• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46702 / تحميل: 6553
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

« و لا اعتدل بممازج لتلك الطبايع إلاّ أمدّ منها كلّ ذات داء » في ( البيان ) : قيل لعمرو بن العاص في مرض موته : كيف تجدك ؟ قال : أجدني أذوب و لا أثوب ،

و أجد نجوى أكثر من رزئي فما بقاء الشيخ على ذلك ؟ و قيل لإعرابي كانت به أمراض عدّة : كيف تجدك ؟ قال : أمّا الّذي يعمدني فحصر و أسر١ ، و الحصر ( بالضمّ ) : اعتقال البطن ، و الأسر ( بالضمّ ) : حبس البول .

« حتّى فتر معلّله » أي : ضعف و انكسر من يتصدّى أمر علّته ، و في ( أخبار حكماء القفطي ) : مرض الهادي ، فجمع الأطباء أبو قريش ، و الطيفوري ، و داود بن سرفيون ، فقال لهم : أنتم تأكلون أموالي و جوائزي و في وقت الشدّة تتغافلون عنّي ، فقال له أبو قريش : علينا الإجتهاد ، و اللّه يهب السّلامة ، فاغتاظ من هذا فقال له الربيع : قد وصف لنا ( بنهر صرصر ) طبيب ماهر ، يقال له يشوع بن نضر ، فأمر بإحضاره و بقتل أولئك الأطباء ، فلم يتصدّ الربيع لقتلهم لعلمه باختلاط عقله من شدّة المرض ، و أرسل إلى طبيب ( نهر صرصر ) و أحضره ، فدخل على الهادي ، فقال له : رأيت القارورة ، قال : نعم هوذا أعمل لك دواء نأخذه و إذا كان على تسع ساعات تبرأ و تخلص ، و خرج من عنده ، و قال للأطباء : لا تشغلوا قلوبكم في هذا اليوم ، و كان الهادي أمر له بعشرة آلاف درهم ليبتاع له بها الدّواء ، فأخذها و سيّرها بيته ، و أحضر أدوية و جمع الأطباء بالقرب من موضع الهادي ، و قال لهم : دقّوا حتّى يسمع و يسكن ، فإنّكم في آخر النهار تتخلنصون ، و كلّ ساعة يدعو به الهادي و يسأله عن الدواء فيقول : هوذا تسمع صوت الدّق ، فيسكت و لمّا كان بعد تسع ساعات مات و تخلّص الأطباء٢ .

 ــــــــــــ

 ( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ١ : ٤٠٩ ٤١٠ .

 ( ٢ ) أخبار الحكماء للقطفي : ٢٨١ .

٢٦١

« و ذهل ممرّضه » يجوز في « ذهل » الفتح و الكسر و الذّهول : الغفلة .

« و تعايا أهله بصفة دائه » ، في ( الصحاح ) : ( عيّ بأمره و عيي ) إذا لم يهتد لوجهه و تعيّا و تعايا بمعنى١ ، في ( الشعراء ) : خرج صخر بن عمرو أخو الخنساء في غزاة ، فأصابه جرح رغيب فمرض من ذلك و طال مرضه ، و عاده قومه و كانوا إذا سألوا عنه امرأته قالت : لا هو حيّ فيرجى ، و لا ميّت فينسى٢ .

« و خرسوا عن جواب السائلين عنه » المراد أنّهم لصعوبة المرض و يأسهم من برئه لا يدرون أيّ شي‏ء يجيبون ، فهم كالأخرس الّذي لا يجيب سؤالك .

« و تنازعوا دونه » ، في انتخاب الطبيب ، و تبديل طبيب بطبيب ، و دواء بدواء .

« شجيّ خبر يكتمونه » في ( الصحاح ) : الشّجو : الهمّ و الحزن ، قال المبرّد في قولهم : ( ويل للشجّي من الخليّ ) ياء ( الشجّي ) مخفّفة ، و ياء ( الخليّ ) مشدّدة٣ .

« فقائل هو لما به » و هو : من لم يكن له به فضل علاقة .

« و ممنّ لهم إياب عافيته » أي : يتمنّى عود عافيته و في خبر صخر أخي الخنساء المتقدّم بعد ذكر جواب امرأته السائلين عنه بأنّه لا حيّ و لا ميّت و اذا سألوا امّه قالت أصبح صالحا بنعمة اللّه فقال صخر :

أرى امّ صخر لا تملّ عيادتي

و ملّت سليمى مضجعي و مكاني

و ما كنت أخشى أن أكون جنازة

عليك و من يغترّ بالحدثان

و أيّ امرئ ساوى بأمّ حليلة

فلا عاش إلاّ في شقا و هوان

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( عيا ) .

 ( ٢ ) الشعر و الشعراء : ١٩٨ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( شجا ) .

٢٦٢

لعمري لقد نبّهت من كان راقدا

و اسمعت من كانت له اذنان١

و عاد الوليد بن عبد الملك أباه في مرض موته فقال :

و مستخبر عنّا يريد بنا الردى

و مستخبرات و العيون سواجم٢

« و مصبّر لهم على فقده » أي : حاملهم على الصبر عليه .

