بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 608

  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49587 / تحميل: 7533
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بمستحفظ قلعة يعرف بيوسف الخوارزمي و حمل إلى قرب سريره مع غلامين ، فتقدّم أن تضرب له أربعة أوتاد و شدّ أطرافه إليها ، فقال يوسف ، يا مخنث ، مثلي يقتل هذه القتلة ؟ فغضب ألب أرسلان و أخذ القوس و النشّاب و قال للغلامين : خلّياه و رماه بسهم فأخطأه و كان لا يخطي سهمه فوثب يوسف يريده و السلطان على سدّة ، فلمّا رأى يوسف يقصده قام عن السدّة و نزل عنها ، فعثر فوقع على وجهه فبرك عليه يوسف و ضربه بسكين كانت معه في خاصرته ، و كان سعد الدولة واقفا فجرحه أيضا جراحات ، فقال السلطان لمّا جرح : ما من وجه قصدته و عدوّ أردته إلاّ استعنت باللّه عليه ، و لمّا كان أمس صعدت على تلّ فارتجت الأرض تحتي من عظم الجيش و كثرة العسكر فقلت في نفسي : « أنا ملك الدنيا و ما يقدر أحد عليّ » فعجزني اللّه بأضعف خلقه مات في العاشر من ربيع الأول في تلك السنة ، و كان اتّسع ملكه جدّا و دان له العالم ، و بحق قيل له : سلطان العالم .

« غفر اللّه لي و لكم » هكذا في ( المصرية١ و ابن أبي الحديد )٢ و لكن في ( ابن ميثم )٣ هذا الكلام قبل : « أنا بالأمس صاحبكم » .

« إن ثبتت » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( تثبت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« الوطأة » أي : موضع القدم .

« في هذه المزلّة » بفتح الزاي و كسرها : موضع الزلل جعل عليه السلام الدنيا مزلّة حيث لا ثبات لقدم الإنسان فيها ، و هو فيها في كلّ ساعة مظنّة للوقوع

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ٤٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٦ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

٤١

و السقوط فيها من آفاتها و مصيباتها ، و أتى عليه السلام للثبوت فيها ب ( إن ) الموضوعة للشك ، حيث إنّ ثبوت القدم في المزلّة أمر مشكوك .

« فذاك » و زاد في نسخة ابن ميثم : « المراد » .

« و إن تدحض » أي : تزلق .

« القدم » من موضع الحياة إلى محلّ الممات فلا بعد .

« فإنّا كنّا في أفياء » جمع في‏ء ، و عن روبة : كلّما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو في‏ء و ظلّ ، و ما لم تكن عليه الشمس فهو ظلّ و الأصل في الفي‏ء :

الرجوع ، فالظلّ يرجع من جانب إلى جانب .

« أغصان » مثل لعدم ثبات الدنيا ، فإذا استظلّ الإنسان بغصن لم يطل الزمان حتى ينسخه الشمس بحركتها .

« و مهبّ » و في ( ابن ميثم١ و الخطية ) : « و مهاب » .

« رياح » مثل آخر لعدم الاعتبار بالحياة الدنيا ، فكما أنّ نارا أو شمعة كانت في محلّ هبوب الرياح تذهب بها ، كذلك حياة الإنسان في مقابل رياح حوادث الدهر ، و لنعم ما قيل بالفارسية :

اين سيل متفق بكند روزى اين درخت و اين باد مختلف بكشد روزى اين چراغ .

« و تحت ظلّ غمام » أي : سحاب .

« اضحمل في الجوّ » و الجو : ما بين السماء و الأرض .

« متلفقها » الشقق المنضمّة من الغمام بعضها إلى بعض .

« و عفا » أي : اندرس .

« في الأرض مخطها » موضع خطها و قوله عليه السلام : و تحت ظلّ غمام . .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

٤٢

قال :

أراها و إن كانت تحب فإنّها

سحابة صيف عن قليل تقشّع

و قال ابن الدهان : ما الإنسان في دنياه إلاّ كبارقة تلوح ، نفسه نفس توالى ، و مدّته مدى ، و الروح ريح .

و قال بعضهم : إقبال الدنيا كإلمامة ضيف ، أو سحابة صيف ، أو زيارة طيف .

و في ( الحلية ) : مات أخ لصلة بن أشيم و هو في بيته يطعم ، فجاء إليه رجل و نعاه ، فقال له : إنّه كان نعي إلينا فقال : ما سبقني إليك أحد ، فمن نعاه ؟

فقال : نعاه اللّه تعالى ، يقول : . إنّك ميت و إنّهم ميتون١ .

و اعلم أنّ مرمى كلامه عليه السلام مع كونه ضرب ضربة كما قال ضاربه اللعين : لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم : هو تنبيه الغافلين و هداية الضالين و ردعهم عن محبّة الدنيا المهلكة ، كما كان عليه السلام في جميع أيام حياته في ليله و نهاره كذلك ، فيقول لهم تارة : « أنا بالأمس صاحبكم و سلطانكم ،

و اليوم عبرة لكم بكونه ملقى على الأرض و غدا مفارقكم بالرحلة عن الدنيا » و اخرى يقول لهم : « ان تثبت الوطأة إلى و عفا في الأرض مخطها » فيخبرهم عن الإنسان و الموت ، و أنّه لابدّ لكلّ إنسان أن يموت ، و أنّه لذاك السبع كالقوت ، دون أن يريد شخصه عليه السلام فهو عليه السلام ذكر حكم الكلي و ذكر نفسه فردا له ، بأنّه ان تثبت الوطأة للإنسان في مزلّة الدنيا من آفة أصابته فهو شي‏ء يريده الإنسان ، حيث يحبّ الحياة طبعا ، و ان دئ‏حضت قدم الإنسان و مات فلا عجب و لا غرو و لا بدع ، حيث إنّ الإنسان و ما يريده من الحياة كرجل استظلّ بفي‏ء غصن أو ظلّ غمام ، ليس ظلّهما إلاّ آنات ، و كسراج في

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزمر : ٣٠ .

٤٣

مهب رياح لم يعلم بقاؤه ساعات .

و لم يتفطن ابن أبي الحديد لمغزى مرامه عليه السلام فخبط و خلط و قال :

كلامه عليه السلام : « تثبت الوطأة . » يدلّ على أنّه عليه السلام بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنّه يموت من ضربته .

و معنى قوله : « فذاك » أي : إن سلمت فذاك الذي تطلبونه ، يخاطب أهله و أولاده ، و لا ينبغي أن يقال : فذاك ما أطلبه ، لأنّه عليه السلام كان يطلب الآخرة أكثر من الدنيا .

و قوله عليه السلام : « و غدا مفارقكم » لا يعني غدا بعينه ، و قوله عليه السلام لابن ملجم :

اريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

و قوله عليه السلام لشيعته لمّا قالوا له : فهلاّ تقتله ؟ : « كيف أقتل قاتلي » ،

و قوله عليه السلام في البطّ الصائح خلفه في المسجد ليلة ضرب ابن ملجم له :

« دعوهن فإنّهنّ نوائح » ، و قوله عليه السلام تلك الليلة : « رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فشكوت إليه ما لقيت من امته ، فقال : ادع عليهم » و قوله عليه السلام : « لا اقتل محاربا و إنّما اقتل فتكا و غيلة ، يقتلني رجل خامل الذكر » و ما جاء منه من هذا الباب من آثار كثيرة كلّها لا يدلّ على أنّه يعلم الأمر مفصّلا .

و من الجائز أن يكون علم أنّ ابن ملجم هو الذي يقتله ، و لم يعلم محققا أنّ هذه الضربة تزهق نفسه ، بل كان يجوز أن يفيق ثم يكون قتله بعد على يده و إن طال الزمان .

و قوله في البطّ ، لعلّه علم أنّ تلك الليلة يخرج و إن لم يعلم أنّه يموت منه ،

و النوائح قد ينحن على المجروح . .

