الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ40%

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 199

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90490 / تحميل: 5816
الحجم الحجم الحجم
الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قال مولانا وإمامنا سيّد العابدين ، وقبلة أهل الحق واليقين ، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

« أيّها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردّد في منازل التقدير ، المتصرّف في فلك التدبير ».

لفظة « أي » : وسيلة إلى نداء [10 / ب ] المعرّف باللام ، كما جعلوا « ذو » وسيلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، و « الذي » وسيلة إلى وصف المعارف بالجمل ؛ لأنَّ إلصاق حرف النداء بذي اللام يقتضي تلاصق أداتي التعريف ، فإنّهما كمثلين كما قالوا ، وإنَّما جاز في لفظ الجلالة للتعويض ولزوم الكلمة المقدسة ، كما تقرر في محلّه ، واعطيت حكم المنادى ، والمقصود بالنداء وصفها ، ومن ثمّ التزم رفعه ، واقحمت هاء التنبيه بينهما تاكيداً للتنبيه المستفاد من النداء ، وتعويضاً عمّا تستحقه « أي » من الإضافة.

« والخلق » : في الأصل مصدر بمعنى الإِبداع والتقدير ، ثم استعمل بمعنى المخلوق ، كالرزق بمعنى المرزوق.

« والدائب » ـ بالدال المهملة واخره باء موحدة ـ : اسم فاعل من دَأَبَ فلان في عمله أي جدّ وتعب.

و جاء في تفسير قوله تعالى :( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ) (1) ، أي مستمرين في عملهما على عادة مقررة جارية(2) ، والمصدر

________________________

(1) إبراهيم ، مكية ، 14 : 33.

(2) تفسير التبيان 6 : 297 / مجمع البيان 3 : 316 / تفسير الفخر الرازي 19 : 128 / الجامع لأحكام

٨١

« دَأْب » باسكان الهمزة وقد تحرك ، ودُؤُب بضمّتين(1) .

« والسرعة » : كيفية قائمة بالحركة ، بها تقطع من المسافة ما هو أطول في زمان مساوٍ أو أقصر ، وما هو مساوٍ في زمن أقصر.

ووصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة ربما يعطي بحسب الظاهر أن يكون المراد سرعته باعتبار حركته الذاتية ، وهي التي يدور بها على نفسه.

وتحرك جميع الكواكب بهذه الحركة ممّا قال به جم غفير من أساطين الحكماء ، وهو يقتضي كون المحو المرئي في وجه القمر شيئاً غيرثابت في جرمه ، وإلَّا لتبدل وصفه ، كما قاله سلطان المحققين(2) قدس الله روحه في شرحالإشارات(3) ، وستسمع فيه كلاماً إن شاء الله.

و الأظهر أنَّ ما وصفه بهعليه‌السلام من السرعة إنَّما هو باعتبار حركته العرضية التي بتوسط فلكه ، فإن تلك الحركة على تقدير وجودها غيرمحسوسة ولامعروفة ، والحمل على المحسوس المتعارف أولى.

________________________

القرآن 9 : 367 / المفردات : 174.

(1) الصحاح 1 : 123 / تاج العروس 1 : 242 مادة ( دأب ) فيهما.

(2) سلطان المحققين ، الخواجه نصير الدين الطوسي ، محمد بن محمد بن الحسن الجهروردي القمي.حجة الفرقة الناجية ، فخر الشيعة الإمامية ، ناموس دهره ، فيلسوف عصره ، افضل الحكماء والمتكلمين ، سلطان العلماء والمحققين ، علامة البشر ، نصير الملة والدين ، الذي ارتفع صيته في الآفاق ، خضع له الموافق والمخالف؛ له مكتبة تناهز الأربع مئة ألف كتاب ، أقام المنجمين والفلاسفة ، ووقف عليهم الأوقاف ، أسس المرصد المعروف بمراغه ، زها العلم في زمنه ؛ له مؤلفات منها تحرير اقليدس ، تحرير المجسطي ، شرح الاشارات ، الفصول النصيرية ، الفرائض النصيرية ، التذكرة النصيرية ، وغيرها.

مات سنة 672 هـ = 1273 م ودفن في الروضة المطهرة الكاظمية.

انظر : روضات الجنات 6 : 300 رقم 588 / تاسيس الشيعة : 395 / تنقيح المقال 3 : 179 رقم 11322 / شذرات الذهب 5 : 339 / البداية والنهاية 13 : 267 / جامع الرواة 2 : 188 / تاريخ مختصر الدول : 286 / فوات الوفيات 3 : 246 رقم 414 / تاريخ آداب اللغة العربية 2 : 245رقم 1 / أعيان الشيعة 9 : 414 / نقد الرجال : 331 رقم 691 / أمل الآمل 2 : 299 رقم 904.

(3) شرح الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٨٢

و سرعة حركة القمر(1) بالنظر الى سائر الكواكب ؛ أما الثوابت فظاهر ، لكون حركتها أبطأ الحركات حتى أنَّ القدماء لم يدركوها ؛ وأمَّا السيارات فلأن زحل[11 / أ] يتم الدور في ثلاثين سنة ، والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ في سنة وعشرة أشهر ونصف ، وكلاً من الشمس والزهرة وعطارد في قريب سنة ، وأما القمر فيتم الدور في قريب من ثمانية وعشرين يوماً.

هذا ولا يبعد أن يكون وصفهعليه‌السلام القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على أنّها ذاتية له ، بناء على تجويز كون بعض حركات السيارات فيأفلاكها من قبيل حركة الحيتان في الماء ، كما ذهب إليه جماعة ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) .

ودعوى امتناع الخرق على الأفلاك لم تقرن بالثبوت ، وما لفَّقه الفلاسفة لاثباتها أوهن من بيت العنكبوت ؛ لابتنائه على عدم قبول الأفلاك باجزائها للحركة المستقيمة ، ودون ثبوته خرط القتاد(3) ، والتنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ناطق بانشقاقها(4) .

وما ثبت من معراج نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجسده المقدس الى السماء السابعة صاعداً شاهد بانخراقها.

________________________

(1) في هامش بعض النسخ ما لفظه : نُقل عن بعض الأكابر أنّ ما يدل على سرعة حركة القمر ـ أيضاً ـ التناسب العددي ببن « القي » واسم « السريع » ، إذ كلّ منهما ثلاثمائة وأربعون ، والتناسببحسب النقاط أيضاً ، هو من الأسرار!!!.

(2) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(3) قوله : « دون ثبوته خرط القتاد » مثل مشهور يضرب للدلالة على استحالة حصول شيء ما والقتاد : شجر شاك صلب فيه مثل الابر ، والخرط نزع قشر الشجر جذباً بالكف. والمعنى أنتحمل نزع قشر القتاد أهون من حصول العمل.

انظر : لسان العرب 3 : 342 و 7 : 284 / مجمع الامثال 1 : 265 ت 1395. (4) المراد بانشقاقها : انشعاب فيها في القيامة ، كقوله تعالى « وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » [ الحاقة ، مكية ، 69 : 16 ] وقوله تعالى : « إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت » [ انفطار ، مكية ، 82 : 1 و 2 ] إلى غير ذلك من الآيات ، « منه ». قدس سره ، هامش الأصل.

٨٣

تكملة :

أرادعليه‌السلام بمنازل التقدير منازل القمر الثمانية والعشرين ، التي يقطعها في كل شهر بحركته الخاصة ، فيرى كلّ ليلة نازلاً بقرب واحد منها ، قال الله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (1) .

و هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدّبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة [ 11 / ب ] ، والطرف والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك الأعزل ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرغ المقدم ، والفرغ المؤخر ، والرشاء.

و هذه المنازل مشهورة فيما بين العرب ، متداولة في محاوراتهم ، مذكورة في أشعارهم ، وبها يتعرفون الفصول(2) ، فإنهم لما كانت سنوهم ـ لكونها باعتبار الأهلّة ـ مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء اخرى ، احتاجوا إلى ضبط السنه الشمسية ، ليشتغلوا في أشغال كل فصل منها بما يهمّهم في ذلك الفصل ، فوجدوا القمر يعود إلى وضعه الأوَّل من الشمس في قريب من ثلاثين يوماً ، ويختفي في أواخر الشهر ليلتين أو ما يقاربهما ، فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون ، وهو زمان ما بين ظهوره بالعشيات في أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات في أواخره ، فقسموا دور الفلك على ذلك ، فكان كلّ قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريباً ، فسمّوا كل قسم منزلاً ، وجعلوا لها علامات من الكواكب القريبة من المنطقة ، وأصاب كلّ برج من البروج الاثني عشر منزلان وثلثاً.

ثم توصلوا إلى ضبط السنة الشمسية بكيفية قطع الشمس[ 12 / أ ] لهذه

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) للتوسعة في معرفة ذلك أنظر : عجائب المخلوقات : 33 ذيل حياة الحيوأن / وعلم الفلك.

٨٤

المنازل ، فوجدوها تقطع كلّ منزل في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وذلك لأنهم رأوها تستتر دائماً ثلاثة منها ما هي فيه بشعاعها ، وما قبلهابضياء الفجر ، وما بعدها بضياء الشفق.

فرصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ، ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين ظهوري كل منزلين ثلاثة عشر يوما بالتقريب ، فأيام المنازل ثلاثمائة وأربعة وستون ، لكنّ الشمس تعود إلى كل منزل بعد قطع جميعها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ، وهي زائدة على أيَّام المنازل بيوم ، فزادوا يوماً في منزل الغفر ، وانضبطت لهم السنة الشمسية بهذا الوجه ، وتيسر لهم الوصول إلى تعرّف أزمان الفصول وغيرها.

تذنيب :

القمر إذا أسرع في سيره فقد يتخطى منزلاً في الوسط ، وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل ، أول الليلتين في أوله ، وآخرهما في آخره ، وقد يرى في بعض الليالي بين منزلين.

