• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46676 / تحميل: 6553
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

« امهلوا طويلا » في ( الخصال ) عن الصادق عليه السلام : انّ اللّه تعالى أهبط ملكا إلى الأرض فلبث فيها دهرا طويلا ثمّ عرّج إلى السماء فقيل له ما رأيت فقال :

عجائب و أعجب ما رأيت عبدا متقلبا في نعمتك يأكل رزقك و يدّعي الربوبيّة فعجبت من جرأته عليك و من حلمك عنه قال تعالى له : من حلمي عجبت ؟ قد أمهلته أربعمائة سنة لا يضرب عليه عرق و لا يريد من الدّنيا شيئا إلاّ ناله و لا يتغيّر عليه فيها مطعم و لا مشرب١ و قال تعالى : فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا٢ ، و ذرني و المكذّبين أولي النعمة و مهّلهم قليلا إنّ لدينا أنكالا و جحيما و طعاما ذا غصّة و عذابا أليما٣ .

« و منحوا جميلا » أي : اعطوا ، و قال تعالى في قارون : و آتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوّة .٤ و في الوليد بن المغيرة : ذرني و من خلقت وحيدا و جعلت له مالا ممدودا و بنين شهودا و مهّدت له تمهيدا٥ ، و في القرون الماضية : ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من قرن مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم و أرسلنا السماء عليهم مدرارا و جعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم و أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين٦ .

« و حذّروا أليما » أي : عذابا اليما ، و الأليم بمعنى المؤلم كما يأتي السميع بمعنى المسمع ، و قال تعالى : و إن من امّةٍ إلاّ خلا فيها نذير٧ ، و قال الّذين

ــــــــــــ

 ( ١ ) الخصال للصدوق : ٤١ ح ٣١ .

 ( ٢ ) الطارق : ١٧ .

 ( ٣ ) المزمل : ١١ ١٣ .

 ( ٤ ) القصص : ٧٦ .

 ( ٥ ) المدثر : ١١ ١٤ .

 ( ٦ ) الأنعام : ٦ .

 ( ٧ ) فاطر : ٢٤ .

١٨١

في النار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبيّنات قالوا بلى قالوا فادعوا و ما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال١ ، و لقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنّي لكم نذير مبين ألاّ تعبدوا إلاّ اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يوم أليم٢ .

« و وعدوا جسيما » أي : ثوابا جسيما ، قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون في ما قال لقومه : و من عمل صالحا من ذكر أو انثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة يرزقون فيها بغير حساب٣ .

« احذروا الذنوب المورّطة » أورطه و ورّطه : أوقعه في الورطه أي : الهلاك ،

و قال تعالى : كدأب آل فرعون و الّذين من قبلهم كفروا بآيات اللّه فأخذهم اللّه بذنوبهم إنّ اللّه قويّ شديد العقاب٤ و لقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدّكر٥ ، و لمّا جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنّا مهلكوا أهل هذه القرية إنّ أهلها كانوا ظالمين قال إنّ فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجّينّه و أهله إلاّ امرأته كانت من الغابرين و لمّا أن جاءت رسلنا لوطا سي‏ء بهم و ضاق بهم ذرعا و قالوا لا تخف و لا تحزن إنّا منجوّك و أهلك إلاّ امرأتك كانت من الغابرين إنّا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون٦ .

« و العيوب المسخطة » فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المؤمن : ٤٩ ٥٠ .

 ( ٢ ) هود : ٢٥ ٢٦ .

 ( ٣ ) المؤمن : ٤٠ .

 ( ٤ ) الأنفال : ٥٢ .

 ( ٥ ) القمر : ٥١ .

 ( ٦ ) العنكبوت : ٣١ ٣٤ .

١٨٢

و أدبارهم ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم١ ، لعن الّذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه . .

لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم ان سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون و لو كانوا يؤمنون باللّه و النبيّ و ما انزل إليه ما اتخذوهم أولياء و لكنّ كثيرا منهم فاسقون٢ .

« أولي الأبصار و الأسماع و العافية و المتاع » قال ابن ميثم : خصّ أولي المتاع ، لأنّ أهل الاستمتاع بالدّنيا هم المجذوبون عنها من جهة اشتغالهم بمتاعها عن سلوك سبيل اللّه .

قلت : بل خصّهم لأنّهم بالمتاع يتمكّنون من الإنفاق في سبيل اللّه حتّى يستحقّوا الدرجات الرفيعة٣ قال تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفا و طمعا و ممّا رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون٤ فكما أنّ كونهم أولي الأبصار و الأسماع و العافية أنسب بتوجّههم لتحصيل الآخرة كذلك كونهم أولي المتاع ، فإنّ الكلّ على مساق واحد و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول ( الخوئي ) أيضا خصّ أولي المتاع بما منّ به عليهم من المتاع و الأولاد الموجبة للإعراض عن العقبى و الرغبة إلى الدّنيا٥ . فإنّه و إن كانت علائق الدنيا من المال و الولد

ــــــــــــ

 ( ١ ) محمّد : ٢٧ ٢٨ .

