حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 221838 / تحميل: 5375
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين لا فيما إذا كان مؤدى احدهما حكما غير الزامي فانه حينئذ لا يزاحم الآخر، ضرورة عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه ان يزاحم به ما فيه الاقتضاء. إلا أن يقال: بان قضية اعتبار دليل غير الالزامي

______________________________

عقلاء أم لفظيا كالكتاب والسنة إلا أن عنوان معلوم الكذب مما يعلم عدم انطباقه على كل منهما فيكون كل منهما داخلا تحت دليل الحجية إلا أن بدعى عدم شمول الأدلة اللبية للمتعارضين معا وهو كلام آخر غير ما ذكر (قوله: إلى وجوب الضدين) يعني ينظر فان كان أحدهما أهم يتعين الأخذ به وان تساويا فان لم يكن لهما ثالث يتخير بينهما عقلا وان كان لهما ثالث يجب الأخذ باحدهما، لكن هذا بالنظر إلى المدلول المطابقي اما بالنظر إلى المدلول الالتزامي يكون كل من الضدين مما دل الدليل على وجوبه وعدمه فيدخلان فيما لو دل أحدهما على حكم الزامي والآخر على حكم غير الزامي وسيأتي حكمه (قوله: أو لزوم المتناقضين) فينظر الأهم فيؤخذ به وان تساويا يتخير بين الفعل والترك عقلا (قوله: لا فيما إذا) يعني لا يعمل بقاعدة التزاحم لو كان أحدهما دالا على حكم الزامي والآخر على حكم غير الزامي كما لو دل أحدهما على الوجوب والآخر على الاباحة لأن الاباحة من الأحكام غير الاقتضائية فلا يزاحم الوجوب الذي هو حكم اقتضائي (إلا أن) يدعى: أن الاباحة وإن كانت من الأحكام غير الاقتضائية في نفسها إلا أن مقتضى القول بالسببية ان تكون اقتضائية لأن معنى السببية أن يكون قيام الامارة على حكم موجبا لثبوت مقتضي الحكم، فإذا قامت الامارة على اباحة شئ كان قيامها موجبا للاباحة فتكون الاباحه اقتضائية فتصلح لمزاحمة الوجوب، وبهذا التزاحم يكون المورد كأنه مما ليس فيه مقتضي الالزام ولا مقتضي اللا إلزام، والحكم فيه الاباحة لأنه يكفي فيها عدم مقتضي الالزام، ولا يكفي في الوجوب عدم مقتضي اللا إلزام (ويمكن) تقرير التعارض على القول بالسببية من وجهين (الاول) ان القول بالسببية إنما هو لو قامت الامارة على خلاف الواقع دون ما لو قامت الامارة على نفس الواقع فان ثبوت الحكم فيه من جهة مقتضي الواقع، فإذا قام أحد الدليلين على الوجوب

٥٦١

أن يكون عن اقتضاء فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الالزامي ويحكم فعلا بغير الالزامي ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي غير الالزامي لكفاية عدم تمامية علة الالزامي في الحكم بغيره (نعم) يكون باب التعارض من باب التزاحم (مطلقا) لو كان قضية الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدي إليه من الأحكام لا مجرد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به، وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وان كان واضحا

______________________________

والآخر على عدمه فان كان الدليل الأول مخالفا للواقع كان قيامه مقتضيا للوجوب وقيام الدليل على الوجوب لا يصلح لمزاحمته وان كان الامر بالعكس كان الحكم على العكس، وحيث لا يعلم الموافق من المخالف يقع التعارض، ولا وجه للتزاحم. نعم لو احتمل كذب الدليلين معا تم ما ذكر. فتأمل (الثاني) أن ظاهر كل واحد من الدليلين فعلية الحكم الالزامي واللا إلزامي، وحيث يمتنع اجتماع النقيضين لابد أن يتكاذبا، والأخذ باحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، وانما يكونان من المتزاحمين لو دل كل منهما على ثبوت المقتضي فقط، لكنه خلاف مفروض تنافي الدليلين (فان قلت): الدليلان وإن دلا على فعلية الحكمين إلا أنه لما امتنع اجتماعهما فعليين يجمع بينهما عرفا بالحمل على الاقتضائي كما في جميع موارد التزاحم مثل: أكرم العالم وأهن الفاسق (قلت): محل الكلام ما إذا لم يكن الجمع العرفي بين الدليلين ممكنا فالجمع بينهما بذلك جمع غير عرفي. وبالجملة: إذا كان أحدهما نصا في ثبوت الوجوب والآخر نصا في عدم الوجوب فدليل الاعتبار في شموله كلا منهما يمنع من شموله للآخر، وشموله لاحدهما ترجيح من دون مرجح فلابد من الحكم بخروجهما معا. ومن هنا يظهر لك أن الحكم في جميع الصور المذكورة في المتن هو التعارض على القول بالسببية أيضا (قوله: ان يكون عن) يعني أن يكون الحكم غير الالزامي عن اقتضاء (قوله: ولا يزاحم بمقتضاه) يعني لا يزاحم الالزامي بمقتضي مقتضي الحكم غير الالزامي (قوله: مطلقا) يعني ولو على الطريقية (قوله: من تزاحم الواجبين) حيث ان دليل اعتبار

٥٦٢

ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الاحكام إلا انه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للاحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مر تحقبقه، وحكم التعارض بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها في الجملة حسبما فصلناه في مسألة الضد وإلا فالتعيين، وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دل على الحكم الالزامي لو لم يكن في الآخر مقتضيا لغير الالزامي وإلا فلا بأس بأخذه والعمل عليه لما أشرنا إليه من وجهه آنفا (فافهم) هذا هو قضية القاعدة في تعارض الامارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما، كما هو قضية ما يتراءي مما قيل من أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما كما عرفته في الصور السابقة، مع أن في الجمع كذلك أيضا طرحا للامارة أو الامارتين، ضرورة سقوط اصالة الظهور في أحدهما أو كليهما معه وقد عرفت أن التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين، وقد عرفت أن قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين في خصوص كل ما يؤديان إليه من الحكمين لا بقاؤهما على الحجية بما

______________________________

كل منهما يقتضي وجوب الالتزام بمضمونه فإذا تعذر الالتزام بهما لزم الالتزام باحدهما تخييرا (قوله: ضرورة عدم) قد تقدم الاشكال فيه وأنه لا مانع من امكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد إذ التنافي انما هو بين الحكمين لا بين الالتزامين بهما على تقدير جواز ثبوتهما معا (قوله: ما يتراءي) حيث يتراءي منه كون المراد من الامكان العقلي (قوله: مما كان) بيان لما يساعد (قوله: أيضا طرحا) فلا وجه لكونه أولى من الطرح بخلاف ما لو كان التصرف عرفيا فانه ليس طرحا لاصالة الظهور لعدم حجية اصالة الظهور في الاضعف مع منافاتها بالظهور الأقوى (قوله: ضرورة) تعليل لكونه طرحا (قوله: معه) يعني مع هذا الجمع (قوله: لا بقاؤهما على) معطوف على

٥٦٣

يتصرف فيهما أو في أحدهما أو بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل، فلا يبعد أن يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا، ولا ينافيه الحكم بأنه أولى مع لزومه حينئذ وتعينه فان أولويته من قبيل الأولوية في أولي الأرحام وعليه لا إشكال فيه ولا كلام

فصل

لا يخفي أن ما ذكر من قضية التعارض بين الامارات إنما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها، وإلا فربما يدعى الاجماع على عدم سقوط كلا المعارضين في الأخبار كما اتفقت عليه كلمة غير واحد من الاخبار. ولا يخفى أن اللازم فيما إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما للقطع بحجيته تخييرا أو تعيينا بخلاف الآخر لعدم القطع بحجيته والاصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيته بل ربما ادعي الاجماع أيضا على حجية خصوص الراجح واستدل عليه بوجوه أخر أحسنها الاخبار وهي على طوائف (منها) ما دل على التخيير على

______________________________

سقوط. والوجه في ذلك: عدم الدليل على حجية الكلام في المؤول (قوله: بلا دليل) متعلق ببقاء سنديهما (قوله: أو نقل) كما سيأتي من أدلة الترجيح أو التخيير (قوله: ان اللازم فيما) يعني الأصل عند الدوران بين التعيين والتخير في الحجية هو التعيين وربما يتوهم أنه من صغريات الدوران بين التعيين والتخيير في المكلف به فيلحقه حكمه، ولكنه كما ترى إذ لا مجال للوجوب التخييري في العمل بالحجة لما عرفت من أنه قد يكون مؤداهما نقيضين أو ضدين لا ثالث لهما فيمتنع الوجوب التخييري بينهما، وربما لا يكون مؤداهما معا حكما الزاميا إذ لا معنى للوجوب في المقام فيتعين كون المرجع عند الشك اصالة عدم الحجية في غير ما يحتمل التعيين واما محتمل التعيين فمعلوم الحجية قطعا (قوله: بوجوه أخر) سيأتي تفصيلها عن قريب (قوله: وهي على طوائف) الضمير راجع إلى نفس

٥٦٤

الاطلاق كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام (قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا يعلم أيهما الحق، قال: فإذا لم يعلم فموسع عليك بأيهما أخذت) وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا سمعت من اصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد عليه) ومكاتبه عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: (اختلاف اصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله - عليه السلام - في ركعتي الفجر فروي بعضهم: صل في المحمل، وروي بعضهم: لا تصلها إلا في الأرض، فوقع عليه السلام: موسع عليك بأية عملت) ومكاتبة الحميري إلى الحجة - عليه السلام -... إلى أن قال: في الجواب عن ذلك حديثان... إلى أن قال عليه السلام: (وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا) إلى غير ذلك من الاطلاقات (ومنها) ما دل على التوقف مطلقا (ومنها) ما دل على ما هو الحائط منها (ومنها) ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسنة والاعدلية

______________________________

الأخبار لا خصوص أخبار الترجيح وإلا فاخبار التخيير مطلقا ليس منها (قوله: إلى غير ذلك) كمرسل الكافي: بايهما أخذتم من باب التسليم وسعكم (قوله: ما دل على التوقف) كخبر سماعة عن أبي عبد الله (ع) قلت: يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال (ع): لا تعمل بواحد منهما حتى تلقي صاحبك فتسأله. قلت: لابد أن نعمل بواحد منهما قال: خذ بما خالف فيه العامة. ومكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى علي بن محمد (ع) يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك وأجدادك (ع) قد اختلف علينا فيه فكيف العلم به على اختلافه والرد اليك فيما اختلف فيه ؟ فكتب (ع): ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه الينا (قوله: ما هو الحائط) لم أجد فيما يحضرني ما دل على الاحتياط مطلقا غير ما دل على التوقف. نعم في مرفوعة زرارة ذكر

٥٦٥

والأصدقية والأفقهية والأورعية والأوثقية والشهرة على اختلافها في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينها ولاجل اختلاف الاخبار اختلفت الانظار (فمنهم) من أوجب الترجيح بها مقيدين باخباره إطلاقات التخيير، وهم بين من اقتصر على الترجيح بها ومن تعدى منها إلى ساير المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزية وأقربيته - كما صار إليه شيخنا العلامة اعلى الله مقامه - أو المفيدة للظن - كما ربما يظهر من غيره - فالتحقيق أن يقال: إن أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الاخبار هو المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما وضعف سند المرفوعة جدا، والاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال لقوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة

______________________________

الاحتياط بعد عدم المرجح (قوله: لأقوائية ذي) يعني وان لم توجب الظن وبهذا افترق عن القول الآتي (قوله: مع اختلافهما) لتقديم الترجيح بصفات الرواي في المقبولة على الشهرة وتأخيره عنها في المرفوعة، لكن دفعه شيخنا الاعظم (ره) بان الترجيح بالصفات في المقبولة إنما كان للحكم لا للرواية فتأمل. (قوله: وضعف سند) إذ لم يروها الا ابن ابي جمهور عن العلامة (ره) مرفوعا إلى زرارة (قوله: اختصاص الترجيح) يأبى هذا الاختصاص تعليل الترجيح بالشهرة بأن المجمع عليه لا ريب فيه فان مقتضاه بعد ما كان ارتكازيا عدم الفرق في الحكم بين مورد الرواية وغيره ولا سيما بملاحظة تثليث الامور، والاستشهاد على رد المشكل إلى الله تعالى بقول النبي صلى الله عليه وآله: حلال بين... الخ لامتناع الاقتصار على المورد بعد ذلك كله، واما الترجيح بالصفات فيشكل لعدم ذكره في ترجيح الرواية الا في المرفوعة وهي ضعيفة السند، ولم يعتمد عليها الاصحاب في ذلك وانما اعتمد من رجح بالصفات على المقبولة التي عرفت انها ليست ظاهرة الا في ترجيح احد الحكمين على الآخر، واما الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة فمذكور في كثير من نصوص الترجيح ولا ينحصر ذكرهما بالمقبولة حتى يحتاج في التعدي عن مودرها إلى معمم. مع أن تعليل الترجيح بمخالفة العامة

٥٦٦

لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو موردهما ولا وجه معه للتعدي منه إلى غيره كما لا يخفى، ولا وجه لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة أن رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استند إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلا بالترجيح ولذا أمر - عليه السلام - بارجاء الواقعة إلى لقائه - عليه السلام - في صورة تساويهما فيما ذكر من المزايا بخلاف مقام الفتوى، ومجرد مناسبة الترجيح لمقامها ايضا لا يوجب ظهور الرواية في وجوبه مطلقا ولو في غير مورد الحكومة كما لا يخفى. وإن أبيت إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الامام - عليه السلام - بهما لقصور المرفوعة سندا وقصور المقبولة دلالة لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه السلام. ولذا ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح - مع أن تقييد الاطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين

______________________________

بكون الرشد في خلافهم يقتضي التعدي عن مورده ايضا (قوله: ولا وجه لدعوى) لا حاجة إلى هذه الدعوى (قوله: لا يكاد يكون الا بالترجيح) إذ التخيير لا يقطع الخصومة إذ قد يختار كل من الخصمين خلاف ما يختاره الآخر (قوله: ولذا ما ارجع إلى) هذا - اعني عدم الارجاع والامر بالارجاء بعد فقد الترجيح - يوجب المباينة بين المقبولة وبين الاطلاقات لأن حمل الاطلاقات على صورة فقد المرجح طرح للمقبولة من حيث دلالتها على وجوب الارجاء، والجمع بينهما بحمل المقبولة على زمان الحضور والاطلاقات على زمان الغيبة مما تأباه كلتا الطائفتين، اما تخصيص الاطلاقات بحال الغيبة فيأباه صريح رواية الحارث، ومكاتبة عبد الله، واما تخصيص المقبولة بحال الحضور فلأن ظاهرها كون الارجاء لخصوصية الواقعة لا لخصوصية زمان الحضور، لكن هذا الاشكال يختص بالبناء على التعدي من مورد المقبولة إلى الفتوى بملاحظة المناسبة بين موردها وغيره، أما لو كان التعدي للتعليل المذكور فيها فلا اشكال. ويكون الجمع العرفي تقييد

٥٦٧

مع ندرة كونهما متساويين جدا - بعيد قطعا بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب كما فعله بعض الاصحاب ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من الاخبار. ومنه قد انقدح حال سائر اخباره، مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا وجهه قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة، بشهادة ما ورد في أنه زخرف وباطل وليس بشئ، أو انه لم نقله، أو أمر بطرحه على الجدار، وكذا الخبر الموافق للقوم ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لولا القطع به غير جارية للوثوق حينئذ بصدوره كذلك، وكذا الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب يكون

______________________________

اطلاقات التخيير بفقد المرجح من دون فرق بين زماني الحضور والغيبة (قوله: مع ندرة كونهما) يمكن منع الندرة في التساوي في المرجحات الثلاث اعني الشهرة والموافقة للكتاب والمخالفة للعامة، نعم يندر التساوي في صفات الراوي لكن عرفت عدم الدليل على الترجيح بها في الرواية (قوله: لوجب حملها) لئلا يلزم الحمل على النادر (قوله: بشهادة ما ورد) هذا وان ورد في جملة من النصوص لكن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب خالية عنه مع انه لابد من رفع اليد عن ظاهره في الجملة إذ المقبولة قد اشتملت على الترجيح به بعد الترجيح بالشهرة، ومقتضى الظاهر جواز الاخذ بالمخالف إذا كان مشهورا بين الاصحاب فتدل على حجية الخبر المخالف في الجملة (قوله: وكذا الخبر) معطوف على قوله: ان يكون الخبر (قوله: غير جارية للوثوق) هذا ممنوع، والمراد من الوثوق بالصدور النوعي بملاحظة ما عليه الخبر من الخصوصيات فانه المعول عليه عند العقلاء، ومثل هذا الوثوق لا ينافيه وجود المعارض نظير الوثوق بالصدور الذي لا ينافيه وجود المعارض والا سقط الخبران عن الحجية اقتضاء وذاتا لا بالتعارض (قوله: وكذا الصدور) يعني أن الخبر المخالف للكتاب لا مجال

٥٦٨

* موهونا بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند والظهور كما لا يخفى، فتكون هذه الأخبار في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة (فافهم) وإن أبيت عن ذلك فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الاطلاقات إما على ذلك أو على الاستحباب كما أشرنا إليه آنفا. هذا ثم إنه لولا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات وهي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل: (ما خالف قول ربنا لم أقله) أو زخرف أو باطل ؟ كما لا يخفى (فتلخص) مما ذكرنا أن إطلاقات التخيير محكمة وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها (نعم) قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه آخر (منها) دعوى الاجماع على الاخذ بأقوى الدليلين (وفيه) أن دعوى الاجماع

______________________________

لجريان اصالة حجية السند أو اصالة الظهور فيه لعدم الوثوق بظهوره ولا بصدوره فلا يدخل تحت دليل حجية الصدور أو الظهور (أقول): لازم ما ذكر عدم حجية الخبر المخالف للكتاب ولو لم يكن له معارض، لكنه خلاف المحقق وخلاف المفروض في المقام، إذ الكلام في الخبرين المتعارضين بعد الفراغ عن حجية كل منهما لولا المعارضة، وقد تقدم منه في العموم والخصوص جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد والجواب عن هذه الاخبار. نعم تقدم منه في مبحث الخبر عدم حجية المخالف عند المعارضة (قوله: أبيت عن ذلك) يعني عن عدم جريان اصالة السند والظهور وعدم التقية (قوله: على ذلك) يعني على كونها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة وان كان خلاف ظاهرها إلا أن ارتكابه لازم لانه أولى من تقييد الاطلاقات لانه أقرب منه (قوله: للزم التقييد) يعني لو بني على الاخذ باطلاقات التخيير عند فقد المرجح يلزم التقييد في أدلة المرجحات فيحكم بحجية المخالف للكتاب مثلا مع تساوي الخبرين في ذلك وهي آبية عن التقييد (قوله: مثل ما خالف) قد عرفت أنه ليس في اخبار الترجيح ما يشتمل على ذلك بل مثله دال على عدم الحجية فلابد ان يحمل على المخالفة بنحو المباينة

٥٦٩

- مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغري ويخالط النواب والسفراء قال في ديباجة الكافي: ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير مجازفة (ومنها) أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعا (وفيه) أنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع، ضرورة إمكان أن تكون تلك المزية بالاضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الانسان وكان الترجيح بها بلا مرجح وهو قبيح كما هو واضح. هذا - مضافا إلى ما هو في الاضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع من أن الترجيح بلا مرجح في الافعال الاختيارية ومنها الاحكام

______________________________

لا مطلقا فلا يكون مما نحن فيه (قوله: مع مصير مثل الكليني) لم ينقل الخلاف عنه (قدس سره) في الترجيح وانما المنقول عنه السيد الصدر من اصحابنا والجبائيان من العامة، بل عبارته المحكية كالصريحة في وجوب الترجيح. قال (ره): اعلم يا اخي ارشدك الله تعالى انه لا يسع احدا تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه من العلماء برأيه الا ما اطلقه العالم (ع) بقوله (ع): اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله عزوجل فذروه، وقوله (ع): دعواما وافق القوم فان الرشد في خلافهم، وقوله (ع): خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه، ولا نعرف من جميع ذلك الا اقله، ولا نجد شيئا احوط ولا اوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم، وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله: بايهما اخذتم من باب التسليم وسعكم. انتهي فانه اشار بصدر عبارته إلى مضمون المقبولة فهو مفت به، واما قوله (ره): ولا تجد... الخ فلعله - بقرينة قوله: ولا نعرف - يريد به انه حيث لا يمكن العلم غالبا بثبوت هذه المرجحات يجب الرجوع إلى اطلاقات التخيير ولا يجوز الأخذ بالظن فلاحظ (قوله: موجبة لتأكد) إذ لولا ذلك لا يكون صاحب المزية ارجح فلا يكون جواز الاخذ بغيره ترجيحا للمرجوح (قوله: من ان الترجيح بيان ل‍ (ما هو)

٥٧٠

الشرعية لا يكون إلا قبيحا ولا يستحيل وقوعه إلا على الحكيم تعالى والا فهو بمكان من الامكان لكفاية ارادة المختار علة لفعله، وإنما الممتنع هو وجود الممكن بلا علة فلا استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح الا من باب امتناع صدوره منه تعالى وأما غيره فلا استحالة في ترجيحه لما هو مرجوح مما باختياره (وبالجملة): الترجيح بلا مرجح بمعني بلا علة محال وبمعني بلا داع عقلائي قبيح ليس بمحال فلا تشتبه (ومنها) غير ذلك مما لا يكاد يفيد الظن فالصفح عنه أولى وأحسن (ثم) إنه لا إشكال في الافتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلديه ولا وجه للافتاء بالتخيير في المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه فيها (نعم) له الافتاء به في المسألة الأصولية، فلا بأس حينئذ باختيار المقلد غير ما اختاره المفتي فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره الذي

