الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات8%

الشفاء الإلهيّات مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: مكتبة الفلسفة والعرفان
الصفحات: 489

الشفاء الإلهيّات
  • البداية
  • السابق
  • 489 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98694 / تحميل: 8757
الحجم الحجم الحجم
الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات

مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
العربية

المقالة الأولى

وفيها ثمانية فصول

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

الحمد (٢) لله رب العالمين وصلاته على النبي (٣) المصطفى محمد وآله الأكرمين أجمعين.

الفن (٤) الثالث عشر من كتاب الشفاء في الإلهيات.

(٥) (٦) المقالة الأولى وهي ثمانية فصول (٧)

[ الفصل الأول ] ( ا ) فصل (٨)

في ابتداء طلب موضوع (٩) الفلسفة الأولى لتتبين إنيته في العلوم

وإذ (١٠) وفقنا الله ولي الرحمة والتوفيق ، فأوردنا ما وجب إيراده من معاني العلوم المنطقية والطبيعية والرياضية ، فبالحري أن نشرع في تعريف المعاني الحكمية ، ونبتدئ (١١) مستعينين بالله فنقول :

إن العلوم الفلسفية ، كما قد أشير إليه في مواضع أخرى من الكتب ، تنقسم إلى النظرية وإلى العملية. وقد أشير إلى الفرق بينهما وذكر أن النظرية هي التي نطلب فيها استكمال القوة النظرية (١٢) من النفس بحصول العقل بالفعل ، وذلك

__________________

(١) الرحيم : + وحسبنا الله ونعم الوكيل م

(٢) الحمد ... أجمعين : ساقطة من ب ، ج ، ص

(٣) النبي : + المصطفى م

(٤) الفن ... الإلهيات : الفن الرابع من الجملة الرابعة من كتاب الشفاء فى الإلهيات وهو فن واحد فى عشر مقالات م

(٥) فى الإلهيات : تصنيف الشيخ الرئيس ج

(٦) الإلهيات : + عشر مقالات ج ، ط ؛ + عشر مقولات ص

(٧) وهى ثمانية فصول : ساقطة من ج ، ص ؛ من جملة الإلهيات ثمانية فصول ط ، طا ؛ من الإلهيات وتعرف الأولى بثمانية فصول م

(٨) فصل : الفصل الأول من المقالة الأولى من جملة الإلهيات ط ؛ الفصل الأول من المقالة الأولى طا

(٩) موضوع : + العلم ج

(١٠) وإذ : إذ ج

(١١) ونبتدئ : فنبتدئ ج ، ط

(١٢) هى ... النظرية : ساقطة من م.

٣

بحصول (١) العلم التصوري والتصديقي بأمور ليست هي هي بأنها أعمالنا وأحوالنا ، فتكون الغاية (٢) فيها حصول رأي واعتقاد ليس رأيا واعتقادا في كيفية عمل أو كيفية مبدإ عمل من حيث هو مبدأ عمل.

وأن العملية هي التي يطلب فيها أولا استكمال القوة النظرية بحصول العلم التصوري والتصديقي بأمور هي هي بأنها أعمالنا ، ليحصل (٣) منها ثانيا استكمال القوة العملية بالأخلاق.

وذكر أن النظرية تنحصر (٤) في أقسام ثلاثة هي (٥) : الطبيعي ، والتعليمية ، والإلهية.

وأن الطبيعية موضوعها الأجسام من جهة ما هي متحركة وساكنة ، وبحثها عن العوارض التي تعرض لها بالذات من هذه الجهة.

وأن التعليمية موضوعها إما ما هو كم مجرد عن المادة بالذات ، وإما ما هو ذو كم. والمبحوث عنه فيها أحوال تعرض للكم بما هو كم. ولا يؤخذ (٦) في حدودها نوع مادة ، ولا قوة حركة.

وأن الإلهية تبحث عن الأمور المفارقة للمادة بالقوام والحد. وقد سمعت أيضا أن الإلهي هو الذي يبحث فيه (٧) عن الأسباب الأولى (٨) للوجود (٩) الطبيعي والتعليمي وما يتعلق بهما ، وعن مسبب (١٠) الأسباب ومبدإ المبادئ وهو الإله تعالى جده (١١).

__________________

(١) بحصول : لحصول ب ، ج ، د ، ص ، ط ، طا

(٢) الغاية : العلم ط

(٣) ليحصل : فيحصل ج ، ص ، ط ، م

(٤) تنحصر : منحصر ح ؛ منحصرة ص ، ط

(٥) هى : فى ج ، م

(٦) يؤخذ : يوجد م

(٧) فيه : ساقطة من ب

(٨) الأولى : الأولى ط ، طا

(٩) للوجود : للوجود ص

(١٠) مسبب : سبب ج

(١١) جده : ساقطة من ب.

٤

فهذا هو قدر ما يكون (١) قد وقفت عليه فيما (٢) سلف لك من الكتب. ولم يتبين لك من ذلك أن الموضوع للعلم الإلهي ما هو بالحقيقة الإلهي ما هو بالحقيقة إلا إشارة جرت في كتاب البرهان من المنطق إن تذكرتها. وذلك أن في سائر العلوم قد كان يكون لك شيء هو موضوع ، وأشياء هي المطلوبة ، ومبادئ مسلمة منها تؤلف البراهين. والآن ، فلست تحقق حق التحقيق (٣) ما الموضوع لهذا العلم ، وهل هو ذات العلة الأولى حتى يكون المراد معرفة صفاته وأفعاله أو معنى آخر.

وأيضا قد كنت تسمع أن هاهنا فلسفة بالحقيقة ، وفلسفة أولى ، وأنها تفيد تصحيح مبادئ سائر العلوم ، وأنها هي الحكمة بالحقيقة. وقد كنت تسمع تارة أن الحكمة هي أفضل علم بأفضل معلوم ، وأخرى أن الحكمة هي المعرفة التي هي أصح معرفة وأتقنها ، وأخرى أنها العلم بالأسباب الأولى للكل. وكنت (٤) لا تعرف ما هذه الفلسفة الأولى ، وما هذه الحكمة ، وهل الحدود والصفات (٥) الثلاث لصناعة واحدة ، أو لصناعات مختلفة كل واحدة منها تسمى حكمة.

ونحن (٦) نبين لك الآن أن هذا العلم الذي نحن بسبيله هو الفلسفة الأولى ، وأنه (٧) الحكمة المطلقة ، وأن الصفات الثلاث التي رسم (٨) بها الحكمة هي صفات صناعة واحدة ، وهي هذه الصناعة. وقد علم أن لكل علم موضوعا يخصه ، فلنبحث الآن عن الموضع لهذا العلم ، ما هو؟ ولننظر هل الموضوع لهذا العلم هو إنية الله تعالى جده (٩) ، أو ليس ذلك (١٠) ، بل هو شيء من مطالب هذا العلم؟

فنقول : إنه لا يجوز أن يكون ذلك هو الموضوع ، وذلك لأن موضوع كل علم هو أمر مسلم الوجود في ذلك العلم ، وإنما يبحث عن أحواله. وقد

__________________

(١) يكون : كان ط. م

(٢) فيما : مما م

(٣) التحقيق : التحقق ب

(٤) وكنت : وقد كنت ج

(٥) والصفات : أو الصفات م

(٦) ونحن : فنحن ج

(٧) وأنه : وأنها ط

(٨) رسم : ترسم طا.

(٩) جده : ساقطة من ب ، ج ، ص ، م

(١٠) ذلك كذلك طا.

٥

علم هذا في مواضع أخرى. ووجود الإله تعالى جده (١) لا يجوز أن يكون مسلما في هذا العلم كالموضوع ، بل هو مطلوب فيه. وذلك لأنه (٢) إن لم يكن كذلك لم يخل إما أن يكون مسلما في هذا العلم ومطلوبا في علم آخر ، وإما أن يكون مسلما في هذا العلم وغير مطلوب في علم آخر. وكلا الوجهين باطلان (٣).

وذلك لأنه (٤) لا يجوز أن يكون مطلوبا في علم آخر ، لأن العلوم الأخرى إما خلقية أو سياسية (٥) ، وإما طبيعية ، وإما رياضية ، وإما منطقية. وليس في العلوم الحكمية علم خارج عن (٦) هذه القسمة ، وليس ولا في شيء منها يبحث (٧) عن إثبات الإله تعالى جده (٨) ، ولا يجوز أن يكون ذلك. وأنت تعرف هذا بأدنى تأمل لأصول كررت (٩) عليك. ولا يجوز أيضا أن يكون غير مطلوب في علم آخر لأنه يكون حينئذ غير مطلوب (١٠) في علم البتة. فيكون إما بينا بنفسه ، وإما مأيوسا عن بيانه بالنظر ، وليس (١١) بينا بنفسه ولا مأيوسا (١٢) عن بيانه ، فإن عليه دليلا (١٣). ثم المأيوس عن بيانه كيف يصح تسليم وجوده؟ فبقي (١٤) أن البحث عنه إنما هو في هذا العلم.

ويكون البحث عنه على وجهين : أحدهما البحث عنه من جهة وجوده ، والآخر من جهة صفاته. وإذا كان البحث عن وجوده في هذا العلم ، لم يجز أن يكون موضوع هذا العلم ، فإنه ليس على علم من العلوم إثبات موضوعه ، وسنبين لك عن قريب أيضا ، أن البحث عن وجوده لا يجوز أن يكون إلا في هذا العلم ، إذ قد (١٥) تبين (١٦) لك من حال هذا العلم أنه يبحث (١٧) عن المفارقات للمادة (١٨) أصلا. وقد لاح لك في الطبيعيات أن الإله غير جسم ، ولا قوة جسم ،

__________________

(١) جده : ساقطة من ج ، ص ، م. (٢) لأنه إن : لأنه م

(٣) باطلان : باطل م. (٤) لأنه : أنه ب ، ج ، م

(٥) أو سياسية : وإما سياسية م. (٦) عن : من ج

(٧) يبحث : بحث ص ، م. (٨) جده : ساقطه من ب

(٩) كررت : تكررت ط. (١٠) مطلوب فى علم البتة : مطلوب البتة ط. (١١) وليس بينا بنفسه : وليس بينا فى نفسه م

(١٢) ولا مأيوسا : هو مأيوس ب ، ج ، م ؛ هو مأيوسا ص

(١٣) دليلا : + بالنظر ط

(١٤) فبقى : فيبقى ب. (١٥) قد : ساقطة من م

(١٦) تبين : يتبين ص ، م. (١٧) بحث : يبحث ج ، ص ، م

(١٨) لمادة : عن المادة ج.

٦

بل هو واحد بريء عن المادة ، وعن مخالطة الحركة من كل جهة. فيجب أن يكون البحث عنه لهذا العلم.

والذي لاح لك من ذلك في الطبيعيات كان غريبا عن الطبيعيات ، ومستعملا فيها ، منه ما ليس منها ، إلا أنه أريد بذلك أن يعجل للإنسان (١) وقوف (٢) على إنية المبدإ الأول فتتمكن منه الرغبة في اقتباس العلوم ، والانسياق إلى المقام الذي هناك ليتوصل (٣) إلى معرفته بالحقيقة. ولما لم يكن بد من أن يكون لهذا العلم موضوع وتبين لك أن الذي يظن أنه هو (٤) موضوعه ليس بموضوعه ، فلننظر : هل موضوعه الأسباب القصوى للموجودات كلها أربعتها إلا (٥) واحدا منها الذي لم يكن القول به. فإن هذا أيضا قد يظنه قوم.

