الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ30%

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 199

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90374 / تحميل: 5794
الحجم الحجم الحجم
الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

٥

مقدِّمة المركز

الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على سيدنا محمَّد وآله الهداة الميامين الطاهرين ..

وبعد:

إن دراسة سيرة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام تعدّ إحدى الركائز الأساسية في البناء العقائدي والفكري والسلوكي لديننا القويم، ذلك لأنهم عدل القرآن الكريم والامتداد الرسالي لمنهج النبوة، والحارس الأمين للقيم والمفاهيم الإسلامية في وجه التشويه والتحريف والضلال.

إنها سيرة معصومة تكشف عن سلوك القدوة الحسنة بكل تجلياتها، وتربط المرء بالمفاهيم الإسلامية في أصالتها، وتفتح له آفاقاً جديدة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك.

ومن هنا فإن الكتابة عنها لاتنتهي، مهماتعددت الدراسات وتنوعت أساليبها، ذلك لما يجده الباحثون من حالة التواصل مع دلالاتها التي تتسع بسعة الحياة وتستغرق كل مفرداتها، وتسير بها باتجاه حركة التكامل المطلوب على صعيد الفرد والاُمّة.

إننا في رحاب النبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الطاهرينعليهم‌السلام نعيش أروع معالم الكمال البشري، وأسمى آيات العظمة الإنسانية، ونتابع سلسلة من المواقف التي تحمل في ذاتها كل مبررات البقاء والخلود، معالم طريق، ومنارات هدى، وبيّنات مجد لا يضاهى ذلك إذا ما وقفنا عند تلك المعالم وهذه المنارات والبينات كما ينبغي، مرسلين النظر في أطرافها، باعثين سفراء العقول والضمائر بين ثناياها وفي أعماقها وقفة الدارس المتأمل، والناظر المستلهم، وهذا عين ما أردناه من هذه السلسلة الخاصة في دراسة سير المعصومينعليهم‌السلام ولعل أول ما نلمحه من نظرة

٦

كلية الى سيرهم الغنية بالعطاء هو انّ كل واحدٍ منهمعليهم‌السلام قد تميّز بواحدةٍ من الخصال أو أكثر، صبغت أيامه، وربّما تراثه أيضاً بصبغتها المميزة، مع ما نلاحظه من خطوط التلاقي الوفيرة، والتكامل التاريخي المتجسّد في سيرة واحدة تمتد قرنين ونصف القرن.

فإذا كان لون الشهادة هو الغالب على سيرة الحسينعليه‌السلام واشراقة مدارس الفقه والحديث والتفسير واتساع آفاقها مع الباقر والصادقعليهما‌السلام ، ونهضة الدين العارمة المتنقلة بين السجون مع موسى الكاظمعليه‌السلام وظاهرة الإمامة المبكرة مع الجواد والهادي والمهديعليهم‌السلام ، فثمة حلقات تاريخية شاخصة المعالم تجمع سير العظماء الخمسة مع من سبقهم، ومن هو بينهم من هداة البشرعليهم‌السلام .

أما مع الإمام الرضا فنشهد صفحتين أخريين لهما ظهور كبير، اتخذت الأولى لوناً سياسياً، في ولاية العهد التي اسندت إليه من قبل المأمون، فكيف أصبح زعيم أهل البيت ولياً للعهد في دولة المأمون، وقد كان أبوه قد قضى شهيداً في سجون هارون أبي المأمون؟ وفي وقت كان أنصاره من العلويين يعلنون التمرد على الدولة في كثير من أمصارها؟ وكيف قضى أيامه في ولايته تلك؟ وكيف كانت نهاية العهد؟ انها الصفحة التي شغلت وتشغل كل من كتب ويكتب عن الرضاعليه‌السلام .

أما الصفحة الثانية فاتخذت طابعاً علمياً كلامياً، حيث كانت أسواق الجدل العقيدي قائمة، والميادين مفتوحة لا سيما للزنادقة، فكانت مواجهاته لهذا التيار من أكبر صفحات آثاره المشرقة، مع ما تقدمه من صورة عن متابعاته الجادة لمشكلات عصره الثقافية والفكرية.

نرجو أن نجد في هذا الكتاب ما يقارب صفحات حياتهعليه‌السلام ويكشف عن أبرز معالم عطائه فيها.

واللّه ولي التوفيق.

مركز الرسالة

٧

المُقدَّمةُ

يتّصف أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بجميع المناقب والفضائل فهم من نور واحد وطينة واحدة، ومن الضروري بمكان أن نستضئ بتاريخ حياتهم الشريفة، ونستجلي مواطن العبرة فيها، وما أكثرها لنهتدي بهديهم، ولنتعرف على مواضع العظمة التي امتازوا بها عن غيرهم، تلك المواضع التي ارتفعت بهم إلى قمم الكمال الانساني.

ومن هذا المنطلق يتناول هذا الكتاب دراسة لحياة الإمام الثامن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام الذي لم يكن في الطالبيين في عصره مثله وكان سيد بني هاشم في زمانه ومشهورا بالتقدّم ونباهة القدر، وعظم الشأن، وجلالة المقام بين الخاصّ والعام. وفوق كل ذلك هو باب من أبواب اللّه عزوجل. كان - ومازال - منارا للهدى يقصده ملايين الزوار من كافة الاقطار، يتبركون بمرقده ويلتمسون شفاعته.

وتتأكد الحاجة إلى مثل هذا البحث إذا ما عرفنا الحالتين السياسية والثقافية التي عاصرها الإمام الرضاعليه‌السلام وما يمكن أن يؤدّيه من دور على هذين الصعيدين.

إلى جانب ذلك فإن الأمم الحيّة تُحيي ذكرى عظمائها وعلمائها، وتستمد من جهودهم وجهادهم دروسا تربوية تترجمها إلى واقع عملي، فترتقي بذلك إلى سلّم أعلى من القيم والرّقي الحضاري.

من هنا وجدنا من الضرورة بمكان أن ندرس هذه الشخصية الكبيرة دراسة علمية موضوعية، تعتمد التحليل قدر استطاعتها، والاستنتاج قدر جهودها، وفق منهج تكاملي يعتمد النقل والعقل معا، وبلغة واضحة.

وقد قسّمنا الكتاب إلى مقدِّمة وسبعة فصول، استعرضنا في الفصل الأول: عصر الإمامعليه‌السلام سياسياً وثقافياً، ضمن مبحثين منفصلين.

٨

وفي الفصل الثاني: نبحث حياة الإمامعليه‌السلام قبل توليه الإمامة، ضمن ثلاثة مباحث، الاول: الولادة والنشأة ومعاصرته لمدرسة جده الإمام الصادقعليه‌السلام ، والثاني: حياته مع أبيه ومعاناته في تلك الفترة، والثالث: يدرس قاعدة الإمامة في عصرهعليه‌السلام فيستعرض موقف أصحابه منه، والتفاف الناس حوله، ومدح الشعراء له.

أما الفصل الثالث: فيتحدّث عن الإمامعليه‌السلام بعد توليه الإمامة، في مبحثين، الأول: النصّ على إمامته، والثاني: في موقفه من الإمامة بصورة عامة.

والفصل الرابع: يتعرّض لدوره في الحفاظ على الكيان الإسلامي من خلال ثلاثة مباحث: حواراته مع أهل الأديان والعقائد المختلفة وحواراته مع أهل الإسلام ثمّ أساليبه التربوية وتعاليمه الحضارية.

ونكشف في الفصل الخامس: عن دوره في الحفاظ على هوية التشيع، من خلال موقفه من الغلاة المحسوبين على التشيع ثمّ موقفه من الواقفة وأخيراً موقفه من دعاة الفرق الأخرى.

والفصل السادس: يكشف لنا عن آثاره العلمية ومدى صحة نسبتها له. وفي الفصل السابع - وهو الأخير: نتطرق لولاية العهد وآثارها على حياة الإمامعليه‌السلام ، ضمن مباحث ثلاث، الأول: يتناول خلفيات ولاية العهد، والثاني: يكشف لنا عن موقف الإمام من ولاية العهد، أما الثالث فيعكس آثار ولاية العهد في شهادة الإمام الرضاعليه‌السلام .

ولسنا ندّعي أنّا قد أحطنا هنا بكل ما ينبغي الإحاطة به من حياة هذا الإمام المعصوم، غير أنّا قدّمنا جهداً نرجو أن نكون قد وفّقنا فيه إلى تحقيق خدمة علمية وثقافية.

سائلين اللّه أن يعصمنا من الزلل والخطأ، ومنه تعالى نستمدّ العون والتوفيق.

* * *

٩

الفصل الأول

عصر الإمام الرضاعليه‌السلام سياسيا وثقافياً

إن دراسة حياة الإمام الرضاعليه‌السلام لن تكون وافية ما لم يُسلط الضوء على العصر السياسي والثقافي الذي اكتنف شخصه الشريف، الأمر الذي يكشف لنا عن منهجه في التعامل مع مايحيط به زمانا ومكانا، وكيفية معالجته للاتجاهات الفكرية وما تفرزه سياسة عصره من مؤثرات خارجية على الفكر والعقيدة، سيما وأن الإمام الرضاعليه‌السلام شخصية فذة ظهرت بصماتها واضحة على العصر الذي عاشت فيه.

قال الذهبي: (قد كان عليّ الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة)(١) ، فقد كان إمام زمانه وكان الشاهد على عصره، لما اتصف فيه من كمالات كثيرة: « فيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه، فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخُلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب اللّه عز وجل »(٢) .

وحتى نحيط بالعصر الذي عاش فيه الإمام الرضاعليه‌السلام ، سوف نستعرضه في مبحثين: الأول: يتناول ذلك العصر من الناحية السياسية،

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٩: ٣٩٢ / ١٢٥.

(٢) من حديث للإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٤، ح ٩، الباب ٤.

١٠

والثاني: مخصص للناحية الثقافية.