« يذكرّهم أسى الماضين من قبله » في ( الصحاح ) : « أسى » بالضم و الكسر جمع الاسوة بالضمّ و الكسرة : ما يؤتسى به أي : يتسلّى٣ و في ( ديوان المعاني ) : مات لأعرابيّ ثلاثة بنين في يوم واحد و دفنهم ، و عاد إلى مجلسه و جعل يتحدّث كأن لم يفقد واحدا ، فليم على ذلك فقال : ليسوا في الموت ببدع ،

و لا أنا في المصيبة بأوحد ، و لا جدوى للجزع فعلام تلومونني ؟٤ « فبينما » هكذا في ( المصرية )٥ و الصواب : ( فبينا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٦ .

« هو كذلك على جناح من فراق الدّنيا » في ( الأساس ) : هو في جناح طائر ، إذا وصف بالقلق و الدهش .

« و ترك الأحبّة » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال : يا محمّد عش ما شئت فانّك ميّت ، و أحبّ ما شئت فانّك مفارقه ، و اعمل ما شئت فانّك لاقيه٧ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١٥ : ٧٨ ٧٩ .

 ( ٢ ) البيان للجاحظ ٢ : ١٦٧ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( أسا ) .

 ( ٤ ) ديوان المعاني للعسكري ٢ : ١٧٢ .

 ( ٥ ) الطبعة المصرية المصححة بلفظ ( فبينا ) : ٤٨٦ .

 ( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥٢ ، و النسخة الخطية : ٢١٦ ( كما ذكر ) ، أما شرح ابن ميثم ٤ : ٥٨ ( فبينما ) .

 ( ٧ ) الكافي ٣ : ٢٥٥ ح ١٧ .

٢٦٣

« إذ عرض له عارض من غصصه » في ( الجمهرة ) : الغصّة ما اعترض في الحلق فأشرق ، و ذو الغصّة : لقب رجل من فرسان العرب ، و الغصص بالريّق ،

و الشرق بالماء ، فإذا كان في مرض و ضعف فهو جرض ، و اذا كان من كرب أو بكاء فهو جأز ، قال لبيد :

و ما المرء إلاّ كالشهاب وضوئه

يحور رمادا بعد إذ هو ساطع١

قال ابن أبي الحديد : يقال : إنّ كلّ ميّت من الحيوان لا يموت إلاّ خنقا ، لأنّه من النّفس يدخل ، فلا يخرج عوضه ، أو يخرج فلا يدخل عوضه ، و يلزم من ذلك الاختناق ، لأنّ الرّئة لا تبقى حينئذ مروحة للقلب ، و إذا لم تروحه اختنق٢ .

« فتحيّرت نوافذ فطنته » من باب اضافة الصفة .

« و يبست رطوبة لسانه » قالوا : إنّ الرطوبة اللعابية التي بها يكون الذّوق ينشف حينئذ ، و يبطل الإحساس باللّسان تبعا لسقوط القوّة .

« فكم من مهمّ من جوابه عرفه فعيّ عن ردّه » في ( الفقيه ) عن أبي جعفر عليه السلام قال : دخلت على محمّد بن الحنفية و قد اعتقل لسانه فأمرته بالوصيّة فلم يجب فأمرت بطشت فجعل فيه الرمّل ، فقلت له : خطّ بيدك فخطّ وصيّته بيده في الرمل و نسخت أنا في صحيفة٣ ، و عنه عليه السلام : أنّ أمامة بنت أبي العاص ،

و امّها زينب بنت النبي صلّى اللّه عليه و آله كانت تحت عليّ عليه السلام بعد فاطمة عليها السلام فخلف عليها المغيرة بن نوفل فوجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها ،

فجاءها الحسن و الحسين عليهما السلام و هي لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان لها و المغيرة كاره أعتقت فلانا ؟ فجعلت تشير برأسها لا ، و كذا كذا ، تشير

ــــــــــــ

 ( ١ ) ابن دريد ، جمهرة اللغة : ١٤٢ ( ص غ غ ) و ذكر بيت لبيد لسان العرب ٣ : ٣٨٤ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٦٧ .

 ( ٣ ) الفقيه ٤ : ١٩٧ ح ٥٤٥٤ .

٢٦٤

برأسها نعم لا تفصح بالكلام فأجازا ذلك لها١ و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : أنّ فاطمة بنت أسد و كانت أوّل امرأة هاجرت من مكّة إلى المدينة على قدميها قالت للنبي صلّى اللّه عليه و آله : أريد أن أعتق جاريتي هذه ، فقال لها : إن فعلت اعتق اللّه بكلّ عضو منها عضوا منك في النّار ، فلمّا مرضت اعتقل لسانها فجعلت تومي‏ء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إيماء ، فقبل وصيّتها٢ .

« و دعاء مؤلم بقلبه » هكذا في ( المصرية )٣ و الصواب : ( لقلبه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٤ .