فما وقع في الكشاف ، وتفسير القاضي عند قوله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) (1) من أنه ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولايتقاصر عنه(2) ، ليس كذلك فاعرفه.

إكمال :

الظاهر أن مرادهعليه‌السلام بتردد القمر في منازل التقدير ، عوده اليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إياها في السابق ، فتكون كلمة « في » بمعنى إلى ، ويمكنأن تبقى على معناها الأصلي بجعل المنازل ظرفاً للتردد ، فان حركته التي يقطع بها تلك المنازل لما كانت مركبة من شرقية وغربية جعل كانه لتحركه فيها بالحركتين

________________________

(1) يس ، مكية ، 36 : 39.

(2) تفسير الكشاف 4 : 16 ، انوار التنزيل 4 : 188.

٨٥

المختلفتين متردد يقدّم رجلاً ويؤخر أُخرى.

وأما على رأي من يمنع جواز قيام الحركتين المختلفتين بالجسم ، ويرى أنّ للنملة المتحركة بخلاف حركة الرحى سكوناً حال حركة الرحى ، وللرحي سكوناً حال حركتها ، فتشبيهه بالمتردد أظهر كما لا يخفى.

إيضاح :

« الفلك » ، مجرى الكواكب ، سمّي به تشبيهاً بفلكة المغزل(1) في الاستدارة والدوران.

قال : الشيخ أبو ريحان البيروني(2) : إنَّ العرب والفرس سلكوا في تسمية السماء مسلكاً واحداً ، فإن العرب تسمي السماء فلكاً تشبيهاً لها بفلك الدولاب والفرس سموها بلغتهم آسمان ، تشبيها لها بالرحى فإنّ « آس » هو الرحى بلسانهم ، و « مان » دال على التشبيه(3) ، انتهى [12 / ب].

والمراد بـ « فلك التدبير » ، أقرب الأفلاك التسعة إلى عالم العناصر ، أي : الفلك الذي به تُدبّر بعض مصالح عالم الكون والفساد.

وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (4) أنّ المراد بها الأفلاك(5) ؛ وهو أحد الوجوه التي أوردها الشيخ الجليل أمين

________________________

(1) انظر : لسان العرب 10 : 478 ، مادة ( فلك ).

(2) محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي ، من نوابغ العلماء ، فيلسوف رياضي ، سكن الهند فترة ، له المام بالفلسفة اليونانية والهندية ، اشتهر بالهيئة ، له مؤلفات كثيرة محصورة في فهرست مخصوص بها ، يقع في ستين صفحة ، منها : التفهيم ، الآثار الباقية ، الجماهر.

والبيروني قيل نسبة إلى سكناه خارج خوارزم ، بناءاً على قراءتها بالتخفيف ، وقيل أنها مدينة في السند. مات سنة 440 هـ = 1048 م له ترجمه في : اللباب 1 : 197 / عيون الأنباء : 459 / الأعلام 5 : 314 / معجم الادباء 17 : 180 رقم 62 / تاريخ مختصر الدول : 186 / روضات الجنات 7 : 351 رقم 669 / الذريعة 1 : 507 رقم 2501 / وانظر مقدمة التفهيم الفارسية.

(3) التفهيم لأوائل صناعة التنجيم : 45 / وانظر فرهنك جامع آنندراج 1 : 72.

(4) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(5) اختلفت مذاهب المفسرين في قبول ذلك ورده أنظر كلاّ من : القرطبي في تفسيره

٨٦

الإسلام أبو علي الطبرسيرضي‌الله‌عنه في تفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان ، عند تفسيرهذه الآية(1) .

ويمكن أن يكون على ضرب من المجاز ، كما يسمى ما يقطع به الشيء قاطعاً.

وربّما يوجد في بعض النسخ : « المتصرف في فلك التدوير » ، وهو صحيح أيضاً ، وإن كانت النسخة الاُولى أصح ، والمراد به رابع أفلاك القمر ، وهو الفلك الغير المحيط بالأرض ، المركوز هو فيه ، المتحرك ـ أسفله على توالي البروج ، وأعلاه بخلافه ، مخالفاً لسائر تداوير السيارة ـ كلّ يوم ثلاث عشرة درجة وثلاث دقائق وأربعاً وخمسين ثانية. وهو مركوز في ثخن ثالث أفلاكه لمسمى بالحامل ، المباعد مركزه مركز العالم بعشر درج ، المتحرك على التوالي كلّ يوم أربعاً وعشرين درجة واثنتين وعشرين دقيقة وثلاثاً وخمسين ثانية.

وهو واقع في ثخن ثاني أفلاكه المسمى بالمائل الموافق مركزه مركز العالم ، المماسّ مقعّره محدب النار الفاضل عن الحامل الموافق له في ميل منطقته عن منطقة البروج بمُتِّمَمين متدرجي الرّقة إلى نقطتي الأوج والحضيض ، المتحرك على خلاف التوالي كل يوم إحدى عشرة درجة وتسع دقائق وسبع ثوان.

وهو واقع في جوف أول أفلاكه المسمى بالجوزهر الموافق مركزه مركز العالم ، ومنطقته منطقة البروج ، والمماسّ محدّبه مقعر ممثل عطارد ، المتحرك كالثاني كلّ يوم ثلاث دقائق واحدى عشرة ثانية.

* * *

________________________

91 : 491 / والفخر الرازي في تفسيره 31 : 27 ـ 32 بتفصيل فيهما ، وتفسير أبو السعود 9 : 96 / والبيضاوي 5 : 171 / والبحر المحيط 9 : 491 / والنهر الماد 8 : 418 / الكشاف4 : 693.

(1) مجمع البيان 5 : 430

٨٧

وهم وتنبيه :

من غرائب الأوهام ما حكم به صاحب المواقف(1) ، من أنَّ غاية الغلظ في كلّ من المتممين مساوية لبعد مركز الحامل عن مركز العالم(2) .

و هذا مما يكذبه العيان ويبطله قاطع البرهان [13 / أ] ، وكونها ضعفا له مما لا ينبغي أن يرتاب فيه من له أدنى تخيل ، ويمكن إقامة البرهان عليه بوجوه عديدة.

ويكفي في التنبيه عليه أنَّ التفاضل بين نصفي قطري الحامل والمائل بقدرما بين المركزين ، فيكون ضعف ذلك تفاضل القطرين(3) .

ولنا على ذلك برهان هندسي أوردناه في شرحنا على شرح الجغميني(4) .

والعجب من المحقق الدواني(5) كيف وفق صاحب المواقف على ذلك الوهم ،

________________________

(1) عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار ، عضد الدين الفارسيّ ، ألشافعي ، الملقب بالعضدي أوالعضد الايجي ، نسبة الى بلدة في نواحي شيراز ، أخذ عن مشايخ عصره أمثال الشيخ الهنكي ، ولازمه ، ولي القضاء للمماليك ، برع في المعقول والأصول والمعاني والعربية ، له شرح المختصر ، والمواقف في الكلام ، تلمذ عليه الكرماني ، والعفيفي ، والتفتازاني. له محنة مع صاحب كرمان حبسه على أثرها فمات في الحبس سنة 756 هـ = 1355 م.

له ترجمة في : الدرر الكامنة 2 : 322 رقم 2278 / طبقات الشافعية الكبرى 6 : 08 1 / شذراتالذهب 6 : 174 / هدية ألأحباب : 218 / بغية الوعاة 2 : 75 رقم 1476 / روضات الجنات 5 : 49 رقم 438 / معجم المؤلفين 5 : 119 / الأعلام 3 : 295 / الكنى والألقاب 2 : 472.

(2) المواقف : 208.

(3) تاتي الإشارة إلى البرهان على ذلك قريبا ، وأورد الاعتراض بصورة مفصلة مع البرهان في الكشكول 2 : 348.

(4) ألجغميني : تسمية للكتاب باسم نسبة المؤلف ، إذ اسمه الأصلي ملخص الهيئة أو الهيئة البسيطة ومؤلفه محمود بن محمد بن عمر الجغميني ، وجغمين من قرى خوارزم له شروح ولشروحه شروح منها شرح الشيخ المصنفقدس‌سره ولا زأل الشرح مخطوطا.

(5) محمد بن أسعد الصديقي الدواني ، جلال الدين الحكيم المتكلم ، من أفاضل المحققين والفلاسفة

٨٨

وأصرَّ على حقيته قائلاً : إن البرهان القائم على خلافه مخالف للوجدان فلا يلتفت إليه.

وأعجب من ذلك أنَّه استدلَّ على حقية ما زعمه حقاً بأنه لو فرض تطابق المركزين ثم حركة الحامل إلى الأوج فبقدر ما يتباعد المركزان يتباعد المحيطان(1) .

وأنت ، وكل سليم التخيل تعلمان أن دليله هذا برهان تامّ على نقيض مدّعاه ، فإيراده له من قبيل إهداء السلاح إلى الخصم حال الجدال ، وصدورمثله عجيب من مثله.

تبصرة :

لا يبعد أن تكون الإضافة في « فلك التدبير » من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف ، كقولهم مجلس الحكم ، ودار القضاء ، أي الفلك الذي هو مكان

________________________

في القرن التاسع ، سطع نجمه في بلدته شيراز مهد الفلسفة ، استبصر آخر أمره ، له كتب منها شرح هياكل ألنور ، ألأربعون السلطانية ، شرح خطبة الطوالع ، وغيرها تصل الى ألستين مؤلفاً اختلف في تاريخ وفاته فقيل : 902 ، 906 ، 907 ، 908 ، 918 ، 928 هـ = 1496 ـ 1521 م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : 154 / الضوء اللامع 7 : 133 / شذرات ألذهب 8 : 170 ، معجم المؤلفين 9 : 47 / الأعلام 6 : 32.