فموته عليه السلام من تلك الضربة كان أمرا معلوما لكلّ أحد ، فإنّه ليس في العادة أن يضرب أحد ضربة مثل ضربته و يعيش ، كما ليس في العادة أن

٤٤

يعيش من قطع رأسه و لو كان قال بدل خبطاته تلك : إنّه لم يكن علم أولا إلاّ أنّه علم بعد بإخبار أثير بن عمرو المتطبب أنّ الضربة و صلت إلى امّ رأسه ، كما رواه أبو الفرج١ ، و بوصف ابن ملجم لضربته ، فروى أبو الفرج عن عبد اللّه بن محمّد الأزدي قال : ادخل ابن ملجم على عليّ عليه السلام و دخلت عليه السلام في من دخل ، فسمعته يقول : « النفس بالنفس ، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني ، و إن سلمت رأيت فيه رأيي » فقال ابن ملجم : و اللّه لقد ابتعته بألف و سممته بألف فإن خانني فأبعده اللّه و قالت له امّ كلثوم : يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو ألا يكون على أبي بأس فقال لها : فأراك إنّما تبكين عليّ إذن و اللّه لقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم كان له وجه ظاهري ، و إلاّ فتعبيره عليه السلام بقوله : « إن أنا متّ » « و إن سلمت » لبيان آداب الشرع و تعليم النّاس تكاليفهم ، بأنّه بمجرّد ضربة يحتمل اداؤها إلى الموت لا يجوز قتل الضارب ، و كيف و تواتر عنه عليه السلام و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قتله من ضربة على رأسه تخضب منها لحيته ؟ و روى ( الأسد )٢ مسندا عن عمرو ذي مر قال : لمّا اصيب عليّ عليه السلام بالضربة دخلت عليه و قد عصبت رأسه فقلت : يا أمير المؤمنين أرني ضربتك .

فحلّها فقلت : خدش و ليس بشي‏ء قال : إنّي مفارقكم فبكت امّ كلثوم من وراء الحجاب ، فقال لها : اسكتي فلو ترين ما أرى لمّا بكيت فقلت : يا أمير المؤمنين ماذا ترى ؟ قال : هذه الملائكة و فود و النبيّون ، و هذا محمّد صلّى اللّه عليه و آله يقول : يا عليّ أبشر ، فما تصير إليه خير ممّا أنت فيه .

و في ( مروج المسعودي )٣ : قيل : إنّ عليّا عليه السلام لم ينم تلك الليلة ، و إنّه لم

ــــــــــــ

 ( ١ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢٣ .

 ( ٢ ) اسد الغابة للجزري ٤ : ٣٨ .

 ( ٣ ) المروج للمسعودي ٢ : ٤٢٥ .

٤٥

يزل يمشي بين الباب و الحجرة و هو يقول : ما كذبت و لا كذبت ، و إنّها الليلة التي وعدت فلمّا صرخ بطّ كان للصبيان صاح بهن بعض من في الدار ، فقال عليّ عليه السلام : ويحك دعهنّ فانّهن نوائح إلى أن قال و خرج إلى المسجد و قد عسر عليه فتح باب داره و كان من جذوع النخل فاقتلعه و جعله ناحية و انحل إزاره فشدّه و جعل ينشد :

اشدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيكا

و لا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

و كيف لم يكن علم عليه السلام ذلك و قد كان عليه السلام أخبر به كرارا ، حتى إنّ شيعته كانوا يخبرونه بذلك من وصفه ؟ ففي ( إرشاد محمّد بن محمّد بن النعمان )١ : روى العلماء أنّ جويرية بن مسهر وقف على باب القصر فقال : يا أمير المؤمنين قيل له : نائم فنادى : أيّها النائم ، استيقظ فو الذي نفسي بيده ليضربن ضربة على رأسك يخضب منها لحيتك ، كما أخبرتنا بذلك من قبل فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادى : أقبل يا جويرية حتى احدثك بحديثك فأقبل فقال : و أنت و الذي نفسي بيده لتعتلن بك إلى العتل الزنيم ، و ليقطعنّ يدك و رجلك ثم لتصلبنّ تحت جذع كافر فقطع زياد يده و رجله و صلبه تحت جذع ابن مكعبر ، و كان جذعا طويلا .

و بالجملة غاية ما يمكن أن يقال : إنّه تعالى أخفى عليه عليه السلام وقوع الضربة عليه ساعة خروجه ، لجري مقاديره عليه كما على غيره من عباده ،

كما عرفت من الخبر المتقدّم .

« و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أياما » و في الخبر : إنّ الإنسان في أهله كضيف نزل بقوم ليلا ، و ارتحل عنهم صباحا .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد للمفيد ١ : ٣٢٢ .

٤٦

قال ابن أبي الحديد١ في قوله عليه السلام : « جاوركم بدني أياما » : إشعار بما ذهب إليه الأكثر في النفس ، و أنّ هوية الإنسان شي‏ء غير هذا البدن .

قلت : بل فيه إشعار بأنّ روحه عليه السلام غير أرواحهم ، لم يجاورهم بروحه بل جاورهم ببدنه .

روى الكليني٢ عن جابر قال : سألت أبا جعفر عن علم العالم ، فقال لي :

إنّ في الأنبياء و الأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، و روح الإيمان ، و روح القوة و روح الشهوة ، فبروح القدس عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ،

و هذه الأرواح يصيبها الحدثان إلاّ روح القدس فانّه لا تلهو و لا تلعب .

« و ستعقبون مني جثة خلاء » أي : خالية من الروح .

« ساكنة بعد حراك » أي : حركة و المراد شجاعته و قوّته ، و شجاعته كانت كما قال : لو تظاهرت العرب على قتالي لمّا وليت عنها ، و قوّته كانت كما قلع باب خيبر .

« و صامتة بعد نطق » في ( القاموس ) : نطق نطقا و منطقا و نطوقا : تكلّم بصوت و حروف تعرف بها المعاني .

و قد قال معاوية في نطقه عليه السلام : ما سنّ الفصاحة لقريش إلاّ عليّ و قال عمر بن سعد يوم الطفّ لمّا خطبهم الحسين عليه السلام : لو تكلّم يوما و ليلة ما يعيى ،

إنّه ابن عليّ بن أبي طالب .

« ليعظكم هدوّي » أي : سكوني و عدم قدرتي على الشخوص .

« و خفوت » من : خفت الصوت : سكن ، و منه قيل للميت : خفت ، إذا انقطع كلامه .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٢٣ .

 ( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٢٧٢ ح ٢ .

٤٧

« أطرافي » هكذا في ( المصرية ) بالفاء ، و الصواب : ( اطراقي ) بالقاف ، كما في ( ابن أبي الحديد١ و ابن ميثم )٢ من ( أطرق ) : أرخى عينيه ينظر إلى الأرض .

و في ( اسد الغابة )٣ : بعث الأشعث بن قيس صبيحة ضرب عليّ عليه السلام ابنه قيس بن الأشعث لينظر كيف هو ؟ فرجع و قال له : رأيت عينيه داخلتين في رأسه .

« و سكون أطرافي » أي : الأعضاء الواقعة في الطرف ، كاليدين و الرجلين و الرأس .

« فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ » لأنّه وعظ عملا لا يحتمل كذبه .

« و القول المسموع » و في المثل الفارسي : شنيدن كى بود مانند ديدن .

في ( تاريخ اليعقوبي )٤ بعد ذكر أنّ الأسكندر غلب على دار ملك فارس و على فور ملك الهند و قتله لهما : ثم رجع إلى أرض بابل بعد أن دوّخ الأرض ،

فلمّا صار في أداني العراق ممّا يلي الجزيرة اعتل و مات ، فصيروه في تابوت ثم وقف عليه عظيم من الفلاسفة فقال : هذا يوم عظيم كشف الملك عنه ، أقبل من شرّه ما كان مدبرا ، و أدبر من خيره ما كان مقبلا ، فمن كان باكيا على ملك فعلى هذا الملك فليبك ، و من كان متعجبا من حادث فمن هذا الحادث فليتعجّب .