« سمعه » في ( شعراء القتيبي ) : كان صخر أخو الخنساء يسمع امرأته إذا سئلت عنه ، تقول : ( لا هو حيّ فيرجى و لا ميّت فينسى ) فيشقّ عليه ، فقال ،

ناولوني سيفي لأنظر كيف قوّتي و أراد قتلها فناولوه السّيف فلم يطق ، ففي ذلك يقول :

أ همّ بأمر الحزم لو استطيعه

و قد حيل بين العير و النّزوان٥

« فتصامّ عنه » في ( الصحاح ) : ( أصممته ) وجدته أصمّ و « تصامّ » أرى ذلك من نفسه و ليس به٦ .

« من كبير كان يعظّمه أو صغير كان يرحمه » قالوا : الكبير كوالده و الصغير كولده .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الفقيه ٤ : ١٩٨ ح ٥٤٥٥ .

 ( ٢ ) الكافي ١ : ٤٥٣ ح ٢ .

 ( ٣ ) المصرية المصححة بلفظ ( لقلبه ) : ٤٨٨ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٦٧ و شرح ابن ميثم كالمصرية ٤ : ٥٨ و الخطية كما ذكر المصنف : ٢١٦ .

 ( ٥ ) ابن قتيبة ، الشعر و الشعراء : ١٩٩ طبعة ليدن .

 ( ٦ ) الصحاح : ( صمم ) .

٢٦٥

« و انّ الموت لغمرات » في ( الصحاح ) : غمرات الموت : شدائده١ .

« هي أفظع من أن تستغرق بصفة » و إنّما بيّنوا غمراته بالمثل .

« أو تعتدل على قلوب » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : ( على عقول ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« أهل الدّنيا » في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام : إنّ فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبّدين و كانت العادة فيهم فخرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا ، فمرّوا بقبر على ظهر الطريق إلى أن قال بعد دعائهم لحياته قالوا :

دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت ، فقال : لهم سكنت في قبري تسع و تسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت ، و لا كربه ، و لا خرجت حرارة طعم الموت من حلقي٤ . .

٩

الخطبة ( ٢٢٥ ) و من الخطبة له عليه السلام :

فَإِنَّ تَقْوَى اَللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ وَ ذَخِيرَةُ مَعَادٍ وَ عِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَةٍ وَ نَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ بِهَا يَنْجَحُ اَلطَّالِبُ وَ يَنْجُو اَلْهَارِبُ وَ تُنَالُ اَلرَّغَائِبُ فَاعْمَلُوا وَ اَلْعَمَلُ يُرْفَعُ وَ اَلتَّوْبَةُ تَنْفَعُ وَ اَلدُّعَاءُ يُسْمَعُ وَ اَلْحَالُ هَادِئَةٌ وَ اَلْأَقْلاَمُ جَارِيَةٌ وَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً أَوْ مَرَضاً حَابِساً أَوْ مَوْتاً خَالِساً فَإِنَّ اَلْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ وَ مُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ وَ مُبَاعِدُ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( غمر ) .

 ( ٢ ) المصرية المصححة : ٤٨٨ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٦٧ و النسخة الخطية : ٢١٦ كما ذكر المصنف أما شرح ابن ميثم فكما هو في المصرية ٤ : ٥٨ .

 ( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٦٠ ح ٢٣٨ .

٢٦٦

طِيَّاتِكُمْ زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوبٍ وَ قِرْنٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ وَ وَاتِرٌ غَيْرُ مَطْلُوبٍ قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ وَ تَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ وَ أَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ وَ عَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ وَ تَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ وَ قَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِهِ وَ اِحْتِدَامُ عِلَلِهِ وَ حَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ وَ غَوَاشِي سَكَرَاتِهِ وَ أَلِيمُ إِرْهَاقِهِ وَ دُجُوُّ أَطْبَاقِهِ وَ جُشُوبَةُ مَذَاقِهِ فَكَأَنْ قَدْ أَتَاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ وَ فَرَّقَ نَدِيَّكُمْ وَ عَفَّى آثَارَكُمْ وَ عَطَّلَ دِيَارَكُمْ وَ بَعَثَ وُرَّاثَكُمْ يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ بَيْنَ حَمِيمٍ خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ وَ قَرِيبٍ مَحْزُونٍ لَمْ يَمْنَعْ وَ آخَرَ شَامِتٍ لَمْ يَجْزَعْ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَ اَلاِجْتِهَادِ وَ اَلتَّأَهُّبِ وَ اَلاِسْتِعْدَادِ وَ اَلتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ اَلزَّادِ وَ لاَ تَغُرَّنَّكُمُ اَلْحَيَاةُ اَلدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ اَلْأُمَمِ اَلْمَاضِيَةِ وَ اَلْقُرُونِ اَلْخَالِيَةِ اَلَّذِينَ اِحْتَلَبُوا دِرَّتَهَا وَ أَصَابُوا غِرَّتَهَا وَ أَفْنَوْا عِدَّتَهَا وَ أَخْلَقُوا جِدَّتَهَا وَ أَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً وَ أَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً لاَ يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ وَ لاَ يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ وَ لاَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ فَاحْذَرُوا اَلدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ لاَ يَدُومُ رَخَاؤُهَا وَ لاَ يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا وَ لاَ يَرْكُدُ بَلاَؤُهَا أقول : « فإنّ تقوى اللّه مفتاح سداد » يجوز في « سداد » هنا كسر السيّن و فتحها كلّ بمعنى ، ففي ( ديوان المعاني ) : إنّ المأمون ذكر حديثا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله : ( إنّ الرّجل اذا تزوّج المرأة لدينها و جمالها كان فيها سداد من عوز ) بفتح السين ، فقال له النضر بن شميل : ( سداد ) بكسر السّين ، فقال له المأمون : فما الفرق ؟ قال السّداد بالفتح القصد في الدين و السبيل ، و السّداد بالكسر البلغة١ ، أي : ما يسدّ به الخلّة و من يتّق اللّه يجعل له مخرجا