المبحث الأول: عصر الإمام الرضاعليه‌السلام سياسياً

عاصر الإمامعليه‌السلام عددا من الحكام العباسيين، حيث شهد بقية حكم هارون الرشيد (١٧٠ - ١٩٣ ه- )، ومن بعده ابنه الأمين المخلوع (١٩٣ - ١٩٨ ه- ) وأوائل حكم المأمون (١٩٨ - ٢١٨ ه- ) الذي عهد إليه بولاية العهد.

كانت سيرة الخلفاء العباسيين شبيهة إلى حد كبير بسيرة الحكام الامويين، كلاهما مارس الظلم والعدوان على العباد، واتخذوا مال اللّه دولاً وعباده خولاً.

وأخذت رياح الفتن تعصف مثل ريح السموم على المسلمين عموما وعلى العلويين بصورة خاصة، فقد فتح العباسيون أبواب السجون وشهروا السيوف ضد الاحرار من أهل بيت الرسالة، وكان شغلهم الشاغل ملاحقة العلويين الذين يطالبون بحقهم في الحكم، لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

كان الإمام الرضاعليه‌السلام يرقب عن كثب، بمرارة وألم تلك الأحداث والفجائع المؤلمة التي تعصف بالبيت العلوي، وكان يتبع الحكمة وسياسة النفَس الطويل مع السلطة وجلاوزتها، هذا الكلام لانقوله جزافا فمصاديقه كثيرة، منها: «لما خرج محمد بن جعفر بن محمد - وهو عمّ الإمام الرضاعليه‌السلام - في المدينة بعث هارون الرشيد أحد جلاوزته المعروف

١١

بالجلودي، وأمره ان ظفر به أن يضرب عنقه وأن يغير على دور آل أبي طالب، وأن يسلب نساءهم ولايدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا فصار الجلودي إلى باب دار أبي الحسن الرضاعليه‌السلام وهجم على داره مع خيله فلما نظر إليه الرضاعليه‌السلام جعل النساء كلهن في بيت، ووقف على باب البيت، فقال الجلودي لابي الحسنعليه‌السلام لابدّ من أن أدخل البيت فاسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين، فقال الرضاعليه‌السلام : أنا أسلبهن لك وأحلف أنّي لا أدع عليهن شيئا إلاّ أخذته، فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن، فدخل أبو الحسن الرضاعليه‌السلام فلم يدع عليهن شيئا حتى أقراطهن وخلاخيلهن وإزارهن إلاّ أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير»(١) .

وكان واضحا من هذا الموقف مدى الحقد الدفين الذي يكنه هارون للعلويين بسبب معارضتهم التي تشكل كابوسا مؤرقا للعباسيين، لذلك شن «هارون» ومن قبله من حكام العباسيين حربا شعواء منظمة في كل الاتجاهات ضد العلويين، وقتلوهم تحت كل حجر ومدر، ولم يسلم حتى من تظاهر بمسالمتهم فقد دسوا إليه السّم، ولعل أوضح شاهد على الجو الخانق والضيق الشديد الذي تعرض له أهل البيتعليهم‌السلام في ذلك الوقت ماجرى للإمام موسى الكاظمعليه‌السلام حتى أنه سمّي بالكاظم لما كظمه من الغيظ عن أعدائه وخاصة العباسيين منهم، كان يوصي أصحابه بالكتمان والحذر وعدم المجاهرة بالمعارضة، قال لهشام بن سالم:

« من آنست منهم رشدا فألق إليه وخذ عليه الكتمان، فإن أذاع فهو

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٧٢، ح ٢٤، باب (٤٠).

١٢

الذّبح » وأشار بيده إلى حلقه(١) . وكان يشغل أكثر أوقاته بالعبادة، ومع ذلك ألقوه في غياهب السجون أكثر من مرة على الرغم من تصريحه لهم بعدم الخروج عليهم، مع كل ذلك أمر المهدي العباسي (١٥٨ - ١٦٩ ه- ) بجلبه إلى بغداد وحبسه، وقال له: تؤمنني أن لاتخرج عليّ أو على أحد من ولدي؟ فقال الإمامعليه‌السلام : « لا واللّه! لافعلت ذلك، ولا هو من شأني ». ولما هلك المهدي وقدم هارون إلى المدينة منصرفا من عمرة رمضان سنة ١٧٩ ه-، حمل معه موسى الكاظمعليه‌السلام إلى بغداد وحبسه إلى أن توفي في محبسه(٢) ، قتله السندي بن شاهك في سم جعله في طعام قدّمه إليه(٣) .

وبذلك عاصر الإمام الرضاعليه‌السلام مأساة أبيه من بدايتها إلى نهايتها، تلك المأساة التي تمثل من جهة أخرى رسالة مفتوحة في خطاب التهديد والإنذار والوعيد، يتلقّاه في مطلع شبابه.

وفي عصر كهذا ...، كان الإمامعليه‌السلام يتصرّف في حدود ما هو متاح له، وكان يجهر بالحقيقة ولاتأخذه في الحق لومة لائم، حتى أن بعض أصحابه قد خاف عليه من السلطة الظالمة، والبعض دعاه إلى التمسك بالتقية ففي رواية ينتهي سندها إلى صفوان بن يحيى، قال:

لما مضى أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام وتكلم الرضاعليه‌السلام خفنا عليه من ذلك، فقلت له: إنّك قد أظهرت أمرا عظيما وإنّا نخاف من هذا الطاغي

__________________

(١) الارشاد / الشيخ المفيد ٢: ٢٢٢ و ٢٣٥.

(٢) الأئمة الاثنا عشر / شمس الدين بن طولون: ٩٠.

(٣) الارشاد ٢: ٢٤٢.

١٣

- يقصد هارون - فقال: « ليجتهد جهده فلا سبيل له عليّ »(١) .

ومن هنا يبدو متوقعا أن العباسيين سوف يضعون الإمامعليه‌السلام في دائرة الضوء، يراقبون تحركاته، ويحصون أقواله وأفعاله، ونتيجة لذلك تظاهر الامامعليه‌السلام بالانصراف عن الشؤون العامة والانشغال عن مناوئة السلطة، وأوحى لها باهتمامه بشأنه الخاص وفق أسلوب بارع تنقله الرواية التالية، عن أبي الحسن الطيب، قال: لمّا توفّي أبو الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام دخل أبو الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام السوق، فاشترى كلبا وكبشا وديكا، فلما كتب صاحب الخبر إلى هارون بذلك، قال: قد أمنا جانبه. وكتب الزبيري أن علي بن موسى الرضا قد فتح بابه ودعا إلى نفسه، فقال هارون: واعجبا من هذا! يكتب أن علي بن موسى قد اشترى كلبا وكبشا وديكا، ويكتب فيه ما يكتب(٢) .

ويبدو أن مناورة الإمام هذه هي حالة امتصاص بارعة للضغوط والمراقبة الشديدة التي يتعرض لها من «هارون» وجواسيسه، لم يكتب لها النجاح طويلاً فسرعان ما أدركت السلطة أن الإمامعليه‌السلام لا يتوانى ولا يستكين ولا يكف عن كشف زيف العباسيين والمظالم التي يرتكبونها باسم الدين، وكان من الطبيعي أن تثور ثائرتهم، فلم يتركوه طليق اليدين.

وبعد هلاك هارون ونشوب الخلاف الدموي بين ولديه الأمين والمأمون أصبح الطريق سالكا أمام الإمامعليه‌السلام فوجد الفرصة سانحة له بعض الشيء للقيام بدور فعال في إحياء ما دثر من مآثر الإسلام الخالدة،

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٤٦، ح ٤، الباب (٥٠).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٢٢، ح ٤، الباب (٤٧).

١٤

وبما يتناسب مع تلك المرحلة الحرجة من تاريخ بني العباس السياسي الدامي، كما انفسح المجال أمام شيعته للاتصال به، وعلى ضوء هذا التحول واتساع النفوذ والتعاطف الجماهيري الكبير، قاد الإمامعليه‌السلام حركة فكرية واسعة سرعان ما أثمرت بوقت قصير.

وهناك روايات تاريخية تُلقي ضوءا على حقيقة ما قلناه، فقد قام بجولة واسعة في العالم الاسلامي، وقد ابتدأ جولته من المدينة إلى البصرة لكي يجتمع مباشرة مع قواعده الشعبية ويحدثها في كل شيء، وكان من عادته قبل أن يصل تلك المنطقة أن يرسل إليها رسولاً يخبرهم بمقدمه إليهم خلال الأيام القلائل الآتية ثم يأتي إليها الإمامعليه‌السلام والجمهور متهيء لاستقباله والاجتماع به، فيعقد معهم اجتماعا واسعا يلقي عليهم الحجة بإمامته وقيادته ويطلب منهم بعد ذلك أن يسألوه، لكي يجيب على أسئلتهم في مختلف جوانب المعرفة الاسلامية(١) .

بعد هلاك هارون وجد المأمون نفسه بعد خلعه لأخيه، في مأزق خطير، فقد كشف الناس زيف شعارات العباسيين الداعية للرضا من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن تبين للقاصي والداني أن سياستهم غير المعلنة تقوم على التفرد والاستئثار بالسلطة، من جهة أخرى أخذت الثورات وخاصة ثورات العلويين تقضُّ مضاجعهم، إضافة إلى الصراع الذي نشب داخل البيت العباسي، مما أضعف قوتهم وشتت شملهم، وفي الوقت الذي ثار فيه صراع عنيف بين الأخوين، اشتعلت نار الثورة في بلاد الشام، اذ ثار السفياني وهو «علي بن عبد اللّه بن خالد بن معاوية بن أبي سفيان» ودعا

__________________

(١) سيأتي تفصيل ذلك في الفصل الثاني.

