• البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46678 / تحميل: 6553
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا .١ و لو كانوا عملوا لعمرت دنياهم و آخرتهم ، و لو انّهم أقاموا التوراة و الإنجيل و ما انزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم .٢ .

و يشكو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من عدم عملهم في القيامة : و قال الرسول يا ربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا٣ و قد وصّي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله به أيضا مثله عليه السلام فقال للناس : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، و عترتي أهل بيتي ، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، و إنّهما حبلان ممدودان بينكم و بين اللّه ، و إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا » و لو كان حيّا لقاتل مسلمي اليوم كما قاتل الكفّار في حياته ، لعدم عملهم بكتاب اللّه ، قال تعالى : يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه و رسوله .٤ .

روى الواحدي عن ابن عباس : أنّ اللّه تعالى لمّا أظهر رسوله على مكّة أتى بنو عمرو بن عمير من ثقيف و بنو المغيرة من مخزوم و كانوا يربون لثقيف إلى عتاب بن اسيد عامل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على مكة ، فقال بنو المغيرة : وضع على النّاس غيرنا و قال بنو عمرو : صولحنا على أنّ لنا ربانا فكتب عتّاب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فنزلت الآية . .

و لمّا فتح مكّة قال : ألا إنّ كلّ ربا من ربا الجاهلية موضوع ، و أول ربا أضعه ربا عمّي العباس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمعة : ٥ .

 ( ٢ ) المائدة : ٦٦ .

 ( ٣ ) الفرقان : ٣٠ .

 ( ٤ ) البقرة : ٢٧٨ ٢٧٩ .

٨١

و في ( ذيل الطبري )١ : قال زياد بن لبيد : ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله شيئا و قال : ذاك عند أوان ذهاب العلم فقلنا : و كيف يذهب العلم و نحن نقرأ القرآن ، و نقرئه أبناءنا و أبناءهم إلى يوم القيامة ؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثكلتك امّك زياد ان كنت لأراك أفضل رجل بالمدينة ، أو ليس هذه اليهود و النصارى يقرؤون التوراة و الإنجيل و لا يعملون بشي‏ء ممّا فيها ؟ و روى ( سنن أبي داود ) عن ديلم الحميريّ : قلت للنبي صلّى اللّه عليه و آله : إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا ، و إنّا نتّخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا و برد بلادنا فقال : هل يسكر ؟ قلت : نعم قال : فاجتنبوه قلت : إنّ النّاس غير تاركيه قال : فإن لم يتركوه فقاتلوهم .

و في ( تاريخ بغداد )٢ : قال محمّد بن عليّ المادراني وزير خمارويه بن أحمد ابن طولون : كنت اجتاز بتربة أبيه ابن طولون فأرى شيخا عنده يقرأ ملازما للقبر ، ثم لم أره مدّة ثم رأيته فقلت : ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون تقرأ ؟ فقال : بلى ، كان وليّنا في هذا البلد ، و كان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكلّ فأحببت أن أصله بالقرآن فقلت : فلم انقطعت عنه ؟ فقال :

رأيته في النوم و هو يقول : احبّ أن لا تقرأ عندي ، ما تمرّ بي آية ممّا تقرأ إلاّ قرعت بها ، و يقال لي : أما سمعت هذه الآية ؟

« و اللّه اللّه في الصلاة فإنّها عمود دينكم » قال تعالى حكاية عن عيسى :

و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حّا٣ ، و قال لنبيه صلّى اللّه عليه و آله : و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها .٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٧٥ .

 ( ٢ ) تاريخ بغداد ٣ : ٨١ .

 ( ٣ ) مريم : ٣١ .

 ( ٤ ) طه : ١٣٢ .

٨٢

و في الخبر : أحبّ الاعمال إلى اللّه الصلاة ، و هي آخر وصايا الأنبياء :

أيضا : لا تضيّعوا صلاتكم ، فإنّ من ضيّع صلاته حشر مع قارون و هامان ، و يدخل النار مع المنافقين .

أيضا : لا تنال شفاعتنا مستخفا بالصلاة .

« و اللّه اللّه في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا » في ( تنبيه المسعودي )١ : بطل الحج سنة ( ٣١٧ ) أيّام المقتدر ، فلم يحج أحد لدخول أبي طاهر القرمطي صاحب البحرين مكة ، و لم يبطل الحج منذ كان الإسلام غير تلك السنة .

في ( التهذيب )٢ عن ابراهيم بن ميمون قال : كنت عند أبي حنيفة جالسا فسأله رجل فقال : ما ترى في رجل قد حجّ حجّة الإسلام ، الحج أفضل أو العتق ؟ قال أبو حنيفة : العتق فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : كذب و اللّه و أثم ، الحجة أفضل من عتق رقبة و رقبة حتى عدّ عشر رقبات ثم قال : ويحه أي عتق رقبة فيه طواف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة و وقوف بعرفة و حلق الرأس و رمي الجمار ، فلو كان كما قال لعطل النّاس الحجّ ، و لو فعلوا لكان ينبغي للإمام أن يجبرهم على الحجّ ، إن شاؤا و إن أبوا ، فإنّ هذا البيت إنّما وضع للحجّ .

و في ( الكافي )٣ عن الصادق عليه السلام : من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه .

و عنه٤ عليه السلام : لا يزال الدين قائما ما دامت الكعبة .

ــــــــــــ

 ( ١ ) التنبيه للمسعودي ٤ : ٣١٢ ، ضمن الجزء الرابع من المروج .

 ( ٢ ) التهذيب ٥ : ٢٢ ح ٦٦ ، ١٢ ب ٣ .

 ( ٣ ) الكافي ٤ : ٢٧٠ ح ٢ .

 ( ٤ ) الكافي ٤ : ٢٧١ ح ٤ .

٨٣

و عن١ إسحاق بن عمار : أنّ رجلا استشارني في الحجّ ، و كان ضعيف الحال فأشرت عليه ألاّ يحجّ ، فحكى ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي : ما أخلقك أن تمرض سنة فمرضت سنة .

« و اللّه اللّه في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل اللّه » عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : من ترك الجهاد ألبسه اللّه عز و جل ذلاّ و فقرا في معيشته ، و محقا في دينه .

و عنه عليه السلام ما صلحت دنيا و لا دين إلاّ بالجهاد .

و في الخبر : جهاد النفس الجهاد الأكبر ، و إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لقوم رجعوا من جهاد العدو : مرحبا بقوم قضوا الأصغر و بقي عليهم الأكبر .

« و عليكم بالتواصل و التباذل ، و إيّاكم و التدابر و التقاطع » عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يزال امتي بخير ما لم يتخاذلوا و أدوا الأمانة و آتوا الزكاة ، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط و السنين .

و في الخبر : إذا تهاجر اثنان ثلاثة أيّام برئ الإمام منهما ، و يغفر ليلة القدر لجميع النّاس إلاّ لأصناف منهم ، من كان مهاجرا لأخيه .

و في الخبر : ليس شي‏ء انكأ لابليس و جنوده من زيارة الإخوان في اللّه بعضهم لبعض ، و إنّ المؤمنين يلتقيان فيذكران اللّه تعالى ، ثم فضلنا أهل البيت ، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلاّ تحدرت ، حتى إنّ روحه لتستغيث من شدّة ما تجد من الألم .

أيضا : لا يزال ابليس فرحا ما تهاجر المسلمان ، فإذا التقيا اصطكت ركبتاه و تخلعت أوصاله و نادى : يا ويله ما لقي من الثبور .

و روى ( سنن أبي داود ) : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل المسجد و هم حلق ، فقال :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٤ : ٢٧١ ح ١ .

٨٤

مالي أراكم عزين ؟ قال الأعمش : كأنّه يحبّ الجماعة .

« لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، فيولّى عليكم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم » في ( تاريخ اليعقوبي )١ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، لتأمرنّ بالمعروف و لتنهين عن المنكر ، أو لأولينّ عليكم شراركم و لأجعلنّ أموالكم في أيدي بخلائكم و لأمنعنكم قطر السماء ، ثم ليدعوني خياركم فلا استجيب لهم ، و يسترحموني فلا أرحمهم ، و يستسقوني فلا أسقيهم .

و في ( الأغاني )٢ عن حماد الرواية : ادخلت على أبي مسلم فاستنشدني فانشدته قول الأفوه :

تهدي الامور بأهل الرشد ما صلحت

و ان تولت فبالاشرار تنقاد

قال : أنا ذلك الذي تنقاد به النّاس و قالوا : إنّه قتل ستمائة ألف صبرا سوى ما في حروبه .

و عن الصادق عليه السلام : ما قرب المنكر بين أظهر قوم لا يغيّرونه إلاّ أوشك اللّه أن يعمّهم بعقاب من عنده .

و عنه عليه السلام : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خلقان من خلق اللّه ، فمن نصرهما نصره اللّه و من خذلهما خذله اللّه ، و إذا ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فليؤذن بوقاع من اللّه تعالى .

و في الخبر : أنّ اللّه تعالى ليعذّب الجعل في جحرها بحبس المطر من الأرض ، لخطايا من بحضرته و قد جعل اللّه له السبيل و المسلك إلى محل أهل الطاعة .

و في ( بيان الجاحظ ) عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : أنّ قوما ركبوا سفينة في البحر

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٠٨ .

 ( ٢ ) الأغاني ٧ : ٥٧ .

٨٥

فاقتسموا فصار لكلّ رجل منهم موضع ، فنقر رجل منهم موضعه بفأس ،

فقالوا له : ما تصنع ؟ فقال : هو مكاني أصنع فيه ما شئت فإن أخذوا على يديه نجا و نجوا ، و ان تركوه هلك و هلكوا .

