حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 209516
تحميل: 4838


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209516 / تحميل: 4838
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

وليس الامكان

______________________________

محتملا حينئذ فإذا بني على عدم لزوم دفع الضرر المحتمل لم يجب الاعتناء باحتمال عدم الفراغ وهو معنى حجية الظن (هذا) ولكن فيه - مع انه يكفي في ذلك البناء على عدم وجوب دفع الضرر الموهوم - أن لازم ذلك اشتراط حجية كل ظن مجعول الحجية على ثبوت التكليف أن لا يكون ظن على خلافه فانه لو كان مظنون الخطأ جاز مخالفته لعدم وجوب دفع الضرر المحتمل ولا يظن التزام القائل المذكور به، مع أن قاعدة وجوب دفع الضرر لا ترتبط بباب الحجية التي هي محل الكلام، فان المراد من كون الظن حجة في مقام الفراغ ان الاعتماد عليه موجب للأمن من الضرر بل القطع بعدمه والبناء على عدم وجوب دفع الضرر المحتمل - لو سلم - لا ينافي ترتب الضرر ولو احتمالا بل يستحيل أن ينافيه بعد ما كان حكما له وإذا لم ينافه لا يقتضي حجية الظن بمعنى كونه موجبا لعدم الضرر في موافقته كما هو معنى الحجة في محل الكلام، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فتأمل (قوله: وليس الامكان بهذا) الامكان يطلق على أحد معان أربعة (الأول) الامكان الذاتي، وهو سلب الضرورة عن الطرف المخالف بالنظر إلى نفس الذات مثل ما يقال: زيد ممكن، أي إذا لحظنا ذات زيد نحكم بان عدمها ليس ضروريا، ويقابله الامتناع الذاتي كما يقال: اجتماع النقيضين ممتنع (الثاني) الامكان الوقوعي، وهو سلب الضرورة عن الطرف المخالف بالنظر إلى ما هو خارج عن الذات كما يقال: زيد ممكن، أي لا يلزم من وجوده محال ليكون وجوده محالا بالعرض ويقابله الامتناع الوقوعي كما يقال: التعبد بالظن ممتنع لأنه يلزم منه تحليل الحرام وتحريم الحلال (الثالث) الامكان القياسي، وهو سلب الضرورة بالنظر إلى القواعد المعلومة شرعا أو عقلا كما يقال: التكليف بالضدين على نحو الترتب ممكن، بمعنى انه ليس فيما بايدينا من القواعد ما يوجب امتناعه إذ لا يلزم منه اجتماع الضدين أو النقيضين أو الدور أو نحو ذلك مما ثبت استحالته ويقابله الامتناع القياسي (الرابع) الامكان الاحتمالي، والمراد به مجرد الاحتمال وذلك

٦١

- بهذا المعنى - بل مطلقا - أصل متبعا عند العقلاء في مقام احتمال ما يقابله من الامتناع لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه ومنع حجيتها لو سلم

______________________________

يكون قبل النظر في البرهان أو بعده مع العجز عن اقامة البرهان على امكانه أو امتناعه باحد المعاني الثلاثة. ثم انه لا ريب في أن النزاع في امكان التعبد بالامارات ليس بالامكان بالمعنى الاول كما يظهر من أدلة القائلين بالامتناع ولا بالمعنى الأخير إذ لا يناسب اقامة البراهين من الطرفين، فيدور الأمر بين المعنيين الآخرين والمصنف - رحمه الله - جعل أولهما محل النزاع بل لعل ظاهره انكار كون المعنى الآخر من معاني الامكان، ومن هنا وجه ايراده على شيخه (ره) في رسائله حيث اعترض على المشهور حيث استدلوا على الامكان بانا نقطع بانه لا يلزم من التعبد به محال بقوله (ره): وفى هذا التقرير نظر إذا القطع بلزوم المحال في الواقع موقوف على احاطة العقول بجميع الجهات المحسنة والمقبحة والعلم بانتفائها وهو غير حاصل، فالأولى أن يقرر هكذا: انا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان. انتهى. وحاصل ايراد المصنف - رحمه الله -: أن قوله: (ره) وهذا طريق... الخ ظاهر في انه يكفي في الحكم بالامكان عدم الدليل على الامتناع الراجع ذلك إلى أن الأصل فيما هو محتمل الامكان والامتناع هو الامكان، ومن العلوم أن هذا الأصل لا دليل عليه الا السيرة العقلائية التي ادعاها، لكن فيه أو لا منع السيرة، وثانيا ان هذه السيرة ليس على حجيتها دليل قطعي، والظن بحجيتها لا يجدى لأن الكلام في امكان التعبد بالظن فكيف يستدل على الامكان المذكور بالظن فانه دوري، فان جواز الاعتماد على الظن المذكور يتوقف على حجيته وحجيته تتوقف على امكان التعبد به وهو موقوف على حجية السيرة وهي موقوفة على جواز الاعتماد على الظن بحجيتها كما لا يخفى (قوله: بهذا المعنى) يعني بمعنى ما لا يلزم منه محال الذي عرفت انه معنى الامكان الوقوعي (قوله: بل مطلقا) أي بكل معنى (قوله: أصل متبع) يعنى كما يقوله الشيخ (رحمه الله) (قوله: لمنع كون سيرتهم)

٦٢

ثبوتها لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها والظن به - لو كان - فالكلام الآن في إمكان التعبد بها وامتناعه فما ظنك به لكن دليل وقوع التعبد بها من طرق اثبات امكانه حيث يستكشف به عدم ترتب محال من تال باطل فيمتنع مطلقا أو على الحكيم تعالى فلا حاجة معه في دعوى الوقوع إلى اثبات الامكان وبدونه لا فائدة في اثباته كما هو واضح. وقد انقدح بذلك ما في دعوى شيخنا العلامة - اعلى الله مقامه - من كون الامكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلا

______________________________

يعني نمنع وجود السيرة عند العقلاء التي ادعاها الشيخ (قوله: لعدم دليل) تعليل لمنع الحجية (قوله: والظن به) يعني واما الظن بالاعتبار عند الشارع لو فرض وجود هذا الظن فلا يصلح أن يكون حجة لأن الكلام.. الخ (قوله: لكن دليل وقوع) اعلم أن المصنف (ره) لما استصوب ايراد شيخه (ره) على دليل المشهور وانتقد ما ذكره من الدليل بما عرفت سلك في التخلص عن اثبات الامكان الوقوعي مسلكا لطيفا وحاصله أنه ان قام دليل على وقوع التعبد به كان ذلك الدليل دليلا على امكانه لأن فعلية التعبد به فرع امكانه فالدليل عليه دليل عليه وان لم يكن دليل على وقوع التعبد فالنزاع في الامكان يكون بلا فائدة فلا وجه له: وفيه (أولا) أن النزاع في امكان التعبد مفروض قبل النزاع في وقوعه فلا وجه للاستدلال على امكانه بدليل وقوعه إذ بعد قيام الدليل على وقوعه لا نزاع في إمكانه كما لا يخفى (وثانيا) ان ظاهرهم كون النزاع في الامكان من قبيل النزاع في امر عقلي فلا يصح الاستدلال عليه بالدليل السمعي فتأمل (وثالثا) ان كون النزاع في الامكان لا فائدة فيه لو لم يقم دليل على الوقوع وان كان صحيحا الا أن الفائدة العملية مما لم تجعل شرطا في صحة النزاع أصلا بل تكفي الفائدة العلمية والنظر في كثير من المسائل التى حررها في الكتاب يشهد بما ذكرنا فلاحظ (فالتحقيق) ان النزاع في المقام ليس في الامكان الوقوعي بل في الامكان القياسي كيف والامكان الوقوعي بالجهة التي يفترق بها عن الامكان القياسي مما لا معنى لوقوع النزاع فيه لما أشار

٦٣

والامكان في كلام الشيخ الرئيس: كل ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان، بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والايقان ومن الواضح أن لا موظن له الا الوجدان فهو المرجع فيه بلا بينة وبرهان وكيف كان فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال أو الباطل ولو لم يكن بمحال أمور (أحدها) اجتماع المثلين من ايجابين أو تحريمين

______________________________

إليه الشيخ (ره) في انتقاده دليل المشهور من عدم احاطة العقل بجميع الجهات المقبحة والمحسنة فكيف يصح أن يكون موردا للنزاع إذ غاية النزاع في كل مسألة العلم باحد محتملاتها فإذا فرض امتناع العلم من جهة امتناع احاطة العقل بجميع الجهات امتنع النزاع كما لا يخفى، ويشهد بما ذكرنا اكتفاء القائلين بالامكان بعدم لزوم لازم باطل بحسب ما يجده العقل، وليس ذلك لاصالة الامكان التي ارادها الشيخ حسبما يظهر من عبارته بل لان ذلك المقدار هو محل النزاع ولولا ظاهر قوله: وهذا طريق... الخ لكان حمل كلامه على ارادة كون النزاع في الامكان القياسي هو المتعين. هذا كله مبني على تسليم ما ذكره الشيخ (ره) من توقف القطع بعدم لزوم المحال على احاطة العقل بجميع الجهات وهي غير حاصلة الذي امضاه المصنف (ره) اما على ما هو التحقيق من أن احتمال لزوم محال لا يحيط به العقل من الاحتمالات السوفسوطائية التي لا تمنع من حصول القطع بعدمه فيمكن القطع بعدم لزوم المحل من مجرد القطع بعدم وجدان العقل لذلك، فيمكن أن يكون النزاع في الامكان الوقوعي ويكون استدلال المشهور في محله فلاحظ وتأمل (قوله: والامكان في كلام) هذا دفع توهم ان اصالة الامكان مما يدعيه الشيخ الرئيس فان ظاهر عبارته ان يحكم بالامكان حتى يقوم البرهان على الامتناع (قوله: بمعنى الاحتمال) هو خبر الامكان الأول (قوله: ومن الواضح أن لا) يعني أن الامكان الاحتمالي من الأمور الوجدانية نظير العلم لا يحتاج اثابته إلى اقامة البرهان بل يكفي فيه الرجوع إلى الوجدان (قوله: من المحال) المراد منه

٦٤

* - مثلا - فيما اصاب أو ضدين من ايجاب وتحريم ومن ارادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين فيما اخطأ أو التصويب وان لا يكون هناك غير مؤديات الامارات احكام (ثانيها) طلب الضدين فيما إذا اخطأ وأدى إلى وجوب ضد الواجب (ثالثها) تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة فيما أدى إلى عدم وجوب ما هو واجب أو عدم حرمة ما هو حرام وكونه محكوما بسائر الأحكام: (والجواب): أن ما ادعي لزومه إما غير لازم أو غير باطل، وذلك لان التعبد بطريق غير علمي إنما هو بجعل حجيته والحجية المجعولة غير مستتبعة لانشاء احكام تكليفية بحسب ما ادى إليه الطريق بل انما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا اصاب وصحة الاعتذار به إذا اخطأ

______________________________

اللوازم المذكورة في كلامه عدا التصويب اما هو فمن الباطل الذي ليس بمحال (قوله: مثلا) يعني قد يلزم اجتماع استحبابين أو كراهتين أو اباحتين لو كان مؤدى الامارة الاستحباب أو الكراهة أو الاباحة (قوله: ملزمتين بلا كسر) هذا قيد للمصلحة والمفسدة فان المصلحة والمفسدة لا تضاد بينهما لامكان اجتماعهما في شئ واحد ولو من جهتين وإنما يكون بينهما التضاد بوصف كونهما ملزمتين، إذ الوصف المذكور إنما يثبت للمصلحة بشرط غلبتها على المفسدة وكذا العكس، ومن المعلوم اجتماع المصلحة والمفسدة بوصف غلبة كل منهما على الأخرى كما لا يخفى (قوله: أو التصويب) معطوف على قوله: اجتماع المثلين... الخ، والمراد انه لو ثبت التعبد بالظن فاما أن يكون حكم واقعي فيلزم اجتماع الضدين أو المثلين أو لا يكون حكم واقعي فيلزم التصويب وهو ان لا يكون للواقعة حكم غير ما ادت إليه الامارة (قوله: وكونه محكوما) معطوف على عدم الوجوب وكذا عدم الحرمة (قوله: انما هو بجعل حجيته) قد اجاب المصنف (ره) عن هذه الاشكالات بوجوه هذا احدها (وحاصله): ان التعبد