ثم أقبل ذاك العظيم على من حضره من الفلاسفة ، فقال : يا معشر الحكماء ،

ليقل كلّ امرئ منكم قولا يكون للخاصة معزيا و للعامة واعظا .

فقام كلّ واحد من تلامذة ارسطاطاليس فضرب بيده على التابوت ، ثم قال أحدهم : أيّها المنطيق ما أخرسك ؟ أيها العزيز ما أذلّك ؟ أيّها القانص أنّى

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١١٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٨ .

 ( ٣ ) اسد الغابة ٤ : ٣٧ .

 ( ٤ ) التاريخ لليعقوبي ١ : ١٤٣ .

٤٨

وقعت موضع الصيد في الشرك ؟ من هذا الذي قنصك ؟ ثم قام آخر ، فقال : هذا القوي الذي أصبح ضعيفا و قام آخر فقال : قد كانت سيوفك لا تجفّ و نقماتك لا تؤمن ، و كانت مدائنك لا ترام ، و كانت عطاياك لا تبرح ، و كان ضياؤك لا يكفّ فأصبح صوتك قد خمد ، و نقماتك لا تخشى و أصبحت عطاياك لا ترجى ،

و أصبحت سيوفك لا تنتضى و أصبحت مدائنك لا تمنع ثم قام آخر فقال : هذا الذي كان للملوك قاهرا فقد أصبح اليوم للسوقة مقهورا و قام آخر فقال : قد كان صوتك مرهوبا و كان ملكك غالبا ، فأصبح الصوت قد انقطع و الملك قد اتضع و قام آخر فقال : ألا امتنعت من الموت إذ كنت من الملوك ممتنعا ؟ و هلاّ ملكت عليه إذ كنت عليهم مملكا ؟ و قام آخر فقال : حرّكنا الإسكندر بسكونه و أنطقنا بصموته .

كان ملك الإسكندر اثنتي عشرة سنة ، و لمّا علم أنّ الموت نزل به كتب إلى امّه يعزيّها عن نفسه ، و كتب في آخره : اصنعي طعاما و اجمعي من قدرت عليه من نساء أهل المملكة ، و لا يأكل من طعامك من اصيب بمصيبة قط .

فعملت طعاما و جمعت النّاس ، ثم أمرتهم ألا يأكل من اصيب بمصيبة قط فلم يأكل أحد ، فعلمت ما أراد ، و حمل تابوته من العراق إلى الإسكندرية فتلقته امّه بعظماء أهل المملكة ، فلمّا رأته قالت : يا ذا الذي بلغت السماء حكمته ، و حاز أقطار الأرض ملكه ، و دانت الملوك عنوة له ، مالك اليوم نائما لا تستيقظ ،

و ساكتا لا تتكلّم ؟ من يبلّغك عنّي بأنّك و عظتني فاتعظت ، و عزيتني فتعزيت ؟

فعليك السلام حيّا هالكا .

و كان عظم سلطانه و اعانته الحكمة و العقل و المعرفة و كان ارسطاطاليس معلّمه .

و في ( كامل الجزري ) : لمّا مات عضد الدولة و كان عاقلا فاضلا حسن

٤٩

السياسة ، كثير الإصابة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمّة ، ثاقب الرأي ، محبّا للفضائل و أهلها ، باذلا في مواضع العطاء ، مانعا في أماكن الحزم ، ناظرا في عواقب الامور ، فقصده العلماء من كلّ بلد و صنّفوا له الكتب ، و منها الايضاح في النحو ، و الحجّة في القراءات ، و الملكي في الطب ، و التاجي في التاريخ و غيرها ،

و عمل المصالح كالبيمارستانات و القناطر ، و بنى سورا على المدينة بلغ خبره بعض العلماء و عنده جماعة من أعيان الفضلاء ، فتذاكروا الكلمات التي قالها الحكماء عند موت الاسكندر ، فقال بعضهم : لو قلتم أنتم مثلها لكان ذلك يؤثر عليكم فقال أحدهم : قد وزن هذا الشخص الدنيا بغير مثقالها ، و أعطاها فوق قيمتها ، و طلب الربح فيها ، فخسر روحه فيها .

و قال الثاني : من استيقظ للدنيا فهذا نومه ، و من حلم فيها فهذا انتباهه .

و قال الثالث : ما رأيت عاقلا في عقله ، و لا غافلا في غفلته مثله ، لقد كان ينقض جانبا و هو يظن أنّه مبرم ، و يغرم و هو يظن أنّه غانم .

و قال الرابع : من جدّ للدنيا هزلت به ، و من هزل راغبا عنها جدت له .

و قال الخامس : ترك هذه الدنيا شاغرة ، و رحل عنها بلا زاد و لا راحلة .

و قال السادس : إنّ ماء اطفأ هذه النار لعظيم ، و إنّ ريحا زعرت هذا الركن لعصوف .

و قال السابع : إنّما سلبك من قدر عليك .

و قال الثامن : أما لو كان معتبرا في حياته لمّا صار عبرة في مماته .

و قال التاسع : الصاعد في درجات الدنيا إلى استفال ، و النازل في دركاتها إلى تعال .

و قال العاشر : كيف غفلت عن كيد هذا الأمر حتى نفذ فيك ؟ و هلاّ اتخذت دونه جنّة تقيك ؟ إنّ في ذلك لعبرة للمعتبرين .

٥٠

« وداعيكم » هكذا في ( المصرية )١ و الصواب : ( وداعي لكم ) كما في بن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« وداع امرئ مرصد للتلاقي » قال عليه السلام هذا لشيعته فهو ساقيهم من الكوثر ،

كما أنّه ذائد عنه مخالفيه .

روى المدائني٢ : أنّ الحسن عليه السلام قال لمولى له : أتعرف معاوية بن حديج ؟ قال : نعم قال : إذا رأيته فاعلمني فرآه خارجا من دار عمرو بن حريث فقال له عليه السلام : هو هذا فدعاه فقال له : أنت الشاتم عليّا عليه السلام عند ابن آكلة الأكباد ؟ أما و اللّه لئن وردت الحوض و لن ترده لترينّ عليّا عليه السلام مشمّرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين و في خبر يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرائب الإبل .

و روى المفيد في ( أماليه )٣ عن الأصبغ قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليه السلام في نفر من الشيعة و كنت فيهم فجعل الحارث يتأوّد في مشيته ، و يخبط الأرض بمحجنه و كان مريضا فأقبل عليه السلام عليه و كانت له منزلة عنده فقال : كيف تجدك يا حارث ؟ فقال : نال الدهر مني .

فقال عليه السلام له : ابشّشرك يا حارث تعرفني عند الممات و عند الصراط و عند الحوض و عند المقاسمة قال الحارث و ما المقاسمة ؟ قال عليه السلام : مقاسمة النار ،

اقاسمها قسمة صحيحة ، أقول : هذا وليي فاتركيه ، و هذا عدوّي فخذيه .

رواه عن جميل بن صالح عن الكابلي عن الأصبغ ثم قال : قال جميل :

و أنشدني السيد الحميري في ما تضمنه هذا الخبر :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية ٢ : ٤٦ .

 ( ٢ ) المدائني .

 ( ٣ ) الأمالي للمفيد : ٣ ح ٣ المجلس ١ .

