حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول9%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 222198 / تحميل: 5396
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بالثوبين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس به » وقد سُئل عن الثوب بالثوبين(١) .

وكذا يجوز بيع الغزل بالثياب المبسوطة وإن كان أحدهما أكثر وزناً ؛ لخروج الثوب بالصنعة عن الوزن.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن بيع الغزل بالثياب المبسوطة والغزل أكثر وزناً من الثياب ، قال : « لا بأس »(٢) .

ج - لو كان الشي‌ء في أصله غير موزون ولا مكيل ثمّ صار باعتبار صفةٍ إلى الكيل أو الوزن ، جرى فيه الربا حالة اتّصافه بتلك الصفة لا قبلها ، وذلك كالبطّيخ ، والرمّان إذا كان رطباً ولم يدخله الكيل والوزن حينئذٍ ، فإنّه لا يجري فيه الربا ، فيجوز بيع بعضه ببعضٍ متفاضلاً. أمّا إذا جُفّف وصار موزوناً حالة جفافه ، فإنّه يثبت فيه الربا في هذه الحال ، فلا يجوز بيع بعضه ببعضٍ متفاضلاً ، بل متساوياً.

وللشافعي حال رطوبته قولان :

الجديد : ثبوت الربا فيه ، فلا يجوز بيع بعضه ببعض رطبين إذا كان له حالة جفاف متساوياً ومتفاضلاً ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب وإن تساويا. ويجوز في حالة الجفاف بشرط التساوي.

والقديم : عدم الربا ، فيجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً وإن جفّ ؛ لأنّه ليس مال ربا.

وإن كان ممّا لا يجفّ ، كالقثّاء ، ففي جواز بيع بعضه ببعضٍ في حال الرطوبة قولان : المنع مطلقاً ، كبيع الرطب بالرطب. والجواز مع التساوي‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٥٩٦ ، التهذيب ٧ : ١٢٠ / ٥٢٤ ، وفي الأخيرين : « المنسوجة » بدل « المبسوطة ».

٢٠١

وزناً ؛ لأنّ معظم منافع هذه الأشياء في حالة الرطوبة ، فأشبهت بيع اللبن باللبن.

فعلى هذا إن لم يمكن كيله كالبطّيخ والقثّاء ، بِيع وزناً. وإن أمكن ، كالتفّاح والتين ، ففي بيعه وزناً وجهان للشافعيّة ، أصحّهما : الوزن ؛ لأنّه أحصر. وعلى الوجهين لا بأس بتفاوت العدد فيه(١) .

د - كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافاً كذا لا يجوز بيعه مكيلاً ، إلّا إذا عُلم عدم التفاوت فيه. وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافاً ولا موزوناً ، إلّا مع علم عدم التفاوت.

ه- لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير ، كالحنطة المقدّرة بالكيل ، والدقيق المقدّر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل أو الوزن(٢) ؛ للاختلاف قدراً. وتسويغه بالوزن.

و - يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائيّة. وكذا الخلّ بمثله ؛ لعدم الأصالة.

[ الأمر الثاني ](٣) : في الأحكام.

مسألة ٩٨ : لو دعت الضرورة إلى بيع الربويّات متفاضلاً مع اتّحاد الجنس ، وجب توسّط عقد بينهما‌ ، فيباع الناقص بجنس مخالف ثمّ يشتري الزائد بذلك الجنس ، فلو أرادا بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسّرة أكثر وزناً ، بِيع الدراهم الصحاح بدنانير أو بجنس آخر كالثياب ثمّ اشتري بتلك الدنانير أو الثياب الدراهم المكسّرة أو بالعكس ؛ لانتفاء الربا هنا ؛ لعدم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ - ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) في « ق ، ك» : بالوزن.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : المطلب الثالث. وما أثبتناه مطابق لما قسّمه المؤلّفقدس‌سره .

٢٠٢

شرطه ، وهو اتّحاد الجنس.

وروى أبو سعيد الخدري أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمَّر أخا عَدِيٍّ على خيبر ، فأتى بتمر جيّد ، فقال : « أوَ تمر خيبر كلّه هكذا؟ » فقال : لا ، ولكنّا نبيع الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : « لا تفعلوا ولكن بِيعوا تمركم بعوض ثمّ اشتروا بثمنه من هذا التمر »(١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية سماعة ، قال : سألته عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد إلّا إن كان صرفته نوعاً إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر »(٢) .

فروع :

أ - لا فرق بين أن يتّخذ ذلك عادة أو لا‌ - وبه قال الشافعي(٣) - للأصل.

وقال مالك : يجوز مرّة واحدة ، ولا يجوز أن يجعله عادة(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ المقتضي إن كان كونه رباً ، لم يجز ولا مرّة. وإن كان غيره ، فلا بدّ من بيانه.

ب - يجوز توسّط غير البيع ، وذلك بأنّ يقترض الزائد ثمّ يستقرض الآخر منه الناقصَ ثمّ يتباريان ، أو يهب كلّ واحد منهما ماله من صاحبه ، أو‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠٢ و ٢٢٩ ، و ٥ : ١٧٨ ، و ٩ : ١٣٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٥ / ١٥٩٣ ، سنن النسائي ٧ : ١٧١ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٧ / ٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٥ و ٢٩١ ، الموطّأ ٢ : ٦٢٣ / ٢٠ و ٢١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٦ بتفاوت في بعض الألفاظ.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٨ ، المغني ٤ : ١٩٣.

٢٠٣

يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسّرة ويهب صاحب المكسّرة الزيادة منه ، فيجوز جميع ذلك سواء شرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر أو لا ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه سوّغ مع عدم الشرط لا معه(١) .

لنا : عموم قولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) .

ج - لو باع النصف الشائع من دينارٍ قيمته عشرة دراهم بخمسة ، جاز ، ويسلّم إليه الكلّ ليحصل تسليم النصف ، ويكون النصف الآخر أمانةً في يده. أمّا لو كان له عشرة على غيره فأعطاه عشرةً عدداً فوُزنت فكانت أحد عشر ، كان الدرهم الزائد للمقبوض منه على الإشاعة ، ويكون مضموناً عليه ؛ لأنّه قبضه لنفسه. ثمّ إذا سلّم الدراهم الخمسة ، فله أن يستقرضها ويشتري بها النصف الآخر ، فيكون جميع الدينار له ، وعليه خمسة.

ولو باعه بعشرة وليس مع المشتري إلّا خمسة فدفعها إليه ثمّ استقرض منه خمسة أُخرى وردّها إليه عن باقي الثمن ، جاز ، وبه قال الشافعي(٣) . أمّا لو استقرض الخمسة المدفوعة إليه ، جاز عندنا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

مسألة ٩٩ : القسمة تمييز أحد النصيبين من الآخر وإفراز الحقوق بعضها من بعض‌ ، وليست بيعاً - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ لها اسماً

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣ و ٤ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

٢٠٤

يخصّها ، وتدخل فيها القرعة ، ولا تفتقر إلى لفظ بيعٍ أو تمليكٍ ، ولا يجوز إلّا بقدر الحقّين ، ولا يثبت بها الشفعة.

والقول الأصحّ : أنّها بيع ؛ لأنّ كلّ جزء من ذلك مشترك بينهما ، فإذا تعيّن لأحدهما شي‌ء بالقسمة ، فقد اشترى نصيب شريكه فيما تعيّن له بنصيبه ممّا تعيّن لشريكه ، فكان ذلك بيعاً(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا كان المقسوم ممّا يدخل فيه الربا ، جازت القسمة كيلاً ووزناً ، وقسمة المكيل بالوزن وبالعكس ، وما لا يباع بعضه ببعضٍ عنده(٢) ، كالرطب بمثله والعنب بمثله ، متساوياً ومتفاضلاً ، نقداً ونسيئةً وإن كان يمنع ذلك في البيع.

وكذا يجوز أن يأخذ أحدهما الرطب أو العنب والآخر التمر أو الزبيب.

ويجوز قسمة الثمرة على رؤوس النخل.

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ القسمة بيعٌ أم لا ، فإن كانت بيعاً ، لم تجز ، كما لا يجوز بيع الثمرة على أصلها بمثلها.

ونحن نمنع ذلك ؛ لجواز بيع الثمرة على رؤوس النخل بمثلها. نعم ، الممنوع بيعها بخرصها تمراً.

وإن لم تكن عنده بيعاً وإنّما هي إفراز حقٍّ ، فقولان ، أحدهما : المنع مطلقاً. والثاني : الجواز في الرطب والعنب خاصّةً دون باقي الثمار ؛ لأنّ للخرص مدخلاً فيهما ، ولهذا جاز خرصهما على الفقراء ، فجازت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ و ١٢٧ ، وانظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

٢٠٥

قسمتهما بين الشركاء ، بخلاف باقي الثمار(١) .

والحقّ عندنا الجواز مطلقاً.

مسألة ١٠٠ : قد بيّنّا أنّ الجيّد والردي‌ء في الجنس الواحد واحدٌ لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن رجل استبدل قَوْصَرتين(٢) فيهما بسرٌ مطبوخ بقَوْصَرة فيها مشقّق ، فقال : « هذا مكروه ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام كان يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن [ عليّ ](٣) عليه‌السلام يكره الحلال »(٤) .

مسألة ١٠١ : يجوز بيع العصير بالبُخْتُج(٥) مِثْلاً بمِثْل نقداً ؛ لأنّ خالد بن أبي الربيع(٦) سأل الصادقَعليه‌السلام : ما ترى في التمر والبسر الأحمر مِثْلاً بمِثْل؟ قال : « لا بأس » قلت : فالبُخْتُج والعصير(٧) مِثْلاً بِمثْل؟ قال : « لا بأس »(٨) .

