون الدليل الوارد رافعا لموضوع المورود، فكون الامارات واردة على الاستصحاب

٥٣٢

* بالشك بل باليقين، وعدم رفع اليد

______________________________

يتوقف على كونها رافعة لموضوعه وهو يكون بأمرين (الأول) أن يكون المراد من الشك الذي هو من أركانه عدم الحجة نظير الشك المأخوذ في موضوع الأصول العقلية كقاعدتي البراءة والاشتغال، وحيث ان الامارة حجة فإذا قامت على البقاء أو الارتفاع لم يتحقق موضوع الاستصحاب - أعني عدم الحجة - لتحقق نقيضه فلا مجال لجريانه (وفيه) أنه خلاف ظاهر لفظ الشك الذي تقدم أن معناه خلاف اليقين (الثاني) أن يكون المراد من المشكوك الأعم من الحقيقي والتعبدي فإذا قامت الامارة في مورده فقد علم بمؤداه التعبدي فلا شك فيه فلا مجال للاستصحاب لارتفاع موضوعه (وفيه) أنه خلاف ما تقدم من كون متعلق الشك هو متعلق اليقين فإذا كان اليقين متعلقا بالأمر الحقيقي كفى في جريان الاستصحاب الشك في بقاء ذلك الأمر الحقيقي ولو علم بالوجود التعبدي بتوسط قيام الامارة (واما) ما ذكره المصنف (ره) من أن رفع اليد عن اليقين السابق بالامارة ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين (ففيه) انه إن اريد من اليقين اليقين الحقيقي فلا ريب في عدم حصوله من الامارة، وإن اريد اليقين التنزيلي - لأن أدلة حجية الامارات تدل على كونها علما تنزيليا وهو الوجه المصحح للتعير عنها بانها طرق إلى مؤدياتها - فهو وإن كان الأمر كما ذكر لكنه لا يقتضي ورود الامارة بل حكومتها عليه كما سيأتي، وان اريد به ما يعم الدليل فهو راجع إلى الوجه الأول الذى عرفت ما فيه وانه خلاف ظاهر لفظ اليقين والشك، وان أريد به اليقين بالحكم - ولو بعنوان كونه مما قامت الامارة على حكمه مثلا إذا قامت الامارة على نجاسة شئ بالملاقاة فقد علم بكونه نجسا بما انه قامت الامارة على نجاسته - فهو راجع في الحقيقة إلى الوجه الثاني الذي عرفت ما فيه من مخالفته لما تقدم من اعتبار اتحاد متعلق اليقين والشك. ومن هذا يظهر لك أن دعوى الورود غير ظاهرة جدا. (قوله: وعدم رفع اليد) هذا دفع توهم انه لو كان الدليل يقينا كان اللازم رفع اليد عن اليقين السابق به مطلقا مع انه

٥٣٣

عنه مع الامارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل بالحجة (لا يقال): نعم هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده ولكنه لم لا يؤخذ بدليله ويلزم الأخذ بدليلها ؟ (فانه يقال): ذلك إنما هو لأجل أنه لا محذور في الأخذ بدليلها بخلاف الاخذ بدليله فانه يسلتزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على وجه دائر إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها واعتباره كذلك يتوقف على التخصيص به إذ لولاه لا مورد له معها كما عرفت آنفا

