بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 112981 / تحميل: 3879
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قال الأمينيّ ما أعرف السّباع المفترسة في القرون الخالية بصالح الخلفاء من طالحهم، حتّى كفّت عن الفرس والعدوان جرياً على الصّالح العامّ؟ وما أجهل به الإنسان الظلوم الجهول حتّى حاد عنه وخاصمه وعانده وحاربه وقاتله؟ ولو كانت هذه السّيرة مطّردة في السّباع في كلِّ أدوار الحياة، ولم يكن هذا الشعور الحيُّ من خاصّة سباع عصر عمر بن عبد العزيز ورعاءه؟ لكانت لها أن تفني شياه الدّنيا ولم تبق منها شيئاً يوم معاوية ويزيد وهلمّ جرّا، أو ارجع إلى الوراء القهقرى.

_ ٢٤ _

كتاب براءة لعمر بن عبد العزيز

كان عمر بن عبد العزيز يأتي المساجد المهجورة في الليل فيصلّي فيها ما يسرّ الله عزّ وجلّ، فإذا كان وقت السّحر وضع جبهته على الأرض، ومرّغ خدّه على التّراب، ولم يزل ييكي إلى طلوع الفجر، فلمّا كان في بعض اللّيالي فعل ذلك على العادة، فلمّا فرغ ورفع رأسه من صلاته وتضرُّعه وجد رقعة خضراء قد اتّصل نورها بالسّماء مكتوبٌ فيها: هذه برائةٌ من النّار من الملك العزيز لعبده عمر بن عبد العزيز.

وأخرج ابن أبي شيبة باسناده عن عبد العزيز بن أبي سلمة: انَّ عمر بن عبد العزيز لَمّا وضع عند قبره هبَّت ريحٌ شديدةٌ فسقطت صحيفةٌ بأحسن كتاب فقرأوها فإذا فيها: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، براءةٌ من الله لعمر بن عبد العزيز من النّار. فأدخلوها بين أكفانه ودفنوها معه.

تاريخ ابن كثير ٩: ٢١٠، الرَّوض الفائق للحريفيش ص ٢٥٦.

وروى ابن عساكر في ترجمة يوسف بن ماهك قال: بينما نحن نسوّي التّراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا من السّماء كتابٌ فيه: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، أمانُ من الله لعمر بن عبد العزيز من النّار.

قال الأميني: سوف يتبيّن الرّشد من الغيِّ يوم العرض الأكبر.

_ ٢٥ _

امرأة تلد بدعاء مالك ابن اربع سنين

أخرج البيهقي في السنن الكبرى ٧: ٤٤٣ بإسناده عن هاشم المجاشعي قال: بينما

١٢١

مالك بن دينار - المتوفّى ١٢٣ وقيل غير ذلك - يوماً جالسٌ إذ جاءه رجلٌ فقال: يا أبا يحيى! ادعُ لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد، فغضب مالك و أطبق المصحف ثمَّ قال: ما يرى هؤلاء القوم إلّا أنّا أنبياء، ثمَّ دعا فقال: أللّهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريحٌ فأخرجها عنها السّاعة، وإن كان في بطنها جاريةٌ فأبدلها بها غلاماً، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك امّ الكتاب، ثمَّ رفع مالك يده ورفع النّاس أيديهم، وجاء الرَّسول إلى الرَّجل فقال: أدرك امرأتك، فذهب الرَّجل، فما حطّ مالكٌ يده حتى طلع الرَّجل من باب المسجد على رقبته غلامٌ جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت أسراره.

قال الأميني: ليس من المستحيل التلفّظ بالمحال، لكن التّقوى أو الحياء يزع كلّ منهما الإنسان عن أن يلهج بما هو خارجٌ عن مستوى المعقول. ألا من مُسائل هذا الرّاوي عن انّ رحم المرأة هل فيها تمطّط فتبلغ من السّعة ما يُقلّ ابن أربع سنين وقد استوت أسنانه ونبت شعره ويركب الرِّقاب؟ وهب انَّ فيها تمطّطاً فهل ما يحويها من بنيَّة البدن له مثل ذلك التمطّط؟ فيجب عليه أن يكون في هيئة الحامل إذن تضخّماً أكثر من النساء العاديات، فهل كانت اُمّ الغلام هكذا؟ أو أنّها بقيت على حالتها وهي كرامة اُخرى لأحد من عباد الله؟ سبحان الذي تولّى كلائة هذه المرأة المسكينة عن أن تنكسر عظامها، وتنقطع عروقها، وينفتق جلدها ولحمها، وقد فعل سبحانه ما أراد في الزَّمن من الماضي.

ورحم الله مالك بن دينار لولا دعائه للمرأة المسكينة لكان يبقى جنينها في بطن اُمِّه أربعين عاماً أو إلى ما شاء الله.

ثمَّ هل كان المولود في بطن امّه أنثى فأبد له دعاء ابن دينار ذكراً؟ أو أنّه كان ذكراً ولا صلة للدّعاء المذكور به، وانَّ الله هو الّذي يهب لمن يشاء اُناثاً ويهب لمن يشاء الذّكور؟ وإنَّ من المقطوع به انَّ في تلك السّاعة كان قد افرزت خلقة المولود وصوّر مثاله فلم يبق فيه بعدُ مجالٌ للتغيّر والتأثّر وإنّه إمّا ذكرٌ أو انثى، فلا محلّ من الإعراب لدعاء ابن دينار: [ وان كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً ] غير أنّه دعا، وهل كانت له هذه

١٢٢

الدّعوة المستجابة بعد الولادة أخذاً بقوله: إنّك تمحو ما تشاء وتثبت؟ لعلّها له وليس على الله بعزيز، ولا يُسئل عمّا يفعل، وهو على كلّ شيء قدير.

_ ٢٦ _

ناصبىّ مستجاب الدعوة

قال الجريري سعيد بن اياس المتوفّى ١٤٤: كان عبد الله بن شقيق العقيلي أبو عبد الرّحمن البصري مجاب الدّعوة كانت تمرُّ به السّحابة فيقول: أللّهم لا تجوز كذا و كذا حتّى تمطر. فلا تجوز ذلك الموضع حتّى تمطر. حكاه ابن أبي خيثمة في تاريخه [ تهذيب التهذيب ٥: ٢٥٤ ].