واعلم أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز بيع التمر بالبسر الأحمر.

والمراد به البسرُ المطبوخ بالنار ؛ لذهاب رطوبته ، ومساواته للتمر في عدم‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، وانظر روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) القَوْصَرَّة - بالتشديد - : هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري. وقد يخفّف. الصحاح ٢ : ٧٩٣ « قصر ».

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ - ٩٧ / ٤١٢.

(٥) البُخْتُج : العصير المطبوخ. وأصله بالفارسيّة : ميبخته ، أي : عصير مطبوخ. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٠١ «بختج ».

(٦) كذا ، وفي المصدر : عن خالد عن أبي الربيع.

(٧) في التهذيب : « العنب » بدل « العصير ».

(٨) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١٨ ، التهذيب ٧ : ٩٧ - ٩٨ / ٤١٨.

٢٠٦

النقصان عند الجفاف ، بخلاف الرطب بالتمر.

مسألة ١٠٢ : قد بيّنّا جواز بيع البُرّ بالسويق متساوياً نقداً‌ ، ولا يجوز متفاضلاً ولا نسيئةً ؛ لاتّحاد الأصل فيهما ، ولا اعتبار بزيادة الرَّيع(١) في أحدهما ؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : ما تقول في البُرّ بالسويق؟ فقال : « مِثْلاً بمِثْل لا بأس به » قال : قلت له : إنّه يكون له رَيْعٌ أو يكون له فضل ، فقال : « ليس له مؤونة؟ » قلت : بلى ، قال : « فهذا بذا » وقال : « إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يداً بيد »(٢) .

مسألة ١٠٣ : لو دفع إلى الطحّان طعاماً وقاطعه على أن يُعطيه به طحيناً أنقص‌ ، أو دفع إلى العصّار سمسماً وقاطعه على شيرج أنقص ، لم يجز.

وكذا مع التساوي فيهما. أمّا الأوّل : فلربا الفضل ، وأمّا الثاني : فلربا النسيئة.

وسأله محمّد بن مسلم عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يُعطي صاحبه لكلّ عشرة اثنتي عشرة دقيقاً ، فقال : « لا » قال : فقلت : فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار ويضمن له لكلّ صاع أرطالاً مسمّاة ، قال : « لا »(٣) .

مسألة ١٠٤ : يكره أن يدفع الإنسان إلى غيره البقر والغنم‌ على أن يدفع إليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها شيئاً معلوماً. وإن فعل ذلك ، كان ضريبةً غير لازمة.

وكذا يكره أن يدفع الغنم والإبل إلى غيره على أن يبدل له - إذا‌

____________________

(١) الرَّيْعُ : النماء والزيادة. لسان العرب ٨ : ١٣٧ « ريع ».

(٢) الكافي ٥ : ١٨٩ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤١١.

٢٠٧

ولدت - الذكور بالإناث وبالعكس.

لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن رجلٍ قال لرجلٍ : ادفع إليَّ غنمك وإبلك تكون معي فإذا ولدت أبدلت لك إن شئت إناثها بذكورها أو ذكورها بإناثها ، فقال : « إنّ ذلك فعلٌ مكروه ، إلّا أن يبدلها بعد ما تولّد ويعزلها ».

قال : وسألته عن الرجل يدفع إلى الرجل بقراً وغنماً على أن يدفع اليه كلّ سنة من ألبانها وأولادها كذا وكذا ، قال : « ذلك مكروه »(١) .

مسألة ١٠٥ : لا ربا بين الولد ووالده‌ ، فلكلّ واحد منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه ؛ لأنّ مال الولد في حكم مال الوالد. وكذا بين السيّد وعبده المختصّ به ؛ لأنّ مال العبد لمولاه. ولا بين الرجل وزوجته ، ولكلٍّ منهما أن يأخذ الفضل من صاحبه. ولا بين المسلم والحربيّ ، فيأخذ منهم الفضل ولا يعطيهم إيّاه ؛ لأنّهم في الحقيقة في‌ءٌ للمسلمين.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا ، إنّما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك » قلت : والمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال : « نعم » قلت : فإنّهم مماليك ، فقال : « إنّك لست تملكهم ، إنّما تملكهم مع غيرك ، أنت وغيرك فيهم سواء ، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك ، لأنّ عبدك ليس مثل عبد غيرك »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيّد وعبده ربا »(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٢٠ - ١٢١ / ٥٢٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٩١ / ٩ بدون الذيل.

(٢) الاستبصار ٣ : ٧١ / ٢٣٦ ، وفي الكافي ٥ : ١٤٧ / ٣ ، والتهذيب ٧ : ١٧ / ٧٥ بزيادة يسيرة.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٦.

٢٠٨

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، فإنّا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم »(١) .

فروع :

أ - لا فرق في تحريم الربا بين المسلمين بين دار الحرب ودار الإسلام ، فلا يجوز للمسلم أن يُربي على المسلم في الدارين - وبه قال مالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف(٢) - للعموم(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا ربا بين مسلمَين(٤) إذا أسلما في دار الحرب(٥) .

ب - لا ربا عندنا بين المسلم والحربيّ سواء كان ذا أمان أو لا ، وسواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب - وبه قال أبو حنيفة(٦) - للأحاديث السابقة.

وروى الجمهور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب »(٧) ونحن لم نشرط الدار.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٠ - ٧١ / ٢٣٥.

(٢) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) في « ق ، ك» : المسلمَيْن.

(٥) المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩ - ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ - ١٠٠.

(٦) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٩.

(٧) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٧٦ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٠٠ نقلاً عن مكحول.

٢٠٩

ولأنّه في الحقيقة في‌ء للمسلمين وقد بذل ماله بإذنه للمسلم فجاز(١) له أخذه منه حيث أزال أمانه عنه ببذله له.

وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف : يثبت الربا بين المسلم والحربيّ مطلقاً كثبوته بين المسلمين ؛ للعموم(٢) (٣) .

ج - هل يثبت الربا بين الجدّ وولد الولد؟ إشكال ، أقربه : الثبوت ؛ عملاً بالعموم الدالّ على التحريم ، وأصالة إرادة الحقيقة ، وولد الولد يسمّى ولداً مجازاً.

وكذا يثبت بينه وبين زوجته بالعقد المنقطع ؛ لأنّ التفويض في مال الرجل إنّما يثبت(٤) في حقّ العقد الدائم ، فإنّ للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم.

ولا فرق بين الولد الذكر والأنثى ، لشمول اسم الولد لهما.

د - يثبت الربا بين السيّد وعبده المشترك بينه وبين غيره ، لخروج حصّة الغير عن ملكه في نفس العبد وفيما في يده ، وعليه دلّ حديث الباقر(٥) عليه‌السلام .

ه- في ثبوت الربا بين المسلم والذمّيّ خلاف أقربه : الثبوت ؛ لعصمة أموالهم ، وعموم الأحاديث والنصوص الدالّة على تحريم مطلق الربا.

مسألة ١٠٦ : يجب على آخذ الربا المحرَّم ردّه على مالكه إن عرفه‌ ؛ لأنّه مالٌ له لم ينتقل عنه إلى الآخذ ، ويده يد عادية ، فيجب دفعه إلى المالك‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : فجائز.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١ ، المغني ٤ : ١٧٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٩٨ - ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٢.

(٤) في « ق ، ك» : ثبت.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٧ / ٧٥ ، الاستبصار ٣ : ٧١ / ٢٣٦.

٢١٠

كالغصب. ولو لم يعرف المالك ، تصدّق به عنه ؛ لأنّه مجهول المالك. ولو وجد المالك قد مات ، سلّم إلى الوارث ، فإن جهلهم ، تصدّق به إذا لم يتمكّن من استعلامهم. ولو لم يعرف المقدار وعرف المالك ، صالحه. ولو لم يعرف المالك ولا المقدار ، أخرج خُمْسه ، وحلّ له الباقي.

هذا إذا فَعَل الربا متعمّداً ، وأمّا إذا فَعَله جاهلاً بتحريمه ، فالأقوى أنّه كذلك.

وقيل : لا يجب عليه ردّه(١) ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) (٢) وهو يتناول المال الذي أخذه على وجه الربا.

وسُئل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنّه له حلال(٣) ، قال : « لا يضرّه حتى يصيبه متعمّداً [ فإذا أصابه متعمّداً ](٤) فهو بمنزلة الذي قال الله عزّ وجلّ »(٥) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام قال : « أتى رجل إلى أبيعليه‌السلام (٦) ، فقال : إنّي قد(٧) ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يُربي وقد عرفت أنّ فيه رباً وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز ، فقالوا : لا يحلّ لك أكله‌

____________________

(١) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٧٦.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : أنّ له حلالاً. وما أثبتناه من المصدر.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٥ / ٦٦.

(٦) في « ق ، ك » : أتى رجل أبيعليه‌السلام . وفي الطبعة الحجريّة والتهذيب : أتى رجل إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام . وهو كما ترى.

(٧) كلمة « قد » لم ترد في « ق ، ك».

٢١١

من أجل ما فيه ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : إن كنت تعرف أنّ فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخُذْ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطاً فكُلْه هنيئاً ، فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه ، كما يجب على مَنْ يأكل الربا »(١) .

إذا تقرّر هذا ، فإنّما أباحعليه‌السلام له الربا مع امتزاجه بناءً على أنّ الميّت ارتكبه بجهالةٍ ، وتمام الحديث يدلّ عليه.