(1) حاصل البرهان على ما جاء في الكشكول 2 : 204 هو :

إذا تماست دأئرتان من داخل صغرى وعظمى ، فغاية البعد بين محيطيهما بقدر ضعف ما بين مركزيهما ، كدائرتي « أ ب حـ ، أ د هـ » ألمتماستين على نقطة « أ » ، وقطر العظمى « أ هـ » ، وقطر الصغرى « ا حـ » وما بين المركزين « رح ». فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » ؛ لأنا إذا توهمنا حركة الصغرى لينطبق مركزها على مركز العظمى ، ونسميها حينئذٍ دائرة « ط ي » فقد تحرك محيطها على قطر العظمى بقدر حركة مركزها فخطوط « أ ط ر ح ى » متساوية ، وخطا « أ ط ى هـ » متساويان أيضاً ، لأنهما الباقيان بعد أسقاط نصفي قطر الصغرى من نصفي قطر العظمى ، فخط « رح » ألذي كان يساوي خط « أ ط » يساوي خط « ي هـ » أيضا ، وقد كان يساوي خط « حـ ي » ، فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » وذلك ما أردناه ، والتقريب ظاهر كما لا يخفى.

لاحظ الشكل :

٨٩

التدبير ومحله ، نظراً إلى أنَّ ملائكة سماء الدنيا يدبرون أمر العالم السفلّي فيه ، أو إلى أنَّ كلاً من السيارات السبع تدبر في فلكها أمراً هي مسخرة له بأمرخالقها ومبدعها ، كما ذكره جماعة من المفسرين [13 / ب] في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (1) (2) .

و يمكن أن يراد بـ « فلك التدبير » مجموع الأفلاك التي تتدبر بها الأحوال المنسوبة إلى القمر بأسرها ، وتنضبط بها الأمور المتعلقة به بأجمعها ، حتى تشابه حركة حامله حول مركز العالم ، ومحاذاة قطر تدويره نقطة سواه إلى غيرذلك.

وتلك الأفلاك الجزئية هي الأربعة السالفة مع ما زيد عليها لحل ذينك الإشكالين ، ومع ما لعلَّه يُحتاج إليه أيضا في انتظام بعض أموره وأحواله التي ربما لم يطلع عليها الراصدون في أرصادهم ، وإنما يطلع عليها المؤيدون بنور الإمامة والولاية.

________________________

(1) النازعات ، مكية ، 79 : 5.

(2) تقدمت الإشارة إليهم في الهامش رقم « 5 » صحيفة : 15 وقد جاء في هامش الأصل ما لفظه :

روى الشيخ الجليل أبو علي في تفسيره الصغير [ جمع الجوامع 2 : 600] قولاً : بان المقسّمات فيقوله تعالى « فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا » [ الذاريات ، مكية ، 51 : 4 ] هي الكواكب ، منه. قدّس سرّه.

٩٠

وحينئذٍ يراد بالتدبير التدبير الصادر عن الفلك نفسه ، وتكون اللام فيه للعهد الخارجي ، أي التدبير الكامل الذي ينتظم به جميع تلك الأمور ، والله أعلم.

تتمة :

لا يبعد أن يراد بـ « فلك التدبير » الفلك الذي يدبره القمر نفسه ، نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أن كلّ واحد من السيارات السبع مدبِّر لفلكه ، كالقلب في بدن الحيوان.

قال سلطان المحققين ، نصير الملة والحق والدين قدس الله روحه ، في شرح الإشارات : ذهب فريق إلى أن كل كوكب منها ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة ، تتعلق بالكوكب أول تعلقها ، وبأفلاكه بواسطة الكوكب ، كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أولاً ، وبأعضائه الباقية بعد ذلك ، فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه ، التي هي كالجوارح والأعضاء الباقية(1) ، انتهى كلامه زيد إكرامه.

ويمكن أن يكون هذا هومعنى ما أثبته له [14 / أ]عليه‌السلام من التصرف في الفلك ، والله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين.

خاتمة :

خطابهعليه‌السلام للقمر ، ونداؤه له ، ووصفه إيَّاه بالطاعة والجد ، والتعب والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة وإدراك ، ولا استبعاد في ذلك نظراً إلى قدرة الله تعالى ، إلّا أنّه لم يثبت بدليل عقليّ قاطع يشفي العليل ، أو نقليّ ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به ، وقد يُستند في ذلك بظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسِ

________________________

(1) شرح الإشارات والتنبيهات 2 : 32.

٩١

وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (1) ، فإن الواو والنون لا تستعمل حقيقة لغير العقلاء.

و قد أطبق الطبيعيون على أنَّ الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة ، مطيعة لمبدعها وخالقها ، وأكثرهم على أنَّ غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه ، والتقرب إليه جل شأنه ، وبعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آناً فآنا ، فهي من قبيل هزَّة الطرب والرقص الحاصل من شدّة السرور والفرح.

و ذهب جمّ غفير منهم إلى أنه لا ميت في شيء من الكواكب أيضا ، حتى اثبتوا لكلّ واحد منها نفساً على حِدَة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا(2) في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه(3) وحكم به في النمط السادس من الإشارات(4) ، ولو قال به قائل لم يكن مجازاً ، فإن كلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب ، إلاّ إنه يصلح للتأييد.

و لم يرد في الشريعة المطهرة ـ على الصادع بها وآله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ـ ما ينافي ذلك القول ، ولا قام دليل عقليّ على بطلانه.

وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فما دونها حياة ، فأيّ مانع من أن

________________________

(1) الأنبياء ، مكية ، 21 : 33.

(2) ابن سينا ، الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري ، أبو علي الملقب بالشيخ الرئيس ، الفيلسوف الشهير ، نادرة الزمان ، أعجوبة الدهر ، له مشاركة في أغلب العلوم والفنون ، افتى على المذهب الحنفي وعمره اثنتا عشرة سنة ، صنف القانون في الطب ولما يبلغ السابعة عشرة ، له الشفاء ، والإشارات ، وغيرها كثير ، أخذ الفقه عن أسماعيل الزاهد ، والفلسفة والمنطق ، عن النائلي ، وأعتمد على نفسه في حل أكثر المطالب ، مات سنة 427 وقيل 28 هـ = 1035 ـ 1036 م.

له ترجمة في روضات الجنات 3 : 170 ت 268 / وفيات الأعيان 2 : 157 ت 190 / مرآة الجنان 3 : 47 / الكنى وألألقاب 1 : 320 / عيون الأنباء : 437 / خزانة ألأدب 4 : 466 / لسان الميزان 2 : 291 ت 1218 / سير أعلام النبلاء 17 : 531 ت 356 / الجواهر المضية 2 : 63 / البداية والنهاية12 : 42 / ميزان ألاعتدال 1 : 539 ت 2014 / دائرة ألمعارف الاسلامية 1 : 203 / وغيرها كثير.

(3) الشفاء 2 : 45 ، الفصل السادس ، حركات الكواكب من السماء والعالم ، قسم الطبيعيات.

(4) الاشارات والتنبيهات 2 : 34.

٩٢

يكون لمثل تلك الأجرام الشريفة أيضاً ذلك.

وقد ذهب جماعة إلى أنَّ لجميع إلأشياء نفوساً مجرَّدة ونطقاً ، وج علوا قوله تعالى :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) (1) محمولاً على ظاهره.

وليس غرضنا من هذا الكلام توجيح القول بحياة الأفلاك ، بل كسر سورة استبعاد المصرين على ، إنكاره وردّه ، وتسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوّزه.

وقد قدمنا في فواتح هذا هذا الشرح ـ الذي نسأل الله أن يوفقنا لإتمامه ـ كلاماً مبسوطاً في هذا [ 14 / ب ] الباب ، ذكرنا ما قيل فيه من الجانبين(2) ، والله الهادي.

* * *

________________________

(1) الاسراء ، مكية ، 17 : 44.

(2) هذا وغيره كثير مما يأتي يدل على أنه كتب غير هذا الشرح أيضا لباقي الأدعية ، ولكن لم تصل الينا لحد ألآن ، نسأل الله التوفيق للعثور على الباقي.

٩٣

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام :

« امنت بمن نوّر بك الظُلمَ ، وأوضح بك البُهَم ، وجعلك آية من ايات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والاُفول ، والإنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ».

« الإيمان » ، وان اختلفت الاُمة في أنه التصديق القلبي وحده ، أو الإقرار اللساني وحده ، أو كِلا الأمرين معا ، أو أحدهما ، أو مع العمل الأركاني ، كما تقدم تفصيله وتحقيق الحق فيه في فواتح هذا الشرح(1) .

________________________

(1) الإيمان في اللغة هو التصديق أو إظهار الخضوع والقبول. يقال : آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمنت به ، اي صدقته وأظهرت له الخضوع والقبول لما يقوله.

انظر : الصحاح 5 : 2071 / القاموس 1518 / مجمل اللغة 1 : 102 / ومعجم مقاييس اللغة.

وبتفصيل في لسان العرب 13 : 23.

وفي عرف أهل الكلام من ألمسلمين على أربعة معان هي :

1 ـ الإيمان : فعل قلبي ، وهو قسمان :

أ ـ تصديق خاص أي تصديق الرسول الأعظم بما جاء به من الله تعالى مع حفظ المظاهر ـ إجمالاً أوتفصيلاً ـ ذهب إليه الأشاعرة والماتريديه ، ومن المعتزلة الصالحي وابن الراوندي.

ب ـ معرفة الله تعالى مع توحيده بالقلب ، وأضاف قسم منهم : وما جاء به الرسل. والإقرار اللساني بركن فيه عندهم. ذهب إليه الجهمية ، وبعض الفقهاء.