ــــــــــــ

 ( ١ ) ديوان المعاني للعسكري ١ : ١٠ .

٢٦٧

و يرزقه من حيث لا يحتسب .١ .

« و ذخيرة معاد » و تزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى٢ .

« و عتق من كلّ ملكة » لا يملكه شي‏ء من شهوات الدّنيا و علايقها كأهل الدّنيا لما يعلم من فنائها بما فيها ، و عدم الإعتبار بشي‏ء منها ، و لنعم ما قيل بالفارسية :

غلام همّت آنم كه زير چرخ كبود

زهر چه رنگ تعلّق پذيرد آزاد است٣

« و نجاة من كلّ هلكة » روى في ( الخصال ) في طريق عامي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : بينا ثلاثة نفر في من كان قبلكم يمشون ، إذ أصابهم مطر ، فآووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض : و اللّه ، ما ينجيكم إلاّ الصدق فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم عزّ و جلّ انّه قد صدق فيه ، فقال أحدهم : اللّهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ ، فذهب و تركه فزرعته ، فصار من أمره أنّي اشتريت من ذلك بقرا ، ثم أتاني فطلب أجرته فقلت : اعمد على تلك البقرة فسقها فقال : إنّما لي عندك فرقا من أرزّ ، فقلت : فانّها من ذاك فساقها ، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا ، فانساخت الصخرة عنهم شيئا ،

و قال الآخر ، اللّهمّ ان كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم فأبطأت عليهما ذات ليلة ، فأتيتهما و قد رقدا ، و أهلي و عيالي يتضاغون من الجوع ، فكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي ، فكرهت أن أيقظهما من رقدتهما و كرهت أن أرجع فيستيقظا لشربهما ، فلم أزل أنتظرهما حتّى

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطلاق : ٢ ٣ .

 ( ٢ ) البقرة : ١٩٧ .

 ( ٣ ) أمثال و حكم حافظ ، علي أكبر دهخدا ٢ : ١١٢٦ .

٢٦٨

طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا ، فانساخت الصخرة عنهم حتى نظروا إلى السماء و قال الآخر : اللّهم إن كنت تعلم أنّه كانت لي ابنة عمّ راودتها عن نفسها فأبت عليّ الاّ أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتّى قدرت عليها ، فجئت بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها ، فلمّا قعدت بين رجليها قالت : اتقّ اللّه و لا تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه ، فقمت عنها و تركت لها المائة ، فان كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا١ ففرّج اللّه تعالى عنهم فخرجوا .

« بها ينجح الطالب » أهم المطالب حصول الجنّة ، و قد قال تعالى : تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا٢ .

« و ينجو الهارب » أحقّ الأشياء بالهرب منها النار ، و قد قال تعالى : و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتّقوا و نذر الظالمين فيها جثيا٣ .

« و تنال الرغائب » الرغائب جمع الرغيبة : العطاء الكثير ، و لا رغيبة فوق كون العبد مكرما عند ربّه قال تعالى : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن و فدا٤ .

« فاعملوا و العمل يرفع » ، فبعد الموت ليس عمل يرفع .

« و التوبة تنفع » قال تعالى : و ليست التوبة للذين يعملون السيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال انّي تبت الآن .٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الخصال للصدوق : ١٨٤ ح ٢٥٥ .

 ( ٢ ) مريم : ٦٣ .

 ( ٣ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

 ( ٤ ) مريم : ٨٥ .

 ( ٥ ) النساء : ١٨ .

٢٦٩

« و الدعاء يسمع » حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحا فيما تركت كلاّ إنّها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون١ .

« و الحال هادئة » أي : ساكنة .

« و الأقلام جارية » لكتابة الحسنات .

« و بادروا بالأعمال عمرا ناكسا » ، الأصل في النّكس نصل ينكسر ثمّ كثر حتّى سمّوا كلّ ضعيف نكسا ، قال تعالى : و من نعمّره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون٢ .

« و مرضا حابسا » عن كثير من الأعمال ، فقالوا : إغتنموا صحّتكم قبل سقمكم٣ .