 ( ٢ ) المائدة : ٧٨ ٨١ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٦٨ .

 ( ٤ ) السجدة : ١٦ ١٧ .

 ( ٥ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ٦ : ٦٨ .

١٨٣

موجبة لنسيان الآخرة ، كما قال تعالى : إنّما أموالكم و أولادكم فتنة١ إلاّ أنّه في مقام آخر ، و حينئذ فكلامه عليه السلام هنا نظير ما ورد : ( اغتنموا خمسا قبل خمس : و عدّ منها الغنى قبل الفقر ) .

« هل من مناص أو خلاص » في ( الصحاح ) : ( ناص عن قرنه ينوص نوصا و مناصا أي : فرّ و راغ٢ قال تعالى : و لآت حين مناص٣ أي : ليس وقت تأخّر و فرار ، و المناص أيضا الملجأ و المفرّ .

« أو معاذ أو ملاذ » اسما مكان من ( عاذ يعوذ ) و ( لاذيلوذ ) .

« أو فرار أو محار » المحار : المرجع ، قال تعالى : فإذا برق البصر و خسف القمر و جمع الشمس و القمر يقول الإنسان يومئذ أين المفرّ كلاّ لا وزر إلى ربّك يومئذ المستقرّ ينبّأ الإنسان يومئذ بما قدّم و أخّر٤ قال ابن أبي الحديد : قال الجاحظ قال ثمامة : سمعت جعفر بن يحيى يقول : ( الكتابة ضمّ اللفظة إلى أختها ، ألم تسمعوا إلى قول شاعر لشاعر و قد تفاخرا : أنا أشعر منك ، لأنّي أقول البيت و أخاه ، و أنت تقول البيت و ابن عمّه٥ و ناهيك حسنا قول عليّ عليه السلام : ( هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار ) .

« أم لا ؟ » ليس في ( ابن أبي الحديد ) و لكنّه في ( ابن ميثم و الخوئي المصرية )٦ و كيف كان قال تعالى : يبصرونهم يودّ المجرم لو يفتدي

ــــــــــــ

 ( ١ ) التغابن : ١٥ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( نوص ) .

 ( ٣ ) ص : ٣ .

 ( ٤ ) القيامة : ٧ ١٣ .

 ( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٧٧ ، و كرّر في ١٣ : ١٢٥ .

 ( ٦ ) وردت العبارة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٧٥ كما وردت في شرح الخوئي ٦ : ٦٥ و الطبعة المصرية : ١٩٩ .

١٨٤

من عذاب يومئذ ببنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته التي تؤويه و من في الأرض جميعا ثم ينجيه كلاّ انّها لظى نزّاعة للشّوى تدعو من أدبر و تولّى و جمع فأوعى١ .

« فانّى تؤفكون » في ( الصحاح ) : الأفك بالفتح مصدر أفكه يأفكه أي : قلبه و صرفه و منه قوله تعالى قالوا أجئتنا لتأفكنا عمّا وجدنا عليه آباءنا٢ و قال عروة بن اذينة : إن تك عن أحسن الصنيعة مأفوكا ففي آخرين قد افكوا ،

أي : إن لم توفّق لإحسان فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك ، و قال أبو زيد :

المأفوك المأفون : و هو الضعيف العقل و الرّأي ، و قوله تعالى : يؤفك عنه من أفك قال مجاهد : أي : يؤفن عنه من أفن٣ قال تعالى : اللّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده فانّى تؤفكون ٤ ، اللّه الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه و النهار مبصرا انّ اللّه لذو فضل على النّاس و لكن أكثر الناس لا يشكرون٥ ، ذلكم اللّه ربّكم خالق كلّ شي‏ء لا إله إلاّ هو فانّى تؤفكون كذلك يؤفك الّذين كانوا بآيات اللّه يجحدون٦ ، يا أيّها الناس اذكروا نعمة اللّه عليكم هل من خالق غير اللّه يرزقكم من السماء و الأرض لا إله إلاّ هو فأنّى تؤفكون٧ ، و لئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه فانّى يؤفكون٨ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) المعارج : ١١ ١٨ .

 ( ٢ ) الذاريات : ٩ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( أفك ) .

 ( ٤ ) يونس : ٣٤ .

 ( ٥ ) المؤمن : ٦١ .

 ( ٦ ) المؤمن : ٦٢ ٦٣ .

 ( ٧ ) فاطر : ٣ .

 ( ٨ ) الزخرف : ٨٧ .

١٨٥

« أم أين تصرفون » ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات اللّه انّى يصرفون١ .

« أم بماذا تغترّون » يا أيّها الناس إنّ وعد اللّه حقّ فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا و لا يغرّنّكم باللّه الغرور٢ ، يا أيّها الناس اتقوا ربّكم و اخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده و لا مولود هو جاز عن والده شيئا إنّ وعد اللّه حقّ فلا تغرنّكم الحياة الدنيا و لا يغرنّكم باللّه الغرور٣ ، اعلموا انّما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد كمثل غيث أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج فتراه مصفرا ثمّ يكون حطاما و في الآخرة عذاب شديد و مغفرة من اللّه و رضوان و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور٤ كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النّار و ادخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور٥ .