2 ـ الإيمان عمل لساني ، وهو قسمان :

أ ـ إضافة المعرفة القلبية ، واليه ذهب غيلان الدمشقي.

ب ـ الإيمان مجرد الإقرار اللساني لا غير ، واليه مال الكرامية.

٩٤

.............................................................................

________________________

3 ـ الإيمان عمل القلب واللسان معا ، وفيه أقوال :

أ ـ إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، واليه ذهب أبو حنيفة ، وأغلب الفقهاء ، وقسم من المتكلمين.

ب ـ تصديق بالقلب واللّسان معاً ، وهو قول الأشعري ، والمريسي.

ج ـ اقرار باللسان واخلاص بالقلب.

4 ـ الإيمان فعل بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، واليه ذهب أصحاب الحديث ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والاوزاعي ، والمعتزلة ، والخوارج ، والزيدية.

ولآراء الجميع تفصل في كتبهم.

هذا ، وما لنا ولأقوألهم وآرائهم ، هاك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان : معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان » نهج البلاغة ، الحكمة 227.

وقول الإمام الصادق عليه السلام :

« ليس الإيمان بالتحلّن ، ولا بالتمنّي ، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال ».

وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الإيمان قول وعمل أخوان شريكان ».

وقول الإمام الرضا عليه السلام :

« الإيمان : عقد بالقلب ، ولفظ باللّسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون ألإيمان إلّا هكذا ».

ولا يخفى أنَّ الإيمان أمر ـ مفهوم ـ إعتباري ، قابل للزيادة والنقصان ، والشدّة وألضعف ، وعليه شواهد من القران الكريم والروايات.

والاسلام : يتحقق بإظهار الشهادتين فقط لا غير ، فتكون النسبة بينه والإيمان هي العموم والخصوص المطلق ، إذ كل مؤمن مسلم وزيادة. وليس كلّ مسلم مؤمنا. والقرآن الكريم شاهد عليه ، قال الثه تعالى : «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم » [ الحجرات ، مدنية ، 49 : 14]

وهكذا قول الإمام الصادق عليه السلام : « الإسلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله (ص) ؛ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس. والايمان : الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل ، وألإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ».

وإلى الفرق بينهما اشار عليه السلام كما في الكافي « الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلاعمل ».

هذا هو رأي الشيعة الإمامية الإثني عشرية بنحو الإجمال ، وللتوسعة في جميع ما تقدم ينظر :

الكافي 2 : 24 ـ 28 / معاني الأخبار : 186 ، باب معنى الاسلام والايمان / حق اليقين للسيد شبر2 : 331 بتفصيل لطيف / تفسير ألقرآن الكريم للمولى الشيرازي 1 : 245 / بحار الأنوار65 : 225 ـ 309 / إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : 436 / تجريد الاعتقاد : 309 / كشف

٩٥

إ لَّا أنَّ الإيمان المعدى بالباء لا خلاف بينهم في أنَّه التصديق القلبي بالمعنى اللغوي.

و « النور » والضوء مترادفان لغة ، وقد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشيء ضوءاً ، وإن كانت مستفادة من غيره نورا ، وعليه قوله تعالى :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا ) (1) .

و « الظُلَم » : جمع ظلمة ، ويجمع على ظُلُمات أيضاً ، وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا(2) .

و « البُهَم » ـ بضم الباء الموحدة وفتح الهاء ـ : جمع بُهْمة ، بضم الباء وإسكان الهاء ، وهي مما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً(3) .

و « الآية » : العلامة.

و « السلطان » : مصدر بمعنى الغلبة والتسلط ، وقد يجىء بمعنى الحجة والدليل ، لتسلطه على القلب وأخذه بعنانه.

و « المِهْنة » ـ بفتح الميم ، وكسرها ، واسكان الهاء ـ : الخدمة والذل والمشقة ، والماهن : الخادم.

و « امْتهنه » : استعمله في المهنة.

و « طلوع » الكوكب : ظهوره فوق الأفق أومن تحت شعاع الشمس.

________________________

المراد : 454 / توضيح المراد : 874 / تفسير القمي 1 : 30 / مقالات الاسلاميين : 132 / 266 / الفصل في الملل والنحل 3 : 225 / 39 / الذريعة إلى مكارم الشريعة 1 : 126 ـ 130 / فتح القدير 1 : 34 / الكشاف 1 : 37 / كشاف اصطلاحات الفنون 1 : 94 / المفردات : 25 / حاشية الكنبوي على شرح الجلال 1 : 195. وغيرها من كتب الكلام والتفاسير في تفسير الآية 3 منسورة البقرة.

(1) يونس ، مكية ، 10 : 5.

(2) الصحاح 5 : 1978 / تاج العروس 8 : 374 / المفردات : 315. وانظر للتفصيل ، لسان العرب12 : 377.

(3) معجم مقاييس اللغة 1 : 311 / تاج العروس 8 : 206 / لسان العرب 12 : 56.

٩٦

« وافوله غروبه تحته ».

و « الكسوف » ، زوال الضوء عن الشمس أو القمر للعارض المخصوص ، وقد يفسر الكسوف بحجب القمر ضوء الشمس عنّا ، أو حجب الأرض ضوءالشمس عنه ، وهو تفسير للشيء بسببه.

و قال جماعة من أهل اللغة : الأحسن أن يقال في زوال ضوء الشمس كسوف ، وفي زوال ضوء القمر خسوف(1) [15 / أ] ، فإن صحّ ما قالوه فلعلهعليه‌السلام أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس والقمر لا المختص بالقمر وهو الخسوف ، ليكون خلاف الأحسن(2) فتدبر.

و لا يخفى أنَّ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشمس أيضاً ، فانه هوالساتر لها ، ولما كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختارهعليه‌السلام ، والله أعلم.

كشف نقاب :

لمّا افتتحعليه‌السلام الدعاء بخطاب القمر ، وذكر أوصافه وأحواله ، منالطاعة والجدّ والسرعة ، والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، وأراد أنيذكر جملاً اُخرى من أوصافه وأحواله سوى ما مر ؛ جرى عليه « السلام على النمط الذي افتتح عليه الدعاء من خطاب القمر ، ونقل الكلام من أسلوب إلى آخر ؛ على ما هودأب البلغاء المفلقين من تلوين الكلام في أثناء المحاورات كما ذكره صاحب المفتاح في بحث الالتفات(3) ؛ وجعل تلك الجمل ـ مع تضمنها لخطاب القمر وذكر أحواله ـ موشحة بذكر الله سبحانه ، والثناء عليه جلَّ شأنه ، تحاشيا

________________________

(1) ينظر صحاح اللغة 4 : 1350 و 1421 / القاموس : 1097 / تاج العروس 6 : 84 ، 232 / وانظر المفردات : 148 المواد ( خسف ، كسف ).

(2) والذي جعله أهل اللغة خلاف الأحسن هو إطلاق الكسوف على الخسوف ، وحده الأعلى الأمر الشامل له ولغيره ، وهذا كما قالوه : من أنَّ تعدية ألصلاة بعلى إذا أُريد بها مجموع المعاني الثلاثة لاتدل على التضمنية. ( منه ).

(3) مفتاح العلوم : 86 ، 181.

٩٧

عن أنْ يتمادى به الكلام خالياً عن ذكر المفضل المنعام ، فقال : « آمنت بمن نوّربك الظلم » إلى آخره ، معبّراً عن المؤمَن به جلَّ شأنه بالموصول ليجعل الصلة مشعرة ببعض أحوال القمر ، ويعطف عليها الأحوال الاُخر فتتلائم جمل الكلام ، ولا تخرج عن الغرض المسوق له من بيان تلك الأوصاف والأحوال.

و التعبير بالنكرة الموصوفة وإن كان يحصل به هذا الغرض أيضاً إلَّا أن المقام ليس مقام التنكيركما لا يخفى.

فإن قلت : مضمون الصلة لا بدَّ أن يكون أمراً معلوماً للمخاطب ، معهوداً بينه وبين المتكلم انتسابه إلى الموصول قبل ذكر الصلة ، ولذلك لم يجز كونها إنشائية كما قرروه ، والمخاطب هنا هو القمر وهو ليس من ذوي العلم فكيف يلقى إليه الموصول مع الصلة؟.

قلت : كونه من غيرذوي العلم ليس أمرا مجزوماً به ، وقد مر الكلام فيه قبيل هذا(1) ، سلّمنا ، لكن تنزيل غير العالم منزلة العالم لاعتبار مناسب غيرقليل في كلام البلغاء ، فليكن هذا منه ، على أنَّ التنزيل المذكور لا مندوحة عنه في أصل نداء القمر وخطابه ، فإن الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، فلا بدّ من تنزيله منزلة من يفهم.

و اللام في « الظُلِّم » للاستغراق ، أعني : العرفي منه لا الحقيقي ، والمراد الظُلّم المتعارف تنويرها بالقمر ، من قبيل جمع الأمير الصاغة.

ويمكن جعله للعهد الخارجي.

و الحق أن لام الاستغراق العرفي ليست شيئا وراء لام العهد الخارجي ، فإن المعرف بها هوحصة معينة من الجنس أيضاً ، غايته أنَّ التعيين فيها نشأ من العرف ، وقد أوضحت هذا في تعليقاتي على المطول(2) .

________________________

(1) انظر صحيفة : 91 ، بحث « خاتمة ».

(2) مخطوط لم ير النور بعد.

٩٨

تتمة : [15]

ا لتنكير في قولهعليه‌السلام : «وَجَعَلَكَ آيةً من آيات مُلكِهِ » ، يمكن أن يكون للنوعيّة ، كما قالوه في قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) (1) (2) ، والأظهر أن يُجعل للتعظيم.