« أو موتا خالسا » في ( الصحاح ) : خلست الشي‏ء و أخلسته إذا استلبته٤ ،

فليغتنم الحياة قال البحتري :

و كانت حياة الحيّ سوقا إلى الرّدى

و أيّامه دون الممات مراحل٥

« فإنّ الموت هادم لذاتكم » في ( الطبري ) عن جبرئيل بن بختيشوع قال :

كنت مع الرشيد بالرقّة و كنت أوّل من يدخل عليه في كلّ غداة ، أتعرّف حاله في كلّ ليلة ، فإن كان أنكر شيئا وصفه ، ثم ينبسط ، فيحدّثني بحديث جواريه و ما عمل في مجلسه ، و مقدار شرابه ، و ساعات جلوسه ، ثمّ يسألني عن أحوال العامّة و أخبارها ، فدخلت عليه في غداة يوم فسلّمت فلم يكن يرفع طرفه إليّ ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) المؤمنون : ٩٩ ١٠٠ .

 ( ٢ ) يس : ٦٨ .

 ( ٣ ) الأمالي للطوسي ٢ : ١٣٩ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( خلس ) .

 ( ٥ ) ديوان البحتري ٢ : ٥٨ يرثي أبا سعيد .

٢٧٠

و رأيته عابسا مفكّرا مهموما ، فوقفت بين يديه مليّا من النّهار و هو على تلك الحال ، فلمّا كان ذلك أقدمت عليه ، فقلت : يا سيّدي ما حالك هكذا ، أعلّة ؟

فأخبرني ، فلعلّه يكون عندي دواؤها أو حادثة في بعض من تحبّ ؟ فذاك ما لا يدفع و لا حيلة فيه إلاّ التسليم أو فتق ورد في ملكك ؟ فلم تخل الملوك من ذلك و أنا أولى من أفضيت إليه بالخبر ، و تروحت إليه بالمشورة فقال : ويحك يا جبرئيل ليس غمّي لشي‏ء ممّا ذكرت ، و لكن لرؤيا رأيتها في ليلتي هذه ، و قد أفزعتني و أقرحت قلبي فقلت : فرّجت عنّي هذا الغمّ كلّه لرؤيا إنّما تكون من خاطر أو بخارات رديّة أو من تهاويل السّوداء و انّما هي أضغاث أحلام بعد هذا كلّه ، فقال : أقصّها عليك : رأيت كأني جالس على سريري هذا ، إذ بدت من تحته ذراع و كفّ أعرفها لا أفهم اسم صاحبها ، و في الكفّ تربة حمراء ، فقال لي قائل أسمعه و لا أرى شخصه : هذه التربة التي تدفن فيها ، فقلت : و أين هذه التربة ؟ قال : بطوس ، و غابت اليد و انقطع الكلام و انتبهت ، فقلت : يا سيّدي أحسبك أخذت مضجعك ففكّرت في خراسان و حرونها و ما قد ورد عليك من انتقاض بعضها ، قال : قد كان ذاك قلت : فلذلك الفكر خالطك في منامك ما خالطك ، فولّد هذه الرؤيا ، ثم قدّر مسيره إلى خراسان حين خرج رافع ، فلمّا صار في بعض الطريق ابتدأت به العلّة فلم تزل تتزايد حتى دخلنا طوس فنزلنا في منزل جنيد بن عبد الرحمن في ضيعة له تعرف بسناباد فبينا هو يمرّض في بستان في ذلك القصر ، إذ ذكر تلك الرؤيا فوثب متحاملا يقوم و يسقط فاجتمعنا إليه كلّ يقول : يا سيدي ما دهاك فقال : يا جبرئيل تذكر رؤيا بالرّقّة في طوس ، ثمّ دفع رأسه إلى مسرور فقال : جئني من تربة هذا البستان ، فمضى مسرور فأتى بالتربة في كفّه ، حاسرا عن ذراعه فلما نظر إليه قال : هذه و اللّه ،

الذّراع الّتي رأيتها في منامي و هذه و اللّه ، الكفّ بعينها ، و هذه و اللّه ، التربة

٢٧١

الحمراء ما خرمت شيئا ، و أقبل على البكاء و النحيب ، ثم مات بها بعد ثلاثة و دفن في ذلك البستان١ .

« و مكدّر شهواتكم » ( نغّص الموت ذا الغنى و الفقيرا ) .

« و مباعد طيّاتكم أي : نيّاتكم فإنّ لكلّ إنسان نيّات أعمال كثيرة يحول الموت بينه و بينها ، فيباعده عنها .

« زائر غير محبوب » لمّا احتضر الحطيئة قال :

لكلّ جديد لذّة غير انّني

وجدت جديد الموت غير لذيذ٢

« و قرن غير مغلوب » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : الأرض بين يدي ملك الموت كالقصعة يمدّ يده منها حيث يشاء و القرن ( بالكسر ) كفوك في الحرب٣ .

« و واتر غير مطلوب » الواتر : من قتل منك واحدا فتطلبه بدمه ، إلاّ أنّ ذاك لواتر لا يطلبه أحد ، و لنعم ما قيل بالفارسية :

چه شد كز يك كماندار فنا اين لشكر بيحد

به سر دارند از لوح مزار خود سپرها را

« قد أعلقتكم حبائله » جمع الحبالة ما يصاد به .