٥١

قول عليّ لحارث عجبا

كم اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه

بنعته و اسمه و ما عملا

و أنت عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين توقف للعر

ض دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه أن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

قلت : الظاهر أنّ الحميريّ استند في أشعاره إلى هذا الخبر و خبر الشعبي الآتي ، فلا يخفى أن شعريه الأولين مضمون ذاك الخبر ، فإنّ هذا الخبر و ان تضمّن أنّه عليه السلام قال : « تعرفني عند الممات » لكن اقتصر فيه على محبّيه ،

مثل الحارث دون مخالفيه ، و إنما ذاك الخبر تضمّنهما .

و روى الكشي في ( رجاله ) عن الشعبي : قال : قال الحارث الأعور : أتيت عليّا عليه السلام ذات ليلة فقال : يا أعور ما جاء بك ؟ فقلت جاء بي و اللّه حبّك فقال : أما إنّي ساحدّثك لتشكرها ، أما إنّه لا يموت عبد يحبّني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحبّ ، و لا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره .

روى الشعبي عن الحارث هذا لأبي عمر البزاز ، ثم لكونه ناصبيا قال له :

أما إنّ حبّه لا ينفعك و بغضه لا يضرّك .

و قد ودّعه جمع من شيعته ، روى ( أماليا الشيخين )١ عن الأصبغ قال :

لمّا ضربه اللعين عدونا نفر من أصحابنا ، أنا و الحرث و سويد بن غفلة و جماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن عليه السلام فقال : يقول لكم أبي : انصرفوا فانصرفوا غيري ، فاشتدّ البكاء في منزله

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للطوسي ١ : ١٢٣ .

٥٢

فبكيت ، و خرج الحسن عليه السلام و قال : ألم أقل انصرفوا ؟ فقلت : لا و اللّه لا يحملني رجلي حتى أراه عليه السلام و بكيت فدخل و خرج فقال : ادخل فدخلت فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء و دمه نزف و اصفر وجهه ، ما أدري أوجهه اصفر أم العمامة ؟ فأكببت عليه فقبلته و بكيت فقال لي : لا تبك يا أصبغ فإنّها و اللّه الجنّة فقلت : جعلت فداك إنّي أعلم و اللّه أنّك لتصير إلى الجنّة ، و إنّي أبكي لفقداني إيّاك . .

« غدا ترون أيامي و يكشف لكم عن سرائري و تعرفونني بعد خلوّ مكاني و قيام غيري مقامي » روى أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغاته ) عن الشعبي ، قال : استأذنت سودة بنت عمارة بن اسك الهمدانية على معاوية ،

فأذن لها فدخلت فقال لها : يا بنت اسك ، ألست القائلة يوم صفّين :

شمر كفعل أبيك يا بن عمارة

يوم الطعان و ملتقى الأقران

و انصر عليّا و الحسين و رهطه

و اقصد بهند و ابنها بهوان

إنّ الإمام أخو النبيّ محمّد

علم الهدى و منارة الإيمان

فقه الحتوف و سر أمام لوائه

قدما بأبيض صارم و سنان

قالت : إي و اللّه ما مثلي من رغب عن الحقّ أو اعتذر بالكذب قال لها : فما حملك على ذلك ؟ قالت حبّ عليّ و اتباع الحق قال : فو اللّه ما أرى عليك من أثر عليّ شيئا قالت : أنشدك اللّه و اعادة ما مضى و تذكار ما قد نسي قال : هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى و ما لقيت من أحد ما لقيت من قومك و أخيك قالت :

صدق فوك ، لم يكن أخي ذميم المقام و لا خفي المكان ، كان و اللّه كقول الخنساء :

و إن صخرا لتأتمّ الهداة به

كأنّه علم في رأسه نار

قال : صدقت لقد كان كذلك فقالت : مات الرأس و بتر الذنب ، و باللّه أسأل

٥٣

اعفائي ممّا استعفيت منه قال : قد فعلت ، فما حاجتك ؟ قالت : إنّك أصبحت للناس سيّدا و لأمرهم متقلّدا ، و اللّه سائلك عن أمرنا و ما افترض عليك من حقّنا ،

و لا يزال يقدم علينا من ينوء بعزّك و يبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصد السنبل و يدوسنا دوس البقر و يسومنا الخسيسة و يسلبنا الجليلة ، هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي و أخذ مالي ، يقول لي فوهي بما استعصم اللّه منه و ألجأ إليه فيه ، و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة ، فإمّا عزلته عنّا فشكرناك و إمّا لا فعرفناك فقال لها معاوية : أتهدديني بقومك ؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردّك إليه ، ينفذ فيك حكمه فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول :

صلّى الإله على جسم تضمّنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا

فصار بالحق و الإيمان مقرونا

قال : و من ذلك ؟ قالت : عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه قال : و ما صنع بك حتى صار عندك كذلك قالت قدمت عليه في رجل ولاّه صدقاتنا فكان بيني و بينه ما بين الغث و السمين ، فأتيت عليّا عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا ، فوجدته قائما يصلّي فلمّا نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة و تعطف : ألك حاجة ؟ فأخبرته الخبر فبكى ثم قال : اللّهم إنّك أنت الشاهد عليّ و عليهم ، إنّي لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقّك ثم أخرج من جيبه قطعة جلد فكتب فيها :

بسم اللّه الرحمن الرحيم قد جاءتكم بيّنة من ربكم١ . و افوا الكيل و الميزان بالقسط٢ و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٨٥ .

 ( ٢ ) الانعام : ١٥٢ .

٥٤

مفسدين بقية اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ١ إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك و السلام فأخذته منه ما ختمه بطين و لا خزمه بخزام فقرأته فقال لها معاوية لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان : فبطيئا ما تفطمون .

و رواه ابن عبد ربه في ( عقده )٢ و فيه : لمظكم ابن أبي طالب الجرأة و غرّكم قوله .

فلو كنت بوّابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

و غرّكم قوله :

ناديت همدان و الأبواب مغلقة

و مثل همدان سنّى فتحة الباب

كالهندواني لم تفلل مضاربه

وجه جميل و قلب غير وجّاب

و في الأوّل أيضا : قال سعيد بن حذافة : حبس مروان غلاما من بني ليث في جناية فأتته جدّته امّ أبيه امّ سنان بنت خيثمة المذحجية فكلّمته في الغلام فأغلظ لها فخرجت إلى معاوية ، فدخلت عليه فانتسبت له ، فقال لها :

مرحبا بك يا بنت خيثمة ، ما أقدمك أرضي و قد عهدتك تشنأين قربي و تحضين عليّ عدوي ؟ قالت إنّ لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة و أعلاما ظاهرة ،

لا يجهلون بعد علم و لا يسفهون بعد حلم و لا يعاقبون بعد عفو ، فأولى النّاس باتباع سنن آبائه لأنت قال : صدقت نحن كذلك ، فكيف قولك :

عزب الرقاد فمقلتي ما ترقد

و الليل يصدر بالهموم و يورد

يا آل مذحج لا مقام فشمّروا

إنّ العدوّ لآل أحمد يقصد

هذا عليّ كالهلال يحفّه

وسط السماء في الكواكب أسعد

ــــــــــــ

 ( ١ ) هود : ٨٥ ٨٦ .

 ( ٢ ) العقد لابن عبد ربه ١ : ٣٤٦ .