فإن قلت : احتمال التحقير أيضاً قائم ، وهذا كما قالوه في قوله تعالى :( إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) (3) : إنّ التنكير فيه يحتمل التعظيم والتحقير معاً ، أي عذاب شديد هائل ، أو عذاب حقير ضعيف ، فلمطويت عنه كشحاً!؟.

قلت : الاحتمالان في الآية الكريمة متكافئان بحسب ما يقتضيه الحال ، فلذلك جوزهما علماء المعاني من غيرترجيح ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الحمل على التحقير وان كان لا يخلو من وجه ـ أيضاً ـ نظراً إلى ما هو أعظم منه من آيات ملكه جلَّ شأنه ، إلَّا أنَّ الحمل على التعظيم كأنَّه أوفق بالمقام ، وأنسب بمقتضى الحال ، فلذلك ضربت عن ذكره صفحاً.

وإن أبَيْت إلَّا أن تساوي الأمرين في ذلك فلا مشاحة معك ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

و قولهعليه‌السلام : « وامتهنك » إلى آخره ، مبين ومفسّر للآية والعلامة ، وكون إحدى الجملتين مبيناً ومفسراً لبعض متعلقات الاُخرى لا يوجب كمال الاتصال بينهما المقتنر لفصلها عنها ، إنَّما الموجب له أن تكون الثانية مبينة وكاشفة عن نفس الأولى ، كما في قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ

________________________

(1) البقرة ، مدنية ، 2 : 7.

(2) أنظر الكشاف للزمخشري 1 : 53.

(3) مريم ، مكية ، 19 : 45.

٩٩

يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) (1) فان القول المذكور مبين للوسوسة وكاشف عنها.

وأما امتهان القمر بالأمور المذكورة فهو نفس علامة الملك والسلطنة ، لانفس جعله علامة لهما ، فلا مانع من وصل جملته بجملة الجعل فتدبر ، على أنّ أحوال القمر التي هي علاماتٌ لملكه وسلطانه جلَّ شأنه ليست منحصرة في الامتهان بالأمور المذكورة بل لها أفراد أُخر ، وكذلك الجعل المذكور ، فوصل جملة الامتهان بما قبلها يجري مجرى عطف الخاص على العام كما لا يخفى.

وتقديم الظرفين في قولهعليه‌السلام : » أنت له مطيع وإلى إرادته سريع « للدلالة على الاختصاص ، كما في قوله تعالى :( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (2) .

ويمكن أن يكون رعاية السجع أيضاً ملحوظة ، والله أعلم [16 / أ].

إيضاح :

الباء في قولهعليه‌السلام « نوّر بك الظُلَم » إما للسببية أو للالة.

ثم إنَّ جعلنا الضوء عرضاً قائماً بالجسم ـ كما هو مذهب أكثر الحكماء(3) ، ومختار سلطان المحققين قدّس الله روحه في التجريد(4) ـ فالتركيب من قبيل سوّدت الشيء وبيّضته ، أي صيرته متصفاً بالسواد والبياض.

و إن جعلناه جسما ـ كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء ـ فالتركيب من قبيل لبّنته وتمرته ، أي صيّرته ذا لبن أو تمر(5) .

________________________

(1) طه ، مكية ، 120 : 20.

(2) التغابن ، مدنية ، 64 : 1.

(3) منهم الفخر الرازي ، انظر التفسير الكبير 17 : 35.

(4) تجريد الاعتقاد : 167.

(5) للتوسعة في بحث الضوء أُنظر مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار 1 : 245 ، كشّاف اصطلاحات

١٠٠

وفوق ذلك كانوا يبرهنون على صحة نبوتهم بالمعاجز الباهرة والبراهين القاطعة؟

خامسا: الردّ على الصابئة:

ثم وصلت النوبة إلى عمران الصابى ء، وكان واحدا من المتكلمين، فسأل الإمامعليه‌السلام عن الكائن الأول وعمّا خلق.

قالعليه‌السلام : «سألت فافهم، أمّا الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ولايزال كذلك واعلم يا عمران أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجةٍ لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق لأنَّ الأعوان كلَّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يُحدث من الخلق شيئا إلاّ حدثت فيه حاجةٌ اُخرى، ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجةٍ، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضَّل بعضهم على بعض، بلا حاجةٍ منه إلى من فَضَّل، ولا نقمةٍ منه على من أذلَّ، فلهذا خَلقَ.

وتطرق معه في النقاش لمسائل مختلفة في توحيد اللّه وأسفرت هذه المناظرة عن اعتراف عمران الصابى ء بصواب أجوبة الإمام الرضاعليه‌السلام على أسئلته الحساسة والمختلفة، وعلى إثر ذلك أعلن إسلامه أمام المأمون مخاطباً الإمام الرضاعليه‌السلام بقوله: قد فهمتُ وأشهدُ أنَّ اللّه على ما وصفتهُ ووحدتهُ، وأنَّ محمدا عبدهُ المبعوث بالهدى ودين الحقِّ، ثمّ خرَّ ساجدا نحو القبلة وأسلَمَ.

قال الحسنُ بن محمد النَّوفليّ: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابى ء، وكان جدلاً لم يقطعه عن حجّته أحد قط، لم يدنُ من الرِّضاعليه‌السلام

١٠١

أحد منهم ولم يسألوه عن شيءٍ، وأمسينا فنهض المأمون والرِّضاعليه‌السلام فدخلا وانصرف الناس(١) .

ويلاحظ أن الإمامعليه‌السلام قد اتبع المنهج العقلي مع غير أهل الكتاب كأصحاب زرادشت ورؤساء الصابئين، وذلك لأن هؤلاء لا يؤمنون بالنقل أو النصوص من حيث الأساس.

سادسا: الرَّد على الزنادقة

وإذا أمعنا النظر في طريقة حواره مع الزنادقة نجد أنه اتبع معهم ذات المنهج الأخير - أي المنهج العقلي - لعدم إيمان هؤلاء باللّه تعالى وكتبه وأنبيائه، وكان يتبع مع أمثال هؤلاء أسلوب (التداول الحرّ للأفكار)، يتّضح لنا ذلك من خلال حوار الإمامعليه‌السلام مع أحد الزنادقة:

عن محمد بن عبد اللّه الخراساني، خادم الرضاعليه‌السلام ، قال: دخل رجل من الزنادقة على الرضاعليه‌السلام وعنده جماعة، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : «أرأيت إن كان القول قولكم، وليس هو كما تقولون، ألسنا وإياكم شرع سواء، ولا يضرّنا ما صلينا وزكينا وأقررنا؟ » فسكت، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : «وإن يكن القول قولنا، وهو قولنا، وكما نقول، ألستم قد هلكتم ونجونا؟ ».

قال: رحمك اللّه فأوجدني كيف هو؟ وأين هو؟ قال: «ويلك، إن الذي ذهبت إليه غلط، وهو أيّن الأين ولا أين، وكيّف الكيف وكان ولا كيف، فلا يُعرف بكيفوفية، ولا بأينونية، ولا يدرك بحاسة ولا يُقاس بشيء ».

قال الرجل: فإذن انه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس!

__________________

(١) التوحيد: ٤١٧ - ٤٤٠، باب (٦٥).

١٠٢

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : «ويلك إذا عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن ادراكه أيقنّا انه ربنا، وأنه شيء بخلاف الأشياء ».

قال الرجل: فأخبرني متى كان؟!

قال أبو الحسنعليه‌السلام : «أخبرني متى لم يكن، فأخبرك متى كان؟! ».

قال الرجل: فما الدليل عليه؟

قال أبو الحسنعليه‌السلام : «إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجرّ المنفعة اليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا، فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أن لهذا مقدّرا ومنشأً ».

قال الرجل: فلم احتجب؟

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : «إنّ الحجاب على الخلق، لكثرة ذنوبهم، فأما هو فلا يخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار ».

قال: فلم لا تدركه حاسة الأبصار؟

قال: «للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار منهم ومن غيرهم، ثم هو أجلّ من أن يدركه بصر أو يحيطه وهم أو يضبطه عقل ».

قال: فحده لي؟

قال: «لا حدّ له »، قال: ولم؟

قال: « لأن كل محدود متناه إلى حدّ، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة، واذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود ولا متزايد

١٠٣

ولا متناقص ولا متجزيء ولا متوهَّم »(١) .

نستخلص من هذا النص ومما سبقه أن الإمامعليه‌السلام كان يحاجج الخصوم بصدر رحب وطول نفس، وبأسلوب يتناسب مع عقلية الخصم سواء كان من أهل الكتاب أو غيرهم ليلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.

المبحث الثاني: حواراته مع أهل الإسلام

لم يهدف الإمام الرضاعليه‌السلام من مناظراته وخاصة مع أهل الإسلام إلى كسب المناظرة والحوار، وإنما إلى إيصال الحقيقة الدينية الصحيحة، وتنقية العقيدة الإسلامية من كل الشوائب التي لحقت بها والشبهات التي تثار حولها، خصوصا بعد أن اختلط الحقّ بالباطل، والتبست السنّة بالبدعة. والملاحظ أنه اعتمد في مناظراته مع أهل الإسلام على المنهج النقلي - من قرآن وسنّة نبوية - بصورة أساسية. وكان ينتزع إجاباته من هذين المصدرين بدون تكلف أو اعتساف في تحميل النصوص. علما بأن المأمون قد جهد منذ البداية على إحراج الإمام الرضاعليه‌السلام أمام أهل الأديان والملل المختلفة الذين حشدهم من كل ملة ومكان لأجل هذه الغاية.

ولكنه خابت ظنونه بأهل الأديان وخسر الصفقة، ومن هنا حاول أن يعيد التجربة، فحشد له - هذه المرّة - أبرز علماء الإسلام ومتكلميه، أمثال: علي بن محمد بن الجهم ويحيى بن الضحاك السمرقنديّ وسليمان المروزيّ، وكان العالمان الأخيران من أبرز علماء خراسان في ذلك الزمان.