______________________________

لا يجب رفع اليد عنه إذا كان الدليل على وفقه بل يجب العمل عليه. ووجه الدفع ان عدم رفع اليد عن اليقين السابق في صورة الموافقة ليس عملا باليقين السابق بل عمل بالحجة الموافقة له (هذا) وربما قيل: ان الامارة الموافقة لا توجب كون العمل على طبق اليقين السابق عدم نقض له باليقين ليكون ممنوعا عنه بل يبقى جائزا ومقتضاه حجية الاستصحاب في عرض الامارة الموافقة ولا تكون واردة عليه (قوله: عنه) الضمير راجع إلى اليقين السابق وكذا ضمير (وفقه) (قوله: ليس لأجل) بل عرفت أنه لذلك إذ لا مجال للزوم النقض مع الموافقة لامتناع تحققه ولا ينافيه وجوب العمل بالامارة ايضا (قوله: لا يلزم) يعني لا يجب نققض اليقين السابق باليقين بمعنى الامارة والدليل (قوله: نعم هذا لو أخذ) هذا استدراك على قوله: بل باليقين، يعني انما يكون نقضا باليقين لو بني على الأخذ بدليل الامارة أما لو بني على الأخذ بدليل الاستصحاب امتنع الأخذ بدليل الامارة لتنافيهما في صورة المخالفة، وحينئذ يحتاج الأخذ بدليل الامارة واسقاط دليل الاستصحاب إلى مرجح (قوله: ويلزم) معطوف على قوله: لا يؤخذ (قوله: فانه يقال ذلك) حاصل الجواب: ان الاستصحاب والامارة وان كانا متنافيين يمتنع الاخذ بهما معا ويلزم من الأخذ باحدهما رفع اليد عن الآخر إلا أن المتعين الأخذ بدليل الامارة ورفع اليد عن دليل الاستصحاب إذ في ذلك لا يلزم تخصيص دليل الاستصحاب ولا غيره، ولو اخذ بالاستصحاب

٥٣٤

وأما حديث الحكومة فلا أصل له أصلا، فانه لا نظر لدليلها إلى مدول دليله إثباتا

______________________________

ورفعت اليد عن الامارة يلزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلى على وجه دائر. أما أن الأخذ بالامارة لا يلزم منه تخصيص دليل الاستصحاب ولا غيره فهو لما عرفت من أن الامارة إذا كانت حجة كانت يقينا فرفع اليد عن اليقين السابق بها نقض لليقين باليقين لا بالشك فيكن عملا بدليل الاستصحاب ودليل الامارة معا. وأما لو بني على الأخذ بالاستصحاب ورفع اليد عن الامارة كان ذلك تخصيصا لدليل الامارة بلا مخصص (فان قلت): المخصص دليل الاستصحاب (قلت): تخصيص دليل الامارة بدليل الاستصحاب يتوقف على حجيته بنحو يشمل مورد الامارة وحجيته كذلك موقوفة على تخصيص دليل الامارة وهو دور. أما سند المقدمة الأولى فواضح. وأما سند الثانية فلأنه لولا تخصيص دليل الامارة تكون الامارة يقينا فترفع الاستصحاب، ولا مجال لحجية دليله، ولأجل ذلك لا يصح تقريره الدور على العكس فلا يقال: تخصيص دليل الاستصحاب يتوقف على حجية الامارة وحجيتها موقوفة على تخصيص دليل الاستصحاب، إذ المقدمة الأولى وان كانت مسلمة إلا أن المقدمة الثانية ممنوعة فان حجية الامارة لا تلازم تخصيص دليل الاستصحاب فضلا عن توقفها عليه (قوله: واما حديث الحكومة) يعني دعوى كون الامارات حاكمة على الاستصحاب كما استظهره شيخنا الأعظم (ره) (قوله: لا نظر لدليلها) قد عرفت ان دليلها إذا كان دالا على كونها علما كما هو مقتضي كونها طريقا عندهم كان ناظرا إلى مدلول دليل الاستصحاب ومفيدا لكون الشك في موردها علما فرفع اليد عن اليقين السابق به نقض لليقين باليقين لا بالشك (ودعوى) عدم دلالة دليلها على كونها علما وعلى إلغاء احتمال الخلاف كما سيأتي منه (قدس سره) في مبحث التعارض (خلاف) المنساق من أدلتها. وقد عرفت أن اعتبار الدليلية لها وكونها طرقا إنما هو لأجل دلالة دليلها على ذلك بخلاف الاستصحاب وعامة الاصول فانه لا دلالة لدليله إلا على حكم في ظرف الشك ولأجل ذلك لا تسمي طرقا ولا أدلة تسمي أصولا وقواعد.