قال الأميني: لعلّك لا تستبعد إجابة دعوة وليّ من أولياء الله وتراها غير عزيز على المولى سبحانه كرامةً لصالحي عباده، بيد انَّ هذه النسبة تبعد من العقيلي بُعد المشرقين بَعد ما عرفه الملأ ممّن نصب العداء لسيّد العترة قال ابن خراش: كان عثمانيّاً يبغض عليّاً، وقال أحمد بن حنبل: كان يحمل على عليّ(١) فأيّ كرامة لابن أنثى لا يُوالي سيّد العرب امير المؤمنين فضلاً عن أن يعاديه بعد ما ثبت عن النبيّ الأقدس من الدّعوة المستجابة بقوله في عليعليه‌السلام : اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه،(٢) وبعد عهد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه سلام الله عليه انّه لا يحبّه إلّا مؤمنٌ ولا يبغضه إلّا منافقٌ(٣) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ لا يبغضك مؤمنٌ ولا يحبّك منافق(٤) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحبُّ عليّاً المنافق، ولا يبغضه مؤمن(٥) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولاك يا عليُّ! ما عرف المؤمنون بعدي(٦) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله لا يبغضه أحدٌ من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلّا وهو خارجٌ من الايمان(٧) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٥: ٢٥٤.

٢ - راجع حديث الغدير فى الجزء الاول من كتابنا هذا.

٣ - راجع ما اسلفناه فى الجزء الثالث ص ١٦١.

٤ - راجع ما مرّ فى الجزء الثالث ١٦٢.

٥ - راجع ص ١٦٣ من الجزء الثالث.

٦ - راجع ص ١٦٤ من الجزء الثالث.

٧ - يأتي في مسند المناقب بمصادره.

١٢٣

يا عليُّ أنت سيّدٌ في الدنيا سيّدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدّوك عدوّي وعدوّي عدوّ الله، والويل لمن أبغضك بعدي(١) . وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ طوبى لمن احبّك وصدق فيك، وويلٌ لمن أبغضك وكذب فيك(٢) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام : من أحبّك أحبَّني، ومن أبغضك أبغضني(٣) إلى أحاديث جمّة.

فكيف يسع لمسلم يصدِّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أقواله هذه أن يذعن بكرامة ابن شقيق مبغض عليّعليه‌السلام والمتحامل عليه بالوقيعة فيه، ويراه مستجاب الدّعوة، نافذ المشيئة في السّحاب. نعم يسوِّغه الغلوّ في الفضائل لا عن دراية

وأمّا الجريري راوي هذه المهزأة فقد عرفت في ما مرَّ في هذا الجزء: انّه اختلط قبل موته بثلاث سنين، وهذه الرِّواية من آيات اختلاطه.

_ ٢٧ _

السختيانى ينبع الماء

أخرج أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) ٣: ٥ بالإسناد عن عبد الواحد بن زيد قال: كنت مع أيّوب السَّختياني(٤) على حِراء فعطشت عطشاً شديداً حتّى رأى ذلك في وجهي فقال. ما الّذي أرى بك؟ قلت: العطش، وقد خفت على نفسي، قال: تستر عليَّ؟ قلت: نعم. قال: فاستحلفني فحلفت له أن لا اُخبر عنه ما دام حيّاً، قال: فغمز برجله على حِراء فنبع الماء فشربت حتّى رويت وحملت معي من الماء قال: فما حدَّثت به أحداً حتّى مات.

وفي [ الرّوض الفائق ] ص ١٢٦: كان جماعة مع أيّوب السَّختياني في سفر فأعياهم طلب الماء فقال أيّوب: أتسترون عليّ ما عشت؟ فقالوا: نعم. فدوّر دائرة فنبع الماء قال: فشربنا فلمّا قدموا البصرة أخبر به حمّاد بن زيد. قال عبد الواحد بن زيد: شهدت معه ذلك اليوم.

____________________

١ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٢٨ وصححه ووثق الذهبى رواته.

٢ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٣٥ وصححه.

٣ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٤٢ صححه الحاكم والذهبى.

٤ - توفى سنة ١٢١ توجد ترجمته فى حلية الاولياء ٣: ٣ - ١٤.

١٢٤

_ ٢٨ _

شيخ يبيع القصر في الجنة

أتى رجلٌ من أهل خراسان حبيب بن محمّد العجميّ البصريّ يريد مكّة وقال له: يا شيخ! اشتر لي داراً ودفع إليه مالاً وخرج إلى مكّة فأخذ حبيب المال فتصدّق به فلمّا قدم الرَّجل قال له: إذهب بي إلى الدّار الّتي إشتريتها فأرنيها فقال له: إنّك لا تراها اليوم ولكن إذا متّ تراها فقال له الخراسانيُّ: اكتب إليّ عهدتها حتّى اذهب بها إلى خراسان فكتب له حبيب: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، هذا ما اشترى حبيب قصراً في الجنّة كذا وكذا، وارتفاعه كذا كذا في الجنّة. ثمَّ ختم الكتاب ودفعه إليه فأخذه الرَّجل فذهب به إلى خراسان إلى أهله فقالوا له: أنت مجنونٌ لولا انّك ضيَّعت مالك لذهب بك إلى الدّار، ولكن هذا شأن مجنون، فبقي الرَّجل ما شاء الله، فلمّا حضره النَّزع قال لأهله: إجعلوا هذا الكتاب في كفني، فلمّا مات وضعوه في أكفانه وحملوه إلى القبر فأصبح حبيب بالبصرة وإذا الكتاب عنده في بيته وفي ذيله: يا أبا محمّد! إنَّ الله قد سلّم إليه القصر الّذي اشتريته له فذهب إلى أهل الرّجل وقال لهم: إنَّ الله قد سلّم إلى أبيكم القصر، وهذه العهدة فبصروا بها فإذا هي الكتاب الّذي وضعوه معه في القبر.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٤: ٣٢ وقال مهذِّبه: قد روى الحافظ هذه القصّة باسناده من طريقين مطوّل ومختصر والمعنى واحد، وهذه القصَّة كانت لحبيب، وأرجو أن؟ لا يحوم حولها المدَّعون فيجعلونها سلّماً لأكل مال النّاس بالباطل، فإنَّ أحوال امثال حبيب لا يقاس عليها ولا تكون قاعدة للعمل.

_ ٢٩ _

حضور غائب بدعاء معروف

ذكر الإمام أبو محمّد ضياء الدّين الشيخ احمد الوتري الشافعيّ المتوفّى بمصر في عشر الثمانين والتسعمائة في كتابه ( روضة الناظرين ) ص ٨ نقلاً عن خليل بن محمّد الصيّاد انّه قال: غاب أبي فتألّمت فجئت إلى معروف - الكرخي المتوفّى ٢٠٠ / ١ / ٤ - فقلت: غاب أبي فقال: ما تريد؟ قلت: رجوعه. قال: أللّهمَّ إنّ السّماء سماؤك، والأرض أرضك وما بينهما لك ائت بمحمّد، فأتيت باب الشّام فإذا هو واقفٌ فقلت: أين كنت؟

١٢٥

قال: كنت السّاعة بالأنبار(١) ولا أعلم ما صار.