القسم الثالث : الغرر. وقد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر(٢) ، كبيع عسيب الفحل ، وبيع ما ليس عنده ، وبيع الحمل في بطن اُمّه ؛ لنهيهعليه‌السلام عنه(٣) . ولأنّه غرر ؛ لعدم العلم بسلامته وصفته وقد يخرج حيّاً أو ميّتاً ، ولا يقدر على تسليمه عقيب العقد ولا الشروع فيه ، بخلاف الغائب.

ومن الغرر بيع الملاقيح والمضامين. والملاقيح ما في بطون الاُمّهات ، والمضامين ما في أصلاب الفحول. وكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضربه الفحل في عام أو أعوام(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦ / ٧٠ ، وبتفاوت في بعض الألفاظ في الكافي ٥ : ١٤٦ ضمن الحديث ٩ ، والفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٤ و ٢١٩٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن الدار قطني ٣. ١٥ / ٤٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ / ٢٧٤٧.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ و ٣٤١ ، غريب الحديث - للهروي - ١ : ٢٠٦ ، الاستذكار - لابن عبد البرّ - ٢٠ : ٩٨ / ٢٩٤٠٠.

(٤) كما في المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

٢١٢

ومنه بيع المـَجْر ؛ لنهيهعليه‌السلام عنه(١) . ولأنّه غرر.

قال أبو عبيدة : هو بيع ما في الأرحام(٢) . وقيل : القمار(٣) ، وقيل : المحاقلة والمزابنة(٤) .

ويجوز أن يبيع الدابّة ويشترط حملها ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٥) والجهالة هنا لا تضرّ ؛ لأنّه تابع ، فأشبه أساسات الحيطان ، وهو أحد قولي الشافعيّة بناءً منه على أنّ الحمل له حكمه(٦) ، فيجوز اشتراطه. وفي الثاني : لا يجوز بناءً على أنّه لا حكم للحمل(٧) .

ولو باعها على أنّها تضع بعد شهر أو مدّة بعينها ، بطل العقد - وبه قال الشافعي(٨) - لأنّه شرط غير مقدور.

مسألة ١٠٧ : لو باع شاةً على أنّها لبون ، صحّ‌ - وبه قال الشافعي في أحد‌

____________________

(١) غريب الحديث - للهروي - ١ : ٢٠٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤١ ، الاستذكار - لابن عبد البرّ - ٢٠ : ٩٨ / ٢٩٤٠٠.

(٢) حكاه عنه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٤.

(٣ و ٤) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

واختلف في معنى المحاقلة ، فقيل : هي اكتراء الأرض بالحنطة. وقيل : هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما. وقيل : هي بيع الطعام في سُنبلة بالبُرّ. وقيل : بيع الزرع قبل إدراكه. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٤١٦ « حقل».

وأمّا المزابنة فهي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر. وأصله من الزبن ، وهو الدفع ، كأنّ كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقّه بما يزداد منه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٢٩٤ « زبن ».

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٦) في الطبعة الحجريّة : حكم.

(٧) الوسيط ٣ : ٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣.

٢١٣

القولين(١) - لأنّه يتحقّق وجوده في الحيوان ، ويأخذ قسطاً من الثمن ، فجاز شرطه.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّه لا يصحّ بيعه في الضرع فلا يصحّ اشتراطه ، كالحمل(٢) .

وبطلان التالي ممنوع. والفرق : عدم العلم بوجود الحمل ، بخلاف اللبن ، فإنّه معلوم الوجود.

أمّا لو شرط أنّها تحلب قدرا معلوما في كلّ يوم ، فإنّه لا يصحّ ، لتعذّر الوفاء به ، ولعدم ضبط اللبن.

مسألة ١٠٨ : يجوز بيع البيض المنفصل إذا كان ممّا يؤكل لحمه‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ المقصود وإن كان مستوراً إلّا أنّه لمصلحته ، كالجوز.

وإن كان غير ما يؤكل لحمه ، جاز عندنا أيضاً إذا كان ممّا ينتفع به بأن يصير فرخاً ؛ لأنّه لا ينتفع به في الأكل ، وهو أحد قولي الشافعي بناءً على أنّ منيّة نجس أم لا ، فإن كان نجساً ، لم يجز بيعه ، وإلّا جاز(٤) .

وأمّا إذا كان متّصلاً بالحيوان ، فلا يجوز بيعه منفردا ، كالحمل ، ويجوز اشتراطه.

وإن انفصل من الحيوان بعد موته ، فإن كان قد اكتسى الجلد الفوقاني الصلب ، كان مباحاً. وإن لم يكتس الجلد الصلب ، كان حراماً ؛ لأنّه مائع‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٢٦ ، الوسيط ٣ : ٨٤ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥.

(٣) اُنظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٧٢.

٢١٤

فينجس بها ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إنّه لا يحلّ(٢) ؛ لأنّه بمنزلة لحمها. وهو ممنوع.

ويجوز بيع بزر القزّ عندنا ؛ لأنّه طاهرٌ ينتفع به ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : لا يجوز بناءً على بيض ما لا يؤكل لحمه(٣) .

مسألة ١٠٩ : ومن الغرر بيع الطير في الهواء والسمك في الماء‌ وقد سلف(٤) . ولا يجوز استئجار بِرَك الحِيتان لأخذ السمك منها - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ العين لا تُملك بالإجارة. وبيع السمك فيها لا يجوز ؛ لأنّه غرر.

فإن استأجرها ليحبس السمك فيها ويأخذه ، جاز ، كما يجوز إجارة الشبكة للصيد. ولأنّه عقد على منفعة مقصودة ، فجاز العقد عليها ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٦) .

وقال أبو حامد(٧) في التعليق : لا يجوز. وفرّق بين البِرْكة والشبكة ؛ فإنّ الشبكة تحبس الصيد، والاصطياد يكون بها ، وأمّا البِرْكة فإنّ الصيد‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ١٨٦ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨.

(٢) التهذيب - للبغوي - ١ : ١٨٦ ، المجموع ١ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ١ : ١٢٨ ، حلية العلماء ١ : ١١٩ - ١٢٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤.

(٤) في ص ٥٠ و ٥١ ، المسألتان ٢٧ و ٢٨.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢٥.

(٧) هو أحمد بن محمّد الإسفرائيني ، المتوفّى سنة ٤٠٦ ه‍ ، له مصنّفات منها :

التعليقة الكبرى في الفروع. كشف الظنون ١ : ٤٢٣ - ٤٢٤. وانظر ترجمته في طبقات الفقهاء - للشيرازي - : ٢٢٣ ، وتاريخ بغداد ٤ : ٣٦٨ - ٣٧٠ / ٢٢٣٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢٠٨ - ٢١٠. وكتابه هذا لم يتوفّر لدينا.

٢١٥

ينحصر فيها بغيرها.

وهذا لا معنى له ؛ لأنّ البِرْكة بها يمكن الاصطياد ويحبس كالشَّرَك(١) ، والانتفاع المقصود حاصل بها.

فروع :

أ - لو استأجر أرضاً للزراعة فدخل إليها السمك‌ ثمّ نضب الماء منها وبقي السمك ، لم يملكه المستأجر بذلك ، بل كان أحقّ به ؛ لأنّ غيره ليس له التخطّي في الأرض ولا الانتفاع بها ، فلو تخطّى أجنبيٌّ فأخذ السمك ، ملكه بالأخذ.

ب - لو طفرت سمكة إلى سفينة فيها رُكّاب ، لم يملكها صاحب السفينة ، وهي لآخذها ، وليس صاحب السفينة أحقّ بها من الركّاب ؛ لأنّ لهم التخطّي فيها.

ج - لو عشَّش الطائر في دار أو أرض وفرَّخ فيها ، أو توحَّل الظبي في أرضه ، لم يملكه بذلك ما لم يثبت يده عليه ، ويكون صاحب الأرض أحقّ بذلك. وكذا إذا سقط ثلج في أرض إنسان ، لم يملكه بذلك ، وكان أحقّ به. ولو دخل الماء في أرضه ، لم يملكه. فإن نصب شبكة فوقع فيها صيد ، ملكه وإن كانت في غير أرضه ؛ لأنّها بمنزلة يده. وكذا لو غرف الماء بدلوه ولو من أرض غيره ، ملكه. وهذه الفروع كلّها موافقة للشافعيّة(٢) .

مسألة ١١٠ : بيع الفضولي جائز عندنا لكن يكون موقوفاً على إجازة المالك‌ ، فإن أجاز البيع ، لزم ، وإلّا بطل. ولا يقع فاسداً في أصله ولا لازماً.

____________________

(١) الشَّرَك : حبائل الصائد. لسان العرب ١٠ : ٤٥٠ « شرك ».

(٢) لم نعثر على تلك الفروع في مظانّها من المصادر المتوفّرة لدينا.

٢١٦

ولا فرق بين البيع والشراء - وبه قال مالك والشافعي في القديم(١) - لأنّه عقد صدر من أهله في محلّه ، وله مُجيزٌ في حال وقوعه ، فجاز أن يقف على إجازته ، كالوصيّة.

ولأنّهعليه‌السلام دفع إلى عروة البارقي ديناراً يشتري به شاةً ، فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ، ودينار ، فقال النبيّعليه‌السلام : « بارك الله في صفقة يمينك »(٢) فأجازعليه‌السلام بيع الشاة وشراء الشاتين ، ولو كان بيع الفضولي وشراؤه باطلين ، لما أقرّهعليه‌السلام على ذلك.

وقال أبو حنيفة : يقف البيع على إجازة المالك ، ولا يقف الشراء على إجازة المشتري له ، بل يقع للوكيل(٣) .

وعن أحمد روايتان في البيع والشراء جميعاً(٤) .

وقال الشافعي في الجديد : يبطل البيع من أصله(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام لحكيم ابن حزام : « لا تبع ما ليس عندك »(٦) .