٥٣٥

وبما هو مدلول الدليل وإن كان دالا على إلغائه معها ثبوتا وواقعا لمنافات لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها، كما أن قضية دليله الغاؤها كذلك فان كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوضيفة للجاهل فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة هذا مع لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة ولا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة (فافهم) فان المقام لا يخلو من دقة

______________________________

وبالجملة: فنظر ادلة الامارات إلى مدلول دليل الاستصحاب وغيره من الأصول بما أنه مدلول دليله مما لا ينبغي الاشكال فيه، والرجوع إلى طريقة العقلاء في باب الامارات كاف في اثباته، وليس حال دليل الامارة عندهم الا حال سائر الأدلة المتعرضة لنفي حكم الموضوع المستفاد من دليل آخر بلسان نفى موضوعه فتأمل جيدا (قوله: وبما هو مدلول) بيان لقوله: اثباتا (قوله: وان كان دالا) معطوف على قوله: لا نظر لدليلها... الخ، يعني ان دليل الامارة لابد أن يكون دالا على نفي الاستصحاب إذا كان مقتضيا لخلاف الامارة إلا أن هذه الدلالة لا توجب حكومتها عليه لأن هذه الدلالة ناشئة من تنافي المدلولين فانه يقتضي أن يكون دليل احدهما دالا على نفي الآخر - كما سيأتي انشاء الله تعالى في مبحث التعارض - ومثلها لا تكون حكومة والا فهي حاصلة بدليل الاستصحاب فانه يدل على نفي الامارة التي على خلافه بالالتزام، ومع ذلك لا يكون حاكما على الامارة (قوله: هذا مع لزوم اعتباره) ظاهر العبارة يقتضي ان يكون ايرادا على القول بالحكومة في قبال الايراد الاول. يعني لو قلنا بالحكومة من جهة أن دليل الامارة ناظر إلى مدلول دليل الاستصحاب لابد من القول بها في صورة المخالفة بينهما لا في صورة الموافقة. (لكن) فيه أنه إذا سلم نظر الدليل على النحو المذكور فلا وجه للاختصاص بصورة المخالفة لاطلاق الدليل في جميع الحالات كما هو لازم القول بحجية الامارة في صورة الموافقة. (ويمكن) أن يكون ايرادا على القول بكون نظر الدليل ثبوتا كافيا في الحكومة

٥٣٦

* وأما التوفيق فان كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق وان كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له لما عرفت من أنه لا يكون مع الأخذ به نقض يقين بشك لا أنه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك (خاتمة) لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية وبيان التعارض بين الاستصحابين (اما الاول) فالنسبة بينه وبينها

______________________________

وهو في محله إلا أنه لم يتعرض لتوهم ذلك في العبارة صريحا ولا لدفعه فلاحظ (قوله: وأما التوفيق) يريد من التوفيق الجمع العرفي بين دليل الامارة ودليل الاستصحاب لا بنحو الورود ولا بنحو الحكومة ومنه لا يحسن قوله: فان كان بما ذكرنا، إذ الذي ذكره هو الورود كما صرح به (قوله: وان كان بتخصيص) قد جزى على لسان جماعة إذ بين دليل الامارة ودليل الاستصحاب عموما من وجه إلا أن ظهور دليل الامارة في مورد الاجتماع اقوى فيتعين تقديمه وتخصيص دليل الاستصحاب به (وأورد) عليه المصنف (ره) بان التخصيص رفع اليد عن الحكم بلا تصرف في الموضوع وليس الأمر هنا كذلك إذ في مورد الامارة يكون نقض اليقين بالدليل لا بالشك (وفيه) ما عرفت من أن الامارة إذا لم توجب ارتفاع الشك حقيقة ولا تنزيلا لم يخرج المورد عن كونه نقضا لليقين بالشك واما ما ينبغي ان يورد على هذا الوجه فامران احدهما انه لا وجه لاقوائية ظهور دليل الامارة من ظهور دليل الأصل (وثانيهما) ان لازمه حجية الاستصحاب في رتبة الامارة إذا كانا متوافقين ولا يظن الالتزام به من احد فإذا التحقيق هو ما استظهره شيخنا الأعظم (ره) من كون التقديم بمناط الحكومة (وهو) الوجه في تقديم الامارات والطرق كافة على عامة الأصول حكمية أو موضوعية والله سبحانه اعلم