عجباً العقول تُسوّغ مثل هذا لكلِّ معروف ومنكر، ولا تسوِّغه في أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه يوم حضر تغسيل سلمان بالمدائن وكان سلام الله عليه بالمدينة. راجع الجزء الخامس ص ١٥ - ٢١ ط ٢.

_ ٣٠ _

رجل متربّع فى الهواء

أخرج إبن الجوزي في صفة الصَّفوة ٤: ٢٤٥ عن حذيفة بن قتادة المرعشيّ المتوفّى ٢٠٧ قال: قال: كنت في المركب فكسر بنا فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة ايّام فقالت المرأة: أنا عطشى. فسألت الله تعالى أن يسقينا فنزلت علينا من السّماء سلسلة فيها كوزٌ معلّقٌ فيه ماءٌ فشربت، فرفعت رأسي أنظر إلى السِّلسلة فرأيت رجلاً في الهواء متربّعاً فقلت: مَن أنت؟ قال: من الإنس. قلت: فما الّذي بلّغك هذه المنزلة؟ قال: أثرت مراد الله عزّ وجلّ على هواي فأجلسني كما تراني.

وإن تعجب فعجبٌ من أقوام يقبلون هذا ويبهظهم حديث البساط لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

_ ٣١ _

جنّية تكّلم الخزاعى

أخرج ابن الجوزي في صفة الصّفوة ٢: ٢٠٥ عن أحمد بن نصر الخزاعي(٢) أحد ائمَّة السنّة الإمام الشهير المتوفّى ٢٣١، قال: رأيت مصاباً قد وقع فقرأت في اُذنه فكلّمتني الجنِّيَّة من جوفه: يا أبا عبد الله! بالله دعني أخنقه، فإنّه يقول: القرآن مخلوق.

ما ألطفها من دعاية إلى المبدأ الباطل؟ ولِلَّه درُّ الجنِّيَّة العالمة الّتي بلغ من علمها انَّها قالت بعدم خلق القرآن. ونحن نشكر الله سبحانه على ابطال هذه السخافة القديمة على ممرّ الايام فلم تجد اليوم جانحاً إليها ولا محبّذاً إيّاها.

____________________

١ - الانبار، مدينة قرب بلخ. ومدينة على الفرات فى غربى بغداد بينهما عشرة فراسخ.

٢ - قتل فى خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فعلقت على اذنه رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس احمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الامام هارون وهو الواثق بالله امير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فابى الا المعاندة فعجله الله الى ناره.

١٢٦

_ ٣٢ _

رأس احمد الخزاعى يتكلم

ذكر الخطيب وابن الجوزي بالاسناد عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال: كان أحمد بن نصر خِلّي، فلمّا قتل في المحنة وصُلب رأسه اُخبرت: أنَّ الرَّأس يقرأ القرآن، فمضيت فبتُّ بقرب من الرأس مشرفاً عليه، وكان عنده رجّالة وفرسان يحفظونه، فلمّا هدئت العيون سمعت الرأس تقرأ: الـ~ـم أحسب النّاس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون فاقشعرَّ جلدي.

وعن أحمد بن كامل القاضي عن أبيه انَّه قال: وُكلّ برأس أحمد مَن يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر، وإنَّ الموكّل به ذكر: انّه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه فيقرأ سورة يس~ بلسان طَلِق، وإنّه لمـّا أخبر بذلك طُلب فخاف على نفسه فهرب.

وعن خلف بن سالم انَّه قال: عندما قُتل أحمد بن نصر وقيل له: ألا تسمع ما النّاس فيه يا أبا محمّد؟ قال: وما ذلك؟ قال: يقولون إنَّ رأس أحمد بن نصر يقرأ القرآن، قال: كان رأس يحيى بن زكريّا يقرأ(١) .

لا تبهظ الخطيب وابن الجوزي هذه الاُضحوكة، ولا احسب انَّهما يصدّقانها ولكن لمـّا كان يبهظهما وأمثالهما ما يؤثر(٢) من أنَّ رأس مولانا أبي عبد الله السّبط الشّهيد صلوات الله عليه كان يقرأ القرآن الكريم على عامل السّنان، ولقد كانت هذه الاكرومة متسالماً عليها في العصور الخالية، فنحتوا هذه الأفائك تجاهها تخفيفاً لتلك المنزلة الكريمة الخاصّة ببضعة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

_ ٣٣ _

النبي يفتخر بابى حنيفة

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال: إنَّ سائر الأنبياء تفتخر بي، وأنا افتخر بأبي حنيفة،

____________________

١ - تاريخ بغداد ٥: ١٧٩، صفة الصفوة ٢: ٢٠٥.

٢ - سيوافيك حديثه في مسند المناقب ومرسلها انشاء الله تعالى.

١٢٧

وهو رجلٌ تقيٌّ عند ربّي، وكأنَّه جبلٌ من العلم، وكأنّه نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبَّه فقد أحبَّني، ومن أبغضه فقد أبغضني.

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ آدم افتخر بي، وأنا أفتخر برجل من امّتي اسمه نعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج امّتي.

أسلفنا الرِّوايتين مع جملة ممّا اختلقته يد الغلوِّ في الفضائل لأبي حنيفة في الجزء الخامس ص ٢٣٩ - ٢٤١ وذكرنا هنالك انَّ امَّة من الحنفيَّة بلغت مغالاتها فيه حدّاً ذهبت إلى أعلميّته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القضاء.

وذكر الحريفيش في الرّوض الفائق ص ٢١٥: انَّ من ورع أبي حنيفة رضي الله عنه انَّ شاةً سرقت في عهده فلم يأكل لحم شاة مدَّة تعيش الشّاة فيها.

لا أدري لأيِّ خرافة أضحك؟ ألفخر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجل استتيب من الكفر مرَّتين(١) والنبيّ مفخرة العالمين جميعاًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي امَّته مَن باهى به الله كمولانا امير المؤمنينعليه‌السلام ليلة مبيته على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ؟

أم لكون الرَّجل أعلم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقضاء؟ أنا لا أدري من أين جاء أبو حنيفة بهذا العلم والفقه؟ أهو فقهٌ إسلاميٌّ والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستقاه ومنبثق أنواره؟ أم هو ممّا اتَّخذه من غير المسلمين من رجال كابل أو بابل أو ترمذ(٣) فأحرِ به أن يضرب عرض الجدار، وأيُّ حاجة للمسلمين إلى فقه غيرهم وقد أنعم الله عليهم بقضاء الإسلام وفقهه؟ وفيهما القول الحاسم وفصل الخطاب.

