حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 209458
تحميل: 4838


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209458 / تحميل: 4838
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

فصل

لا إشكال في تعيين الاظهر لو كان في البين إذا كان التعارض بين الاثنين وأما إذ كان بين الزائد عليهما فتعينه ربما لا يخلو عن خفاء، ولذا وقع بعض الاعلام في اشتباه وخطأ حيث توهم أنه إذا كان هناك عام وخصوصات وقد خصص ببعضها كان اللازم ملاحظة النسبة بينه وبين سائر الخصوصات بعد تخصيصه به فربما تنقلب النسبة إلى عموم وخصوص من وجه فلابد من رعاية هذه النسبة وتقديم الراجح منه ومنها أو التخيير بينه وبينها لو لم يكن هناك راجح لا تقديمها عليه إلا إذا كانت النسبة بعده على حالها (وفيه) ان النسبة انما هي بملاحظة الظهورات وتخصيص العام بمخصص منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وان انثلم به حجية ولذلك يكون بعد التخصيص حجة في الباقي لاصالة عمومه بالنسبة إليه (لا يقال): إن العام بعد تخصيصه بالقطعي.

______________________________

لشريعة النبي صلى الله عليه وآله (قوله: على حالها) أي نسبة الخاص إلى العام المطلق (قوله: وفيه أن النسبة إنما هي بملاحظة الظهورات) علم أنه إذا ورد عام وخاصان مثلا وكان أحد الخاصين قطعيا أو مقدما رتبة على الخاص الآخر فخصص العام به، فقد يقال: إن تخصيص العام به يوجب انقلاب النسبة بين العام والخاص الآخر، لان النسبة حينئذ إنما تلحظ بين الباقي بعد التخصيص والخاص الاخر، ولا تلحظ بين نفس العام بفرض عدم تخصيصه وبين الآخر، ومبني هذا القول هو ما أشرنا إليه سابقا من أن القرائن المنفصلة موجبة لانقلاب الظهور وانعقاده بما يوافقها، فالخاص المنفصل كالخاص المتصل في كونه موجبا لانعقاد ظهور العام في الباقي بلا فرق بينهما ويتفرغ على ذلك أمور (منها) ما هو محل الكلام، مثلا إذا ورد أكرم العلماء، ثم ورد لا تكرم الفساق، وورد ايضا لا تكرم النحاة، فان كلا من الاخيرين وان كان أخص مطلقا من (لا تكرم العلماء) لكن بعد تخصيصه ب‍ (لا تكرم

٥٨١

لا يكون مستعملا في العموم قطعا فكيف يكون ظاهرا فيه (فانه يقال): إن

______________________________

الفساق) يكون الباقي بينه وبين (لا تكرم النحاة) عموم من وجه (ومنها) ما لو ورد اكرم العلماء، ثم ورد يحرم اكرام الفساق، ثم ورد يكره اكرام الجهلاء الفساق، فان الأخير اخص مطلقا من الثاني، وبين الثاني والاول عموم من وجه، وبعد تخصيص الثاني بالاخير تنقلب النسبة بينه وبين الاول إلى العموم المطلق، فعلى المبنى المذكور تلحظ النسبة بعد التخصيص في المقامين ويعمل فيها على حسب القواعد، وحيث عرفت أن المبني المذكور خلاف مبنى العرف كان اللازم ملاحظة النسبة قبل التخصيص والعمل عليها، ففى الاول إن امكن تخصيص العام بالخصوصات أجمع وجب وإن امتنع من أجل لزوم محذور التخصيص المستغرق أو تخصيص الاكثر المستهجن بحيث لزم من التخصيص طرح العام في نظر العرف ولم يكن من الجمع العرفي بين الكلامين، كان العام مع الخصوصات من قبيل المتعارضين، فان أخذ بالخصوصات وجب طرح العام بالكلية حتى بالمقدار الزائد عليها الباقي بعد التخصيص لو فرض، ولا يجوز الاخذ بذلك المقدار لفرض التعارض وسقوط العام عن الحجية رأسا، وإن أخذ بالعام وجب طرح الخصوصات في الجملة وحينئذ يرجع إلى قواعد التعارض من التخيير مع عدم المرجح والترجيح معه، (وإن شئت) قلت: يمتنع العمل بالعام والخصوصات، بل يدور الامر بين الاخذ بالخصوصات وطرح العام وبين أخذ العام مع أحد الخصوصات، لعدم التنافي بعد تحقق الجمع العرفي بينه وبين واحد منها، وحينئذ فان وجب الأخذ باحد الخصوصات لكونه قطعيا دار الامر بين الاخذ بالعام والاخذ بالخاص الآخر فيعمل قواعد التعارض بينهما، فان كان مع أحدهما مرجح تعين الاخذ به، وإلا تخير، وان لم يتعين الاخذ باحد الخصوصات تخير مع عدم المرجح بين الاخذ بالخصوصات وطرح العام والاخذ بالعام مع أحدهما وإسقاط الآخر، ويتخير أيضا بين الخاصين، وان كان مرجح يقتضي الاخذ بواحد من الوجوه الثلاثة تعين الاخذ بالراجح (قوله: لا يكون مستعملا في العموم) قد يقال بان الاستعمال وعدمه ليس ميزان الظهور، لأن