٥٣٧

هي بعينها النسبة بين الامارة وبينه فيقدم عليها ولا مورد معه لها للزوم

______________________________

الاستصحاب والاصول

(قوله: هي بعينها النسبة) يعني نسبة الاستصحاب إلى سائر الاصول نسبة الوارد إلى المورود، وعلله في الحاشية بقوله: فان المشكوك معه يكون من وجه وبعنوان مما علم حكمه وان شك فيه بعنوان آخر وموضوع الأصول هو المشكوك من جميع الجهات. انتهي (وتوضيحه): ان مشكوك الحكم إذا جرى فيه الاستصحاب يكون معلوم الحكم بعنوان كونه قد شك في بقاء حكمه، ومع هذا العلم لا مجال لجريان سائر الأصول فان موضوعها مشكوك الحكم من جميع الجهات، مثلا إذا شك في حلية شئ قد علم حرمته سابقا فباستصحاب الحرمة يكون معلوم الحرمة بعنوان كونه قد شك في بقاء حرمته وإذا صار معلوم الحرمة كذلك لا مجال لجريان اصالة الحل لأن موضوعها مشكوك الحل والحرمة من جميع الجهات (وفيه أولا) امتناع جعل الشك في الحكم من جميع الجهات الشامل لعنوان كونه مشكوك الحكم موضوعا لحكم الأصل لأن الحكم المجعول للشئ بعنوان كونه مشكوك الحكم متأخر رتبة عن الشك فيمتنع أخذه في موضوعه فتأمل جيدا (وثانيا) ان هذا تفكيك بين أدلة الاصول من غير وجه ظاهر، ولم لا يجوز الالتزام بالعكس ؟ بجعل الشك المأخوذ موضوعا لدليل الاستصحاب الشك من جميع الجهات والشك المأخوذ موضوعا لأدلة سائر الأصول خصوص الشك من وجه واحد (فالتحقيق): أنه لو بني على كون مفاد دليل الاستصحاب كمفاد سائر الاصول تنزيل المشكوك منزلة الواقع لم يكن وجه لتقديم بعضها على بعض لا الاستصحاب وغيره، وان كان مفاد دليله وجوب العمل حال الشك العمل حال اليقين - كما اشرنا إليه سابقا - كان الوجه تقديمه على سائر الاصول لا بمناط الحكومة المتقدم في الامارات ولا بمناط الورود لعدم تعرض دليله لنفي الشك المأخوذ في أدلتها لا حقيقة ولا تنزيلا: ولكن بمناط آخر من الحكومة

