الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات0%

الشفاء الإلهيّات مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: مكتبة الفلسفة والعرفان
الصفحات: 489

الشفاء الإلهيّات

مؤلف: ابن سينا
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف:

الصفحات: 489
المشاهدات: 93885
تحميل: 8061

توضيحات:

الشفاء الإلهيّات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 489 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93885 / تحميل: 8061
الحجم الحجم الحجم
الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات

مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
العربية

المقالة الأولى

وفيها ثمانية فصول

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

الحمد (٢) لله رب العالمين وصلاته على النبي (٣) المصطفى محمد وآله الأكرمين أجمعين.

الفن (٤) الثالث عشر من كتاب الشفاء في الإلهيات.

(٥) (٦) المقالة الأولى وهي ثمانية فصول (٧)

[ الفصل الأول ] ( ا ) فصل (٨)

في ابتداء طلب موضوع (٩) الفلسفة الأولى لتتبين إنيته في العلوم

وإذ (١٠) وفقنا الله ولي الرحمة والتوفيق ، فأوردنا ما وجب إيراده من معاني العلوم المنطقية والطبيعية والرياضية ، فبالحري أن نشرع في تعريف المعاني الحكمية ، ونبتدئ (١١) مستعينين بالله فنقول :

إن العلوم الفلسفية ، كما قد أشير إليه في مواضع أخرى من الكتب ، تنقسم إلى النظرية وإلى العملية. وقد أشير إلى الفرق بينهما وذكر أن النظرية هي التي نطلب فيها استكمال القوة النظرية (١٢) من النفس بحصول العقل بالفعل ، وذلك

__________________

(١) الرحيم : + وحسبنا الله ونعم الوكيل م

(٢) الحمد ... أجمعين : ساقطة من ب ، ج ، ص

(٣) النبي : + المصطفى م

(٤) الفن ... الإلهيات : الفن الرابع من الجملة الرابعة من كتاب الشفاء فى الإلهيات وهو فن واحد فى عشر مقالات م

(٥) فى الإلهيات : تصنيف الشيخ الرئيس ج

(٦) الإلهيات : + عشر مقالات ج ، ط ؛ + عشر مقولات ص

(٧) وهى ثمانية فصول : ساقطة من ج ، ص ؛ من جملة الإلهيات ثمانية فصول ط ، طا ؛ من الإلهيات وتعرف الأولى بثمانية فصول م

(٨) فصل : الفصل الأول من المقالة الأولى من جملة الإلهيات ط ؛ الفصل الأول من المقالة الأولى طا

(٩) موضوع : + العلم ج

(١٠) وإذ : إذ ج

(١١) ونبتدئ : فنبتدئ ج ، ط

(١٢) هى ... النظرية : ساقطة من م.

٣

بحصول (١) العلم التصوري والتصديقي بأمور ليست هي هي بأنها أعمالنا وأحوالنا ، فتكون الغاية (٢) فيها حصول رأي واعتقاد ليس رأيا واعتقادا في كيفية عمل أو كيفية مبدإ عمل من حيث هو مبدأ عمل.

وأن العملية هي التي يطلب فيها أولا استكمال القوة النظرية بحصول العلم التصوري والتصديقي بأمور هي هي بأنها أعمالنا ، ليحصل (٣) منها ثانيا استكمال القوة العملية بالأخلاق.

وذكر أن النظرية تنحصر (٤) في أقسام ثلاثة هي (٥) : الطبيعي ، والتعليمية ، والإلهية.

وأن الطبيعية موضوعها الأجسام من جهة ما هي متحركة وساكنة ، وبحثها عن العوارض التي تعرض لها بالذات من هذه الجهة.

وأن التعليمية موضوعها إما ما هو كم مجرد عن المادة بالذات ، وإما ما هو ذو كم. والمبحوث عنه فيها أحوال تعرض للكم بما هو كم. ولا يؤخذ (٦) في حدودها نوع مادة ، ولا قوة حركة.

وأن الإلهية تبحث عن الأمور المفارقة للمادة بالقوام والحد. وقد سمعت أيضا أن الإلهي هو الذي يبحث فيه (٧) عن الأسباب الأولى (٨) للوجود (٩) الطبيعي والتعليمي وما يتعلق بهما ، وعن مسبب (١٠) الأسباب ومبدإ المبادئ وهو الإله تعالى جده (١١).

__________________

(١) بحصول : لحصول ب ، ج ، د ، ص ، ط ، طا

(٢) الغاية : العلم ط

(٣) ليحصل : فيحصل ج ، ص ، ط ، م

(٤) تنحصر : منحصر ح ؛ منحصرة ص ، ط

(٥) هى : فى ج ، م

(٦) يؤخذ : يوجد م

(٧) فيه : ساقطة من ب

(٨) الأولى : الأولى ط ، طا

(٩) للوجود : للوجود ص

(١٠) مسبب : سبب ج

(١١) جده : ساقطة من ب.

٤

فهذا هو قدر ما يكون (١) قد وقفت عليه فيما (٢) سلف لك من الكتب. ولم يتبين لك من ذلك أن الموضوع للعلم الإلهي ما هو بالحقيقة الإلهي ما هو بالحقيقة إلا إشارة جرت في كتاب البرهان من المنطق إن تذكرتها. وذلك أن في سائر العلوم قد كان يكون لك شيء هو موضوع ، وأشياء هي المطلوبة ، ومبادئ مسلمة منها تؤلف البراهين. والآن ، فلست تحقق حق التحقيق (٣) ما الموضوع لهذا العلم ، وهل هو ذات العلة الأولى حتى يكون المراد معرفة صفاته وأفعاله أو معنى آخر.