٥٨٢

المعلوم عدم إرادة العموم لاعدم استعماله فيه لافادة القاعدة الكلية فيعمل بعمومها ما لم يعلم بتخصيصها والا لم يكن وجه في حجيته في تمام الباقي لجواز استعماله حينئذ فيه وفي غيره من المراتب التي يجوز ان ينتهي إليها التخصيص، واصالة عدم مخصص آخر لا يوجب انعقاد ظهور له لا فيه ولا في غيره من المراتب لعدم الوضع ولا القرينة المعينة لمرتبة منها كما لا يخفى لجواز إرادتها وعدم نصب قرينة عليها (نعم) ربما يكون عدم نصب قرينة مع كون العام في مقام البيان قرينة على ارادة التمام وهو غير ظهور العام فيه في كل مقام (فانقدح) بذلك انه لابد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات مطلقا ولو كان بعضها مقدما أو قطعيا ما لم يلزم منه محذور انتهائه إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه عرفا ولو لم يكن مستوعبة لافراده فضلا عما إذا كانت مستوعبة لها، فلابد حينئذ من معاملة التباين بينه وبين مجموعها ومن ملاحظة الترجيح بينهما وعدمه فلو رجح جانبها أو اختير فيما لم يكن هناك ترجيح فلا مجال للعمل به أصلا، بخلاف ما لو رجح طرفه أو قدم تخييرا فلا يطرح منها الا خصوص ما لا يلزم مع طرحه المحذور من

______________________________

الظهور عبارة عن المعنى الذي يحكم بكونه مرادا للمتكلم في مقام الحكم فقد يكون مستعملا في العموم وليس ظاهرا كما في العام المستثنى منه، مثل: اكرم كل رجل الا زيدا، فان (كل) مستعمل في العموم وهو كل فرد فرد من الرجل ومع ذلك لا يكون كل فرد تحت الحكم بتوسط القرينة المتصلة أعني الاستثناء. فتأمل (قوله: وإلا لم يكن وجه في حجيته في تمام الباقي) لعل الوجه فيه هو الوجه في المخصص المتصل لو بني على كون العام فيه مستعملا في الباقي (قوله: ولو كان بعضها مقدما) إما لاجل الدلالة أو المرجح (قوله: فلا بد حينئذ) اي حين لزوم المحذور من التخصيص من تخصيص الاكثر أو التخصيص المستغرق (قوله: فلا مجال للعمل به أصلا) اي حتى في المقدار الزائد الباقي بعد تخصيص الآخر، ووجهه ما عرفت من سقوط العام عن الحجية بعد عدم الجمع العرفي وفرض التعارض (قوله: فلا يطرح منها الا خصوص)

٥٨٣

التخصيص بغيره فان التباين انما كان بينه وبين مجموعها لا جميعها وحينئذ فربما يقع التعارض بين الخصوصات فيخصص ببعضها ترجيحا أو تخييرا فلا تغفل. هذا فيما كانت النسبة بين المتعارضات متحدة وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة كما إذا ورد هناك عامان من وجه مع ما هو اخص مطلقا من احدهما وانه لابد من تقديم الخاص على العام ومعاملة العموم من وجه بين العامين من الترجيح والتخيير بينهما وان انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص احدهما لما عرفت من انه لا وجه إلا لملاحظة النسبة قبل العلاج (نعم) لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه إلا ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص أو كان بعيدا جدا لقدم على العام الآخر لا لانقلاب النسبة بينهما، بل لكونه كالنص فيه فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه كما لا يخفى

______________________________

يعني إذا قدم العام لم يجب طرح جميع الخصوصات، بل لا يطرح منها الا الخاص الذي لا يلزم لو طرح المحذور المتقدم من تخصيص الاكثر أو المستغرق، لأن المانع من الاخذ بالخصوصات مع العام هو المحذور المتقدم فلابد أن يقتصر في طرح الخصوصات على المقدار اللازم من الأخذ به المحذور ومن طرح ارتفاع المحذور، ولا يتعدى إلى غيره لان الضرورات تقدر بقدرها، ولم يكن التنافي بين العام وبين كل واحد من الخصوصات بل كان بين المجموع وبينه، وحينئذ لا يجوز الاخذ بالمجموع وان جاز الاخذ بواحد، بل يجب لقاعدة: الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح (قوله: فربما يقع) قد عرفت أنه ربما يكون الدوران بين صور ثلاث (قوله: متحدة) اي نسبة من سنخ واحد كما في الخصوصات بالنسبة إلى العام فان نسبة كل واحد منها إلى العام نسبة الخاص المطلق (قوله: عامان من وجه) كما إذا ورد: أكرم العلماء، وورد ايضا: يحرم اكرام فساقهم، ويستحب اكرام العدول، فان النسبة بين الأولين عموم مطلق وبين الأول والأخير عموم من وجه (قوله: نعم لو لم يكن الباقي تحته) أشار بذلك إلى تفصيل في مقابل الشيخ (قدس سره)

٥٨٤

حكم بتقديم العام المخصص على غيره من العمومات المعارضة لأن نسبته إليها بعد تخصيصه بالخاص نسبة الخاص إلى العام، فان: اكرم العلماء، وان كان بينه وبين: يستحب اكرام العدول عموم من وجه، إلا انه بعد تخصيصه بيحرم اكرام فساقهم، يختص بالعلماء العدول، ونسبته إلى مطلق العدول المستحب اكرامهم نسبة الخاص للعام، والمصنف (قدس سره) لم يرتضه على اطلاقه، بل فصل بين ما لو كان الباقي مقدارا لا يجوز ان يتعداه التخصيص لكونه من تخصيص الاكثر فيجب تقديم العام على سائر معارضاته، وبين ما لو كان الباقي أكثر من ذلك، ووجهه: أن العام في ذلك المقدار يكون نصا فيقدم على غيره بعد قوة دلالته، وفيما يزيد على ذلك لا يكون كذلك فلا تقوى دلالته فلا مرجح له على غيره ليكون موجبا لتقديمه عليه، و ربما يشكل عليه بأن العام وإن كان نصا في ذلك المقدار إلا أن ذلك المقدار صدقه على الباقي بعد التخصيص كصدقه على ما خرج بالتخصيص، وحينئذ يمتنع أن يكون نصا في خصوص الباقي بعد التخصيص، والمفروض أنه - أعني الباقي - هو مورد المعارضة ودلالته عليه كدلالة غيره عليه، وعليه فلا وجه للاستدراك عليه بقوله: نعم لو لم يكن... الخ، مضافا إلى أنه لا وجه للتفصيل بين القسمين أيضا لأن الرجوع بعد التخصيص إلى ملاحظة النسبة قبله يوجب سقوط العام المخصص بالكلية لو قدم غيره عليه فيلزم سقوطه فيما هو نص فيه - أعني المقدار المتقدم إليه الاشارة - ولا فرق بين القسمين الا انه يسقط العام المخصص في خصوص ذلك المقدار في أحدهما وفيه وفيما يزيد عليه في الآخر وإلا فهو ساقط في ذلك المقدار في المقامين فيلزم إسقاطه فيما هو نص فيه (نعم) ما قيل: من انه لو لم يقدم على معارضاته لزم إما الغاء النص أو طرح الظاهر وكلاهما باطل، بخلاف ما لو قدم على غيره فانه يعمل به في الباقي وبالنص فيما يختص به والجمع مهما امكن اولى من الطرح، حسن لو كان ذلك موجبا للجمع العرفي بحيث لو عرض الأدلة الثلاثة على العرف لخصصوا العام بالخاص وقدموا العام