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٧٢ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ و ٢٦١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ و ٧٧ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ / ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ / ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٨ و ٦٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ و ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، حلية العلماء ٤ : ٧٥ ، الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٢.

(٥) الوسيط ٣ : ٢٢ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٥٩ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ / ٢١٨٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٣ ، سنن النسائي =

٢١٧

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن »(١) .

ولأنّ بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكاً ؛ لعدم القدرة على التسليم ، فبيع ما لا ملك فيه ولا قدرة على تسليمه أولى.

والجواب : النهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات. ونمنع التعليل في الآبق بما ذُكر ، سلّمنا لكنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ القدرة في المتنازع موجودة إذا أجاز المالك.

فروع :

أ - هذا الخلاف الواقع في بيع الفضولي أو شرائه ثابت في النكاح على الأقوى‌ وإن كان للشيخ قول بأنّ النكاح لا يقع موقوفاً بل إمّا لازم أو باطل(٢) .

أمّا الطلاق فللشافعي القولان فيه وكذا في العتق(٣) .

وأمّا الإجارة والهبة فعندنا يقعان موقوفين على الإجازة. وللشافعي القولان(٤) .

ب - لو اشترى الفضولي لغيره شيئاً بعين مال الغير ، وقف على الإجازة‌

____________________

= ٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ / ١٤٨٨٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٢١٧ / ٣٠٩٧.

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٤ : ١٦٣ ، الخلاف ٤ : ٢٥٧ - ٢٥٨ ، المسألة ١١.

(٣ و ٤) المجموع ٩ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢١٨

عندنا ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد لا يصحّ(١) .

وإن اشترى في الذمّة ، فإن أطلق ونوى كونه للغير ، وقف على الإجازة ، فإن ردّ ، نفذ في حقّه ، وهو القديم للشافعي ، وعلى الجديد يقع للمباشر(٢) .

ولو أضاف فقال : اشتريت لفلان بألفٍ في ذمّته ، فهو كما لو اشترى بعين ماله. ولو قال : اشتريت لفلان بألف ، ولم يضف الثمن إلى ذمّة الغير ، وقف على إجازة الغير ، فإن ردّ ، احتمل نفوذه في حقّه. والبطلان.

وعلى قول الشافعي في القديم : يقف على الإجازة ، فإن ردّ ، فالاحتمالان(٣) . وعلى الجديد وجهان : إلغاء التسمية فيقع العقد عن المباشر. والبطلان(٤) .

ج - لو اشترى الفضولي لغيره شيئاً بمال نفسه ، فإن لم يُسمّه ، وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أو لا. وإن سمّاه ، فإن لم يأذن له ، لغت التسمية ، وبه قال الشافعي(٥) .

وهل يقع عنه أو يبطل من أصله؟ احتمال. وللشافعي وجهان(٦) .

وإن أذن له ، فهل تلغو التسمية؟ للشافعي وجهان ، فإن قلنا به ، ففي‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) في « ق ، ك» ، والطبعة الحجريّة : فالاحتمالات. وما أثبتناه موافق لما في المصادر.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٠ - ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١ - ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٥ و ٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

٢١٩

بطلان العقد أو وقوعه عن العاقد وجهان. وإن قلنا : لا ، وقع عن الآذن(١) .

والثمن المدفوع هل يكون قرضاً أو هبةً؟ فيه للشافعي وجهان(٢) .

والأقرب : البطلان فيما لو أذن ؛ إذ ليس للإنسان أن يملك شيئاً والثمن على غيره.

وقال أبو حنيفة في البيع والنكاح : إنّه يقف عقد الفضولي فيه على الإجازة. وأمّا الشراء فقد قال في صورة الشراء المطلق : يقع عن العاقد ، ولا يقع موقوفاً(٣) .

وعن أصحابه اختلاف فيما إذا سمّى الغير(٤) .

د - شرط الوقف(٥) عند أبي حنيفة أن يكون للعقد مُجيزٌ في الحال‌ سواء كان مالكاً أو لا حتى لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته ، لا يتوقّف على إجازته بعد البلوغ. والمعتبر إجازة من يملك التصرّف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز ، لم ينعقد. وكذا لو باع مال الغير ثمّ ملكه وأجاز(٦) .

والمعتمد : أنّ الطلاق لا يقع موقوفاً.

ه- لو غصب مالاً وباعه وتصرّف في ثمنه مرّة بعد اُخرى ، كان ذلك موقوفاً على اختيار المالك في إجازة الجميع أو أيّها شاء ، وفسخ الجميع أو أيّها شاء ، وله تتبّع العقود الكثيرة ، فيراعي مصلحته ، وهذا أضعف‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٨ - ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

(٥) أي : توقُّف صحّة تصرّف الفضولي على الإجازة.

(٦) بدائع الصنائع ٥ : ١٤٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين لا فيما إذا كان مؤدى احدهما حكما غير الزامي فانه حينئذ لا يزاحم الآخر، ضرورة عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه ان يزاحم به ما فيه الاقتضاء. إلا أن يقال: بان قضية اعتبار دليل غير الالزامي

______________________________

عقلاء أم لفظيا كالكتاب والسنة إلا أن عنوان معلوم الكذب مما يعلم عدم انطباقه على كل منهما فيكون كل منهما داخلا تحت دليل الحجية إلا أن بدعى عدم شمول الأدلة اللبية للمتعارضين معا وهو كلام آخر غير ما ذكر (قوله: إلى وجوب الضدين) يعني ينظر فان كان أحدهما أهم يتعين الأخذ به وان تساويا فان لم يكن لهما ثالث يتخير بينهما عقلا وان كان لهما ثالث يجب الأخذ باحدهما، لكن هذا بالنظر إلى المدلول المطابقي اما بالنظر إلى المدلول الالتزامي يكون كل من الضدين مما دل الدليل على وجوبه وعدمه فيدخلان فيما لو دل أحدهما على حكم الزامي والآخر على حكم غير الزامي وسيأتي حكمه (قوله: أو لزوم المتناقضين) فينظر الأهم فيؤخذ به وان تساويا يتخير بين الفعل والترك عقلا (قوله: لا فيما إذا) يعني لا يعمل بقاعدة التزاحم لو كان أحدهما دالا على حكم الزامي والآخر على حكم غير الزامي كما لو دل أحدهما على الوجوب والآخر على الاباحة لأن الاباحة من الأحكام غير الاقتضائية فلا يزاحم الوجوب الذي هو حكم اقتضائي (إلا أن) يدعى: أن الاباحة وإن كانت من الأحكام غير الاقتضائية في نفسها إلا أن مقتضى القول بالسببية ان تكون اقتضائية لأن معنى السببية أن يكون قيام الامارة على حكم موجبا لثبوت مقتضي الحكم، فإذا قامت الامارة على اباحة شئ كان قيامها موجبا للاباحة فتكون الاباحه اقتضائية فتصلح لمزاحمة الوجوب، وبهذا التزاحم يكون المورد كأنه مما ليس فيه مقتضي الالزام ولا مقتضي اللا إلزام، والحكم فيه الاباحة لأنه يكفي فيها عدم مقتضي الالزام، ولا يكفي في الوجوب عدم مقتضي اللا إلزام (ويمكن) تقرير التعارض على القول بالسببية من وجهين (الاول) ان القول بالسببية إنما هو لو قامت الامارة على خلاف الواقع دون ما لو قامت الامارة على نفس الواقع فان ثبوت الحكم فيه من جهة مقتضي الواقع، فإذا قام أحد الدليلين على الوجوب

٥٦١

أن يكون عن اقتضاء فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الالزامي ويحكم فعلا بغير الالزامي ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي غير الالزامي لكفاية عدم تمامية علة الالزامي في الحكم بغيره (نعم) يكون باب التعارض من باب التزاحم (مطلقا) لو كان قضية الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدي إليه من الأحكام لا مجرد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به، وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وان كان واضحا

______________________________

والآخر على عدمه فان كان الدليل الأول مخالفا للواقع كان قيامه مقتضيا للوجوب وقيام الدليل على الوجوب لا يصلح لمزاحمته وان كان الامر بالعكس كان الحكم على العكس، وحيث لا يعلم الموافق من المخالف يقع التعارض، ولا وجه للتزاحم. نعم لو احتمل كذب الدليلين معا تم ما ذكر. فتأمل (الثاني) أن ظاهر كل واحد من الدليلين فعلية الحكم الالزامي واللا إلزامي، وحيث يمتنع اجتماع النقيضين لابد أن يتكاذبا، والأخذ باحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، وانما يكونان من المتزاحمين لو دل كل منهما على ثبوت المقتضي فقط، لكنه خلاف مفروض تنافي الدليلين (فان قلت): الدليلان وإن دلا على فعلية الحكمين إلا أنه لما امتنع اجتماعهما فعليين يجمع بينهما عرفا بالحمل على الاقتضائي كما في جميع موارد التزاحم مثل: أكرم العالم وأهن الفاسق (قلت): محل الكلام ما إذا لم يكن الجمع العرفي بين الدليلين ممكنا فالجمع بينهما بذلك جمع غير عرفي. وبالجملة: إذا كان أحدهما نصا في ثبوت الوجوب والآخر نصا في عدم الوجوب فدليل الاعتبار في شموله كلا منهما يمنع من شموله للآخر، وشموله لاحدهما ترجيح من دون مرجح فلابد من الحكم بخروجهما معا. ومن هنا يظهر لك أن الحكم في جميع الصور المذكورة في المتن هو التعارض على القول بالسببية أيضا (قوله: ان يكون عن) يعني أن يكون الحكم غير الالزامي عن اقتضاء (قوله: ولا يزاحم بمقتضاه) يعني لا يزاحم الالزامي بمقتضي مقتضي الحكم غير الالزامي (قوله: مطلقا) يعني ولو على الطريقية (قوله: من تزاحم الواجبين) حيث ان دليل اعتبار