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ١٢٠، ح ٢٨، باب (١١).

١٠٤

وكان المأمون يأمرهم بإثارة مواضيع حساسة مع الإمام الرضاعليه‌السلام ، كمسألة عصمة الأنبياء، ومسألة الإمامة، والبداء، وما إلى ذلك.

أولاً: مناظرتهعليه‌السلام حول عصمة الأنبياءعليهم‌السلام

يعتقد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أن الأنبياء (صلى اللّه عليهم) معصومون، بمعنى عدم اقترافهم جريمة ولا ذنب ولا خطيئة حتى الغلط والخطأ والسهو والغفلة والنسيان. ومعصومون كذلك عن كل ما ينفي الحشمة والكرامة منذ ولادتهم وإلى وفاتهم. والشيعة الإمامية يقولون بعصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها، ويستدلّون على وجوب عصمتهم بأدلّة عقلية عديدة.

ولما كان بعض المسلمين يجوّز صغائر الذنوب على الأنبياء، كالمعتزلة، والبعض الآخر كالأشعرية والحشوية يُجوز ارتكابهم الكبائر فضلاً عن الصغائر، إلاّ الكفر والكذب، ويستدلون على ذلك بظواهر بعض الآيات القرآنية.

وجد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أن هذا الفهم يتصادم مع العقل ولا يليق بمكانة الأنبياءعليهم‌السلام ومنزلتهم، ويترك آثارا سلبية على العقيدة الإسلامية، فقاموا، وهم تراجم القرآن، ببيان شافٍ لجميع الآيات التي يظهر منها نسبة الخطأ أو المعصية للأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، وقد قام إمامنا الرضاعليه‌السلام بإماطة الستار عن المعاني القرآنية الحقيقية التي تتحدّث عن الأنبياء والرُّسل، وبدّد ضباب الغبش والتشويش وسوء الفهم الذي حجب دلالاتها.

عن أبي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضاعليه‌السلام

١٠٥

أهل المقالات، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنه أُلقم حجرا، قام إليه علي بن محمد بن الجهم، فقال له: يابن رسول اللّه أتقول بعصمة الأنبياء؟

قال: «نعم ».

قال: فما تعمل في قول اللّه عزّوجلّ:( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) (١) وفي قوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (٢) وفي قوله عزّوجلّ في يوسفعليه‌السلام :( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) (٣) وفي قوله عزّوجلّ في داودعليه‌السلام :( وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ) (٤) وقوله تعالى في نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ ) ؟(٥) .

فقال الرضاعليه‌السلام : «ويحك يا علي، اتقِ اللّه ولا تنسب إلى أنبياء اللّه الفواحش، ولا تتأوّل كتاب اللّه برأيك، فإنّ اللّه عزّوجلّ قال: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٦) .

وأما قوله عزّوجلّ في آدم عليه‌السلام : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) فإن اللّه عزّوجلّ خلق آدم حجّة في أرضه وخليفته في بلاده لم يخلقه للجنّة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض وعصمته يجب أن تكون في الأرض ليتمّ مقادير أمر اللّه، فلما أهبط إلى الأرض وجعل حجّة وخليفة

__________________

(١) سورة طه: ٢٠ / ١٢١.

(٢) سورة الأنبياء: ٢١ / ٨٧.

(٣) سورة يوسف: ١٢ / ٢٤.

(٤) سورة ص: ٣٨ / ٢٤.

(٥) سورة الأحزاب: ٣٣ / ٣٧.

(٦) سورة آل عمران: ٣ / ٧.

١٠٦

عُصم بقوله عزّوجلّ:( إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) »(٢) .

وعلى هذا السياق أجابعليه‌السلام عن التهمة الشنيعة التي نسبت إلى داودعليه‌السلام من أنه اطلع في دار قائده «أوريا» فعشق امرأته فقدّمه أمام التابوت في المعركة فقُتِل وتزوّج بامرأته! فنسبوا داودعليه‌السلام - زورا وبهتانا - إلى الفاحشة ثمّ القتل.

كما كشف عن سبب إخفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بنفسه من أمر زواجه بزينب بنت جحش فقد أطلعه اللّه تعالى على أسماء أزواجه فوجد اسم زينب مع أسمائهن وكانت تحت زيد بن حارثة فخشي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المنافقين إن أخبر عن ذلك، فعاتبه تعالى بقوله:( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللّه أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) (١) . وليس في هذا ذنب أو ارتكاب معصية.

ومن المناسب التذكير بأن أحاديث أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في تنزيه الأنبياء كثيرة مبثوثة في كتب الحديث والتفسير، ومنها استقى السيد الشريف المرتضى ردوده في كتابه (تنزيه الأنبياء).

وفي رواية أخرى أجاب الإمامعليه‌السلام على سؤال علق بذهن المأمون حول طلب موسىعليه‌السلام من ربه الرؤية، مع علمه باستحالة رؤيته تعالى بالأبصار؟!، فقال الرِّضاعليه‌السلام : «إنَّ كليمَ اللّه موسى بن عمران عليه‌السلام عَلِمَ أنَّ اللّه تعالى عن أن يُرى بالأبصار، ولكنه لمّا كلَّمه عزَّوجلَّ وقرَّبه نجيّا رجع إلى

__________________

(١) سورة آل عمران: ٣ / ٣٣.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ١٩١ / ١ باب (١٤).

(٣) سورة الأحزاب: ٣٣ / ٣٧.

١٠٧

قومه فأخبرهم أنَّ اللّه عزَّ وجلَّ كلَّمه وقرَّبه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى سمع كلامهُ كما سمعت فاختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربِّه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسىعليه‌السلام إلى الطُّور وسأل اللّه تبارك وتعالى أن يُكلّمه ويُسمعهم كلامه، فكلَّمه اللّه تعالى ذكره وسمعوا من فوقٍ وأَسفلَ ويمينٍ وشمالٍ ووراءٍ وأمام، لأن اللّه عزَّوجلَّ أحدثهُ في الشَّجرةِ، ثم جعلهُ منبعثا منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

فقالوا: لن نؤمنَ لكَ بأَنَّ هذا الَّذي سمعناه كلام اللّه حتى نرى اللّه جهرةً!! فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث اللّه عزَّوجلَّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظُلمهم فماتوا، فقال موسى: يا ربِّ ما أقولُ لبني إسرائيلَ إذا رجعتُ إليهم وقالوا: إنَّك ذهبت بهم فقتلتهم لأنَّكَ لم تكن صادقا فيما ادَّعيت من مناجاة اللّه إياك؟ فأحياهم اللّه وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت اللّه أن يُريك أن تنظرَ إليه لأجابك وكنت تُخبرنا كيف هو فنعرفهُ حقَّ معرفته.

فقال موسىعليه‌السلام : يا قوم إنَّ اللّه لا يُرى بالأبصار ولا كيفيَّة له، وإنَّما يُعرفُ بآياته ويُعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتّى تسألهُ، فقال موسىعليه‌السلام : يا ربِّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى اللّه جلَّ جلاله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخِذكَ بجهلهم، فعند ذلك قال موسىعليه‌السلام :( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ) وهو يهوي( فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ) بآيةٍ من آياته( جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ) يقولُ: رجعتُ إلى معرفتي بك عن جهلِ قومي( وَأَنا

١٠٨

أَوَّلُ الْمُؤمِنِينَ ) (١) منهم بأنّك لا تُرى »، فقال المأمون: للّه دَرُّك يا أبا الحسن(٢) .

ثانيا: مناظرتهعليه‌السلام حول الإمامة

تمثل الإمامة معلما أساسيا من معالم الإسلام، التي بينها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأمة إكمالاً للدين وإتماما للنعمة. وهي تمثل - من جانب آخر - لبنة أساسية في بنية الفكر الإسلامي عامة والشيعي على وجه الخصوص، لا سيما إذا ما عرفنا بان التشيع هو تجسيد لمبدأ الإمامة.

وفي ظل التجميد المتعمد لإطروحة الإمامة، حاول الأئمةعليهم‌السلام الاحتفاظ بهذه الإطروحة حية في وعي الأمة ولو على المستوى النظري، لأن غيابها من ذاكرة الأمة تأكيد لحالة المصادرة وإلغاء لهذا المفهوم الهام من منظومة الأفكار والمفاهيم المتحركة في واقع التصور الإسلامي.

وكنا قد ذكرنا في الفصل الثالث موقف الإمام الرضاعليه‌السلام من الإمامة، ويهمّنا هنا أن نستشهد بنماذج من مناظراته حول موضوع الإمامة كشاهد على ذلك.

وصف الرّيان بن الصلت مجلساً للمأمون بمرو، وقد اجتمع فيه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان، وتطرّق الحديث لعدّة محاور تتعلّق بإمامة أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم، هي:

__________________

(١) سورة الأعراف: ٧ / ١٤٣.

(٢) كتاب التوحيد، الصّدوق: ١٢١، ح ٢٤، باب (٨).

١٠٩

١ - الفرق بين العترة والأمة

دار الحوار حول تفسير بعض الآيات القرآنية التي تدل على أفضلية ومكانة أهل البيتعليهم‌السلام وبالتالي أهليتهم للإمامة، ولكنها فُسِّرت على غير معناها الحقيقي، وضُرب حولها سور هائل من التعتيم، فأزال إمامنا سوء الفهم الحاصل، وحدّدَ المعنى المراد.

والملاحظ أنه استعمل المنهج «النقلي» معتمدا على القرآن والسنة، ومستعملاً في التفسير منهج «التفسير الموضوعي» وليس المنهج التجزيئي الذي ينظر للآية بمعزل عن الآيات الأخرى، وقد مرّ نص هذا الحوار في الفصل الثالث، وعرفنا كيف احتج الإمامعليه‌السلام بنصوص كثيرة من القرآن الكريم تلاها على مسامع المأمون ومن كان معه بكل بسالة ولم يأبه بالمأمون ولا بحاشيته أو مخالفيه في العقيدة.