٥٨٥

فصل

لا يخفى أن المزايا المرجحة لأحد المتعارضين الموجبة للأخذ به وطرح الآخر بناء على وجوب الترجيح وإن كانت على انحاء مختلفة ومواردها متعددة من راوي الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه مثل الوثاقة والفقاهة والشهرة ومخالفة العامة والفصاحة وموافقة الكتاب والموافقة لفتوى الأصحاب... إلى غير ذلك مما يوجب مزية في طرف من أطرافه خصوصا لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة إلا أنها موجبة لتقديم أحد السندين وترجيحه وطرح الآخر فان أخبار العلاج دلت على تقديم رواية ذات مزية في أحد أطرافها ونواحيها فجميع هذه من مرجحات السند حتى موافقة الخبر للتقية فانها ايضا مما يوجب ترجيح أحد السندين وحجيته فعلا وطرح الآخر رأسا وكونها في مقطوعي الصدور متمحضة في ترجيح الجهة لا يوجب كونها كذلك في غيرهما

______________________________

على معارضاته، لكنه يحتاج إلى مزيد تأمل، فتأمل فانه غير بعيد (قوله: فجميع هذه من مرجحات السند حتى موافقة) قد عرفت فيما سبق ان الخبرين المختلفين، تارة يعلم بكذب احدهما وان احتمل موافقة مضمونيهما للواقع، وتارة يعلم بمخالفة مضمون أحدهما وإن احتمل صدقهما معا، وتارة يعلم بكذب احدهما ومخالفة مضمونة للواقع، والظاهر أن مورد السؤال في جميع اخبار التخيير والترجيح الأول - اعني ما علم بمخالفة احدهما للواقع مضمونا سواء علم بكذب احدهما أم احتمل صدقهما معا - كما ان الظاهر أن أدلة الترجيح في مقام تعيين ما هو اقرب إلى الواقع مضمونا حتي ما دل على الترجيح بمثل الاوثقية والاعدلية وشهرة الرواية مما هو راجع إلى الترجيح بحسب السند، لأن الترجيح بحسب السند انما هو بلحاظ كون الراجح سندا اقرب إلى الواقع، لأن البيان الصادر من المعصوم هو طريق إلى الواقع. ثم ان المرجح على اقسام (الاول) ما يكون راجعا إلى الترجيح من حيث السند بحيث يكون دليل الترجيح

٥٨٦

به حاكما بأن الراجح هو الصادر والمرجوح ليس بصادر (الثاني) ما يكون راجعا إلى الترجيح من حيث الجهة بحيث يكون الراجح صادرا لبيان الواقع والمرجوح صادر لا لبيان الواقع. (الثالث): ما يكون راجعا إلى الترجيح من حيث المضمون بحيث يكون الراجح مطابقا للواقع والمرجوح مخالفا له، ومن المعلوم ترتب هذه الاقسام الثلاثة، أما تقدم القسم الاول على الثاني فلأن موضوع أصالة الجهة الكلام الصادر ممن له الحكم فإذا فرض وجود المرجح بحسب السند كان موجبا لسقوط موضوع أصالة الجهة بالنسبة إلى المرجوح، وأما تقدم القسم الثاني على الثالث فلأن موضوع أصالة الظهور الكلام الصادر ممن له الحكم لبيان الواقع لا لأمر آخر من تقية ونحوها، فإذا فرض وجود المرجح لاصالة الجهة في احدهما دون الآخر كان موجبا لسقوط أصالة الجهة في الآخر فيرتفع موضوع أصالة الظهور فيه، كما انه لو فرض تساوي الخبرين من حيث المرجحات السندية ينتقل حينئذ إلى المرجحات الجهتية، فان تساويا فيها ايضا جرت المرجحات المضمونية، فان تساويا فيها ايضا يتخير، كما أنه لو كانا مقطوعي الصدور ينتقل إلى المرجحات الجهتية فإذا كانا مقطوعي الجهة ينتقل إلى المرجحات المضمونية، ولا يعقل ان يكونا مقطوعين من الجهات الثلاث (فان قلت): إذا تساويا من حيث السند فان جرت أصالة السند فيهما لزم من إجرائها فيهما معا عدم اجراءها في احدهما لأن المرجح الجهتي يوجب سقوط المرجوح حتى من حيث السند فيلزم من وجوده عدمه، وإن لم تجر فيهما لزم عدم إحراز موضوع أصالة الجهة فيمتنع إجراؤها (قلت): بل تجري أصالة السند فيهما معا، وكون المرجح الجهتي يوجب سقوط المرجوح حتى من حيث السند ممنوع، فانه إنما يتم لو لم يترتب أثر على جريان أصالة السند في كل منهما إلا ما يترتب على مضمونه فانه يلزم من سقوط المرجوح من حيث الجهة سقوط من حيث السند، أما لو كان هناك أثر يصح بلحاظه التعبد غير ما يترتب على مضمونه وهو كونه موضوعا لوجوب الترجيح فلا يضر إلغاؤه من حيث المضمون في جريان أصالة السند في كل منهما، فان دليل الترجيح من حيث الجهة إذا كان موضوعه