لكن النظر في الأسباب كلها أيضا لا يخلو إما أن ينظر فيها (٦) بما هي موجودات أو بما هي أسباب مطلقة ، أو بما هي كل واحد من الأربعة على النحو الذي نحصه. أعني أن يكون النظر فيها من جهة أن هذا فاعل ، وذلك قابل ، وذلك شيء آخر ، أو من جهة ما هي الجملة التي تجتمع منها.

فنقول : لا يجوز أن يكون النظر فيها بما هي أسباب مطلقة ، حتى يكون الغرض من (٧) هذا العلم هو النظر في الأمور التي تعرض للأسباب (٨) بما هي أسباب (٩) مطلقة. ويظهر هذا من وجوه :

أحدها ، من جهة أن هذا العلم يبحث عن معان ليست هي من الأعراض الخاصة (١٠) بالأسباب بما هي أسباب ، مثل الكلي والجزئي ، والقوة والفعل ، والإمكان والوجوب وغير ذلك.

__________________

(١) للانسان : الإنسان ب ، ط

(٢) وقوف : الوقوف ط

(٣) ليتوصل : يتوصل ب ، ص ، م

(٤) هو : ساقطة من ج ، ص ، م

(٥) لا : إلا ج ، ط ، م

(٦) فيها : ساقطة من ب

(٧) من : فى ب ، ج ، ص ، م

(٨) للأسباب : الأسباب ب ، ج ، ط

(٩) أسباب مطلقة : ساقطة من م

(١٠) الخاصة : الخاصية م.

٧

ثم من التبين الواضح أن هذه الأمور في أنفسها بحيث يجب أن يبحث عنها ، ثم ليست من الأعراض الخاصة (١) بالأمور الطبيعية والأمور التعليمية (٢). ولا هي أيضا (٣) واقعة في الأعراض الخاصة (٤) بالعلوم العملية (٥). فيبقى (٦) أن يكون البحث عنها للعلم الباقي من الأقسام وهو هذا العلم.

وأيضا فإن العلم بالأسباب المطلقة حاصل بعد العلم بإثبات الأسباب للأمور ذوات الأسباب. فإنا ما لم نثبت وجود الأسباب للمسببات من الأمور بإثبات أن لوجودها تعلقا بما يتقدمها في الوجود ، لم يلزم عند العقل وجود السبب المطلق ، وأن هاهنا سببا ما. وأما الحس فلا يؤدي إلا إلى (٧) الموافاة. وليس إذا توافى شيئان ، وجب أن يكون أحدهما سببا للآخر (٨). والإقناع الذي يقع للنفس لكثرة ما يورده الحس والتجربة فغير متأكد ، على ما علمت ، إلا بمعرفة أن الأمور التي هي موجودة في الأكثر هي طبيعية واختيارية (٩).

وهذا في الحقيقة مستند إلى إثبات العلل ، والإقرار بوجود العلل والأسباب. وهذا ليس بينا أوليا بل هو مشهود (١٠) ، وقد علمت الفرق بينهما. وليس إذا كان قريبا عند العقل ، من البين بنفسه أن للحادثات مبدأ ما يجب أن يكون بينا بنفسه مثل كثير من الأمور الهندسية المبرهن عليها في كتاب أوقليدس. ثم البيان البرهاني (١١) لذلك (١٢) ليس في العلوم الأخرى ، فإذن يجب أن يكون في هذا العلم.

فكيف يمكن أن يكون الموضوع للعلم المبحوث عن أحواله في المطالب مطلوب الوجود فيه؟ وإذا (١٣) كان كذلك فبين أيضا أنه ليس البحث عنها (١٤) من جهة

__________________

(١) الخاصة : الخاصية م

(٢) التعليميه : العملية م

(٣) أيضا : ساقطة من ب ، ص ، م

(٤) الخاصة : الخاصية م

(٥) العملية : + والمنطقية ج

(٦) فيبقى : فيبقى م

(٧) إلى : ساقطة من ب ، م

(٨) للاخر : الآخر م

(٩) واختيارية : أو اختيارية ص

(١٠) مشهود : مشهور ج ، ص. (١١) البرهانى : ساقطة من ط

(١٢) لذلك : أى بينا بنفسه أن لكل شىء مبدأ م. (١٣) وإذا : فاذا ج ؛ وإذ م

(١٤) عنها : هنا ط.

٨

الوجود الذي يخص كل واحد منها ، لأن ذلك مطلوب في هذا العلم. ولا أيضا من جهة ما هي جملة ما (١) وكل ، لست أقول جملي (٢) وكلي. فإن النظر في أجزاء الجملة أقدم من النظر في الجملة ، وإن لم يكن كذلك في جزئيات الكلي باعتبار قد علمته ، فيجب أن يكون النظر في الأجزاء إما في هذا العلم فتكون هي أولى بأن تكون موضوعة ، أو يكون في علم آخر. وليس علم آخر يتضمن الكلام في الأسباب القصوى غير (٣) هذا العلم. وأما إن كان النظر في الأسباب من جهة ما هي موجودة وما يلحقها (٤) من تلك الجهة فيجب إذن أن يكون الموضوع الأول هو الموجود بما هو موجود.

فقد (٥) بان أيضا بطلان هذا النظر (٦) ، وهو أن هذا العلم موضوعه الأسباب القصوى ، بل يجب أن يعلم أن هذا كماله ومطلوبه.

__________________

(١) جملة ما : جملة ط

(٢) جملى : مجمل ب ، ص ، م

(٣) غير : عن م

(٤) وما يلحقها : ما يلحقها ط ، م

(٥) فقد : وقد ج

(٦) النظر : الظن ج ، ص ، م.

٩

[ الفصل الثاني ]

( ب ) فصل (١)

في تحصيل موضوع هذا العلم

فيجب أن ندل على الموضوع الذي لهذا العلم لا محالة حتى يتبين (٢) لنا الغرض الذي هو في هذا العلم ، فنقول :

إن العلم الطبيعي قد كان موضوعه الجسم ، ولم يكن من جهة ما هو موجود ، ولا من جهة ما هو جوهر ، ولا من جهة ما هو مؤلف من مبدأيه ، أعني الهيولى والصورة ، ولكن من جهة ما هو موضوع للحركة والسكون. والعلوم التي تحت العلم الطبيعي أبعد من ذلك. وكذلك الخلقيات (٣).

وأما العلم الرياضي فقد كان موضوعه إما مقدارا مجردا في الذهن عن المادة ، وإما مقدارا مأخوذا في الذهن مع مادة ، وإما عددا مجردا عن المادة ، وإما عددا في مادة. ولم يكن أيضا ذلك البحث متجها إلى إثبات أنه مقدار مجرد أو في مادة أو عدد مجرد أو في مادة ، بل كان في جهة الأحوال التي تعرض له (٤) بعد وضعه.

كذلك والعلوم التي تحت الرياضيات أولى بأن لا يكون نظرها إلا في (٥) العوارض التي يلحق أوضاعا أخص من هذه الأوضاع.

والعلم المنطقي ، كما علمت (٦) ، فقد كان موضوعه المعاني المعقولة الثانية التي تستند إلى المعاني المعقولة الأولى من جهة كيفية ما يتوصل بها من معلوم.

__________________

(١) فصل : الفصل الثاني ب ، ط

(٢) يتبين : يبين م

(٣) الخلقيات : الخلقية ط

(٤) له : وله م

(٥) إلا فى : الآن ط

(٦) علمت : عرفت ج.

١٠

إلى مجهول ، لا من جهة ما هي معقولة ولها الوجود العقلي الذي لا يتعلق بمادة أصلا أو يتعلق بمادة غير جسمانية. ولم يكن غير هذه العلوم علوم أخرى.

ثم البحث عن حال الجوهر بما هو موجود وجوهر (١) ، وعن الجسم بما هو جوهر ، وعن المقدار (٢) والعدد بما هما موجودان ، وكيف وجودهما ، وعن الأمور الصورية التي ليست في مادة أو هي في مادة غير مادة الأجسام ، وأنها كيف تكون وأي نحو من الوجود يخصها ، فمما يجب أن يجرد له بحث.

وليس يجوز أن يكون من جملة العلم بالمحسوسات ، ولا من جملة العلم بما (٣) وجوده في المحسوسات ، لكن التوهم والتحديد يجرده عن المحسوسات.

فهو إذن من جملة العلم بما (٤) وجوده (٥) مباين.

أما الجوهر فبين أن وجوده بما هو جوهر فقط غير متعلق بالمادة وإلا لما كان جوهر إلا محسوسا.

وأما العدد فقد يقع على المحسوسات وغير المحسوسات ، فهو بما هو عدد غير متعلق بالمحسوسات.

وأما المقدار فلفظه اسم مشترك ، فيه ما قد يقال له مقدار ، ويعني (٦) به البعد (٧) المقوم للجسم الطبيعي ، ومنه ما يقال مقدار ، ويعني به كمية متصلة تقال على الخط والسطح والجسم المحدود. وقد عرفت الفرق بينهما. وليس ولا واحد (٨) منهما مفارقا للمادة ، ولكن المقدار بالمعنى الأول وإن كان لا يفارق المادة فإنه أيضا مبدأ لوجود الأجسام الطبيعية. فإذا كان مبدأ لوجودها لم يجز أن يكون

__________________

(١) وجوهر : جوهر ب ، ج ، ص ، ط

(٢) وعن المقدار : والمقدار م

(٣) بما : + هو ص ، ط ، طا ، م

(٤) بما : + هو ح ، ص ، ط

(٥) وجوده : موجود ط ، طا

(٦) ويعنى : فيعنى ص

(٧) البعد : المبعد ط

(٨) واحد : واحدا ب.

١١

متعلق القوام بها ، بمعنى أنه يستفيد (١) القوام من المحسوسات ، بل المحسوسات تستفيد منه القوام. فهو إذن (٢) أيضا (٣) متقدم بالذات على المحسوسات. وليس الشكل كذلك ، فإن الشكل عارض لازم للمادة بعد تجوهرها جسما متناهيا موجودا (٤) وحملها سطحا متناهيا. فإن الحدود (٥) تجب للمقدار من جهة استكمال المادة به وتلزمه من بعد. فإذا كان كذلك لم يكن الشكل موجودا إلا في المادة ولا علة أولية لخروج المادة إلى الفعل.

وأما المقدار بالمعنى الآخر فإن فيه نظرا من جهة وجوده ، ونظرا من جهة عوارضه. فأما النظر في أن وجوده أي أنحاء الوجود هو (٦) ، ومن (٧) أي أقسام الموجود (٨) ، فليس هو بحثا أيضا عن معنى متعلق (٩) بالمادة.

فأما (١٠) موضوع المنطق من جهة ذاته فظاهر أنه خارج عن المحسوسات (١١).

فبين (١٢) أن هذه كلها تقع في العلم الذي يتعاطى ما لا يتعلق قوامه بالمحسوسات ، ولا يجوز أن يوضع لها موضوع مشترك تكون هي كلها حالاته وعوارضه إلا الموجود. فإن بعضها جواهر ، وبعضا كميات ، وبعضها مقولات أخرى ، وليس يمكن أن يعمهما معنى محقق إلا حقيقة معنى الوجود (١٣).