٥٣٨

وليسم مناط النظر، لما عرفت من ان المراد من عمل اليقين العمل المترتب على آثار نفسه وآثار متعقله، ومن آثار نفسه كونه غاية لاصل الطهارة أو الحلية أو غيرهما من الاصول المغياة بالعلم عقلا وشرعا، فالشك في بقاء الحرمة في الفرض المتقدم وان كان موضوعا لكل واحد من الاستصحاب وقاعدة الحل بلا فرق بينهما فيه الا أن الحكم في أحدهما لما كان ناظرا إلى الحكم في الآخر كان ذلك موجبا لتقدمه عليه عرفا فلاحظ (ثم) إن شيخنا الاعظم (قدس سره) بنى على الحكومة في المقام مع بنائه على كون دليل الاستصحاب دالا على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن (يتقريب): ان الناية المجعولة لحكم الاصول العلم بالحكم الواقعي الحقيقي ودليل الاستصحاب يجعل الحكم الواقعي الحقيقي تنزيلا فتتحقق به الغاية فيرجع مفاد الأصل والاستصحاب إلى مثل قوله: كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي، وكل نهي ورد في زمان ثابت إلى زمان اليقين بارتفاعه، فدليل الاستصحاب يثبت النهي الذي هو غاية لاطلاق الشئ الذي هو كناية عن حليته (وفيه) أن اثبات الحكم الواقعي تنزيلا بالاستصحاب انما يقتضي ترتيب آثار نفس الحكم لا آثار العلم به، ومن المعلوم أن الغائية انما تكون للعلم بالحكم الواقعي لا لنفسه. نعم بالاستصحاب يحصل علم حقيقي بالحكم الواقعي الحقيقي التنزيلى، إلا ان هذا العلم لم يجعل غاية لحكم الأصل بل الغاية العلم بالحكم الواقعي الحقيقي فلا يقوم مقامه الا ما هو بمنزلة العلم بالحكم الواقعي لا العلم الحقيقي بالحكم التنزيلي، مع انه لو فرض كون العلم بالحكم الواقعي التنزيلي غاية كان الاستصحاب واردا على الاصول لا حاكما عليها لأنه يثبت غايتها حقيقة لا تنزيلا. ولأجل ذلك يمكن دعوى كون جميع الأصول المحرزة للواقع - اعني ما يكون دليله دالا على ثبوت الواقع تعبدا في ظرف الشك كالاستصحاب وقاعدة الحرية وقاعدة الطهارة وقاعدة التجاوز واصالة الصحة ونحوها - واردة على ما ليس كذلك كاصالة الاباحة بناء على انها كذلك بدعوى كون موضوع الاصول غير المحرزة الشك بالواقعي الحقيقي أو التنزيلي. وجميع الاصول المحرزة لما كانت مثبتة الواقع الحقيقي تنزيلا كانت رافعة لموضوعها. ولا يمكن

٥٣٩

* محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس وعدم محذور فيه أصلا. هذا في النقلية منها وأما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها، بداهة عدم الموضوع معه لها ضرورة أنه اتمام حجة وبيان ومؤمن من العقوبة وبه الامان، ولا شبهة في ان الترجيح به عقلا صحيح (واما الثاني) فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما كاستصحاب وجوب أمرين حدث

______________________________

دعوى العكس لأن الاصول غير المحرزة لا تثبت الواقع الحقيقي ولا التنزيلي فلا تكون رافعة لموضوع الاصول المحرزة، (لكن) ذلك - مع انه لا يجدي الا في تقديم الاستصحاب على الاصول غير المحرزة لا على الاصول كافة كما هو، ظاهرهم، ويقتضي تقديم بعض الاصول غير الاستصحاب على بعض وهو ايضا خلاف ظاهرهم - لا دليل عليه اصلا، بل ظاهر أدلة جميع الاصول كون موضوعها الشك في الحكم الواقعي وغايتها العلم به. مضافا إلى ما عرفته سابقا من دعوى امتناع تعلق الشك بحكم نفسه، ولو فرض تصويره باعتبار شكين مترتبين رجع الاشكال إذا الشك الأول موضوع حكم الاصل غير المحرز فيتنافى حكما الاصلين فتأمل جيدا (قوله: محذور التخصيص) وتقريره كما تقدم بعينه (قوله: في العكس) متعلق ب‍ (لزوم) والمراد به تقديمها على الاستصحاب (قوله: محذور فيه) يعني عدم لزوم محذور التخصيص بلا مخصص الا بوجه دائر في تقديم الاستصحاب عليها (قوله: واما العقلية) يعني بها اصالة البراءة والتخيير والاشتغال (قوله: اتمام حجة وبيان) يعني لو قام على ثبوت التكليف وحينئذ فلا مورد للبراءة (قوله: ومؤمن من العقوبة) يعني لو قام على نفي التكليف وحينئذ لا مجال لاصالة الاشتغال (قوله: في ان الترجيح به) يعني لو قام على ثبوت الوجوب أو الحرمة فيما لو دار الامر بينهما وحينئذ فلا مجال للتخيير (قوله: كاستصحاب وجوب) كما لو علم بوجوب الانفاق على والده وبوجوب الصدقة على الفقير بدرهم ثم شك في بقاء الوجوبين في زمان لا يتمكن إلا

٥٤٠