« و إنّما حظّ أحدكم من الأرض ذات الطول و العرض قيد قدّه » في ( الصحاح ) :

( تقول : بينهما قيد رمح بالكسر و قاد رمح ، أي : قدر رمح٦ ، قال تعالى :

و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم٧ قال المسعودي : بنى الزبير داره بالبصرة و هي المعروفة في هذا الوقت و هو سنة ( ٣٣٢ ) تنزلها التجّار و أرباب الأموال و أصحاب الجهات من البحرين و غيرهم ، و ابتنى أيضا دورا

ــــــــــــ

 ( ١ ) المؤمن : ٦٩ .

 ( ٢ ) فاطر : ٥ .

 ( ٣ ) لقمان : ٣٣ .

 ( ٤ ) الحديد : ٢٠ .

 ( ٥ ) آل عمران : ١٨٥ .

 ( ٦ ) الصحاح : ( قود ) .

 ( ٧ ) الأنعام : ٩٤ .

١٨٦

بمصر و الكوفة و الإسكندرية ، و بلغ ماله بعد وفاته خمسين ألف دينار و خلّف ألف فرس و ألف عبد و ألف أمة و خططا بحيث ذكرنا من الأمصار و كذلك طلحة ابتنى داره بالكوفة المشهورة به هذا الوقت بدار الطلحيين و كان غلّته من العراق كلّ يوم ألف دينار ، و قيل : أكثر ، و بناحية سراة أكثر ، و شيّد داره بالمدينة و بناها بالآجر و الجصّ و السّاج و كذلك عبد الرحمن بن عوف ، ابتنى داره و وسّعها ، و كان على مربطه مائة فرس و له ألف بعير و عشرة آلاف من الغنم و بلغ بعده ربع ثمن ماله أربعة و ثمانين ألفا و ذكر سعيد ابن المسيب أنّ زيد بن ثابت حين مات خلّف من الذهب و الفضّة ما كان يكسر بالفؤوس ، غير ما خلّف من الأموال و الضياع بقيمة مائة ألف دينار ، و خلّف يعلى بن امية خمسمائة ألف دينار و ديونا على النّاس و عقارات و غير ذلك من التركة ما قيمته مائة ألف دينار١ .

« متعفّرا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب٢ : ( منعفرا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« على خدّه » في ( الصحاح ) : ( انعفر الشي‏ء : تترّب ، و الخدّ في الوجه و هما خدّان )٤ و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إذا أردت أن تدفن الميّت ،

فليكن أعقل من نزل في قبره عند رأسه ، فليكشف خدّه الأيمن حتّى يفضي به الأرض ، و يدني فمه إلى سمعه و يقول : إسمع ، إفهم ثلاث مرّات اللّه ربّك و محمّد نبيّك ، و الإسلام دينك ، و فلان إمامك ، إسمع و افهم ، أعد عليه

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٣٢ .

 ( ٢ ) شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٦٤ .

 ( ٣ ) أورد ابن ميثم العبارة كالمصرية ٢ : ٢٦٧ ( متعفرا ) الخطية كما أورد المصنف : ٥٥ ، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ٢٧٥ .

 ( ٤ ) الصحاح : مادة ( عفر ) .

١٨٧

ثلاث مرّات هذا التلقين١ .

« الآن عباد اللّه و الخناق مهمل » في ( الصحاح ) : و موضع الخناق من العنق فخنّق بالتشديد يقال : بلغ به المخنّق و أخذت بمخنّقه و كذلك الخناق بالضمّ يقال : أخذ بخناقه و الخناق بالكسر حبل يخنق به٢ ، و على ما ذكره فيجوز في قوله : ( و الخناق مهمل ) الضمّ أي الحلق مهمل لم يأخذه ملك الموت و الكسر أي : الحبل مهمل لم يلقه ملك الموت على الحلق ، و الأوّل أظهر قال تعالى : كلاّ إذا بلغت التراقي ، و قيل من راق و ظنّ أنّه الفراق و التفّت الساق بالساق إلى ربّك يومئذ المساق٣ .

« و الروح مرسل » في ( الصحاح ) : الروح يذكّر و يؤنّث٤ .

« في فينة الإرشاد » في ( الصحاح ) : ( الفينات : الساعات ، و يقال : لقيته الفينة بعد الفينة أي : الحين بعد الحين ، و ان شئت قلت : لقيته فينة بعد فينة )٥ . ثمّ الصواب ( في فينة الارتياد ) كما نسبه ابن أبي الحديد إلى رواية فلا مناسبة للإرشاد هنا ، بل للارتياد ، و ارتياد الكلأ طلبه ، فيكون المراد : جدّوا في ساعات يمكنكم فيها تحصيل خصب لئلاّ تقعوا في جدب و لا معنى لأن يقال : اعملوا في أوقات يمكنكم فيها إرشاد غيركم .