وكذلك قد يوجد أيضا أمور يجب أن تتحدد وتتحقق في النفس ، وهي مشتركة في العلوم. وليس ولا واحد من العلوم يتولى الكلام فيها مثل الواحد

__________________

(١) يستفيد : مستفيد ب ، ج ، ص ، م

(٢) إذن : ساقطة من م

(٣) أيضا : ساقطة من ب ، ج ، ص

(٤) موجودا : ساقطة من م

(٥) الحدود : + يعنى نهايات الأجسام التي ج ، ط

(٦) هو : ساقطة من ب ، ص ، م

(٧) ومن : من ج ، ص

(٨) الموجود : الوجود ب ، ج ، م

(٩) متعلق : يتعلق ب ، ج ؛ ساقطة من م

(١٠) فأما : وأما ج

(١١) المحسوسات : + كلها م

(١٢) فبين ...... بالمحسوسات : ساقطة من م

(١٣) الوجود : الموجود ب ، م.

١٢

بما هو واحد ، والكثير بما هو كثير ، والموافق والمخالف ، والضد وغير ذلك ، فبعضها يستعملها استعمالا فقط ، وبعضها إنما (١) يأخذ حدودها ، ولا يتكلم في نحو وجودها. وليست عوارض خاصة لشيء من موضوعات هذه العلوم الجزئية ، وليست من الأمور التي يكون وجودها إلا وجود الصفات للذوات ولا أيضا هي من الصفات التي تكون لكل شيء. فيكون كل واحد منها مشتركا لكل شيء ولا يجوز أن يختص (٢) أيضا مقولة ولا يمكن أن يكون من عوارض (٣) شيء (٤) إلا الموجود بما هو موجود (٥).

فظاهر (٦) لك من هذه الجملة أن الموجود بما هو موجود أمر مشترك لجميع هذه ، وأنه (٧) يجب أن يجعل الموضوع لهذه الصناعة لما (٨) قلنا. ولأنه غني عن تعلم ماهيته وعن إثباته ، حتى يحتاج إلى أن يتكفل علم غير هذا العلم بإيضاح (٩) الحال فيه لاستحالة أن يكون إثبات الموضوع وتحقيق ماهيته في العلم (١٠) الذي هو موضوعه بل تسليم إنيته وماهيته فقط. فالموضوع الأول لهذا العلم هو الموجود بما هو موجود ، ومطالبة الأمور التي تلحقه بما هو موجود من غير شرط.

وبعض هذه أمور (١١) هي له كالأنواع : كالجوهر والكم والكيف ، فإنه ليس يحتاج الموجود في أن ينقسم إليها ، إلى انقسام قبلها ، حاجة الجوهر إلى انقسامات ، حتى يلزمه الانقسام إلى الإنسان وغير الإنسان. وبعض هذه كالعوارض الخاصة ، مثل الواحد والكثير ، والقوة والفعل ، والكلي والجزئي ، والممكن والواجب ، فإنه ليس يحتاج الموجود في قبول هذه الأعراض والاستعداد لها إلى أن يتخصص طبيعيا أو تعليميا أو خلقيا أو غير ذلك.

__________________

(١) إنما : + هى ج ، ص ، ط

(٢) يخص : يخصص ص

(٣) عوارض : + مخصوصة ط

(٤) شىء : بشيء ج ، ط

(٥) موجود : الموجود ط

(٦) فظاهر : فظهر ج ، ص ، طا

(٧) وأنه : فإنه ج

(٨) لما : كما ط

(٩) بإيضاح : إيضاح م

(١٠) فى العلم : للعلم ب ، م

(١١) أمور : الأمور ج ، ص ، ط.

١٣

ولقائل أن يقول ، إنه إذا جعل الموجود هو الموضوع لهذا العلم لم يجز أن يكون إثبات مبادئ الموجودات فيه ، لأن البحث في كل علم هو عن لواحق (١) موضوعه لا عن مبادئه. فالجواب عن هذا أن النظر في المبادئ أيضا (٢) هو بحث عن عوارض (٣) هذا الموضوع ، لأن الموجود كونه مبدأ غير مقوم له ولا ممتنع فيه ، بل هو بالقياس إلى طبيعة الموجود أمر عارض له ، ومن العوارض (٤) الخاصة (٥) به. لأنه ليس شيء (٦) أعم من الموجود ، فيلحق غيره لحوقا أوليا. ولا أيضا يحتاج الموجود إلى أن يصير طبيعيا أو تعليميا أو شيئا آخر (٧) حتى يعرض له أن يكون مبدأ. ثم المبدأ ليس مبدأ للموجود (٨) كله ، ولو كان مبدأ للموجود كله لكان مبدأ لنفسه ، بل الموجود كله لا مبدأ له ، إنما المبدأ مبدأ للموجود المعلول.

فالمبدأ هو مبدأ لبعض الموجود. فلا يكون هذا العلم يبحث عن مبادئ الموجود مطلقا ، بل إنما يبحث عن مبادئ بعض ما فيه كسائر العلوم الجزئية ، فإنها وإن كانت لا تبرهن على (٩) وجود مبادئها المشتركة ، إذ لها مبادئ يشترك فيها جميع ما ينحوه كل واحد منها ، فإنها تبرهن على وجود ما هو مبدأ لما بعدها من الأمور التي فيها (١٠).

ويلزم هذا العلم أن ينقسم ضرورة إلى أجزاء منها : ما (١١) يبحث عن الأسباب القصوى ، فإنها الأسباب لكل موجود معلول من جهة وجوده ، ويبحث عن السبب الأول الذي يفيض عنه كل موجود معلول بما هو موجود معلول (١٢) لا بما هو موجود متحرك فقط (١٣) أو متكمم فقط. ومنها ما يبحث عن العوارض للموجود. ومنها ما يبحث عن مبادئ العلوم الجزئية. ولأن مبادئ كل علم

__________________

(١) لواحق : لوازم ب ، م

(٢) أيضا : ساقطة من ب

(٣) عوارض : لواحق ص ، ط

(٤) العوارض : اللواحق ب ، ج ، ص ، م

(٥) الخاصة : الخاصية ج

(٦) شىء : ساقطة من م.

(٧) شيئا اخر : أشياء أخر ط

(٨) للموجود ... للموجود : للوجود كله ولو كان مبدأ للوجود م

(٩) على : ساقطة من م. (١٠) فيها : فيه ج ، ص ، ط ، م

(١١) ما : ساقطة من م. (١٢) بما هو موجود معلول : بما هو وجود معلول م

(١٣) متحرك فقط : متحرك ب.

١٤

أخص هي مسائل في العلم الأعلى ، مثل مبادئ الطب في الطبيعي ، والمساحي في الهندسة ، فيعرض إذن (١) في هذا العلم أن يتضح فيه مبادئ العلوم الجزئية التي تبحث عن أحوال الجزئيات (٢) الموجودة (٣). فهذا العلم يبحث عن أحوال الموجود ، والأمور التي هي له كالأقسام والأنواع ، حتى يبلغ إلى تخصيص يحدث معه موضوع العلم الطبيعي فيسلمه إليه ، وتخصيص يحدث معه موضوع الرياضي فيسلمه إليه ، وكذلك في غير ذلك. وما قبل ذلك التخصيص كالمبدإ (٤) ، فنبحث عنه ونقرر حاله. فتكون إذن مسائل هذا العلم في أسباب الموجود المعلول بما هو موجود معلول ، وبعضها في عوارض الموجود ، وبعضها في مبادئ العلوم الجزئية.

فهذا هو العلم المطلوب في هذه الصناعة وهو الفلسفة الأولى ، لأنه العلم بأول الأمور في الوجود ، وهو (٥) العلة الأولى وأول الأمور في العموم ، وهو الوجود والوحدة. وهو أيضا الحكمة التي هي أفضل علم بأفضل معلوم ، فإنها أفضل (٦) علم أي اليقين ، بأفضل المعلوم أي بالله تعالى وبالأسباب (٧) من بعده. وهو أيضا معرفة الأسباب القصوى للكل. وهو أيضا المعرفة بالله (٨) ، وله حد العلم الإلهي الذي هو أنه علم بالأمور المفارقة (٩) للمادة في الحد والوجود. إذ الموجود بما هو موجود ومبادئه وعوارضه ليس شيء منها ، كما اتضح ، إلا متقدم الوجود (١٠) على المادة وغير متعلق الوجود بوجودها. وإن بحث في هذا العلم عما لا يتقدم المادة ، فإنما يبحث فيه عن معنى. ذلك المعنى غير محتاج الوجود إلى المادة ، بل الأمور المبحوث عنها فيه هي على (١١) أقسام أربعة : فبعضها بريئة عن المادة وعلائق

__________________

(١) إذن : ساقطة من ب ، ص ، م

(٢) الجزئيات : جزئيات ص ، م

(٣) الموجودة : الموجود ص ، م

(٤) كالمبدإ : وكالمبدإ ب ، م ؛ فكالمبدإ ط

(٥) الوجود وهو : الموجود وهو ط

(٦) علم ... أفضل : ساقطة من م

(٧) وبالأسباب : والأسباب م

(٨) بالله : + تعالى ج

(٩) المفارقة : والمفارقة ط

(١٠) متقدم الوجود : متقدما ص ، م

(١١) على : ساقطة من ج ، ص ، ط ، م.

١٥

المادة (١) أصلا. وبعضها يخالط المادة ، ولكن مخالطة السبب المقوم المتقدم وليست المادة بمقومة له. وبعضها قد يوجد في المادة وقد يوجد لا في مادة مثل العلية والوحدة ، فيكون الذي لها بالشركة بما هي هي أن لا تكون مفتقرة التحقق إلى وجود المادة ، وتشترك هذه الجملة أيضا في أنها غير مادية الوجود أي غير مستفادة الوجود من المادة. وبعضها أمور مادية ، كالحركة والسكون ، ولكن ليس المبحوث عنه في هذا العلم حالها في المادة ، بل نحو الموجود الذي لها. فإذا أخذ هذا القسم مع الأقسام الأخرى اشتركت في أن نحو البحث عنها هو من جهة معنى غير (٢) قائم الوجود بالمادة.

وكما أن العلوم الرياضية قد كان يوضع فيها ما هو متحدد بالمادة ، لكن نحو النظر والبحث عنه كان من جهة معنى غير متحدد بالمادة ، وكان لا يخرجه تعلق ما يبحث عنه بالمادة عن أن يكون البحث رياضيا ، كذلك الحال هاهنا. فقد ظهر ولاح أن الغرض في هذا العلم (٣) أي شيء هو.

وهذا العلم يشارك الجدل والسفسطة (٤) من وجه ، ويخالفهما من وجه ، ويخالف كل واحد منهما من وجه (٥). أما مشاركتهما فلأن ما يبحث عنه في هذا العلم لا يتكلم فيه صاحب علم جزئي ، ويتكلم فيه الجدلي والسوفسطائي. وأما المخالفة فلأن الفيلسوف الأول من حيث هو فيلسوف أول لا يتكلم في مسائل العلوم الجزئية وذانك (٦) يتكلمان. وأما مخالفته للجدل خاصة بالقوة ، لأن الكلام الجدلي يفيد الظن لا اليقين كما علمت في صناعة المنطق. وأما مخالفة (٧) السوفسطائية (٨) فبالإرادة ، وذلك لأن هذا يريد الحق نفسه ، وذلك يريد أن يظن به أنه حكيم يقول الحق وإن لم يكن حكيما.

__________________

(١) مادة : المادة ط

(٢) غير : عن م

(٣) فى هذا العلم : هذا العلم ب ؛ ساقطة من ط

(٤) والسفسطة : والسوفسطائية ج ؛ والسوفسطيقية ص ، م ؛ والسوفسطية ط

(٥) « ويخالف .... وجه » : ساقطة من م

(٦) وذانك : وذينك ص ، ط ، م

(٧) مخالفة : مخالفته ب ، ج ، ص ، ط

(٨) السوفسطائية : للسوفسطيقية ب ، السوفسطية ط ؛ السوفسطيقية م.