و في ( تفسير القمي )١ عن الصادق عليه السلام : لمّا عملت بنو إسرائيل المعاصي و عتوا عن أمر ربهم ، أراد أن يسلّط عليهم من يذلّهم ، فأوحى إلى إرميا : ما بلد انتخبته من بين البلدان و غرست فيه من كرائم الشجر ، فأخلف فأنبت خرنوبا ؟ فأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل فقالوا : راجع ربّك ليخبرنا ما معنى هذا المثل ؟ فصام إرميا سبعا فأوحى تعالى إليه : أمّا البلد فبيت المقدس ،

و أمّا ما أنبت فيها فبنو إسرائيل الذين أسكنتهم فيها ، فعملوا بالمعاصي و غيّروا ديني و بدّلوا نعمتي كفرا ، فبي حلفت لا بتلينّهم بفتنة يظلّ الحكيم فيها حيرانا ، و لاسلّطن عليهم شر عبادي ولادة و طعاما ، يسلّط عليهم بالحيرة ،

فيقتل مقاتليهم و يسبي حريمهم و يخرّب بيتهم الذي يغترون به ، و يلقي حجرهم الذي يفتخرون به على النّاس في المزابل مائة سنة فأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل فقالوا له : راجع ربّك ، إنّه ما ذنب المساكين و الضعفاء ؟

فصام إرميا ثم أكل أكلة فلم يوح إليه ، ثم صام سبعا فأوحى إليه : لتكفّن عن هذا أو لأردّن وجهك في قفاك ثم أوحى إليه : قل لهم : لأنّكم رأيتم المنكر فلم تنكروه فقال إرميا : ربّ أعلمني متى هو ؟ حتى آتيه و آخذ لنفسي و أهل بيتي أمانا منه قال : إيت موضع كذا و كذا فانظر إلى غلام : أشدّهم زمانة و أخبثهم ولادة و شرّهم غذاء ، فهو ذاك فأتى إرميا ذلك البلد فاذا هو بغلام زمن في خان ، على مزبلة وسط الخان ، و إذا له امّ تربي بالكسر و تفتها في القصعة و تحلب عليه خنزيرة لها ، ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكله ، فقال إرميا : إن كان

ــــــــــــ

 ( ١ ) تفسير القمي ١ : ٨٦ .

٨٦

في الدنيا الذي وصفه اللّه تعالى فهو هذا فدنا منه فقال له : ما اسمك ؟ قال : بخت النصر فعرفه أنّه فعالجه حتى برئ ثم قال له : تعرفني ؟ قال : لا ، إلاّ أنّك رجل صالح قال : أنا إرميا نبيّ بني إسرائيل ، أخبرني اللّه أنّه سيسلّطك على بني إسرائيل ، فتقتل رجالهم و تفعل بهم ما تفعل فتاه في نفسه في ذلك الوقت ، ثم قال له إرميا : اكتب لنا كتابا بأمان منك فكتب له كتابا ، و كان يخرج في الجبل و يحتطب و يبيعه في البلد ، فدعا إلى حرب بني إسرائيل فأجابوه و كان مسكنهم في بيت المقدس و اجتمع إليه بشر كثير ، فلمّا بلغ إرميا اقباله نحو بيت المقدس ، استقبله على حمار له و معه الأمان الذي كتبه له ، فلم يصل إليه من كثرة جنوده و أصحابه ، فصيّر الأمان على قصبة و رفعها ، فقال : من أنت ؟

فقال : إرميا النبيّ الذي بشّرتك بأنّك سيسلّطك اللّه على بني إسرائيل ، و هذا أمانك لي قال : أمّا أنت فقد آمنتك ، و أمّا أهل بيتك فأنا أرمي من هاهنا بيت المقدس ، فإن وصلت رميتي إليه فلا أمان لهم عندي ، و إن لم تصل فهم آمنون .

و انتزع قوسه و رمى نحو بيت المقدس ، فحملت الريح النشابة حتى علقها في بيت المقدس ، فقال : لا أمان لهم عندي فلمّا وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة ، فإذا دم يغلي وسطه ، كلّما القي عليه التراب خرج يغلي ، فقال : ما هذا ؟

قالوا : هذا نبيّ كان للّه فقتله ملوك بني إسرائيل ، و دمه يغلي ، و كلّما ألقينا عليه التراب خرج يغلي فقال : لأقتلنّ بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم و كان دم يحيى ، كان في زمانه ملك جبّار يزني بنساء بني إسرائيل ، و كان يمرّ بيحيى فقال له يحيى : اتّق اللّه أيها الملك ، لا يحلّ لك هذا ، فقالت له مرأة ممّن يزني بهن حين سكرا : اقتله فأمر أن يؤتى برأسه فأتوه به في طشت ، فكلّمه الرأس و قال له : يا هذا ، اتّق اللّه ، لا يحلّ لك هذا ثم غلى الدم في الطشت حتى فاض إلى الأرض ، فخرج يغلي و لا يسكن ، و كان بين قتل يحيى و خروج بخت

٨٧

النصر مائة سنة ، و لم يزل يقتلهم ، و كان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال و النساء و الصبيان و كلّ حيوان ، و الدم يغلي حتى أفناهم فقال : بقي أحد من هذه البلاد ؟ فقالوا : عجوز في موضع كذا و كذا فبعث إليها فضرب عنقها على ذلك الدم فسكن ، و كانت آخر من بقي .

« ثم قال : يا بني عبد المطلب لا ألفينكم » أي : لا أجدنّكم .

« تخوضون دماء المسلمين خوضا » فلو قتل جميع النّاس رجلا بغير حق لأكبّهم اللّه جميعا في النار .

« تقولون قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين » فأهل الدنيا إذا قتل أحد كبرائهم يقتلون به عدّة القاتل ، و غير القاتل و المحقق ، و غير المحقق كان سويد بن ربيعة التميميّ قتل أخا لعمرو بن هند ملك الحيرة و هرب ، فقتل عمرو سبعة من ولده و حلف ليقتلنّ مائة من قومه ، فقتل ثمانية و تسعين منهم إحراقا بالنار ، فرأى رجلا من براجم تميم الدخان يرتفع فقال : إنّ الملك يطعم النّاس فقصده فلمّا دنا قال له : من أنت ؟ قال : من البراجم قال : الشقيّ وافد البراجم و أمر به فالقي في النار ، ثم أتى بالحمراء بنت ضمرة فأحرقها ، و تحلّل من يمينه .