١٥

الى نفسه، واستولى على دمشق والمنطقة المحيطة بها، وكاد أن يقيم حكما أمويا في بلاد الشام، لولا أن نشب نزاع بين اليمنيين والمضريين، أضعف قوته، فنجح الأمين بعد جهود كثيرة استمرت أكثر من عامين في القضاء عليها(١) ، كل تلك العوامل دفعت المأمون إلى الامساك بزمام الامور، وكان معروفا بالدهاء والحنكة السياسية، اذ وجد أن السيطرة على الوضع لاتتم إلا بانهاء القطيعة مع العلويين الذين اشتد ساعدهم وتزايدت ثوراتهم وتوسعت قواعدهم الجماهيرية، ولهذا قام باستدعاء الإمام الرضاعليه‌السلام من المدينة متظاهرا بانه سوف يتنازل له عن الخلافة، أو على الأقل يوصي له بولاية العهد، خصوصا وهو يعلم ان الإمام هو زعيم الطالبيين، وهذا التحول السياسي المدروس بدهاء أبدل الظرف السياسي الخانق الذي كان يحيط بالامامعليه‌السلام إلى نوع من الحرية السياسية من حيث الظاهر، فبينما كان هارون يورد العلويين حياض الموت والذل والجوع، وأراد لهم أن يأخذوا دور التابع الذليل الذي لاحول له ولاقوة، أخذ المأمون يقرب العلويين ويتودد إليهم ويغدق عليهم ويشيد بفضلهم ويتظاهر بالدفاع عن حقهم بالحكم، كما أرجع فدكا على ولد فاطمةعليها‌السلام ، وغدا دورهم دور الشريك الفاعل، لا دور التابع الخامل، كما كان الحال في عهود أسلافه.

وكل من يتتبّع المجرى العريض لهذا التحول السياسي، يجد أن المأمون أراد أن لا يسير عكس التيار، فالتيار الجماهيري العريض كان لصالح العلويين في زمانه، وكان تيار الحب للعلويين قد تعاظم حتى في عقر داره

__________________

(١) جهاد الشيعة / الدكتورة سميرة الليثي: ٣١٦.

١٦

وبالتحديد في عاصمته «مرو» بخراسان. زد على ذلك زيادة تحركات الإمام الرضاعليه‌السلام في المدينة وهي العاصمة الروحية للخلافة الاسلامية، ويكفينا الاستدلال على خشية المأمون من العلويين عامة ومن زعيمهم الإمام الرضاعليه‌السلام على وجه الخصوص، ماقاله المأمون لقادة العباسيين عندما وجهوا إليه اللّوم والعتاب على تقليده ولاية العهد للرضاعليه‌السلام ، قال: قد كان هذا الرجل مستترا عنا يدعو الناس إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه إلينا، وليعرف أن الملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المعتقدون أنّه ليس مما ادعى لنفسه في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينشقَّ علينا منه ما لا نقدر على سدِّه وأن يأتي علينا ما لا طاقة لنا به(١) .

هذا النص يعكس لنا بدون لبس مدى خوف المأمون من تحرك الإمام ومن اتساع قاعدته الجماهيرية، وقد تمكن المأمون من خلال مخطط ولاية العهد من تطويق الإمام وعزله عن الناس ووضعه في الاقامة الجبرية في خراسان، لم يضعوه - هذه المرّة - في السجون المظلمة كما كان الحال مع أبيه الكاظمعليهما‌السلام من قبل، بل وضعوه في قصور شاهقة وأبنية فارهة، لم يكن التغير - اذن - في الجوهر بل في الظاهر، وقد كان الإمامعليه‌السلام يشتكي على الدوام من الوضع الخانق الذي يحيط به، فعيون السلطة ترصد حركاته وسكناته، وتحجب عنه أقطاب شيعته، وكان محاطا بالدسائس والمؤامرات التي تحاك هناك بين أقطاب السلطة أنفسهم من أجل الايقاع به ومنعه من الاتصال بالناس.

__________________

(١) دلائل الإمامة / الطبري: ٣٤٠ - ٣٨، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٨١، ح ١٦٠، الباب (٤١).

١٧

ومن أجلى الشواهد على ذلك أن المأمون وجد في يوم عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلاً عن الخروج إلى الصلاة بالناس، فقال لأبي الحسن علي الرضاعليه‌السلام : يا أبا الحسن قم وصل بالناس، فخرج الرضاعليه‌السلام وعليه قميص قصير أبيض وعمامة بيضاء لطيفة، وفي يده قضيب فلما رآه الناس هرعوا إليه وانثالوا عليه لتقبيل يديه، فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين تدارك الناس واخرج وصلّ بهم وإلا خرجت الخلافة منك الآن، فحمله على أن يخرج بنفسه وجاء مسرعا، والرضاعليه‌السلام بعد من كثرة زحام الناس عليه لم يخلص إلى المصلى، فتقدم المأمون وصلّى بالناس(١) .

ومن هنا يبدو متوقعا أن يسعى المأمون للتخلص من الإمامعليه‌السلام عن طريق دس السّم اليه، كما سيأتي في محله من هذا البحث.

وخلاصة القول أن الإمام الرضاعليه‌السلام عاصر أحداثا سياسية جسيمة عصفت بالبيت العلوي خاصة وبالمسلمين عامة، فقد قضى شطرا كبيرا من عمره زمن هارون يشاهد مأساة العلويين، وخاصة بعد سجن أبيهعليهما‌السلام ومن ثم اغتياله بالسم، ومعاصرته للصراع الدموي الذي تفجر داخل الكيان العباسي بين الاخوين (الأمين والمأمون) حيث انقسمت الدولة العباسية التي كانت كيانا واحدا إلى شطرين متحاربين.

وفي خضم هذه الاحداث وقف الامامعليه‌السلام بكل شموخ مدافعا عن صرح الإسلام العظيم، معريّا السلطة مما كانت تذيعه من شرعية وجودها السياسي.

__________________

(١) كشف الغمّة / أبي الحسن الإربلي ٣: ٥٨، وانظر: الإرشاد ٢: ٢٦٤، وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٦٠ / ٢١٦، باب (٤٠).

١٨

المبحث الثاني: عصر الإمام الرضاعليه‌السلام ثقافياً

لقد رافق عصر الإمام الرضاعليه‌السلام حركة فكرية بلغت الغاية في نشاطها وانتشارها، فقد اتسعت رقعة الاسلام وكثرت الفتوحات، واتصل المسلمون بالامم الاخرى من فرس وروم وغيرهم، وكان المأمون أول من ترجم علوم الحكمة وقرب أهلها، فظهرت - على اثر ذلك - مقالات غريبة وتيارات أجنبية عن الاسلام، وكان الملحدون يلقون الشبهات، والمرجئة يساندون حكام الجور، والمغالون يدعون مع اللّه آلهة أخرى والخوارج يكفرون المسلمين، وكثير من الرواة يضعون الأحاديث بطلب من الحكام لاغراض سياسية أو مذهبية. وكانت صور الصراع الفكري تتمثل في الخطابات المتبادلة ومجالس المناظرة وعن طريق الاستعانة بالشعراء في الدفاع عن آراء كل فريق وهجاء الفريق الآخر، فقد كان لكل فريق شعراءه، وعموما كان الشعر من أمضى الاسلحة(١) .

وفي هذا العصر انتشر التشيع في كل قطر، وبرزت معالمه، وتركزت أسسه وانتشر فقه الشيعة وناظر متكلموهم خصومهم في مسائل التوحيد والعدل وعصمة الأنبياء وما إلى ذلك من مسائل عقيدية، كل ذلك بفضل الجهد العلمي الكبير الذي اضطلع به الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكان من نتائج هذا الجهد المبارك أن عرف المذهب على حقيقته، اصولاً وفروعا، ومن هنا اطلق على الشيعة لفظ الجعفريين وعلى فقههم الفقه الجعفري تيمنا

__________________

(١) انظر: جهاد الشيعة: ٢١٢.

١٩

باسم الإمام الصادقعليه‌السلام .

فقد انطلق الإمام الصادقعليه‌السلام إلى تأسيس مدرسة علمية عظيمة في مطلع القرن الهجري الثاني، تخرجت منها كوادر علمية كثيرة في مجالات عديدة من المعرفة. وعمد الإمام الكاظمعليه‌السلام على تعميق أسس مدرسة أبيه الصادقعليهما‌السلام وقام بتوضيح معالمها أكثر فأكثر، ولكن الظروف الاستثنائية التي عاشها وقضاءه شطرا كبيرا من عمره في السجون لم تمكنه من تحقيق سائر اهدافه الشريفة في احياء السنة النبوية الشريفة على ضوء مدرسة أبيهعليهما‌السلام ، فبلغ به الأمر أن يبعث إلى هشام بن الحكم بأن يكف عن الكلام نظرا لخطورة الموقف، فكف هشام عن ذلك حتى مات المهدي العباسي(١) . مع ذلك استغل الإمام الكاظمعليه‌السلام فترات الهدوء النسبي لنشر الاحكام والتعاليم الاسلامية الصافية، وكان العلماء والرواة لا يفارقونه ولا يفترون عنه، يسجلون أحاديثه وأبحاثه.

روى السيد ابن طاووس: أنه كان جماعة من خاصة أبي الحسن موسىعليه‌السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه، ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس وأميال، فإذا نطق بكلمة وأفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك(٢) .

تجدر الاشارة إلى أن علم الخلاف كان قد وجد منذ نهاية القرن الأول الهجري، وطوال القرن الثاني بين مدرستي أهل الرأي وأهل الحديث، وثار الجدل بينهم، وانبرى كل فريق يدافع عن رأيه ويشكك بالمدرسة

__________________

(١) انظر: رجال الكشي: ٢٢٧، رقم الترجمة (١٣١).

(٢) مهج الدعوات / ابن طاووس: ٢١٩.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والخلافُ في مجرّد الاصطلاح ؛ وإلاّ فقد يقبلون الخبرَ الشاذّ، والمعلَّل ؛ ونحن قد لا نقبلهما، وإنْ دخلا في الصحيح بحسبِ العوارض.

وقد يُطلَقُ الصحيحُ عندنا على سليمِ الطريقِ من الطّعنِ(١) ، بما يُنافي الأمرين ؛ وهما: كون الراويباتصالٍ، عدلاً إمامياً ، وإن اعتراه مع ذلك الطريقِ السالمِ إرسالٌ أو قطع(٢) .