١٦

[ الفصل الثالث ]

( ج ) فصل

في منفعة هذا العلم ومرتبته واسمه

وأما منفعة هذا العلم ، فيجب أن تكون قد وقفت في العلوم التي قبل هذا على أن الفرق بين النافع وبين الخير ما هو ، وأن الفرق بين الضار وبين الشر ما هو ، وأن النافع هو السبب الموصل بذاته إلى الخير ، والمنفعة هي المعنى الذي يوصل به من الشر (١) إلى الخير.

وإذ قد (٢) تقرر هذا فقد علمت أن العلوم كلها تشترك في منفعة واحدة وهي : تحصيل كمال النفس الإنسانية بالفعل مهيئة إياها للسعادة الأخروية. ولكنه (٣) إذا (٤) فتش في رءوس الكتب عن منفعة العلوم لم يكن القصد متجها إلى هذا المعنى ، بل إلى معونة بعضها في بعض ، حتى تكون منفعة علم ما هي (٥) معنى يتوصل (٦) منه إلى تحقق علم (٧) آخر غيره.

وإذا كانت المنفعة بهذا المعنى فقد (٨) يقال قولا مطلقا (٩) ، وقد يقال قولا مخصصا. فأما المطلق فهو أن يكون النافع موصلا إلى تحقيق (١٠) علم آخر كيف كان ، وأما المخصص فأن يكون النافع موصلا إلى ما هو أجل منه ، وهو كالغاية له إذ هو لأجله بغير انعكاس. فإذا أخذنا المنفعة بالمعنى المطلق كان (١١) لهذا العلم منفعة (١٢).

__________________

(١) الشر : الشىء طا

(٢) وإذ قد : وإذا ج ، م

(٣) ولكنه : لكنه ص ، م

(٤) اذا : انه اذا ج

(٥) هى : هو ب ، ص ، ط

(٦) يتوصل : يوصل م

(٧) تحقق علم : تحقيق معنى ص

(٨) فقد : قد م

(٩) مطلقا : + وقد يقال قولا مطلقا ط

(١٠) تحقيق : تحقق م

(١١) كان : كانت ط. (١٢) المطلق ...... منفعة : ساقطة من م

١٧

وإذا (١) أخذنا المنفعة بالمعنى (٢) المخصص كان هذا العلم أجل من أن ينفع في علم غيره ، بل سائر العلوم تنفع فيه.

لكنا إذا قسمنا المنفعة المطلقة إلى أقسامها كانت ثلاثة أقسام : قسم يكون الموصل منه موصلا إلى معنى أجل منه ، وقسم يكون الموصل منه موصلا إلى معنى مساو له ، وقسم يكون الموصل منه موصلا إلى معنى دونه (٣) ، وهو أن يفيد في كمال دون ذاته. وهذا إذا طلب له اسم خاص كان الأولى به الإفاضة ، والإفادة ، والعناية ، والرئاسة ، أو شيء مما يشبه هذا إذا استقريت الألفاظ الصالحة في هذا الباب عثرت (٤) عليه.

والمنفعة المخصصة (٥) قريبة من الخدمة. وأما الإفادة التي تحصل من الأشرف في الأخس فليس تشبه الخدمة. وأنت تعلم أن الخادم ينفع المخدوم ، والمخدوم أيضا ينفع الخادم (٦) ، أعني المنفعة إذا أخذت مطلقة ويكون نوع كل منفعة ووجهه (٧) الخاص نوعا آخر ، فمنفعة هذا العلم الذي (٨) بينا وجهها هي إفادة اليقين بمبادئ العلوم الجزئية ، والتحقق (٩) لماهية الأمور المشترك (١٠) فيها ، وإن لم تكن مبادئ.

فهذا إذن منفعة الرئيس للمرءوس ، والمخدوم للخادم ، إذ نسبة هذا العلم إلى العلوم الجزئية نسبة الشيء الذي هو المقصود معرفته في هذا العلم إلى الأشياء المقصود (١١) معرفتها في تلك العلوم. فكما أن ذلك مبدأ لوجود تلك ، فكذلك العلم به مبدأ لتحقق العلم بتلك.

__________________

(١) وإذا .. بالمعنى : ساقطة من م

(٢) بالمعنى : بالوجه ب ، ص ، ط

(٣) أجل منه ... إلى معنى دونه : ساقطة من م

(٤) أجل منه ... إلى معنى دونه : ساقطة من م

(٥) عثرت : عثرب ، ج ، ص ، ط ، م

(٦) المخصصة : المخصوصة ج

(٧) ووجهه : وجهة م

(٨) الذي : التي ب ، ص ، ط

(٩) والتحقق : والتحقيق ج ، ص ، ط

(١٠) المشترك : المشتركة ج ؛ المشتركة ص ، ط ، طا ، م

(١١) المقصود : المقصودة ج ، ص ، ط.

١٨

وأما مرتبة هذا العلم فهي (١) أن يتعلم بعد العلوم الطبيعية والرياضية.

أما الطبيعية ، فلأن كثيرا من الأمور المسلمة في هذا مما تبين (٢) في علم (٣) الطبيعي مثل : الكون ، والفساد ، والتغير ، والمكان ، والزمان وتعلق كل متحرك بمحرك ، وانتهاء المتحركات إلى محرك أول ، وغير ذلك.

وأما الرياضية ، فلأن الغرض الأقصى في هذا العلم وهو (٤) معرفة تدبير الباري تعالى ، ومعرفة الملائكة الروحانية وطبقاتها ، ومعرفة النظام في ترتيب الأفلاك ، ليس (٥) يمكن أن يتوصل إلا بعلم الهيئة ، وعلم الهيئة لا يتوصل إليه إلا بعلم الحساب والهندسة. وأما الموسيقى وجزئيات الرياضيات والخلقيات والسياسة (٦) فهي نوافع غير ضرورية في هذا العلم.

إلا أن لسائل أن يسأل فيقول : إنه إذا كانت المبادئ في علم (٧) الطبيعة والتعاليم إنما تبرهن في هذا العلم وكانت (٨) مسائل العلمين تبرهن بالمبادئ ، وكانت مسائل ذينك العلمين تصير مبادئ لهذا العلم ، كان ذلك بيانا دوريا ويصير آخر الأمر بيانا للشيء من نفسه ، والذي يجب أن يقال في حل هذه الشبهة هو ما قد قيل وشرح في كتاب البرهان. وإنما نورد منه مقدار الكفاية في هذا الموضع فنقول :

إن المبدأ للعلم ليس إنما يكون مبدأ لأن جميع المسائل تستند في براهينها إليه بفعل أو بقوة ، بل ربما كان المبدأ مأخوذا في (٩) براهين بعض هذه (١٠) المسائل ، ثم قد يجوز أن تكون في العلوم مسائل براهينها لا تستعمل وصفا البتة ، بل إنما

__________________

(١) فهى : فهو ب ، ج ، ط ، م

(٢) تبين : يتبين ص ، م

(٣) علم : العلم ص ، م

(٤) وهو : هو ج ؛ هو هو ط

(٥) ليس : فليس ج ؛ وليس ص ، ط

(٦) والسياسة :

والسياسية ح ، ط

(٧) علم : العلم ج

(٨) وكانت : وقد كانت ط

(٩) فى : + جميع ط

(١٠) هذه : ساقطة من ب.

١٩

تستعمل المقدمات التي لا برهان (١) عليها. على أنه إنما يكون مبدأ العلم مبدأ بالحقيقة إذا كان يفيد أخذه اليقين (٢) المكتسب من العلة ، وأما إذا كان ليس يفيد العلة ، فإنما يقال له مبدأ العلم على نحو آخر. وبالحري أن يقال له مبدأ على حسب ما يقال للحس مبدأ ، من جهة أن الحس بما هو حس يفيد الوجود فقط.

فقد ارتفع إذن الشك ، فإن المبدأ الطبيعي (٣) يجوز أن يكون بينا بنفسه ، ويجوز أن يكون بيانه في الفلسفة الأولى بما ليس يتبين به فيها (٤) بعد ، ولكن (٥) إنما تتبين به فيها مسائل أخرى حتى يكون ما هو مقدمة في العلم الأعلى لإنتاج ذلك المبدأ لا يتعرض له في إنتاجه من ذلك المبدأ ، بل له مقدمة (٦) أخرى.

وقد يجوز أن يكون العلم الطبيعي أو الرياضي أفادنا برهان « إن » وإن (٧) لم يفدنا فيه برهان « اللم » ثم (٨) يفيدنا هذا العلم فيه برهان « لم » خصوصا (٩) في العلل الغائية البعيدة.

فقد (١٠) اتضح أنه إما أن يكون ما هو مبدأ بوجه ما لهذا العلم من المسائل التي في العلوم الطبيعية ليس بيانه من (١١) مبادئ تتبين في هذا العلم ، بل من مبادئ بينة بنفسها ، وإما أن يكون بيانه من مبادئ هي مسائل في هذا العلم ، لكن (١٢) ليس تعود فتصير مبادئ لتلك المسائل لعينها بل لمسائل أخرى ، وإما أن تكون تلك المبادئ لأمور من هذا العلم لتدل على وجود ما يراد أن نبين في هذا العلم لميته. ومعلوم أن هذا الأمر إذا كان على هذا الوجه لم يكن بيان دور البتة ، حتى يكون بيانا يرجع إلى أخذ الشيء في بيان نفسه.

__________________

(١) برهان : براهين م

(٢) اليقين : باليقين ص ؛ ليغير ط

(٣) الطبيعى : للطبيعى م

(٤) فيها : فيما ج ، ص ، ط ،

(٥) ولكن : لكن م

(٦) له مقدمة : بمقدمة ص ؛ لمقدمة م

(٧) وإن : ساقطة من م

(٨) ثم : + لم م

(٩) خصوصا : وخصوصا ج ، ص ، ط ، م

(١٠) فقد : وقد ج ، ط

(١١) من : فى ج ، ط ، طا. (١٢) لكن : ولكن ص.

٢٠

ويجب أن تعلم أن في نفس الأمر (١) طريقا إلى (٢) أن يكون الغرض من هذا العلم تحصيل (٣) مبدإ (٤) إلا (٥) بعد علم آخر. فإنه سيتضح لك فيما (٦) بعد إشارة إلى أن لنا سبيلا إلى إثبات المبدإ الأول لا من طريق الاستدلال من الأمور (٧) المحسوسة ، بل من طريق مقدمات كلية عقلية توجب للوجود (٨) مبدأ واجب الوجود وتمنع (٩) أن يكون متغيرا أو متكثرا في جهة ، وتوجب أن يكون هو مبدأ للكل ، وأن يكون الكل يجب عنه على ترتيب الكل. لكنا لعجز أنفسنا لا نقوي على سلوك ذلك الطريق البرهاني الذي هو سلوك عن المبادئ إلى الثواني (١٠) ، وعن العلة إلى المعلول ، إلا في بعض جمل مراتب الموجودات منها دون التفصيل.

فإذن من حق هذا العلم في نفسه أن يكون مقدما على العلوم كلها ، إلا أنه من جهتنا يتأخر عن العلوم كلها ، فقد تكلمنا على مرتبة هذا العلم من جملة العلوم.

وأما اسم هذا العلم فهو أنه : « ما بعد (١١) الطبيعة ». ويعني بالطبيعة لا القوة (١٢) التي هي مبدأ حركة وسكون ، بل جملة الشيء الحادث عن المادة الجسمانية وتلك القوة والأعراض.