« و راحة الأجساد » و اتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ، ان تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٥ .

 ( ٢ ) الصحاح : مادة ( خنق ) .

 ( ٣ ) القيامة : ٢٦ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( روح ) .

 ( ٥ ) الصحاح : ( فين ) .

١٨٨

في جنب اللّه و إن كنت لمن السّاخرين١ ، أو تقول حين ترى العذاب لو انّ لي كرّة فأكون من المحسنين٢ .

« و باحة الاحتشاد » في ( الصحاح ) : باحة الدار : ساحتها ، و حشدوا :

إجتمعوا و كذلك احتشدوا ، و ليست فقرة ( و باحة الاحتشاد )٣ في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية )٤ ، و لعلّ ( المصرية )٥ أخذتها من حاشية مأخوذة من مستند العنوان .

« و مهل البقيّة » الإضافة بمعنى ( في ) أي : ليعمل في مهل له في بقيّة العمر .

« و انف المشيّة » انّ هذه تذكرة فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا٦ ذلك اليوم الحقّ فمن شاء اتّخذ إلى ربّه مآبا٧ ( و أنف المشيّة ) بالفتح و السكون أوّلها كقولهم : ( أنف الجبل ) و إنّما قولهم : ( روضة أنف ) لم ترع من قبل و ( جارية أنف ) لم تحض من قبل بالضّمّتين لا هنا كما توهّمه ( الخوئي )٨ .

« و إنظار التّوبة » قال تعالى : إنّما التوبة على اللّه للذين يعملون السوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب فاولئك يتوب اللّه عليهم و كان اللّه عليما حكيما .

و ليست التوبة للّذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن .٩ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٢٧٦ الزمر : ٥٥ ٥٦ .

 ( ٢ ) الزمر : ٥٨ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( بوح ) .

 ( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٢ : ٢٦٧ ، و الخطية : ٥٥ .

 ( ٥ ) المصرية : ١٩٩ .

 ( ٦ ) المزمل : ١٩ .

 ( ٧ ) النبأ : ٣٩ .

 ( ٨ ) شرح نهج البلاغة لحبيب اللّه الخوئي ٦ : ٦٦ ( اللغة ) .

 ( ٩ ) النساء : ١٧ ١٨ .

١٨٩

« و انفساح الحوبة » قال ابن أبي الحديد : الحوبة : الحاجة ، قال الفرزدق :

فهب لي خنيسا و احتسب فيه منّة

لحوبة أم ما يسوغ شرابها١

و تبعه ابن ميثم و ( الخوئي )٢ .

قلت : انّ الحوبة و ان كانت قد تأتي بمعنى الحاجة إلاّ أنّها في كلامه عليه السلام بمعناها الأشهر و هو الإثم بقرينة قرينتها ( التوبة ) و المراد بانفساح الحوبة انفساح التخلّص عن الإثم و سعته و حينئذ فهو نظير دعاء الهلال ( و وفّقنا فيه للتوبة و اعصمنا فيه من الحوبة ) « قبل الضّنك » أي : الشدّة يقال : هو في ضنك من العيش .

« و المضيق » قال تعالى : حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون لا تجئروا اليوم انّكم منّا لا تنصرون٣ .

« و الرّوع و الزّهوق » في الصحاح : الرّوع بالفتح : الفزع ، و زهقت نفسه زهوقا ، خرجت٤ ، و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت و اخذوا من مكان قريب٥ ،

و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ و كنتم عن آياته تستكبرون٦ .

« و قبل قدوم الغائب المنتظر » قال ابن أبي الحديد و تبعه ابن ميثم

ــــــــــــ

 ( ١ ) لسان العرب لابن منظور ٣ : ٣٧٤ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٢٧٧ ، شرح ابن ميثم ٢ : ٢٦٧ ، شرح الخوئي ٦ : ٦٦ .

 ( ٣ ) المؤمن : ٦٤ ٦٥ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( روع ) .

 ( ٥ ) سبأ : ٥١ .

 ( ٦ ) الأنعام : ٩٣ .

١٩٠

و الخوئي الغائب المنتظر الموت١ .

قلت : بل ملك الموت قل يتوفّيكم ملك الموت الذي و كلّ بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون٢ ، و عن الباقر عليه السلام قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : أخبرني جبرئيل عليه السلام انّ ملكا من الملائكة كان له عند اللّه منزلة عظيمة فتعتب عليه فأهبطه ، فأتى إدريس فقال له : انّ لك من اللّه منزلة ، فاشفع لي فصلّى إدريس ثلاث ليال لا يفتر و صام أيّامها لا يفطر ثمّ طلب إليه في السّحر في الملك فقال له الملك : أعطيت سؤلك قد اطلق لي جناحي و أنا أحبّ أن أكافيك ، فأطلب إليّ حاجة ، فقال له :