٦٥

* ولكون مخالفته وموافقته

______________________________

بالامارة ليس معناه جعل الحكم ليستكشف من جعله ارادة أو كراهة أو مصلحة أو مفسدة فيلزم المحذور المتقدم، بل معناه جعل الحجية فان الحجية لما كانت من الاعتبارات القابلة للجعل نظير الملكية والزوجية والحرية والرقية جاز للشارع جعلها انشاء فيترتب عليها ما يترتب على الحجية الذاتية غير المجعولة كحجية القطع من الآثار العقلية كالمنجزية في صورة الاصابة والعذرية في صورة الخطأ وكون موافقتها انقيادا ومخالفتها تجريا، فكما تترتب هذه الآثار على الحجية الذاتية تترتب ايضا على الحجية الجعلية، وليس معنى التعبد بالامارة الا ذلك فلا يلزم منه احد المحاذير المذكورة سوى المحذور الاخير من تفويت لمصلحة أو الالقاء في المفسدة، لكنه مندفع بانه لا محذور في لزومه وليس بمحال ولا باطل إذ يجوز ذلك إذا كان في التعبد مصلحة غالبة على مصلحة الواقع الفائتة أو مفسدته اللازمة، ويشهد بذلك جميع ادلة نفي العسر والحرج والضرر فان ذلك كله لا يخلو من تفويت لمصلحة العنوان الاولي أو إلقاء في مفسدته (ويمكن) الخدشة فيه (اولا) بان هذا الجواب مختص بالامارات والطرق التي هي موضوع خارج عن دليل الحجية فيمكن ان يتكفل دليل الاعتبار والتعبد لجعل الحجية لها. ولا يتأتى في الاصول إذ ليس لنا فيها شئ ثالث ليتكفل دليل الاعتبار لجعل الحجية له، فلا معنى لان يقال: كل شئ حلال حتى تعلم انه حرام يتكفل جعل الحجية وإذا لم يتم في الاصول ينبغي ان لا يتم في الامارات لاطراد الاشكال المذكور ودفعه في المقامين، فالدافع للاشكال في الامارات هو الدافع له في الاصول بلا فرق بينهما اصلا (وثانيا) ان ما ذكر وان كان يدفع الاشكالات المذكورة، لكن يتوجه حينئذ اشكال آخر وهو ان الحجية للطريق المخالف إذا كانت مجعولة للشارع كانت مرادة له، ومن المعلوم ان إرادتها تنافي ارادة الواقع بعين ؟ ؟ ؟ بين ارادة الشئ وارادة ما يمنع عنه لان حجية المخالف مانعة من الوصول إلى الواقع فكيف يصح ارادتها مع ارادة الواقع فان ذلك من قبيل نقض الغرض المستحيل فلاحظ (قوله: ولكون) معطوف

٦٦

تجريا وانقيادا مع عدم اصابته كما هو شأن الحجة غير المجعولة، فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين أو ضدين، ولاطلب الضدين، ولا اجتماع المفسدة والمصلحة، ولا الكراهة والارادة كما لا يخفى، وأما تفويت مصلحة الواقع أو الالقاء في مفسدته فلا محذور فيه اصلا إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الالقاء. نعم لو قيل باستتباع جعل الحجية للاحكام التكليفية، أو بانه لا معنى لجعلها إلا جعل تلك الأحكام فاجتماع حكمين وان كان يلزم الا انهما ليسا بمثلين أو ضدين لأن احدهما

______________________________

على قوله (التنجز) (قوله: تجريا وانقيادا) من اللف النشر المرتب (قوله: إذا كان في التعبد به مصلحة غالبة) هذا لا اشكال فيه الا انه يلزم الاشكال الذي اشرنا إليه وهو امتناع تأثير المصلحة الفائتة في الارادة والمفسدة الملقى فيها في الكراهة فيلزم التصويب (قوله: أو بأنه لا معنى لجعلها) بان تكون الحجية من الوضع المنتزع من التكليف فالمجعول حقيقة هو التكليف (قوله: لان احدهما) هذا جواب ثان عن الاشكال (وحاصله): ان المجعول وان كان حكما تكليفيا إلا أن مثل هذا الحكم لا ينافي الحكم الواقعي ولا يلزم من جعله أحد المحاذير السابقة (وتوضيحه): ان الحكم المجعول على نحوين: أحدهما الحكم الحقيقي وهو الناشئ عن ارادة أو كراهة أو رضا، والآخر الحكم الصوري وهو الذي لا يكون ناشئا عن احد الامور المذكورة، ولأجل هذا الاختلاف بينهما اختلفا في شئ آخر وهو ان الاول لابد أن يكون موضوعه مشتملا على مصلحة ملزمة إن كان وجوبا أو استحبابا، أو مفسدة كذلك إن كان تحريما أو كراهة، أو خاليا عنهما إن كان اباحة من جهة أن الارادة أو الكراهة أو الرضا لابد أن يكون لأحد الأمور المذكورة لامتناع تعلق الارادة بما لا مصلحة فيه، والكراهة بما لا مفسدة فيه

٦٧

طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لانشائه الموجب للتنجز أو لصحة الاعتذار بمجرده من دون ارادة نفسانية أو كراهة كذلك متعلقه بمتعلقة فيما يمكن هناك انقداحهما حيث انه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتين في فعل

______________________________

والرضا بما كان مشتملا على احدهما، والثاني لا يلزم في موضوعه ذلك لعدم كونه ناشئا عن الارادة واخويها، والتماثل والتضاد المانعان من الاجتماع إنما يكونان بين افراد كل من النوعين لا بين افراد أحد النوعين وافراد الآخر، فالوجوبان الحقيقيان مثلان كالوجوبين الصوريين، والوجوب والحرمة الحقيقان ضدان كالوجوب والحرمة الصوريين، اما الوجوب الحقيقي والوجوب الصوري فلا تماثل بينهما، كما أن الوجوب الحقيقي والحرمة الصورية لا تضاد بينهما، وحينئذ نقول: الاشكال المذكور إنما يتوجه لو كان لازم التعبد بالامارة جعل حكم حقيقي، ولكنه ممنوع، بل المجعول حكم صوري وهو لا يماثل الحقيقي ولا يضاده، فلا يلزم اجتماع حكمين متماثلين أو متضادين، ولا ارادة وكراهة، ولا مصلحة ومفسدة ملزمتين، لان الحكم الصوري ليس ناشئا عن ارادة أو كراهة أو مصلحة أو مفسدة ليلزم المحذور (قوله: طريقي) قد عرفت انه حكم صوري نظير الأوامر الامتحانية، وإنما سمي بذلك من جهة خصوصية مورده (قوله: عن مصلحة في نفسه) يعني لا عن مصلحة في متعلقه وهذا هو الفارق كما عرفت والا فهو والحقيقي لما كانا فعلين اختياريين لابد ان يكونا عن مصلحة فيهما نفسية أو غيرية فلاحظ (قوله: للتنجز أو لصحة) الاول في صورة المصادفة والثاني في صورة الخطأ (قوله: حيث انه) بيان لوجه التقييد بقوله: فيما يمكن... الخ، وحاصل المراد: ان الفرق بين الحكم الحقيقي والصوري بالنحو الذي ذكرنا، وان الاول معه ارادة والثاني لا ارادة معه ليس بالاضافة إلى المبدأ الا على جل ذكره وتقدست اسماؤه، بل بالاضافة إلى النبي أو الولي، وإلا فلا فرق بين الحكمين بالاضافة إلى المبدأ في عدم انقداح ارادة أو كراهة، فالاختلاف