« و تكنفتكم غوائله » أي : أحاطتكم بلاياه التي تذهب بعقولكم من شدّتها .

« و أقصدتكم معابله » جمع المعبلة : نصل عريض طويل « و أقصدتكم » أي : و أصابتكم و قتلتكم في المكان في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام في جمع جلوس تعتريهم السكتة ، تلك لحظة ملك الموت حيث يلحظهم٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٥٢٦ .

 ( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٨١ .

 ( ٣ ) الكافي ٣ : ٢٥٦ ح ٢٤ .

 ( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٩ ح ٣١ .

٢٧٢

« و عظمت فيكم سطوته » و السطوة : القهر بالبطش .

« و تتابعت عليكم عدوته » أي : تجاوزه و عن الصادق عليه السلام ما من أهل بيت شعر و لا وبر إلاّ و ملك الموت يتصفّحهم كلّ يوم خمس مرّات١ .

« و قلّت عنكم نبوته » نبا السيف ، إذا لم يعمل في الضريبة ، و المراد بقلّة نبوته : دوام تأثيره .

« فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله » يوشك : يقرب ، و « الدّواجي » جمع داجية ، و الأصل في الدّجا : الشمول ، فيقال ( ثوب داج ) : غطّى جسده ، و يقال : ( إنّه لفي عيش داج )٢ ( و ما كان ذلك مذ دجا الاسلام ) و قيل لأعرابي : ( بم تعرف حمل شاتك ؟ فقال : إذا استفاضت خاصرتها و دجت شعرتها ، و لازمه في قولهم ( بدر الدّجى ) و ( ليل داج ) الظلمة ، لا أنّها الأصل .

« و احتدام علله » أي : التهاب أمراضه .

« و حنادس غمراته » في ( الصحاح ) : و الحندس : الليل الشديد الظلمة ،

و الغمرات : الشدائد٣ .

« و غواشي سكراته » و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد٤ .

« و أليم إزهاقه » أي : اخراجه للروح و نقله ابن أبي الحديد : ارهاقه و جعل « ازهاقه » رواية٥ .

« و دجوّ إطباقه » قال ابن أبي الحديد : إطباقه : جمع طبق ، أي : تكاثف ظلماته

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٦ ح ٢٢ .

 ( ٢ ) العين للفراهيدي ٦ : ١٦٨ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( خندس ) .

 ( ٤ ) ق : ١٩ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٥ .

٢٧٣

كأنّها طبق فوق طبق١ .

قلت : بل الظاهر كون « إطباقه » مصدرا مثل « ازهاقه » و قد عرفت الأصل في ( دجوّ ) ، في « دواجي ظلله » فيكون من باب الصّفة التأكيدية .

« و جشوبة » أي : غلظة .

« مذاقه فكانّ قد أتاكم بغتة » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : مات داود النبيّ مفجوءا ، و أظلّته الطير بأجنحتها ، و مات موسى كليم اللّه في ليلة ، فصاح صائح من السماء : مات موسى ، و أيّ نفس لا تموت ؟ و موت سليمان عليه السلام قائما متّكئا على عصاه مذكور في القرآن٢ .

« فاسكت نجيّكم » في ( الصحاح ) : النجيّ على فعيل : الّذي تسارّه ، و قد يكون النجيّ و النّجوى اسما و مصدرا٣ و في ( الطبري ) : لما احتضر المعتصم جعل يقول : ذهبت الحيل ، ليست حيلة حتّى اصمت٤ .

« و فرّق نديّكم » قال الجوهري : الندي على فعيل ، مجلس القوم ، فإن تفرّق القوم فليس بنديّ ، و منه سمّيت دار الندوة بمكّة التي بناها قصيّ ، لأنّهم كانوا يندون فيها أي : يجمعون للمشاورة٥ ، و لمهلهل في أخيه كليب :

نبّئت أنّ النار بعدك اوقدت

و استبّ بعدك يا كليب المجلس

و تكلّموا في كلّ أمر عظيمة

لو كنت شاهدها اذا لا ينبسوا٦

و للنّاشي :

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٥ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ١١١ ح ٤ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( نجا ) .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٧ : ٣١٤ .

 ( ٥ ) الصحاح للجوهري : ( ندا ) .

 ( ٦ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ٢٩٨ مع تغيير .

٢٧٤

و كان لنا أصدقاء حماة

و أعداء سوء فلم يخلدوا

تساقوا جميعا كؤوس الحمام

فمات الصديق و مات العدوّ

و قال لبيد في أخيه أربد :

و هل حدثت عن أخوين داما

على الأيام إلاّ ابني شمام١

و إلاّ الفرقدان و آل نعش

خوالد ما تحدّث بانهدام٢

قال الجوهري : شمام : جبل له رأسان يسمّيان ابني شمام ، و الفرقدان :

نجمان قريبان من القطب ، و المراد بآل نعش كواكب بنات نعش الكبرى ،

و بنات نعش الصغرى ، قال الجوهري : كلّ منهما سبعة كواكب أربعة منها نعش ، و ثلاث بنات٣ .