و لمّا قتل أبو لؤلؤة عمر ، اتّهم عبيد اللّه الهرمزان ملك تستر بشركته فقتله ، فطلب أمير المؤمنين عليه السلام من عثمان أن يقوده فأبى : فلمّا بويع عليه السلام هرب عبيد اللّه إلى معاوية حتى قتل في صفّين ، و اتّهم أيضا نصرانيا من أهل الحيرة فقتله مع ابنيه قال البلاذري : قال عبيد اللّه للهرمزان : مرّ بنا إلى فرس لي فمضى و عبيد اللّه خلفه فضربه بالسيف و هو غافل فقتله و قال الواقدي :

و كان جفينة العبادي من أهل الحيرة نصرانيا ظئرا لسعد بن أبي وقاص ،

فاتهمه عبيد اللّه بمشايعة أبي لؤلؤة ، فقتله و قتل ابنيه .

٨٨

و في ( الطبري )١ كان عبيد اللّه يقول :

و اللّه لأقتلنّ رجالا ممّن شرك في دم أبي يعرّض بالمهاجرين و الأنصار و نزع سعد السيف من يده ، بعد قتل جفينة ظئره و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة .

و لمّا قتل مصعب أخا عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان ، نذر عبيد اللّه ليقتلنّ به مائة من قريش ، فقتل ثمانين ثم قتل مصعبا و جاء برأسه حتى وضعه بين يدي عبد الملك ، فسجد عبد الملك ، فهمّ أن يفتك به أيضا فارتدع و قال :

هممت و لم أفعل وكدت وليتني

فعلت و وليت البكاء حلائله

و قال :

قتلت من حي فهر بن مالك

ثمانين منهم ناشئون و شيّب

و كفى بهم رهن بعشرين أو يرى

على من الاصباح نوح مسلّب

و في ( الطبري )٢ : في حرب تميم و عبد اللّه بن خازم بخراسان في سنة ( ٦٥ ) و كان الأشعث بن ذؤيب العدوي أخو زهير قتل في تلك الحرب ، فقال زهير لأخيه و به رمق : من قتلك ؟ قال : لا أدري ، طعنني رجل على بر ذون أصفر .

فكان زهير لا يرى أحدا على بر ذون أصفر إلاّ حمل عليه ، فمنهم من يقتله و منهم من يهرب ، فتحامى أهل العسكر البراذين الصفر ، فكانت مخلاة في العسكر لا يركبها أحد .

« ألا لا يقتلن بي إلاّ قاتلي » روى ( اسد الغابة )٣ عن عبد اللّه بن سبع قال :

خطبنا عليّ فقال : و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة ، لتخضبن هذه من هذه فقال

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٣٩ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ٦٢٦ .

 ( ٣ ) اسد الغابة ٤ : ٣٤ .

٨٩

رجل : لا يفعل ذلك أحد إلاّ أبرنا عترته فقال : اذكر اللّه و أنشد ألاّ يقتل بي إلاّ قاتلي .

و في ( الطبري )١ قالت قطام لابن ملجم : إنّي أطلب لك من يشدّ ظهرك و يساعدك على أمرك فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب ، يقال له :

وردان ، فكلّمته فأجابها ، و أتى ابن ملجم رجلا من أشجع ، يقال له : شبيب بن بجرة ، فقال له : هل لك في شرف الدنيا و الآخرة ؟ قال : ما ذاك ؟ قال : قتل عليّ .

قال : ثكلتك امّك لقد جئت شيئا إدّا ، كيف تقدر عليه ؟ قال : أكمن له في المسجد ، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه ، فإن نجونا شفينا أنفسنا و أدركنا ثأرنا ، و إن قتلنا فما عند اللّه خير قال : ويحك لو كان غير عليّ لكان أهون عليّ ،

قد عرفت بلاءه في الإسلام و سابقته مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ما أجدني أنشرح لقتله .

قال : أما تعلم أنّه قتل أهل النهروان العباد الصالحين ؟ قال : بلى قال : فنقتله بمن قتل من إخواننا فأجابه ، فجاؤا قطام و هي في المسجد الأعظم معتكفة فقالوا لها : قد اجمع رأينا على قتل عليّ قالت : فإذا أردتم ذلك فأتوني ثم عاد إليها ابن ملجم في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال : هذه الليلة التي و اعدت فيها صاحبيّ فدعت لهم بحرير فعصبتهم به ، و أخذوا أسيافهم و جلسوا مقابل السدّة التي يخرج منها عليّ ، فلمّا خرج ضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق ، و ضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف ، و هرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أبيه و هو ينزع الحرير عن صدره ،

فقال : ما هذا الحرير و السيف ؟ فأخبره بما كان ، فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله ، و خرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس ، و صاح النّاس فلحقه رجل من حضر موت ، يقال له : عويمر ، و في يد شبيب السيف فأخذه و جثم

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٤ .