٥٨٧

الخبرين الصادرين صح إجراء أصالة السند فيهما بلحاظ ترتب هذا الاثر وإن لزم طرح احدهما بلحاظ الترجيح من حيث الجهة، وكذا الكلام سؤالا وجوابا بالنسبة إلى أصالة الجهة وأصالة الظهور. فلاحظ وتأمل (فان قلت): كيف يصح الحكم بهذه المراتب الثلاث مع أن المقبولة قدمت رتبة الترجيح بموافقة الكتاب التي هي من المرجحات المضمونية على مخالفة العامة مع انها من مرجحات الجهة مع أن الأمر على ما ذكرت بالعكس (قلت): الظاهر من المقبولة ان مخالفة العامة من المرجحات المضمونية لا الجهتية فلا يتم الاشكال، ويشهد لما ذكرنا التعليل بان فيه الرشاد الدال على أن المخالف للعامة اانما يؤخذ به لانه أقرب إلى الواقع لا لأن الموافق فيه التقية لتكون من المرجحات الجهتية. مضافا إلى أنها تضمنت الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة بما أنها مرجح واحد الظاهر في انهما من سنخ واحد لاسنخين. (وبالجملة): المحتمل بدوا في الترجيح بمخالفة العامة أمور، (الاول): أن يكون وجه الترجيح بها محض التعبد، الثاني: أن يكون لمجرد حسن المخالفة، (الثالث): ان يكون لأجل أن المخالف اقرب إلى الواقع، كما يظهر من رواية ابن اسباط: قلت للرضا (ع): يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه احد استفتيه من مواليك فقال: ائت فقيه البلد واستفته في امرك فإذا افتاك بشئ فخذ بخلافه، وأصرح منها خبر الا رجائي: أتدري لم امرتم بالاخذ بخلاف ما يقوله العامة ؟ فقلت: لا ادري، فقال: ان عليا (ع) لم يكن بدين الله بشئ إلا خالف عليه العامة ارادة لابطال امره، وكانوا يسألون عن الشئ الذي لا يعلمونه فإذا افتاهم بشئ جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس. (الرابع): أن يكون لاجل أن الموافق لهم صادر على نحو التقية، ومن المعلوم أن الاحتمالين الاولين ساقطان لمخالفة الظاهر خصوصا الثاني، لان الأوامر المذكورة في الترجيح طريقية لا نفسية ولا غيرية، وهو انما يتم على الثاني، ولمخالفة النصوص فيتعين أحد الاحتمالين الاخيرين والظاهر ان المقبولة من قبيل رواية ابن اسباط تدل على أنها من المرجحات المضمونية لا الجهتية، فتكون معارضة بما دل على كونها من المرجحات الجهتية، مثل:

٥٨٨

ضرورة انه لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية فكيف يقاس على ما لا تعبد فيه للقطع بصدوره (ثم) انه لا وجه لمراعات الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي واناطة الترجيح بالظن أو بالاقربية إلى الواقع ضرورة ان قضية ذلك تقديم الخبر الذى ظن صدقه أو كان اقرب إلى الواقع منهما والتخيير بينهما إذا تساويا فلا وجه لاتعاب النفس في بيان أن أيها يقدم أو يؤخر إلا تعيين أن أيها يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها مع الآخر (واما) لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله وجه لما يتراءي من ذكرها

______________________________

ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعته مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه، والكلام المتقدم منا مبني على كونها من المرجحات الجهتية فلاحظ، وكيف كان فقد ظهر الاشكال على المصنف (قدس سره) بانها من مرجحات السند (قوله: ضرورة انه لا) قد عرفت الجواب عنه. مضافا إلى أن كونها من مرجحات السند يراد به أنها موجبة للحكم بكذب أحد السندين على ما عرفت سابقا من أن لازم التعارض التكاذب وكونها من مرجحات الجهة يراد به أنها موجبة للحكم بكذب أحد الخبرين من حيث الجهة وكون لازم ذلك عدم الحكم بأصالة السند في المرجوح من أجل عدم الانتهاء إلى الأثر العملي الموجب للغوية الحكم غير الحكم بكذب احد السندين. فتأمل (قوله: لا وجه لمراعاة الترتيب) قد عرفت وجهه للترتب الطبعي بينها لو أريد الترتيب بين الاقسام الثلاثة، ولو اريد الترتيب فيما بين افراد كل قسم منها فيمكن القول بالترتيب بينها، بناء على أن الترتيب الشرعي لعله كاشف عما هو اقرب واقعا وان لم يكن كذلك بنظر غير الشارع، كذا قيل. وقد يشكل بما عرفت من أن لازم التعدي عن المرجحات المنصوصة بقرينة التعليلات الواردة رفع اليد عن خصوصية المرجحات المنصوصة وان المناط في الترجيح حيثية الأقربية العرفية، فلابد أن يكون النظر العرفي ممضى عند الشارع وإلا كان الترجيح تعبديا فيمتنع التعدي. وبالجملة: لازم القول

٥٨٩

* مرتبا في المقبولة والمرفوعة مع إمكان أن يقال: ان الظاهر كونهما كسائر اخبار الترجيح بصدد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح ولذا اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجح واحد والالزم تقييد جميعها على كثرتها بما في المقبولة وهو بعيد جدا، وعليه فمتى وجد في احدهما مرجح وفي الآخر آخر منها كان المرجع هو إطلاقات التخير ولا كذلك على الأول بل لابد من ملاحظة الترتيب إلا إذا كانا في عرض واحد (وانقدح) بذلك أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات في انه لابد