______________________________

 (وتوضيح) الاشكال: ان الاضراب خلط بين الترجيح بلا مرجح والترجح بلا مرجح، إذ الاول انما يكون في الافعال الاختيارية وهو لا يكون الا قبيحا لا ممتنعا لان ارادة المرجوح قبيحة، والثاني انما يكون في الامور غير الاختيارية ويراد به ان ترجح احد طرفي الممكن بلا علة محال والمقام - اعني الحكم الشرعي وهو جواز الاخذ بغير ذي المزية - من قبيل الاول (قوله: لا اشكال في الافتاء بما) اعلم أن وجوب التخيير ليس شرعيا مولويا إذ لا عقاب على مخالفته زائدا على مخالفة الواقع، بل هو ارشادي عقلي بمناط وجوب تحصيل الحجة فيدل على حجية ما يختاره المكلف من الخبرين فإذا اختار احدهما كان حجة بعينه فتجب الفتوى بمضمونه لا غير فيجب على المقلد الاخذ بها تعيينا كما يجب على المجتهد نفسه العمل به كذلك، وحينئذ فلا وجه للفتوى بالتخيير الفرعي بمعنى الاباحة من جهة انها فتوى بلا دليل إذ التخيير كذلك ليس مؤدى احد الخبرين، وكذا بمعنى الوجوب التخييري مع أنه لا يعقل الوجوب التخييري بين الوجود والعدم كما تقدم (قوله: نعم له الافتاء) يعني بان يفتي بان ما يختاره المكلف حجة،

٥٧١

لا شبهة فيه وهل التخيير بدوي أم استمراري ؟ قضية الاستصحاب لو لم نقل بانه قضية الاطلاقات ايضا كونه استمراريا (وتوهم) أن المتحير كان محكوما بالتخيير ولا تحير له بعد الاختيار فلا يكون الاطلاق ولا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار لاختلاف الموضوع فيهما (فاسد) فان التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله، وبمعني آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى

فصل

هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة

______________________________

أو بوجوب التخيير بين الخبرين العقلي (قوله: لا شبهة فيه) أما ما كان محتاجا إلى نظر يعجز عنه المقلد فلابد فيه من الرجوع إلى المجتهد (قوله: قضية الاطلاقات) يعني اطلاقات التخيير من حيث الزمان فكما تقتضي ثبوت التخيير في الزمان الاول تقتضي ثبوته ايضا في الزمان الثاني بلا فرق بين الزمانين (فان) قلت: التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب مقتضي اطلاقه كونه ملحوظا بنحو صرف الوجود ولازمه سقوط حكمه بمجرد حصوله في الزمان الاول (قلت): قد عرفت أن التخيير ليس بواجب شرعا بل واجب عقلا بمناط وجوب تحصيل الحجة فاطلاقه تابع لاطلاق دليل الحجية، فإذا كان اطلاقه دالا على حجية ما يختاره الملكف في كل زمان كان اللازم وجوب التخيير كذلك، ولا يختص بالزمان الأول ثم إنه على تقدير سقوط الاطلاق فالمرجع الاستصحاب لكنه موقوف على حجية الاستصحاب التعليقي فان تمت جرى (ودعوى) أن موضوع التخيير هو المتحير كما صدرت من شيخنا الاعظم (ره) ولا تحير بعد اختيار احد الخبرين فلا استصحاب لارتفاع موضوعه (مدفوعة) بان المراد من المتحير إن كان من تعارض عنده الخبران ان فهو حاصل في جميع الأزمان وان كان بمعنى آخر ينافيه الاختيار فهو مما لم يؤخذ في الادلة موضوعا للتخيير مع انه لو سلم فارتفاع التحير

٥٧٢

أو يتعدى إلى غيرها ؟ قيل بالتعدي لما في الترجيح بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما مما فيه من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع ولما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه من استظهار أن العلة هو عدم الريب فيه بالاضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه الف ريب ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم ولا يخفى ما في الاستدلال بها (أما الأول) فان جعل خصوص شئ فيه جهة الاراءة والطريقية حجة أو مرجحا لا دلالة فيه على ان الملاك فيه بتمامه جهة إراءته بل لا اشعار فيه كما لا يخفى لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيه أو حجيته لا سيما قد ذكر فيها ما لا يتحمل الترجيح به الا تعبدا فافهم (وأما الثاني) فلتوقفه على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها، مع أن الشهرة في الصدر الأول بين الرواة واصحاب الأئمة - عليهم السلام - موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها بحيث يصح ان يقال عرفا: إنها مما لا ريب فيها، كما لا يخفى ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله مما يوجب الوثوق والاطمينان بالصدور لا إلى كل مزية ولو لم توجب إلا أقربية ذي المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها

______________________________

لا يوجب تبدل الموضوع عرفا (قوله: قيل بالتعدي لما) القائل شيخنا الاعظم (ره) ونسبه إلى جمهور المجتهدين (قوله: بان الرشد في) إذ ليس المراد منه الا كون خلافهم مظنة الرشد والا فقد يكون الرشد في وفاقهم (قوله: لا دلالة فيه) نعم يحصل الظن منه بذلك لكن الظن غير المستند إلى ظهور الكلام ليس بحجة. هذا كله مضافا إلى الاشكال في حصول الترجيح بهذه الصفات كما تقدم (قوله: الا تعبدا) كالاورعية والافقهية والاعدلية، لكنه لا يخلو من اشكال فانها مما توجب الاقربية في الجملة (قوله: مما يطمأن بصدورها) لو سلم حصول ذلك شخصيا بالنسبة إلى كل خبر مشهور فلا يسلم حصوله للشاذ كذلك فيدور الامر بين تخصيص الترجيح بالشهرة بصورة حصول الاطمئنان بالمشهور

٥٧٣

(واما الثالث) فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها ولو سلم انه لغلبة الحق في طرف الخبر المخالف فلا شبهة في حصول الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدورا أو جهة ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله كما مر آنفا، ومنه انقدح حال ما إذا كان التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيه، ضرورة كمال الوثوق بصدوره كذلك مع الوثوق بصدورهما لولا القطع به في الصدر الاول لقلة الوسائط ومعرفتها هذا مع ما في عدم بيان الامام - عليه السلام - للكلية كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرارا، وما في أمره عليه السلام بالارجاء بعد فرض التساوي فيما ذكره من المزايا المنصوصة من الظهور في أن المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة كما لا يخفى (ثم) إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن

______________________________

وعدم حصوله في غيره تحكيما للتعليل على المعلل أو البناء على كون المراد نفي الريب بالاضافة، وحيث أن الثاني اقرب كان التعدي إلى كل ما يوجب نفي الريب بالاضافة في محله، فتأمل (قوله: فلاحتمال ان) هذا خلاف الظاهر (قوله: كما مر آنفا) لكن عرفت ما فيه (قوله: لاجل انفتاح باب) بحيث يكون صدوره للتقية، ويكون الفرق بين هذا الوجه وما قبله، ان المخالفة للعامة على هذا تكون من المرجحات الداخلية نظير الشهرة الروايتية، وعلى ما قبله تكون من المرجحات المضمونية نظير الشهرة الفتوائية (وحاصل) الجواب: ان تقديم المخالف إذا كان من جهة احتمال التقية في الموافق فإذا كان الخبران موثوقا بصدروهما معا يحصل الوثوق بان الموافق صادر تقية، ومع هذا الوثوق يسقط عن الحجية، لكن عرفت أن ظاهر الرواية كون كل منهما حجة لولا المعارضة فهي في مقام الترجيح بين الحجتين لا تمييز الحجة عن اللاحجة (قوله: كذلك) يعني تقية (قوله: القطع به) يعني بصدوره كذلك (قوله: في الصدر الاول) متعلق بالوثوق والقطع على التنازع (قوله: مع ما في عدم) لعل الوجه في

٥٧٤

بذي المزية ولا أقربيته كبعض صفات الراوي مثل الاورعية أو الافقهية إذا كان موجبهما مما لا يوجب الظن أو الاقربية كالتورع من الشبهات والجهد في العبادات وكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو المهارة في القواعد الاصولية فلا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الاقربية بل إلى كل مزية ولو لم تكن بموجبة لاحدهما كما لا يخفى (وتوهم) أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ (فاسد) فان الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعا وإنما يضر فيما أخذ في اعتباره عدم الظن بخلافه ولم يؤخذ في اعتبار الاخبار صدورا ولا ظهورا ولا جهة ذلك. هذا مضافا إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدورا وإلا فلا يوجب الظن بصدور أحدهما لا مكان صدورهما مع عدم إرادة الظهور في أحدهما أو فيهما أو إرادته تقية كما لا يخفى (نعم) لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وإن كان موجبا لقوة مضمون ذيه ثبوتا كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما، فان المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها إنما

______________________________

التفصيل التنبيه على موجبات الاقربية مع الاشارة إلى الكلية بالتعليل (قوله: كبعض صفات) قد عرفت الاشكال في ذلك، مضافا إلى الاشكال في كون الصفات مرجحة لاحد المتعارضين في المقبولة بل مرجحة لاحد الحكمين المختلفين (قوله: بل إلى كل مزية) هذا يتم لو كان التعدي لاجل إلغاء خصوصية المرجحات المنصوصة اما لو كان الاخذ بظاهر التعليل فهو انما يقتضي التعدي إلى كل ما يوجب الاقربية لا غير (قوله: لا يكون بمرجح) حيث ان الترجيح فرع كون المقتضي موجودا في كلا المتعارضين والظن بصدق احد الخبرين يوجب انتفاء مقتضي الحجية في الآخر (قوله: في اقوى الدليلين) فيدخل تحت قاعدة

٥٧٥

هو الاقوى دلالة كما لا يخفى فافهم (فصل) قد عرفت سابقا انه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي ولا يعمها ما يقتضيه الأصل في المتعارضين من سقوط احدهما رأسا وسقوط كل منهما في خصوص مضمونه كما إذا لم يكونا في البين فهل التخيير أو الترجيح يختص أيضا بغير مواردها أو يعمها ؟ قولان أولهما المشهور وقصارى ما يقال في وجهه: إن الظاهر من الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو التخيير أو الترجيح في موارد التحير مما لا يكاد يستفاد المراد هناك عرفا لا فيما يستفاد ولو بالتوفيق فانه من أنحاء طرق الاستفادة عند ابناء المحاورة (ويشكل) بان مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التحير في الحال لاجل ما يترآى من المعارضة وان كان يزول عرفا بحسب المآل أو للتحير في الحكم واقعا وان لم يتحير فيه ظاهرا وهو كاف في صحته قطعا مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة بين ابناء المحاورة وجل العناوين المأخوذة في الاسئلة لولا كلها يعمها كما لا يخفى (ودعوى) ان المتيقن منها غيرها (مجازفة) غايته انه كان