٩٠

عليه الحضرمي : فلمّا رأى النّاس قد أقبلوا في طلبه و سيف شبيب في يده خشي على نفسه ، فتركه و نجا شبيب في غمار النّاس ، فشدّوا على ابن ملجم فأخذوه ، إلاّ أنّ رجلا من همدان يكنّى أبا ادماء أخذ سيفه فضرب رجله فصرعه ، و تأخر عليّ عليه السلام فرفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب ،

فصلّى بالناس الغداة ، ثم قال عليّ عليه السلام : عليّ بالرجل فادخل عليه عليه السلام قال : أي عدوّ اللّه ، ألم أحسن إليك ؟ قال : بلى قال : فما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحا ، و سألت اللّه أن يقتل به شرّ خلقه فقال عليه السلام : لا أراك إلاّ مقتولا به ، و لا أراك إلاّ من شرّ خلقه .

و رواية الطبري هذه دالة على قتل وردان مع ابن ملجم وفلت شبيب ،

و روى ( إرشاد المفيد )١ العكس ، فقال : و مضى شبيب هاربا حتى دخل منزله و دخل عليه ابن عم له ، فرآه يحل الحرير عند صدره ، فقال له : ما هذا ؟ لعلّك قتلت أمير المؤمنين ؟ فأراد أن يقول : لا ، قال : نعم فمضى و اشتمل على سيفه ،

ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله إلى أن قال و أفلت الثالث و انسل بين النّاس .

و مثله أبو الفرج٢ ، و كذا المسعودي في ( المروج )٣ إن لم يكن في النسخة تصحيف ، و الصواب رواية الطبري من عدم قتل شبيب ، ففي ( كامل الجزري ) : لمّا أتى معاوية الكوفة أتاه شبيب كالمتقرّب إليه و قال له : أنا و ابن ملجم قتلنا عليّا فوثب معاوية من مجلسه مذعورا حتى دخل منزله ، و بعث إلى أشجع بأنّي رأيت شبيبا أو بلغني أنّه ببابي ، لأهلكنكم ، أخرجوه عن بلدكم .

ــــــــــــ

 ( ١ ) إرشاد المفيد ١ : ٢٠ .

 ( ٢ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢١ ٢٢ .

 ( ٣ ) المروج للمسعودي ٢ : ٤٢٤ ٤٢٥ .

٩١

و كان شبيب إذا جنّ عليه الليل خرج فلم يلق أحدا إلاّ قتله ، فلمّا ولي المغيرة الكوفة خرج عليه بالطف قريب الكوفة ، فبعث إليه المغيرة خيلا عليها خالد بن عرفط و قيل : معقل بن قيس فاقتتلوا ، فقتل شبيب و قتل أصحابه .

و قريب منه في ( تاريخ اليعقوبي )١ ، و روى ( الكامل للمبرد )٢ أيضا :

قلت : شبيب ، و كذا ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) نقلا مقتله عليه السلام عن محمّد بن إسحاق و هشام بن محمّد و السدي و غيرهم ، و كذا ( كشف الغمّة )٣ نقلا عن ( مناقب الخوارزمي ) مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد .

و رواية الطبري أيضا تضمّنت أنّ النّاس أخذوا ابن ملجم ، فأخذ أبو ادماء الهمداني سيفه فضرب رجله فصرعه .

و في ( المقاتل )٤ قال أبو مخنف : ذكرت همدان أنّ أبا ادماء منهم أخذه .

و قال يزيد بن أبي زياد : أخذه المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب و طرح عليه قطيفة ، ثم صرعه و أخذ السيف من يده و جاء به .

و المسعودي جمع بينهما فقال : قال عليّ عليه السلام : لا يفوتنّكم الرجل فشدّ النّاس على ابن ملجم يرمونه بالحصباء و يتناولونه و يصيحون ، فضرب ساقه رجل من همدان برجله ، و ضرب المغيرة بن نوفل بن الحرث وجهه فصرعه ، و أقبل به إلى الحسن عليه السلام .

و روى ( قرب الاسناد )٥ : أنّه عليه السلام لمّا ضرب وقع على ركبتيه و أخذه فالتزمه ، حتى أخذه النّاس .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٢ .

 ( ٢ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٦٧ .

 ( ٣ ) كشف الغمة ٢ : ٥٤ .

 ( ٤ ) المقاتل : ٢١ .

 ( ٥ ) قرب الاسناد : ٦٧ عن الصادق ٧ .

٩٢

و رواية الطبري و أبي الفرج تضمّنت أنّ اللعين ضربه عليه السلام لمّا ورد المسجد .

و روى ( أمالي الشيخ )١ : أنّه عليه السلام ضرب و هو ساجد ، و كذا ذكر ( تاريخ أعثم الكوفي ) و فيه : أنّ ابن ملجم فرّ فأخذه رجل من عبد القيس ، و كذا في ( مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي ) ، و كذا روى ( فضائل شهر رمضان )٢ كما في أوّل الفصل .

ثمّ ما في ( البحار )٣ عن بعض الكتب : أنّهم قتلوا قطام أيضا ، لم يذكره غيره ، بل روى ( أغاني أبو الفرج )٤ في عمرو بن بانه : أنّ كثيّرا الشاعر كان غاليا في التشيّع و اخبر عن قطام صاحبة ابن ملجم في قدمة قدمها الكوفة ،

فأراد الدخول عليها ليوبخها . .