______________________________

بالتعدي امضاء الشارع نظر العرف من حيث الاقربية. فتأمل (قوله: مرتبا في المقبولة والمرفوعة) قد عرفت أن ظاهر المقبولة والمرفوعة بل وظاهر غيرهما من أخبار والترجيح أن الترجيح بمخالفة العامة من المرجحات المضمونية لا الجهتية فراجعها وحينئذ فاخبار الترجيح متعرضة لقسمين من المرجحات وهما المرجحات المضمونية والمرجحات السندية، وقد اتفقت المقبولة والمرفوعة وجملة من غيرها على تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامة وفى جملة لم يذكر الا الترجيح بمخالفة العامة وحينئذ فمقتضى الجمع العرفي بينهما تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامة حملا للمطلق على المقيد، وأما المرجحات السندية فلم يتعرض لها الا في المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما في الترتيب، ففي المرفوعة قدم الترجيح بالشهرة على الترجيح بصفات الراوي، وفي المقبولة بالعكس، ومقتضي الجمع التخيير بينهما وعدم الترتيب لكنه يتوقف على حجية المرفوعة وكون الترجيح بالصفات في المقبولة راجع إلى الترجيح من حيث الرواية لا الترجيح بنى الحكمين أو المجتهدين. (والانصاف) ان المرفوعة لم تجمع شرائط الحجية واما المقبولة فالظاهر أن الاشكال المذكور لا رافع له كما عرفت فلم يثبت مرجح للسند غير الشهرة وكيف كان فالاشكال يختص بالمرجحين المذكورين، لكن المحكي عن الاصحاب تقديم الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات فتخالف الرواية عمل المشهور فيشكل الاخذ بها من هذه الجهة. هذا كله بعد فهم الترتيب وإلا فلا إشكال

٥٩٠

في صورة مزاحمته مع بعضها من ملاحظة أن أيهما فعلا موجب للظن بصدق ذيه بمضمونه أو الأقربية كذلك إلى الواقع فيوجب ترجيحه وطرح الآخر أو انه لا مزية لاحدهما على الآخر كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بماله من المزية مساويا للخبر المخالف لها بحسب المناطين، فلابد حينئذ من التخيير بين الخبرين فلا وجه لتقدميه على غيره كما عن الوحيد البهبهاني - قدس سره - وبالغ فيه بعض اعاظم المعاصرين - أعلى الله درجته - ولا لتقديم غيره عليه كما يظهر من شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - قال: أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامة فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفا للعامة بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق لان هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين أو تعبدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الآخر، وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضي أدلة الترجيح من حيث الصدور (إن قلت): إن الاصل في الخبرين الصدور فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضي ذلك الحكم بصدور الموافق تقية كما يقتضي ذلك الحكم بارادة خلاف الظاهر في أضعفهما فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور (قلت): لا معنى للتعبد بصدورهما

______________________________

 (قوله: بحسب المناطين) هو الظن بالصدق والأقربية (قوله: وفيه مضافا إلى ما عرفت) يريد به ما ذكره بقوله: ثم إنه لا وجه لمراعاة الترتيب، واشار إليه ايضا بقوله بعد ذلك: وانقدح بذلك أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات... الخ من ان مرجح الجهة وان لم يكن راجعا إلى المرجح السندي إلا ان البناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة يقتضي عدم ملاحظة الترتيب بينها بل الاخذ بما يوجب حصول المناط في التعدي سواء كان مرجح السند أم الجهة. وحاصل الايراد المضاف إلى ذلك: هو منع كون المرجح الجهتي مقابلا للمرجح السندي بل راجع إليه

٥٩١

مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية لانه إلغاء لأحدهما في الحقيقة، وقال - بعد جملة من الكلام -: فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور إما علما كما في المتواترين أو تعبدا كما في المتكافئين من الاخبار وأما ما وجب فيه التعبد بصدور أحدهما المعين دون الآخر فلا وجه لاعمال هذا المرجح فيه لان جهة الصدور متفرع على أصل الصدور. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه وفيه - مضافا إلى ما عرفت - أن حيث فرعية جهة الصدور على أصله إنما يفيد إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجحات أصل الصدور بل من مرجحاتها، وأما إذا كان من مرجحاته باحد المناطين فاي فرق بينه وبين سائر المرجحات ؟ ولم يقم دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة مع كون الآخر راجحا بحسبها بل هو أول الكلام كما لا يخفى، فلا محيص من ملاحظة الراجح من المرجحين بحسب أحد المناطين أو من دلالة أخبار العلاج على الترجيح بينهما مع المزاحمة ومع عدم الدلالة ولو لعدم التعرض لهذه الصورة فالمحكم هو إطلاق التخيير فلا تغفل. وقد اورد بعض أعاظم تلاميذه عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور فانه لو لم يعقل التعبد بصدور المتخالفين من حيث الصدور مع حمل احدهما على التقية لم يعقل التعبد بصدورهما مع حمل

______________________________

 (قوله: ولم يقم دليل بعد) أقول: قد عرفت الدليل على هذا التقديم وأن اصالة الجهة موضوعها الكلام الصادر فإذا فرض وجود المرجح بحسب السند كان موجبا لسقوط المرجوح سندا وتسقط أصالة الجهة فيه، وإن كان ارجح فيها لارتفاع موضوععها، وكأن الذي دعا المصنف (ره) إلى ارجاعها إلى المرجحات السندية امتناع التعبد بما يتعين حمله على التقية فتكون موجبة لسقوط السند ايضا كالمرجحات السندية. فراجع وتأمل (قوله: فانه لو لم يعقل التعبد) حاصل الاشكال على المصنف (ره) كما تقدم الاشارة إليه: أنه ان كان يعتبر في الترجيح بحسب الجهة جريان أصالة السند فيهما معا امتنع بالبديهة، لأن الترجيح