______________________________

وجوب العمل باقوى الدليلين بناء على ان المراد بالاقوى الاقوى دلالة (قوله: لا يخفى فافهم) لعله اشارة إلى انه لو كان منساقها غير ذلك فلا دليل عليها. إلى هنا انتهى الكلام في شعبان من النسة السابعة والاربعين بعد الالف والثلثمائة هجرية في جوار الحضرة المقدسة العلوية على صاحبها الف سلام وتحية هذا ختام ما كتبه مد ظله في الدورة الثانية ولما كان ذلك لا يستوفي مباحث التعادل والتراجيح مد ظله وكان قد كتبها في الدورة الاولى كاملة اتممنا هذا الجزء بما كتبه سابقا تتميما للفائدة (قوله: ويشكل بان مساعدة) اعلم: انه إذا بنينا علي ان الاظهر المنفصل يوجب ارتفاع ظهور الظاهر بالكلية وانعقاد ظهوره فيما يوافق الأظهر نظير القرائن المتصلة فلا ريب في عدم مجال اشكال لان الظاهر والاظهر لا نعارض بينهما بدوا فضلا عما لو لو حظت القواعد العرفية في الجمع، وهذا وإن ذهب إليه جمع من المحققين الا أنه خلاف التحقيق، وأن العرف يفرق بين القرائن المتصلة والمنفصلة، وأن

٥٧٦

* كذلك خارجا لا بحسب مقام التخاطب وبذلك ينقدح وجه القول الثاني (اللهم) الا أن يقال: إن التوفيق في مثل الخاص والعام والمقيد والمطلق كان عليه السيرة القطعية من لدن زمان الأئمة (عليهم السلام) وهي كاشفة إجمالا عما يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي لو لا دعوى اختصاصها به وأنها سؤالا وجوابا بصدد الاستعلاج والعلاج في موارد التحير والاحتياج أو دعوى الاجمال وتساوى احتمال العموم مع احتمال الاختصاص، ولا ينافيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم ما لم يكن هناك ظهور أنه لذلك فلم يثبت باخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء من التوفيق وحمل الظاهر على الأظهر والتصرف فيما يكون صدورهما قرينة عليه فتأمل (فصل) قد عرفت حكم تعارض الظاهر والأظهر وحمل الأول على الآخر فلا إشكال فيما إذا ظهر أن أيهما ظاهر وأيهما أظهر ؟ وقد ذكر فيما اشتبه الحال لتمييز ذلك ما لا عبرة به أصلا فلا باس بالاشارة إلى جملة منها وبيان ضعفها (منها) ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الاطلاق وتقديم التقييد على التخصيص فيما دار الامر بينهما (من) كون ظهور العام في العموم

______________________________

الأولى موجبة لعدم انعقاد الظهور الا بما هو موافق دون الثانية فانها لا تمنع من انعقاد الظهور وإنما تمنع من وجوب الأخذ به فعلا اما للمزاحمة بالاهم بناء على أن تقديم الاقوى ظهورا بذلك المناط أو للورود بناء على ان حجية الظهور في نظر العرف معلقة على عدم ورود ظاهر أقوى على الخلاف، فللمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء من القيود إذ ما لم يتم لم ينعقد له ظهور في شئ فإذا تم انعقد ظهوره وصار ظاهرا في معنى ولا ينتظر في مقام الحكم عليه بأنه ظاهر في كذا أن لا يرد كلام آخر منفصل ينافيه، (وإن) بنينا على مذهب المصنف (قده) وهو التحقيق فقد يتوجه الاشكال في عدم إطلاق لأدلة الترجيح والتخيير شامل لصورة إمكان الجمع العرفي بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين ما يمكن بينهما الجمع العرفي وما لا يمكن

٥٧٧

* تنجيزيا، بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق فانه معلق على عدم البيان والعام يصلح بيانا فتقديم العام حينئذ لعدم تمامية، مقتضي الاطلاق معه بخلاف العكس فانه موجب لا تخصيصه بلا وجه إلا على نحو دائر (ومن) أن التقييد أغلب من التخصيص (وفيه) أن عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدمات الحكمة إنما هو عدم البيان في مقام التخاطب لا إلى الأبد (وأغلبية) التقييد مع كثرة التخصيص بمثابة قد قيل: ما من عام إلا وقد خص، (غير مفيد) ولا بد في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر فتدبر (ومنها) ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص

______________________________

لكن لا يخفى أنه إذا فرض أن بناء العرف والعقلاء على تقديم الأظهر وعدم حجية أصالة الظهور في الظاهر للمزاحمة أو الورود فحكم الشارع بالتخيير عند عدم المرجح أو الترجيح والاخذ بالراجح ولو كان هو الظاهر مع وجود المرجح لابد أن يكون رادعا عن طريقة العقلاء وجاعلا لحجية الظهور في الظاهر مع وجود الأقوى على خلاف طريقتهم، ولولا ذلك امتنع الاخذ بالظاهر لعدم حجية الظهور فيه حسب الفرض عند العقلاء، ولا طريق لاثبات حجيته الا بناؤهم أو بيان الشارع والمفروض عدم الأول فلابد من الثاني، ومن المعلوم بديهة ان الاخبار المذكورة ليست الا في مقام الترجيح أو التخيير بين الحجتين من حيث الصدور لا في مقام جعل الحجية للظهور (قوله: تنجزيا) أي غير معلق على شئ (قوله: الا على نحو دائر) لان رفع اليد عن العموم بالاطلاق يتوقف على عدم مانعية العموم عن الاطلاق وهو يتوقف على رفع اليد عن العموم بالاطلاق (قوله: ومن ان التقييد) وجه آخر للتقديم فهو معطوف على قوله من كون ظهور العام... الخ (قوله: لا إلى الابد) أي ليس جزء المقتضي في مقدمات الحكمة عدم البيان إلى لابد ليكون وجود العام - ولولا في مقام التخاطب - موجبا لارتفاع مقدمات الحكمة من أول الأمر (نعم) لو كان العام المعارض للمطق متصلا به أمكن تقديمه على العام لصلاحية كونه قرينة على التقييد فتأمل (قوله: وأغلبية التقييد) جواب عن الوجه الثاني

٥٧٨

والنسخ كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا، أو يكون العام ناسخا أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام حيث يدور بين أن يكون الخاص للعام أو ناسخا له أو رافعا لاستمراره ودوامه في وجه تقديم التخصيص على النسخ من غلبة التخصيص وندرة النسخ، ولا يخفى أن دلالة الخاص أو العام على الاستمرار والدوام إنما هو بالاطلاق لا بالوضع، فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضا، وان غلبة التخصيص إنما يوجب اقوائية ظهور الكلام في الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام، وإلا فهي وإن كانت مفيدة للظن

______________________________

 (قوله: انما هو بالاطلاق لا بالوضع) قد تحقق في محله أن النسخ ليس من التخصيص بحسب الازمان ليكون من قبيل الدوران بين التخصيص والتقييد بل من سنخ التصرف بالجمهة، من حيث ان الناسخ يكشف عن أن المتكلم ليس في مقام بيان الواقع، وحينئذ فإذا تأخر الخاص عن العام ودار بين كونه ناسخا ومخصصا، فاللازم تعيين الثاني، لأن الدروان في الحقيقة يكون بين رفع اليد عن أصالة العموم في العام وأصالة الجهة فيه، ولا إشكال في تقديم الأول على الثاني، للعلم التفصيلي بسقوط اصالة الظهور على كل حال، لأن حجية الظهور إنما هي فيما لو أحرز كون المتكلم في مقام بيان الواقع، ففي المقام يعلم بان أصالة الظهور على خلاف الواقع، إما لعدم العموم، أو لعدم كون المتكلم في مقام بيان الواقع، والشك في سقوط اصالة الجهة حينئذ بلا معارض يوجب وجوب الاخذ بها وعدم رفع اليد عنها، نعم لو تأخر العام عن الخاص دار الامر بين سقوط أصالة العموم في العام وسقوط اصالة الجهة في الخاص، ولا علم تفصيلي بسقوط إحداهما بعينها كما في الصورة الاولى، فلابد في تقديم الثانية على الأولى من مرجح وهو قوة أصالة الجهة بالنسبة إلى اصالة الظهور (واما) لو كان النسخ من تخصيص الازمان (كما) هو

٥٧٩

* بالتخصيص إلا أنها غير موجبة لها كما لا يخفى، ثم إنه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل الامر في تخصيص الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الائمة (عليهم السلام) فانها صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتها والتزام - نسخها بها - ولو قيل بجواز نسخهما بالرواية عنهم - كما ترى فلا محيص في حله من أن يقال: إن اعتبار ذلك حيث كان لأجل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، وكان من الواضح أن ذلك فيما إذا لم يكن هناك مصلحة في اخفاء الخصوصات أو مفسدة في ابدائها كاخفاء غير واحد من التكاليف في الصدر الاول لم يكن بأس بتخصيص عموماتها بها واستكشاف ان موردها كان خارجا عن حكم العام واقعا وإن كان داخلا فيه ظاهرا، ولأجله لا باس بالالتزام بالنسخ بمعني رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات باطلاقها في الاستمرار والدوام أيضا فتفطن.

______________________________

المشهور، وعليه بني المصنف (قده) الاشكال - فلا وجه لتقديم التخصيص عندهم إلا الأشيعية والأغلبية، وحينئذ فيشكل بأن الأغلبية انما تكون منشأ لتقديم التخصيص لو كانت بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام بحيث تصلح لصرف الظهور، لكن لا يخفى انه يكفي اقل من هذا المقدار فإنها وإن لم تكن كالقرائن المكتنفة لكن إذا كانت موجبة لقوة أحد الظهورين على الآخر بحيث يكون العرف يرى الجمع بينهما بالتصرف في أحدهما دون الآخر كانت كافية، ومن المعلوم ثبوت هذا المقدار، فان ظهور الكلام الوارد من قبل الشارع في كونه حكما قانونيا مستمرا باستمرار الزمان أقوى من ظهور العام في العموم بعد شيوع التخصيص جدا، حتى قيل: ما من عام الا وقد خص مضافا الى ما قيل من ان النسخ يوجب التصرف في الكلامين: ظهور المنسوخ في الاستمرار والناسخ في كونه ثابتا من مبدأ الشريعة لا من حين صدوره، بخلاف التخصيص فانه ليس فيه الا رفع اليد عن ظهور العام فتأمل (قوله: كما ترى... الخ) فانه يتوقف على امكان نسخهم

٥٨٠

فصل

لا إشكال في تعيين الاظهر لو كان في البين إذا كان التعارض بين الاثنين وأما إذ كان بين الزائد عليهما فتعينه ربما لا يخلو عن خفاء، ولذا وقع بعض الاعلام في اشتباه وخطأ حيث توهم أنه إذا كان هناك عام وخصوصات وقد خصص ببعضها كان اللازم ملاحظة النسبة بينه وبين سائر الخصوصات بعد تخصيصه به فربما تنقلب النسبة إلى عموم وخصوص من وجه فلابد من رعاية هذه النسبة وتقديم الراجح منه ومنها أو التخيير بينه وبينها لو لم يكن هناك راجح لا تقديمها عليه إلا إذا كانت النسبة بعده على حالها (وفيه) ان النسبة انما هي بملاحظة الظهورات وتخصيص العام بمخصص منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وان انثلم به حجية ولذلك يكون بعد التخصيص حجة في الباقي لاصالة عمومه بالنسبة إليه (لا يقال): إن العام بعد تخصيصه بالقطعي.