هذا و في ( أخبار الدينوري )٥ : خطب ابن ملجم إلى قطام ابنتها الرباب ،

و كان عليّ عليه السلام قتل أباها و أخاها و عمّها يوم النهر ، فقالت : لا ازوجك إلاّ على ثلاثة آلاف درهم و عبد وقينة و قتل عليّ عليه السلام فأعطاها ذلك و أملكها .

« انظروا » من الإنظار أي : امهلوا .

« إذا أنا متّ من ضربته هذه » و قد وصف اللعين ضربته كما في ( كامل المبرد ) فقال : اشتريت سيفي بألف درهم ، و ما زلت أعرضه فما يعيبه أحد إلاّ أصلحت ذلك العيب ، و لقد أسقيته السمّ حتى لفظه ، و لقد ضربته ضربة لو قسّمت على من بالمشرق و المغرب لأتت عليهم و قال اللعين : لقد ابتعته بألف

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للشيخ ١ : ٣٧٥ .

 ( ٢ ) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٢٣١ ح ٥٣ ب ٢٨ .

 ( ٣ ) البحار ٤٢ : ٢٩٨ .

 ( ٤ ) الأغاني لأبي الفرج ١٥ : ٢٨٣ .

 ( ٥ ) الأخبار للدينوري : ٢١٣ .

٩٣

و سممته بألف ، فإن خانني فأبعده اللّه و قال لامّ كلثوم لمّا قالت : ارجو ألاّ يكون عليه بأس : لقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم .

« فاضربوه ضربة بضربة » و لابد أنّه عليه السلام قال بسيفه لمّا مرّ من خبر الطبري أن اللعين قال له عليه السلام : شحذته أربعين صباحا و سألت اللّه أن يقتل به شرّ خلقه ، فقال عليه السلام له : لا أراك إلاّ مقتولا به و أنت من شرّ خلقه .

و في ( كامل المبرد )١ : أنّ الحسن عليه السلام دعا بعد أبيه باللعين ، فقال له عليه السلام : إنّ لك عندي سرّا فقال الحسن عليه السلام : أتدرون ما يريد ؟ يريد أن يقرب من وجهي فيعض اذني فيقطعها .

و روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم العقيليّ : أنّه عليه السلام قال للحسن عليه السلام :

إذا أنا متّ فاقتل ابن ملجم و احفر له في الكناسة ثم ارم به ، فإنّه واد من أودية جهنّم .

و في ( الطبري )٢ : أخذه النّاس بعد قتله فأدرجوه في بواري ، ثم أحرقوه بالنار و في ( المقاتل )٣ : استوهبت امّ الهيثم النخعية جيفته من الحسن عليه السلام فوهبها لها فأحرقتها .

و في ( المروج )٤ : و لمّا أرادوا قتله قال عبد اللّه بن جعفر : دعوني حتى اشفي نفسي منه فقطع يديه و رجليه ، و أحمى له مسمارا حتى إذا صار جمرة كحّله به ، فقال : إنّك لتكحل عمّك بملمول بصاص ثم إنّ النّاس أدرجوه في بواري ثم طلوها بالنفط ، و أشعلوا فيها النار فاحترق .

« و لا يمثّل بالرجل فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول : إيّاكم و المثلة و لو

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكامل للمبرد ٢ : ١٦٧ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٩ .

 ( ٣ ) المقاتل لأبي الفرج : ٢٦ .

 ( ٤ ) المروج ٢ : ٤٢٦ .

٩٤

بالكلب العقور » في ( الطبري )١ : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين رأى بحمزة أنّ بطنه بقر عن كبده و جدع أنفه و اذناه قال : لئن أظهرني اللّه على قريش في موطن من المواطن ، لامثّلنّ بثلاثين رجلا منهم فلمّا رأى أصحابه غيظه صلّى اللّه عليه و آله على ما فعل بعمّه قالوا : لئن ظهرنا عليهم يوما من الدهر ، لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فأنزل تعالى في قوله صلّى اللّه عليه و آله و قول أصحابه : و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين٢ فعفا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و نهى عن المثلة .

هذا ، و روى ( أمالي الشيخ )٣ عن الحسن بن عمران بن حصين قال : ما خطبنا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله خطبة أبدا إلاّ أمرنا فيها بالصدقة و نهانا عن المثلة قال : إلاّ و إنّ من المثلة أن ينذر الرجل أن يخرم أنفه ، و من المثلة أن ينذر الرجل أن يحجّ ماشيا ، فمن نذر ذلك فليركب و ليهد بدنة .

و عنهم عليهم السلام : حلق اللحية من المثلة ، و من مثّل فعليه لعنة اللّه .

هذا ، و روي ( مقاتل أبي الفرج )٤ بأسانيد : أنّ الحسن عليه السلام خطب بعد أبيه فقال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ، و لا يدركه الآخرون بعمل ، و لقد كان يجاهد مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيقيه بنفسه ، و لقد كان يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح اللّه عليه ، و لقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى عليه السلام و توفي فيها يوشع وصي موسى عليه السلام ، و ما خلّف صفراء و لا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم بقيت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم خنقته العبرة فبكى و بكى النّاس معه ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥٢٨ .

 ( ٢ ) النحل : ١٢٦ .