٥٥

خير الخلائق و ابن عمّ محمّد

و كفى بذلك لمن شناه تهدّد

مازال مذ عرف الحروب مظفّرا

و النصر فوق لوائه ما يفقد

قالت : كان كذلك ، و إنّا لنطمع بك خلفا فقال رجل من جلسائه : كيف و هي القائلة :

إمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريا

قد كنت بعد محمّد خلفا لنا

أوصى إليك بنا فكنت وفيا

فاليوم لا خلف تأمل بعده

هيهات نمدح بعده إنسيّا

و روى الثاني عن عكرمة قال : دخلت عكرشة بنت الأطرش على معاوية متوكّئة على عكاز ، فسلّمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية : الآن صرت عندك خليفة ؟ قالت : نعم ، إذ لا عليّ حي قال : ألست المتقلّدة حمائل السيوف بصفّين إلى أن قال فكأنّي أراك على عصاك هذه و قد انكفأ عليك العسكر أن يقولوا : هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر اللّه إلى أن قال قالت : إنّه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتردّ على فقرائنا ، و إنّا قد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير و لا ينعش لنا فقير ، فإن كان ذلك على رأيك فمثلك ينبه عن الغفلة ، و إن كان عن غير رأيك فما مثلك استعان بالخؤنة و لا استعمل الظلمة قال معاوية : يا هذه ، إنّه ينوبنا عن امور رعيتنا ، امور تنبثق و بحور تنفهق قالت : يا سبحان اللّه و اللّه ما فرض اللّه لنا حقّا فجعل فيه ضررا على غيرنا ، و هو علاّم الغيوب قال معاوية : يا أهل العراق نبّهكم عليّ بن أبي طالب فلم تطاقوا . .

و روى عن أبي سهل التميمي قال : حجّ معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون ، يقال لها : دارمة الحجونية ، فاحضرت إليه ، فقال :

٥٦

تدرين لم بعثت إليك ؟ قالت : لا قال : لأسألك لم أحببت عليّا و أبغضتني ، و واليته و عاديتني ؟ قالت : أو تعفيني ؟ قال : لا قالت : إذ أبيت فإنّي أحببت عليّا على عدله في الرعية و قسمه بالسوية ، و أبغضتك على قتال من هو أولى بالأمر منك و طلبك ما ليس لك بحق ، و واليت عليّا على ما عقد له النبيّ صلى اللّه عليه و آله من الولاء في الدين ، و حبه المساكين ، و إعظامه لأهل الدين ، و عاديتك على سفكك الدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى فقال لها معاوية : يا هذه ، هل رأيت عليّا ؟

قالت : إي و اللّه قال : كيف رأيته ؟ قالت : رأيته و اللّه لم يفتنه الملك الذي فتنك ، و لم تشغله النعمة التي شغلتك قال : فهل سمعت كلامه ؟ قالت : نعم و اللّه ، فكان يجلو القلب من العمى ، كما يجلو الزيت الطست من الصدى قال : صدقت ، فهل من حاجة ؟ قالت : أو تفعل ؟ قال : نعم قالت : تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها و راعيها فأمر لها بذلك ، و قال لها : أما و اللّه لو كان عليّ حيّا ما أعطاك منها شيئا قالت : لا و اللّه و لا وبرة من مال المسلمين .

٦

الكتاب ( ٢٣ ) و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته على سبيل الوصيّة ، لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه :

وَصِيَّتِي لَكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَ ؟ مُحَمَّدٌ ص ؟ فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ اَلْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ اَلْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلاَكُمْ ذَمٌّ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ اَلْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وَ إِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَ هُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اَللَّهُ لَكُمْ ٢٤ ٣٠ ٢٤ : ٢٢١ وَ اَللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ

ــــــــــــ

 ( ١ ) النور : ٢٢ .

٥٧

اَلْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ وَ لاَ طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ وَ لاَ كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِبٍ وَرَدَ وَ طَالِبٍ وَجَدَ وَ ما عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ١٧ ٢٢ ٣ : ١٩٨١ « قال الرضي : أقول : و قد مضى بعض هذا الكلام في ما تقدّم من الخطب ،

إلاّ أنّ فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره » أقول : قد عرفت في سابقه أنّ ( الكافي و المروج ) رويا مقدارا من زيادة ذكرت هاهنا إلى قوله : « ان يغفر اللّه لكم » .

قول المصنف : « و من كلام له عليه السلام » إلى « لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه » هكذا في ( المصرية )٢ و لكن في ( ابن ميثم )٣ : « و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته لمّا ضربه ابن ملجم لعنه اللّه وصية » و في ( ابن أبي الحديد )٤ :

« و من كلام له عليه السلام قاله قبيل موته لمّا ضربه ابن ملجم على سبيل الوصية » .

هذا ، و في ( الصحاح ) في ( جوب ) : و تجوب قبيلة من حمير ، حلفاء لمراد ،

و منهم ابن ملجم لعنه اللّه ، قال الكميت :

ألا إنّ خير النّاس بعد ثلاثة

قتيل التجوبي الذي جاء من مصر

و هو وهم منه ، و قتيل التجيبي هو عثمان لا هو عليه السلام ، و البيت ليس للكميت و لم يتفّطن لذاك ( القاموس ) مع تهالكه على تخطئته ، و لكن تنبّه له محشي ( الصحاح ) فقال : البيت للوليد بن عقبة ، و صواب انشاده :

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

و إنّما غلّطه في ذلك أنّه ظن أنّ الثلاثة أبوبكر و عمر و عثمان ، فظنّ أنّه

ــــــــــــ

 ( ١ ) آل عمران : ١٩٨ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٤ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٣ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٣ .

٥٨

في عليّ فقال : التجوبي بالواو و إنّما الثلاثة النبيّ و أبوبكر و عمر ، لأنّ الوليد رثى بهذا الشعر عثمان و قاتله كنانة بن بشر التجيبي ، و أمّا قاتل عليّ فهو التجوبي ثم نقل عن البكري أنّ الأبيات لنائلة زوجة عثمان .

قلت : و صرّح ( الطبري )١ بأنّها للوليد ، و أنّه ردّ عليه الفضل بن عباس في أبيات و منها :

ألا إنّ خير النّاس بعد محمّد

وصي النبيّ المصطفى عند ذي الذكر

و أوّل من صلّى و صنو نبيّه

و أول من أردى الغواة لدى بدر

قوله عليه السلام : « وصيّتي لكم إلى « و غدا مفارقكم » مرّ في السابق لكن ليس هنا : « و أوقدوا هذين المصباحين » في ( ابن ميثم )٢ و هو في ( ابن أبي الحديد )٣ ، و نقلته ( المصرية )٤ عنه ، و في ( ابن ميثم ) أيضا : « أنا بالأمس كنت صاحبكم » .

« إن أبق فأنا وليّ دمي ، و إن أفن فالفناء ميعادي » في ( الإرشاد )٥ : لمّا ادخل ابن ملجم عليه عليه السلام نظر إليه ثم قال : النفس بالنفس ، فإن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني ، و إن أنا عشت رأيت فيه رأيي فقال ابن ملجم : و اللّه لقد ابتعته بألف و سممته بألف ، فإن خانني فأبعده اللّه و نادته امّ كلثوم : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين قال : إنّما قتلت أباك قالت : يا عدوّ اللّه إنّي لأرجو ألاّ يكون عليه بأس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٢٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٠٣ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٤٣ .

 ( ٤ ) الطبعة المصرية ٣ : ٢٤ .

 ( ٥ ) الإرشاد ١ : ٢١ .

٥٩

قال لها : فأراك إنّما تبكين عليّ إذن ؟ لقد و اللّه ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم فاخرج من بين يديه عليه السلام و إنّ النّاس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنّهم سباع و هم يقولون : يا عدوّ اللّه ماذا فعلت ؟ أهلكت أمّة محمّد و قتلت خير النّاس و إنّه لصامت لم ينطق فذهب به إلى الحبس ، و جاء النّاس إليه عليه السلام فقالوا له : مرنا بأمرك في عدوّ اللّه ، لقد أهلك الامة و أفسد الملّة .

فقال عليه السلام لهم : إن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، و إن هلكت فاصنعوا ما يصنع بقاتل النبيّ : اقتلوه ثم حرّقوه بعد ذلك بالنار فلمّا قضى عليه السلام نحبه و دفن جلس الحسن عليه السلام و أمر أن يؤتى بابن ملجم فجي‏ء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له : يا عدوّ اللّه قتلت أمير المؤمنين و أعظمت الفساد في الدين ثم أمر به فضربت عنقه ، و استوهبت امّ الهيثم بنت الأسود النخعية جثته منه لتتولى احراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار .

« و إن أعف » على فرض بقائي .

« فالعفو لي قربة » قال تعالى : . و أن تعفوا أقرب للتقوى .١ .

« و هو لكم حسنة فاعفوا » . و إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن اللّه غفور رحيم٢ .

« . ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم . » من الآية ( ٢٢ ) من النور .

« و اللّه ما فجأني من الموت وارد كرهته ، و لا طالع أنكرته » في ( العيون )٣ نعي إلى الصادق عليه السلام ابنه إسماعيل و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه ، فتبسّم ثمّ دعا بطعامه و قعد مع ندمائه ، و جعل يأكل

ــــــــــــ

 ( ١ ) البقرة : ٢٣٧ .

 ( ٢ ) التغابن : ١٤ .

 ( ٣ ) العيون ٢ : ٢ ب ٣٠ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنه قال: عليكم بمكارم الاخلاق فإن الله عزّوجلّ يحبها، وإياكم ومذام الافعال فإن الله عزّوجلّ يبغضها، وعليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فكلما قرأ آية رقي درجة، وعليكم بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وعليكم بحسن الجوار فإن الله أمر بذلك، وعليكم بالسواك فإنها مطهرة وسنة حسنة، وعليكم بفرائض الله فأدوها، وعليكم بمحارم الله فاجتنبوها(١) .

٥٨٧/١١ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن إسحاق بن عمار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب، كلاهما من أهل الجنة، فقير في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فو عزتك انك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأودي منه حقا أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفاف على ما علمت وقدرت لي. فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي، خلوا عنه يدخل الجنة.

ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها ثم يدخل الجنة، فيقول له الفقير: ما حبسك؟ فيقول: طول الحساب، ما زال الشئ يجيئني بعد الشئ يغفر لي، ثم أسأل عن شئ آخر حتى تغمدني الله عزّوجلّ منه برحمته، وألحقني بالتأئبين، فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفا. فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي(٢) .

٥٨٨/١٢ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين

______________

(١) بحار الانوار ٦٩: ٣٧٠/١١.

(٢) بحار الانوار ٧: ٢٥٩/٤.

٤٤١

ابن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن سليمان ابن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، يا علي أنت مني وأنا منك، يا علي أنت وصيي وخليفتي وحجة الله على أمتي بعدي، لقد سعد من تولاك، وشقي من عاداك(١) .

٥٨٩/١٣ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(٢) .

٥٩٠/١٤ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا أبورجاء قتيبة ابن سعيد، عن حماد بن زيد، عن عبد الرحمن السراج، عن نافع، عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: إذا كان يوم القيامة يؤتي بك - يا علي - على نجيب من نور، وعلى رأسك تاج، قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: أين خليفة محمّد رسول الله؟ فتقول: ها أنا ذا. قال: فينادي المنادي: يا علي، أدخل من أحبك الجنة، ومن عاداك النار، فأنت قسيم الجنة، وأنت قسيم النار(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٢/٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٢/٢٠١، بحار الانوار ٦٨: ٩/٥.

(٣) بحار الانوار ٧: ٢٣٢/٣.

٤٤٢

[ ٥٨ ]

المجلس الثامن والخمسون

مجلس يوم الثلاثاء

النصف من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٩١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الاستر آبادي رحمه الله، قال: حدّثنا عبد الملك بن أحمد بن هارون، قال: حدّثنا عمار بن رجاء، قال: حدّثنا يزيد ابن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصين، فأسرع الكرة، وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده، وأوسع قراباته وجيرانه؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن مال الدنيا كلما ازداد كثرة وعظما، ازداد صاحبه بلاء، فلا تغبطوا أصحاب الاموال إلا بمن جاد بماله في سبيل الله، ولكن ألا أخبركم بمن هو أقل من صاحبكم بضاعة، وأسرع منه كرة، وأعظم منه غنيمة، وما أعد له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمن؟ قالوا: بلى، يا رسول الله.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: انظروا إلى هذا المقبل إليكم. فنظرنا فإذا رجل من الانصار رث الهيئة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والارض،

٤٤٣

لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنة له. قالوا: بماذا، يا رسول الله؟ فقال: سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم.

فأقبل عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقالوا له: هنيئا لك بما بشرك به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب؟ فقال الرجل: ما أعلم أني صنعت شيئا غير أني خرجت من بيتي، وأردت حاجة كنت أبطأت عنها، فخشيت أن تكون فاتتني، فقلت في نفسي لاعتاضن منها النظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: النظر إلى وجه علي عبادة.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إي والله عبادة، وأي عبادة! إنك - يا عبدالله - ذهبت تبتغي أن تكتسب دينارا لقوت عيالك ففاتك ذلك، فاعتضت منه النظر إلى وجه علي، وأنت له محب، ولفضله معتقد، وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله، ولتشفعن بعدد كل نفس تنفسته في مصيرك إليه في ألف رقبة يعتقهم الله من النار بشفاعتك(١) .

٥٩٢/٢ - حدّثنا محمّد بن بكران النقاش رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم، قال: حدثني المنذر بن محمّد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمّد بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بادروا إلى رياض الجنة. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر(٢) .

٥٩٣/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا صهيب بن عباد بن صهيب، قال: حدّثنا أبي،

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٩٧/٥.

(٢) معاني الاخبار: ٣٢١/١، بحار الانوار ٩٣: ١٥٥/٢٠.

٤٤٤

قال: حدّثنا الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ عليهم السلام: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قضى باليمين مع الشاهد الواحد، وأن عليا عليه السلام قضى به بالعراق(١) .

٥٩٤/٤ - وبهذا الاسناد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبدالله، قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمره أن يأخذ باليمين مع الشاهد(٢) .

٥٩٥/٥ - حدّثنا الحسين بن عليّ الصوفي رضي الله عنه، قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الوزان، عن يحيى بن سعيد الاهوازي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد ابن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع ثيابك: اللهم انزع عني ربقة النفاق، وثبتني على الايمان. فإذا دخلت البيت الاول فقل: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وأستعيذ بك من أذاه. وإذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم أذهب عني الرجس النجس، وطهر جسدي وقلبي. وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك، وصب منه على رجليك، وإن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل، فإنه ينقي المثانة، والبث في البيت الثاني ساعة، فإذا دخلت البيت الثالث فقل: نعوذ بالله من النار، ونسأله الجنة. ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار، وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة، ولا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن، وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك، فإذا لبست ثيابك فقل: اللهم ألبسني التقوى، وجنبني الردى، فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء(٣) .

______________

(١) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/١.

(٢) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/٢.

(٣) بحار الانوار ٧٦: ٧٠/٣.

٤٤٥

٥٩٦/٦ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن جعفر بن محمّد الفزاري، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا منصور بن أبي نويرة، عن أبي بكر بن عياش، عن قرن أبي سليمان الضبي(١) ، قال: أرسل عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى لبيد العطاردي(٢) بعض شرطه، فمروا به على مسجد سماك(٣) ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي، فحال بينهم وبينه، فأرسل أميرالمؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجئ به، قال: فرفع أميرالمؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: والله إن صحبتك لذل، وإن خلافك لكفر. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: وتعلم ذلك؟ قال: نعم. قال: خلوه(٤) .

٥٩٧/٧ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ، قال: حدّثنا محمّد بن أيوب، قال: أخبرنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا هشام بن يوسف، عن عبدالله بن سليمان النوفلي، عن محمّد بن عليّ بن عبدالله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله عزّوجلّ، وأحبوا أهل بيتي لحبي(٥) .