تريني ملك الموت لعلّي انس به فإنّه ليس يهنأ لي مع ذكره شي‏ء فبسط جناحه ثم قال له اركب فصعد به يطلب ملك الموت في السماء الدنيا فقيل له اصعد ،

فاستقبله بين السماء الرابعة و الخامسة ، فقال الملك : يا ملك الموت مالي أراك قاطبا قال : كنت تحت ظلّ العرش فأمرت أن أقبض روح آدميّ بين السماء الرابعة و الخامسة فامتعض فخرّ من جناح الملك فقبض روحه مكانه٣ قال عزّ و جلّ : و رفعناه مكانا عليّا٤ و عن جابر الجعفي سألت أبا جعفر عليه السلام عن لحظة ملك الموت قال : أما رأيت الناس يكونون فتعتريهم سكتة فما يتكلّم أحد منهم فتلك لحظة ملك الموت حيث يلحظهم٥ ، و عن الصادق عليه السلام ما أهل بيت شعر و لا وبر إلاّ و ملك الموت يتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرات٦ .

« و أخذه العزيز المقتدر » الأصل فيه قوله تعالى : و لقد جاء آل فرعون

ــــــــــــ

 ( ١ ) انظر ابن ميثم ٢ : ٢٦٧ و الخوئي ٨ : ٦٦ .

 ( ٢ ) السجدة : ١١ .

 ( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٥٧ ح ٢٦ .

 ( ٤ ) مريم : ٥٧ .

 ( ٥ ) الكافي ٣ : ٢٥٩ ح ٣١ .

 ( ٦ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٦ ح ٢٢ .

١٩١

النذر كذّبوا بآياتنا كلّها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر١ .

قول المصنّف : « و في الخبر إنّه لمّا خطب عليه السلام بهذه الخطبة اقشعرّت لها الجلود » ، اقشعرّت : اضطربت و تزلزلت قال الشاعر في رثاء هشام بن المغيرة المخزومي :

فأصبح بطن مكّة مقشعرا

كأنّ الأرض ليس بها هشام

و لمّا ضرب عمر أبا سفيان بالدرّة قالت له هند : « لربّ يوم لو ضربته لاقشعرّ بطن مكّة »٢ و تفسير ( النهاية ) الثاني بقوله ( تقبّضت و جمعت )٣ كما ترى ، ففي ( القاموس ) : اشقعرّ جلده : أخذته رعدة٤ .

« و بكت العيون و رجفت القلوب » رجفت الأرض اضطربت شديدا .

« و من النّاس من يسمّي هذه الخطبة الغرّاء » في ( الصحاح ) : الغرّة بالضّمّ : بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم ، و الأغرّ : أبيض٥ ، و رجل أغرّ :

شريف .

٥

في الخطبة ( ٨٣ ) و منها :

فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اَللَّهِ بِالْعِبَرِ اَلنَّوَافِعِ وَ اِعْتَبِرُوا بِالْآيِ اَلسَّوَاطِعِ وَ اِزْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ اَلْبَوَالِغِ وَ اِنْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَ اَلْمَوَاعِظِ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ اَلْمَنِيَّةِ وَ اِنْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ اَلْأُمْنِيَّةِ وَ دَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ اَلْأُمُورِ

ــــــــــــ

 ( ١ ) القمر : ٤١ ٤٢ .

 ( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ١١ : ٤١ .

 ( ٣ ) النهاية للجزري ٤ : ٦٦ .

 ( ٤ ) الفيروز آبادي ، القاموس المحيط : ٥٩٤ ( اقشعر ) .

 ( ٥ ) الصحاح : ( غرر ) .

١٩٢

وَ اَلسِّيَاقَةُ إِلَى اَلْوِرْدُ اَلْمَوْرُودُ ٩ ١٠ ١١ : ٩٨ وَ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ ٣ ٨ ٥٠ : ٢١ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَ شَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا « فاتّعظوا عباد اللّه بالعبر النوافع » قال تعالى : قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا للّه مثنى و فرادى ثمّ تتفكروا ما بصاحبكم من جنّة إن هو إلاّ نذير لكم بين يدي عذاب شديد١ ، قد كان لكم آية في فئتين التقتافئة تقاتل في سبيل اللّه و اخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين و اللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار٢ ، هو الذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر ما ظننتم أن يخرجوا و ظنّوا انّهم ما نعتهم حصونهم من اللّه فاتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا و قذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار٣ .

يقلّب اللّه اللّيل و النّهار إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار٤ .

« و اعتبروا بالآي السّواطع » الآي : جمع الآية ، و الأصل في الآية : الأوية بفتحتين و معناها العلامة قال تعالى في فرعون : فأراه الآية الكبرى فكذّب و عصى ثمّ أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربّكم الأعلى فأخذه اللّه نكال الآخرة و الاولى إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى أ أنتم أشدّ خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسوّاها و أغطش ليلها و أخرج ضحاها و الأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها مآءها و مرعاها و الجبال أرساها متاعا لكم و لأنعامكم٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) سبأ : ٤٦ .