______________________________

لشريعة النبي صلى الله عليه وآله (قوله: على حالها) أي نسبة الخاص إلى العام المطلق (قوله: وفيه أن النسبة إنما هي بملاحظة الظهورات) علم أنه إذا ورد عام وخاصان مثلا وكان أحد الخاصين قطعيا أو مقدما رتبة على الخاص الآخر فخصص العام به، فقد يقال: إن تخصيص العام به يوجب انقلاب النسبة بين العام والخاص الآخر، لان النسبة حينئذ إنما تلحظ بين الباقي بعد التخصيص والخاص الاخر، ولا تلحظ بين نفس العام بفرض عدم تخصيصه وبين الآخر، ومبني هذا القول هو ما أشرنا إليه سابقا من أن القرائن المنفصلة موجبة لانقلاب الظهور وانعقاده بما يوافقها، فالخاص المنفصل كالخاص المتصل في كونه موجبا لانعقاد ظهور العام في الباقي بلا فرق بينهما ويتفرغ على ذلك أمور (منها) ما هو محل الكلام، مثلا إذا ورد أكرم العلماء، ثم ورد لا تكرم الفساق، وورد ايضا لا تكرم النحاة، فان كلا من الاخيرين وان كان أخص مطلقا من (لا تكرم العلماء) لكن بعد تخصيصه ب‍ (لا تكرم

٥٨١

لا يكون مستعملا في العموم قطعا فكيف يكون ظاهرا فيه (فانه يقال): إن

______________________________

الفساق) يكون الباقي بينه وبين (لا تكرم النحاة) عموم من وجه (ومنها) ما لو ورد اكرم العلماء، ثم ورد يحرم اكرام الفساق، ثم ورد يكره اكرام الجهلاء الفساق، فان الأخير اخص مطلقا من الثاني، وبين الثاني والاول عموم من وجه، وبعد تخصيص الثاني بالاخير تنقلب النسبة بينه وبين الاول إلى العموم المطلق، فعلى المبنى المذكور تلحظ النسبة بعد التخصيص في المقامين ويعمل فيها على حسب القواعد، وحيث عرفت أن المبني المذكور خلاف مبنى العرف كان اللازم ملاحظة النسبة قبل التخصيص والعمل عليها، ففى الاول إن امكن تخصيص العام بالخصوصات أجمع وجب وإن امتنع من أجل لزوم محذور التخصيص المستغرق أو تخصيص الاكثر المستهجن بحيث لزم من التخصيص طرح العام في نظر العرف ولم يكن من الجمع العرفي بين الكلامين، كان العام مع الخصوصات من قبيل المتعارضين، فان أخذ بالخصوصات وجب طرح العام بالكلية حتى بالمقدار الزائد عليها الباقي بعد التخصيص لو فرض، ولا يجوز الاخذ بذلك المقدار لفرض التعارض وسقوط العام عن الحجية رأسا، وإن أخذ بالعام وجب طرح الخصوصات في الجملة وحينئذ يرجع إلى قواعد التعارض من التخيير مع عدم المرجح والترجيح معه، (وإن شئت) قلت: يمتنع العمل بالعام والخصوصات، بل يدور الامر بين الاخذ بالخصوصات وطرح العام وبين أخذ العام مع أحد الخصوصات، لعدم التنافي بعد تحقق الجمع العرفي بينه وبين واحد منها، وحينئذ فان وجب الأخذ باحد الخصوصات لكونه قطعيا دار الامر بين الاخذ بالعام والاخذ بالخاص الآخر فيعمل قواعد التعارض بينهما، فان كان مع أحدهما مرجح تعين الاخذ به، وإلا تخير، وان لم يتعين الاخذ باحد الخصوصات تخير مع عدم المرجح بين الاخذ بالخصوصات وطرح العام والاخذ بالعام مع أحدهما وإسقاط الآخر، ويتخير أيضا بين الخاصين، وان كان مرجح يقتضي الاخذ بواحد من الوجوه الثلاثة تعين الاخذ بالراجح (قوله: لا يكون مستعملا في العموم) قد يقال بان الاستعمال وعدمه ليس ميزان الظهور، لأن

٥٨٢

المعلوم عدم إرادة العموم لاعدم استعماله فيه لافادة القاعدة الكلية فيعمل بعمومها ما لم يعلم بتخصيصها والا لم يكن وجه في حجيته في تمام الباقي لجواز استعماله حينئذ فيه وفي غيره من المراتب التي يجوز ان ينتهي إليها التخصيص، واصالة عدم مخصص آخر لا يوجب انعقاد ظهور له لا فيه ولا في غيره من المراتب لعدم الوضع ولا القرينة المعينة لمرتبة منها كما لا يخفى لجواز إرادتها وعدم نصب قرينة عليها (نعم) ربما يكون عدم نصب قرينة مع كون العام في مقام البيان قرينة على ارادة التمام وهو غير ظهور العام فيه في كل مقام (فانقدح) بذلك انه لابد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات مطلقا ولو كان بعضها مقدما أو قطعيا ما لم يلزم منه محذور انتهائه إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه عرفا ولو لم يكن مستوعبة لافراده فضلا عما إذا كانت مستوعبة لها، فلابد حينئذ من معاملة التباين بينه وبين مجموعها ومن ملاحظة الترجيح بينهما وعدمه فلو رجح جانبها أو اختير فيما لم يكن هناك ترجيح فلا مجال للعمل به أصلا، بخلاف ما لو رجح طرفه أو قدم تخييرا فلا يطرح منها الا خصوص ما لا يلزم مع طرحه المحذور من

______________________________

الظهور عبارة عن المعنى الذي يحكم بكونه مرادا للمتكلم في مقام الحكم فقد يكون مستعملا في العموم وليس ظاهرا كما في العام المستثنى منه، مثل: اكرم كل رجل الا زيدا، فان (كل) مستعمل في العموم وهو كل فرد فرد من الرجل ومع ذلك لا يكون كل فرد تحت الحكم بتوسط القرينة المتصلة أعني الاستثناء. فتأمل (قوله: وإلا لم يكن وجه في حجيته في تمام الباقي) لعل الوجه فيه هو الوجه في المخصص المتصل لو بني على كون العام فيه مستعملا في الباقي (قوله: ولو كان بعضها مقدما) إما لاجل الدلالة أو المرجح (قوله: فلا بد حينئذ) اي حين لزوم المحذور من التخصيص من تخصيص الاكثر أو التخصيص المستغرق (قوله: فلا مجال للعمل به أصلا) اي حتى في المقدار الزائد الباقي بعد تخصيص الآخر، ووجهه ما عرفت من سقوط العام عن الحجية بعد عدم الجمع العرفي وفرض التعارض (قوله: فلا يطرح منها الا خصوص)

٥٨٣

التخصيص بغيره فان التباين انما كان بينه وبين مجموعها لا جميعها وحينئذ فربما يقع التعارض بين الخصوصات فيخصص ببعضها ترجيحا أو تخييرا فلا تغفل. هذا فيما كانت النسبة بين المتعارضات متحدة وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة كما إذا ورد هناك عامان من وجه مع ما هو اخص مطلقا من احدهما وانه لابد من تقديم الخاص على العام ومعاملة العموم من وجه بين العامين من الترجيح والتخيير بينهما وان انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص احدهما لما عرفت من انه لا وجه إلا لملاحظة النسبة قبل العلاج (نعم) لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه إلا ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص أو كان بعيدا جدا لقدم على العام الآخر لا لانقلاب النسبة بينهما، بل لكونه كالنص فيه فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه كما لا يخفى

______________________________

يعني إذا قدم العام لم يجب طرح جميع الخصوصات، بل لا يطرح منها الا الخاص الذي لا يلزم لو طرح المحذور المتقدم من تخصيص الاكثر أو المستغرق، لأن المانع من الاخذ بالخصوصات مع العام هو المحذور المتقدم فلابد أن يقتصر في طرح الخصوصات على المقدار اللازم من الأخذ به المحذور ومن طرح ارتفاع المحذور، ولا يتعدى إلى غيره لان الضرورات تقدر بقدرها، ولم يكن التنافي بين العام وبين كل واحد من الخصوصات بل كان بين المجموع وبينه، وحينئذ لا يجوز الاخذ بالمجموع وان جاز الاخذ بواحد، بل يجب لقاعدة: الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح (قوله: فربما يقع) قد عرفت أنه ربما يكون الدوران بين صور ثلاث (قوله: متحدة) اي نسبة من سنخ واحد كما في الخصوصات بالنسبة إلى العام فان نسبة كل واحد منها إلى العام نسبة الخاص المطلق (قوله: عامان من وجه) كما إذا ورد: أكرم العلماء، وورد ايضا: يحرم اكرام فساقهم، ويستحب اكرام العدول، فان النسبة بين الأولين عموم مطلق وبين الأول والأخير عموم من وجه (قوله: نعم لو لم يكن الباقي تحته) أشار بذلك إلى تفصيل في مقابل الشيخ (قدس سره)

٥٨٤

حكم بتقديم العام المخصص على غيره من العمومات المعارضة لأن نسبته إليها بعد تخصيصه بالخاص نسبة الخاص إلى العام، فان: اكرم العلماء، وان كان بينه وبين: يستحب اكرام العدول عموم من وجه، إلا انه بعد تخصيصه بيحرم اكرام فساقهم، يختص بالعلماء العدول، ونسبته إلى مطلق العدول المستحب اكرامهم نسبة الخاص للعام، والمصنف (قدس سره) لم يرتضه على اطلاقه، بل فصل بين ما لو كان الباقي مقدارا لا يجوز ان يتعداه التخصيص لكونه من تخصيص الاكثر فيجب تقديم العام على سائر معارضاته، وبين ما لو كان الباقي أكثر من ذلك، ووجهه: أن العام في ذلك المقدار يكون نصا فيقدم على غيره بعد قوة دلالته، وفيما يزيد على ذلك لا يكون كذلك فلا تقوى دلالته فلا مرجح له على غيره ليكون موجبا لتقديمه عليه، و ربما يشكل عليه بأن العام وإن كان نصا في ذلك المقدار إلا أن ذلك المقدار صدقه على الباقي بعد التخصيص كصدقه على ما خرج بالتخصيص، وحينئذ يمتنع أن يكون نصا في خصوص الباقي بعد التخصيص، والمفروض أنه - أعني الباقي - هو مورد المعارضة ودلالته عليه كدلالة غيره عليه، وعليه فلا وجه للاستدراك عليه بقوله: نعم لو لم يكن... الخ، مضافا إلى أنه لا وجه للتفصيل بين القسمين أيضا لأن الرجوع بعد التخصيص إلى ملاحظة النسبة قبله يوجب سقوط العام المخصص بالكلية لو قدم غيره عليه فيلزم سقوطه فيما هو نص فيه - أعني المقدار المتقدم إليه الاشارة - ولا فرق بين القسمين الا انه يسقط العام المخصص في خصوص ذلك المقدار في أحدهما وفيه وفيما يزيد عليه في الآخر وإلا فهو ساقط في ذلك المقدار في المقامين فيلزم إسقاطه فيما هو نص فيه (نعم) ما قيل: من انه لو لم يقدم على معارضاته لزم إما الغاء النص أو طرح الظاهر وكلاهما باطل، بخلاف ما لو قدم على غيره فانه يعمل به في الباقي وبالنص فيما يختص به والجمع مهما امكن اولى من الطرح، حسن لو كان ذلك موجبا للجمع العرفي بحيث لو عرض الأدلة الثلاثة على العرف لخصصوا العام بالخاص وقدموا العام