٦٨

* وان لم يحدث بسببها ارادة أو كراهة في المبدأ الأعلى، إلا أنه إذا أوحي بالحكم الشأني من قبل تلك المصلحة أو المفسدة إلى النبي صلى الله عليه وآله أو ألهم به الولى فلا محالة ينقدح في نفسه الشريفة بسببها الارادة أو الكراهة الموجبة للانشاء بعثا أو زجرا بخلاف ما ليس هناك مصلحة أو مفسدة في المتعلق بل انما كانت في نفس انشاء الأمر به طريقيا والآخر واقعي حقيقي عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه موجبة لارادته أو كراهته الموجبة لانشائه بعثا أو زجرا في بعض المبادئ العالية وان لم يكن في المبدأ الأعلى الا العلم

______________________________

فيهما بالاضافة إلى نفس النبي والولي، فان الحكم الحقيقي لابد ان يكون مقرونا بارادة في نفس النبي أو الولي الموظف لتبليغ الاحكام أو انشائها ولا كذلك الحكم الصوري (قوله: وان لم يحدث بسببها) الضمير راجع إلى المصلحة أو المفسدة واعلم أنه ذهب كثير من المعتزلة إلى أن الارادة والكراهة عبارة عن اعتقاد النفع والضرر، وهو ظاهر المحقق الطوسي (ره) حيث قال في التجريد: ومنها - اي من الكيفيات النفسانية - الارادة والكراهة وهما نوعان من العلم. انتهى، وحكي عن جماعة منهم أن الارادة ميل يعقب اعتقاد النفع والكراهة انقباض يعقب اعتقاد الضرر، وحكي عن الاشاعرة انهما شئ آخر، والظاهر ان مختار المصنف (ره) هو الأخير. نعم هناك خلاف آخر في ارادة الله سبحانه، فمذهب الاشاعرة - كما قيل - انها مغايرة للعلم والقدرة وسائر الصفات، وعن جماعة من رؤساء المعتزلة كابي الحسين والنظام والجاحظ والبلخي والخوارزمي انها عبارة عن الداعي وهو العلم بالنفع وهو مختار المحقق الطوسي (ره) حيث قال - في بحث الصفات -: وتخصيص بعض الممكنات بالايجاد في وقت يدل على ارادته وليست زائدة على الداعي والالزم التسلسل أو تعدد القدماء، انتهى. ومختار المصنف (ره) هو الأخير وهو الذي اشار إليه في المقام بقوله: وان لم يحدث بسببها... الخ، ولا يساعدنا المقام لتحقيق ذلك (قوله: والآخر واقعي حقيقي) هذا الكلام معطوف على قوله سابقا: احدهما طريقي (قوله: في بعض المبادئ) يعني نفس

٦٩

بالمصلحة أو المفسدة، كما اشرنا، فلا يلزم ايضا اجتماع ارادة وكراهة وانما لزم انشاء حكم واقعي حقيقي بعثا وزجرا وانشاء حكم آخر طريقي ولا مضادة بين الانشاءين فيما اختلفا ولا يكون من اجتماع المثلين فيما اتفقا، ولا ارادة ولا كراهة اصلا الا بالنسبة إلى متعلق الحكم الواقعي، فافهم. نعم يشكل الامر في بعض الاصول العملية كاصالة الاباحة الشرعية فان الاذن في الاقدام والاقتحام ينافي المنع فعلا كما فيما صادف الحرام وان كان الاذن فيه لأجل مصلحة فيه لا لأجل عدم مصلحة أو مفسدة ملزمة في المأذون فيه

______________________________

النبي صلى الله عليه وآله أو الولي (قوله: إلى متعلق الحكم) دون متعلق الحكم الطريقي (قوله: فافهم) لعله اشارة إلى ان الوجه المذكور لا يدفع لزوم تفويت المصحلة أو الالقاء في المفسدة وهو اللازم الثالث، لكن يمكن ان يندفع بالنحو المتقدم في الوجه الأول من انه لا محذور فيه إذا كان في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الالقاء في المفسدة إذ لا فرق بين الوجهين في ذلك اصلا، وان عرفت ان التحقيق عدم اندفاع ذلك الاشكال الا بالالتزام بعدم الارادة أو الكراهة في موضوع الحكم الواقعي من جهة غلبة مصلحة التعبد على المصلحة والمفسدة الواقعيتين وإلا فلو بقيت امتنع اجتماعهما مع ارادة الحكم المجعول بالاختيار لتنافي الارادتين كما ذكرنا سابقا، فلاحظ، مضافا إلى أنه يمكن الاشكال عليه ايضا بان الحكم الذى لا يكون حاكيا عن ارادة أو كراهة أو ترخيص نفسي لا يكون موضوع أثر في نظر العقل ولا يترتب عليه حركة أو سكون أصلا فكيف يترتب على الحكم الصوري الطريقي تنجيز الواقع أو العذر في مخالفته كما لعله ظاهر بالتأمل (قوله: نعم يشكل الأمر في بعض) يعني انه يمتنع ان يتأتى الجواب المتقدم في مثل قوله (ع): كل شئ لك حلال حتى تعلم... الخ، فانه ظاهر في الترخيص الحقيقي في الاقدام وهو ينافي المنع الواقعي، والالتزام بان مفاده حكم صوري طريقي على خلاف ظاهره غير ممكن، وهذا الاشكال منه قدس سره مبني على

٧٠

فلا محيص في مثله الا عن الالتزام بعدم انقداح الارادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية ايضا كما في المبدأ الأعلى، لكنه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي بفعلي بمعنى كونه على صفة ونحو لو سلم به المكلف لتنجز عليه كسائر التكاليف الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها، وكونه فعليا إنما يوجب البعث أو الزجر في النفس