فقد قيل إنه قد يقال : الطبيعة (١٣) ، للجرم الطبيعي الذي له الطبيعة. والجرم الطبيعي هو الجرم المحسوس بما له من الخواص والأعراض. ومعنى « ما بعد الطبيعة » بعدية بالقياس إلينا. فإن (١٤) أول ما نشاهد الوجود ، ونتعرف عن أحواله

__________________

(١) الأمر : الأمور ب ، ط ، م

(٢) إلى : فى ب

(٣) تحصيل : تحصل م

(٤) مبدأ : مبتدأ م

(٥) إلا : لا ص ، م

(٦) فيما : مما ط

(٧) من الأمور : عن الأمور م

(٨) للوجود : الوجود ج ، ط ؛ الموجود ص

(٩) وتمنع : تمتنع ط ، م

(١٠) الثوانى : التوالى م

(١١) ما بعد : فيما بعد بخ ، ج ، ص ، م

(١٢) لا القوة : القوة ب ؛ لا القوة القوة ج ، ص ، ط

(١٣) الطبيعة : طبيعة م. (١٤) فإن : فإنا ب ، ص ، م.

٢١

نشاهد هذا الوجود الطبيعي. وأما الذي يستحق أن يسمى به هذا العلم إذا اعتبر بذاته ، فهو أن يقال له علم « ما قبل الطبيعة » ، لأن الأمور المبحوث عنها في هذا العلم ، هي بالذات وبالعموم (١) ، قبل الطبيعة.

ولكنه (٢) لقائل أن يقول : إن الأمور الرياضية المحضة التي ينظر فيها في الحساب (٣) والهندسة ، هي أيضا « قبل الطبيعة » ، وخصوصا العدد فإنه لا تعلق لوجوده بالطبيعة البتة ، لأنه قد يوجد (٤) لا في الطبيعة ، فيجب أن يكون علم الحساب والهندسة علم « ما قبل الطبيعة » (٥).

فالذي (٦) يجب أن يقال (٧) في هذا التشكيك هو أنه : أما الهندسة فما كان (٨) النظر فيه منها (٩) إنما هو في الخطوط والسطوح والمجسمات. فمعلوم أن موضوعه غير مفارق للطبيعة في القوام ، فالأعراض (١٠) اللازمة له أولى بذلك. وما كان موضوعه المقدار المطلق فيؤخذ فيه المقدار المطلق على أنه مستعد لأية نسبة اتفقت ، وذلك ليس للمقدار بما هو مبدأ للطبيعيات وصورة ، بل (١١) بما هو مقدار وعرض. وقد عرف (١٢) في شرحنا للمنطقيات والطبيعيات الفرق بين المقدار الذي هو يعد الهيولى مطلقا ، وبين المقدار الذي هو كم ، وأن اسم المقدار يقع عليهما بالاشتراك (١٣). وإذا كان (١٤) كذلك فليس موضوع الهندسة بالحقيقة هو (١٥) المقدار المعلوم (١٦) المقوم للجسم الطبيعي ، بل المقدار المقول على الخط والسطح والجسم (١٧). وهذا هو المستعد للنسب المختلفة.

__________________

(١) وبالعموم : أو بالعموم م

(٢) ولكنه : ولكن م

(٣) فى الحساب : بالحساب م

(٤) يوجد : + أيضا ص ، م

(٥) ما قبل الطبيعة : ما بعد الطبيعة ص ، م

(٦) فالذى : والذي ص

(٧) يقال : فقوله ص ، م

(٨) كان : ساقطة من م

(٩) فيه منها : فيها هاهنا ج ، ط

(١٠) فالأعراض : والأعراض ص. (١١) بل : + هو ص ؛ بما : ساقطة من م

(١٢) عرف : عرفت ص. (١٣) بالاشتراك : باشتراك ب ، ج ، م

(١٤) وإذا : فإذا م. (١٥) هو : ساقطة من ط

(١٦) المعلوم : ساقطة من ص ، م. (١٧) والجسم : والجثة ب ، ص ، ط ، طا ، م.

٢٢

وأما العدد فالشبهة فيه آكد ، ويشبه في ظاهر النظر أن يكون علم العدد هو علم « ما (١) بعد الطبيعة ». إلا أن يكون علم « ما بعد الطبيعة » إنما يعني به شيء آخر ، وهو علم « ما هو مباين » من كل الوجوه للطبيعة ، فيكون قد سمي هذا العلم بأشرف ما فيه. كما يسمى هذا العلم بالعلم الإلهي أيضا ، لأن المعرفة بالله تعالى هي (٢) غاية هذا العلم. وكثيرا ما تسمى الأشياء من جهة المعنى الأشرف ، والجزء الأشرف ، والجزء الذي هو كالغاية. فيكون كأن هذا العلم هو العلم الذي كماله ، وأشرف أجزائه ، ومقصوده الأول ، هو معرفة ما يفارق الطبيعة من كل وجه. وحينئذ (٣) إذا كانت التسمية موضوعة بإزاء هذا المعنى لا يكون لعلم العدد مشاركة له (٤) في معنى هذا الاسم ، فهذا هذا (٥).

ولكن البيان المحقق لكون علم الحساب خارجا عن علم « ما بعد الطبيعة » هو أنه سيظهر لك أن موضوعه ليس هو العدد من كل وجه ، فإن العدد قد يوجد في الأمور المفارقة ، وقد يوجد في الأمور الطبيعية ، وقد يعرض له وضع في الوهم مجردا عن كل شيء هو عارض له. وإن كان لا يمكن أن يكون العدد موجودا ، إلا عارضا لشيء في الوجود. فما كان من العدد وجوده في الأمور المفارقة ، امتنع أن يكون موضوعا لأية نسبة اتفقت من الزيادة والنقصان ، بل إنما يثبت على ما هو عليه فقط ، بل إنما يجب (٦) أن يوضع بحيث يكون قابلا لأي زيادة اتفقت ، ولأي نسبة اتفقت إذا كان في هيولى الأجسام التي هي (٧) بالقوة كل (٨) نحو من المعدودات ، أو كان في الوهم ، وفي الحالين جميعا هو غير مفارق

__________________

(١) ما : يما ج ، ص

(٢) هى : هو ب ، ج ، ط ، م

(٣) وحينئذ : فحينئذ ج ، ص ، م

(٤) له : ساقطة من ب

(٥) فهذا هذا : فهذا ب ، ط ، م ؛ هذا ص

(٦) يجب : يجوز م

(٧) هى : الذي هو ب ، ج ، ط ، م

(٨) كل : ساقطة من ط.

٢٣

للطبيعة ، فإذن علم الحساب من حيث ينظر في العدد إنما ينظر فيه وقد حصل له الاعتبار الذي إنما يكون له عند كونه في الطبيعة ، ويشبه أن يكون أول نظره فيه وهو في الوهم ، ويكون إنما هو في الوهم بهذه الصفة ، لأنه وهم له مأخوذ من (١) أحوال طبيعية (٢) لها أن تجتمع وتفترق (٣) وتتحد (٤) وتنقسم.

فالحساب ليس نظرا في ذات العدد ، ولا نظرا في عوارض العدد من حيث هو (٥) عدد مطلقا ، بل في عوارضه من حيث هو يصير بحال تقبل ما أشير إليه ، وهو حينئذ مادي أو وهمي إنساني يستند إلى المادة.

وأما النظر في ذات العدد ، وفيما يعرض له من حيث لا يتعلق بالمادة ولا يستند إليها ، فهو لهذا العلم.

__________________

(١) من : عن ص

(٢) طبيعية : الطبيعة ح ، ط ، طا ، م ؛ طبيعة ص

(٣) وتفترق : وتنفرق ج ، ط

(٤) وتتحد : وتتحدد ج ، ص ، ط

(٥) هو : ساقطة من م.

٢٤

[ الفصل الرابع ]

( د ) فصل

في جملة ما يتكلم فيه في هذا العلم (١)

فينبغي لنا في هذه الصناعة أن نعرف حال نسبة الشيء والموجود إلى المقولات (٢) ، وحال العدم ، وحال الوجوب ، أي (٣) الوجود (٤) الضروري وشرائطه ، وحال الإمكان وحقيقته ، وهو بعينه النظر في القوة والفعل ، وأن ننظر (٥) في حال الذي بالذات والذي بالعرض ، وفي الحق والباطل ، وفي حال الجوهر ، وكم أقسام (٦) هو ، لأنه ليس يحتاج الموجود في أن يكون جوهرا موجودا (٧) إلى أن يصير طبيعيا أو تعليميا ، فإن هاهنا جواهر خارجة عنهما ، فيجب أن نعرف حال الجوهر الذي هو كالهيولى ، وأنه كيف هو ، وهل هو مفارق أو غير مفارق ، ومتفق النوع أو مختلف ، وما نسبته إلى الصورة (٨) ، وأن الجوهر الصوري كيف هو ، وهل هو أيضا مفارق أو ليس بمفارق (٩) ، وما حال المركب ، وكيف حال كل واحد منهما عند الحدود ، وكيف مناسبة ما بين الحدود والمحدودات.

ولأن مقابل الجوهر بنوع (١٠) ما هو العرض ، فينبغي أن نتعرف في هذا العلم طبيعة العرض ، وأصنافه ، وكيفية الحدود التي تحد بها الأعراض ، ونتعرف حال مقولة مقولة من الأعراض ، وما أمكن فيه أن يظن أنه جوهر وليس

__________________

(١) العلم : + فهرست لعناوين الفصول م

(٢) المقولات : المعقولات ج ، ط

(٣) أى : فى ج ، ص ، ط ، م

(٤) الوجود : الموجود ج ، ط

(٥) تنظر : نظر ط.

(٦) أقسام : أقساما م

(٧) موجودا : ساقطة من م

(٨) الصورة : الصور م.

(٩) ليس بمفارق : غير مفارق ج ، ط ، م

(١٠) بنوع : نوع م.

٢٥

بجوهر ، فنبين (١) عرضيته ، ونعرف مراتب الجواهر كلها بعضها عند بعض في الوجود بحسب التقدم والتأخر ، ونعرف كذلك (٢) حال الأعراض.

ويليق بهذا الموضع أن نتعرف حال الكلي والجزئي ، والكل والجزء ، وكيف وجود الطبائع الكلية ، وهل لها وجود في الأعيان الجزئية ، وكيف وجودها في النفس ، وهل لها وجود مفارق للأعيان والنفس (٣).

وهنالك نتعرف حال الجنس والنوع ، وما يجري مجراهما ، ولأن الموجود لا يحتاج في كونه علة أو معلولا إلى (٤) أن يكون طبيعيا أو تعليميا أو غير ذلك. فبالحري أن نتبع ذلك الكلام في العلل ، وأجناسها ، وأحوالها ، وأنها كيف ينبغي أن تكون الحال بينها وبين المعلولات ، وفي تعريف الفرقان بين المبدإ الفاعلي ، وبين غيره. وأن نتكلم في الفعل والانفعال. وفي تعريف الفرقان بين الصورة (٥) والغاية ، وإثبات كل واحد منهما ، وأنهما (٦) في كل طبقة يذهب إلى علة أولى.

ونبين الكلام في المبدإ والابتداء ، ثم الكلام في التقدم والتأخر والحدوث ، وأصناف ذلك ، وأنواعه ، وخصوصية كل نوع منه ، وما يكون متقدما في الطبيعة ومتقدما عند العقل ، وتحقيق (٧) الأشياء المتقدمة عند العقل ، ووجه مخاطبة من أنكرها ، فما كان فيه من هذه الأشياء رأي مشهور مخالف للحق نقضناه.