٥٨٥

فصل

لا يخفى أن المزايا المرجحة لأحد المتعارضين الموجبة للأخذ به وطرح الآخر بناء على وجوب الترجيح وإن كانت على انحاء مختلفة ومواردها متعددة من راوي الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه مثل الوثاقة والفقاهة والشهرة ومخالفة العامة والفصاحة وموافقة الكتاب والموافقة لفتوى الأصحاب... إلى غير ذلك مما يوجب مزية في طرف من أطرافه خصوصا لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة إلا أنها موجبة لتقديم أحد السندين وترجيحه وطرح الآخر فان أخبار العلاج دلت على تقديم رواية ذات مزية في أحد أطرافها ونواحيها فجميع هذه من مرجحات السند حتى موافقة الخبر للتقية فانها ايضا مما يوجب ترجيح أحد السندين وحجيته فعلا وطرح الآخر رأسا وكونها في مقطوعي الصدور متمحضة في ترجيح الجهة لا يوجب كونها كذلك في غيرهما

______________________________

على معارضاته، لكنه يحتاج إلى مزيد تأمل، فتأمل فانه غير بعيد (قوله: فجميع هذه من مرجحات السند حتى موافقة) قد عرفت فيما سبق ان الخبرين المختلفين، تارة يعلم بكذب احدهما وان احتمل موافقة مضمونيهما للواقع، وتارة يعلم بمخالفة مضمون أحدهما وإن احتمل صدقهما معا، وتارة يعلم بكذب احدهما ومخالفة مضمونة للواقع، والظاهر أن مورد السؤال في جميع اخبار التخيير والترجيح الأول - اعني ما علم بمخالفة احدهما للواقع مضمونا سواء علم بكذب احدهما أم احتمل صدقهما معا - كما ان الظاهر أن أدلة الترجيح في مقام تعيين ما هو اقرب إلى الواقع مضمونا حتي ما دل على الترجيح بمثل الاوثقية والاعدلية وشهرة الرواية مما هو راجع إلى الترجيح بحسب السند، لأن الترجيح بحسب السند انما هو بلحاظ كون الراجح سندا اقرب إلى الواقع، لأن البيان الصادر من المعصوم هو طريق إلى الواقع. ثم ان المرجح على اقسام (الاول) ما يكون راجعا إلى الترجيح من حيث السند بحيث يكون دليل الترجيح

٥٨٦

به حاكما بأن الراجح هو الصادر والمرجوح ليس بصادر (الثاني) ما يكون راجعا إلى الترجيح من حيث الجهة بحيث يكون الراجح صادرا لبيان الواقع والمرجوح صادر لا لبيان الواقع. (الثالث): ما يكون راجعا إلى الترجيح من حيث المضمون بحيث يكون الراجح مطابقا للواقع والمرجوح مخالفا له، ومن المعلوم ترتب هذه الاقسام الثلاثة، أما تقدم القسم الاول على الثاني فلأن موضوع أصالة الجهة الكلام الصادر ممن له الحكم فإذا فرض وجود المرجح بحسب السند كان موجبا لسقوط موضوع أصالة الجهة بالنسبة إلى المرجوح، وأما تقدم القسم الثاني على الثالث فلأن موضوع أصالة الظهور الكلام الصادر ممن له الحكم لبيان الواقع لا لأمر آخر من تقية ونحوها، فإذا فرض وجود المرجح لاصالة الجهة في احدهما دون الآخر كان موجبا لسقوط أصالة الجهة في الآخر فيرتفع موضوع أصالة الظهور فيه، كما انه لو فرض تساوي الخبرين من حيث المرجحات السندية ينتقل حينئذ إلى المرجحات الجهتية، فان تساويا فيها ايضا جرت المرجحات المضمونية، فان تساويا فيها ايضا يتخير، كما أنه لو كانا مقطوعي الصدور ينتقل إلى المرجحات الجهتية فإذا كانا مقطوعي الجهة ينتقل إلى المرجحات المضمونية، ولا يعقل ان يكونا مقطوعين من الجهات الثلاث (فان قلت): إذا تساويا من حيث السند فان جرت أصالة السند فيهما لزم من إجرائها فيهما معا عدم اجراءها في احدهما لأن المرجح الجهتي يوجب سقوط المرجوح حتى من حيث السند فيلزم من وجوده عدمه، وإن لم تجر فيهما لزم عدم إحراز موضوع أصالة الجهة فيمتنع إجراؤها (قلت): بل تجري أصالة السند فيهما معا، وكون المرجح الجهتي يوجب سقوط المرجوح حتى من حيث السند ممنوع، فانه إنما يتم لو لم يترتب أثر على جريان أصالة السند في كل منهما إلا ما يترتب على مضمونه فانه يلزم من سقوط المرجوح من حيث الجهة سقوط من حيث السند، أما لو كان هناك أثر يصح بلحاظه التعبد غير ما يترتب على مضمونه وهو كونه موضوعا لوجوب الترجيح فلا يضر إلغاؤه من حيث المضمون في جريان أصالة السند في كل منهما، فان دليل الترجيح من حيث الجهة إذا كان موضوعه

٥٨٧

الخبرين الصادرين صح إجراء أصالة السند فيهما بلحاظ ترتب هذا الاثر وإن لزم طرح احدهما بلحاظ الترجيح من حيث الجهة، وكذا الكلام سؤالا وجوابا بالنسبة إلى أصالة الجهة وأصالة الظهور. فلاحظ وتأمل (فان قلت): كيف يصح الحكم بهذه المراتب الثلاث مع أن المقبولة قدمت رتبة الترجيح بموافقة الكتاب التي هي من المرجحات المضمونية على مخالفة العامة مع انها من مرجحات الجهة مع أن الأمر على ما ذكرت بالعكس (قلت): الظاهر من المقبولة ان مخالفة العامة من المرجحات المضمونية لا الجهتية فلا يتم الاشكال، ويشهد لما ذكرنا التعليل بان فيه الرشاد الدال على أن المخالف للعامة اانما يؤخذ به لانه أقرب إلى الواقع لا لأن الموافق فيه التقية لتكون من المرجحات الجهتية. مضافا إلى أنها تضمنت الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة بما أنها مرجح واحد الظاهر في انهما من سنخ واحد لاسنخين. (وبالجملة): المحتمل بدوا في الترجيح بمخالفة العامة أمور، (الاول): أن يكون وجه الترجيح بها محض التعبد، الثاني: أن يكون لمجرد حسن المخالفة، (الثالث): ان يكون لأجل أن المخالف اقرب إلى الواقع، كما يظهر من رواية ابن اسباط: قلت للرضا (ع): يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه احد استفتيه من مواليك فقال: ائت فقيه البلد واستفته في امرك فإذا افتاك بشئ فخذ بخلافه، وأصرح منها خبر الا رجائي: أتدري لم امرتم بالاخذ بخلاف ما يقوله العامة ؟ فقلت: لا ادري، فقال: ان عليا (ع) لم يكن بدين الله بشئ إلا خالف عليه العامة ارادة لابطال امره، وكانوا يسألون عن الشئ الذي لا يعلمونه فإذا افتاهم بشئ جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس. (الرابع): أن يكون لاجل أن الموافق لهم صادر على نحو التقية، ومن المعلوم أن الاحتمالين الاولين ساقطان لمخالفة الظاهر خصوصا الثاني، لان الأوامر المذكورة في الترجيح طريقية لا نفسية ولا غيرية، وهو انما يتم على الثاني، ولمخالفة النصوص فيتعين أحد الاحتمالين الاخيرين والظاهر ان المقبولة من قبيل رواية ابن اسباط تدل على أنها من المرجحات المضمونية لا الجهتية، فتكون معارضة بما دل على كونها من المرجحات الجهتية، مثل:

٥٨٨

ضرورة انه لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية فكيف يقاس على ما لا تعبد فيه للقطع بصدوره (ثم) انه لا وجه لمراعات الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي واناطة الترجيح بالظن أو بالاقربية إلى الواقع ضرورة ان قضية ذلك تقديم الخبر الذى ظن صدقه أو كان اقرب إلى الواقع منهما والتخيير بينهما إذا تساويا فلا وجه لاتعاب النفس في بيان أن أيها يقدم أو يؤخر إلا تعيين أن أيها يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها مع الآخر (واما) لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله وجه لما يتراءي من ذكرها

______________________________

ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعته مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه، والكلام المتقدم منا مبني على كونها من المرجحات الجهتية فلاحظ، وكيف كان فقد ظهر الاشكال على المصنف (قدس سره) بانها من مرجحات السند (قوله: ضرورة انه لا) قد عرفت الجواب عنه. مضافا إلى أن كونها من مرجحات السند يراد به أنها موجبة للحكم بكذب أحد السندين على ما عرفت سابقا من أن لازم التعارض التكاذب وكونها من مرجحات الجهة يراد به أنها موجبة للحكم بكذب أحد الخبرين من حيث الجهة وكون لازم ذلك عدم الحكم بأصالة السند في المرجوح من أجل عدم الانتهاء إلى الأثر العملي الموجب للغوية الحكم غير الحكم بكذب احد السندين. فتأمل (قوله: لا وجه لمراعاة الترتيب) قد عرفت وجهه للترتب الطبعي بينها لو أريد الترتيب بين الاقسام الثلاثة، ولو اريد الترتيب فيما بين افراد كل قسم منها فيمكن القول بالترتيب بينها، بناء على أن الترتيب الشرعي لعله كاشف عما هو اقرب واقعا وان لم يكن كذلك بنظر غير الشارع، كذا قيل. وقد يشكل بما عرفت من أن لازم التعدي عن المرجحات المنصوصة بقرينة التعليلات الواردة رفع اليد عن خصوصية المرجحات المنصوصة وان المناط في الترجيح حيثية الأقربية العرفية، فلابد أن يكون النظر العرفي ممضى عند الشارع وإلا كان الترجيح تعبديا فيمتنع التعدي. وبالجملة: لازم القول

٥٨٩

* مرتبا في المقبولة والمرفوعة مع إمكان أن يقال: ان الظاهر كونهما كسائر اخبار الترجيح بصدد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح ولذا اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجح واحد والالزم تقييد جميعها على كثرتها بما في المقبولة وهو بعيد جدا، وعليه فمتى وجد في احدهما مرجح وفي الآخر آخر منها كان المرجع هو إطلاقات التخير ولا كذلك على الأول بل لابد من ملاحظة الترتيب إلا إذا كانا في عرض واحد (وانقدح) بذلك أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات في انه لابد