٥٩٢

أحدهما عليها لانه إلغاء لاحدهما أيضا في الحقيقة (وفيه) ما لا يخفى من الغفلة، وحسبان أنه التزم - قدس سره - في مورد الترجيح بحسب الجهة باعتبار تساويهما من حيث الصدور إما للعلم بصدورهما وإما للتعبد به فعلا، مع بداهة ان غرضه من التساوي من حيث الصدور تعبدا تساويهما بحسب دليل التعبد بالصدور قطعا، ضرورة أن دليل حجية الخبر لا يقتضي التعبد فعلا بالمتعارضين بل ولا باحدهما، وقضية دليل العلاج ليس الا التعبد باحدهما تخييرا أو ترجيحا. والعجب كل العجب أنه - رحمه الله - لم يكتف بما أورده من النقض حتى ادعى استحالة تقديم الترجيح بغير هذا المرجح على الترجيح به وبرهن عليه بما حاصله امتناع التعبد بصدور الموافق لدوران أمره بين عدم صدوره من اصله وبين صدوره تقية ولا يعقل التعبد به على التقديرين بداهة كما أنه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق بل الامر في الظني الصدور أهون لاحتمال عدم صدوره بخلافه ثم قال: فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة مع نص الامام - عليه السلام - على طرح موافقهم من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة فضلا عمن هو تالي العصمة علما وعملا ثم قال: وليت شعري ان هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه مع أنه في وجودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر (وأنت خبير) بوضوح فساد برهانه ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأسا لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا وعدم صدور المخالف المعارض له اصلا ولا يكاد يحتاج في التعبد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة وانما دار احتمال الموافق بين الاثنين إذا كان المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة ضرورة دوران معارضه حينئذ بين عدم صدوره وصدوره تقية وفى غير هذه الصورة كان دوران امره بين الثلاثة لا محالة لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعي حينئذ ايضا، ومنه قد انقدح امكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي ايضا وانما لم يمكن التعبد بصدوره لذلك إذا كان معارضه المخالف قطعيا بحسب النسد والدلالة

٥٩٣

لتعيين حمله على التقية حينئذ لا محالة. ولعمري ان ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثلا إلا أن الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للانسان عصمنا الله من زلل الاقدام والاقلام في كل ورطة ومقام (ثم) إن هذا كله إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح مرجح من حيث الجهة، وأما بما هو موجب لاقوائية دلالة ذيه من معارضه

______________________________

موجب لسقوط أصالة السند في احدهما لامتناع التعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية، وان كان لا يعتبر ذلك لم يضر وجود المرجح السندي الموجب لسقوط أحد السندين. وحاصل ما اجاب به المصنف (قدس سره) عن هذا الاشكال: أن مراده أنه يعتبر في الترجيح بمرجح الجهة تساويهما من حيث دليل التعبد، بحيث تكون نسبتهما إلى دليل التعبد، نسبة واحدة، وهذا لا يجري مع وجود المرجح السندي لاختلاف نسبتهما إليه حيث حكم بسقوط أحدهما عن الحجية وبقاء الآخر. هذا وقد عرفت أنه دليل في المقام من نص أو اجماع يتضمن الشرط المذكور للترجيح بمرجح الجهة حتى يقال بأن المعتبر في دليل الترجيح تساويهما في النسبة إلى دليل حجية السند وان لم تجر اصالة السند فيهما معا فعلا، فيفرق بين المتكافئين والمتخالفين، بل الدليل على اعتبار الشرط المذكور هو الترتب الطبعي بين اصالة السند وأصالة الجهة وان الثانية انما تجري بعد الفراغ عن ثبوت السند، لأن موضوعها الكلام الصادر ممن له الحكم فما لم يحرز موضوعها امتنع جريانها، ومقتضى ذلك لزوم جريان اصالة السند فيهما فعلا ليثبت الموضوع ومع عدم الجريان فيهما كذلك ولو للمعارضة يمنع من جريان اصالة الجهة ويمنع من تحقق التعارض بينهما، وحينئذ يعود الاشكال فيقال: إن كان المعتبر جريان أصالة السند فعلا فقد عرفت امتناعه، وان كان المعتبر جريانها اقتضاء لم يضر وجود المرجح السندي فانه لا يرفع الاقتضاء في كل من المتعارضين بالنسبة إلى اصالة السند فلابد من الرجوع إلى ما ذكرنا من انه يعتبر الجريان فعلا، ويكفي مصححا للجريان الانتهاء إلى الترجيح بحسب الجهة وانا لم يترتب الأثر المضموني لكل منهما