وبهذا الاعتبار، يقولونَ كثيراً: روى ابن أبي عُمير(٣) في الصحيحِ كذا، أو في صحيحتهِ كذا(٤) ، مع كونِ روايته المنقولة كذلك مرسلَة.

ومثله وقع لهم في المقطوع كثيراً.

وبالجملة، فيطلقونالصحيح على ما كان رجال طريقه، المذكورين فيه، عدولاً إمامية، وإنْ اشتملَ على أمرٍ آخر بعد ذلك ؛ حتّى أطلقوا الصحيحَ على بعضِ الأحاديث المرويّة عن غير إمامي ؛ بسبب صحّةِ السّندِ إليه، فقالوا في صحيحةِ فلان: وجدناها صحيحة بِمَن عداه.

وفي الخُلاصة وغيرها: إنَّ طريقَ الفقيهِ إلى معاوية بن ميسرة(٥) ، وإلى عائذ الأحمَسيّ(٦) ،

____________________

(١) ذكرى الشيعة إلى أحكام الشريعة، ص٤.

(٢) يُنظر: المصدر نفسه.

وقد علَّق المددي هنا بقوله: (بحسب إطلاق اللفظ ؛ إذ الظاهر من (الاتّصال إلى المعصوم بعدلٍ إمامي)، باعتبار العدالة والإيمان في الراوي، عن المعصوم مباشرةً، ولا يدلّ على اعتبار العدالة والإيمان في جميع الطبقات).

(٣) محمد...، لقي أبا الحسن موسىعليه‌السلام ... وروى عن الرِّضاعليه‌السلام ، جليلُ القدر،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ١٤/ ٢٩٥ - ٣١١.

(٤) قال المددي: هذه العبارات وقعت كثيراً، في كلام مَن تأخّر عن العلاّمة الحليّ كثيراً. وأمَّا قبله، فلم يكن مُتعارفاً عندَ الأصحاب. قالَ فخر المحقّقين - وهو نجلُ العلاّمة - في إيضاح الفوائد (١/ ٢٥ - ٢٦) في مسألة العجين النجس، وأنَّه هل يجوز بيعه أم لا؟ قالقدس‌سره ما نصُّه: (أقولُ: رواية البيع هي رواية محمد بن عليّ بن محبوب في الصحيح، عن محمد بن الحُسين، عن ابن أبي عُمير، عن بعض أصحابنا،...، قال: قيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام : العجين يُعجن من الماء النّجس كيف يُصنع به؟ قال: (يُباع ممَّن يستحِلُّ أكل الميتة). وروى محمد بن أبي عُمير في الصحيح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (يُدفَن ولا يُباع،...).

(٥) ابن شريح بن الحارث الكندي القاضي، روى عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام .... ينظر: رجال ابن داوود، ق١، عمود ٣٥٠ - ٣٥١.

(٦) من أصحاب السجّادعليه‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ٩/ ٢١٣ - ٢١٤.

٨١

والِى خالدِ بن نجيح(١) ، وإلى عبدِ الأعلى مولى آل سام(٢) ، صحيحٌ(٣) ؛ مع أنَّ الثلاثةَ الأُوَلَ لم يُنَصّ عليهم بتوثيقٍ ولا غيره، والرابع لم يوثِّقه، وإنْ ذكرَهُ في القسم الأوَّل(٤) .

وكذلك نقلوا الإجماع(٥) على تصحيح ما يصحُّ، عن أبانِ بنِ عُثمان(٦) ، مع كونِه فَطحِيّاً(٧) .

وهذا كلّهُ خارجٌ عن تعريفِ الصَّحيح الذي ذكروه في التعريفين ؛ خصوصاً الأوّلَ المشهور.

ثُمَّ في هذا الصحيح ما يُفيدُ فائدةَ الصحيح المشهور(٨) ، كصحيحِ أبان.

ومنهُ ما يُرادُ منهُ وصفُ الصحَّةِ دونَ فائدتِها(٩) ، كالسالم طريقُهُ مع لُحوقِ الإرسالِ به، أو القطع، أو الضعف، أو الجهالة بِمَنْ اتَّصلَ بهِ الصحيحُ، فينبغي التدبّر لذلك ؛ فقد زلّ فيه أقدامُ أقوامٍ.

____________________

(١) من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام .... ينظر: معجم رجال الحديث: ٧/ ٣٨ - ٤٠.

(٢) من أصحاب الصادقعليه‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ٩/ ٢٦٥ - ٢٦٧.

(٣) ينظر: خلاصة الأقوال في معرفة الرِّجال، ص٢٧٧ - ٢٧٨.

(٤) ينظر: المصدر نفسه، ص١٢٧.

وأَضاف المددي هنا بقوله: (لكنَّ العلاّمة جعلَ القسمَ الأوّل مختصّاً بالثّقات).

(٥) قال المددي: (الناقلُ هو الكشّيّ ؛ حيثُ قال: (أجمعت العُصابةُ على تصحيح ما يصحُّ عن هؤلاء، وتصديقهم كما يقولون، وأقرّوا لهم

بالفقه...، ستة نفر: جميل بن درّاج، وعبدالله بن مسكان، وعبدالله بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسى، وأبان بن عثمان). وحولَ مغزَى هذا الإجماع وقعتْ أبحاث عميقةٌ في كتُب الرّجال، ويُعَبّر عنهم ب- : أصحاب الإجماع ).

(٦) من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ١/ ٣٢ - ٤٠.

(٧) نسبةً إلى الفطحيَّة ؛ وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر... ؛ سُمّوا بذلك لأنَّ عبد الله كان أفطح الرأس، وقال بعضُهُم: كان أفطح الرِّجلين.... كتابُ المقالات والفِرَق، ص٨٧.

(٨) قال المددي: أي: يصحّ الاعتماد عليه، والاحتجاج به، كسائر الروايات الصحاح.

(٩) وعلَّق المددي هنا بقوله: (يعني: هذا القسم، وإنْ صدَقَ عليه أنَّه صحيحٌ، إلاّ أنَّه لا يصح الاعتماد عليه، والعملُ به ؛ للإرسال، أو

الضعف، أو غيرهما، الطارئة له.

٨٢

الحَقلُ الثاني:

في

الحَسَن(١)

وهو: ما اتّصلَ سندُهُ كذلك - أي إلى المعصوم - بإمامي ممدوحٍ، من غير نصٍّ على عدالته، مع تَحقُّق ذلك في جميع مراتبه - أي جميع [مراتب] رواة طريقه - أو تحقّق ذلك في بعضها ؛ بأن كانَ فيهم واحدٌ إمامي ممدوحٌ غير موثَّق، مع كون الباقي من الطريقِ من رجالِ الصحيح ؛ فيُوصفُ الطريقُ بالحسَن لأجلِ ذلك الواحد.

واحترز بكونالباقي من رجال الصحيح عمَّا لو كان دونه، فإنَّه يلحق بالمرتبة الدُّنيا، كما لو كان فيه واحدٌ ضعيفٌ فإنَّه يكون ضعيفاً، أو واحدٌ غير إمامي عدلٌ فإنَّه يكونُ مِن الموثَّق.

وبالجملة، فيَتْبع أخَسَّ ما فيه من الصفاتِ، حيثُ تتعدَّد.

وهذا كُلُّهُ واردٌ على تعريفِ مَنْ عرَّفه من الأصحاب - كالشهيدِرحمه‌الله - بأنَّه: (ما رواه الممدوح من غير نصٍّ على عدالته)(٢) .

أ - فإنَّه يشملُ: ما كان في طريقه واحدٌ كذلك(٣) ، وإن كانَ الباقي ضعيفاً، فضلاً عن غيرهِ.

ب - ويُزيد: أنَّهُ لم يُقيِّد الممدوحَ بكونه إمامياً، مع أنَّه مُراداً.

ويُطلقُ الحسنُ أيضاً على ما يشملُ الأمرين - وهما كونُ الوصفِ المذكور:في جميعِ مراتبهِ، وفي بعضها ؛ بمعنى كونُ روَاتهِ متَّصِفين بوصفِ الحسَن - إلى واحدٍ مُعيَّن،

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة (ورقة ١٣، لوحة ب، سطر ١٠): (الثاني: الحسن) فقط، بدون: (الحقل الثاني: في الحسن).

(٢) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص٤.

(٣) أي: الإمامي الممدوح. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص١٤.

٨٣

ثم يصيرُ بعد ذلك ضعيفاً أو مقطوعاً أو مرسلاً - كما مرَّ في الصحيح - مع اتصاف رواته بالوصفين ؛ وهما: كونُ كُلِّ واحدٍ إمامياً، وممدوحاً على وجهٍ لا تبلغُ العدالةُ كذلك ؛ أي كما أنَّ الصحيحَ يُطلقُ على سليمِ الطريقِ ممَّا يُنافي الأمرين - [وهما كونُ الراوي: عدلاً، إمامياً] - وإنْ لم يتّصلْ.

ومن هذا القسم حُكْمُ العلاّمةِ(١) وغيرُهُ: بكونِ طريقِ الفقيهِ(٢) إلى منذرِ بن جبير(٣) حسَناً ؛ مع أنَّهم لم يذكروا حالَ منذرٍ بمدحٍ ولا قَدح.

ومثلهُ طريقُه إلى إدريسِ بن يزيد(٤) .

وإنَّ طريقَه إلى سُماعة بن مهران(٥) حَسَنٌ(٦) ، مع أنَّ سُماعةَ واقفي(٧) . وإن كانَ ثقةً ؛ فيكون من الموثَّق، لكنَّه حسنٌ بهذا المعنى.

____________________

(١) الحسنُ بنُ يوسف بنُ المطهَّر الحلّي(٦٤٨ه- - ٧٢٦ه-).... ينظر: الأعلام: ٢/ ٢٤٤.