______________________________

بالتعدي امضاء الشارع نظر العرف من حيث الاقربية. فتأمل (قوله: مرتبا في المقبولة والمرفوعة) قد عرفت أن ظاهر المقبولة والمرفوعة بل وظاهر غيرهما من أخبار والترجيح أن الترجيح بمخالفة العامة من المرجحات المضمونية لا الجهتية فراجعها وحينئذ فاخبار الترجيح متعرضة لقسمين من المرجحات وهما المرجحات المضمونية والمرجحات السندية، وقد اتفقت المقبولة والمرفوعة وجملة من غيرها على تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامة وفى جملة لم يذكر الا الترجيح بمخالفة العامة وحينئذ فمقتضى الجمع العرفي بينهما تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامة حملا للمطلق على المقيد، وأما المرجحات السندية فلم يتعرض لها الا في المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما في الترتيب، ففي المرفوعة قدم الترجيح بالشهرة على الترجيح بصفات الراوي، وفي المقبولة بالعكس، ومقتضي الجمع التخيير بينهما وعدم الترتيب لكنه يتوقف على حجية المرفوعة وكون الترجيح بالصفات في المقبولة راجع إلى الترجيح من حيث الرواية لا الترجيح بنى الحكمين أو المجتهدين. (والانصاف) ان المرفوعة لم تجمع شرائط الحجية واما المقبولة فالظاهر أن الاشكال المذكور لا رافع له كما عرفت فلم يثبت مرجح للسند غير الشهرة وكيف كان فالاشكال يختص بالمرجحين المذكورين، لكن المحكي عن الاصحاب تقديم الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات فتخالف الرواية عمل المشهور فيشكل الاخذ بها من هذه الجهة. هذا كله بعد فهم الترتيب وإلا فلا إشكال

٥٩٠

في صورة مزاحمته مع بعضها من ملاحظة أن أيهما فعلا موجب للظن بصدق ذيه بمضمونه أو الأقربية كذلك إلى الواقع فيوجب ترجيحه وطرح الآخر أو انه لا مزية لاحدهما على الآخر كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بماله من المزية مساويا للخبر المخالف لها بحسب المناطين، فلابد حينئذ من التخيير بين الخبرين فلا وجه لتقدميه على غيره كما عن الوحيد البهبهاني - قدس سره - وبالغ فيه بعض اعاظم المعاصرين - أعلى الله درجته - ولا لتقديم غيره عليه كما يظهر من شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - قال: أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامة فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفا للعامة بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق لان هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين أو تعبدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الآخر، وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضي أدلة الترجيح من حيث الصدور (إن قلت): إن الاصل في الخبرين الصدور فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضي ذلك الحكم بصدور الموافق تقية كما يقتضي ذلك الحكم بارادة خلاف الظاهر في أضعفهما فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور (قلت): لا معنى للتعبد بصدورهما

______________________________

 (قوله: بحسب المناطين) هو الظن بالصدق والأقربية (قوله: وفيه مضافا إلى ما عرفت) يريد به ما ذكره بقوله: ثم إنه لا وجه لمراعاة الترتيب، واشار إليه ايضا بقوله بعد ذلك: وانقدح بذلك أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات... الخ من ان مرجح الجهة وان لم يكن راجعا إلى المرجح السندي إلا ان البناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة يقتضي عدم ملاحظة الترتيب بينها بل الاخذ بما يوجب حصول المناط في التعدي سواء كان مرجح السند أم الجهة. وحاصل الايراد المضاف إلى ذلك: هو منع كون المرجح الجهتي مقابلا للمرجح السندي بل راجع إليه

٥٩١

مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية لانه إلغاء لأحدهما في الحقيقة، وقال - بعد جملة من الكلام -: فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور إما علما كما في المتواترين أو تعبدا كما في المتكافئين من الاخبار وأما ما وجب فيه التعبد بصدور أحدهما المعين دون الآخر فلا وجه لاعمال هذا المرجح فيه لان جهة الصدور متفرع على أصل الصدور. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه وفيه - مضافا إلى ما عرفت - أن حيث فرعية جهة الصدور على أصله إنما يفيد إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجحات أصل الصدور بل من مرجحاتها، وأما إذا كان من مرجحاته باحد المناطين فاي فرق بينه وبين سائر المرجحات ؟ ولم يقم دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة مع كون الآخر راجحا بحسبها بل هو أول الكلام كما لا يخفى، فلا محيص من ملاحظة الراجح من المرجحين بحسب أحد المناطين أو من دلالة أخبار العلاج على الترجيح بينهما مع المزاحمة ومع عدم الدلالة ولو لعدم التعرض لهذه الصورة فالمحكم هو إطلاق التخيير فلا تغفل. وقد اورد بعض أعاظم تلاميذه عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور فانه لو لم يعقل التعبد بصدور المتخالفين من حيث الصدور مع حمل احدهما على التقية لم يعقل التعبد بصدورهما مع حمل

______________________________

 (قوله: ولم يقم دليل بعد) أقول: قد عرفت الدليل على هذا التقديم وأن اصالة الجهة موضوعها الكلام الصادر فإذا فرض وجود المرجح بحسب السند كان موجبا لسقوط المرجوح سندا وتسقط أصالة الجهة فيه، وإن كان ارجح فيها لارتفاع موضوععها، وكأن الذي دعا المصنف (ره) إلى ارجاعها إلى المرجحات السندية امتناع التعبد بما يتعين حمله على التقية فتكون موجبة لسقوط السند ايضا كالمرجحات السندية. فراجع وتأمل (قوله: فانه لو لم يعقل التعبد) حاصل الاشكال على المصنف (ره) كما تقدم الاشارة إليه: أنه ان كان يعتبر في الترجيح بحسب الجهة جريان أصالة السند فيهما معا امتنع بالبديهة، لأن الترجيح

٥٩٢

أحدهما عليها لانه إلغاء لاحدهما أيضا في الحقيقة (وفيه) ما لا يخفى من الغفلة، وحسبان أنه التزم - قدس سره - في مورد الترجيح بحسب الجهة باعتبار تساويهما من حيث الصدور إما للعلم بصدورهما وإما للتعبد به فعلا، مع بداهة ان غرضه من التساوي من حيث الصدور تعبدا تساويهما بحسب دليل التعبد بالصدور قطعا، ضرورة أن دليل حجية الخبر لا يقتضي التعبد فعلا بالمتعارضين بل ولا باحدهما، وقضية دليل العلاج ليس الا التعبد باحدهما تخييرا أو ترجيحا. والعجب كل العجب أنه - رحمه الله - لم يكتف بما أورده من النقض حتى ادعى استحالة تقديم الترجيح بغير هذا المرجح على الترجيح به وبرهن عليه بما حاصله امتناع التعبد بصدور الموافق لدوران أمره بين عدم صدوره من اصله وبين صدوره تقية ولا يعقل التعبد به على التقديرين بداهة كما أنه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق بل الامر في الظني الصدور أهون لاحتمال عدم صدوره بخلافه ثم قال: فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة مع نص الامام - عليه السلام - على طرح موافقهم من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة فضلا عمن هو تالي العصمة علما وعملا ثم قال: وليت شعري ان هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه مع أنه في وجودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر (وأنت خبير) بوضوح فساد برهانه ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأسا لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا وعدم صدور المخالف المعارض له اصلا ولا يكاد يحتاج في التعبد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة وانما دار احتمال الموافق بين الاثنين إذا كان المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة ضرورة دوران معارضه حينئذ بين عدم صدوره وصدوره تقية وفى غير هذه الصورة كان دوران امره بين الثلاثة لا محالة لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعي حينئذ ايضا، ومنه قد انقدح امكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي ايضا وانما لم يمكن التعبد بصدوره لذلك إذا كان معارضه المخالف قطعيا بحسب النسد والدلالة

٥٩٣

لتعيين حمله على التقية حينئذ لا محالة. ولعمري ان ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثلا إلا أن الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للانسان عصمنا الله من زلل الاقدام والاقلام في كل ورطة ومقام (ثم) إن هذا كله إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح مرجح من حيث الجهة، وأما بما هو موجب لاقوائية دلالة ذيه من معارضه

______________________________

موجب لسقوط أصالة السند في احدهما لامتناع التعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية، وان كان لا يعتبر ذلك لم يضر وجود المرجح السندي الموجب لسقوط أحد السندين. وحاصل ما اجاب به المصنف (قدس سره) عن هذا الاشكال: أن مراده أنه يعتبر في الترجيح بمرجح الجهة تساويهما من حيث دليل التعبد، بحيث تكون نسبتهما إلى دليل التعبد، نسبة واحدة، وهذا لا يجري مع وجود المرجح السندي لاختلاف نسبتهما إليه حيث حكم بسقوط أحدهما عن الحجية وبقاء الآخر. هذا وقد عرفت أنه دليل في المقام من نص أو اجماع يتضمن الشرط المذكور للترجيح بمرجح الجهة حتى يقال بأن المعتبر في دليل الترجيح تساويهما في النسبة إلى دليل حجية السند وان لم تجر اصالة السند فيهما معا فعلا، فيفرق بين المتكافئين والمتخالفين، بل الدليل على اعتبار الشرط المذكور هو الترتب الطبعي بين اصالة السند وأصالة الجهة وان الثانية انما تجري بعد الفراغ عن ثبوت السند، لأن موضوعها الكلام الصادر ممن له الحكم فما لم يحرز موضوعها امتنع جريانها، ومقتضى ذلك لزوم جريان اصالة السند فيهما فعلا ليثبت الموضوع ومع عدم الجريان فيهما كذلك ولو للمعارضة يمنع من جريان اصالة الجهة ويمنع من تحقق التعارض بينهما، وحينئذ يعود الاشكال فيقال: إن كان المعتبر جريان أصالة السند فعلا فقد عرفت امتناعه، وان كان المعتبر جريانها اقتضاء لم يضر وجود المرجح السندي فانه لا يرفع الاقتضاء في كل من المتعارضين بالنسبة إلى اصالة السند فلابد من الرجوع إلى ما ذكرنا من انه يعتبر الجريان فعلا، ويكفي مصححا للجريان الانتهاء إلى الترجيح بحسب الجهة وانا لم يترتب الأثر المضموني لكل منهما

٥٩٤

(والتحقيق): ان توقف اجراء اصالة الجهة على اجراء اصالة السند فعلا يراد به اجراؤها فعلا من جميع الحيثيات غير حيثية اصالة الجهة، لا من جميع الحيثيات حتى حيثية اصالة الجهة، والا فيلزم الدور لتوقف اصالة السند على اصالة الجهة والمفروض توقف اصالة الجهة على اصالة السند وهو دور، وحينئذ فالمانع من فعلية اصالة السند ان كان ناشئا من اصالة الجهة أو من احكامها فلا يضر في فعليته اصالة السند المعتبرة في اصالة الجهة بل هي حاصلة إذا كانت من سائر الجهات محفوظة وحينئذ نقول في رفع الاشكال: ان كان مرجح لاحد السندين على الآخر كان موجبا لسقوط اصالة السند في المرجوح فلا تنتهي النوبة إلى الترجيح بحسب الجهة ويسقط المرجوح السندي، وان كان بحسب الجهة أرجح لارتفاع موضوع اصالة الجهة بتوسط المرجح السندي وان لم يكن مرجح سندي فلا مانع من فعلية اصالة السند في كل من الخبرين فتجري أصالة الجهة لتحقيق موضوعها، فإذا كان احد الاصلين الجهتين ارجح من الآخر قدم، ولا يرد بأن معارضة أصالة الجهة في الطرفين فرع فعلية أصالة السند فيهما، وهي ممتنعة لامتناع التعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية، لانا نقول: ان كان المراد من فعلية أصالة السند المعتبرة في أصالة الجهة فعليتها حتى من حيث ترجيح احدى أصالتي الجهة على الاخرى الذي هو من أحكام معارضتهما، فهو ممتنع للزوم الدور، وان كان المراد فعليتهما من سائر الحيثيات، بمعني: عدم وجود مانع من اصالة السند غير حيثية الترجيح الجهتي الذى هو من أحكام المعارضة، فهى حاصلة بالضرورة فحسب، وهذا هو مراد شيخنا الاعظم (قده): فلا يتوجه عليه الاشكال المزبور، ومن هنا يظهر الاشكال على المصنف (ره) في ارجاعه الترجيح الجهتي إلى المرجح السندي، فان المرجح السندي رافع لموضوع أصالة الجهة فيمتنع أن يكون من افراده الترجيح الجهتي كما أنه يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) دليلا على المطلب من قوله: ضرورة انه لا معنى للتعبد... الخ، والانصاف أن الترتيب الطبعي بين المرجحات المذكورة للترتيب الطبعي بين مواردها مما لم يقم

٥٩٥

لاحتمال التورية في المعارض المحتمل فيه التقية دونه فهو مقدم على جميع مرجحات الصدور بناء على ما هو المشهور من تقدم التوفيق بحمل الظاهر على الأظهر على الترجيح بها (اللهم) إلا أن يقال: إن باب احتمال التورية وإن كان مفتوحا فيما احتمل فيه التقية إلا أنه حيث كان بالتأمل والنظر لم يوجب أن يكون معارضه أظهر بحيث يكون قرينة على التصرف عرفا في الآخر فتدبر.