 ( ٢ ) آل عمران : ١٣ .

 ( ٣ ) الحشر : ٢ .

 ( ٤ ) النور : ٤٤ .

 ( ٥ ) النازعات : ٢٠ ٢٢ .

١٩٣

« و ازدجروا بالنذر البوالغ » و لقد جآءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النّذر١ ، هذا نذير من النّذر الأولى٢ ، و ما تغني الآيات و النّذر عن قوم لا يؤمنون٣ كذّبت ثمود بالنّذر٤ ، كذّبت قوم لوط بالنذر٥ ، و لقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنّذر٦ ، و لقد جاء آل فرعون النذر٧ ، و اذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف و قد خلت النّذر من بين يديه و من خلفه ألاّ تعبدوا إلاّ اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم٨ و في سورة القمر بعد ذكر كلّ من قوم نوح و عاد و ثمود فكيف كان عذابي و نذر٩ و بعد ذكر قوم لوط و لقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي و نذر و لقد صبّحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابي و نذر١٠ .

« و انتفعوا بالذّكر و المواعظ » و كلاّ نقصّ عليك من أنباء الرّسل ما نثبّت به فؤآدك و جآءك في هذه الحقّ و موعظة و ذكرى للمؤمنين١١ و في الآثار :

سل الأرض فقل لها من شقّ أنهارك و غرس أشجارك و جنى ثمارك ؟ فإن لم

ــــــــــــ

 ( ١ ) القمر : ٤ ٥ .

 ( ٢ ) النجم : ٥٦ .

 ( ٣ ) يونس : ١٠١ .

 ( ٤ ) القمر : ٢٣ .

 ( ٥ ) القمر : ٣٣ .

( ٦ ) القمر : ٣٦ .

 ( ٧ ) القمر : ٤١ .

 ( ٨ ) الاحقاف : ٢١ .

 ( ٩ ) القمر : ١٦ و ٢١ و ٣٠ .

 ( ١٠ ) القمر : ٣٧ ٣٩ .

 ( ١١ ) هود : ١٢٠ .

١٩٤

تجبك حوارا ، أجابتك اعتبارا١ .

« فكان قد علقتكم مخالب المنيّة » المخلب للسّباع بمنزلة الظّفر للإنسان و المنيّة : الموت ، قال الهذلي :

و إذا المنيّة انشبت اظفارها

الفيت كلّ تميمة لا تنفع٢

« و انقطعت منكم علائق الامنيّة » الامنية واحدة الأمانيّ ، تقول : منه تمنّيت الشي‏ء ، قال تعالى : و حيل بينهم و بين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل انّهم كانوا في شلّ مريب٣ .

« و دهمتكم مفظعات الامور » أي : فاجأتكم الامور المفظعة ، و في المصباح :

فظع الأمر و أفظع : جاوز الحدّ في القبح٤ و جآءت سكرة الموت بالحقّ ذلك ما كنت منه تحديد٥ .

« و السّياقة إلى الورد المورود » و سيق الّذين كفروا إلى جهنّم زمرا حتى إذا جآءوها فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربّكم و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى و لكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين٦ و قال في فرعون : يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النّار و بئس الورد المورود و اتبعوا في هذه لعنة و يوم القيامة بئس الرّفد المرفود٧ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢١١ .

 ( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ٢ : ٥٤ .

 ( ٣ ) سبأ : ٥٤ .

 ( ٤ ) المصباح المنير للفيتوري ٢ : ١٥٣ ( فظع ) .

 ( ٥ ) ق : ١٩ .

 ( ٦ ) الزمر : ٧١ .

 ( ٧ ) هود : ٩٨ ٩٩ .

١٩٥

« و كلّ نفس معها سائق و شهيد » هكذا في النسخ ، و لعلّ الأصل : و جآءت كلّ نفس معها سائق و شهيد١ ، كما هو لفظ الآية .

« سائق يسوقها إلى محشرها » إلى ربّك يومئذ المساق٢ ، و نسوق المجرمين إلى جهنّم وردا٣ .

« و شاهد يشهد عليها بعملها » قال تعالى : و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين و عن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد٤ ،

و أشرقت الأرض بنور ربّها و وضع الكتاب و جئ بالنبيّين و الشهداء و قضي بينهم بالحقّ و هم لا يظلمون و وفيّت كلّ نفس ما عملت و هو أعلم بما يفعلون٥ .

٦

الخطبة ( ٢٠٢ ) و من كلام له عليه السلام كان كثيرا ينادي أصحابه :

تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اَللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ وَ أَقِلُّوا اَلْعُرْجَةَ عَلَى اَلدُّنْيَا وَ اِنْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ اَلزَّادِ فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَ مَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً لاَ بُدَّ مِنَ اَلْوُرُودِ عَلَيْهَا وَ اَلْوُقُوفِ عِنْدَهَا وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مَلاَحِظَ اَلْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ وَ كَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَ قَدْ نَشِبَتْ فِيكُمْ وَ قَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ اَلْأُمُورِ وَ مُعْضِلاَتُ

ــــــــــــ

 ( ١ ) ق : ٢١ .