وأيضا قد كنت تسمع أن هاهنا فلسفة بالحقيقة ، وفلسفة أولى ، وأنها تفيد تصحيح مبادئ سائر العلوم ، وأنها هي الحكمة بالحقيقة. وقد كنت تسمع تارة أن الحكمة هي أفضل علم بأفضل معلوم ، وأخرى أن الحكمة هي المعرفة التي هي أصح معرفة وأتقنها ، وأخرى أنها العلم بالأسباب الأولى للكل. وكنت (٤) لا تعرف ما هذه الفلسفة الأولى ، وما هذه الحكمة ، وهل الحدود والصفات (٥) الثلاث لصناعة واحدة ، أو لصناعات مختلفة كل واحدة منها تسمى حكمة.

ونحن (٦) نبين لك الآن أن هذا العلم الذي نحن بسبيله هو الفلسفة الأولى ، وأنه (٧) الحكمة المطلقة ، وأن الصفات الثلاث التي رسم (٨) بها الحكمة هي صفات صناعة واحدة ، وهي هذه الصناعة. وقد علم أن لكل علم موضوعا يخصه ، فلنبحث الآن عن الموضع لهذا العلم ، ما هو؟ ولننظر هل الموضوع لهذا العلم هو إنية الله تعالى جده (٩) ، أو ليس ذلك (١٠) ، بل هو شيء من مطالب هذا العلم؟

فنقول : إنه لا يجوز أن يكون ذلك هو الموضوع ، وذلك لأن موضوع كل علم هو أمر مسلم الوجود في ذلك العلم ، وإنما يبحث عن أحواله. وقد

__________________

(١) يكون : كان ط. م

(٢) فيما : مما م

(٣) التحقيق : التحقق ب

(٤) وكنت : وقد كنت ج

(٥) والصفات : أو الصفات م

(٦) ونحن : فنحن ج

(٧) وأنه : وأنها ط

(٨) رسم : ترسم طا.

(٩) جده : ساقطة من ب ، ج ، ص ، م

(١٠) ذلك كذلك طا.

٥

علم هذا في مواضع أخرى. ووجود الإله تعالى جده (١) لا يجوز أن يكون مسلما في هذا العلم كالموضوع ، بل هو مطلوب فيه. وذلك لأنه (٢) إن لم يكن كذلك لم يخل إما أن يكون مسلما في هذا العلم ومطلوبا في علم آخر ، وإما أن يكون مسلما في هذا العلم وغير مطلوب في علم آخر. وكلا الوجهين باطلان (٣).

وذلك لأنه (٤) لا يجوز أن يكون مطلوبا في علم آخر ، لأن العلوم الأخرى إما خلقية أو سياسية (٥) ، وإما طبيعية ، وإما رياضية ، وإما منطقية. وليس في العلوم الحكمية علم خارج عن (٦) هذه القسمة ، وليس ولا في شيء منها يبحث (٧) عن إثبات الإله تعالى جده (٨) ، ولا يجوز أن يكون ذلك. وأنت تعرف هذا بأدنى تأمل لأصول كررت (٩) عليك. ولا يجوز أيضا أن يكون غير مطلوب في علم آخر لأنه يكون حينئذ غير مطلوب (١٠) في علم البتة. فيكون إما بينا بنفسه ، وإما مأيوسا عن بيانه بالنظر ، وليس (١١) بينا بنفسه ولا مأيوسا (١٢) عن بيانه ، فإن عليه دليلا (١٣). ثم المأيوس عن بيانه كيف يصح تسليم وجوده؟ فبقي (١٤) أن البحث عنه إنما هو في هذا العلم.

ويكون البحث عنه على وجهين : أحدهما البحث عنه من جهة وجوده ، والآخر من جهة صفاته. وإذا كان البحث عن وجوده في هذا العلم ، لم يجز أن يكون موضوع هذا العلم ، فإنه ليس على علم من العلوم إثبات موضوعه ، وسنبين لك عن قريب أيضا ، أن البحث عن وجوده لا يجوز أن يكون إلا في هذا العلم ، إذ قد (١٥) تبين (١٦) لك من حال هذا العلم أنه يبحث (١٧) عن المفارقات للمادة (١٨) أصلا. وقد لاح لك في الطبيعيات أن الإله غير جسم ، ولا قوة جسم ،

__________________

(١) جده : ساقطة من ج ، ص ، م. (٢) لأنه إن : لأنه م

(٣) باطلان : باطل م. (٤) لأنه : أنه ب ، ج ، م

(٥) أو سياسية : وإما سياسية م. (٦) عن : من ج

(٧) يبحث : بحث ص ، م. (٨) جده : ساقطه من ب

(٩) كررت : تكررت ط. (١٠) مطلوب فى علم البتة : مطلوب البتة ط. (١١) وليس بينا بنفسه : وليس بينا فى نفسه م

(١٢) ولا مأيوسا : هو مأيوس ب ، ج ، م ؛ هو مأيوسا ص

(١٣) دليلا : + بالنظر ط

(١٤) فبقى : فيبقى ب. (١٥) قد : ساقطة من م

(١٦) تبين : يتبين ص ، م. (١٧) بحث : يبحث ج ، ص ، م

(١٨) لمادة : عن المادة ج.

٦

بل هو واحد بريء عن المادة ، وعن مخالطة الحركة من كل جهة. فيجب أن يكون البحث عنه لهذا العلم.