______________________________

استظهاره من الحديث الشريف جعل الحل حقيقة ظاهرا لا جعل الحل الواقعي تعبدا في مرتبة الشك كما استظهرناه، وإلا فلا فرق بين الأصل المذكور وغيره من الامارات والأصول المثبتة للحل الواقعي تعبدا فان كان جعل الحل الواقعي تعبدا في مرتبة الشك منافيا للمنع الواقعي فلا يختص التنافي في أصل الحل بلا يطرد في الجميع وان لم يكن منافيا له لم يكن منافيا له حتى في أصل الحل كما لا يخفى (ويمكن) الخدش فيه أيضا بانه لم يظهر لتخصيص الاشكال المذكور وجه، فانه لو سلم كون المنشأ في اصل الحل هو الحل حقيقة في ظرف الشك نقول: إن كان مثل الحل المذكور الانشائي منافيا للمنع الانشائي فاللازم الالتزام بمثل هذا التنافي بين المنع الواقعي والأمر بالعمل بالخبر المؤدي إلى الوجوب في مورد المنع لاتحاد المناط، وان كان التنافي بين الترخيص النفسي في مورد المنع النفسي فالترخيص المذكور بعينه حاصل في الأمر بالعمل بالخبر المؤدي إلى وجوب ما هو حرام، إذ لاريب في أن الأمر المذكور حاك عن الترخيص النفسي في الاقدام المنافي للمنع الواقعي ولو امكن رفع اليد عن ظهور الأمر في الترخيص النفسي فليكن في اصل الحل كذلك فيلتزم برفع اليد عن ظهور الحل المجعول في الترخيص الحقيقي النفسي فلا يكون الترخيص الحقيقي النفسي في المقامين، وبالجملة: لا يظهر وجه لتخصيص الاشكال المذكور باصل الحل أصلا (قوله: فلا محيص في مثله إلا عن الالتزام) هذا جواب ثالث عن اشكال التضاد وحاصله: عدم كون الأحكام الواقعية فعلية فلا تكون معها ارادة أو كراهة في جميع المبادئ العالية فلا يلزم شئ من تلك المحاذير السابقة

٧١

النبوية أو الولوية فيما إذا لم ينقدح فيها الاذن لأجل مصلحة فيه. فانقدح بما ذكرنا أنه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في مورد الاصول والامارات فعليا كي يشكل (تارة)

______________________________

كما هو ظاهر، نعم يبقى اشكال لزوم التصويب ان لا يكون غير مؤديات الامارات أحكام، لأن الأحكام الانشائية ليست حقيقية باحكام كما تقدم في اول تنبيهات القطع، ولم يتعرض لدفعه استيضاحا له، حيث أن التصويب المعلوم البطلان أن لا يكون حكم واقعي أصلا لا فعلي ولا انشائي لا مجرد أن لا يكون حكم فعلي مع الالتزام بالحكم الانشائي، ولا سيما بالمعني المراد له وهو ما يكون بنحو لو علم لتنجز، وليس مثل سائر الاحكام الانشائية التي لا تتنجز بالعلم كما اشار إلى ذلك في مبحث القطع. نعم يبقى الاشكال في أنه إذا كان الحكم الواقعي ليس معه ارادة ولا كراهة كيف يتنجز بالعلم مع أن الحكم الفعلي انما يتنجز بالعلم باعتبار كونه حاكيا عن الارادة أو الكراهة وليس له موضوعية في المحركية، فالالتزام بعدم الارادة والكراهة الحقيقيتين مع كونه بحيث لو علم به لتنجز التزام بالمتنافيين. نعم يمكن أن يكون العلم بتلك الاحكام الانشائية موجبا لوصولها إلى مرتبة الفعلية، وحينئذ لا يكون العلم بها منجزا ولا طريقا بل يكون مأخوذا في فعلية الحكم على نحو الموضوعية فإذا علم ثانيا بفعليتها تنجزت، فالتنجز انما يستند إلى العلم الثاني، وهو العلم بفعليتها لا العلم الاول الموجب وصولها إلى مرتبة الفعلية. ومنه يظهر أن قيام الامارة على تلك الاحكام لا يكون منجزا لها ولو مع الاصابة إذ ليس حال الامارة أولى من العلم في المنجزية، فلابد من الالتزام بأن قيام الامارة عليها موجب لفعليتها فالعلم بالفعلية هو المنجز فالتنجز لا يستند إلى الامارة القائمة عليها اصلا كما هو ظاهر بالتأمل. ومنه يظهر انه لا وجه لتسمية الحكم المذكور فعليا بكل معنى الا مجرد اصطلاح ويكون حينئذ تسميته بالفعلي محض تسمية بلا خارجية، ومنه يظهر الاشكال في قوله (ره): انه لا يلزم الالتزام... الخ، إذ لم ينقدح بوجه لا يترتب عليه الاشكال (قوله: كي يشكل تارة) هذا الاشكال أشرنا إليه فراجع،

٧٢

بعدم لزوم الاتيان حينئذ بما قامت الامارة على وجوبه ضرورة عدم لزوم امتثال الاحكام الا نشائية ما لم تصر فعلية ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ولزوم الاتيان به مما لا يحتاج إلى مزيد بيان أو اقامة برهان (لا يقال): لا مجال لهذا الاشكال لو قيل بانها كانت قبل أداء الامارة إليها إنشائية لانها بذلك تصير فعلية تبلغ تلك المرتبة (فانه يقال): لا يكاد يحرز بسبب قيام الامارة المتبرة على حكم إنشائي لا حقيقة ولا تعبدا إلا حكم إنشائى تعبد الاحكم إنشائي أدت إليه الامارة، أما حقيقة فواضح