فهذه وما يجري مجراها لواحق الوجود بما هو وجود ، ولأن الواحد (٨) مساوق (٩) للوجود فيلزمنا (١٠) أن ننظر أيضا في الواحد ، وإذا نظرنا في الواحد وجب أن ننظر في الكثير ، ونعرف التقابل بينهما.

__________________

(١) فنبين : فنتبين ج ، ط

(٢) كذلك : كيف طا

(٣) والنفس : وللنفس م.

(٤) الى : إلا ج ، ط

(٥) الصورة : + وبين ج ، م

(٦) وأنهما : وأنها ب ، ص ، م.

(٧) وتحقيق : وفى تحقيق ج ، ط

(٨) الواحد : الوحدة ط ، طا.

(٩) مساوق : مساو م.

(١٠) فيلزمنا : + أيضا ط.

٢٦

وهناك يجب أن ننظر في العدد ، وما نسبته إلى الموجودات ، وما نسبة الكم المتصل ، الذي يقابله بوجه ما ، إلى الموجودات (١) ، ونعد الآراء الباطلة كلها فيه ، ونعرف أنه ليس شيء من ذلك مفارقا ولا مبدأ للموجودات (٢) ، ونثبت العوارض التي تعرض للأعداد ، والكميات المتصلة ، مثل الأشكال وغيرها. ومن توابع الواحد : الشبيه ، والمساوي ، والموافق ، والمجانس ، والمشاكل ، والمماثل ، والهو هو. فيجب أن نتكلم في كل واحد من هذه ومقابلاتها ، وأنها (٣) مناسبة للكثرة مثل الغير الشبيه ، وغير المساوي (٤) ، وغير المجانس ، وغير المشاكل ، والغير بالجملة ، والخلاف ، والتقابل ، وأصنافها ، والتضاد بالحقيقة ، وماهيته.

ثم بعد ذلك ننتقل إلى مبادئ الموجودات فنثبت المبدأ الأول وأنه واحد حق في غاية الجلالة ، ونعرف أنه من كم وجه « واحد » ، ومن كم وجه « حق » (٥) ، وأنه كيف يعلم كل شيء ، وكيف هو قادر على كل شيء ، وما معنى أنه يعلم وأنه يقدر ، وأنه جواد ، وأنه سلام أي خير محض ، معشوق لذاته ، وهو اللذيذ الحق ، وعنده الجمال الحق ، ونفسخ ما قيل وظن فيه من الآراء المضادة للحق ، ثم نبين كيف نسبته إلى الموجودات عنه (٦) ، وما أول الأشياء التي توجد عنه.

ثم كيف تترتب عنه الموجودات (٧) مبتدئة من الجواهر الملكية العقلية ، ثم الجواهر الملكية النفسانية ، ثم الجواهر الفلكية (٨) السماوية ، ثم هذه العناصر ، ثم المكونات عنها. ثم الإنسان وكيف تعود إليه هذه الأشياء ، وكيف هو مبدأ

__________________

(١) وما نسبة الكم المتصل ... الموجودات : ساقطة من ب

(٢) للموجودات : الموجودات ط

(٣) وأنها : ولأنها ب ، ص ؛ فإنها ط

(٤) المساوى : + وغير الموافق ب

(٥) فى غاية ...... حق : ساقطة من م

(٦) الموجودات عنه : الموجودات م

(٧) الموجودات : + مترتبة م.

(٨) الفلكية : الملكية م.

٢٧

لها فاعلي ، وكيف هو (١) مبدأ لها كمالي ، وما ذا تكون حال النفس الإنسانية إذا انقطعت العلاقة بينها (٢) وبين الطبيعة ، وأي مرتبة تكون مرتبة وجودها.

وندل فيما بين ذلك على جلالة قدر النبوة ، ووجوب طاعتها ، وأنها واجبة من عند الله (٣) ، وعلى الأخلاق والأعمال التي تحتاج إليها النفوس الإنسانية مع الحكمة في أن يكون لها السعادة الأخروية. ونعرف أصناف السعادات.

فإذا بلغنا هذا المبلغ (٤) ختمنا كتابنا هذا ، والله المستعان به (٥) على ذلك (٦).

__________________

(١) هو : ساقطة من ط.

(٢) بينها : بينهما ج ، ط

(٣) الله : + تعالى ب ، ص

(٤) المبلغ : الموضع هامش ص ، م

(٥) به : ساقطة من ب

(٦) به على ذلك : ساقطة من م.

٢٨

[ الفصل الخامس ]

( هـ ) فصل

في الدلالة على الموجود والشيء وأقسامهما الأول ، بما يكون فيه

تنبيه على الغرض

فنقول : إن الموجود ، والشيء ، والضروري ، معانيها ترتسم في النفس ارتساما أوليا ، ليس ذلك (١) الارتسام مما يحتاج إلى (٢) أن يجلب بأشياء أعرف منها. فإنه كما أن في باب التصديق (٣) مبادئ أولية ، ويقع التصديق بها لذاتها ، ويكون التصديق بغيرها ، بسببها ، وإذا لم يخطر بالبال أو لم يفهم اللفظ الدال عليها ، لم يمكن التوصل إلى معرفة ما يعرف بها ، وإن لم يكن التعريف الذي يحاول إخطارها بالبال أو تفهيم ما يدل به عليها من الألفاظ محاولا لإفادة علم ليس في الغريزة ، بل منبها (٤) على تفهيم (٥) ما يريده القائل ويذهب إليه. وربما كان ذلك بأشياء هي في نفسها أخفى من المراد تعريفه ، لكنها لعلة ما وعبارة ما صارت أعرف. كذلك في التصورات أشياء هي مبادئ للتصور ، وهي متصورة لذواتها (٦) ، وإذا أريد أن يدل عليها لم يكن ذلك بالحقيقة تعريفا لمجهول (٧) ، بل تنبيها وإخطارا بالبال ، باسم أو بعلامة ، ربما (٨) كانت في نفسها أخفى منه (٩) ، لكنها لعلة ما وحال ما تكون أظهر دلالة.

فإذا استعملت تلك العلامة تنبهت النفس على إخطار ذلك المعنى بالبال ، من حيث أنه هو المراد لا غيره ، من غير أن تكون العلامة بالحقيقة معلمة

__________________

(١) ذلك : ساقطة من ط ، طا

(٢) إلى : ساقطة من ب ، م

(٣) التصديق : التصديقات ط

(٤) منبها : منتهيا ح

(٥) تفهيم : تفهم م

(٦) لذواتها : بذواتها ص

(٧) لمجهول : لمحمول بخ

(٨) ربما : وربما بخ

(٩) منه : منها ط.

٢٩

إياه. ولو كان كل تصور يحتاج إلى أن يسبقه تصور قبله لذهب الأمر في ذلك (١) إلى غير النهاية ، أو لدار.

وأولى الأشياء بأن تكون متصورة لأنفسها الأشياء العامة للأمور كلها ، كالموجود ، والشيء الواحد وغيره. ولهذا ليس يمكن أن يبين (٢) شيء منها ببيان لا دور فيه البتة ، أو ببيان شيء أعرف منها (٣). ولذلك من حاول أن يقوم فيها شيئا وقع في اضطراب ، كمن يقول : إن من حقيقة الموجود (٤) أن يكون فاعلا أو منفعلا ، وهذا إن كان ولا بد فمن أقسام الموجود ، والموجود أعرف من الفاعل والمنفعل. وجمهور الناس يتصورون حقيقة الموجود ولا يعرفون البتة أنه يجب أن يكون فاعلا أو منفعلا ، وأنا إلى هذه الغاية لم يتضح لي ذلك إلا بقياس لا غير ، فكيف يكون حال (٥) من يروم أن يعرف حال الشيء الظاهر بصفة له ، تحتاج إلى بيان حتى يثبت وجودها له؟ وكذلك قول من قال : إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر ، فإن « يصح » أخفى من « الشيء » و « الخبر » (٦) أخفى من « الشيء » ، فكيف يكون هذا تعريفا للشيء؟ وإنما تعرف الصحة ويعرف الخبر (٧) بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما أنه « شيء » أو أنه « أمر » أو أنه « ما » أو أنه « الذي » ، وجميع ذلك (٨) كالمرادفات لاسم الشيء ، فكيف يصح أن يعرف الشيء تعريفا حقيقيا بما لم يعرف إلا به؟ نعم ربما كان في ذلك وأمثاله تنبيه ما. وأما بالحقيقة فإنك إذا قلت إن الشيء هو ما يصح الخبر عنه ، تكون كأنك قلت : إن الشيء هو الشيء الذي يصح الخبر عنه ، لأن معنى « ما » و « الذي » و « الشيء » معنى واحد ، فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء.

__________________

(١) فى ذلك : ساقطة من ب

(٢) يبين : يتبين ص

(٣) منها : منه ط

(٤) الموجود :

الموجودات م

(٥) حال : ساقطة من م

(٦) والخبر : والجزء م

(٧) الخبر : الجزء م

(٨) ذلك : هذه طا.

٣٠

على أنا لا ننكر أن يقع بهذا أو ما يشبهه (١) ، مع (٢) فساد مأخذه ، تنبيه بوجه ما على الشيء ، ونقول : إن معنى الوجود ومعنى الشيء متصوران في الأنفس ، وهما معنيان. فالموجود (٣) والمثبت والمحصل أسماء مترادفة على معنى واحد ، ولا نشك في أن معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب.

والشيء وما يقوم مقامه قد يدل به على معنى آخر في اللغات كلها ، فإن لكل أمر حقيقة هو بها ما هو ، فالمثلث حقيقة أنه مثلث ، وللبياض حقيقة أنه بياض ، وذلك هو الذي ربما سميناه الوجود الخاص ، ولم نرد به معنى الوجود الإثباتي. فإن لفظ الوجود يدل به أيضا على معاني كثيرة ، منها الحقيقة التي عليها الشيء ، فكأنه ما عليه يكون الوجود الخاص للشيء.

ونرجع فنقول : إنه من البين أن لكل شيء حقيقة خاصة هي ماهيته ، ومعلوم أن حقيقة كل شيء الخاصة به غير الوجود الذي يرادف الإثبات ، وذلك لأنك إذا قلت : حقيقة كذا موجودة إما في الأعيان ، أو في الأنفس (٤) ، أو مطلقا يعمها (٥) جميعا ، كان لهذا معنى محصل مفهوم. ولو قلت : إن حقيقة كذا ، حقيقة كذا ، أو أن حقيقة كذا حقيقة ، لكان حشوا من الكلام غير مفيد. ولو قلت : إن حقيقة كذا شيء ، لكان أيضا قولا غير مفيد ما يجهل ، وأقل إفادة منه أن تقول : إن الحقيقة شيء ، إلا أن يعنى بالشيء ، الموجود ، كأنك قلت : إن حقيقة كذا حقيقة موجودة. وأما إذا قلت : حقيقة آشيء ما (٦) ، وحقيقة ب شيء آخر ، فإنما صح (٧) هذا وأفاد (٨). لأنك تضمر في نفسك أنه شيء آخر مخصوص مخالف

__________________

(١) يشبه : يشبه ط ، م

(٢) يقع ... مع : ساقطة من م

(٣) فالموجود : والموجود ب

(٤) الأنفس : النفس ب

(٥) يعمها : يعمهما ب ، ج ، ص ، ط

(٦) ما : ساقطة من ج

(٧) صح : يصح ص ، ط

(٨) وأفاد : فأفاد م.