فصل

موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا من المرجحات في الجملة بناء على لزوم الترجيح لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة أو قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها كما ادعي وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين وقد عرفت أن التعدي محل نظر بل منع وأن الظاهر من القاعدة هو ما كان الاقوائية من حيث الدليلية والكشفية ومضمون أحدهما مظنونا لاجل مساعدة امارة ظنية عليه لا يوجب قوة فيه من هذه الحيثية بل هو على ما هو عليه من القوة لولا مساعدتها كما لا يخفى، ومطالقة أحد الخبرين لها

______________________________

عليه برهان بل ولا وجه له بعد التأمل، فان القول بأن موضوع أصالة الجهة الكلام الصادر ممن له الحكم ليس أولى من القول بالعكس وان اصالة السند موضوعها الكلام الصادر لبيان الواقع، وهكذا الكلام في أصالة الظهور بالنسبة اليهما بل التأمل يقتضي القول بان ترتب الأثر العملي على جريان هذه الاصول الثلاثة ترتيب عرضي، نظير ترتيب الأثر على المركبات، ولا يصح القول بان اجزاء المركب بعضها منوط ببعض، ويترتب على ذلك حصول التعارض بين المرجحات المذكورة كما ذكره المصنف (قده) وما ذكرناه من اوله إلى آخره كان تتميما لما ذكره شيخنا الأعظم (قده) في رسائله من فرعية الأصول بعضها على بعض فراجع وتأمل والله تعالى اعلم ومنه نستمد التوفيق فانه حسبنا ونعم الوكيل (قوله: لاحتمال التورية في المعارض) إعلم أن الخبر الصادر تقية يحتمل أن يكون المراد ظاهره

٥٩٦

لا يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث جهته، كيف وقد اجتمع مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف ؟ لولا معارضة الموافق والصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك (فافهم) هذا حال الامارة غير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها أما ما ليس بمعتبر بالخصوص لاجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس فهو وإن كان كغير المعتبر لعدم الدليل بحسب ما يقتضي الترجيح به من الاخبار بناء على التعدي والقاعدة بناء على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين، إلا أن الأخبار الناهية عن القياس وأن السنة إذا قيست محق الدين مانعة عن الترجيح به ضرورة أن استعماله في ترجيح

______________________________

فيكون من الكذب المرخص فيه للمصلحة، ويحتمل أن يكون المراد به خلاف ظاهره بلا نصف قرينة على ذلك فيكون من قبيل التورية، وعلى الاحتمال الاول كانت المخالفة مرجحا من حيث الجهة، وعلى الثاني كانت من مرجحات الدلالة، ولا دخل لها من جهة الكلام إذ لم يقصد بالكلام الا بيان الحكم الواقعي الا ان بيانه لم يكن بكلام ظاهر فيه بل كان بكلام غير ظاهر فيه، وحينئذ فيكون الجمع العرفي حمل الموافق على معنى لا يخالف المخالف، مثلا إذا ورد يجوز: قول (آمين)، في الصلاة بعد الفاتحة، وورد: لا يجوز قول (آمين) أمكن التصرف في الاول ما لا يمكن في الثاني، بحمل (يجوز) على معنى: لا يجوز، وان كان بعيدا أو حمله على حال التقية وحمل (لا يجوز) على غير حال التقية برفع اليد عن اطلاق كل منهما نعم إنما يتم ذلك - اعني كونه من مرجحات الدلالة - لو كان الكلامان بحيث لو جمعا في كلام واحد لم يكونا متنافيين في نظر العرف كما هو معنى الجمع العرفي، ومجرد انفتاح باب احتمال في الموافق لا يحتمل في المخالف أو امكان الجمع بينهما بحمل احدهما على حال التقية والآخر على غير حال التقية لا يقتضي ذلك بحيث يكون ظاهرا لكلا الكلامين ويكون احدهما على الآخر قرينة (قوله: لازمه الظن بوجود خلل) اعلم: ان الكلام في الترجيح بالمرجحات الخارجية انما هو إذا لم يكن

٥٩٧

أحد الخبرين استعمال له في المسألة الشرعية الاصولية وخطره ليس باقل من استعماله في المسألة الفرعية (وتوهم) أن حال القياس ها هنا ليس في تحقق الاقوائية به إلا كحاله فيما ينقح به موضوع آخر ذو حكم من دون اعتماد عليه في مسألة اصولية ولا فرعية قياس مع الفارق لوضوح الفرق بين المقام والقياس في الموضوعات الخارجية الصرفة، فان القياس المعمول فيها ليس في الدين فيكون إفساده اكثر من اصلاحه، وهذا بخلاف المعمول في المقام فانه نحو إعمال له في الدين، ضرورة انه لولاه لما تعين الخبر الموافق له للحجية بعد سقوطه عن الحجية بمقتضي أدلة الاعتبار والتخيير بينه وبين معارضه بمقتضي ادلة العلاج فتأمل جيدا، واما ما إذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه كالكتاب والسنة القطعية فالمعارض المخالف لاحدهما إن كانت مخالفته بالمبائنة الكلية فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح لعدم حجية الخبر المخالف كذلك من أصله ولو مع عدم المعارض فانه المتيقن من الاخبار الدالة على أنه (زخرف) أو (باطل) أو انه (لم نقله) أو غير ذلك، وان كانت مخالفة بالعموم والخصوص المطلق فقضية القاعدة فيها وان كانت ملاحظة المرجحات بينه وبين الموافق وتخصيص الكتاب به تعيينا أو تخييرا لو لم يكن الترجيح في الموافق بناء على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، الا ان الاخبار الدالة على اخذ الموافق من المتعارضين غير قاصرة عن العموم لهذه الصورة لو قيل بانها في مقام ترجيح احدهما لا تعيين الحجة عن اللاحجة كما نزلنا ها عليه، ويؤيده اخبار العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من اصله فانهما تفرغان عن لسان واحد فلا وجه لحمل المخالفة في احداهما على خلاف المخالفة في الاخرى كما لا يخفى (اللهم) الا ان يقال: (نعم) الا ان دعوى اختصاص هذه الطائفة بما إذا كانت المخالفة بالمبائنة بقرينة القطع بصدور المخالف غير المبائن عنهم عليهم السلام كثير أو اباء مثل:

٥٩٨

ما خالف قول ربنا لم أقله أو زخرف أو باطل عن التخصيص غير بعيدة، وان كانت المخالفة بالعموم والخصوص من وحه فالظاهر انها كالمخالفة في الصورة الاولى كما لا يخفي، واما الترجيح بمثل الاستصحاب كما وقع في كلام غير واحد من الاصحاب فالظاهر انه لاجل اعتباره من باب الظن والطريقية عندهم واما بناء على اعتباره تعبدا من باب الاخبار وظيفة للشاك كما هو المختار كسائر الاصول العملية التي تكون كذلك عقلا أو نقلا، فلا وجه للترجيح به اصلا لعدم تقوية مضمون الخبر بموافقة ولو بملاحظة دليل اعتباره كما لا يخفى هذا آخر ما أردنا إيراده والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا.

______________________________

وجود المرجح في أحد الطرفين موجبا لاختلال شرط من شرائط الحجية في الآخر بحيث به يخرج عن موضوع الحجية، كما لو قلنا بعدم حجية الخبر المخالف للمشهور أو المخالف للكتاب ولو بنحو العموم والخصوص المطلق أو الخبر المظنون خلافه فان الامور المذكورة موجبة لسقوط المخالف عن الحجية ولو لم يكن له معارض فضلا عما لو كان له معارض، وحينئذ فان كان المدعي للترجيح بمثل الموافقة للشهرة الفتوائية يستند إلى انها موجبة للظن بوجود خلل في المخالف فان كان غرضه انها موجبة لارتفاع شرط من شرائط الحجية في الآخر، (ففيه) مع انه لا يحسن التعبير بانها موجبة للظن بالخلل بل هي موجبة للقطع بالخلل قطعا أنه ليس هو محل الكلام بل الكلام في غيره، وان كان المقصود انها موجبة للظن بمخالفته للواقع اما لمخالفة اصالة السند له أو لمخالفة اصالة الجهة أو لمخالفة اصالة الظهور فهو حق إلا انه لا ينفع في الترجيح بعد ما كان البناء على الاقتصار على المرجحات المنصوصة مضافا إلى أنه لا وجه لحصر الخلل المظنون بالصدور والجهة بل يمكن أن يكون في الظهور. (هذا آخر ما برز من قلمه الشريف في التعادل والتراجيح) في النجف الاشرف يوم السابع والعشرين من ذي الحجة الحرام من السنة التاسعة والثلاثين بعد الالف والثلثمائة هجرية على مهاجرها افضل صلاة وتحية والحمد لله رب العالمين.

٥٩٩

ختام واعتذار

سبق أن قد نبهنا على أن سيدنا الوالد - مد ظله العالي - قد أنهى تعليقته الأنيقة - تبعا لانتهاء درسه الشريف - ولما يتم مباحث التعادل والتراجيح ومباحث الاجتهاد والتقليد، فكان مناسبا جدا إتمام مباحث التعادل والتراجيح بتعليقته القديمة على هذه المباحث. أما مباحث الاجتهاد والتقليد فقد رأينا أن نستغني عن نشر التعليق عليها بما كتبه - مد ظله - في الجزء الأول من (مستمسك العروة الوثقى) في شرح هذه المباحث فانه أحدث عهدا وأوسع بحثا والله سبحانه ولي التوفيق والسداد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١٣ شعبان سنة ١٣٧٢ ه‍

يوسف الطباطبائي

الحكيم

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617