والذي لاح لك من ذلك في الطبيعيات كان غريبا عن الطبيعيات ، ومستعملا فيها ، منه ما ليس منها ، إلا أنه أريد بذلك أن يعجل للإنسان (١) وقوف (٢) على إنية المبدإ الأول فتتمكن منه الرغبة في اقتباس العلوم ، والانسياق إلى المقام الذي هناك ليتوصل (٣) إلى معرفته بالحقيقة. ولما لم يكن بد من أن يكون لهذا العلم موضوع وتبين لك أن الذي يظن أنه هو (٤) موضوعه ليس بموضوعه ، فلننظر : هل موضوعه الأسباب القصوى للموجودات كلها أربعتها إلا (٥) واحدا منها الذي لم يكن القول به. فإن هذا أيضا قد يظنه قوم.

لكن النظر في الأسباب كلها أيضا لا يخلو إما أن ينظر فيها (٦) بما هي موجودات أو بما هي أسباب مطلقة ، أو بما هي كل واحد من الأربعة على النحو الذي نحصه. أعني أن يكون النظر فيها من جهة أن هذا فاعل ، وذلك قابل ، وذلك شيء آخر ، أو من جهة ما هي الجملة التي تجتمع منها.

فنقول : لا يجوز أن يكون النظر فيها بما هي أسباب مطلقة ، حتى يكون الغرض من (٧) هذا العلم هو النظر في الأمور التي تعرض للأسباب (٨) بما هي أسباب (٩) مطلقة. ويظهر هذا من وجوه :

أحدها ، من جهة أن هذا العلم يبحث عن معان ليست هي من الأعراض الخاصة (١٠) بالأسباب بما هي أسباب ، مثل الكلي والجزئي ، والقوة والفعل ، والإمكان والوجوب وغير ذلك.

__________________

(١) للانسان : الإنسان ب ، ط

(٢) وقوف : الوقوف ط

(٣) ليتوصل : يتوصل ب ، ص ، م

(٤) هو : ساقطة من ج ، ص ، م

(٥) لا : إلا ج ، ط ، م

(٦) فيها : ساقطة من ب

(٧) من : فى ب ، ج ، ص ، م

(٨) للأسباب : الأسباب ب ، ج ، ط

(٩) أسباب مطلقة : ساقطة من م

(١٠) الخاصة : الخاصية م.

٧

ثم من التبين الواضح أن هذه الأمور في أنفسها بحيث يجب أن يبحث عنها ، ثم ليست من الأعراض الخاصة (١) بالأمور الطبيعية والأمور التعليمية (٢). ولا هي أيضا (٣) واقعة في الأعراض الخاصة (٤) بالعلوم العملية (٥). فيبقى (٦) أن يكون البحث عنها للعلم الباقي من الأقسام وهو هذا العلم.

وأيضا فإن العلم بالأسباب المطلقة حاصل بعد العلم بإثبات الأسباب للأمور ذوات الأسباب. فإنا ما لم نثبت وجود الأسباب للمسببات من الأمور بإثبات أن لوجودها تعلقا بما يتقدمها في الوجود ، لم يلزم عند العقل وجود السبب المطلق ، وأن هاهنا سببا ما. وأما الحس فلا يؤدي إلا إلى (٧) الموافاة. وليس إذا توافى شيئان ، وجب أن يكون أحدهما سببا للآخر (٨). والإقناع الذي يقع للنفس لكثرة ما يورده الحس والتجربة فغير متأكد ، على ما علمت ، إلا بمعرفة أن الأمور التي هي موجودة في الأكثر هي طبيعية واختيارية (٩).

وهذا في الحقيقة مستند إلى إثبات العلل ، والإقرار بوجود العلل والأسباب. وهذا ليس بينا أوليا بل هو مشهود (١٠) ، وقد علمت الفرق بينهما. وليس إذا كان قريبا عند العقل ، من البين بنفسه أن للحادثات مبدأ ما يجب أن يكون بينا بنفسه مثل كثير من الأمور الهندسية المبرهن عليها في كتاب أوقليدس. ثم البيان البرهاني (١١) لذلك (١٢) ليس في العلوم الأخرى ، فإذن يجب أن يكون في هذا العلم.

فكيف يمكن أن يكون الموضوع للعلم المبحوث عن أحواله في المطالب مطلوب الوجود فيه؟ وإذا (١٣) كان كذلك فبين أيضا أنه ليس البحث عنها (١٤) من جهة

__________________

(١) الخاصة : الخاصية م

(٢) التعليميه : العملية م

(٣) أيضا : ساقطة من ب ، ص ، م

(٤) الخاصة : الخاصية م

(٥) العملية : + والمنطقية ج

(٦) فيبقى : فيبقى م

(٧) إلى : ساقطة من ب ، م

(٨) للاخر : الآخر م

(٩) واختيارية : أو اختيارية ص

(١٠) مشهود : مشهور ج ، ص. (١١) البرهانى : ساقطة من ط

(١٢) لذلك : أى بينا بنفسه أن لكل شىء مبدأ م. (١٣) وإذا : فاذا ج ؛ وإذ م

(١٤) عنها : هنا ط.

٨

الوجود الذي يخص كل واحد منها ، لأن ذلك مطلوب في هذا العلم. ولا أيضا من جهة ما هي جملة ما (١) وكل ، لست أقول جملي (٢) وكلي. فإن النظر في أجزاء الجملة أقدم من النظر في الجملة ، وإن لم يكن كذلك في جزئيات الكلي باعتبار قد علمته ، فيجب أن يكون النظر في الأجزاء إما في هذا العلم فتكون هي أولى بأن تكون موضوعة ، أو يكون في علم آخر. وليس علم آخر يتضمن الكلام في الأسباب القصوى غير (٣) هذا العلم. وأما إن كان النظر في الأسباب من جهة ما هي موجودة وما يلحقها (٤) من تلك الجهة فيجب إذن أن يكون الموضوع الأول هو الموجود بما هو موجود.