 ( ٢ ) القيامة : ٣٠ .

 ( ٣ ) مريم : ٨٦ .

 ( ٤ ) ق : ١٦ ١٨ .

 ( ٥ ) الزمر : ٦٩ ٧٠ .

١٩٦

اَلْمَحْذُورِ فَقَطِّعُوا عَلاَئِقَ اَلدُّنْيَا وَ اِسْتَظْهِرُوا بِزَادِ اَلتَّقْوَى ( و قد مضى شي‏ء من هذا الكلام في ما تقدّم بخلاف هذه الرّواية ) أقول : رواه الصدوق في ( أماليه ) و المفيد في ( إرشاده و أماليه ) مع اختلاف روى الأول في ( الصحيح ) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام :

( كان أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة إذا صلّى العشاء الآخرة ينادي النّاس ثلاث مرّات حتّى يسمع أهل المسجد : أيّها الناس تجهّزوا رحمكم اللّه فقد نودي فيكم بالرحيل فما التعرّج على الدنيا بعد نداء فيها بالرّحيل ، تجهّزوا رحمكم اللّه و انقلبوا بأفضل ما بحضرتكم من الزّاد و هو التقوى ، و اعلموا انّ طريقكم إلى المعاد ، و ممرّكم على الصّراط ، و الهول الأعظم أمامكم على طريقكم عقبة كؤودة و منازل مخوّفة مهولة لابدّ لكم من الممرّ عليها و الوقوف فيها ، فإمّا برحمة من اللّه فنجاة من هولها و عظم خطرها و فظاعة منظرها و شدّة مختبرها ، و إمّا بهلكة ليس بعدها انجبار )١ ، و رواه المفيد في ( أماليه ) باسناده عن جابر عنه عليه السلام مثله٢ ، و قال في ( إرشاده ) : و من كلام له عليه السلام في التزوّد للآخرة و أخذ الأهبة للقاء اللّه تعالى و الوصيّة للنّاس بالعمل الصالح ما رواه العلماء بالأخبار و نقله أصحاب السيّر و الآثار أنّه عليه السلام كان ينادي في كلّ ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم للمنام بحيث يسمعه كافّة أهل المسجد و من جاوره من النّاس ( تزوّدوا رحمكم اللّه فقد نودي فيكم بالرّحيل و أقلّوا العرجة على الدّنيا و انقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزّاد فإنّ امامكم عقبة كؤودا و منازل مهولة لابدّ من الممرّ بها و الوقوف عليها فإمّا برحمة من اللّه نجوتم من فظاعتها و امّا هلكة ليس بعدها انجبار ، يا لها حسرة على ذي غفلة أن يكون

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للصدوق : ٤٠٣ ح ٧ المجلس ٧٥ ، الإرشاد للمفيد : ٢٨٨ ح ١ ، الأمالي للمفيد : ١٩٨ ح ٣٢ .

 ( ٢ ) الأمالي للمفيد : ١٩٨ ح ٣٢ .

١٩٧

عمره عليه حجّة و تؤدّيه أيّامه إلى شقوة ، جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن لا تبطره نعمة و لا تحلّ به بعد الموت نقمة ، فإنّما نحن به وله ، و بيده الخير ، و هو على كلّ شي‏ء قدير١ .

قول المصنّف : « كان كثيرا ينادي به أصحابه » هكذا في ( المصرية )٢ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ( كثيرا ما )٣ و قد عرفت من مستنداته أنّه عليه السلام كان ينادي به أصحابه كلّ ليلة بعد العشاء الآخرة .

قوله عليه السلام : « تجهّزوا رحمكم اللّه فقد نودي فيكم بالرّحيل » و روى ( الاكمال و الغيبة ) : عن محمد بن علي بن الأسود القمّي : أنّ أبا جعفر العمري رضى اللّه عنه حفر لنفسه قبرا و سوّاه بالساج فسألته عن أمره فقال : قد أمرت أن أجمع أمري فمات بعد ذلك بشهرين ، و عن علي بن أحمد الدّلال القميّ قال : دخلت على أبي جعفر محمّد بن عثمان رضى اللّه عنه يوما لأسلّم عليه فوجدته و بين يديه ساجة و نقّاش ينقش عليها و يكتب آيا من القرآن و أسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها فقلت له : يا سيدي ما هذه السّاجة ؟ فقال هي لقبري أوضع عليها أو قال : اسند اليها و أنا في كلّ يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن فأصعد فإذا كان يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا صرت إلى اللّه تعالى و دفنت فيه و هذه السّاجة معي ،

فأثبت ما ذكره فما تأخّر الأمر حتّى اعتلّ فمات في اليوم الّذي ذكر و دفن فيه٤ ، و في الخبر : سئل عليه السلام عن التجهّز للموت فقال عليه السلام : أداء الفرائض و اجتناب المحارم و الاشتمال على المكارم٥ و في الخبر : ( عجبا لقوم حبس

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد للمفيد : ٢٨٨ ح ١ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية المصححة بلفظ ( كثيرا ما ) : ٤٦١ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٥ شرح ابن ميثم و كذلك النسخة الخطية ٤ ٧ : ٢٠٤ .