٥٩٤

(والتحقيق): ان توقف اجراء اصالة الجهة على اجراء اصالة السند فعلا يراد به اجراؤها فعلا من جميع الحيثيات غير حيثية اصالة الجهة، لا من جميع الحيثيات حتى حيثية اصالة الجهة، والا فيلزم الدور لتوقف اصالة السند على اصالة الجهة والمفروض توقف اصالة الجهة على اصالة السند وهو دور، وحينئذ فالمانع من فعلية اصالة السند ان كان ناشئا من اصالة الجهة أو من احكامها فلا يضر في فعليته اصالة السند المعتبرة في اصالة الجهة بل هي حاصلة إذا كانت من سائر الجهات محفوظة وحينئذ نقول في رفع الاشكال: ان كان مرجح لاحد السندين على الآخر كان موجبا لسقوط اصالة السند في المرجوح فلا تنتهي النوبة إلى الترجيح بحسب الجهة ويسقط المرجوح السندي، وان كان بحسب الجهة أرجح لارتفاع موضوع اصالة الجهة بتوسط المرجح السندي وان لم يكن مرجح سندي فلا مانع من فعلية اصالة السند في كل من الخبرين فتجري أصالة الجهة لتحقيق موضوعها، فإذا كان احد الاصلين الجهتين ارجح من الآخر قدم، ولا يرد بأن معارضة أصالة الجهة في الطرفين فرع فعلية أصالة السند فيهما، وهي ممتنعة لامتناع التعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية، لانا نقول: ان كان المراد من فعلية أصالة السند المعتبرة في أصالة الجهة فعليتها حتى من حيث ترجيح احدى أصالتي الجهة على الاخرى الذي هو من أحكام معارضتهما، فهو ممتنع للزوم الدور، وان كان المراد فعليتهما من سائر الحيثيات، بمعني: عدم وجود مانع من اصالة السند غير حيثية الترجيح الجهتي الذى هو من أحكام المعارضة، فهى حاصلة بالضرورة فحسب، وهذا هو مراد شيخنا الاعظم (قده): فلا يتوجه عليه الاشكال المزبور، ومن هنا يظهر الاشكال على المصنف (ره) في ارجاعه الترجيح الجهتي إلى المرجح السندي، فان المرجح السندي رافع لموضوع أصالة الجهة فيمتنع أن يكون من افراده الترجيح الجهتي كما أنه يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) دليلا على المطلب من قوله: ضرورة انه لا معنى للتعبد... الخ، والانصاف أن الترتيب الطبعي بين المرجحات المذكورة للترتيب الطبعي بين مواردها مما لم يقم

٥٩٥

لاحتمال التورية في المعارض المحتمل فيه التقية دونه فهو مقدم على جميع مرجحات الصدور بناء على ما هو المشهور من تقدم التوفيق بحمل الظاهر على الأظهر على الترجيح بها (اللهم) إلا أن يقال: إن باب احتمال التورية وإن كان مفتوحا فيما احتمل فيه التقية إلا أنه حيث كان بالتأمل والنظر لم يوجب أن يكون معارضه أظهر بحيث يكون قرينة على التصرف عرفا في الآخر فتدبر.

فصل

موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا من المرجحات في الجملة بناء على لزوم الترجيح لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة أو قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها كما ادعي وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين وقد عرفت أن التعدي محل نظر بل منع وأن الظاهر من القاعدة هو ما كان الاقوائية من حيث الدليلية والكشفية ومضمون أحدهما مظنونا لاجل مساعدة امارة ظنية عليه لا يوجب قوة فيه من هذه الحيثية بل هو على ما هو عليه من القوة لولا مساعدتها كما لا يخفى، ومطالقة أحد الخبرين لها

______________________________

عليه برهان بل ولا وجه له بعد التأمل، فان القول بأن موضوع أصالة الجهة الكلام الصادر ممن له الحكم ليس أولى من القول بالعكس وان اصالة السند موضوعها الكلام الصادر لبيان الواقع، وهكذا الكلام في أصالة الظهور بالنسبة اليهما بل التأمل يقتضي القول بان ترتب الأثر العملي على جريان هذه الاصول الثلاثة ترتيب عرضي، نظير ترتيب الأثر على المركبات، ولا يصح القول بان اجزاء المركب بعضها منوط ببعض، ويترتب على ذلك حصول التعارض بين المرجحات المذكورة كما ذكره المصنف (قده) وما ذكرناه من اوله إلى آخره كان تتميما لما ذكره شيخنا الأعظم (قده) في رسائله من فرعية الأصول بعضها على بعض فراجع وتأمل والله تعالى اعلم ومنه نستمد التوفيق فانه حسبنا ونعم الوكيل (قوله: لاحتمال التورية في المعارض) إعلم أن الخبر الصادر تقية يحتمل أن يكون المراد ظاهره

٥٩٦

لا يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث جهته، كيف وقد اجتمع مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف ؟ لولا معارضة الموافق والصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك (فافهم) هذا حال الامارة غير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها أما ما ليس بمعتبر بالخصوص لاجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس فهو وإن كان كغير المعتبر لعدم الدليل بحسب ما يقتضي الترجيح به من الاخبار بناء على التعدي والقاعدة بناء على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين، إلا أن الأخبار الناهية عن القياس وأن السنة إذا قيست محق الدين مانعة عن الترجيح به ضرورة أن استعماله في ترجيح

______________________________

فيكون من الكذب المرخص فيه للمصلحة، ويحتمل أن يكون المراد به خلاف ظاهره بلا نصف قرينة على ذلك فيكون من قبيل التورية، وعلى الاحتمال الاول كانت المخالفة مرجحا من حيث الجهة، وعلى الثاني كانت من مرجحات الدلالة، ولا دخل لها من جهة الكلام إذ لم يقصد بالكلام الا بيان الحكم الواقعي الا ان بيانه لم يكن بكلام ظاهر فيه بل كان بكلام غير ظاهر فيه، وحينئذ فيكون الجمع العرفي حمل الموافق على معنى لا يخالف المخالف، مثلا إذا ورد يجوز: قول (آمين)، في الصلاة بعد الفاتحة، وورد: لا يجوز قول (آمين) أمكن التصرف في الاول ما لا يمكن في الثاني، بحمل (يجوز) على معنى: لا يجوز، وان كان بعيدا أو حمله على حال التقية وحمل (لا يجوز) على غير حال التقية برفع اليد عن اطلاق كل منهما نعم إنما يتم ذلك - اعني كونه من مرجحات الدلالة - لو كان الكلامان بحيث لو جمعا في كلام واحد لم يكونا متنافيين في نظر العرف كما هو معنى الجمع العرفي، ومجرد انفتاح باب احتمال في الموافق لا يحتمل في المخالف أو امكان الجمع بينهما بحمل احدهما على حال التقية والآخر على غير حال التقية لا يقتضي ذلك بحيث يكون ظاهرا لكلا الكلامين ويكون احدهما على الآخر قرينة (قوله: لازمه الظن بوجود خلل) اعلم: ان الكلام في الترجيح بالمرجحات الخارجية انما هو إذا لم يكن