أم لورع الرَّجل الموصول بفقهه الناجع في قصَّة الشاة المسروقة الّذي لا يصافقه عليه فيه أيُّ فقيه متورّع، وقد أباح الإسلام أكل لحم الشيّاه في جميع الأحيان، وفي كلّها أفرادٌ منها مسروقةٌ في الحواضر الإسلاميّة وأوساطها، لكن هذا الفقيه لا يعرف

____________________

١ - راجع الجزء الخامس ص ٢٨٠ ط ٢.

٢ - اسلفنا حديثه فى الجزء الثانى ٤٨ ط ٢.

٣ - ايعاز إلى محتد ابى حنيفة،، قال الحافظ ابو نعيم الفضل بن دكين وغيره: اصله من كابل. وقال ابو عبد الرحمن المقرى: انه من أهل بابل وقال الحارث بن ادريس: اصله من ترمذ.

١٢٨

عدم تنجّز الحكم في الشّبهات إذا كانت غير محصورة خارجاً أكثر أطرافها من محلِّ الابتلاء، ولعلّه كان يعلم ذلك لكن عمله هذا من حيله التي هو أخبر بها عن نفسه، قال أبو عاصم النبيل: رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي، وقد اجتمع الناس عليه وآذوه، فقال: ما هاهنا أحدٌ يأتينا بشرطيّ؟ فقلت: يا أبا حنيفة! تريد شرطيّاً؟ قال: نعم. فقلت: اقرأ عليَّ هذه الأحاديث الّتي معي، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذاءه فقال لي: أين الشرطيّ؟ فقلت له: إنَّما قلت: تريد. لم أقل لك: أجيء به فقال: انظروا أنا أحتال للنّاس منذ كذا وكذا وقد احتال عليَّ هذا الصبيُّ(١) .

أراد الإمام الأعظم بالقصَّة التظاهر بالورع ونصبها فخّا لاصطياد الدَّهماء كقصَّته الاُخرى المحرابيّة الّتي حكاها حفص بن عبد الرّحمن قال: صلّيت خلفه فلمّا صلّى وجلس في المحراب فقال له رجلٌ: أيحلُّ أن تصلّي وفيه تصاوير؟ قال: اُصلّي فيه منذ خمس وأربعين سنة فما علمت انّ فيه تصاوير، ثمَّ أمر بالصّور فطمست. وقال له رجلٌ: ما أحسن سقف هذا المسجد؟ قال: ما رأيته وأنا فيه أكثر من أربعين سنة(٢) .

ولعلّ رأيه في الشّاة ممّا يوقف القارئ على سرِّ عدم دخول آرائه مدينة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال محمّد بن مسلمة المديني وقيل له: إنَّ رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلّها ولم يدخل المدينة. قال: لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: على كلِّ ثقب من أثقابها ملكٌ يمنع الدجّال من دخولها. وكلام هذا من كلام الدجّالين، فمن ثمَّ لم يدخلها(٣) .

وفي فقه أبي حنيفة شذوذٌ تقصر عنها قصَّة الشّاة، قد خالف فيها السنّة الثابتة حتّى قال وكيع بن الجراح(٤) : وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) غير أنَّ عبد الله بن داود الحريبي المغالي في حبِّ امامه يقول: ينبغي للنّاس

____________________

١ - اخبار الظراف لابن الجوزى ص ١٠٣.

٢ - مناقب ابى حنيفة تأليف الحافظ الكردرى ١: ٢٥١.

٣ - أخبار الظراف لابن الجوزى ص ٣٥.

٤ - ابو سفيان الكوفى الحافظ كان ثقة حافظاً متقناً مأموناً عالياً رفيع القدر كثير الحديث وكان يفتي، توفي سنة مائة وست وتسعين.

٥ - الانتقاء لابن عبد البر صاحب الاستيعاب ص ١٥٠.

١٢٩

أن يدعو في صلاتهم لأبي حنيفة لحفظه الفقه والسنن عليهم(١) .

وقال صاحب [ مفتاح السّعادة ] ٢: ٧٠: سمعت مَن أثق به يروي عن بعض الكتب إنَّ ثابتا - والد ابي حنيفة - توفّي وتزوَّج امّ الامام أبي حنيفة رحمه الله الإمام جعفر الصّادق، وكان أبو حنيفة رحمه الله صغيراً، وتربّى في حجر جعفر الصّادق، وأخذ علومه منه، وهذه إن ثبتت فمنقبةٌ عظيمةٌ لأبي حنيفة.

عقّبه الحسن النعماني في تعليق « المفتاح » فقال: كيف يتّجه انَّ الإمام كان صغيراً و تربّى في حجر الإمام الصّادق لأنَّ جعفر الصّادق توفِّي سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستّين سنة، والإمام أبو حنيفة توفّي سنة خمسين ومائة وولد على قول الأكثر(٢) سنة ثمانين، فتكون سنة ولادتهما واحدة، وبين وفاتيهما سنتان، فثبت انّهما من الأقران لا انَّ الإمام صغيرٌ، والإمام جعفر الصّادق كبيرٌ.

وفي غضون ما الّفه الموفّق بن احمد، والحافظ الكردري في مناقب أبي حنيفة، وما ذكره بعض الحنفيّة في معاجم التراجم لدى ترجمته حرافات وسفاسف جمَّة تُشوّه سمعة الاسلام المقدَّس، ولا يسوّغه العقل والمنطق إن لم يشفعهما الغلوّ في الفضائل، ومن أعجب ما رأيت ما ذكره الإمام أبو الحسين الهمداني في آخر [خزانة المفتين ] من انّ الإمام ابو حنيفة لمـّا حجَّ حجّة الوداع أعطى بسدنة الكعبة مالاً عظيماً حتّى أخلوا له البيت، فدخل وشرع للصَّلاة، وافتتح القرائة كما هو دأبه على رجله اليمنى حتّى قرأ نصف القرآن، ثمَّ ركع، وقام في الثانية على رجله اليسرى حتّى ختم القرآن ثمَّ قال: إلهى عرفتك حقَّ المعرفة لكن ما قمت بكمال الطّاعة، فهب نقصان الخدمة بكمال المعرفة، فنودي من زاوية البيت: عرفت فأحسنت المعرفة، وخدمت فأخلصت الخدمة، غفرنا لك ولمن اتّبعك، ولمن كان على مذهبك إلى قيام السّاعة.(٣)

قال الأميني: ليت شعر أيّ كميّة من الزَّمن استوعبها الإمام حتّى ختم الكتاب العزيز في ركعتيه، وقد أخلي له البيت في يوم من ايّام الموسم والنّاس عندئذ مزدلفون

____________________

١ - تاريخ ابن كثير ١٠: ١٠٧.