(٢) أي طريق الصدوق في كتاب (مَن لا يحضره الفقيه). ينظر: شرح مشيخة الفقيه: ٤/ ٩٩.

(٣) يُنظر: خُلاصة الأقوال في معرفة الرّجال، ص٢٨٠. وفي مستدرك الوسائل(٣/ ٦٨٨): (الصحيح: أنَّ منذر هو ابن جيفر) ؛ حيثُ قد قيل أيضاً: جعفر، وجيفر.

ويُراجَع كذلك: معجم رجال الحديث(١٨/ ٣٨٠ - ٣٨١).

أمَّا في نسختنا الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٤، لوحة ب، سطر ٢)، فإنَّه: منذرُ بن جُبير، بدلاً مِن كُلّ ما سَبَق.

(٤) مِن أصحابِ الصادقعليه‌السلام ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ٤/ ١٤. والذي في النسخة المعتمدة (ورقة ١٤، لوحة ب، سطر ٤) (إدريس بن زيد)، بدلاً من إدريس بن يزيد.

(٥) روى عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ٨/ ٢٩٩ - ٣٠٤.

(٦) يُنظر: خلاصةُ الأقوال في معرفة الرجال، ٢٧٧.

(٧) نسبةً إلى الواقفة ؛ سُمُّوا بذلك: لوقوفهم على موسى بن جعفر، أنَّه الإمام القائم، ولم يأتمُّوا بعده، ولم يتجاوزوا إلى غيره. ينظر: كتاب المقالات والفِرق، ص٩٠.

٨٤

وقد ذكر جماعةٌ من الفقهاء(١) : أنَّ روايةَ زرارةَ(٢) - في مُفسدِ الحجِّ، إذا قضاه ؛ أنَّ الأُولى حجّةُ الإسلام(٣) - مِن الحسن(٤) ؛ مع أنَّها مقطوعةٌ(٥) .

ومثلُ هذا كثيرٌ، فينبغي مراعاتُهُ كما مرَّ في الصحيح.

_____________________

(١) قالَ المددي: (منهم المحقق الثاني، كما في (جامع المقاصد): ١/ ١٨٤ ).

(٢) مِن أصحابِ الباقر والصادق والكاظمعليهم‌السلام ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ٧/ ٢١٨ - ٢٤٠.

أمَّا القولُ بكونه من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، كما ذهبَ إلى ذلك مثلُ الشيخ الطوسيّ، فإنَّما بلحاظ أنَّهُ أدرك زمانه (صلواتُ الله عليه). وأمَّا مَن يَذهب إلى أنَّه لم يكن من أصحابهعليه‌السلام ، فذلك بلحاظ كونه لم يروِ عنهعليه‌السلام .

(٣) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (روايةُ زرارة ؛ هي ما رواه الكليني - والشيخ عنه - بإسناده عن زرارة ؛ وفي ذيلها: (قلتُ: فأيُّ الحجَّ-تين لهما؟ قال: (الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والأخرى عليها عقوبة). ينظر: جامع أحاديث الشيعة: ١١/ ١٧٧).

(٤) وهنا علَّق المددي أيضاً بقوله: (باعتبار اشتمال السَّند على إبراهيم بن هاشم ؛ فهو وإن كان إمامياً، ممدوحاً، كثير الرواية، حتى أنَّه لا يُوجد أكثر روايةٍ منه في الكتب الأربعة، إلاّ أنَّه لم يُنص على توثيقه صريحاً ؛ وبذلك تكون الرواية باعتباره حسنة).

(٥) كما علَّق المددي هنا أيضاً بقوله: (مرادهُرحمه‌الله من المقطوعة: المضمرَة، وهذا دأبه في جميع مؤلَّفاتهقدس‌سره .

والمُضمرة: هي الروايةُ التي لم يُذكَر فيها المرويُّ عنه، ولم يُعلَم مَنْ هو المسؤولُ عنه.

وهذه الرواية رُويت عن زُرارة، قال: سألتهُ... إلخ، ولم يُعيِّن المسؤول عنه. وسيأتي الكلامُ في حجيَّة هذا القسم من الرّوايات).

٨٥

الحقل الثالث:

في

الموثَّقِ(١)

سُمِّيَ بذلك لأنَّ راويه ثقة، وإن كانَ مُخالفاً ؛ وبهذا فارقَ الصحيحَ مع اشتراكهما في الثقة، ويُقالُ لهُ: القويُّ أيضاً ؛ لقُوّة الظنِّ بجانبه بسببِ توثيقهِ.

وهو:

[ أوَّلاً ]:

ما دخلَ في طريقهِ (مَن نصَّ الأصحابُ على توثيقه، مع فساد عقيدته)(٢) ؛ بأن كان من إحدى الفرق المُخالفة للإمامية، وإن كانَ من الشيعة.

واحترز بقوله(٣) : (نصَّ الأصحابُ على توثيقه) عمَّا لو رواه المخالفون في صحاحهم التي وثَّقوا رُواتها ؛ فإنَّها لا تدخلُ في الموثَّق عندنا ؛ لأنَّ العبرة بتوثيق أصحابنا للمُخالف، لا بتوثيق غيرنا ؛ لأنَّا لم نقبلْ إخبارَهم بذلك(٤) .

وبهذا يندَفِعُ ما يُتَوَهَّمُ: من عدمِ الفرقِ بينَ رواية مَن خالفنا، مِمَّن ذُكر في كتب حديثنا، وما رووه في كتبهم.

وحينئذٍ، فذلك كلُّهُ يلحق بالضّعيف عندنا ؛ لِمَا سيأتي من صِدق تعريفه عليه، فيُعمل منهُ بما يُعمل بهِ منه.

[ثانياً]:

ولم يشتَمل باقيه ؛ أي باقي الطريق، على ضعيف ؛ وإلاّ لكانَ الطريقُ ضعيفاً، فإنّه يتبعُ الأَخسَّ كما سبَق.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٤، لوحة ب، سطر٨): (الموثَّق) فقط، بدون: (الحقل الثالث: في الموثَّق).

(٢) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص٤.

(٣) فيما يبدو: أنَّ مرجع الضمير هو: المعرِّف، وما شابه ذلك.

(٤) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (لأنَّ مرجع التوثيق - على ما هو المعروف عندهم - مردُّه إلى الشهادة، والعدالة معتبرةٌ فيها).

٨٦

وبهذا القيد سَلِمَ ممَّا يَرِد على تعريفِ الأصحاب لهُ بأنَّ الموثَّقَ: (ما رواهُ مَن نُصَّ على توثيقهِ، مع فسادِ عقيدته)(١) ؛ فإنَّهُ يشتَمِلُ بإطلاقه ما لو كانَ في الطريقِ واحدٌ كذلك، معَ ضعفِ الباقي، وليس بِمُرادٍ كما مرَّ.

وقد يُطلق القويّ على مرويِّ الإمامي ؛ غير الممدوح ولا المذموم(٢) ، ك-: نوح بن درَّاج(٣) ، وناجية بن أبي عُمارةَ الصيداويِّ(٤) ، وأحمد بن عبد الله بن جعفرِ الحِميريِّ(٥) ، وغيرهم، وهُم كثيرون.

وقولُنا:(غيرُ المَمدوح ولا المَذموم)

[أ] خيرٌ من قولِ الشهيدرحمه‌الله وغيرهِ في تعريفهِ:(... غيرُ المذموم) (٦) ، مُقتصرين عليه ؛ لأنَّه يشمُلُ الحَسَن، فإنَّ الإمامي المَمدوحَ: غيرُ مذموم، ولو فُرِضَ كونُهُ قد مُدِحَ وذُم كما اتّفق لكثير.

[ب] وردٌّ على تعريف الحسن أيضاً ؛ والأولى: أن يطلب حينئذ الترجيحُ، ويُعملُ بِمُقتضاهُ، فإن تحقَّقَ التعارضُ، لم يكُن حسَناً. وعلى هذا ؛ فينبغي زيادة تعريفِ الحسن: بكونِ المدحِ مقبولاً ؛ فيُقالُ: ما اتّصلَ سندُهُ بإمامي ممدوحٍ مدحاً مقبولاً... إلخ ، أَو غير معارض بذمٍّ ؛ ونحو ذلك.

____________________

(١) ينظر: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، ص٤.

(٢) ينظر: المصدر نفسه.

(٣) من أصحابِ الصادقعليه‌السلام ،.... معجم رجال الحديث: ١٩/ ٢١٩ - ٢٢٢.

(٤) من أصحاب الباقرعليه‌السلام ،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ١٩/ ١٤٤ - ١٤٥.

(٥) كان له مكاتبة،.... ينظر: معجم رجال الحديث: ٢/ ١٣٧.

(٦) ويبدو أنّ في المقام اشتباهاً: إمَّا من الشهيد الثاني في نقله، وإمَّا من قول الشهيد الأوَّل في نسخه ؛ ذلك لأنَّ الذي وردَ في الكتاب المطبوع (ذكرى الشيعة إلى أحكام الشريعة)(ص٤) جاءَ فيه: (وقد يُرادُ بالقويّ: مرويّ الإمامي، غير المذموم ولا الممدوح ؛ أو مرويّ المشهور في التقدُّم غير الموثّق ؛ والضعيف يقابلهُ ؛ وربَّما قابل الضعيف: القبيحُ، والحسنُ، والموثّقُ).

٨٧

الحقل الرابع:

في

الضعيف(١)

وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدِّمةِ ؛ بأن يشتملَ طريقُهُ على مجروح بالفسقِ ونحوه، أو مجهول الحالِ، أو ما دونَ ذلك ؛ كالوضَّاعِ.

ويُمكن اندراجهُ في المجروح، فيُستغنَى به عنِ الشّقّ الأخير(٢) .

[أ] - ودرجاته في الضّعف متفاوتةٌ بحسبِ بُعده عن شروط الصحّة، فكلَّما بعُدَ بعضُ رجاله عنها، كانَ أقوى في الضّعف ؛ وكذا ما كثُر فيه الرواةُ المجروحون، بالنِّسبةِ إلى ما قلّ فيه(٣) .