٥٦٢

ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الاحكام إلا انه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للاحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مر تحقبقه، وحكم التعارض بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها في الجملة حسبما فصلناه في مسألة الضد وإلا فالتعيين، وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دل على الحكم الالزامي لو لم يكن في الآخر مقتضيا لغير الالزامي وإلا فلا بأس بأخذه والعمل عليه لما أشرنا إليه من وجهه آنفا (فافهم) هذا هو قضية القاعدة في تعارض الامارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما، كما هو قضية ما يتراءي مما قيل من أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما كما عرفته في الصور السابقة، مع أن في الجمع كذلك أيضا طرحا للامارة أو الامارتين، ضرورة سقوط اصالة الظهور في أحدهما أو كليهما معه وقد عرفت أن التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين، وقد عرفت أن قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين في خصوص كل ما يؤديان إليه من الحكمين لا بقاؤهما على الحجية بما

______________________________

كل منهما يقتضي وجوب الالتزام بمضمونه فإذا تعذر الالتزام بهما لزم الالتزام باحدهما تخييرا (قوله: ضرورة عدم) قد تقدم الاشكال فيه وأنه لا مانع من امكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد إذ التنافي انما هو بين الحكمين لا بين الالتزامين بهما على تقدير جواز ثبوتهما معا (قوله: ما يتراءي) حيث يتراءي منه كون المراد من الامكان العقلي (قوله: مما كان) بيان لما يساعد (قوله: أيضا طرحا) فلا وجه لكونه أولى من الطرح بخلاف ما لو كان التصرف عرفيا فانه ليس طرحا لاصالة الظهور لعدم حجية اصالة الظهور في الاضعف مع منافاتها بالظهور الأقوى (قوله: ضرورة) تعليل لكونه طرحا (قوله: معه) يعني مع هذا الجمع (قوله: لا بقاؤهما على) معطوف على

٥٦٣

يتصرف فيهما أو في أحدهما أو بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل، فلا يبعد أن يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا، ولا ينافيه الحكم بأنه أولى مع لزومه حينئذ وتعينه فان أولويته من قبيل الأولوية في أولي الأرحام وعليه لا إشكال فيه ولا كلام

فصل

لا يخفي أن ما ذكر من قضية التعارض بين الامارات إنما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها، وإلا فربما يدعى الاجماع على عدم سقوط كلا المعارضين في الأخبار كما اتفقت عليه كلمة غير واحد من الاخبار. ولا يخفى أن اللازم فيما إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما للقطع بحجيته تخييرا أو تعيينا بخلاف الآخر لعدم القطع بحجيته والاصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيته بل ربما ادعي الاجماع أيضا على حجية خصوص الراجح واستدل عليه بوجوه أخر أحسنها الاخبار وهي على طوائف (منها) ما دل على التخيير على

______________________________

سقوط. والوجه في ذلك: عدم الدليل على حجية الكلام في المؤول (قوله: بلا دليل) متعلق ببقاء سنديهما (قوله: أو نقل) كما سيأتي من أدلة الترجيح أو التخيير (قوله: ان اللازم فيما) يعني الأصل عند الدوران بين التعيين والتخير في الحجية هو التعيين وربما يتوهم أنه من صغريات الدوران بين التعيين والتخيير في المكلف به فيلحقه حكمه، ولكنه كما ترى إذ لا مجال للوجوب التخييري في العمل بالحجة لما عرفت من أنه قد يكون مؤداهما نقيضين أو ضدين لا ثالث لهما فيمتنع الوجوب التخييري بينهما، وربما لا يكون مؤداهما معا حكما الزاميا إذ لا معنى للوجوب في المقام فيتعين كون المرجع عند الشك اصالة عدم الحجية في غير ما يحتمل التعيين واما محتمل التعيين فمعلوم الحجية قطعا (قوله: بوجوه أخر) سيأتي تفصيلها عن قريب (قوله: وهي على طوائف) الضمير راجع إلى نفس

٥٦٤

الاطلاق كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام (قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا يعلم أيهما الحق، قال: فإذا لم يعلم فموسع عليك بأيهما أخذت) وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا سمعت من اصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد عليه) ومكاتبه عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: (اختلاف اصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله - عليه السلام - في ركعتي الفجر فروي بعضهم: صل في المحمل، وروي بعضهم: لا تصلها إلا في الأرض، فوقع عليه السلام: موسع عليك بأية عملت) ومكاتبة الحميري إلى الحجة - عليه السلام -... إلى أن قال: في الجواب عن ذلك حديثان... إلى أن قال عليه السلام: (وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا) إلى غير ذلك من الاطلاقات (ومنها) ما دل على التوقف مطلقا (ومنها) ما دل على ما هو الحائط منها (ومنها) ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسنة والاعدلية

______________________________

الأخبار لا خصوص أخبار الترجيح وإلا فاخبار التخيير مطلقا ليس منها (قوله: إلى غير ذلك) كمرسل الكافي: بايهما أخذتم من باب التسليم وسعكم (قوله: ما دل على التوقف) كخبر سماعة عن أبي عبد الله (ع) قلت: يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال (ع): لا تعمل بواحد منهما حتى تلقي صاحبك فتسأله. قلت: لابد أن نعمل بواحد منهما قال: خذ بما خالف فيه العامة. ومكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى علي بن محمد (ع) يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك وأجدادك (ع) قد اختلف علينا فيه فكيف العلم به على اختلافه والرد اليك فيما اختلف فيه ؟ فكتب (ع): ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه الينا (قوله: ما هو الحائط) لم أجد فيما يحضرني ما دل على الاحتياط مطلقا غير ما دل على التوقف. نعم في مرفوعة زرارة ذكر

٥٦٥

والأصدقية والأفقهية والأورعية والأوثقية والشهرة على اختلافها في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينها ولاجل اختلاف الاخبار اختلفت الانظار (فمنهم) من أوجب الترجيح بها مقيدين باخباره إطلاقات التخيير، وهم بين من اقتصر على الترجيح بها ومن تعدى منها إلى ساير المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزية وأقربيته - كما صار إليه شيخنا العلامة اعلى الله مقامه - أو المفيدة للظن - كما ربما يظهر من غيره - فالتحقيق أن يقال: إن أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الاخبار هو المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما وضعف سند المرفوعة جدا، والاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال لقوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة

______________________________

الاحتياط بعد عدم المرجح (قوله: لأقوائية ذي) يعني وان لم توجب الظن وبهذا افترق عن القول الآتي (قوله: مع اختلافهما) لتقديم الترجيح بصفات الرواي في المقبولة على الشهرة وتأخيره عنها في المرفوعة، لكن دفعه شيخنا الاعظم (ره) بان الترجيح بالصفات في المقبولة إنما كان للحكم لا للرواية فتأمل. (قوله: وضعف سند) إذ لم يروها الا ابن ابي جمهور عن العلامة (ره) مرفوعا إلى زرارة (قوله: اختصاص الترجيح) يأبى هذا الاختصاص تعليل الترجيح بالشهرة بأن المجمع عليه لا ريب فيه فان مقتضاه بعد ما كان ارتكازيا عدم الفرق في الحكم بين مورد الرواية وغيره ولا سيما بملاحظة تثليث الامور، والاستشهاد على رد المشكل إلى الله تعالى بقول النبي صلى الله عليه وآله: حلال بين... الخ لامتناع الاقتصار على المورد بعد ذلك كله، واما الترجيح بالصفات فيشكل لعدم ذكره في ترجيح الرواية الا في المرفوعة وهي ضعيفة السند، ولم يعتمد عليها الاصحاب في ذلك وانما اعتمد من رجح بالصفات على المقبولة التي عرفت انها ليست ظاهرة الا في ترجيح احد الحكمين على الآخر، واما الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة فمذكور في كثير من نصوص الترجيح ولا ينحصر ذكرهما بالمقبولة حتى يحتاج في التعدي عن مودرها إلى معمم. مع أن تعليل الترجيح بمخالفة العامة

٥٦٦

لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو موردهما ولا وجه معه للتعدي منه إلى غيره كما لا يخفى، ولا وجه لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة أن رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استند إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلا بالترجيح ولذا أمر - عليه السلام - بارجاء الواقعة إلى لقائه - عليه السلام - في صورة تساويهما فيما ذكر من المزايا بخلاف مقام الفتوى، ومجرد مناسبة الترجيح لمقامها ايضا لا يوجب ظهور الرواية في وجوبه مطلقا ولو في غير مورد الحكومة كما لا يخفى. وإن أبيت إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الامام - عليه السلام - بهما لقصور المرفوعة سندا وقصور المقبولة دلالة لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه السلام. ولذا ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح - مع أن تقييد الاطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين

______________________________

بكون الرشد في خلافهم يقتضي التعدي عن مورده ايضا (قوله: ولا وجه لدعوى) لا حاجة إلى هذه الدعوى (قوله: لا يكاد يكون الا بالترجيح) إذ التخيير لا يقطع الخصومة إذ قد يختار كل من الخصمين خلاف ما يختاره الآخر (قوله: ولذا ما ارجع إلى) هذا - اعني عدم الارجاع والامر بالارجاء بعد فقد الترجيح - يوجب المباينة بين المقبولة وبين الاطلاقات لأن حمل الاطلاقات على صورة فقد المرجح طرح للمقبولة من حيث دلالتها على وجوب الارجاء، والجمع بينهما بحمل المقبولة على زمان الحضور والاطلاقات على زمان الغيبة مما تأباه كلتا الطائفتين، اما تخصيص الاطلاقات بحال الغيبة فيأباه صريح رواية الحارث، ومكاتبة عبد الله، واما تخصيص المقبولة بحال الحضور فلأن ظاهرها كون الارجاء لخصوصية الواقعة لا لخصوصية زمان الحضور، لكن هذا الاشكال يختص بالبناء على التعدي من مورد المقبولة إلى الفتوى بملاحظة المناسبة بين موردها وغيره، أما لو كان التعدي للتعليل المذكور فيها فلا اشكال. ويكون الجمع العرفي تقييد