٣١

لذلك الشيء الآخر ، كما لو قلت : إن حقيقة آوحقيقة ب حقيقة أخرى. ولو لا هذا الإضمار وهذا الاقتران جميعا لم يفد ، فالشيء يراد به هذا المعنى.

ولا يفارق لزوم معنى الوجود إياه البتة ، بل معنى الموجود يلزمه دائما ، لأنه يكون إما موجودا في الأعيان ، أو موجودا في الوهم والعقل ، فإن لم يكن كذا لم يكن شيئا.

وأن ما يقال : إن الشيء هو الذي يخبر عنه ، حق ، ثم الذي يقال ، مع هذا ، إن الشيء قد يكون معدوما على الإطلاق ، أمر يجب أن ينظر فيه. فإن عني بالمعدوم المعدوم في الأعيان ، جاز أن يكون كذلك ، فيجوز أن يكون الشيء ثابتا في الذهن معدوما في الأشياء (١) الخارجة. وإن عني غير ذلك كان باطلا ، ولم يكن عنه خبر البتة ، ولا كان معلوما إلا على أنه متصور في النفس فقط. فأما أن يكون متصورا في النفس صورة تشير إلى شيء خارج فكلا.

أما (٢) الخبر ، فلأن الخبر يكون دائما عن شيء متحقق في الذهن. والمعدوم المطلق لا يخبر عنه بالإيجاب ، وإذا أخبر عنه بالسلب أيضا فقد جعل له وجود بوجه ما في الذهن. لأن قولنا : « هو » (٣) ، يتضمن إشارة ، والإشارة إلى المعدوم ـ الذي لا صورة له بوجه من الوجوه في الذهن ـ محال. فكيف (٤) يوجب على المعدوم شيء؟

ومعنى قولنا : إن المعدوم « كذا » ، معناه أن وصف « كذا » حاصل للمعدوم ، ولا فرق بين الحاصل والموجود. فنكون كأنا قلنا : إن هذا الوصف

__________________

(١) الأشياء : الأعيان ط

(٢) أما : وأما ص

(٣) هو : ساقطة من ط

(٤) فكيف : وكيف ب ، م.

٣٢

موجود للمعدوم. بل نقول : إنه لا يخلو أن (١) ما يوصف به المعدوم ويحمل عليه إما أن يكون موجودا وحاصلا للمعدوم أو لا يكون موجودا حاصلا له ، فإن كان موجودا وحاصلا للمعدوم ، فلا يخلو إما أن يكون في نفسه موجودا أو معدوما ، فإن كان موجودا فيكون للمعدوم صفة موجودة ، وإذا كانت الصفة موجودة ، فالموصوف بها موجود لا محالة ، فالمعدوم موجود ، وهذا محال ، وإن كانت الصفة معدومة ، فكيف يكون المعدوم (٢) في نفسه موجودا لشيء؟ فإن ما لا يكون موجودا في نفسه ، يستحيل (٣) أن يكون موجودا للشيء.

نعم قد يكون الشيء موجودا في نفسه ولا يكون موجودا لشيء آخر ، فأما إن لم تكن (٤) الصفة موجودة للمعدوم فهي (٥) نفي الصفة عن المعدوم ، فإنه إن لم يكن هذا هو النفي للصفة عن (٦) المعدوم ، فإذا نفينا الصفة عن المعدوم ، كان (٧) مقابل هذا ، فكان وجود الصفة له ، وهذا كله باطل.

وإنما نقول : إن لنا علما بالمعدوم ، فلأن المعنى إذا تحصل في النفس فقط ولم يشر (٨) فيه إلى خارج (٩) ، كان المعلوم نفس ما في النفس فقط ، والتصديق الواقع بين المتصور من جزأيه هو أنه جائز في طباع (١٠) هذا المعلوم وقوع نسبة له معقولة إلى خارج ، وأما في هذا (١١) الوقت فلا نسبة له ، فلا معلوم غيره.

وعند القوم الذين يرون هذا الرأي ، أن في جملة ما يخبر عنه ويعلم أمورا لا شيئية لها في العدم ، ومن شاء أن يقف على ذلك فليرجع إلى ما هذوا به من أقاويلهم التي لا تستحق فضل الاشتغال بها.

__________________

(١) لا يخلو أن : لا يخلو ب ، ج ، ص ، م

(٢) المعدوم : للمعدوم ط

(٣) يستحيل : فيستحيل ج

(٤) لم تكن : لا تكون م

(٥) فهى : فهو ج ، م

(٦) للصفة عن : ساقطة من ط ، طا

(٧) كان : وكان ط

(٨) يشر : يشير م

(٩) خارج : الخارج ج ، ص ، ط

(١٠) طباع : طبائع ج ، ص ، ط ، م

(١١) وأما فى هذا : وفى ب ، ج ، ص ، م.

٣٣

وإنما وقع أولئك فيما وقعوا فيه بسبب جهلهم بأن الإخبار إنما يكون عن معان لها وجود في النفس ، وإن كانت معدومة في الأعيان ، ويكون معنى (١) الإخبار عنها أن لها نسبة ما إلى الأعيان. مثلا إن قلت : إن القيامة « تكون » ، فهمت القيامة وفهمت « تكون » ، وحملت « تكون » التي في (٢) النفس ، على القيامة التي في (٣) النفس (٤) ، بأن هذا المعنى إنما (٥) يصح في معنى آخر معقول أيضا ، وهو معقول في (٦) وقت مستقبل ، أن يوصف بمعنى ثالث معقول ، وهو معقول الوجود. وعلى هذا القياس الأمر في الماضي. فبين أن المخبر عنه لا بد من أن يكون موجودا وجودا ما في النفس. والإخبار في الحقيقة هو (٧) عن الموجود في النفس ، وبالعرض عن الموجود في الخارج (٨). وقد فهمت الآن أن الشيء بما ذا (٩) يخالف المفهوم للموجود والحاصل ، وأنهما مع ذلك متلازمان.

وعلى أنه قد بلغني أن قوما يقولون : إن الحاصل يكون حاصلا ، وليس بموجود ، وقد تكون صفة الشيء ليس شيئا لا موجودا ولا معدوما ، وأن « الذي » و « ما » يدلان (١٠) على غير ما يدل عليه الشيء. فهؤلاء ليسوا من جملة المميزين. وإذا (١١) أخذوا بالتمييز بين هذه الألفاظ من حيث مفهوماتها انكشفوا.

فنقول الآن : إنه وإن لم يكن الموجود (١٢) ، كما علمت ، جنسا (١٣) ، ولا مقولا بالتساوي على ما تحته ، فإنه معنى متفق فيه على التقديم والتأخير. وأول (١٤) ما يكون ، يكون للماهية التي هي الجوهر (١٥) ثم يكون لما بعده. وإذ هو معنى واحد

__________________

(١) معنى : مع م

(٢) فى : ساقطة من ب

(٣) فى ( الأولى ) : ساقطة من ب

(٤) على ... النفس : ساقطة من م

(٥) إنما : ساقطة من م

(٦) فى : ساقطة من م

(٧) هو : وهو ط

(٨) الموجود فى الخارج : الموجود الخارج م

(٩) بما ذا : ما ذا م

(١٠) يدلان : تدل م

(١١) وإذا : فإذا ط

(١٢) الموجود : الوجود ط. (١٣) جنسا : حسيا ط

(١٤) وأول : فأول ج ، ط. (١٥) الجوهر : للجوهر طا.

٣٤

على النحو الذي أومأنا إليه فتلحقه عوارض تخصه ، كما قد بينا قبل. فلذلك (١) يكون له علم واحد يتكفل به. كما أن لجميع ما هو صحي علما واحدا.

وقد يعسر علينا أن نعرف حال الواجب والممكن والممتنع بالتعريف المحقق أيضا ، بل بوجه العلامة. وجميع ما قيل في تعريف (٢) هذه مما بلغك عن (٣) الأولين قد يكاد يقتضي دورا. وذلك لأنهم ، على ما مر لك في فنون المنطق ، إذا أرادوا أن يحدوا الممكن ، أخذوا في حده إما الضروري وإما المحال ولا وجه (٤) لهم غير ذلك. وإذا (٥) أرادوا أن يحدوا الضروري ، أخذوا في حده إما الممكن وإما المحال.

وإذا (٦) أرادوا أن يحدوا (٧) المحال أخذوا في حده إما الضروري وإما الممكن. مثلا إذا حدوا (٨) الممكن قالوا مرة ، إنه غير الضروري أو أنه المعدوم ، في الحال الذي ليس وجوده ، في أي وقت فرض (٩) من المستقبل ، بمحال. ثم إذا (١٠) احتاجوا إلى أن يحدوا الضروري قالوا : إما أنه الذي لا يمكن أن يفرض معدوما ، أو أنه الذي إذا فرض بخلاف ما هو عليه (١١) كان محالا. فقد أخذوا الممكن تارة في حده ، والمحال أخرى. وأما (١٢) الممكن فقد كانوا أخذوا ، قبل ، في حده إما الضروري وإما المحال. ثم المحال ، إذا أرادوا أن يحدوه ، أخذوا في حده إما الضروري بأن يقولوا : إن المحال هو ضروري العدم ، وإما الممكن بأن يقولوا : إنه الذي لا يمكن أن يوجد ، أو لفظا آخر يذهب مذهب هذين.

وكذلك ما يقال من أن الممتنع هو الذي لا يمكن أن يكون ، أو هو (١٣) الذي يجب أن لا يكون. والواجب هو الذي هو ممتنع ومحال أن لا يكون ، أو ليس (١٤)

__________________

(١) فلذلك : ولذلك ص ، ط

(٢) تعريف : ساقطة من م

(٣) عن : من ج ، ط

(٤) ولا وجه : لا وجه م

(٥) وإذا : فإذا ج ، ص ، ط

(٦) وإذا : فإذا ص

(٧) يحدوا : يحددوا ط

(٨) حدوا : أخذوا ج ، ص ، ط

(٩) فرض : فرضت ب

(١٠) ثم إذا : ثم إن ب ، ج ، م. (١١) ما هو عليه : ما عليه ج

(١٢) وأما : أما م. (١٣) أو هو : وهو م

(١٤) أو ليس : وليس ب ، ج ، م.

٣٥

بممكن (١) أن لا يكون. والممكن هو الذي ليس (٢) يمتنع (٣) أن يكون أو لا يكون ، أو الذي ليس بواجب أن يكون وأن لا يكون. وهذا (٤) كله كما تراه دور ظاهر. وأما كشف الحال في ذلك فقد مر (٥) لك في أنولوطيقا.

على أن أولى هذه الثلاثة في أن يتصور أولا ، هو الواجب. وذلك لأن الواجب يدل على تأكد الوجود ، والوجود أعرف من العدم ، لأن الوجود يعرف بذاته ، والعدم يعرف ، بوجه ما من الوجوه (٦) ، بالوجود. ومن تفهمنا (٧) هذه الأشياء يتضح لك بطلان قول من يقول : إن المعدوم يعاد لأنه أول شيء مخبر عنه بالوجود. وذلك أن المعدوم إذا أعيد يجب أن يكون بينه وبين ما هو مثله ، لو وجد بدله ، فرق. فإن كان مثله إنما ليس هو لأنه ليس الذي كان عدم (٨) ، وفي حال العدم كان هذا غير ذلك ، فقد صار المعدوم موجودا على النحو الذي أومأنا إليه فيما سلف آنفا.