٥٩٧

أحد الخبرين استعمال له في المسألة الشرعية الاصولية وخطره ليس باقل من استعماله في المسألة الفرعية (وتوهم) أن حال القياس ها هنا ليس في تحقق الاقوائية به إلا كحاله فيما ينقح به موضوع آخر ذو حكم من دون اعتماد عليه في مسألة اصولية ولا فرعية قياس مع الفارق لوضوح الفرق بين المقام والقياس في الموضوعات الخارجية الصرفة، فان القياس المعمول فيها ليس في الدين فيكون إفساده اكثر من اصلاحه، وهذا بخلاف المعمول في المقام فانه نحو إعمال له في الدين، ضرورة انه لولاه لما تعين الخبر الموافق له للحجية بعد سقوطه عن الحجية بمقتضي أدلة الاعتبار والتخيير بينه وبين معارضه بمقتضي ادلة العلاج فتأمل جيدا، واما ما إذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه كالكتاب والسنة القطعية فالمعارض المخالف لاحدهما إن كانت مخالفته بالمبائنة الكلية فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح لعدم حجية الخبر المخالف كذلك من أصله ولو مع عدم المعارض فانه المتيقن من الاخبار الدالة على أنه (زخرف) أو (باطل) أو انه (لم نقله) أو غير ذلك، وان كانت مخالفة بالعموم والخصوص المطلق فقضية القاعدة فيها وان كانت ملاحظة المرجحات بينه وبين الموافق وتخصيص الكتاب به تعيينا أو تخييرا لو لم يكن الترجيح في الموافق بناء على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، الا ان الاخبار الدالة على اخذ الموافق من المتعارضين غير قاصرة عن العموم لهذه الصورة لو قيل بانها في مقام ترجيح احدهما لا تعيين الحجة عن اللاحجة كما نزلنا ها عليه، ويؤيده اخبار العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من اصله فانهما تفرغان عن لسان واحد فلا وجه لحمل المخالفة في احداهما على خلاف المخالفة في الاخرى كما لا يخفى (اللهم) الا ان يقال: (نعم) الا ان دعوى اختصاص هذه الطائفة بما إذا كانت المخالفة بالمبائنة بقرينة القطع بصدور المخالف غير المبائن عنهم عليهم السلام كثير أو اباء مثل:

٥٩٨

ما خالف قول ربنا لم أقله أو زخرف أو باطل عن التخصيص غير بعيدة، وان كانت المخالفة بالعموم والخصوص من وحه فالظاهر انها كالمخالفة في الصورة الاولى كما لا يخفي، واما الترجيح بمثل الاستصحاب كما وقع في كلام غير واحد من الاصحاب فالظاهر انه لاجل اعتباره من باب الظن والطريقية عندهم واما بناء على اعتباره تعبدا من باب الاخبار وظيفة للشاك كما هو المختار كسائر الاصول العملية التي تكون كذلك عقلا أو نقلا، فلا وجه للترجيح به اصلا لعدم تقوية مضمون الخبر بموافقة ولو بملاحظة دليل اعتباره كما لا يخفى هذا آخر ما أردنا إيراده والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا.

______________________________

وجود المرجح في أحد الطرفين موجبا لاختلال شرط من شرائط الحجية في الآخر بحيث به يخرج عن موضوع الحجية، كما لو قلنا بعدم حجية الخبر المخالف للمشهور أو المخالف للكتاب ولو بنحو العموم والخصوص المطلق أو الخبر المظنون خلافه فان الامور المذكورة موجبة لسقوط المخالف عن الحجية ولو لم يكن له معارض فضلا عما لو كان له معارض، وحينئذ فان كان المدعي للترجيح بمثل الموافقة للشهرة الفتوائية يستند إلى انها موجبة للظن بوجود خلل في المخالف فان كان غرضه انها موجبة لارتفاع شرط من شرائط الحجية في الآخر، (ففيه) مع انه لا يحسن التعبير بانها موجبة للظن بالخلل بل هي موجبة للقطع بالخلل قطعا أنه ليس هو محل الكلام بل الكلام في غيره، وان كان المقصود انها موجبة للظن بمخالفته للواقع اما لمخالفة اصالة السند له أو لمخالفة اصالة الجهة أو لمخالفة اصالة الظهور فهو حق إلا انه لا ينفع في الترجيح بعد ما كان البناء على الاقتصار على المرجحات المنصوصة مضافا إلى أنه لا وجه لحصر الخلل المظنون بالصدور والجهة بل يمكن أن يكون في الظهور. (هذا آخر ما برز من قلمه الشريف في التعادل والتراجيح) في النجف الاشرف يوم السابع والعشرين من ذي الحجة الحرام من السنة التاسعة والثلاثين بعد الالف والثلثمائة هجرية على مهاجرها افضل صلاة وتحية والحمد لله رب العالمين.

٥٩٩

ختام واعتذار

سبق أن قد نبهنا على أن سيدنا الوالد - مد ظله العالي - قد أنهى تعليقته الأنيقة - تبعا لانتهاء درسه الشريف - ولما يتم مباحث التعادل والتراجيح ومباحث الاجتهاد والتقليد، فكان مناسبا جدا إتمام مباحث التعادل والتراجيح بتعليقته القديمة على هذه المباحث. أما مباحث الاجتهاد والتقليد فقد رأينا أن نستغني عن نشر التعليق عليها بما كتبه - مد ظله - في الجزء الأول من (مستمسك العروة الوثقى) في شرح هذه المباحث فانه أحدث عهدا وأوسع بحثا والله سبحانه ولي التوفيق والسداد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١٣ شعبان سنة ١٣٧٢ ه‍

يوسف الطباطبائي

الحكيم

٦٠٠