٢ - استعراض الآيات الدالة على اصطفاء الأئمةعليهم‌السلام

ثمّ طلب منه العلماء أن يستشهد بآيات تدل على اصطفاء اللّه تعالى لآل البيتعليهم‌السلام في الكتاب، فذكر اثنتا عشرة آية تدل على ذلك: منها (آية الإنذار) و (آية التطهير) و (المباهلة) وعند آية (المودّة في القربى) قال: « وهذه خصوصية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة وخصوصية للآل دون غيرهم، وذلك ان اللّه عزّوجلّ حكى في ذكر نوح في كتابه:( وَيَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُم عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّه ) (١) وحكى عزّوجلّ عن هود انه قال:( يَاقَوْمِ

__________________

(١) سورة هود: ١١ / ٢٩.

١١٠

لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَني أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) (١) وقال عزّوجلّ لنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ ) يا محمد( لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) ولم يفرض اللّه تعالى مودّتهم إلاّ وقد علم انهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا فأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه؟ »(٣) .

والمفارقة العجيبة أنه في الوقت الذي يقرع فيه الإمامعليه‌السلام أسماعهم بهذه الاستدلالات والشواهد القرآنية البديعة التي لاينكرها إلاّ أعمى أو معاند، قالت العلماء: يا أبا الحسن، هذا الشرح وهذا البيان لايوجد إلاّ عندكم معاشر أهل بيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

فقال: « ومن ينكر لنا ذلك ورسول اللّه يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها؟ ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلاّ معاند للّه عزّوجلّ »(٤) .

٣ - مكانة آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ربّهم عزّوجلّ

من اللفتات القرآنية البديعة التي تكشف عن عمق إمامنا المعرفي بالقرآن وكونه أحد تراجمته، جوابه البديع للمأمون عندما طلب منه أن يستدل على مكانة الآل في القرآن حتى يكون ألزم للخصم مما تقدم، فقال

__________________

(١) سورة هود: ١١ / ٥١.

(٢) سورة الشورى: ٤٢ / ٢٣.

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢١٧، ح ١، باب (٢٣).

(٤) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢١٧، ح ١، باب (٢٣).

١١١

أبو الحسنعليه‌السلام : «نعم، أخبروني عن قول اللّه عزّوجلّ: ( يسآ * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (١) فمن عني بقوله يس؟ ».

قالت العلماء: يس محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشك فيه أحد.

قال أبو الحسن: «فإن اللّه عزّوجلّ أعطى محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لا يبلغ أحد كنه وصفه إلاّ مَن عقله، وذلك أن اللّه عزّوجلّ لم يُسلم على أحد إلاّ على الأنبياء صلوات اللّه عليهم، فقال تبارك وتعالى: ( سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) (٢) وقال: ( سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (٣) وقال: ( سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ) (٤) ولم يقل: سلام على آل نوح، ولم يقل: سلام على آل ابراهيم، ولا قال: سلام على آل موسى وهارون، وقال عزّوجلّ: ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) (٥) يعني آل محمد صلوات اللّه عليهم ».

فقال المأمون: لقد علمت ان في معدن النبوة شرح هذا وبيانه(٦) .

٤ - الأئمةعليهم‌السلام هم أهل الذكر:

ضمن سياق الحوار الذي دار في هذا المجلس كان حديث الإمام ينساب كنهر متدفق، فتطرق معهم إلى مفهوم «أهل الذكر» ولفت نظرهم

__________________

(١) سورة يآس: ٣٦ / ١ - ٤.

(٢) سورة الصافات: ٣٧ / ٧٩.

(٣) سورة الصافات: ٣٧ / ١٠٩.

(٤) سورة الصافات: ٣٧ / ١٢٠.

(٥) سورة الصافات: ٣٧ / ١٣٠.

(٦) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢١٤، ح ١، باب (٢٣).

١١٢

الى هذا المفهوم الهام الذي أريد له أن يغيب عن الأذهان ويمحى عن الذاكرة ويُسدل عليه ستار النسيان، من خلال التفسير القاصر، قال لهم: «فنحن أهل الذكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون ».

فقالت العلماء: إنما عنى اللّه بذلك اليهود والنصارى.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : «سبحان اللّه! وهل يجوز ذلك؟ يدعونا إلى دينهم، ويقولون: انه أفضل من دين الإسلام! ».

فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوه يا أبا الحسن؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام : «نعم، الذكر رسول اللّه، ونحن أهله، وذلك بيّن في كتاب اللّه عزّوجلّ حيث يقول في سورة الطلاق :( فَاتَّقُوا اللّه يَا أُوْلِي الاْءَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللّه إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّه مُبَيِّنَاتٍ ) (١) فالذكر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن أهله »(٢) .

وفي نهاية المطاف اعترف المأمون ومن معه من العلماء بمقدرة الإمام العلمية وأنه بحر زاخر، وأقرّوا بأفضلية أهل البيتعليهم‌السلام ، وقالوا: «جزاكم اللّه أهل بيت نبيكم عن هذه الأمة خيرا، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلاّ عندكم»(٣) .

٥ - في الواقع التاريخي للخلافة

من المعروف أن الإمامة كانت - ومازالت - موضوعا ساخنا يثير

__________________

(١) سورة الطلاق: ٦٥ / ١٠ - ١١.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢١٦، ح ١، باب (٢٣).

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٠٧ - ٢١٧، ح ١، باب (٢٣)، وأمالي الشيخ الصّدوق: ٦١٥، المجلس (٧٩).

١١٣

الجدل وتختلف حوله الأقوال وتتباين فيه وجهات النظر، وقد اعتبر البعض بأن ما حدث في السقيفة قد تجاوزه التاريخ وغدا حقيقة واقعة ليس من المناسب أن تمسّها يد المراجعة والتقييم، ولكن الرؤية الموضوعية تقرّر بأن هناك أحداثا تشكل انعطافة مهمة على صعيد التاريخ الإنساني تبقى تداعياتها حية مهما طالت الفترة الزمنية، وموضوع الإمامة واحد من هذه المواضيع الجسام التي ما زالت تبعات ما أحاط بها من أحداث تنعكس سلبا على كافة الاصعدة الإسلامية: الفكرية والسياسية والاجتماعية.

والمعالجة الجادة ينبغي أن تنطلق من التشخيص الدقيق لأسباب المشكلة، وهنا نجد أن إمامنا الرضاعليه‌السلام قد وضع إصبعه على موضع الداء، فالإمامة شغلها بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لم يكن لها أهلاً، ثم لم يحدث أن تدارك المسلمون ذلك، بل أمضوه حتى تلاحقت فصوله الأخرى، فتراكم الخطأ.

وصف محمد بن يحيى الصولي مجلساً للمأمون بحضرة الإمام الرضا وثلّة من كبار أهل العلم الذين دعاهم المأمون لمناظرة الإمامعليه‌السلام ، فأداروا أمر الإمامة، فتكلم متكلّمهم يحيى بن الضحاك السمرقندي فقال: نتكلم في الإمامة، كيف ادعيت لمن لم يَؤم وتركت من أمّ ووقع الرضا به؟

فقال له: «يا يحيى أخبرني عمن صدّق كاذبا على نفسه، أو كذّب صادقا على نفسه، أيكون محقّا مصيبا أو مبطلاً مخطئا؟ » فسكت يحيى، فقال له المأمون: أجبه، فقال: يعفيني أمير المؤمنين من جوابه، فقال المأمون: يا أبا الحسن عرّفنا الغرض في هذه المسألة.

فقالعليه‌السلام : «لا بدّ ليحيى من أن يخبر عن أئمته؛ كذبوا على أنفسهم أو

١١٤

صدقوا؟ فإن زعم أنهم كذبوا، فلا أمانة لكذاب، وإن زعم أنهم صدقوا، فقد قال أولهم: ولّيتكم ولست بخيركم، وقال تاليه: كانت بيعته فلتة، فمن عاد لمثلها فاقتلوه، فواللّه مارضي لمن فعل مثل فعلهم إلاّ بالقتل، فمن لم يكن بخير الناس، والخيرية لا تقع إلاّ بنعوت منها: العلم، ومنها الجهاد، ومنها سائر الفضائل وليست فيه، ومن كانت بيعته فلتة يجب القتل على من فعل مثلها، كيف يقبل عهده إلى غيره وهذه صورته؟! ثمّ يقول على المنبر: إنّ لي شيطانا يعتريني، فإذا مال بي فقوموني، وإذا أخطأت فارشدوني، فليسوا أئمة بقولهم، إن صدقوا، أو كذبوا، فما عند يحيى في هذا جواب ».

فعجب المأمون من كلامه، وقال: يا أبا الحسن ما في الأرض من يحسن هذا سواك(١) .

والملفت للنظر أن إمامناعليه‌السلام في هذا الحوار قد اتبع منهجا فريدا، فلم يستعمل في مناظرته الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية الكثيرة التي يمكن الاستدلال بها على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، فلعلّه يعلم بأن الغوص في هذا قد يؤدي إلى تجريدات فكرية لا يلتزم القوم بمدلولاتها، لذلك درس مسألة الإمامة في إطارها التاريخي محاولاً إلقاء الضوء على الحقائق كما هي من خلال أقوال أقطاب السقيفة بدون تأويل أو تفسير، فكثيرا ما يتأثر الناس بالتفسير الذي يأتيهم لحدث أكثر ما يتأثرون بالحدث نفسه، وهنا وضعهم الإمامعليه‌السلام وجها لوجه أمام الحدث، عارضا بأمانة تصريحات القوم التي أدلوا بها في قلب الحدث ودلالاتها ؛ وحينئذ يكتشف كل منصف الحقيقة بنفسه.