قلت : و استثناؤه لرأسي ذاك الجبل و لكوكبي الفرقدين و كواكب بنات من عدم الدّوام على الأيام بالنسبة إلى البشر و إلاّ فتلك أيضا لا تدوم إلى المحشر ، قال تعالى : يوم تبدّل الأرض غير الأرض و السّماوات و برزوا للّه الواحد القهّار٤ .

« و عفّى آثاركم » قال الجوهري ( عفّت الريح المنزل ) : درسته ، و ( عفا المنزل ) : درس ، يتعدّى و لا يتعدّى ، و ( عفّتها الريح ) شدّد للمبالغة٥ .

في ( بيان الجاحظ ) : بينا حذيفة و سلمان يتذاكران أعاجيب الدنيا و هما في عرصة أيوان كسرى ، و كان أعرابيّ من غامد يرعى شويهات له نهارا ، فاذا كان الليل صيّرهنّ إلى داخل العرصة ، و في العرصة سرير رخام كان كسرى ربّما جلس عليه فصعدت غنيمات الغامدي على سرير كسرى ، فقال سلمان

ــــــــــــ

 ( ١ ) لسان العرب ٧ : ٢٠٦ .

 ( ٢ ) لسان العرب ٧ : ٢٠٦ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( شمم ) .

 ( ٤ ) إبراهيم : ٤٨ .

 ( ٥ ) الجوهري : ( عفا ) .

٢٧٥

و من أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامدي على سرير كسرى١ .

« و عطّل دياركم » في ( ابن خلكان ) : إجتاز بعض الادباء بدار الرّضيّ رضى اللّه عنه و قد ذهبت بهجتها و اخلقت ديباجتها و بقايا رسومها تشهد لها بالنّضارة و حسن الشارة فوقف عليها متعجّبا من صروف الزّمان و طوارق الحدثان فتمثّل بقول الرضي رضى اللّه عنه :

و لقد وقفت على ربوعهم

و طلولهم بيد البلى نهب

فبكيت حتى ضجّ من لغب

نضوى و لجّ بعذلي الرّكب

و تلفّتت عيني فمذ خفيت

عنّي الطلول تلفّت القلب٢

فمرّ به شخص و هو ينشد الأبيات فقال له : هل تعرف هذه الدار ؟ قال : لا .

قال : لصاحب الأبيات ، الرّضيّ ، فعجب كلاهما من حسن الاتّفاق٣ .

« و بعث ورّاثكم يقتسمون ميراثكم » في ( المروج ) : بلغ ربع ثمن أزواج عبد الرحمن بن عوف لمّا قسّموا ميراثه أربعة و ثمانين ألفا ، و خلّف زيد بن ثابت من الذهب و الفضة ما كان يكسّر بالفؤوس في تقسيم ميراثه٤ .

« بين حميم خاص » الحميم : القريب الذي يهتمّ لك و تهتمّ له و يعبّر عنه في الفارسية ب ( جانسوز ) .

« لم ينفع » في جدّه لك .

« و قريب محزون لم يمنع » من نزول الموت بك ، قال مطيع بن اياس في صاحبه يحيى بن زياد لمّا مات :

ــــــــــــ

 ( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٣ : ١٤٨ .

 ( ٢ ) ديوان الرضي ١ : ١٨١ .

 ( ٣ ) وفيات الأعيان لابن خلكان ٤ : ٤١٧ .

 ( ٤ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٣٣ .

٢٧٦

راحوا بيحيى و لو تطاوعني

الأقدار لم تبتكر و لم يرح١

« و آخر شامت لم يجزع » لعداوته معه ، بل قد يفرح كثيرا ، و في ( مقاتل أبي الفرج ) : لمّا أتى عايشة نعي أمير المؤمنين عليه السلام تمثّلت :

فألقت عصاها و استقرّت بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

ثم قالت : من قتله ؟ فقيل : رجل من مراد ، فقالت :

فإن يك نائيا فلقد بغاه

غلام ليس في فيه التّراب

فقالت لها زينب بنت امّ سلمة : ألعليّ تقولين هذا ؟ فقالت : إذا نسيت فذكّروني ، ثم تمثّلت :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق و كثرة الألقاب

حتّى تركت كأنّ قولك فيهم

في كلّ مجتمع طنين ذباب

و روى عن أبي البختري : انّه لمّا جاءها قتله عليه السلام سجدت فرحا٢ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا توفي الحسن عليه السلام و أتى الخبر معاوية أظهر فرحا و سرورا حتّى سجد و سجد من كان معه ، فبلغ ذلك ابن عباس و كان يومئذ بالشّام ، فدخل على معاوية فلمّا جلس قال معاوية : يابن عبّاس هلك الحسن ، فقال ابن عبّاس : نعم هلك ، إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، و رجّع ترجيعا مكرّرا ، و قد بلغني الذي أظهرت من الفرح و السرور ، أما و اللّه ، ما سدّ حفرتك ، و لا زاد نقصان أجله في عمرك ، و لئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجبر اللّه مصيبته ، و خلّف علينا بعده أحسن الخلافة ، ثمّ شهق فبكى و بكى من حضر و بكى معاوية فما رئي يوم

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١٣ : ٢٨٩ .