فقد (٥) بان أيضا بطلان هذا النظر (٦) ، وهو أن هذا العلم موضوعه الأسباب القصوى ، بل يجب أن يعلم أن هذا كماله ومطلوبه.

__________________

(١) جملة ما : جملة ط

(٢) جملى : مجمل ب ، ص ، م

(٣) غير : عن م

(٤) وما يلحقها : ما يلحقها ط ، م

(٥) فقد : وقد ج

(٦) النظر : الظن ج ، ص ، م.

٩

[ الفصل الثاني ]

( ب ) فصل (١)

في تحصيل موضوع هذا العلم

فيجب أن ندل على الموضوع الذي لهذا العلم لا محالة حتى يتبين (٢) لنا الغرض الذي هو في هذا العلم ، فنقول :

إن العلم الطبيعي قد كان موضوعه الجسم ، ولم يكن من جهة ما هو موجود ، ولا من جهة ما هو جوهر ، ولا من جهة ما هو مؤلف من مبدأيه ، أعني الهيولى والصورة ، ولكن من جهة ما هو موضوع للحركة والسكون. والعلوم التي تحت العلم الطبيعي أبعد من ذلك. وكذلك الخلقيات (٣).

وأما العلم الرياضي فقد كان موضوعه إما مقدارا مجردا في الذهن عن المادة ، وإما مقدارا مأخوذا في الذهن مع مادة ، وإما عددا مجردا عن المادة ، وإما عددا في مادة. ولم يكن أيضا ذلك البحث متجها إلى إثبات أنه مقدار مجرد أو في مادة أو عدد مجرد أو في مادة ، بل كان في جهة الأحوال التي تعرض له (٤) بعد وضعه.

كذلك والعلوم التي تحت الرياضيات أولى بأن لا يكون نظرها إلا في (٥) العوارض التي يلحق أوضاعا أخص من هذه الأوضاع.

والعلم المنطقي ، كما علمت (٦) ، فقد كان موضوعه المعاني المعقولة الثانية التي تستند إلى المعاني المعقولة الأولى من جهة كيفية ما يتوصل بها من معلوم.

__________________

(١) فصل : الفصل الثاني ب ، ط

(٢) يتبين : يبين م

(٣) الخلقيات : الخلقية ط

(٤) له : وله م

(٥) إلا فى : الآن ط

(٦) علمت : عرفت ج.

١٠

إلى مجهول ، لا من جهة ما هي معقولة ولها الوجود العقلي الذي لا يتعلق بمادة أصلا أو يتعلق بمادة غير جسمانية. ولم يكن غير هذه العلوم علوم أخرى.

ثم البحث عن حال الجوهر بما هو موجود وجوهر (١) ، وعن الجسم بما هو جوهر ، وعن المقدار (٢) والعدد بما هما موجودان ، وكيف وجودهما ، وعن الأمور الصورية التي ليست في مادة أو هي في مادة غير مادة الأجسام ، وأنها كيف تكون وأي نحو من الوجود يخصها ، فمما يجب أن يجرد له بحث.

وليس يجوز أن يكون من جملة العلم بالمحسوسات ، ولا من جملة العلم بما (٣) وجوده في المحسوسات ، لكن التوهم والتحديد يجرده عن المحسوسات.

فهو إذن من جملة العلم بما (٤) وجوده (٥) مباين.

أما الجوهر فبين أن وجوده بما هو جوهر فقط غير متعلق بالمادة وإلا لما كان جوهر إلا محسوسا.

وأما العدد فقد يقع على المحسوسات وغير المحسوسات ، فهو بما هو عدد غير متعلق بالمحسوسات.

وأما المقدار فلفظه اسم مشترك ، فيه ما قد يقال له مقدار ، ويعني (٦) به البعد (٧) المقوم للجسم الطبيعي ، ومنه ما يقال مقدار ، ويعني به كمية متصلة تقال على الخط والسطح والجسم المحدود. وقد عرفت الفرق بينهما. وليس ولا واحد (٨) منهما مفارقا للمادة ، ولكن المقدار بالمعنى الأول وإن كان لا يفارق المادة فإنه أيضا مبدأ لوجود الأجسام الطبيعية. فإذا كان مبدأ لوجودها لم يجز أن يكون

__________________

(١) وجوهر : جوهر ب ، ج ، ص ، ط

(٢) وعن المقدار : والمقدار م

(٣) بما : + هو ص ، ط ، طا ، م

(٤) بما : + هو ح ، ص ، ط

(٥) وجوده : موجود ط ، طا

(٦) ويعنى : فيعنى ص

(٧) البعد : المبعد ط

(٨) واحد : واحدا ب.

١١

متعلق القوام بها ، بمعنى أنه يستفيد (١) القوام من المحسوسات ، بل المحسوسات تستفيد منه القوام. فهو إذن (٢) أيضا (٣) متقدم بالذات على المحسوسات. وليس الشكل كذلك ، فإن الشكل عارض لازم للمادة بعد تجوهرها جسما متناهيا موجودا (٤) وحملها سطحا متناهيا. فإن الحدود (٥) تجب للمقدار من جهة استكمال المادة به وتلزمه من بعد. فإذا كان كذلك لم يكن الشكل موجودا إلا في المادة ولا علة أولية لخروج المادة إلى الفعل.

وأما المقدار بالمعنى الآخر فإن فيه نظرا من جهة وجوده ، ونظرا من جهة عوارضه. فأما النظر في أن وجوده أي أنحاء الوجود هو (٦) ، ومن (٧) أي أقسام الموجود (٨) ، فليس هو بحثا أيضا عن معنى متعلق (٩) بالمادة.

فأما (١٠) موضوع المنطق من جهة ذاته فظاهر أنه خارج عن المحسوسات (١١).