٥٦٧

مع ندرة كونهما متساويين جدا - بعيد قطعا بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب كما فعله بعض الاصحاب ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من الاخبار. ومنه قد انقدح حال سائر اخباره، مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا وجهه قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة، بشهادة ما ورد في أنه زخرف وباطل وليس بشئ، أو انه لم نقله، أو أمر بطرحه على الجدار، وكذا الخبر الموافق للقوم ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لولا القطع به غير جارية للوثوق حينئذ بصدوره كذلك، وكذا الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب يكون

______________________________

اطلاقات التخيير بفقد المرجح من دون فرق بين زماني الحضور والغيبة (قوله: مع ندرة كونهما) يمكن منع الندرة في التساوي في المرجحات الثلاث اعني الشهرة والموافقة للكتاب والمخالفة للعامة، نعم يندر التساوي في صفات الراوي لكن عرفت عدم الدليل على الترجيح بها في الرواية (قوله: لوجب حملها) لئلا يلزم الحمل على النادر (قوله: بشهادة ما ورد) هذا وان ورد في جملة من النصوص لكن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب خالية عنه مع انه لابد من رفع اليد عن ظاهره في الجملة إذ المقبولة قد اشتملت على الترجيح به بعد الترجيح بالشهرة، ومقتضى الظاهر جواز الاخذ بالمخالف إذا كان مشهورا بين الاصحاب فتدل على حجية الخبر المخالف في الجملة (قوله: وكذا الخبر) معطوف على قوله: ان يكون الخبر (قوله: غير جارية للوثوق) هذا ممنوع، والمراد من الوثوق بالصدور النوعي بملاحظة ما عليه الخبر من الخصوصيات فانه المعول عليه عند العقلاء، ومثل هذا الوثوق لا ينافيه وجود المعارض نظير الوثوق بالصدور الذي لا ينافيه وجود المعارض والا سقط الخبران عن الحجية اقتضاء وذاتا لا بالتعارض (قوله: وكذا الصدور) يعني أن الخبر المخالف للكتاب لا مجال

٥٦٨

* موهونا بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند والظهور كما لا يخفى، فتكون هذه الأخبار في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة (فافهم) وإن أبيت عن ذلك فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الاطلاقات إما على ذلك أو على الاستحباب كما أشرنا إليه آنفا. هذا ثم إنه لولا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات وهي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل: (ما خالف قول ربنا لم أقله) أو زخرف أو باطل ؟ كما لا يخفى (فتلخص) مما ذكرنا أن إطلاقات التخيير محكمة وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها (نعم) قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه آخر (منها) دعوى الاجماع على الاخذ بأقوى الدليلين (وفيه) أن دعوى الاجماع

______________________________

لجريان اصالة حجية السند أو اصالة الظهور فيه لعدم الوثوق بظهوره ولا بصدوره فلا يدخل تحت دليل حجية الصدور أو الظهور (أقول): لازم ما ذكر عدم حجية الخبر المخالف للكتاب ولو لم يكن له معارض، لكنه خلاف المحقق وخلاف المفروض في المقام، إذ الكلام في الخبرين المتعارضين بعد الفراغ عن حجية كل منهما لولا المعارضة، وقد تقدم منه في العموم والخصوص جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد والجواب عن هذه الاخبار. نعم تقدم منه في مبحث الخبر عدم حجية المخالف عند المعارضة (قوله: أبيت عن ذلك) يعني عن عدم جريان اصالة السند والظهور وعدم التقية (قوله: على ذلك) يعني على كونها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة وان كان خلاف ظاهرها إلا أن ارتكابه لازم لانه أولى من تقييد الاطلاقات لانه أقرب منه (قوله: للزم التقييد) يعني لو بني على الاخذ باطلاقات التخيير عند فقد المرجح يلزم التقييد في أدلة المرجحات فيحكم بحجية المخالف للكتاب مثلا مع تساوي الخبرين في ذلك وهي آبية عن التقييد (قوله: مثل ما خالف) قد عرفت أنه ليس في اخبار الترجيح ما يشتمل على ذلك بل مثله دال على عدم الحجية فلابد ان يحمل على المخالفة بنحو المباينة

٥٦٩

- مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغري ويخالط النواب والسفراء قال في ديباجة الكافي: ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير مجازفة (ومنها) أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعا (وفيه) أنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع، ضرورة إمكان أن تكون تلك المزية بالاضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الانسان وكان الترجيح بها بلا مرجح وهو قبيح كما هو واضح. هذا - مضافا إلى ما هو في الاضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع من أن الترجيح بلا مرجح في الافعال الاختيارية ومنها الاحكام

______________________________

لا مطلقا فلا يكون مما نحن فيه (قوله: مع مصير مثل الكليني) لم ينقل الخلاف عنه (قدس سره) في الترجيح وانما المنقول عنه السيد الصدر من اصحابنا والجبائيان من العامة، بل عبارته المحكية كالصريحة في وجوب الترجيح. قال (ره): اعلم يا اخي ارشدك الله تعالى انه لا يسع احدا تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه من العلماء برأيه الا ما اطلقه العالم (ع) بقوله (ع): اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله عزوجل فذروه، وقوله (ع): دعواما وافق القوم فان الرشد في خلافهم، وقوله (ع): خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه، ولا نعرف من جميع ذلك الا اقله، ولا نجد شيئا احوط ولا اوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم، وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله: بايهما اخذتم من باب التسليم وسعكم. انتهي فانه اشار بصدر عبارته إلى مضمون المقبولة فهو مفت به، واما قوله (ره): ولا تجد... الخ فلعله - بقرينة قوله: ولا نعرف - يريد به انه حيث لا يمكن العلم غالبا بثبوت هذه المرجحات يجب الرجوع إلى اطلاقات التخيير ولا يجوز الأخذ بالظن فلاحظ (قوله: موجبة لتأكد) إذ لولا ذلك لا يكون صاحب المزية ارجح فلا يكون جواز الاخذ بغيره ترجيحا للمرجوح (قوله: من ان الترجيح بيان ل‍ (ما هو)

٥٧٠

الشرعية لا يكون إلا قبيحا ولا يستحيل وقوعه إلا على الحكيم تعالى والا فهو بمكان من الامكان لكفاية ارادة المختار علة لفعله، وإنما الممتنع هو وجود الممكن بلا علة فلا استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح الا من باب امتناع صدوره منه تعالى وأما غيره فلا استحالة في ترجيحه لما هو مرجوح مما باختياره (وبالجملة): الترجيح بلا مرجح بمعني بلا علة محال وبمعني بلا داع عقلائي قبيح ليس بمحال فلا تشتبه (ومنها) غير ذلك مما لا يكاد يفيد الظن فالصفح عنه أولى وأحسن (ثم) إنه لا إشكال في الافتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلديه ولا وجه للافتاء بالتخيير في المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه فيها (نعم) له الافتاء به في المسألة الأصولية، فلا بأس حينئذ باختيار المقلد غير ما اختاره المفتي فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره الذي

______________________________

 (وتوضيح) الاشكال: ان الاضراب خلط بين الترجيح بلا مرجح والترجح بلا مرجح، إذ الاول انما يكون في الافعال الاختيارية وهو لا يكون الا قبيحا لا ممتنعا لان ارادة المرجوح قبيحة، والثاني انما يكون في الامور غير الاختيارية ويراد به ان ترجح احد طرفي الممكن بلا علة محال والمقام - اعني الحكم الشرعي وهو جواز الاخذ بغير ذي المزية - من قبيل الاول (قوله: لا اشكال في الافتاء بما) اعلم أن وجوب التخيير ليس شرعيا مولويا إذ لا عقاب على مخالفته زائدا على مخالفة الواقع، بل هو ارشادي عقلي بمناط وجوب تحصيل الحجة فيدل على حجية ما يختاره المكلف من الخبرين فإذا اختار احدهما كان حجة بعينه فتجب الفتوى بمضمونه لا غير فيجب على المقلد الاخذ بها تعيينا كما يجب على المجتهد نفسه العمل به كذلك، وحينئذ فلا وجه للفتوى بالتخيير الفرعي بمعنى الاباحة من جهة انها فتوى بلا دليل إذ التخيير كذلك ليس مؤدى احد الخبرين، وكذا بمعنى الوجوب التخييري مع أنه لا يعقل الوجوب التخييري بين الوجود والعدم كما تقدم (قوله: نعم له الافتاء) يعني بان يفتي بان ما يختاره المكلف حجة،

٥٧١

لا شبهة فيه وهل التخيير بدوي أم استمراري ؟ قضية الاستصحاب لو لم نقل بانه قضية الاطلاقات ايضا كونه استمراريا (وتوهم) أن المتحير كان محكوما بالتخيير ولا تحير له بعد الاختيار فلا يكون الاطلاق ولا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار لاختلاف الموضوع فيهما (فاسد) فان التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله، وبمعني آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى

فصل

هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة

______________________________

أو بوجوب التخيير بين الخبرين العقلي (قوله: لا شبهة فيه) أما ما كان محتاجا إلى نظر يعجز عنه المقلد فلابد فيه من الرجوع إلى المجتهد (قوله: قضية الاطلاقات) يعني اطلاقات التخيير من حيث الزمان فكما تقتضي ثبوت التخيير في الزمان الاول تقتضي ثبوته ايضا في الزمان الثاني بلا فرق بين الزمانين (فان) قلت: التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب مقتضي اطلاقه كونه ملحوظا بنحو صرف الوجود ولازمه سقوط حكمه بمجرد حصوله في الزمان الاول (قلت): قد عرفت أن التخيير ليس بواجب شرعا بل واجب عقلا بمناط وجوب تحصيل الحجة فاطلاقه تابع لاطلاق دليل الحجية، فإذا كان اطلاقه دالا على حجية ما يختاره الملكف في كل زمان كان اللازم وجوب التخيير كذلك، ولا يختص بالزمان الأول ثم إنه على تقدير سقوط الاطلاق فالمرجع الاستصحاب لكنه موقوف على حجية الاستصحاب التعليقي فان تمت جرى (ودعوى) أن موضوع التخيير هو المتحير كما صدرت من شيخنا الاعظم (ره) ولا تحير بعد اختيار احد الخبرين فلا استصحاب لارتفاع موضوعه (مدفوعة) بان المراد من المتحير إن كان من تعارض عنده الخبران ان فهو حاصل في جميع الأزمان وان كان بمعنى آخر ينافيه الاختيار فهو مما لم يؤخذ في الادلة موضوعا للتخيير مع انه لو سلم فارتفاع التحير

٥٧٢

أو يتعدى إلى غيرها ؟ قيل بالتعدي لما في الترجيح بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما مما فيه من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع ولما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه من استظهار أن العلة هو عدم الريب فيه بالاضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه الف ريب ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم ولا يخفى ما في الاستدلال بها (أما الأول) فان جعل خصوص شئ فيه جهة الاراءة والطريقية حجة أو مرجحا لا دلالة فيه على ان الملاك فيه بتمامه جهة إراءته بل لا اشعار فيه كما لا يخفى لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيه أو حجيته لا سيما قد ذكر فيها ما لا يتحمل الترجيح به الا تعبدا فافهم (وأما الثاني) فلتوقفه على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها، مع أن الشهرة في الصدر الأول بين الرواة واصحاب الأئمة - عليهم السلام - موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها بحيث يصح ان يقال عرفا: إنها مما لا ريب فيها، كما لا يخفى ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله مما يوجب الوثوق والاطمينان بالصدور لا إلى كل مزية ولو لم توجب إلا أقربية ذي المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها

______________________________

لا يوجب تبدل الموضوع عرفا (قوله: قيل بالتعدي لما) القائل شيخنا الاعظم (ره) ونسبه إلى جمهور المجتهدين (قوله: بان الرشد في) إذ ليس المراد منه الا كون خلافهم مظنة الرشد والا فقد يكون الرشد في وفاقهم (قوله: لا دلالة فيه) نعم يحصل الظن منه بذلك لكن الظن غير المستند إلى ظهور الكلام ليس بحجة. هذا كله مضافا إلى الاشكال في حصول الترجيح بهذه الصفات كما تقدم (قوله: الا تعبدا) كالاورعية والافقهية والاعدلية، لكنه لا يخلو من اشكال فانها مما توجب الاقربية في الجملة (قوله: مما يطمأن بصدورها) لو سلم حصول ذلك شخصيا بالنسبة إلى كل خبر مشهور فلا يسلم حصوله للشاذ كذلك فيدور الامر بين تخصيص الترجيح بالشهرة بصورة حصول الاطمئنان بالمشهور

٥٧٣

(واما الثالث) فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها ولو سلم انه لغلبة الحق في طرف الخبر المخالف فلا شبهة في حصول الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدورا أو جهة ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله كما مر آنفا، ومنه انقدح حال ما إذا كان التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيه، ضرورة كمال الوثوق بصدوره كذلك مع الوثوق بصدورهما لولا القطع به في الصدر الاول لقلة الوسائط ومعرفتها هذا مع ما في عدم بيان الامام - عليه السلام - للكلية كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرارا، وما في أمره عليه السلام بالارجاء بعد فرض التساوي فيما ذكره من المزايا المنصوصة من الظهور في أن المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة كما لا يخفى (ثم) إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن

______________________________

وعدم حصوله في غيره تحكيما للتعليل على المعلل أو البناء على كون المراد نفي الريب بالاضافة، وحيث أن الثاني اقرب كان التعدي إلى كل ما يوجب نفي الريب بالاضافة في محله، فتأمل (قوله: فلاحتمال ان) هذا خلاف الظاهر (قوله: كما مر آنفا) لكن عرفت ما فيه (قوله: لاجل انفتاح باب) بحيث يكون صدوره للتقية، ويكون الفرق بين هذا الوجه وما قبله، ان المخالفة للعامة على هذا تكون من المرجحات الداخلية نظير الشهرة الروايتية، وعلى ما قبله تكون من المرجحات المضمونية نظير الشهرة الفتوائية (وحاصل) الجواب: ان تقديم المخالف إذا كان من جهة احتمال التقية في الموافق فإذا كان الخبران موثوقا بصدروهما معا يحصل الوثوق بان الموافق صادر تقية، ومع هذا الوثوق يسقط عن الحجية، لكن عرفت أن ظاهر الرواية كون كل منهما حجة لولا المعارضة فهي في مقام الترجيح بين الحجتين لا تمييز الحجة عن اللاحجة (قوله: كذلك) يعني تقية (قوله: القطع به) يعني بصدوره كذلك (قوله: في الصدر الاول) متعلق بالوثوق والقطع على التنازع (قوله: مع ما في عدم) لعل الوجه في

٥٧٤

بذي المزية ولا أقربيته كبعض صفات الراوي مثل الاورعية أو الافقهية إذا كان موجبهما مما لا يوجب الظن أو الاقربية كالتورع من الشبهات والجهد في العبادات وكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو المهارة في القواعد الاصولية فلا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الاقربية بل إلى كل مزية ولو لم تكن بموجبة لاحدهما كما لا يخفى (وتوهم) أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ (فاسد) فان الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعا وإنما يضر فيما أخذ في اعتباره عدم الظن بخلافه ولم يؤخذ في اعتبار الاخبار صدورا ولا ظهورا ولا جهة ذلك. هذا مضافا إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدورا وإلا فلا يوجب الظن بصدور أحدهما لا مكان صدورهما مع عدم إرادة الظهور في أحدهما أو فيهما أو إرادته تقية كما لا يخفى (نعم) لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وإن كان موجبا لقوة مضمون ذيه ثبوتا كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما، فان المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها إنما

______________________________

التفصيل التنبيه على موجبات الاقربية مع الاشارة إلى الكلية بالتعليل (قوله: كبعض صفات) قد عرفت الاشكال في ذلك، مضافا إلى الاشكال في كون الصفات مرجحة لاحد المتعارضين في المقبولة بل مرجحة لاحد الحكمين المختلفين (قوله: بل إلى كل مزية) هذا يتم لو كان التعدي لاجل إلغاء خصوصية المرجحات المنصوصة اما لو كان الاخذ بظاهر التعليل فهو انما يقتضي التعدي إلى كل ما يوجب الاقربية لا غير (قوله: لا يكون بمرجح) حيث ان الترجيح فرع كون المقتضي موجودا في كلا المتعارضين والظن بصدق احد الخبرين يوجب انتفاء مقتضي الحجية في الآخر (قوله: في اقوى الدليلين) فيدخل تحت قاعدة

٥٧٥

هو الاقوى دلالة كما لا يخفى فافهم (فصل) قد عرفت سابقا انه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي ولا يعمها ما يقتضيه الأصل في المتعارضين من سقوط احدهما رأسا وسقوط كل منهما في خصوص مضمونه كما إذا لم يكونا في البين فهل التخيير أو الترجيح يختص أيضا بغير مواردها أو يعمها ؟ قولان أولهما المشهور وقصارى ما يقال في وجهه: إن الظاهر من الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو التخيير أو الترجيح في موارد التحير مما لا يكاد يستفاد المراد هناك عرفا لا فيما يستفاد ولو بالتوفيق فانه من أنحاء طرق الاستفادة عند ابناء المحاورة (ويشكل) بان مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التحير في الحال لاجل ما يترآى من المعارضة وان كان يزول عرفا بحسب المآل أو للتحير في الحكم واقعا وان لم يتحير فيه ظاهرا وهو كاف في صحته قطعا مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة بين ابناء المحاورة وجل العناوين المأخوذة في الاسئلة لولا كلها يعمها كما لا يخفى (ودعوى) ان المتيقن منها غيرها (مجازفة) غايته انه كان

______________________________

وجوب العمل باقوى الدليلين بناء على ان المراد بالاقوى الاقوى دلالة (قوله: لا يخفى فافهم) لعله اشارة إلى انه لو كان منساقها غير ذلك فلا دليل عليها. إلى هنا انتهى الكلام في شعبان من النسة السابعة والاربعين بعد الالف والثلثمائة هجرية في جوار الحضرة المقدسة العلوية على صاحبها الف سلام وتحية هذا ختام ما كتبه مد ظله في الدورة الثانية ولما كان ذلك لا يستوفي مباحث التعادل والتراجيح مد ظله وكان قد كتبها في الدورة الاولى كاملة اتممنا هذا الجزء بما كتبه سابقا تتميما للفائدة (قوله: ويشكل بان مساعدة) اعلم: انه إذا بنينا علي ان الاظهر المنفصل يوجب ارتفاع ظهور الظاهر بالكلية وانعقاد ظهوره فيما يوافق الأظهر نظير القرائن المتصلة فلا ريب في عدم مجال اشكال لان الظاهر والاظهر لا نعارض بينهما بدوا فضلا عما لو لو حظت القواعد العرفية في الجمع، وهذا وإن ذهب إليه جمع من المحققين الا أنه خلاف التحقيق، وأن العرف يفرق بين القرائن المتصلة والمنفصلة، وأن