٥٩٨/٨ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم المكتب رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا الهيثم بن عبدالله، قال: حدّثنا المأمون، عن أبيه الرشيد، عن المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن

______________

(١) في نسخة: ابن أبي سليمان الضبي، وفي الغارات: ٧٢: قدم الضبي.

(٢) في الغارات: لبيد بن عطارد التميمي، وقد ترجم له بهذا العنوان ابن حجر في الاصابة ٣: ٣٢٨، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣: ٣٢٨ (في هامش الاصابة).

(٣) مسجد سماك: بالكوفة منسوب إلى سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث الاسدي.« مجمع البلدان ٥: ١٢٥ ».

(٤) بحار الانوار ٤٢: ١٨٦/٢.

(٥) أمالي الطوسي: ٢٧٨/٥٣١، بحار الانوار ٢٧: ٧٦/٥، ٦.

٤٤٦

عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: أنت وارثي(١) .

٥٩٩/٩ - حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي الكوفي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن اللؤلؤي، قال: حدّثنا عليّ بن نوح الجنائي، قال: حدثني أبي، عن محمّد بن مروان، عن أبي داود، عن معاذ بن سالم، عن بشر بن إبراهيم الانصاري، عن خليفة بن سليمان الجهني، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: غزا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم غزاة، فلما رجع إلى المدينة، وكان علي عليه السلام تخلف على أهله، فقسم المغنم، فدفع إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام سهمين فقال الناس: يا رسول الله، دفعت إلى عليّ بن أبي طالب سهمين وهو بالمدينة متخلف!

فقال: معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، ألم تروا إلى الفارس الذي حمل على المشركين من يمين العسكر فهزمهم، ثم رجع إلي فقال: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب؟ وهو جبرئيل عليه السلام.

معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر فهزمهم، ثم رجع فكلمني، وقال لي: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ وهو ميكائيل، فوالله ما دفعت إلى علي إلا سهم جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فكبر الناس بأجمعهم(٢) .

٦٠٠/١٠ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن عبدالله بن أحمد، عن أبي أحمد الازدي، عن عبدالله بن جندب، عن أبي عمر العجمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله جل جلاله: أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الملوك،

______________

(١) بحار الانوار ٤٠: ٦/١٣.

(٢) علل الشرائع: ١٧٢/١، ٢، بحار الانوار ٣٩: ٩٤/٤.

٤٤٧

وقلوبهم بيدي، فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، وأيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، توبوا إلي أعطف قلوبهم عليكم(١) .

٦٠١/١١ - حدّثنا جعفر بن عليّ الكوفي، قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد الشعيري، عن الصادق جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي: الامراء والقراء(٢) .

٦٠٢/١٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن بشار بن يسار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا أردت شيئا من الخير فلا تؤخره، فإن العبد ليصوم اليوم الحار يريد به ما عند الله عزّوجلّ، فيعتقه الله من النار، ويتصدق بصدقة يريد بها وجه الله، فيعتقه الله من النار(٣) .

٦٠٣/١٣ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عليّ بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام لبعض أصحابه: ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الايمن فأعط الايسر(٤) .

٦٠٤/١٤ - حدّثنا الحسن بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبدالله بن

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٣٤٠/٢١.

(٢) نوادر الراوندي: ٢٧، بحار الانوار ٩٢: ١٧٨/٧.

(٣) بحار الانوار ٧١: ٢١٥/١٤.

(٤) بحار الانوار ١٤: ٢٨٧/١٠.

٤٤٨

بكير، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزّوجلّ(١) .

٦٠٥/١٥ - وبهذا الاسناد، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسدها على النار(٢) .

٦٠٦/١٦ - وقال عليه السلام: من صلى معهم في الصف الاول، فكأنما صلى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصف الاول.(٣) .

٦٠٧/١٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي جميلة، عن عمرو بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن صدقة النهار تميث(٤) الخطيئة كما يميث الماء الملح، وإن صدقة الليل تطفئ غضب الرب جل جلاله(٥) .

٦٠٨/١٨ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال علي عليه السلام: إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه(٦) .

٦٠٩/١٩ - حدّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي

______________

(١) تقدم في المجلس (١٠) الحديث (٦).

(٢) بحار الانوار ٨٩: ١٨٤/١٩.

(٣) بحار الانوار ٨٨: ٨٧/٤٨.

(٤) أي تذيب.

(٥) بحار الانوار ٩٦: ١٧٦/١.

(٦) بحار الانوار ٢: ٢٢٧/٤.

٤٤٩

عمير، عن أبان الاحمر، عن سعد الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: يا علي، أنت خليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، وأنت مني كشيث من آدم، وكسام من نوح، وكاسماعيل من إبراهيم، وكيوشع من موسى، وكشمعون من عيسى.

يا علي، أنت وصيي ووارثي وغاسل جثتي، وأنت الذي تواريني في حفرتي، وتؤدي ديني، وتنجز عداتي. يا علي، أنت أميرالمؤمنين، وإمام المسلمين، وقائد الغر المجلين، ويعسوب المتقين. يا علي، أنت زوج سيدة النساء فاطمة ابنتي، وأبو سبطي الحسن والحسين. يا علي، إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي من صلبك.

يا علي، من أحبك ووالاك أحببته وواليته، ومن أبغضك وعاداك أبغضته وعاديته، لانك مني وأنا منك. يا علي، إن الله طهرنا واصطفانا، لم يلتق لنا أبوان على سفاح قط من لدن آدم، فلا يحبنا إلا من طابت ولادته.

يا علي، أبشر بالشهادة فإنك مظلوم بعدي ومقتول. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك. يا علي، إنك لن تضل ولم تزل، ولولاك لم يعرف حزب الله بعدي(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٣/٢٦.

٤٥٠

[ ٥٩ ]

المجلس التاسع والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الثامن عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزّوجلّ. وحق اللسان إكرامه عن الخنا(١) ، وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم. وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه. وحق البصر أن تغضه عما لا يحل لك، وتعتبر بالنظر به. وحق يدك أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك. وحق رجليك أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما(٢) تقف على الصراط، فانظر أن لا تزل بك فتتردى في النار. وحق بطنك أن لا تجعله وعاء للحرام، ولا تزيد على الشبع. وحق

______________

(١) الخنا: الفحش في الكلام.

(٢) في نسخة: فيهما.

٤٥١

فرجك أن تحصنه عن الزنا، وتحفظه من أن ينظر إليه.

وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عزّوجلّ، أنك فيما قائم بين يدي الله عزّوجلّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها. وحق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله عزّوجلّ على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.

وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عزّوجلّ، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد عليها، وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية، وتعلم أنها تدفع البايا والاسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة.

وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك، وفرار إليه من ذنوبك، وفيه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك. وحق الهدي أن تريد به الله عزّوجلّ، ولا تريد به خلقه، وتريد به التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه.

وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعل الله عزّوجلّ له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه، فتلقي بيدك إلى التهلكة، وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.

وحق سايسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله - جل اسمه - لا للناس. وأما حق سايسك بالملك، فأن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأما حق رعيتك بالسلطان، فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك،

٤٥٢

فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله على ما آتاك من القوة عليهم.

وأما حق رعيتك بالعلم، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم، وفتح لك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم(١) ، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقا على الله عزّوجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك.

وأما حق الزوجة، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعلها لك سكونا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عزّوجلّ عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها لانها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها.

وأما حق مملوكك، فأن تعلم أنه خلق ربك، وابن أبيك وأمك، ولحمك ودمك لم تملكه لانك صنعته دون الله، ولا خلقت شيئا من جوارحه، ولا أخرجت له رزقا، ولكن الله عزّوجلّ كفاك ذلك، ثم سخره لك، وائتمنك عليه، واستودعك إياه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق أمك، فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولن تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك، وتظلك وتضحى(٢) ، وتهجر النوم لاجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، وأنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.