فبين (١٢) أن هذه كلها تقع في العلم الذي يتعاطى ما لا يتعلق قوامه بالمحسوسات ، ولا يجوز أن يوضع لها موضوع مشترك تكون هي كلها حالاته وعوارضه إلا الموجود. فإن بعضها جواهر ، وبعضا كميات ، وبعضها مقولات أخرى ، وليس يمكن أن يعمهما معنى محقق إلا حقيقة معنى الوجود (١٣).

وكذلك قد يوجد أيضا أمور يجب أن تتحدد وتتحقق في النفس ، وهي مشتركة في العلوم. وليس ولا واحد من العلوم يتولى الكلام فيها مثل الواحد

__________________

(١) يستفيد : مستفيد ب ، ج ، ص ، م

(٢) إذن : ساقطة من م

(٣) أيضا : ساقطة من ب ، ج ، ص

(٤) موجودا : ساقطة من م

(٥) الحدود : + يعنى نهايات الأجسام التي ج ، ط

(٦) هو : ساقطة من ب ، ص ، م

(٧) ومن : من ج ، ص

(٨) الموجود : الوجود ب ، ج ، م

(٩) متعلق : يتعلق ب ، ج ؛ ساقطة من م

(١٠) فأما : وأما ج

(١١) المحسوسات : + كلها م

(١٢) فبين ...... بالمحسوسات : ساقطة من م

(١٣) الوجود : الموجود ب ، م.

١٢

بما هو واحد ، والكثير بما هو كثير ، والموافق والمخالف ، والضد وغير ذلك ، فبعضها يستعملها استعمالا فقط ، وبعضها إنما (١) يأخذ حدودها ، ولا يتكلم في نحو وجودها. وليست عوارض خاصة لشيء من موضوعات هذه العلوم الجزئية ، وليست من الأمور التي يكون وجودها إلا وجود الصفات للذوات ولا أيضا هي من الصفات التي تكون لكل شيء. فيكون كل واحد منها مشتركا لكل شيء ولا يجوز أن يختص (٢) أيضا مقولة ولا يمكن أن يكون من عوارض (٣) شيء (٤) إلا الموجود بما هو موجود (٥).

فظاهر (٦) لك من هذه الجملة أن الموجود بما هو موجود أمر مشترك لجميع هذه ، وأنه (٧) يجب أن يجعل الموضوع لهذه الصناعة لما (٨) قلنا. ولأنه غني عن تعلم ماهيته وعن إثباته ، حتى يحتاج إلى أن يتكفل علم غير هذا العلم بإيضاح (٩) الحال فيه لاستحالة أن يكون إثبات الموضوع وتحقيق ماهيته في العلم (١٠) الذي هو موضوعه بل تسليم إنيته وماهيته فقط. فالموضوع الأول لهذا العلم هو الموجود بما هو موجود ، ومطالبة الأمور التي تلحقه بما هو موجود من غير شرط.

وبعض هذه أمور (١١) هي له كالأنواع : كالجوهر والكم والكيف ، فإنه ليس يحتاج الموجود في أن ينقسم إليها ، إلى انقسام قبلها ، حاجة الجوهر إلى انقسامات ، حتى يلزمه الانقسام إلى الإنسان وغير الإنسان. وبعض هذه كالعوارض الخاصة ، مثل الواحد والكثير ، والقوة والفعل ، والكلي والجزئي ، والممكن والواجب ، فإنه ليس يحتاج الموجود في قبول هذه الأعراض والاستعداد لها إلى أن يتخصص طبيعيا أو تعليميا أو خلقيا أو غير ذلك.

__________________

(١) إنما : + هى ج ، ص ، ط

(٢) يخص : يخصص ص

(٣) عوارض : + مخصوصة ط

(٤) شىء : بشيء ج ، ط

(٥) موجود : الموجود ط

(٦) فظاهر : فظهر ج ، ص ، طا

(٧) وأنه : فإنه ج

(٨) لما : كما ط

(٩) بإيضاح : إيضاح م

(١٠) فى العلم : للعلم ب ، م

(١١) أمور : الأمور ج ، ص ، ط.

١٣

ولقائل أن يقول ، إنه إذا جعل الموجود هو الموضوع لهذا العلم لم يجز أن يكون إثبات مبادئ الموجودات فيه ، لأن البحث في كل علم هو عن لواحق (١) موضوعه لا عن مبادئه. فالجواب عن هذا أن النظر في المبادئ أيضا (٢) هو بحث عن عوارض (٣) هذا الموضوع ، لأن الموجود كونه مبدأ غير مقوم له ولا ممتنع فيه ، بل هو بالقياس إلى طبيعة الموجود أمر عارض له ، ومن العوارض (٤) الخاصة (٥) به. لأنه ليس شيء (٦) أعم من الموجود ، فيلحق غيره لحوقا أوليا. ولا أيضا يحتاج الموجود إلى أن يصير طبيعيا أو تعليميا أو شيئا آخر (٧) حتى يعرض له أن يكون مبدأ. ثم المبدأ ليس مبدأ للموجود (٨) كله ، ولو كان مبدأ للموجود كله لكان مبدأ لنفسه ، بل الموجود كله لا مبدأ له ، إنما المبدأ مبدأ للموجود المعلول.

فالمبدأ هو مبدأ لبعض الموجود. فلا يكون هذا العلم يبحث عن مبادئ الموجود مطلقا ، بل إنما يبحث عن مبادئ بعض ما فيه كسائر العلوم الجزئية ، فإنها وإن كانت لا تبرهن على (٩) وجود مبادئها المشتركة ، إذ لها مبادئ يشترك فيها جميع ما ينحوه كل واحد منها ، فإنها تبرهن على وجود ما هو مبدأ لما بعدها من الأمور التي فيها (١٠).