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٥٥، ح ١، باب (٥٧).

١١٥

ثالثا: مناظرتهعليه‌السلام حول البداء

البداء من المسائل المعقدة التي كثر الجدل والنزاع حولها قديما وحديثا بين الفلاسفة والعلماء من السنة والشيعة، ولكل من الفريقين رأي واتجاه.

فما هو البداء؟

البَداء - لغةً: ظهور الشيء بعد خفائه وبدا له في هذا الأمر بداءً، أي: تغير رأيه عمّا كان عليه بعد أن ظهر له فيه رأي آخر(١) .

وقد اتُهم الشيعة بنسبة الجهل إلى اللّه تعالى استنادا إلى المعنى اللغوي المتقدم للبَداء، والحال أن الشيعة يتبرأون من هذه التهمة الشنيعة، وهم يكفّرون كل من ينسب الجهل إلى اللّه تعالى، ويرون بأنه تعالى لا تخفى عليه خافية في السماوات والأرض، وأنه ليس محلاً للحوادث والتغيرات، لاستلزام ذلك خروجه - عزّوجلّ - عن حضيرة الوجوب إلى الإمكان، زد على ذلك أن الشيعة متفقون على أن اللّه تعالى عالم بالجزئيات كعلمه بالكليات، وعلمه بالمعدوم كعلمه بالموجود، وآراء الشيعة هذه مدونة في عشرات الكتب والرسائل والبحوث تحت عنوان «البَداء»(١) .

والحال أن حقيقة البَداء عندهم ليس ظهور الأمر للّه تعالى بعد أن كان خافيا عليه، تعالى اللّه عزّوجلّ عن ذلك علواً كبيراً بل هو ظهور أمر لنا منه تعالى لم يكن مرتقبا، يعد مساوقا لتغيير القضاء كما هو عند

__________________

(١) لسان العرب / ابن منظور ١٤: ٦٥، مفردات الراغب: ٤٠، مادة (بدا).

(٢) اُنظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة / الطهراني ٣: ٥١ - ٥٧ و ١٣١ - ١٥١.

١١٦

الجمهور، وعليه فالبداء عند الشيعة الإمامية هو البداء الواقع في (التكوينيات) كالنسخ المتعلق ب- (التشريعات)، فكما أن النسخ في التشريعات أمر جائز وسائغ، كذلك البداء في التكوينات أمر سائغ وممكن وجائز.

ثم إن البداء يكون في القضاء الموقوف المعبّر عنه ب- (لوح المحو والإثبات) والالتزام بجواز البداء فيه لايستلزم نسبة الجهل إلى اللّه سبحانه، وليس في هذا الالتزام ما ينافي عظمته وجلاله(١) .

وهناك آيات قرآنية كثيرة تثبت بأن اللّه تعالى مبسوط اليدين في مجال التكوين، يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء، منها: قوله تعالى:( يَمْحُوا اللّه مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٢) .

وتوجد أحاديث في صحاح السنة تشير إلى حصول المحو والإثبات الإلهيين، وإمكانية التغيير والتبديل فيما كتبه اللّه وقدَّره وفقا لمشيئته وإرادته تعالى، منها ما أخرجه البخاري عن عبد اللّه بن مسعود، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير قوله تعالى:( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (١) أنَّه قال: «إنَّ اللّه يحدث من أمره ما يشاء، وإنَّ مما أحدث أن لا تكلّموا في الصلاة »(٢) .

وبإسناد عن أنس بن مالك أن نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما صعد إلى السّماء واجتمع

__________________

(١) اُنظر: دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي ٢: ٣٣ وما بعدها.

(٢) سورة الرعد: ١٣ / ٣٩.

(٣) سورة الرحمن: ٥٥ / ٢٩.

(٤) صحيح البخاري ٩: ١٨٧ - باب: قول اللّه تعالى:( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) .

١١٧

بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، نصحه موسىعليه‌السلام بأن يراجع ربّه لتخفيف الصلاة عن أمته فيما فرضه اللّه على أمته من خمسين صلاة في كل يوم، وبعد أن راجع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه عدة مرات حسب نصيحة موسىعليه‌السلام خفّف اللّه تعالى الصلاة من خمسين إلى خمس صلوات(٣) .

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنه سمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى بدا للّه أن يبتليهم ...»(٤) ثم ساق الخبر (الصحيح).

ومن هذه الأحاديث يظهر بوضوح دخول فكرة البداء عند أقطاب المحدثين ورواة المسلمين في دائرة المحو والاثبات المصرّح بها في القرآن الكريم، لكن المؤسف حقاً أنّها قد استغلت من قبل خصوم الشيعة للتشنيع والتشهير.

ويقتضي التنويه بأن «مصالح العباد متوقفة على القول بالبداء، إذ لو اعتقدوا أنَّ كل ما قُدّر في الأزل فلا بُدَّ من وقوعه حتما لما دعوا اللّه تعالى في شيء من مطالبهم، وما تضرَّعوا إليه، وما استكانوا لديه، ولا خافوا منه، ولا رجعوا إليه، وإذا انتفت هذه الأمور فلا يبقى مجال للصدقة وصلة الرحم، وبرّ الوالدين، وغير ذلك من صالح الأعمال ..

أضف إلى ذلك أن القول بالبداء هو الاعتراف الصريح بأن العالم كله تحت سلطان اللّه وقدرته في حدوثه وبقائه، وان إرادة اللّه نافذة في الأشياء

__________________

(١) اُنظر: صحيح البخاري ١: ٩٨، كتاب الصلاة، وأيضا ٩٦: ١٨٢، باب قوله تعالى:( وَكَلَّمَ اللّه مُوسَى تَكْلِيماً ) .

(٢) صحيح البخاري ٤: ٢٠٨ - ٢٠٩، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.

١١٨

أزلاً وأبدا»(١) . من هنا دافع إمامنا الرضاعليه‌السلام عن مسألة البداء، وأولاها عناية خاصة وأعتبرها من المسائل الأساسية التي قامت عليها الأديان السماوية.

وجدير بالذكر هو أن أول من نفى القول بالبداء هم اليهود الذين قالوا - لعنهم اللّه -: إن يد اللّه مغلولة! غلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا. بل هو سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.

ومما يكشف عن اهتمام الإمام الرضاعليه‌السلام بمسألة البداء حواراته ومناظراته مع أهل الإسلام، ومن أبرز الشواهد على ذلك مناظرته مع سليمان المروزي متكلم خُراسان الذي قدم على المأمون فأكرمه ووصله، ثم طلب منه أن يناظر الإمامعليه‌السلام .

وكان عمران الصابى ء الذي أسلم ببركة إمامنا الرضاعليه‌السلام وأصبح من تلاميذه قد التقى بالمروزي فتحاورا حول البداء وكان المروزي قد أنكره، فقال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه؟

قالعليه‌السلام : «وما أنكرت من البداءِ يا سليمان، واللّه عزَّوجلَّ يقول: ( أَوَلاَ يَذْكُرُ الاْءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) (٢) ويقول عزَّوجلَّ: ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) (٣) ويقول: ( بَدِيعُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ ) (٤) ويقول عزَّوجلَّ: ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاء ) (٥) ويقول: ( بَدَأَ خَلْقَ

__________________

(١) دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي ٢: ١٦٠ وما بعدها.

(٢) سورة مريم: ١٩ / ٦٧.

(٣) سورة الروم: ٣٠ / ٢٧.

(٤) سورة البقرة: ٢ / ١١٧، وسورة الأنعام: ٦ / ١٠١.

(٥) سورة فاطر: ٣٥ / ١.

١١٩

الإنْسانِ مِنْ طِيْنٍ ) (١) ويقول عزَّوجلَّ: ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللّه إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) (٢) ويقول عزَّوجلَّ: ( وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ) (٣) ؟!

قال سُليمان: هل رويتَ فيه شيئا عن آبائكَ؟ قال: نعم، رويتُ عن أبي عبداللّهعليه‌السلام أَنَّه قال: «إنَّ للّه عزَّوجلَّ علمين: علما مخزونا مكنونا لا يعلمهُ إلاّ هو، ومن ذلك يكونُ البَداءُ، وعلما علَّمهُ ملائكتهُ ورُسُلَهُ، فالعلماء من أهلِ بيت نبيِّه يعلمونه ».

قال سُليمان: اُحبُّ أن تَنزَعهُ لي من كتابِ اللّه عزَّوجلَّ.

قالعليه‌السلام : «قولُ اللّه عزَّوجلَّ لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُ ومٍ) (٤) أراد هلاكهمُ ثمَّ بدا للّه - أي: عن علم - فقال: ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٥) ».

قال سُليمان: زدني جُعلتُ فداك، قال الرضاعليه‌السلام : «لقد أخبرني أبي عن آبائه أنَّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنَّ اللّه عزَّوجلَّ أوحى إلى نبيٍ من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا، فقال: يا ربِّ أجِّلني حتى يشبَّ طفلي وأقضي أمري، فأوحى اللّه عزَّوجلَّ إلى ذلك النَّبيِ أن ائت فُلانَ الملك فأعلمهُ أنِّي قد أنسيتُ في أجلهِ وزدتُ في عُمره خمس عشرةَ سنةً، ثمّ أوحى اللّه عزَّوجلَّ إليه: إنَّما أنتَ عبد مأمور فأبلغهُ ذلك، واللّه لا يسألُ عمّا

__________________

(١) سورة السجدة: ٣٢ / ٧.

(٢) سورة التوبة: ٩ / ١٠٦.

(٣) سورة فاطر: ٣٥ / ١١.

(٤) سورة الذاريات: ٥١ / ٥٤.

(٥) سورة الذاريات: ٥١ / ٥٥.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199