وأما حق أبيك، فأن تعلم أنه أصلك، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على

______________

(١) خرق بالشئ: جهله ولم يحسن عمله.

(٢) ضحى: برز للشمس فأصابه حرها.

٤٥٣

قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الادب، والدلالة على ربه عزّوجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الاساءة إليه.

وأما حق أخيك، فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له، فان أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك المنعم عليك، فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها، فأطلقك من أسر الملكية، وفك عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرغك لعبادة ربك، وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وبعد موتك، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك، وما احتاج إليه منك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعل عتقك له وسيلة إليه، وحجابا لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه، إذا لم يكن له رحم، مكافأة بما أنفقت من مالك، وفي الآجل الجنة.

وأما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه القالة(١) الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزّوجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته.

وأما حق المؤذن، فأن تعلم أنه مذكر لك بربك عزّوجلّ، وداع لك إلى حظك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

وأما حق إمامك في صلاتك، فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك وبين

______________

(١) القالة: اسم للقول الفاشي في الناس، خيرا كان أو شرا.

٤٥٤

ربك عزّوجلّ، وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّوجلّ، فإن كان (به)(١) نقص كان به دونك، وإن كان تماما كنت به شريكه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه، وصلاتك بصلاته، فتشكر له على قدر ذلك.

وأما حق جليسك، فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته، وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا.

وأما حق جارك، فحفظه غائبا، وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوءا سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصاحب، فأن تصحبه بالتفضل والانصاف، وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، وإن سبق كافيته، وتوده كما يودك، وتزجره عما يهم به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الشريك، فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، تحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عز أو هان من أمره، فإن يد الله عزّوجلّ على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مالك، فأن لا تأخذه إلا منحله، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق غريمك الذي يطالبك، فإن كنت موسرا أعطيته، وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، ورددته عن نفسك ردا لطيفا.

______________

(١) من الخصال.

٤٥٥

وحق الخليط أن لا تغره، ولا تغشه، ولا تخدعه، وتتقي الله في أمره.

وحق الخصم المدعي عليك، فان كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك، ولم تظلمه و أوفيته حقه، وإن كان ما يدعي باطلا رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرفق، و لم تسخط ربك في أمره، ولا قوة إلا بالله.

وحق خصمك الذي تدعي عليه، إن كنت محقا في دعواك، أجملت مقاولته، ولم تجحد حقه، وإن كنت مبطلا في دعواك، اتقيت الله وتبت إليه، وتركت الدعوى.

وحق المستشير، إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم، وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، وإن وافقك حمدت الله عزّوجلّ.

وحق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به. وحق الناصح أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله عزّوجلّ، وإن لم يوفق رحمته ولم تتهمه، وعلمت أنه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك، إلا أن يكون مستحقا للتهمة، ولا تعبأ بشئ من أمره على حال، ولا قوة إلا بالله.

وحق الكبير توقيره لسنه، وإجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تتقدمه ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته بحق الاسلام وحرمته، وحق الصغير رحمته وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له.

وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحق المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره. وحق من سرك الله به أن تحمد الله أولا ثم تشكره. وحق من ساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو يضره انتصرت، قال الله عزّوجلّ:( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) (١) .

وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم، والرحمة بهم، والرفق بمسيئهم،

______________

(١) الشورى ٤٢: ٤١.

٤٥٦

وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكف الاذى عنهم، وتحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبابهم بمنزلة إخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك، والصغار بمنزلة أولادك(١) ، وحق الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عزّوجلّ منهم، ولا تظلمهم ما وفوا لله عزّوجلّ بعهده، ولا قوة إلا بالله(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: إخوانك.

(٢) الخصال: ٥٦٤/١، بحار الانوار ٧٤: ٢/١.

٤٥٧

[ ٦٠ ]

المجلس الستون

مجلس يوم الثلاثاء

الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن شبيب، قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب أهل البيت عليهم السلام، وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه، فلما حج الرشيد كنت أنا ومحمّد والقاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهما السلام، فدخل، فلما نظر إليه الرشيد تحرك ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه، ثم أقبل عليه، فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن، كيف عيالك، كيف عيال أبيك، كيف أنتم، ما حالكم؟ فما زال يسأله عن هذا وأبو الحسن عليه السلام يقول: خير خير، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض، فأقسم عليه أبوالحسن عليه السلام فقعد، وعانقه وسلم عليه وودعه.

قال المأمون: وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خرج أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قلت لابي: يا أميرالمؤمنين، لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلت بأحد من أبناء المهاجرين والانصار ولا ببني هاشم! فمن هذا الرجل؟ فقال: يا بني، هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر بن محمّد، إن أردت العلم

٤٥٨

الصحيح فعند هذا. قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم(١) .

٦١٢/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين، قال: رفع(٢) الخبر إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، وعنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره، فقال لاهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نرى أن تتباعد عن هذا الرجل، وأن تغيب شخصك منه، فإنه لا يؤمن شره. فتبسم أبوالحسن عليه السلام، ثم قال:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب(٣)

ثم رفع عليه السلام يده إلى السماء، فقال: إلهي، كم من عدو شحذ لي ظبة مديته(٤) ، وأرهف لي سنان حده، وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوائح(٥) ، صرفت ذلك عني بحولك وقوتك لا بحولي ولا بقوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي، خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك.

سيدي اللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عمن يناويه، اللهم وأعدني عليه عدوى(٦) حاضرة، تكون من غيظي

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٣/١٢، بحار الانوار ٤٨: ١٣٤/٦.

(٢) في نسخة: وقع.

(٣) البيت لكعب بن مالك، وقيل: لحسان بن ثابت، وسخينة: لقب قريش، لانها كانت تعاب بأكل السخينة، وهي طعام يتخذ من الدقيق، وإنما يأكلونها في شدة الدهر وغلاء السعر.

(٤) الظبة: حد السيف ونحوه: والمدية: الشفرة الكبيرة.

(٥) الجائحة: المصيبة تحل بالرجل في ماله فتجتاحه كله.

(٦) أعداه: نصره وأعانه وقواه، والعدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك، أي ينتقم منه.

٤٥٩

شفاء، ومن حقي عليه وفاء(١) ، وصل اللهم دعائي بالاجابة، وانظم شكاتي بالتغيير، وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، إنك ذو الفضل العظيم والمن الكريم.

قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي(٢) .

٦١٣/٣ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس هارون الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام، جن عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسى عليه السلام طهوره، واستقبل بوجهه القبلة، وصلى لله عزّوجلّ أربع ركعات، ثم دعا بهذه الدعوات، فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، وخلصني من يديه، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الاحشاء والامعاء، خلصني من يدي هارون.

قال: فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات، رأى هارون رجلا أسود في منامه، وبيده سيف قد سله، واقفا على رأس هارون، وهو يقول: يا هارون، أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا. فخاف هارون من هيبته، ثم دعا لحاجبه، فجاء الحاجب، فقال له: اذهب إلى السجن، وأطلق عن موسى بن جعفر.

قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن، فأجابه صاحب السجن، فقال: من ذا؟ قال: إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر، فأخرجه من سجنك، وأطلق عنه. فصاح السجان، يا موسى، إن الخليفة يدعوك. فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا، وهو

______________

(١) في نسخة: ومن حنقي عليه وقاء.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٧٩/٧، أمالي الطوسي: ٤٢١/٩٤٤، مهج الدعوات: ٢٨، بحار الانوار ٤٨:٢١٧/١٧ - ١٩ و ٩٤: ٣٣٧/٦.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608