 ( ٣ ) الأمالي للشيخ ١ : ٣٦٩ .

 ( ٤ ) المقاتل لأبي الفرج : ٣٢ .

٩٥

ثم قال : أيّها النّاس ، من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى اللّه باذنه ، أنا ابن السّراج المنير ،

أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا ، و الذين افترض مودّتهم في كتابه إذ يقول : . و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا .١ ، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت .

و رواه المسعودي٢ إلى قوله : « يشتري بها خادما لأهله » .

و أقول : في قوله عليه السلام « و لقد يجاهد مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيقيه بنفسه » وقاه صلّى اللّه عليه و آله في مواضع و منها في احد حتى تعجب جبرئيل كما في الطبري٣ من عمله عليه السلام فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : إنّ هذه لهي المواساة فقال صلّى اللّه عليه و آله : و ما يمنعه من مواساتي ؟ فإنّه منّي و أنا منه فقال جبرئيل : و أنا منكما فسمعوا صوتا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

و لا فتى إلاّ عليّ

و في قوله : « أنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا » أنّ أئمتهم صاروا سببا لتقديم الشّجرة الملعونة في القرآن معاوية و باقي بني اميّة على ذاك البيت المقدّس .

و في قوله عليه السلام : « و الذين افترض مودّتهم في كتابه ، أنّ الثلاثة صاروا سببا لتقديم من فرض لعنه حسبما لعنهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المواطن و البراءة منهم على من افترض مودتهم و الصلوات عليهم ، و قد اعترف بذلك معاوية في كتابه إلى الحسن عليه السلام ، كما رواه ( مقاتل أبي الفرج )٤ .

هذا ، و في ( تاريخ أعثم الكوفي ) عن الحسن عليه السلام قال : كنت جالسا على

ــــــــــــ

 ( ١ ) الشورى : ٢٣ .

 ( ٢ ) المسعودي ٢ : ٤٢٦ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٢٠ ١٢١ .

 ( ٤ ) المقاتل لأبي الفرج : ٣٦ ٣٧ .

٩٦

باب الدار ساعة وفاة أبي عليه السلام فسمعت هاتفا يقول لآخر : أفمن يلقى في النار خير أمّن يأتي آمنا يوم القيامة فأجابه الآخر : بل من يأتي آمنا يوم القيامة١ ، فسمعت هاتفا آخر يقول : حان وفاة وصيّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و خرب ركن الإسلام فدخلت إلى أبي فاذا هو قد قضى .

و في ( أخبار الدينوري )٢ : و دفن عليّ عليه السلام ليلا ، و صلّى عليه الحسن عليه السلام و كبّر خمسا ، فلم يعلم أحد أين دفن ؟

هذا و قال عليه السلام : لا يمثّل بالرجل لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال كذا و لكن لعن اللّه عبيد اللّه بن زياد كتب إلى عمر بن سعد في جواب كتابه إليه : هذا حسين قد أعطاني عهدا أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى : إنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه و لا لتطاوله ، و لا لتمنّيه السلامة و البقاء ، و لا لتقعد له عندي شافعا ،

انظر فإن نزل حسين و أصحابه على الحكم و استسلموا ، فابعث إليّ بهم سلما ،

و ان أبو فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثّل بهم ، فإنّهم لذلك مستحقون ، فإذا قتلته فأوطئ الخيل صدره و ظهره ، فإنّه عاق مشتاق قاطع ظلوم ، و ليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئا ، و لكن عليّ قول لو قد قتلته فعلت هذا به .

٨

الكتاب ( ٢٤ ) و من وصيّة له عليه السلام بما يعمل في أمواله ، كتبها بعد منصرفه من صفّين :

هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اَللَّهِ ؟ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ فِي مَالِهِ اِبْتِغَاءَ وَجْهِ اَللَّهِ لِيُولِجَهُ بِهِ اَلْجَنَّةَ وَ يُعْطِيَهُ اَلْأَمَنَةَ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) فصلت : ٤٠ .

 ( ٢ ) الأخبار للدينوري : ٢١٦ .

٩٧

مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذَلِكَ ؟ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ؟ يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَ يُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ حَدَثَ ؟ بِحَسَنٍ ؟ حَدَثٌ وَ ؟ حُسَيْنٌ ؟ حَيٌّ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَ أَصْدَرَهُ مَصْدَرَهُ وَ إِنَّ لِبَنِى ؟ فَاطِمَةَ ؟ مِنْ صَدَقَةِ ؟ عَلِيٍّ ؟ مِثْلَ اَلَّذِي لِبَنِي ؟ عَلِيٍّ ؟ وَ إِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ اَلْقِيَامَ بِذَلِكَ إِلَى اِبْنَيْ ؟ فَاطِمَةَ ؟ اِبْتِغَاءَ وَجْهِ اَللَّهِ وَ قُرْبَةً إِلَى ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ؟ وَ تَكْرِيماً لِحُرْمَتِهِ وَ تَشْرِيفاً لِوُصْلَتِهِ وَ يَشْتَرِطُ عَلَى اَلَّذِي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ اَلْمَالَ عَلَى أُصُولِهِ وَ يُنْفِقَ مِنْ ثَمَرِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِهِ وَ هُدِيَ لَهُ وَ أَلاَّ يَبِيعَ مِنْ أَوْلاَدِ نَخِيلِ هَذِهِ اَلْقُرَى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاساً وَ مَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي اَللاَّتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ لَهَا وَلَدٌ أَوْ هِيَ حَامِلٌ فَتُمْسَكُ عَلَى وَلَدِهَا وَ هِيَ مِنْ حَظِّهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وَ هِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ قَدْ أَفْرَجَ عَنْهَا اَلرِّقُّ وَ حَرَّرَهَا اَلْعِتْقُ قال الرّضى :

قوله عليه السلام في هذه الوصيّة : « أن لاّ يبيع من نخيلها وديّة » الوديّة :

الفسيلة ، و جمعها ودىّ .