ويلزم هذا العلم أن ينقسم ضرورة إلى أجزاء منها : ما (١١) يبحث عن الأسباب القصوى ، فإنها الأسباب لكل موجود معلول من جهة وجوده ، ويبحث عن السبب الأول الذي يفيض عنه كل موجود معلول بما هو موجود معلول (١٢) لا بما هو موجود متحرك فقط (١٣) أو متكمم فقط. ومنها ما يبحث عن العوارض للموجود. ومنها ما يبحث عن مبادئ العلوم الجزئية. ولأن مبادئ كل علم

__________________

(١) لواحق : لوازم ب ، م

(٢) أيضا : ساقطة من ب

(٣) عوارض : لواحق ص ، ط

(٤) العوارض : اللواحق ب ، ج ، ص ، م

(٥) الخاصة : الخاصية ج

(٦) شىء : ساقطة من م.

(٧) شيئا اخر : أشياء أخر ط

(٨) للموجود ... للموجود : للوجود كله ولو كان مبدأ للوجود م

(٩) على : ساقطة من م. (١٠) فيها : فيه ج ، ص ، ط ، م

(١١) ما : ساقطة من م. (١٢) بما هو موجود معلول : بما هو وجود معلول م

(١٣) متحرك فقط : متحرك ب.

١٤

أخص هي مسائل في العلم الأعلى ، مثل مبادئ الطب في الطبيعي ، والمساحي في الهندسة ، فيعرض إذن (١) في هذا العلم أن يتضح فيه مبادئ العلوم الجزئية التي تبحث عن أحوال الجزئيات (٢) الموجودة (٣). فهذا العلم يبحث عن أحوال الموجود ، والأمور التي هي له كالأقسام والأنواع ، حتى يبلغ إلى تخصيص يحدث معه موضوع العلم الطبيعي فيسلمه إليه ، وتخصيص يحدث معه موضوع الرياضي فيسلمه إليه ، وكذلك في غير ذلك. وما قبل ذلك التخصيص كالمبدإ (٤) ، فنبحث عنه ونقرر حاله. فتكون إذن مسائل هذا العلم في أسباب الموجود المعلول بما هو موجود معلول ، وبعضها في عوارض الموجود ، وبعضها في مبادئ العلوم الجزئية.

فهذا هو العلم المطلوب في هذه الصناعة وهو الفلسفة الأولى ، لأنه العلم بأول الأمور في الوجود ، وهو (٥) العلة الأولى وأول الأمور في العموم ، وهو الوجود والوحدة. وهو أيضا الحكمة التي هي أفضل علم بأفضل معلوم ، فإنها أفضل (٦) علم أي اليقين ، بأفضل المعلوم أي بالله تعالى وبالأسباب (٧) من بعده. وهو أيضا معرفة الأسباب القصوى للكل. وهو أيضا المعرفة بالله (٨) ، وله حد العلم الإلهي الذي هو أنه علم بالأمور المفارقة (٩) للمادة في الحد والوجود. إذ الموجود بما هو موجود ومبادئه وعوارضه ليس شيء منها ، كما اتضح ، إلا متقدم الوجود (١٠) على المادة وغير متعلق الوجود بوجودها. وإن بحث في هذا العلم عما لا يتقدم المادة ، فإنما يبحث فيه عن معنى. ذلك المعنى غير محتاج الوجود إلى المادة ، بل الأمور المبحوث عنها فيه هي على (١١) أقسام أربعة : فبعضها بريئة عن المادة وعلائق

__________________

(١) إذن : ساقطة من ب ، ص ، م

(٢) الجزئيات : جزئيات ص ، م

(٣) الموجودة : الموجود ص ، م

(٤) كالمبدإ : وكالمبدإ ب ، م ؛ فكالمبدإ ط

(٥) الوجود وهو : الموجود وهو ط

(٦) علم ... أفضل : ساقطة من م

(٧) وبالأسباب : والأسباب م

(٨) بالله : + تعالى ج

(٩) المفارقة : والمفارقة ط

(١٠) متقدم الوجود : متقدما ص ، م

(١١) على : ساقطة من ج ، ص ، ط ، م.

١٥

المادة (١) أصلا. وبعضها يخالط المادة ، ولكن مخالطة السبب المقوم المتقدم وليست المادة بمقومة له. وبعضها قد يوجد في المادة وقد يوجد لا في مادة مثل العلية والوحدة ، فيكون الذي لها بالشركة بما هي هي أن لا تكون مفتقرة التحقق إلى وجود المادة ، وتشترك هذه الجملة أيضا في أنها غير مادية الوجود أي غير مستفادة الوجود من المادة. وبعضها أمور مادية ، كالحركة والسكون ، ولكن ليس المبحوث عنه في هذا العلم حالها في المادة ، بل نحو الموجود الذي لها. فإذا أخذ هذا القسم مع الأقسام الأخرى اشتركت في أن نحو البحث عنها هو من جهة معنى غير (٢) قائم الوجود بالمادة.

وكما أن العلوم الرياضية قد كان يوضع فيها ما هو متحدد بالمادة ، لكن نحو النظر والبحث عنه كان من جهة معنى غير متحدد بالمادة ، وكان لا يخرجه تعلق ما يبحث عنه بالمادة عن أن يكون البحث رياضيا ، كذلك الحال هاهنا. فقد ظهر ولاح أن الغرض في هذا العلم (٣) أي شيء هو.