٢ - وقال بعض: انه ولد سنة احدى وستين.

٣ - مفتاح السعادة ٢: ٨٢.

١٣٠

حول البيت، يتحرّون التبرّك بالدخول فيه؟! وكيف وسع السّدنة منع اولئك الجماهير عن قصدهم، وكبح رغباتهم الأكيدة طيلة تلك البرهة الطويلة؟!

ثمَّ ما هذا الدؤب من الإمام على قرائة نصف القرآن الاوّل على رجله اليمنى، ونصفه الآخر على رجله اليسرى؟ أهو حكمٌ متَّخذٌ من الكتاب؟ أم سنّةٌ متَّبعةٌ صدع بها النبيُّ الأعظم؟ ام بدعةٌ لم نسمعها من غير الإمام؟ وهل في الألعاب الرياضيَّة المجعولة لحفظ الصّحة والإبقاء على قوَّة البدن ونشاطه مثل ذلك؟ أنا لا أدري.

ثمَّ كيف وسعت الإمام تلك الدّعوى الباهظة العظيمة أمام ربِّ العالمين سبحانه، وهو الواقف على السَّرائر والضَّمائر؟ وما أجرأه على دعوى لم يدّعها نبيّ من الأنبياء حتّى خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم على سعة معرفتهم؟ ولا شكَّ انَّ معرفتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوسع، وقد أغرق فيها نزعاً، ومع ذلك لم يؤثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقحّم الإمام في مناجات أو دعاء، ولا يصدر مثل هذا إلّا عن إنسان معجب بنفسه، مغترّ بعلمه، غير عارف بالله حقّ المعرفة.

والمغفّل صاحب الرّواية يحسب انَّ الامام ادّعاها في عالم الشّهود فصدَّقه عليها هاتف عالم الغيب، وليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الأثيمة إلّا دعايةً على الإمام وعلى مذهبه الذي هو أتفه المذاهب الإسلاميَّة فقهاً، ولو كانت الامّة تصدِّق هذه البشارة لمعتنقي ذلك المذهب، ويراها من ربِّ البيت لا من الأساطير المزوّرة لوجب عليها أن يكونوا حنفيّين جمعاء، غير انّ الامَّة لا تصافق على صحَّتها، رضي بذلك الإمام أم لم يرض.

وأعجب من هذا ما ذكره العلّامة البرزنجي قال:

ذهب بعض الحنفيَّة إلى انَّ كلّا من عيسى والمهدي يقلّدان مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذكره بعض مشايخ الطَّريقة ببلاد الهند في تصنيف له بالفارسيّة شاع في تلك الدِّيار، وكان بعض من يتوسَّم بالعلم من الحنفيّة، ويتصدَّر للتدريس يشهر هذا القول ويفتخر به ويقرِّره في مجلس درسه بالرَّوضة النبويَّة.

وحكى الشّيخ علي القاري عن بعضهم انَّه قال: إعلم أنَّ الله قد خصَّ أبا حنيفة بالشّريعة والكرامة، ومن كراماته: انَّ الخضرعليه‌السلام كان يجيء إليه كلّ يوم وقت الصّبح ويتعلّم منه أحكام الشَّريعة إلى خمس سنين، فلمّا توفّي أبو حنيفة ناجى الخضر ربَّه

١٣١

قال: إلـ~ـهي إن كان لي عندك منزلة فائذن لأبي حنيفة حتى يعلّمني من القبر على حسب عادته حتّى أعلم شرع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الكمال ليحصل لي الطَّريقة والحقيقة، فنودي: أن اذهب إلى قبره وتعلّم منه ما شئت فجاء الخضر وتعلّم منه ما شاء كذلك إلى خمس وعشرين سنة اُخرى حتّى اتمَّ الدَّلائل والأقاويل، ثمَّ ناجى الخضر ربَّه وقال: يا إلـ~ـهي ماذا أصنع فنودي: أن اذهب إلى صعالك واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري الى أن قال له: اذهب إلى البقعة الفلانيّة وعلّم فلاناً علم الشَّريعة ففعل الخضرعليه‌السلام ما اُمر، ثمَّ بعد مدّة ظهر في مدينة ما وراء النهر شابٌّ وكان اسمه أبا القاسم القشيريّ وكان يخدم امّه ويحترمها إلى أن قال: فأمر الله الخضر أن اذهب إلى القشيريّ وعلّمه ما تعلّمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لأنَّه أرضى امّه فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال: أنت أردت السّفر لأجل طلب العلم وقد تركته لرضا امّك وقد أمرني الله تعالى أن أجيء اليك كلَّ يوم على الدَّوام واعلّمك فكلُّ يوم يجيء إليه الخضر حتّى ثلاث سنين و علّمه العلوم الّتي تعلّم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة، حتّى علّمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتّى صنّف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه، فكان له مريدٌ كبير متديِّنٌ لا يفارق الشّيخ فعدَّ له الشّيخ ألف كتاب من مصنّفاته ووضعه في الصّندوق وأعطى لذلك المريد وقال: قد بدا لي أمرٌ فاذهب وارم هذا الصّندوق في جيحون، فحمل المريد الصّندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه: كيف أرى مصنّفات الشيخ في الماء؟ لكن أذهب وأحفظ الكتب و أقول للشيخ: رميتها. وحفظ الكتب وجاء وقال للشيخ: رميت الصّندوق في الماء: قال الشّيخ: وما رأيت في تلك الساعة من العلامات؟ قال: ما رأيت شيئاً قال الشيخ: أذهب وارم الصَّندوق. فذهب المريد إلى الصَّندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلى الشيّخ مثل الأوَّل وقال: رميته؟ قال: نعم قال: وما رأيت؟ قال: لم أر شيئاً. قال الشيخ: ما رميته فاذهب وارمه فإنّ لي فيها سرّاً مع الله ولا تردَّ أمري. فذهب المريد ورمى الصَّندوق فخرج من الماء يدٌ وأخذ الصَّندوق قال المريد له من أنت؟ فنادى في الماء: انّي وكّلت أن احفظ أمانة الشيخ، فرجع المريد وجاء إلى الشيّخ فقال: رميت؟ قال: نعم.