و قوله عليه السلام « حتى تشكل أرضها غراسا » هو من أفصح الكلام ،

و المراد به أنّ الأرض يكثر فيها غراس النّخل ، حتّى يراها النّاظر على غير تلك الصّفة الّتي عرفها بها ، فيشكل عليه أمرها ، و يحسبها غيرها أقول : الأصل فيها و في ما اسقط منها كما يشهد له قوله : « منها » ما

٩٨

رواه كتاب ( وصيايا الكافي )١ باب صدقاتهم عليهم السلام عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : بعث إليّ أبو الحسن عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام و هي :

بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به في ماله عبد اللّه على ابتغاء وجه اللّه ، ليدخلني به الجنّة و يصرفني به عن النار ، و يصرف النار عني يوم تبيض وجوه و تسود وجوه إنّه ما كان لي من مال بينبع يعرف لي فيها و ما حولها صدقة و رقيقها ، غير أنّ رباحا و أبا نيزر و جبيرا عتقاء ليس لأحد عليهم سبيل ، فهم موالي يعملون في المال خمس حجج ، و فيه نفقتهم و رزقهم و أرزاق أهاليهم مع ذلك ، و ما كان لي بوادي القرى كلّه من مال لبني فاطمة و رقيقها صدقة ، و ما كان لي بديمة و أهلها صدقة ، غير أنّ زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه و ما كان بآدينه و أهلها صدقة و الفقيرين كما قد علمتم صدقة في سبيل اللّه ، و إنّ الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيّا أنا أو ميتا ، ينفق في كلّ نفقة يبتغي بها وجه اللّه في سبيل اللّه و وجهه ، و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطلب و القريب و البعيد ، و إنّه يقوم على ذلك الحسن بن عليّ ، يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يراه اللّه عز و جل ، في حل محلل لا حرج عليه فيه فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين ،

فليفعل ان شاء و لا حرج عليه فيه ، و إن شاء جعله سرى الملك ، و إنّ ولد عليّ و مواليهم و أموالهم إلى الحسن بن عليّ ، و إن كانت دار الحسن بن عليّ غير دار الصدقة فبدا له أن يبعيها ، فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه ، و إن باع فإنّه يقسم ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثها في سبيل اللّه ، و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطلب ، و يجعل الثلث في آل أبي طالب ، و إنّه يضعه فيهم حيث يراه اللّه ، و ان حدث بحسن حدث و حسين حّ فإنّه إلى حسين بن عليّ ، و إنّ حسينا يفعل فيه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٧ : ٤٩ ح ٧ .

٩٩

مثل الذي أمرت به حسنا ، مثل الذي كتبت للحسن ، و عليه مثل الذي على الحسن ، و إنّ لبني ابني فاطمة من صدقة على مثل الذي لبني عليّ ، و إنّي إنّما جعلت الذي لبني فاطمة ابتغاء وجه اللّه عز و جل و تكريم حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تعظيمها و تشريفها و رضاها ، و إن حدث بحسن و حسين فإنّ الآخر منهما ينظر في بني عليّ ، فان وجد فيهم من يرضى بهداه و اسلامه و امانته ، فإنّه يجعله إليه إن شاء ، و ان لم يرفيهم بعض الذي يريده ، فإنّه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به ، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم و ذوو رأيهم ،

فإنّه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم .

و إنّه يشرط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله ، و ينفق ثمره حيث أمرته به ، من سبيل اللّه و وجهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطلب و القريب و البعيد ، لا يباع منه شي‏ء و لا يوهب و لا يورث ، و إنّ مال محمّد بن علي إلى ناحية و هو إلى بني فاطمة و إنّ رقيقي الذين في صحيفة صغيرة التي كتبت لي عتقاء .

هذا ما قضى به عليّ بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن ابتغاء وجه اللّه و الدار الآخرة ، و اللّه المستعان على كلّ حال ، و لا يحلّ لامرئ مسلم يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يقول في شي‏ء قضيته من مالي ، و لا يخالف فيه أمري من قريب و لا بعيد أما بعد ، فإنّ ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبعة عشر منهن امهات أولاد معهن أولادهن ، و منهن حبالى و منهن من لا ولد لها ، فقضائي فيهن إن حدث بي حدث : أنّه من كان منهن ليس لها ولد و ليست بحبلى ، فهي عتيق لوجه اللّه عز و جل ليس لأحد عليهن سبيل ، و من كان منهن لها ولد أو حبلى ، فتمسك على ولدها و هي من حظّه ، فإن مات ولدها و هي حيّة فهي عتيق ليس لأحد عليها سبيل هذا ما قضى به عليّ في ماله الغد

١٠٠