وهذا العلم يشارك الجدل والسفسطة (٤) من وجه ، ويخالفهما من وجه ، ويخالف كل واحد منهما من وجه (٥). أما مشاركتهما فلأن ما يبحث عنه في هذا العلم لا يتكلم فيه صاحب علم جزئي ، ويتكلم فيه الجدلي والسوفسطائي. وأما المخالفة فلأن الفيلسوف الأول من حيث هو فيلسوف أول لا يتكلم في مسائل العلوم الجزئية وذانك (٦) يتكلمان. وأما مخالفته للجدل خاصة بالقوة ، لأن الكلام الجدلي يفيد الظن لا اليقين كما علمت في صناعة المنطق. وأما مخالفة (٧) السوفسطائية (٨) فبالإرادة ، وذلك لأن هذا يريد الحق نفسه ، وذلك يريد أن يظن به أنه حكيم يقول الحق وإن لم يكن حكيما.

__________________

(١) مادة : المادة ط

(٢) غير : عن م

(٣) فى هذا العلم : هذا العلم ب ؛ ساقطة من ط

(٤) والسفسطة : والسوفسطائية ج ؛ والسوفسطيقية ص ، م ؛ والسوفسطية ط

(٥) « ويخالف .... وجه » : ساقطة من م

(٦) وذانك : وذينك ص ، ط ، م

(٧) مخالفة : مخالفته ب ، ج ، ص ، ط

(٨) السوفسطائية : للسوفسطيقية ب ، السوفسطية ط ؛ السوفسطيقية م.

١٦

[ الفصل الثالث ]

( ج ) فصل

في منفعة هذا العلم ومرتبته واسمه

وأما منفعة هذا العلم ، فيجب أن تكون قد وقفت في العلوم التي قبل هذا على أن الفرق بين النافع وبين الخير ما هو ، وأن الفرق بين الضار وبين الشر ما هو ، وأن النافع هو السبب الموصل بذاته إلى الخير ، والمنفعة هي المعنى الذي يوصل به من الشر (١) إلى الخير.

وإذ قد (٢) تقرر هذا فقد علمت أن العلوم كلها تشترك في منفعة واحدة وهي : تحصيل كمال النفس الإنسانية بالفعل مهيئة إياها للسعادة الأخروية. ولكنه (٣) إذا (٤) فتش في رءوس الكتب عن منفعة العلوم لم يكن القصد متجها إلى هذا المعنى ، بل إلى معونة بعضها في بعض ، حتى تكون منفعة علم ما هي (٥) معنى يتوصل (٦) منه إلى تحقق علم (٧) آخر غيره.

وإذا كانت المنفعة بهذا المعنى فقد (٨) يقال قولا مطلقا (٩) ، وقد يقال قولا مخصصا. فأما المطلق فهو أن يكون النافع موصلا إلى تحقيق (١٠) علم آخر كيف كان ، وأما المخصص فأن يكون النافع موصلا إلى ما هو أجل منه ، وهو كالغاية له إذ هو لأجله بغير انعكاس. فإذا أخذنا المنفعة بالمعنى المطلق كان (١١) لهذا العلم منفعة (١٢).

__________________

(١) الشر : الشىء طا

(٢) وإذ قد : وإذا ج ، م

(٣) ولكنه : لكنه ص ، م

(٤) اذا : انه اذا ج

(٥) هى : هو ب ، ص ، ط

(٦) يتوصل : يوصل م

(٧) تحقق علم : تحقيق معنى ص

(٨) فقد : قد م

(٩) مطلقا : + وقد يقال قولا مطلقا ط

(١٠) تحقيق : تحقق م

(١١) كان : كانت ط. (١٢) المطلق ...... منفعة : ساقطة من م

١٧

وإذا (١) أخذنا المنفعة بالمعنى (٢) المخصص كان هذا العلم أجل من أن ينفع في علم غيره ، بل سائر العلوم تنفع فيه.

لكنا إذا قسمنا المنفعة المطلقة إلى أقسامها كانت ثلاثة أقسام : قسم يكون الموصل منه موصلا إلى معنى أجل منه ، وقسم يكون الموصل منه موصلا إلى معنى مساو له ، وقسم يكون الموصل منه موصلا إلى معنى دونه (٣) ، وهو أن يفيد في كمال دون ذاته. وهذا إذا طلب له اسم خاص كان الأولى به الإفاضة ، والإفادة ، والعناية ، والرئاسة ، أو شيء مما يشبه هذا إذا استقريت الألفاظ الصالحة في هذا الباب عثرت (٤) عليه.

والمنفعة المخصصة (٥) قريبة من الخدمة. وأما الإفادة التي تحصل من الأشرف في الأخس فليس تشبه الخدمة. وأنت تعلم أن الخادم ينفع المخدوم ، والمخدوم أيضا ينفع الخادم (٦) ، أعني المنفعة إذا أخذت مطلقة ويكون نوع كل منفعة ووجهه (٧) الخاص نوعا آخر ، فمنفعة هذا العلم الذي (٨) بينا وجهها هي إفادة اليقين بمبادئ العلوم الجزئية ، والتحقق (٩) لماهية الأمور المشترك (١٠) فيها ، وإن لم تكن مبادئ.

فهذا إذن منفعة الرئيس للمرءوس ، والمخدوم للخادم ، إذ نسبة هذا العلم إلى العلوم الجزئية نسبة الشيء الذي هو المقصود معرفته في هذا العلم إلى الأشياء المقصود (١١) معرفتها في تلك العلوم. فكما أن ذلك مبدأ لوجود تلك ، فكذلك العلم به مبدأ لتحقق العلم بتلك.