 ( ٤ ) إكمال الدين للصدوق : ٥٠٢ ، و الغيبة للطوسي : ٣٦٥ .

 ( ٥ ) الأمالي للصدوق : ٦٧ .

١٩٨

أوّلهم عن آخرهم ، ثمّ نودي فيهم بالرّحيل و هم يلعبون )١ و في ( عيون القتيبي ) قال إعرابيّ :

و ما نحن إلاّ مثلهم غير أنّنا

أقمنا قليلا بعدهم و تقدّموا

و قال آخر :

و إنّا و اخوانا لنا قد تتابعوا

لكالمغتدي و الرائح المتهجّر٢

و قال أبو نؤاس :

سبقونا إلى الرحيل و إنّا لبالأثر

« و أقلوا العرجة على الدنيا » أي : إجعلوا عرجتكم قليلا ، يقال : ( عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيّته عليه و أقام ) و عنهم عليهم السلام : ( صلّ كلّ صلاة تصلّيها صلاة مودّع و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا )٣ .

« و انقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد » يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه و لتنظر نفس ما قدّمت لغد و اتّقوا انّ اللّه خبير بما تعملون٤ و في خبر :

كان في بني اسرائيل مجاعة حتّى نبشوا الموتى فأكلوهم ، فنبشوا قبرا فوجدوا فيه لوحا فيه : « أنا فلان النبيّ ما قدّمناه وجدناه و ما أكلناه ربحناه و ما خلّفناه خسرناه »٥ .

« فانّ أمامكم عقبة كؤودا » في ( الصحاح ) : العقبة : واحدة عقاب الجبال٦ و عقبة كؤود و كأداء : شاقّة المصعد ، في الخبر : أنّ بين الدّنيا و الآخرة ألف

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٣ : ٢٥٨ ح ٢٩ .

 ( ٢ ) عيون الاخبار لابن قتيبة ٣ : ٦١ .

 ( ٣ ) ورد في الفقيه ( ما يشابهه ) ١ : ٣٠٣ ح ٩١٦ .

 ( ٤ ) الحشر : ١٨ .

 ( ٥ ) الأمالي للصدوق : ٣٦١ و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٧٣ : ١٣٧ ح ٢ .

 ( ٦ ) الصحاح : ( عقب ) .

١٩٩

عقبة أهونها و أيسرها الموت١ ، في ( عرائس الثعلبي ) : عبد اللّه تعالى يحيى حتّى أكلت مدرعة الشعر لحمه ، و بكى حتى أكل الدّمع لحم خدّيه و بدت أضراسه ، فقال له زكريا : ما يدعوك لهذا يا بنيّ ؟ إنّما سألت ربّي أن يهبك لي لتقرّ بك عيني قال : أنت أمرتني بذلك يا أبه قال : و متى ؟ قال : ألست القائل انّ بين الجنّة و النّار عقبة كؤودا لا يقطعها إلاّ الباكون من خشية اللّه تعالى ، قال :

بلى ، فجد و اجتهد٢ .

و في ( اعتقادات الصدوق ) : ( كلّ عقبة باسم فرض أو أمر أو نهي ، فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة فرض و كان قصّر فيه حبس عندها ، و طولب بحقّ اللّه فيها ، فان خرج منه بعمل صالح قدّمه أو برحمة تداركته نجّيّ منها إلى عقبة اخرى ، فلا يزال يدفع من عقبة و يحبس عند كلّ عقبة فيسأل عمّا قصّر من معناها فان سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء فيحيا حياة لا يموت فيها أبدا و يسعد سعادة لا شقاوة معها ، و سكن في جوار اللّه مع أنبيائه و حججه و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين من عباده ، و إن حبس على عقبة فطولب بحقّ قصّر فيه فلم ينجّه عمل صالح قدّمه و لا أدركه منه تعالى رحمة زلّت به قدمه على العقبة ، فهوى في نار جهنّم ، و هذه العقبات كلّها على الصّراط ، منها :

عقبة الولاية ، يوقف جميع الخلايق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام من بعده فمن أتى بها نجا و جاوز ، و من لم يأت بها بقى فهوى ،

و ذلك قوله تعالى : وقفوهم انّهم مسؤولون٣ و منها : عقبة المرصاد ، و هو قوله تعالى : إنّ ربّك لبالمرصاد٤ ، يقول تعالى : ( لا يجوزني ظلم ظالم )

ــــــــــــ

 ( ١ ) الفقيه ١ : ١٣٤ ح ٣٥٩ .

 ( ٢ ) العرائس للثعالبي : ٣٧٧ و قد مرّ قسم من الرواية في صفحة ٤ .

 ( ٣ ) الصافات : ٢٤ .

 ( ٤ ) الفجر : ١٤ .

٢٠٠