 ( ٢ ) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ٢٦ .

٢٧٧

أكثر باكيا من ذلك اليوم١ .

« فعليكم بالجدّ و الاجتهاد » أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه .٢ .

« و التأهّب و الإستعداد » و أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق و أكن من الصالحين٣ .

« و التزوّد في منزل الزّاد » و ما تفعلوا من خير يعلمه اللّه و تزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى و اتّقون يا أولي الألباب٤ .

« و لا تغرّنّكم الحياة الدّنيا » هكذا في ( المصرية )٥ و الصواب : ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٦ « و لا تغرّنّكم الدّنيا » يا معشر الجنّ و الإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا و غرّتهم الحياة الدّنيا٧ .

« كما غرّت من كان قبلكم من الامم الماضية » أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم و كانوا أشدّ منهم قوّة .٨ و في آية اخرى بدل ( و كانوا ) كانوا أكثر منهم و أشدّ قوّة و آثارا في الأرض فما أغنى

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ( الإمامة و السياسة ) : ١٧٥ .

 ( ٢ ) الزمر : ٥٦ .

 ( ٣ ) المنافقون : ١٠ .

 ( ٤ ) البقرة : ١٩٧ .

 ( ٥ ) الطبعة المصرية المصححة بلا لفظ ( الحياة ) : ٥٠١ .

 ( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٥ و شرح ابن ميثم كالمصرية ٤ : ١٠٠ ( ٢٢١ ) .

 ( ٧ ) الأنعام : ١٣٠ .

 ( ٨ ) فاطر : ٤٤ .

٢٧٨

عنهم ما كانوا يكسبون١ .

« و القرون الخالية » أي : الماضية .

« الّذين احتلبوا » في ( الصحاح ) : ( حلب الناقة و احتلبها )٢ .

« درّتها » ، أي : لبنها كما استمتع الّذين من قبلكم بخلاقهم٣ .

« و أصابوا غرّتها » و حيث أن الدّنيا لا تدع أحدا يذوق حلوها بدون مرّ فمن اتّفق له صاف بلا كدر في أيّام ، فكأنّه أصاب منها غرّة و غفلة .

« و أفنوا عدّتها » في ( الصحاح ) : العدة ( بالضمّ ) : ما أعددته لحوادث الدهر٤ .

في السّير : قعد الفضل بن مروان لأشغال الناس فرأى رقعة فيها :

تفرعنت يا فضل بن مروان فاعتبر

فقبلك كان الفضل و الفضل و الفضل

يعني الفضل بن يحيى البرمكي و الفضل بن الربيع و الفضل بن سهل .

ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم

أبادتهم الأقياد و الحبس و القتل

و انّك قد أصبحت في الناس ظالما

ستودى كما أودي الثّلاثة من قبل٥

« و أخلقوا » في ( الصحاح ) : ( أخلق الثّوب ) بلي ، و ( أخلقته ) يتعدّى و لا يتعدّى٦ .

« جدّتها » في ( الصحاح ) : ( جدّ الشي‏ء يجدّ ) بالكسر ، أي : صار جديدا٧ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) غافر : ٨٢ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( حلب ) .

 ( ٣ ) التوبة : ٦٩ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( عدد ) .

 ( ٥ ) وفيات الأعيان لابن خلكان ٤ : ٤٥ .

 ( ٦ ) الصحاح : [ بلا ] .

 ( ٧ ) الصحاح : ( جدد ) .

٢٧٩

« أصبحت مساكنهم اجداثا » قال شاعر في معمّر :

لقد عاش حتّى قيل ليس بميّت

و أفنى فئاما من كهول و شبّان

فأضحى كأن لم يغن في النّاس ساعة

رهين ضريح في سبائب كثبان

« و أموالهم ميراثا » قال تعالى في فرعون : كم تركوا من جنّات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوما آخرين١ .

« لا يعرفون من أتاهم » المراد السواد الأعظم ، و أمّا المؤمن : ففي ( الكافي ) عن إسحاق بن عمّار قال لأبي الحسن عليه السلام : يعلم المؤمن من يزور قبره ؟ قال :

نعم لا يزال مستأنسا به مادام عند قبره ، فإذا انصرف دخله من انصرافه وحشة٢ .

« و لا يجفلون من بكاهم » أي : لا يبالون به قال البحتري :

و ما علم ثاو في التراب رهين

« و لا يجيبون من دعاهم » في ( الطبري ) : أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقتلى بدر أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلاّ ما كان من اميّة بن خلف ، فإنّه انتفخ في درعه حتى ملأها فذهبوا ليحرّكوه فتزايل فأقرّوه و ألقوا عليه ما غيّبه من التّراب و الحجارة ، فلمّا ألقاهم وقف عليهم ، فقال : يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا ؟ فقال له أصحابه : أتكلّم قوما موتى ؟ قال : لقد علموا انّ ما وعدتهم حقّ ، و النّاس يقولون : قال : لقد سمعوا ما قلت و انّما

ــــــــــــ

 ( ١ ) الدخان : ٢٥ ٢٨ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٢٨ ح ٤ .

٢٨٠