__________________

(١) وإذا .. بالمعنى : ساقطة من م

(٢) بالمعنى : بالوجه ب ، ص ، ط

(٣) أجل منه ... إلى معنى دونه : ساقطة من م

(٤) أجل منه ... إلى معنى دونه : ساقطة من م

(٥) عثرت : عثرب ، ج ، ص ، ط ، م

(٦) المخصصة : المخصوصة ج

(٧) ووجهه : وجهة م

(٨) الذي : التي ب ، ص ، ط

(٩) والتحقق : والتحقيق ج ، ص ، ط

(١٠) المشترك : المشتركة ج ؛ المشتركة ص ، ط ، طا ، م

(١١) المقصود : المقصودة ج ، ص ، ط.

١٨

وأما مرتبة هذا العلم فهي (١) أن يتعلم بعد العلوم الطبيعية والرياضية.

أما الطبيعية ، فلأن كثيرا من الأمور المسلمة في هذا مما تبين (٢) في علم (٣) الطبيعي مثل : الكون ، والفساد ، والتغير ، والمكان ، والزمان وتعلق كل متحرك بمحرك ، وانتهاء المتحركات إلى محرك أول ، وغير ذلك.

وأما الرياضية ، فلأن الغرض الأقصى في هذا العلم وهو (٤) معرفة تدبير الباري تعالى ، ومعرفة الملائكة الروحانية وطبقاتها ، ومعرفة النظام في ترتيب الأفلاك ، ليس (٥) يمكن أن يتوصل إلا بعلم الهيئة ، وعلم الهيئة لا يتوصل إليه إلا بعلم الحساب والهندسة. وأما الموسيقى وجزئيات الرياضيات والخلقيات والسياسة (٦) فهي نوافع غير ضرورية في هذا العلم.

إلا أن لسائل أن يسأل فيقول : إنه إذا كانت المبادئ في علم (٧) الطبيعة والتعاليم إنما تبرهن في هذا العلم وكانت (٨) مسائل العلمين تبرهن بالمبادئ ، وكانت مسائل ذينك العلمين تصير مبادئ لهذا العلم ، كان ذلك بيانا دوريا ويصير آخر الأمر بيانا للشيء من نفسه ، والذي يجب أن يقال في حل هذه الشبهة هو ما قد قيل وشرح في كتاب البرهان. وإنما نورد منه مقدار الكفاية في هذا الموضع فنقول :

إن المبدأ للعلم ليس إنما يكون مبدأ لأن جميع المسائل تستند في براهينها إليه بفعل أو بقوة ، بل ربما كان المبدأ مأخوذا في (٩) براهين بعض هذه (١٠) المسائل ، ثم قد يجوز أن تكون في العلوم مسائل براهينها لا تستعمل وصفا البتة ، بل إنما

__________________

(١) فهى : فهو ب ، ج ، ط ، م

(٢) تبين : يتبين ص ، م

(٣) علم : العلم ص ، م

(٤) وهو : هو ج ؛ هو هو ط

(٥) ليس : فليس ج ؛ وليس ص ، ط

(٦) والسياسة :

والسياسية ح ، ط

(٧) علم : العلم ج

(٨) وكانت : وقد كانت ط

(٩) فى : + جميع ط

(١٠) هذه : ساقطة من ب.

١٩

تستعمل المقدمات التي لا برهان (١) عليها. على أنه إنما يكون مبدأ العلم مبدأ بالحقيقة إذا كان يفيد أخذه اليقين (٢) المكتسب من العلة ، وأما إذا كان ليس يفيد العلة ، فإنما يقال له مبدأ العلم على نحو آخر. وبالحري أن يقال له مبدأ على حسب ما يقال للحس مبدأ ، من جهة أن الحس بما هو حس يفيد الوجود فقط.

فقد ارتفع إذن الشك ، فإن المبدأ الطبيعي (٣) يجوز أن يكون بينا بنفسه ، ويجوز أن يكون بيانه في الفلسفة الأولى بما ليس يتبين به فيها (٤) بعد ، ولكن (٥) إنما تتبين به فيها مسائل أخرى حتى يكون ما هو مقدمة في العلم الأعلى لإنتاج ذلك المبدأ لا يتعرض له في إنتاجه من ذلك المبدأ ، بل له مقدمة (٦) أخرى.

وقد يجوز أن يكون العلم الطبيعي أو الرياضي أفادنا برهان « إن » وإن (٧) لم يفدنا فيه برهان « اللم » ثم (٨) يفيدنا هذا العلم فيه برهان « لم » خصوصا (٩) في العلل الغائية البعيدة.

فقد (١٠) اتضح أنه إما أن يكون ما هو مبدأ بوجه ما لهذا العلم من المسائل التي في العلوم الطبيعية ليس بيانه من (١١) مبادئ تتبين في هذا العلم ، بل من مبادئ بينة بنفسها ، وإما أن يكون بيانه من مبادئ هي مسائل في هذا العلم ، لكن (١٢) ليس تعود فتصير مبادئ لتلك المسائل لعينها بل لمسائل أخرى ، وإما أن تكون تلك المبادئ لأمور من هذا العلم لتدل على وجود ما يراد أن نبين في هذا العلم لميته. ومعلوم أن هذا الأمر إذا كان على هذا الوجه لم يكن بيان دور البتة ، حتى يكون بيانا يرجع إلى أخذ الشيء في بيان نفسه.

__________________

(١) برهان : براهين م

(٢) اليقين : باليقين ص ؛ ليغير ط

(٣) الطبيعى : للطبيعى م

(٤) فيها : فيما ج ، ص ، ط ،

(٥) ولكن : لكن م

(٦) له مقدمة : بمقدمة ص ؛ لمقدمة م

(٧) وإن : ساقطة من م

(٨) ثم : + لم م

(٩) خصوصا : وخصوصا ج ، ص ، ط ، م

(١٠) فقد : وقد ج ، ط

(١١) من : فى ج ، ط ، طا. (١٢) لكن : ولكن ص.

٢٠