كما تتفاوتُ درجاتُ الصحيح، وأخويه الحسن والمُوَثّق، بحسبِ تمكُّنه من أوصافها. فما رواهُ الإمامي الثقةُ، الفقيه الورع الضابطُ - كابنِ أبي عُميرٍ - أصحّ ممَّا رواه مَن نقصَ في بعضِ الأوصاف، وهكذا إلى أن ينتهي إلى أقلِّ مراتبه.

وكذلك ما رواه الممدوح كثيراً - كإبراهيم بن هاشمٍ(٤) - أحسنُ ممَّا رواه مَن هو دونه في المدح، وهكذا إلى أن يتحقَّق مُسمَّاهُ.

وكذا القولُ في المُوَثّق ؛ فإنَّ ما كانَ في طريقه، مثلُ عليّ بن فَضَّال(٥) ، وأبانِ بن عثمان(٦) ، أقوَى مِن غَيره، وهكذا...

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٥، لوحة ب، سطر ٧): (الرابع الضعيف) فقط، بدون: (الحقل الرابع: في الضعيف).

(٢) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (ولعلّ الأحسنَ إبقاءه ؛ للفرق الواضح بينَ خبرِ شاربِ الخمر، وخبرِ الكذَّاب الوضَّاع).

(٣) سيأتي مزيدُ بيانٍ عن أنواعِ الحديثِ الضعيف في النظرِ الثاني من القسمِ الثاني مِن البابِ الأوّلِ، حسبَ الهيكل العامّ المعدَّل، الذي عملنا على رسمه.

(٤) من أصحاب الرّضاعليه‌السلام ،.... يُنظَر: معجم رجال الحديث: ١/ ١٧٧ - ١٩١.

(٥) هو عليُّ بن الحسَن بن فضّال الفطحيّ،.... يُنظر: معجم رجال الحديث: ١٢/ ١٢٣.

(٦) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (أبانُ بن عثمان: ثِقةٌ جليلٌ ؛ وقد عُدَّ مِن أصحابِ الإجماع ؛ إلاّ أنَّه نوقشَ في مذهبه ؛ فعَنْ بعضِ نُسَخِ الكشّي: وكان من الناووسيّة. وعن المحقِّق - والعلاّمة في خاتمة الخلاصةِ - : أنَّهُ فطحيُّ. كما نُسِبَ إلى العلاّمةِ في محكيّ المختلَف: أنَّه واقفيّ.

ولم يثبت شيءٌ من ذلك كُلّهِ، وللتفصيلِ مجالٌ آخر، لا يسعه هذا المختصر).

٨٨

[ب]. وَيَظهرٌ أثر القوّةعندَ التعارضِ ؛ حيث يعمَل بالأقسام الثلاثة، ويخرج أحد الأخيرين شاهداً(١) ، أو يتعارضُ صحيحان أو حسنان، حيثُ يجوزُ العملُ بهِ(٢) .

وكثيراً ما يُطلَق الضعيفُ في كلام الفُقهاء على روايةِ المجروحِ خاصة، وهو استعمالُ الضعيفِ في بعضِ مواردهِ، وأمرُهُ سهلٌ.

____________________

(١) أي: الحسن أو الموثّق، بأن جعله شاهداً للصحيح، بدون العمل به. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص١٧.

(٢) وقد علَّق المددي هنا بقوله: (أي: بالقويّ (الموثَّق) ؛ فعند تعارضِ الصحيحين أو الحسنين، يُرجعُ إلى الموثَّق، ويُعمل به ِ؛ ويكونُ مُرَجِّحاً لأحدهما على الآخر).

٨٩

النظرُ الثاني: في حُجِّيَّةِ العملِ بها

وفيه حُقول:

الحقل الأوَّل:

في

العملِ بخبرِ الواحد(١)

وأعلَم: أنَّ مَن منعَ العملَ بخبر الواحد مُطلقاً، كالسيِّدِ المرتضى، تنتَفي عندَهُ فائدةُ البحثِ عن الحديثِ غير المتواتر مُطلَقاً ؛ ومَنْ جوَّزَ العملَ بخبرِ الواحدِ، كأكثرِ المتأخّرين في الجُملة.

فائدةُ القيد: التنبيه، على أنَّ مَن عمِل بخبر الواحد، لم يعمل به مُطلقاً ؛ بَلمنهم مَن خصَّه بالصحيح،ومنهم من أضاف الحسَن،ومنهم من أضافَ الموثَّق،ومنهم من أضافَ الضعيفَ على بَعض الوجوه كما سننبّه عليهِ.

فالعاملُ بخبر الواحدِ على أيّ وجهٍ كان: قَطَعَ بالعمل بالخبر الصحيح ؛ لِعدم المانع منه، فإنَّ رواته عُدول، صحيحو العقايد ؛ لكن لم يُعمل به مطلقاً ؛ بل حيثُ لا يكون شاذّاً، أو معارضاً بغيره من الأخبارِ الصحيحة، فإنَّه حينئذٍ يُطلبُ المُرَجِّحُ.

ورُبَّما عمِل بعضهم بالشاذِّ أيضاً، كما اتّفقَ للشيخين(٢) في صحيحة زُرارة ؛ في مَن دخل في الصلاة بتيمُّم ثُمّ أحدثَ؟

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٦، لوحة ب، سطر ١٠): (النظر الثاني: في حُجِّ-يَّةِ العمل بها. وفيه حقول: الحقل الأول: في العمل بخبر الواحد) غير موجود ؛ وإنَّما أضفناه للضرورة المنهجية والإخراجيَّة.

(٢) يقول الفقيه المقداد السيوريّ في مقدِّمة كتابه (التنقيح الرائع لمختصر الشرائع)، وهو مخطوطٌ محفوظ في (مكتبة آية الله الحكيم العامّة) في النجف الأشرف، تحت رقم ٣٠٦، يقول المقدادُ: (المرادُ بالشيخ هو: الطوسيرحمه‌الله . وبالشيخين: هو مع المفيد. والثلاثة: هما مع المُرتضى. وعلَمُ الهدى: هو المُرتضى).

٩٠

إنَّه: يتوضأُ حيث الماء، ويبني على الصلاة ؛ وإنْ خصَّاها بحالة الحدث ناسياً(١) ؛ ومثل ذلك كثيرٌ.

___________________

(١) قلتُ: صحيحة زرارة هذه، إنَّما هي من الشاذ بالتفسير الذي فسَّره به بعضُ العامَّة ؛ وهو ما انفرد به راوٍ واحد.

وأمَّا الشذوذ بالتفسير الذي ذكره أكثرهم، واعتمده الوالدقدس‌سره فيما يأتي، وهو: (ما رواه الثقة مخالفاً لِمَا رواه الأكثرُ)، فليسَ ذلك بمتحقِّق فيها ؛ إذ لم يرد بخلافها رواية، فضلاً عن رواية الأكثر له.

نعم، هي مخالفة للمعهود في نظائر الحكم من منافيات الصلاة ؛ ولفظُ التفسير كما لا يخفى، غير متناول لمثل هذه المخالفة، فليُنظر.

حسنرحمه‌الله (هامش الخطِّيَّة المعتمدة: روقة ١٦، لوحة ب)

والمقصود بعبارة (حسنرحمه‌الله ) هو: الشيخ حسن صاحب كتاب (المعالم)، وهو ابن الشهيد الثاني صاحبٍ (الدراية).

وأمَّا بخصوص الصحيحة، فينظر: مَن لا يحضرهُ الفقيه: ١/ ٥٨، باب التيمّم، حديث ٢١٤/ ٤، وتهذيب الأحكام (للشيخ الطوسي، في شرحِ المقنعة للشيخ المفيد): ١/ ٢٠٥، باب التيمّم وأحكامه، حديث ٥٩٥/ ٦٩، والاستبصار: ١/ ١٦٧، بابُ مَن دخلَ في الصلاةِ بتيمّم ثُمَّ وجدَ الماءَ، حديثُ ٥٨٠/ ٦.

٩١

الحقل الثاني:

في

العمل بالخبر الحسن(١)

واختلفوا في العمل بالحسن:

فمنهم مَنعمل به مطلقاً كالصحيح، وهو الشيخرحمه‌الله - على ما يظهر من عمله - وكلّ مَن اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام، ولم يشترط ظهورها.

ومنهم مَن ردَّهمطلقاً ، وهم الأكثرون ؛ حيث أشترطوا في قبول الرواية: (الإيمانَ، والعدالةَ)، كما قطَع بهالعلاّمةُ في كتبه الأُصوليَّة،وغيره .

والعجبُ أنَّ الشيخرحمه‌الله اشترطَ ذلك أيضاً في كتبِ الأصولِ، ووقع له في الحديث وكتب الفروع الغرائب ؛ فتارة يعمل بالخبر الضعيف مطلقاً، حتّى أنَّه يُخصِّص به أخباراً كثيرةً صحيحةً، حيث تعارضه بإطلاقها، وتارةً يُصرِّح بردِّ الحديث لضعفه، وأخرى يردّ الصحيح ؛ معلِّلاً بأنَّه خبر واحد، لا يوجب علماً ولا عملاً كما هي عبارة المرتضى.

وفصّل آخرون في الحسن: كالمحقِّق في المُعتبر، والشهيد في الذّكرى ؛ فقبلوا الحسن، بل الموثَّق ؛ وربَّما ترقّوا إلى الضعيف أيضاً إذا كان العمل بمضمونه مشتهراً بين الأصحاب ؛ حتّى قدّموهُ حينئذٍ على الخبرِ الصحيحِ حيثُ لا يكونُ العملُ بمضمونهِ مشتهِراً.

____________________

(١) الذي في النسخةِ الخطِّيَّة (روقة ١٦، لوحة ب، سطر ٩): (الحقل الثاني: في العمل بالخبر الحسن)، غير موجود.

٩٢

الحقل الثالث:

في

العمل بالخبرِ الموثَّق(١)

وكذا اختلفوا في العمل بالموثّق نحو اختلافهم في الحسن،فقبله قوم مطلقاً ،وردَّه آخرون، وفصّل ثالث [بالشهرة وعدمِها](٢) .