وعلى أن المعدوم إذا أعيد احتيج (٩) أن تعاد جميع (١٠) الخواص التي كان بها هو ما هو. ومن خواصه وقته ، وإذا (١١) أعيد وقته كان المعدوم غير معاد ، لأن المعاد هو الذي يوجد في وقت ثان. فإن كان المعدوم تجوز إعادته وإعادة جملة المعدومات التي كانت معه ، والوقت إما شيء له حقيقة وجود قد (١٢) عدم ، أو موافقة موجود لعرض من الأعراض ، على ما عرف (١٣) من مذاهبهم ، جاز أن يعود الوقت والأحوال ، فلا يكون وقت ووقت ، فلا يكون عود.

على أن العقل يدفع هذا دفعا لا يحتاج فيه إلى بيان ، وكل ما يقال فيه فهو خروج عن طريق التعليم.

__________________

(١) بممكن : يمكن ج

(٢) ليس : لا ط

(٣) يمتنع : بممتنع م

(٤) وهذا : وهذه ط

(٥) فقد مر : فقدم م

(٦) من الوجوه : ساقطة من ب ، ص ، م

(٧) تفهمنا : تفهيمنا ب ، ص ، ط

(٨) عدم : وعدم ط

(٩) احتيج : + إلى ط

(١٠) جميع : لجميع ج ؛ بجمع طا. (١١) وإذا : فإذا ج ، م

(١٢) قد : فقد ب ؛ وقد بخ ، ص. (١٣) ما عرف : ما عرفت ص.

٣٦

[ الفصل السادس ]

( و ) فصل

في ابتداء القول في الواجب (١) الوجود ، والممكن الوجود ، وأن

الواجب الوجود لا علة له ، وأن الممكن الوجود معلول ، وأن

الواجب الوجود غير مكافئ (٢) لغيره في الوجود ، ولا متعلق بغيره (٣) فيه

ونعود إلى ما كنا فيه فنقول : إن لكل واحد من الواجب الوجود ، والممكن الوجود ، خواص. فنقول : إن الأمور التي تدخل في الوجود تحتمل في العقل الانقسام إلى قسمين ، فيكون منها ما إذا اعتبر بذاته لم يجب وجوده ، وظاهر (٤) أنه لا يمتنع أيضا وجوده ، وإلا لم يدخل في الوجود ، وهذا الشيء هو في حيز الإمكان ، ويكون منها ما إذا اعتبر بذاته وجب وجوده.

فنقول : إن الواجب الوجود (٥) بذاته لا علة له ، وإن الممكن الوجود بذاته له علة ، وإن الواجب الوجود بذاته واجب الوجود من جميع جهاته ، وإن الواجب الوجود لا يمكن أن يكون وجوده مكافئا لوجود آخر ، فيكون كل واحد منهما مساويا للآخر في وجوب الوجود ويتلازمان. وإن الواجب الوجود لا يجوز أن يجتمع وجوده عن كثرة البتة. وإن الواجب الوجود لا يجوز أن تكون الحقيقة التي له مشتركا فيها بوجه من الوجوه (٦) ، حتى يلزم من تصحيحنا ذلك أن يكون واجب الوجود غير مضاف ، ولا متغير ٤٦٨ ، ١ ولا متكثر ، ولا مشارك في وجوده الذي يخصه.

__________________

(١) الواجب : واجب م

(٢) مكافئ : مكاف ب ، ج ، د ، ص ، ط

(٣) بغيره : لغيره ص ، م

(٤) وظاهر : فظاهر ج

(٥) الوجود : ساقطة من ج

(٦) من الوجوه : ساقطة من ب ، م.

٣٧

أما أن الواجب الوجود لا علة له ، فظاهر. لأنه (١) إن كان (٢) لواجب الوجود علة في وجوده ، كان وجوده بها. وكل ما وجوده بشيء ، فإذا اعتبر بذاته دون غيره (٣) لم يجب له وجود ، وكل ما إذا اعتبر بذاته دون غيره ، ولم يجب له وجود ، فليس واجب الوجود بذاته. فبين (٤) أنه إن (٥) كان لواجب الوجود بذاته (٦) علة لم يكن واجب الوجود بذاته. فقد ظهر أن الواجب (٧) الوجود لا علة له.

وظهر من ذلك أنه لا يجوز أن يكون شيء واجب الوجود بذاته ، وواجب الوجود بغيره ، لأنه إن كان يجب وجوده بغيره ، فلا يجوز أن يوجد دون غيره ، وكلما لا يجوز أن يوجد دون غيره (٨) ، فيستحيل وجوده واجبا بذاته. ولو وجب بذاته ، لحصل. ولا تأثير لإيجاب الغير في وجوده الذي يؤثر غيره في وجوده فلا يكون واجبا وجوده في ذاته.

وأيضا أن كل ما هو ممكن الوجود باعتبار ذاته ، فوجوده (٩) وعدمه كلاهما بعلة ، لأنه إذا وجد فقد حصل له الوجود متميزا من العدم ، وإذا (١٠) عدم حصل له العدم متميزا من الوجود. فلا يخلو إما أن يكون كل واحد من الأمرين يحصل له عن غيره أو لا عن غيره ، فإن كان عن غيره فالغير (١١) هو العلة ، وإن كان لا يحصل عن غيره ، ومن البين أن كل ما لم يوجد ثم وجد فقد تخصص بأمر جائز غيره.

وكذلك في العدم ، وذلك لأن هذا التخصيص (١٢) إما أن تكفي فيه ماهية الأمر أو لا تكفي فيه ماهية (١٣) ، فإن كانت (١٤) ماهيته تكفي (١٥) لأي الأمرين كان ، حتى يكون

__________________

(١) لأنه : أنه ب

(٢) كان : كانت ج ، ص ، ط

(٣) دون غيره : دونه ج ، ص ، ط ، م.

(٤) فبين : فتبين ج ، ص ، ط

(٥) إن : لو ص ، ط

(٦) بذاته : فى ذاته بخ ، ج ، ص ، م

(٧) الواجب : واجب ج ، ص ، م

(٨) وكلما ... غيره : ساقطة من ب ، م

(٩) فوجوده : ووجوده ج ، ص ، ط

(١٠) وإذا : فإذا ط

(١١) فالغير : والغير م

(١٢) التخصيص : التخصص م. (١٣) ماهية : ماهيته م

(١٤) كانت : كان ص. (١٥) ماهيته تكفى : يكفى ماهية ص ، ط.

٣٨

حاصلا ، فيكون ذلك الأمر واجب الماهية لذاته ، وقد فرض غير واجب ، هذا خلف. وإن كان لا يكفي فيه وجود ماهيته ، بل أمر يضاف إليه وجود ذاته ، فيكون وجوده لوجود شيء آخر غير ذاته لا بد منه فهو علته ، فله علة. وبالجملة فإنما يصير أحد الأمرين واجبا له ، لا لذاته ، بل لعلة.

أما المعنى الوجودي فبعلة ، هي علة (١) وجودية. وأما المعنى العدمي فبعلة ، هي عدم العلة للمعنى الوجودي ، وعلى ما علمت. فنقول : إنه يجب أن يصير واجبا بالعلة ، وبالقياس إليها. فإنه إن لم يكن واجبا ، كان عند وجود العلة وبالقياس إليها ممكنا أيضا ، فكان يجوز أن يوجد وأن لا يوجد غير متخصص بأحد الأمرين ، وهذا محتاج من رأس إلى وجود شيء ثالث يتعين له (٢) به الوجود عن العدم ، أو العدم عن الوجود عند وجود العلة ، فيكون ذلك علة أخرى ، ويتمادى الكلام إلى غير النهاية. وإذا تمادى إلى غير النهاية لم يكن (٣) ، مع ذلك ، قد تخصص (٤) له وجوده (٥) ، فلا يكون قد (٦) حصل له وجود ، وهذا محال. لا لأنه ذاهب إلى غير النهاية في العلل فقط (٧) ، فإن هذا في هذا الموضع بعد مشكوك (٨) في إحالته ، بل لأنه لم يوجد بعد ما به يتخصص وقد فرض موجودا. فقد صح أن كل ما هو ممكن الوجود لا (٩) يوجد ما لم يجب بالقياس إلى علته.

ونقول (١٠) : ولا يجوز أن يكون واجب الوجود مكافئا لواجب وجود آخر ، حتى يكون هذا موجودا مع ذلك ، وذلك موجودا مع هذا ، وليس أحدهما

__________________

(١) علة : + لجملة ط

(٢) له : ساقطة من ط

(٣) لم يكن : لا يكون ج ، م ؛ فلا يكون طا

(٤) تخصص : تعين م

(٥) وجوده : وجود م

(٦) قد : ساقطة من ص ، م

(٧) فقط : ساقطة من ط.

(٨) مشكوك : شكوك ج

(٩) لا : فلا طا

(١٠) ونقول : فنقول ح ، ص ، ط ، م.

٣٩

علة (١) للآخر ، بل هما متكافئان في أمر لزوم الوجود. لأنه لا يخلو إذا اعتبر ذات أحدهما بذاته دون الآخر ، إما أن يكون واجبا بذاته (٢) أو لا يكون (٣) واجبا بذاته ، فإن كان واجبا بذاته فلا يخلو إما أن يكون له وجوب أيضا باعتباره مع الثاني ، فيكون الشيء واجب الوجوب بذاته ، وواجب الوجود لأجل غيره ، وهذا محال ، كما قد مضى. وإما أن لا يكون له وجوب بالآخر ، فلا يجب أن يتبع وجوده وجود الآخر ، ويلزمه أن لا يكون لوجوده علاقة بالآخر ، حتى يكون إنما يوجد إذا وجد الآخر هذا. وأما إن لم يكن (٤) واجبا بذاته ، فيجب أن يكون باعتبار ذاته ممكن الوجود ، وباعتبار الآخر (٥) واجب الوجود. فلا يخلو حينئذ (٦) إما أن يكون الآخر (٧) كذلك أو لا يكون ، فإن كان الآخر كذلك فلا يخلو حينئذ إما أن يكون وجوب الوجود لهذا (٨) من ذلك ، وذلك (٩) في حد إمكان الوجود ، أو في حد وجوب الوجود. فإن كان وجوب الوجود لهذا من ذلك ، وذلك هو (١٠) في حد وجوب الوجود ، وليس من نفسه ، أو من ثالث سابق ، كما قلناه (١١) في وجه سلف ، بل من الذي يكون منه ، كان وجوب وجود (١٢) هذا شرطا فيه وجوب وجود ما يحصل بعد وجوب وجوده ، بعدية بالذات فلا يحصل له وجوب وجود البتة. وإن كان وجوب الوجود لهذا من ذلك ، وذلك في حد الإمكان ، فيكون وجوب وجود هذا من ذات ذلك وهو (١٣) في حد الإمكان ، ويكون (١٤) ذات ذلك في حد الإمكان (١٥) مفيدا لهذا وجوب الوجود ، وليس له حد الإمكان مستفادا من هذا ، بل الوجوب.

__________________

(١) علة : علته ط ، طا

(٢) دون ... بذاته : ساقطة من م

(٣) أو لا يكون : ولا يكون ط.

(٤) لم يكن : لا يكون ب ، ج ، م

(٥) الآخر : الثاني م

(٦) حينئذ : ساقطة من ب ، ص ، م

(٧) الآخر : الثاني م

(٨) لهذا : هذا ج ، ط

(٩) وذلك : + هو ط

(١٠) وذلك هو : وهو ذلك ص. (١١) قلناه : قلنا ص ، م

(١٢) وجود : الوجود م. (١٣) وهو : ساقطة من ط

(١٤) ويكون : يكون ب ؛ فيكون ج ، ص. (١٥) ويكون ... الإمكان : ساقطة من ط.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489