١٣٢

قال: وما رأيت؟ قال: رأيت الماء قد انشقّ وخرج منه يد وأخذ الصّندوق وقد صرت متحيّراً وما السرّ في ذلك؟ قال الشيخ: السرُّ في ذلك انَّه اذا قربت القيامة وخرج الدجّال ونزل عيسى ببيت المقدس فيضع الإنجيل بجنبه ويقول: أين الكتاب المحمديّ؟ أو قد أمرني الله أن أحكم بينكم بكتابه ولا أحكم بالإنجيل فيطلبون الدنيا ويطوفون البلاد فلم يوجد كتابٌ من كتب الشّرع المحمديّ فيتحيّر عيسى ويقول: إلـ~ـهي: بماذا أحكم بين عبادك ولم يوجد غير الإنجيل فينزل جبريل ويقول: قد أمر الله أن تذهب إلى نهر جيحون وتصلّي ركعتين بجنبه وتنادي: يا أمين صندوق أبي القاسم القشيري! سلّم إليَّ الصَّندوق وأنا عيسى بن مريم وقد قتلت الدجّال فيذهب عيسى إلى جيحون ويصلّي ركعتين ويقول مثل ما أمره جبريل، فيشقُّ الماء ويخرج الصّندوق ويأخذه ويفتحه ويجد فيه ختمه والف كتاب فيحيي الشّرع بذلك الكتاب، ثمَّ سأل عيسى جبريل: بِمَ نال أبو القاسم هذه المرتبة؟ فقال: برضاء والدته. نقل من كتاب أنيس الجلساء(١) .

وقد أطنب الشّيخ علي القاري في ردِّ هذه الاسطورة بعدَّة صحائف إلى أن قال في ص ٢٣٠: ثمَّ انَّ مثل هؤلاء لفرط تعصّبهم وعنادهم ليس مطمح نظرهم إلّا تفضيل أبي حنيفة ولو بما لا أصل له، ولو بما يؤدّي إلى الكفر وليس عندهم علمٌ بفضائله الجمَّة الّتي اُلّفت فيها الكتب(٢) فيرضون بالأكاذيب والإفترائات التي لا يرضاها الله ورسوله ولا ابو حنيفة نفسه، ولو سمعها أبو حنيفة رضي الله عنه لأفتى بكفر قائلها وفي فضائل أبي حنيفة المقرَّرة المحرَّرة كفاية لمحبّيه ولا يحتاج في إثبات فضله إلى الأقوال الكاذبة المفتراة المؤدِّية إلى تنقيص الأنبياء، ومن العجائب انّه وقع للقهستاني مع فضله وجلالته شيءٌ من ذلك فقال في شرح خطبة النقابة: انّ عيسى إذا نزل عمل بمذهب أبي حنيفة كما ذكره في الفصول الستّة. وليت شعري ما الفصول الستّة؟ وما الدّليل على هذا القول؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. الخ.

____________________

١ - الاشاعة فى اشراط الساعة تأليف السيد محمد البرزنجى المدنى ٢٢١ - ٢٢٥.

٢ - الكتب المؤلفة فى فضائل أبى حنيفة حوت بين دفتيها لدة هذه الترهات والاكاذيب المزخرفة وما أكثرها؟ ولو لم يكن الباطل الذى لا اصل له مأخوذاً به فيها اذا لم تلق منها باقية.

١٣٣

وفي مفتاح السّعادة ١: ٢٧٥، و ج ٢: ٨٢: إنَّ أبا حنيفة رحمه الله تعالى رأى كأنّه ينبش قبر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجمع عظامه إلى صدره فهالته الرؤيا فقال إبن سيرين: هذه رؤيا أبي حنيفة فقال: أنا أبو حنيفة فقال إبن سيرين: اكشف عن ظهرك فكشف فرأى خالاً بين كتفيه فقال: أنت الّذي قال عليه الصّلاة والسَّلام: يخرج في امّتي رجلٌ يقال له: أبو حنيفة بين كتفيه خالٌ يحيي الله تعالى ديني على يديه، ثمَّ قال ابن سيرين: لا تخف انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينة العلم وأنت تصل إليها فكان كما قال.

إقرأ وابك على امّة محمّد المرحومة بأيّ أناس بُليت، وبايِّ خلق منيت؟! ما حيلة الجاهل الغرّ وما ينجيه عن هذه السّخائف والأساطير؟!

_ ٣٤ _

أبو زرعة يجعل الحصاة تبراً

روى الذّهبي في تذكرة الحفّاظ ١: ١٧٤ عن خالد بن الفزر قال: كان حياة بن شريح - أبو زرعة المصري شيخ الدِّيار المصريّة المتوفّى ١٥٨ - من البكّائين: وكان ضيّق الحال جدّاً، فجلست وهو متخلّ يدعو فقلت: لو دعوت أن يوسّع الله عليك فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً فأخذ حصاة فرمى إليَّ بها فإذا هي تبرةٌ ما رأيت أحسن منها. وقال: ما خير في الدنيا إلّا للآخرة، ثمَّ قال: هو أعلم بما يصلح عباده فقلت: وما أصنع بهذا؟ قال: استنفقها. فهبته والله أن أردّه.

_ ٣٥ _

وضوء ابراهيم الخراسانى

ذكر اليافعي في ( رياض الرَّياحين ) عن ابراهيم الخراسانيّ المتوفّى ١٦٣ قال: قال: احتجت يوماً إلى الوضوء فاذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضّة ألين من الخزِّ فاستكت وتوضّأت وتركتها وانصرفت، قال: وبقيت في بعض سياحاتي أيّاماً لم أر فيها أحداً من النّاس ولا طيراً ولا ذا روح، وإذا بشخص لا أدري من أين خرج فقال لي: قل لهذه الشجرة تحمل دنانير. فقلت: احملي دنانير. فلم تحمل، ثمَّ قال لها: احملي وإذا بشماريخ الشَّجرة دنانير معلّقة، فاشتغلت انظر إليها، ثمَّ التفتُّ فلم أر الشّخص وذهبت الدَّنانير من الشّجرة.

١٣٤

قال الأميني: إقرأ وابك على الإسلام وعلى تاريخه، وانظر كيف شوَّهت صفحاته.

_ ٣٦ _

الماجشون يموت ويحيى

أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن أبي سلمة القرشي الشّهير بالماجشون المتوفّى ١٦٤ بالاسناد عن إبن الماجشون قال: قال عُرج بروح الماجشون فوضعناه على سرير الغسل فدخل غاسلٌ إليه يغسّله فرأى عِرقاً يتحرَّك في أسفل قدمه، فأقبل علينا وقال: أرى عِرقاً يتحرَّك ولا أرى أن اعجل عليه فاعتللنا على النّاس بالأمر الذي رأيناه، وفي الغد جاء النّاس وغدا الغاسل عليه فرأى العِرق على حاله فاعتذرنا إلى النّاس، فمكث ثلاثاً على حاله والناس يتردّدون إليه ليصلّوا عليه ثمَّ استوى جالساً وقال: ايتوني بسويق فاُتي به فشربه فقلنا له: خبِّرنا ما رأيت؟ فقال: نعم عرج بروحي فصعد بي الملك حتّى أتى سماء الدّنيا فاستفتح ففتح له، ثمَّ عرج هكذا في السّموات حتّى انتهى إلى السَّماء السّابعة فقيل له: مَن معك؟ قال: الماجشون.