______________________________

 (قوله: ولم تبلغ) معطوف على: لم تصر فعلية (قوله: لا يقال لا مجال لهذا) حاصله: أن الالتزام بكون الاحكام الواقعية انشائية لا يقتضي عدم تنجزها لو قامت الامارة على ثبوتها وذلك لانها بقيام الامارة تكون فعلية فيعلم بها وتنجز حينئذ (قوله: فان يقال) حاصل الدفع: أن غاية ما تقتضيه أدلة الحجية ثبوت مؤدى الامارة على ما هو عليه فإذا كان مؤدى الامارة حكما انشائيا يصير قيام الامارة عليه موجبا لثبوت حكم انشائي فكيف يكون فعليا بذلك فلا يكون دليل الامارة موجبا لفعليته. نعم لو فرض قيام دليل على أن كل حكم انشائي قامت على ثبوته الامارة يكون فعليا ويثبت كان قيام الامارة على الحكم الانشائي من متممات فعلية الحكم حقيقة إن كان الدليل المذكور علما أو تعبدا ان كان علميا، فيعلم بالفعلية، أو يقوم الدليل عليها فيتنجز، لكن التنجز المذكور مستند إلى الدليل الثاني المذكور لا دليل حجية الامارة، واين هذا الدليل ليعتمد عليه في ذلك (قوله: لا حكم انشائي أدت إليه) يعني يثبت تعبدا نفس الحكم الانشائي الذي هو المؤدى ولا يثبت حكم انشائي بوصف كونه مما قامت عليه الامارة حتى يكون قيام الامارة مثبتا لفعليته. هذا لو فرض قيام دليل آخر على أن كل حكم انشائي قامت عليه الامارة يكون فعليا ولو لم يقم ذلك الدليل فلا يكفي قيام الامارة في التنجز ولو كان مفاد دليلها ثبوت الوصف المذكور، وكذا الحال في قوله: لا الواقع الذي... الخ (قوله: فواضح) وجه وضوحه ما تقدم

٧٣

وأما تعبدا فلان قصارى ما هو قضية حجية الامارة كون مؤداها هو الواقع تعبدا لا الواقع الذي أدت إليه الامارة (فافهم) اللهم إلا ان يقال: إن الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع الذي صار مؤدى لها هو دليل الحجية بدلالة الاقتضاء لكنه لا يكاد يتم الا إذا لم يكن للأحكام بمرتبتها الانشائية أثر أصلا والا لم يكن لتلك الدلالة مجال كما لا يخفى

______________________________

من امتناع أخذ الظن بالحكم موضوعا في نفس ذلك الحكم (قوله: فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى ما ذكرناه من أن قيام الطريق على الحكم لو فرض اقتضاؤه ثبوت الواقع بوصف كونه مما قامت عليه الامارة لم ينفع في اثبات الفعلية ما لم يقم دليل آخر على أن كل حكم انشائي قامت عليه الامارة يثبت فعليا تعبدا ولو فرض قيام هذا الدليل كان موضوعه محرزا بالوجدان ولا يحتاج إلى اثبات كون دليل الامارة مثبتا للواقع بما انه قام عليه الطريق إذ قيام الامارة عليه يكون وجدانيا لا معنى للتعبد فيه، فالتنجز يكون حينئذ مستندا إلى العلم بالفعلية الحاصل من ذلك الدليل كما ذكرنا لا إلى دليل حجية الامارة (قوله: اللهم الا أن يقال إن) يعني أن دليل حجية الامارة وان لم يقتض فعلية الاحكام بالدلالة اللفظية إلا أنه لما لم يكن معنى لجعل الحجية على الاحكام الانشائية لابد من أن يحمل على بيان كون الأحكام الانشائية بتوسط قيام الامارة عليها تكون فعلية، والباعث على هذا التصرف صون الكلام عن اللغوية. هكذا ينبغي أن يقرر الاستدلال لا على ما يقتضيه ظاهر العبارة، لأنا لو سلمنا أن دليل الحجية يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع بوصف كونه مؤدى الامارة لا ينفع ذلك في التنجز ما لم يقم دليل آخر على كون الحكم الانشائي الذي قامت الامارة عليه يثبت فعليا تعبدا، والمفروض عدم هذا الدليل، ولو فرض ثبوته لم يحتج إلى إثبات أن دليل الامارة يقتضي ثبوت عنوان مؤدى الامارة تعبدا حيث انه ثابت وجدانا، فالأولى أن يقرر كما ذكرنا فتأمل جيدا (قوله: لم يكن لتلك الدلالة) لانه

٧٤

(وأخرى) بانه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والاصول العملية المتكفلة لأحكام فعلية ؟ ضرورة أنه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين كذلك لا يمكن احتماله فلا يصح التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلي كما لا يصح التوفيق بان الحكمين ليسا في مرتبة واحدة بل في مرتبتين ضرورة تأخر الحكم الظاهري عن الواقعي بمرتبتين وذلك لا يكاد يجدي

______________________________

إذا ان أثر للاحكام الانشائية يصح جعل الحجية للامارة بلحاظ تلك الآثار لا بلحاظ وجوب العمل (قوله: واخرى بانه كيف) معطوف على قوله: تارة بعدم، وهذا إشكال آخر على تصحيح الجمع بين الأحكام بان الأحكام الواقعية انشائية لا فعلية، وحاصل الاشكال: ان المصحح للجمع بين الاحكام لو كان ما ذكر لزم عدم جواز الرجوع إلى الطرق والأصول مع احتمال كون الواقع فعليا لأن احتمال فعليته مانع من القطع بالحكم الظاهري لأن القطع به مساوق لاحتمال اجتماع المتضادين وهو ممتنع للقطع بعدم اجتماعها، وحاصل اندفاعه على تقريب المصنف (ره): ان فعلية الحكم الواقعي بالمعنى المتقدم لا تنافي الحكم الظاهري فلا يكون احتمالها منافيا للقطع به. نعم يرد على المصنف (ره) نظير هذا الايراد لانه إذا سلم أن فعلية الحكم المساوقة للارادة والكراهة منافية للحكم الظاهري يلزمه ايضا امتناع الرجوع إلى الطرق والاصول مع احتمال فعلية الحكم بهذا المعنى، وهو مما يصعب الالتزام به (قوله: كما لا يصح التوفيق بان) هذا وجه آخر لتصحيح الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية، وحاصله: انه لا تنافي بين الاحكام المذكورة من جهة اختلافها بحسب الرتبة، وتوضيح ذلك: أن موضوع الاحكام الواقعية نفس الذات فان الحرمة الواقعية مثلا موضوعها ذات شرب الخمر من حيث كونه شرب خمر، واما الاحكام الظاهرية فموضوعها الذات المشكوكة في الحكم الواقعي فان الحلية الظاهرية المجعولة بقوله (ع): كل شئ لك حلال، موضوعها

٧٥

فان الظاهرى وان لم يكن في تمام مراتب الواقعي الا انه يكون في مرتبته أيضا وعلى تقدير المنافات لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة (فتأمل) فيما ذكرنا من التحقيق في التوفيق فانه دقيق وبالتأمل حقيق (ثالثها) أن