ويُمكنُ اشتراكُ الثلاثة في دليل واحدٍ يدلّ على جواز العمل بها مطلقاً ؛ وهو: أنَّ المانعَ من قبول خبرِ الفاسق هو فسقه ؛ لقوله تعالى:( إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا... ) (٣) . فمتى لم يُعلم الفسق، لا يجب التثبُّت عند خبر المُخبر مع جهل حاله ؛ فكيف مع توثيقه ومدحه، وإن لم يبلُغ حدَّ التعديل؟ وبهذا احتجَّ مَن قبل المراسيل.

وقدأجابوا عنه ب-: أنَّ الفسقَ لمَّا كان علَّة التثبُّتِ، وجبَ العلمُ بنفيه ؛ حتّى يُعلم وجود انتفاء التثبُّت، فيجب التفحُّصُ عن الفسق، ليُعلَم أو

عدمه، حتّى يُعلَم التثبُّت أو عدمه.

وفيه نظرٌ ؛ لأنّ الأصل عدمُ وجودِ المانع في المُسلمِ. ولأنَّ مجهولَ الحال، لا يُمكن الحكمُ عليهِ بالفسقِ ؛ والمُرادُ في الآية: المحكومُ عليهِ بالفسقِ.

____________________

(١) الذي في النسخة المعتمدةِ (ورقة ١٧، لوحة أ، سطر ٩): (الحقل الثالث: في العمل بالخبر الموثق) غير موجود.

(٢) هذه الزيادة غير موجودة في النسخة الخطِّيَّة المتداولة (ورقة ١٧، لوحة ب، سطر ١٠)، وإنَّما هي موجودة في طبعة النعمان المتداولة، وقد أثبتناها هنا لمزيد إيضاح وتوضيح.

(٣) سورة الحجرات، آية ٧.

٩٣

الحقل الرابع:

في

العمل في الخبر الضعيف(١)

وأمَّا الضعيف ؛فذهبَ الأكثر إلى منع العمل به مُطلقاً ؛ للأمر بالتثبُّت عندَ إخبارِ الفاسق المُوجبِ لردِّهِ.

وأجازَهُ آخرون - وهُم جماعةٌ كثيرةٌ: منهم مَن ذكرناه - مع اعتضادِه بالشّهرة روايةً ؛ بأن يكثر تدوينها وروايتها: بلفظٍ واحدٍ، أو ألفاظٍ متغايرةٍ متقاربة المعنى، أوفتوىً بمضمونها في كتب الفقه ؛ لقوَّة الظنّ بصدق الرّاوي في جانبها - أي جانب الشّهرة - وإن ضعُفَ الطريقُ ؛ فإنَّ الطريقَ الضعيفَ، قد يثبُتُ بهِ الخبرُ مع اشتهارِ مضمونِهِ ؛ كما تُعلَمُ مذاهبُ الفِرَقِ الإسلاميَّة - كقول: أبي حنيفة(٢) ، والشافعيِّ(٣) ، ومالك(٤) ، و أحمد - بإخبار أهلها - مع الحكم بضعفهم عندَنا - وإن لم يبلغوا حدَّ التواتر.

وبهذا اعتُذر للشيخرحمه‌الله في عمَله بالخبر الضّعيفِ.

وهذهِ، حجّةُ مَنْ عمِلَ بالموثّق أيضاً، بطريقٍ أولى.

وفيه نظرٌ ، يخرج تحريره عن وضع الرسالة ؛ فإنَّها مبنيةٌ على الاختصار، ووجهُهُ على وجه الإيجاز: إنَّا نمنع من كون هذه الشُّهرة التي ادّعوها مؤثِّرةً في جبر الخبر الضّعيف ؛ فإنَّ هذا إنّما يتمّ لو كانت الشّهرة متحقّقةٌ قبلَ زمنِ الشيخرحمه‌الله ، والأمرُ ليس كذلك ؛ فإنَّ مَنْ قبله من العلماء كانوا بينَ مانع من خبر الواحد مُطلقاً - كالمرتضى والأكثر، على ما نقله جماعة - وبين جامع للأحاديث، من غير التفات إلى تصحيح ما يصحُّ، وردِّ ما يُرَدُّ. وكانَ البحثُ عن الفتوى مُجرَّدةً - لغيرِ الفريقين - قليلاً جداً كما لا يخفَى على مَن اطّلعَ على حالِهِم.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٧، لوحة ب، سطر ٦): (الحقل الرابع: في العمل بالخبر الضعيف) غير موجود.

(٢) النعمان بن ثابت: ٨٠ - ١٥٠ه-،.... ينظر: الأعلام: ٩/ ٤ - ٥.

(٣) محمد بن إدريس: ١٥٠ - ٢٠٤ه-،.... ينظر: الأعلام: ٦/ ٢٤٩ - ٢٥٠.

(٤) مالك بن أنس: ٩٣ - ١٧٩،.... ينظر: الأعلام: ٦/ ١٢٨.

٩٤

فالعمل بمضمون الخبر الضّعيف قبل زمن الشيخ، على وجه يجبر ضعفه، ليس بمتحقّقٍ. ولمّا عمل الشيخ بمضمونه، في كتبه الفقهيَّة، جاء مَن بعده من الفقهاء واتّبعه منهم عليها الأكثر ؛ تقليداً له، إلاّ مَن شذّ منهم. ولم يكن فيهم مَن يسبر الأحاديث، وينقِّب على الأدلّة بنفسه سوى الشيخ المحقِّق ابن إدريس(١) ، وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً.

فجاء المتأخّرون بعد ذلك، ووجدوا الشيخ ومَن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضّعيف ؛ لأمر ما رأوه في ذلك، لعلّ الله تعالى يعذرهم فيه ؛ فحسبوا العلم به مشهوراً، وجعلوا هذه الشّهرة جابرةً لضعفه. ولو تأمّل المنصف، وحرَّر المنقِّب، لوجد مرجع ذلك كلّه إلى الشيخ، ومثل هذه الشّهرة، لا تكفي في جبر الخبر الضّعيف.

ومن هنا، يظهر الفرق بينه وبين ثبوت فتوى المخالفين بأخبار أصحابهم ؛ فإنَّهم كانوا منتشرين في أقطار الأرض من أوّل زمانهم، ولم يزالوا في أزياد(٢) .

وممَّن اطّلع على أصل هذه القاعدة - التي بيَّنتُها وتحقَّقتُها - من غير تقليدٍ: الشيخ الفاضل المحقِّق سديد الدّين محمود الحُمُّصي(٣) ، والسيّد رضيّ الدّين ابن طاووس(٤) ، وجماعة.

قالَ السيّدرحمه‌الله في كتابه (البهجة لثمرة المهجة): (أخبرني جدّي الصالح، ورّام بن أبي فراس (قدّس الله سرّه)(٥) ، أنَّ الحُمُّصي حدَّثه: أنَّه لم يبق للإماميّة مفتٍ على التّحقيق، بل كلّهم حاكٍ.

____________________

(١) صاحب كتاب: (السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي)،.... ينظر: روضات الجنَّات: ٦/ ٢٧٤ - ٢٩٠.

(٢) أي: العلم بمذاهب المخالفين وفتاويهم مستفادٌ من أصحابهم، وحيثُ لم يكونوا ثقة عندنا، كان إخبارُهم بمذاهبهم من باب الأخبار الضعيفة، لكن اعتبرها أصحابنا، وحكموا بأنَّ هذا القول لأبي حنيفة، وهذا للشافعي، وغيرهما، استناداً إلى الشهرة التي انجبر الضعيف بها. وليس تلك الشّهرة كالشهرة التي ادّعاها أصحابنا في بعض الأخبار ؛ لِمَا عرفت أصلها. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٢٠.

(٣) علاّمةُ زمانه في الأُصولَين، ورع ثقة،.... ينظر: روضات الجنَّات: ٧/ ١٥٨ - ١٦٤.

(٤) السيّد الشريف: رضيّ الدين أبو القاسم علي، بن سعد الدين أبي إبراهيم موسى، بن جعفر، بن محمد، بن أحمد، بن محمد، بن أحمد، بن أبي عبد الله محمد، بن الطاووس ؛ ينتهي نسبه الشريف إلى الحسن المثنّى.... ينظر: البحار: ١/ ١٤٣ - ١٤٦.

وكذلك له ترجمةٌ ضافيةٌ في مقدِّمة: كشف المحجّة لثمرة المهجة، المطبوع في النجف الأشرف، بقلم البحّاثة الكبير آغا بزرگ الطهراني.

(٥) من أولاد مالك الأشتر النخعيّ، عالم فقيه،.... ينظر: روضات الجنَّات: ٨/ ١٧٧ - ١٧٩.

٩٥

وقالَ السيّد عقيبه: والآن، فقد ظهر أنَّ الذي يُفتى به ويُجاب عنه، على سبيل ما حُفظ من كلام العلماء المتقدّمين)(١) انتهى.

وقد كشفتُ لك بذلك بعضَ الحال، وبقيَ الباقي في الخَيال، وإنَّما يتنبّه لهذا المقال، مَن عرف الرِّجال بالحقّ، وينكره مَن عرف الحقّ بالرّجال(٢) .

وجوّزَ الأكثر العمل به - أي بالخبر الضعيف - في نحو: القصص، والمواعظ، وفضائل الأعمال، لا في نحو: صفات الله المُتعال، وأحكام الحلال والحرام.

وهو حسن حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع والاختلاق ؛ لِمَا اشتهر بين العلماء المحقِّقين من التساهل بأدلَّة السُّنن، وليس في المواعظ والقصص غير محض الخير، لِمَا ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - من طريق الخاصّة والعامّة - أنَّه قال: (مَن بلغه عن الله تعالى فضيلةً، فأخذها وعمل بما فيها إيماناً بالله ورجاء ثوابه، أعطاه الله تعالى ذلك وإنْ لم يكن كذلك)(٣) . وروى هشام بن سالم - في الحسن(٤) -، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (مَن سمع شيئاً من الثواب على شيء، فصنعه، كان له أجر، وإن لم يكن على ما بلغه)(٥) .