فقيل له: لم يأن له بعدُ بقي من عمره كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهراً، وكذا وكذا يوماً، وكذا وكذا ساعةً، ثمَّ حبط بي فرأيت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك الّذي معي: مَن هذا؟ قال: عمر بن عبد العزيز. قلت: إنَّه لقريبٌ من رسول الله فقال: إنّه عمل بالحقِّ في زمن الجور وأنّهما عملا بالحقِّ في زمن الحقِّ.

وأخرجه إبن عساكر في تاريخ الشّام، وذكره ابن خلكان في تاريخه ٢: ٤٦١، واليافعي في مرآة الجنان ١: ٣٥١، وإبن حجر في تهذيب التهذيب ١١: ٣٨٩، وأبو الفلاح الحنبلي في شذرات الذهب ١: ٢٥٩.

قال الأميني: ما كنت أحسب أن يوجد في الاُمَّة الإسلاميَّة من يتّهم الملك الموكَّل بقبض الأرواح بالجهل بآونة الوفيات، وقد وكلّ به من عند العزيز العليم فقال سبحانه:( قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ ) (١) أو مَن يقذفه بالاستبداد في نزع روح أحد قبل إرادة المولى سبحانه وتعالى وفي الكتاب المنزل قوله:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ

____________________

١ - سورة السجدة: ١١.

١٣٥

مَوْتِهَا ) (١) ( وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ ) (٢) ( وَ مَا کَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ کِتَاباً مُؤَجَّلاً ) (٣) ( لاَ إِلٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَ يُمِيتُ رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبَائِکُمُ الْأَوَّلِينَ ) (٤) ( هُوَ الَّذِي خَلَقَکُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى ) (٥) ( وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) (٦) ( مَا تَرَکَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰکِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٧) ( مَا تَرَکَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰکِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٨) ( فَيُمْسِکُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٩) ( إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‌ ) (١٠) ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ کَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ) (١١) .

كما إنّي ما كنت أشعر إمكان حركة جارحة من جوارح الميِّت بعد نزع روحه، فلم أدر بأيِّ صلة بالرّوح المقبوضة كان يتحرَّك العِرق الماجشونيّ خلال ثلاثة أيّام، والي أيّ مركز حسّاس كانت صلة ذلك العِرق النابض

وما كنت أدري انَّ السّموات العُلى لها أبواب مغلّقة يقف عندها ملك الموت في كلِّ عروجه بروح من الأرواح فيستفتح فتفتح له.

وليتني أدري هل هذا السّير البطيء - ثلاثة أيّام - لملك الموت في استصحابه روح الماجشون يخصُّ بالماجشون فحسب أو هو الشأن المطّرد في عامّة الأرواح؟.

نعم كلُّ هذه تسوّغها الدِّعاية إلى السَّلطات الأمويَّة الغاشمة التي كانت تحكم

____________________

١ - سورة الزمر: ٤٢.

٢ - سورة المؤمنون: ٨٠.

٣ - سورة آل عمران: ١٤٥.

٤ - سورة الدخان: ٨.

٥ - سورة الانعام: ٢.

٦ - سورة الاعراف: ٣٤.

٧ - سورة النحل: ٦١.

٨ - سورة فاطر: ٤٥.

٩ - سورة الزمر: ٤٢.

١٠ - سورة نوح: ٤.

١١ - سورة فاطر: ٤٥.

١٣٦

على الاُمَّة في تلكم الأيّام.

_ ٣٧ _

رقعة من الله الى أحمد امام الحنابلة

مرض بشر بن الحارث وعادته آمنة الرّمليّة فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد ابن حنبل يعوده كذلك فنظر إلى آمِنة فقال لبشر: فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر: ادعي الله لنا، فقالت: أللّهم إنَّ بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النّار فأجرهما يا أرحم الرّاحمين. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: فلمّا كان من اللّيل طرحت إلىَّ رقعةٌ من الهواء مكتوبٌ فيها: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم قد فعلنا ذلك ولدينا مزيد.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٢: ٤٨، وابن الجوزي في صفة الصّفوة ٤: ٢٧٨.

_ ٣٨ _

رسول الياس وملك الى أحمد

ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص ١٤٣ بالاسناد عن أبي حفص القاضي قال: قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجلٌ من بحر الهند فقال: إنّي رجلٌ من بحر الهند خرجت اُريد الصِّين فاُصيب مركنٌ فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر فقال لي أحدهما: أتحبُّ أن يخلّصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل منّا السَّلام؟ قلت: ومن أحمد؟ ومَن أنتما يرحمكما الله؟ قال: أنا إلياس وهذا الملك الموكّل بجزاير البحر، وأحمد بن حنبل بالعراق. قلت: نعم. فنفضني البحر نفضة فإذا أنا بساحل الأبلة فقد جئتك اُبلّغك منهما السّلام.

_ ٣٩ _

النخلة تحمل بقلم أحمد

قال أبو طالب عليّ بن أحمد: دخلت يوماً على أبي عبد الله وهو يملي وأنا أكتب فاندقّ قلمي فأخذ قلمّاً فأعطانيه فجئت بالقلم إلى أبي عليّ الجعفريّ فقلت: هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه فقال لغلامه: خذ القلم فضعه في النخلة عسى تحمل. فوضعه فيها فحملت. مختصر طبقات الحنابلة ص ١١.

١٣٧

_ ٤٠ _

تكة سراويل أحمد

قال ابن كثير في تاريخه ١٠: ٣٣٥: يروى أنّه لمـّا اُقيم - أحمد بن حنبل - ليضرب – لمـّا ضربه المعتصم - إنقطعت تكّة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرّك شفتيه فدعا الله فعاد سراويله كما كان، ويروى أنّه قال: يا غياث المستغيثين، يا إله~ العالمين، إن كنت تعلم أنِّي قائمٌ لك بحقّ فلا تهتك لي عورة.