______________________________

ذات قد شك في حرمتها واقعا وحيث أن الشك في الحرمة الواقعية متأخر عنها بمرتبة، فالذات المقيدة بالشك المذكور لابد أن تكون متأخرة عنها بمرتبتين لان المقيد بوصف تقيده يكون متأخرا عن قيده بمرتبة، فإذا كان قيده متأخرا عن الحكم الواقعي بمرتبة كان المقيد متأخرا عنه بمرتبتين، فحكم ذلك للقيد لابد أن يكون متأخرا عن الحكم الواقعي بثلاث مراتب، ومع هذا الاختلاف في الرتبة لا مانع من الاجتماع إذ ليس التنافي بين الضدين باعظم من التنافي بين النقيضين، ومن المعلوم جواز اجتماع النقيضين مع اختلاف الرتبة فان عدم المعلول الذي هو نقيص المعلول محفوظ في رتبة العلة، وكذا العكس كما أوضحناه في مبحث الضد (قوله: فان الظاهري وان لم يكن في) يعني انا وان سلمنا ان الحكم الظاهرى ليس في تمام مراتب الحكم الواقعي لانه مختص بحال الشك في الحكم الواقعي الا أن الحكم الواقعي يكون في مرتبة الحكم الظاهري لانه ثابت للذات مطلقا ولو في رتبة الشك، ففي رتبة الشك يجتمع الحكمان فإذا كانا متنافيين بتسليم الخصم لزم اجتماع المتنافيين في رتبة الشك فيعود المحذور (هذا) ولكن لا يخفى أنه إذا سلم المصنف (ره) أن الحكم الظاهرى متأخر عن الواقعي بمرتبتين كان الحكم الواقعي متقدما عليه بمرتبتين، وحينئذ كيف يكون الحكم الواقعي في مرتبة الحكم الظاهرى لان لازم التقدم والتأخر عدم الاجتماع فكيف يكونان مجتمعين مع ذلك ؟ وقد تقدم نظير هذا الكلام منه (ره) في مبحث الترتب (فالاولى) في الجواب منع كفاية اختلاف الرتبة في جواز اجتماع المتضادين فانه لا يجوز بالضرورة أن يكون المحبوب مبغوضا مع أن المبغوضية متأخرة عن المحبوبية بمرتبة، وكذا لا يجوز أن يكون مقطوع المحبوبية مبغوضا

٧٦

* مع أن المبغوضية متأخرة عن المحبوبية تأخر الحلية الظاهرية عن الحرمة الواقعية، فإذا لم يكن اختلاف الرتبة كافيا هناك في جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية لم يكن كافيا هنا ايضا. ولعل هذا هو مقصود المصنف (ره)، وان كان بعيدا جدا (وهذه) الوجوه كلها كما ترى لا ترفع غائلة الاجتماع بلا ورود إشكال (والأحق) ما ذكره بعض المحققين من مشايخنا المعاصرين دام تأييده (وتوضيحه): أن تضاد الأحكام التكليفية الحقيقية إنما هو من جهة تنافى الارادة والكراهة والرضا التي هي المعيار في كون الحكم التكليفي حكما حقيقيا لا صوريا، بل قد عرفت في مبحث الاجتماع أن الوجه في التنافي بين الامور المذكورة تنافي مباديها ايضا أعني ترجح الوجود على العدم أو ترجح العدم على الوجود وتساويهما في نظر المولى إذ من المعلوم بالبديهة أن الشئ الواحد بما هو واحد لا يقبل أن يكون وجوده أرجح من عدمه وعدمه أرجح من وجوده، أما إذا كان للشئ الواحد جهات من الوجود فيمكن أن يكون وجوده أرجح من عدمه بلحاظ جهة وعدمه أرجح من وجوده بلحاظ جهة أخرى، ولا يكون تناف بين الترجحين المذكورين من جهة اختلاف الجهة، فالوجود الواحد إذا كان له مقدمات متعددة تتعدد جهاته بتعدد تلك المقدمات إذا حيثية وجوده من قبل مقدمة بعينها غير حيثيته من قبل المقدمة الأخرى، كما أن المركب الواحد ذي الاجزاء المتعددة بلحاظ اجزائه المتعددة تتعدد جهات وجوده، فيصح أن يكون وجوده من قبل بعض الاجزاء بعينه أرجح من عدمه ووجوده من قبل البعض الآخر مرجوح لعدمه، فالمركب المذكور إذا كان وجوده راجحا من جميع الجهات تحدث ارادة في نفس الفاعل متعلقة بتمام جهات الوجود المذكور فتبعث إلى فعل تمام أجزائه، وإذا كان راجحا من بعض الجهات دون بعض تحدث الارادة متعلقة بذلك البعض، فتبعث إلى فعل بعض الأجزاء دون بعض، بل ربما يكون الوجود من جهة البعض الآخر مرجوحا فيكون موضوعا للكراهة فتجتمع الارادة والكراهة في موضوع واحد من جهتين، مثلا البيت المركب

٧٧

من جدران وسقوف قد بكون وجوده راجحا من حيثيتي الجدران والسقوف معا فتحدث الارادة المتعلقة بهما معا فتبعث إلى بناء الجدران ووضع السقوف عليها، وقد يكون راجحا من جهة الجدران مرجوحا من جهة السقوف فتحدث الارادة الباعثة على بناء الجدران فيبني الجدران ولا يضع عليها السقوف، ولو وضعها آخر خربها لما فيه من المفسدة مثل انهدام العمارة اوامر آخر، وهكذا الحال في الشئ الاحد ذى المقدمات المتعددة فيجري فيه ما ذكرنا في المركب حرفا بحرف، ثم نقول: قد عرفت فيما علقناه على مباحث الطلب والارادة أن الارادة التشريعية التي هي مناط كون الحكم حقيقيا من سنخ الارادة التكوينية، بل هي نحو خاص منها غاية الامر أنها متعلقة بالوجود من حيث جعل الحكم، فان الواجبات المولوية الصادرة من العبيد في مقام الاطاعة لما كانت صادرة عن ارادة العبد الناشئة عن علمه بحكم مولاه بتوسط حكم العقل بحسن العقاب على تقدير المخالفة كان لوجودها في الخارج مقدمات: هي جعل الحكم من قبل المولى، وعلم العبد به، وحدوث ارادته بتوسط الداعي العقلي وحينئذ فقد تتعلق ارادة المولى بوجود فعل ذى المصلحة من جميع الجهات المذكورة فتحدث ارادات غيرية للمولى بهذه الأمور فتبعث على جعل الحم واعلامه للعبد وتهديده وتخويفه إلى أن تحصل له إرادة الفعل فيفعل، وقد تتعلق الارادة بالوجود بلحاظ بعض هذه الجهات فان تعلقت بالوجود من جهة جعل الحكم وتشريعه سميت هذه الارادة إرادة تشريعية واقتضت حينئذ مجرد تشريع الحكم، فان تعلقت أيضا بالوجود بلحاظ الاعلام اقتضت حينئذ إعلامه... وهكذا، وحينئذ كل ارادة للوجود من جهة إنما تنافي كراهته من تلك الجهة ولا تنافيها من جهة أخرى اصلا (إذا عرفت) هذا عرفت ان الترخيص في ظرف الشك لا ينافي الارادة الواقعية لانها إنما تعلقت بالوجود من جهة جعل الحكم لا غير والترخيص إنما هو بلحاظ وجود الحجة على الحكم - اعني جهة الاعلام - وهذه الجهة لم تكن موضوعا للارادة حسب الفرض، نعم لو فرض كون الواقع مرادا من جهة الحكم ومن جهة اقامة الحجة عليه باعلام أو ايجاب احتياط أو غيرهما امتنع الترخيص حينئذ لكن هذا