____________________

(١) وقد علّق المددي هنا بقوله: (إنَّ كتاب (البهجة لثمرة المهجة) لم يصل إلينا، ولكنّ السيّد ابن طاووس ذكر هذا الكلام بعينه في كتابه: (كشف المحجّة لثمرة المهجة)(ص١٢٧)، المطبوع في النجف الأشرف).

(٢) هذه العبارة - فيما يبدو - مستلهمّة من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (يا حَار... إنَّه ملبوس عليك ؛ إنَّ الحقّ لا يُعرف بالرجال، فاعرف الحقّ تعرف أهله)، وهذا من التضمين الجميل. يُنظر: البيان والتبيين للجاحظ: ٣/ ١٣٦.

(٣) ينظر: عُدّة الدّاعي، ص٤.

(٤) وقد علّق المددي هنا بقوله: (وصفه ب-: الحسن ؛ باعتبار أنَّ الكليني رواه بإسناد فيه إبراهيم بن هاشم، وهو إماميّ ممدوح ؛ إلاّ أنَّ البرقي رواه في المحاسن (ص٢٥) بسند صحيحٍ عن هشام بن سالم، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

وقال السيّد ابن طاووس: ووجدنا هذا الحديث في أصل هشام بن سالم، رواه عن الصادقعليه‌السلام ). ينظر: البحار: ٢/ ٢٥٦.

(٥) ينظر: الأُصول من الكافي: ٢/ ٨٧، وعُدّة الدَّاعي، ص٣، والبحار: ٢/ ٢٥٦، وجامع أحاديث الشيعة: ج١، المقدّمات، الباب٩.

٩٦

القسم الثاني:

في

الأنواعِ والفُروع

أمَّا وقد عرَفتَ تلكَ المعاني الأربعة(١) ، التي هي أصول علم الحديث، بقي هنا عبارات لمعانٍ شتّى:

منها: ما يشترك فيها الأقسام الأربعة ، إمَّا جميعها أو بعضها، بحيث لا يختصّ بالضعيف ؛ ليدخل فيه المقبول، فإنَّه ليس من أقسام الصحيح، وإنَّما يشترك فيه الثلاثة الأخيرة، على ظاهر الاستعمال ؛ وإن كان إطلاق مفهومه، قد يفهم منه كونه أعمُّ من الصحيح أيضاً.

وجملةُ المشتركِ: ثمانيةَ عشرَ نوعاً.

ومنها: ما يختصُّ بالضعيف ؛ وهو: ثمانية.

فجملة الأنواع الفروع: ستّة وعشرون، ومع الأصول: ثلاثون نوعاً ؛ وذلك على وجه الحصرالجعليّ ، أوالاستقرائي ؛ لإمكان إبداء أقسامٍ أخر(٢) .

[وعليه، ففي هذا القسم: نظران](٣)

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ٢): (وإذ قد عرفت هذه المعاني الأربعة)، بدلاً من: (القسم الثاني: في الأنواع والفروع. أمَّا وقد عرفت تلك المعاني الأربعة).

(٢) قال أبو عمرو بن الصلاح بعد ذكر تعداد أنواع الحديث: وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنَّه قابل للتنويع إلى ما لا يُحصى ؛ إذ لا تُحصى أحوال الرواة وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها. ينظر: مقدمة ابن الصلاح، ص٨١.

وقال ابن كثير في تعقيبه على ابن الصّلاح: وفي هذا كلّه نظر، بل في بسطه هذه الأنواع إلى هذا العدد نظر ؛ إذ يمكن إدماج بعضها في

بعض، وكان أليق ممَّا ذكره. الباعث الحثيث، ص٢١.

(٣) هذه الزيادة غير موجودة في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ١٠) وإنَّما أثبتناها هنا للضرورة المنهجيَّة.

٩٧

النظر الأوَّل: في أنواع المشترك

وفيه حقول:

الحقل الأوَّل:

في

المسند(١)

وهو ما اتّصل سنده مرفوعاً، من راويه إلى منتهاه، إلى المعصوم.

وأكثر ما يُستعمل في ما جاء عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

فخرج باتّصال السّند: المرسل، والمعلّق، والمعضل.

وبالغاية: الموقوف، إذا جاء بسند متّصل، فإنَّه لا يسمَّى في الاصطلاح مسنداً.

وربَّما أطلقه بعضهم على المتّصل مطلقاً(٣) ؛ وآخرون: على ما رُفع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنْ كان منقطعاً.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ١١): (فمن القسم الأول - وهو المشترك - أمور ؛ أحدها: المسند)، بدلاً من (النظر الأوّل: في أنواع المشترك، وفيه حقول، الحقل الأوّل: في المسند)، وهذا ممَّا وضعناه للضرورة المنهجيَّة.

(٢) قال الحاكم: هو ما اتّصل إسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال الخطيب: هو ما اتّصل إلى منتهاه.

وحكى ابن عبد البرّ: إنَّه المرويّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سواء كان متّصلاً أم منقطعاً.

وقال أحمد محمد شاكر: وعلى تعريف الخطيب يدخل الموقوف - على الصحابة إذا روي بسند - في تعريف المسند، وكذلك يدخل فيه ما روي عن التابعين بسندٍ أيضاً، ولا يدخلان فيه على تعريف الحاكم وابن عبد البرّ.

ويدخل المنقطع والمعضل على تعريف ابن عبد البرّ، ولا يدخل على تعريف الحاكم. ينظر: الباعث الحثيث، ص٤٤ - ٤٥ (جمعاً بين المتن والهامش)، وينظر: كتاب الكفاية في علم الرواية، ص٢١، ومعرفة علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح)، ص١٧.

(٣) وقد علّق المددي هنا بقوله:

أي: سواءٌ أكان مسنداً إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم إلى الصحابة ؛ وهو المسمَّى: بالموقوف.

٩٨

الحقل الثاني:

في

المتَّصل(١)

ويُسمَّى أيضاً: الموصول(٢) .

وهو ما اتّصل إسناده إلى المعصوم أو غيره، وكان كلّ واحد من رواته، قد سمعه ممَّن فوقه، أو ما هو في معنى السماع: كالإجارة، والمناولة.

وهذا القيد(٣) ، أخلّ به كثيرٌ، فورد عليهم ما تناوله ؛ سواءٌ كانَ مرفوعاً إلى المعصوم، أم موقوفاً على غيره.

وقد يُخص بما اتّصل إسناده إلى المعصوم، أو الصحابيّ، دون غيرهم.

هذا مع الإطلاق، أمَّا مع التقييد، فجائز مطلقاً [و] واقع ؛ كقولهم: هذا متّصل الإسناد بفلانٍ، ونحو ذلك.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ٣): (وثانيها المتّصل) فقط، بدون (الحقل الثاني: في المتَّصل).

(٢) الخلاصةُ في أصول الحديث، ص٤٦، وينظر: الباعث الحثيث، ص٤٥.

(٣) أي: قوله: أو ما هو في معنى السماع. خطِّيَّة الدكتور محفوظ، ص٢٢.

٩٩

الحقل الثالث:

في

المرفوعِ(١)

- ١ -

وهو ما أضيف إلى المعصوم(٢) ؛ من قولٍ، بأن يقول في الرواية: أنَّهعليه‌السلام قال كذا، أوفعل ، بأن يقول: فعل كذا، أوتقرير ، بأن يقول: فعل فلان بحضرته كذا ولم ينكره عليه، فإنَّه يكون قد أقرَّه عليه، وأولى منه: ما لو صُرِّح بالتقرير.

سواء كان إسناده متَّصلاً بالمعصوم بالمعنى السابق، أم منقطعاً: بترك بعض الرواة، أو إبهامه، أو رواية بعض رجال سنده عمَّن لم يلقه(٣) .

وقد تبيَّن من التعريفات الثلاثة: أنَّ بين الأخيرين منها عموماً من وجه(٤) ؛ بمعنى: صدق كلٍّ منهما على شيء ممَّا صدق عليه الآخر، مع عدم استلزام صدق شيءٍ منهما صدق الآخر.

ومادّة تصادقهما هنا: فيما إذا كان الحديث متّصل الإسناد بالمعصوم، فإنَّه يصدق عليه الاتصال والرَّفع ؛ لشمول تعريفهما له.

ويختص المتّصل: بمتّصل الإسناد، على الوجه المقرَّر، مع كونه موقوفاً على غير المعصوم.

ويختصّ المرفوع: بما أضيف إلى المعصوم بإسناد منقطعٍ.

____________________

(١) الذي في النسخة الخطِّيَّة المعتمدة (ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ١٠): (وثالثها: المرفوع) فقط، بدون:(الحقل الثالث: في المرفوع).

(٢) وقد علَّقَ المددي هنا بقوله: (وعند العامّة: خصوص ما أُضيفَ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

(٣) ينظر: الخلاصة في أصول الحديث، ص٤٦، والباعث الحثيث، ص٤٥.

وقد علّق المددي هنا بقوله: (مثاله: ما رواه الشيخ في التهذيب(٩/ ٢٦) بإسناده عن ابن أبي عُمير، عن زرارة، عن محمد بن مسلم...، فإنَّ ابن أبي عُمير، لم يلقِ زرارة ؛ فحديثه عنه مرفوع).

(٤) العموم المطلق، والعموم من وجه، والخصوص المطلق، والخصوص من وجه، بل كذلك العموم والخصوص من وجه، كلّ هذه وغيرها اصطلاحات منطقيَّة. ينظر من مثل: (كتاب المنطق)، للشيخ المظفَّر.

ويظهر من هذا الحقل: كيف أنَّ علمَ المنطق يدخل في خدمة الحديث ؛ وكيف أنَّ العلوم في مباحثها بلحاظٍ ولحاظٍ متداخلةٌ....

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199