٥٧٦

* كذلك خارجا لا بحسب مقام التخاطب وبذلك ينقدح وجه القول الثاني (اللهم) الا أن يقال: إن التوفيق في مثل الخاص والعام والمقيد والمطلق كان عليه السيرة القطعية من لدن زمان الأئمة (عليهم السلام) وهي كاشفة إجمالا عما يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي لو لا دعوى اختصاصها به وأنها سؤالا وجوابا بصدد الاستعلاج والعلاج في موارد التحير والاحتياج أو دعوى الاجمال وتساوى احتمال العموم مع احتمال الاختصاص، ولا ينافيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم ما لم يكن هناك ظهور أنه لذلك فلم يثبت باخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء من التوفيق وحمل الظاهر على الأظهر والتصرف فيما يكون صدورهما قرينة عليه فتأمل (فصل) قد عرفت حكم تعارض الظاهر والأظهر وحمل الأول على الآخر فلا إشكال فيما إذا ظهر أن أيهما ظاهر وأيهما أظهر ؟ وقد ذكر فيما اشتبه الحال لتمييز ذلك ما لا عبرة به أصلا فلا باس بالاشارة إلى جملة منها وبيان ضعفها (منها) ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الاطلاق وتقديم التقييد على التخصيص فيما دار الامر بينهما (من) كون ظهور العام في العموم

______________________________

الأولى موجبة لعدم انعقاد الظهور الا بما هو موافق دون الثانية فانها لا تمنع من انعقاد الظهور وإنما تمنع من وجوب الأخذ به فعلا اما للمزاحمة بالاهم بناء على أن تقديم الاقوى ظهورا بذلك المناط أو للورود بناء على ان حجية الظهور في نظر العرف معلقة على عدم ورود ظاهر أقوى على الخلاف، فللمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء من القيود إذ ما لم يتم لم ينعقد له ظهور في شئ فإذا تم انعقد ظهوره وصار ظاهرا في معنى ولا ينتظر في مقام الحكم عليه بأنه ظاهر في كذا أن لا يرد كلام آخر منفصل ينافيه، (وإن) بنينا على مذهب المصنف (قده) وهو التحقيق فقد يتوجه الاشكال في عدم إطلاق لأدلة الترجيح والتخيير شامل لصورة إمكان الجمع العرفي بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين ما يمكن بينهما الجمع العرفي وما لا يمكن

٥٧٧

* تنجيزيا، بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق فانه معلق على عدم البيان والعام يصلح بيانا فتقديم العام حينئذ لعدم تمامية، مقتضي الاطلاق معه بخلاف العكس فانه موجب لا تخصيصه بلا وجه إلا على نحو دائر (ومن) أن التقييد أغلب من التخصيص (وفيه) أن عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدمات الحكمة إنما هو عدم البيان في مقام التخاطب لا إلى الأبد (وأغلبية) التقييد مع كثرة التخصيص بمثابة قد قيل: ما من عام إلا وقد خص، (غير مفيد) ولا بد في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر فتدبر (ومنها) ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص

______________________________

لكن لا يخفى أنه إذا فرض أن بناء العرف والعقلاء على تقديم الأظهر وعدم حجية أصالة الظهور في الظاهر للمزاحمة أو الورود فحكم الشارع بالتخيير عند عدم المرجح أو الترجيح والاخذ بالراجح ولو كان هو الظاهر مع وجود المرجح لابد أن يكون رادعا عن طريقة العقلاء وجاعلا لحجية الظهور في الظاهر مع وجود الأقوى على خلاف طريقتهم، ولولا ذلك امتنع الاخذ بالظاهر لعدم حجية الظهور فيه حسب الفرض عند العقلاء، ولا طريق لاثبات حجيته الا بناؤهم أو بيان الشارع والمفروض عدم الأول فلابد من الثاني، ومن المعلوم بديهة ان الاخبار المذكورة ليست الا في مقام الترجيح أو التخيير بين الحجتين من حيث الصدور لا في مقام جعل الحجية للظهور (قوله: تنجزيا) أي غير معلق على شئ (قوله: الا على نحو دائر) لان رفع اليد عن العموم بالاطلاق يتوقف على عدم مانعية العموم عن الاطلاق وهو يتوقف على رفع اليد عن العموم بالاطلاق (قوله: ومن ان التقييد) وجه آخر للتقديم فهو معطوف على قوله من كون ظهور العام... الخ (قوله: لا إلى الابد) أي ليس جزء المقتضي في مقدمات الحكمة عدم البيان إلى لابد ليكون وجود العام - ولولا في مقام التخاطب - موجبا لارتفاع مقدمات الحكمة من أول الأمر (نعم) لو كان العام المعارض للمطق متصلا به أمكن تقديمه على العام لصلاحية كونه قرينة على التقييد فتأمل (قوله: وأغلبية التقييد) جواب عن الوجه الثاني

٥٧٨

والنسخ كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا، أو يكون العام ناسخا أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام حيث يدور بين أن يكون الخاص للعام أو ناسخا له أو رافعا لاستمراره ودوامه في وجه تقديم التخصيص على النسخ من غلبة التخصيص وندرة النسخ، ولا يخفى أن دلالة الخاص أو العام على الاستمرار والدوام إنما هو بالاطلاق لا بالوضع، فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضا، وان غلبة التخصيص إنما يوجب اقوائية ظهور الكلام في الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام، وإلا فهي وإن كانت مفيدة للظن

______________________________

 (قوله: انما هو بالاطلاق لا بالوضع) قد تحقق في محله أن النسخ ليس من التخصيص بحسب الازمان ليكون من قبيل الدوران بين التخصيص والتقييد بل من سنخ التصرف بالجمهة، من حيث ان الناسخ يكشف عن أن المتكلم ليس في مقام بيان الواقع، وحينئذ فإذا تأخر الخاص عن العام ودار بين كونه ناسخا ومخصصا، فاللازم تعيين الثاني، لأن الدروان في الحقيقة يكون بين رفع اليد عن أصالة العموم في العام وأصالة الجهة فيه، ولا إشكال في تقديم الأول على الثاني، للعلم التفصيلي بسقوط اصالة الظهور على كل حال، لأن حجية الظهور إنما هي فيما لو أحرز كون المتكلم في مقام بيان الواقع، ففي المقام يعلم بان أصالة الظهور على خلاف الواقع، إما لعدم العموم، أو لعدم كون المتكلم في مقام بيان الواقع، والشك في سقوط اصالة الجهة حينئذ بلا معارض يوجب وجوب الاخذ بها وعدم رفع اليد عنها، نعم لو تأخر العام عن الخاص دار الامر بين سقوط أصالة العموم في العام وسقوط اصالة الجهة في الخاص، ولا علم تفصيلي بسقوط إحداهما بعينها كما في الصورة الاولى، فلابد في تقديم الثانية على الأولى من مرجح وهو قوة أصالة الجهة بالنسبة إلى اصالة الظهور (واما) لو كان النسخ من تخصيص الازمان (كما) هو

٥٧٩

* بالتخصيص إلا أنها غير موجبة لها كما لا يخفى، ثم إنه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل الامر في تخصيص الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الائمة (عليهم السلام) فانها صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتها والتزام - نسخها بها - ولو قيل بجواز نسخهما بالرواية عنهم - كما ترى فلا محيص في حله من أن يقال: إن اعتبار ذلك حيث كان لأجل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، وكان من الواضح أن ذلك فيما إذا لم يكن هناك مصلحة في اخفاء الخصوصات أو مفسدة في ابدائها كاخفاء غير واحد من التكاليف في الصدر الاول لم يكن بأس بتخصيص عموماتها بها واستكشاف ان موردها كان خارجا عن حكم العام واقعا وإن كان داخلا فيه ظاهرا، ولأجله لا باس بالالتزام بالنسخ بمعني رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات باطلاقها في الاستمرار والدوام أيضا فتفطن.

______________________________

المشهور، وعليه بني المصنف (قده) الاشكال - فلا وجه لتقديم التخصيص عندهم إلا الأشيعية والأغلبية، وحينئذ فيشكل بأن الأغلبية انما تكون منشأ لتقديم التخصيص لو كانت بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام بحيث تصلح لصرف الظهور، لكن لا يخفى انه يكفي اقل من هذا المقدار فإنها وإن لم تكن كالقرائن المكتنفة لكن إذا كانت موجبة لقوة أحد الظهورين على الآخر بحيث يكون العرف يرى الجمع بينهما بالتصرف في أحدهما دون الآخر كانت كافية، ومن المعلوم ثبوت هذا المقدار، فان ظهور الكلام الوارد من قبل الشارع في كونه حكما قانونيا مستمرا باستمرار الزمان أقوى من ظهور العام في العموم بعد شيوع التخصيص جدا، حتى قيل: ما من عام الا وقد خص مضافا الى ما قيل من ان النسخ يوجب التصرف في الكلامين: ظهور المنسوخ في الاستمرار والناسخ في كونه ثابتا من مبدأ الشريعة لا من حين صدوره، بخلاف التخصيص فانه ليس فيه الا رفع اليد عن ظهور العام فتأمل (قوله: كما ترى... الخ) فانه يتوقف على امكان نسخهم

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617