٧٨

ليس من محل الكلام في شئ - اعني منافاة الحكم الظاهري للحكم الواقعي - بل يكون من منافاة الحكم الظاهري للحكم الظاهري التى لا كلام فيها، ولا مجال لانكارها نظير منافاة الترخيص الواقعي للمنع الواقعي، ومثلها منافاة الترخيص حال العلم بالواقع للتحريم الواقعي (فان قلت): إذا كان جعل المنع الواقعي إنما كان عن ارادة حفظ الوجود من جهته لا غير جاز الترخيص في ظرف العلم لان الترخيص حينئذ لا يرتبط بتلك الجهة (قلت): المنع الواقعي وان كان ناشئا عن ارادة حفظ الوجود من قبله الا انه لما كان بداعي احداث الداعي العقلي في ظرف قيام الحجة على المنع بحيث كان حدوث الداعي العقلي من الغايات المقصودة للجاعل كان الترخيص في ظرف العلم نقضا لذلك الغرض فيمتنع، نعم لو فرض كون العلم ليس علة تامة لاحداث الداعي المذكور صح الترخيص حاله ولذلك صح النهي عن العمل بالقياس بناء على تمامية مقدمات الانسداد في اقتضاء حجية الظن على الحكومة (فتلخص): انه لا تنافي بين الأحكام الواقعية والتعبد بغير العلم، ولا يلزم اجتماع المثلين في صورة الاصابة لأن التعبد حينئذ ينشأ عن ارادة الوجود من حيث اقامة الحجة على الحكم لا من حيث نفس الحكم كما لا يلزم اجتماع الضدين في صورة الخطأ مع كون الواقع الزاميا فان التعبد في الحال المذكور وان كان حاكيا عن الترخيص والرضا في مخالفة الواقع إلا أن مثله لا ينافي الارادة الواقعية بعد اختلاف الجهات، وكيف كان فلا ريب في ترتب آثار الحجية الذاتية من المنجزية والعذرية على الحجج المجعولة فانها تكون منجزة للواقع في صورة الاصابة إذا كان الزاميا وعذرا في مخالفته في صورة الخطأ مع كونه كذلك ولو لم يكن الواقع الزاميا ترتب عليها الأمن من احتمال المخالفة على تقدير عدم مخالفتها عملا كما يترتب عليها الخوف من مخالفة الواقع على تقدير مخالفتها عملا. ثم ان موضوع التنجيز والعذر هو العلم بها كما سيأتي وترتب ذلك عليه ذاتي كترتبة على العلم بالواقع نفسه. نعم كما يعتبر في ترتب الأثرين المذكورين على العلم بالحكم كون الحكم صادرا بقصد حفظ الوجود من قبل جعله يعتبر في

٧٩

* الاصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولا يحرز التعبد به واقعا عدم حجيته جزما بمعنى عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة عليه قطعا فانها لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف بالحجية فعلا ولا يكاد يكون الاتصاف بها الا إذا أحرز التعبد به وجعله طريقا متبعا، ضرورة أنه بدونه لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف

______________________________

ترتب ذلك على العلم بها كون التعبد بقصد حفظ الوجود بجعل الحجة، فلو لم يكن كذلك لم يترتب على العلم بها أثر، ومن هنا يظهر أنه لا مجال للبحث عن مناط المنجزية في الحجج الشرعية وإطالة الكلام فيه فان المؤمنية والعذرية من آثار الترخيص بوجوده العلمي، كما أن المنجزية من آثار الاهتمام بالواقع الموجب لاقامة الحجة عليه في حال الجهل بوجوده العلمي، وظني أن ما ذكرنا كله واضح جدا بادنى تأمل فتأمل فان المقام به حقيق ومنه سبحانه نستمد العناية والتوفيق والحمد لله رب العالمين (قوله: الأصل فيما لا يعلم اعتباره) المراد بالأصل في المقام القاعدة لا الاصل المقابل للدليل (قوله: عدم حجيته جزما) الحجية صفة اعتبارية عبارة عن صلاحية الشئ للاحتجاج به فالحجة هو ما يصح ان يحتج به المولى على عبده فيقطع به عذره والعبد على مولاه فيكون به معذورا، ومن لوازمها التي لا تنفك عنها أمران، المنجزية المنتزعة من حكم العقل بحسن العقاب على المخالفة، والمؤمنية المنتزعة من حكمه بقبح العقاب، ومن المعلوم أن الاثرين المذكورين يترتبان على العلم بالاعتبار عند المولى لا على الاعتبار الواقعي حينئذ فإذا شك في اعتبار شئ عند المولى لم يترتب عليه شئ من الأثرين المذكورين، ومن هنا يكون مشكوك الاعتبار شرعا مما ليس بحجة عقلا بحيث يعلم بعدم ترتب الاثرين المذكورين عليه أصلا، فالحجية العقلية مما لا يمكن أن تكون مشكوكة (قوله: الآثار المرغوبة) يعني خصوص الاثرين في قبال غيرهما مما يأتي بيانه (قوله: بالحجية فعلا) يعني الحجية العقلية (قوله: وجعله) معطوف على التعبد (قوله: بدونه) الضمير راجع إلى الاحراز

٨٠