_ ٤١ _

الحريق والغريق وكرامة أحمد

روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص ٢٩٧ باسناده عن فاطمة بنت أحمد قالت: وقع الحريق في أخي صالح وكان قد تزوّج إلى قوم مياسير فحملوا إليه جهازاً شبيهاً بأربعة آلاف دينار فأكلته النّار فجعل صالح يقول: ما غمّني ما ذهب منّي إلّا ثوب لأبي كان يصلّي فيه أتبرّك به واُصلّي فيه قالت: فطفى الحريق ودخلوا فوجدوا الثّوب على سرير قد أكلت النّار ما حواليه والثّوب سليم.

قال ابن الجوزي: قلت: وهكذا بلغني عن قاضي القضاة عليّ بن الحسين الزينبي انّه وقع الحريق في دارهم فاحترق ما فيها إلّا كتاباً كان فيه شيىءٌ بخطّ أحمد.

وقال: قلت: ولمـّا وقع الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمأة وغرقت كتبي سلم لي مجلّد فيه ورقتان بخطّ الإمام أحمد.

وقال الذهبي في ذيل العبر عند ذكر ما وقع سنة ٧٢٥، واليافعي في المرآة: ومن الآيات أنّ مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الّذي فيه ضريحه فإنَّ الماء دخل في الدّهليز علوَّ ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صحَّ هذا عندنا، وجرَّ السيل أخشاباً كباراً وحيّات غريبة الشَّكل.

مرآت الجنان ٤: ٢٧٣، شذرات الذهب ٦: ٦٦، صلح الإخوان للخالدي ص ٩٨.

قال الأميني: وكفى شاهداً على صدق هذه الكرامة عدم وجود أيّ أثر من ذلك

١٣٨

المرقد المعظّم اليوم، وقد جرفته السُّيول، وعفت رسمه، كأن لم يكن، وغدا حديث أمس الدابر.

_ ٤٢ _

ألله يزور احمد كل عام

روى إبن الجوزي في مناقب أحمد ص ٤٥٤ قال: حدَّثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جدّاً قبل دخول رمضان بأيّام فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأنّي قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيت قبره قد إلتصق بالأرض حتّى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف(١) أو سافين فقلت: إنّما تمّ هذا على قبر الإمام أحمد بن كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول: لا بل هذا من هيبة الحقِّ عزَّ وجلّ لأنَّه عزَّ وجلّ قد زارني، فسألته عن سرِّ زيارته إيّاي في كلِّ عام فقال عزَّ وجلَّ: يا أحمد! لأنّك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده اُقبّله ثمَّ قلت: يا سيّدي ما السرُّ في انّه لا يقبّل قبر إلّا قبرك؟ فقال لي: يا بُنيَّ ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنَّ معي شعرات من شعرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا ومن يحبّني يزورني في شهر رمضان قال ذلك مرَّتين.

مرّت في زيارة إمام الحنابلة أحمد في الجزء الخامس ص ١٧٥ - ١٧٨ لدة هذه من آيات الغلوّ. فراجع ويا حّبذا لو صدقت الأحلام.

_ ٤٣ _

أحمد والملكان النكيران

ذكر إبن الجوزي في مناقب أحمد ص ٤٥٤ عن عبد الله بن أحمد يقول: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: جاءك منكرٌ ونكيرٌ؟ قال: نعم، قالا لي: من ربّك؟ قلت: سبحان الله أما تستحيان منّي؟ فقالا لي: يا أبا عبد الله! أعذرنا بهذا اُمرنا.

قال الأميني: ما أجرأ الإمام على الملكين الكريمين في ذلك المأزق الحرج؟

____________________

١ - الساف والسافة: الصف من الطين أو اللين ج آسف وسافات.

١٣٩

وما أجهله بالنّاموس المطّرد من سؤال القبر وانّه بأمر من الله العليِّ العزيز؟ حتى جابه الملكين بذلك القول الخشن، ما أحمد وما خطره؟ وقد جاء في الرِّواية: انَّ عمر ارتعد منهما لمـّا دخلا عليه(١) وكان عمر بمحلّ من المهابة على حدِّ قول عكرمة: انَّه دعا حجّاماً فتنحنح عمرو كان مهيباً فأحدث الحجّام، فأعطاه عمر أربعين درهماً(٢) .

وعلى الملكين أن يشكرا الله سبحانه على أن كفَّ الإمام عن أن يصفعهما فيفقأ عينهما كما فعل موسى بملك الموت في مزعمة أبي هريرة(٣) فرجع إلى ربّه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فردَّ الله إليه عينه. كما في سنن النسائي ٤: ١١٨.

وفي لفظ الطبري في تاريخه ١: ٢٢٤: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انَّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتّى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه قال: فرجع فقال: يا ربّ! إنَّ عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه. فقال: ائت عبدي موسى فقل له: فليضع كفّه على متن ثور فله بكلِّ شعرة وارت يده سنة، وخيّره بين ذلك وبين أن يموت الآن. قال: فأتاه فخيّره فقال له موسى: فما بعد ذلك؟ قال: الموت. قال: فالآن إذاً. قال: فشمَّه شمة قبض روحه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاس خفيّا.

وأخرج الحكيم الترمذي مرفوعاً: انَّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتّى جاء موسى فلطمه ففقأ عينه فصار يأتي النّاس بعد ذلك خفية. ذكره الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص ٢٩.

____________________

١ - قال السيد الجردانى فى مصباح الظلام ج ٢ ص ٥٦: ان الله تعالى أعطى عليّاً علم البرزخ فلمّا مات عمر بن الخطاب رضى الله عنه جلس علي علىّ قبره ليسمع قوله للملكين، فلمّا دخلا عليه ارتعد منهما ثمّ اجاب فقالا له: نم. فقال: كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة؟ وقد صحبت النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم ولكن اشهد عليكما الله وملائكته ان لا تدخلا على مؤمن إلّا في أحسن صورة ففعلا. فقال له على بن ابى طالب: نم يا ابن الخطاب! فجزاك الله من المسلمين خيرا لقد نفعت الناس في حياتك ومماتك. اقرأ واضحك.

٢ - طبقات ابن سعد ٣: ٢٠٦، تاريخ بغداد ١٤: ٢١٥، تاريخ عمر لابن الجوزى ص ٩٩، كنز العمال ٦: ٣٣١.

٣ - راجع صحيح البخارى ١: ١٥٨ فى ابواب الجنائز، و ج ٢: ١٦٣ باب وفاة موسى، صحيح مسلم ٢: ٣٠٩ باب فضائل موسى، مسند احمد ١: ٣١٥، العرائس للثعلبي ص ١٣٩.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

آياته زادتهم ايماناً و على ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون أُولئك هم المؤمنون حقّاً .١ .

و بشر المخبتين الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و الصابرين على ما أصابهم و المقيمي الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون٢ .

« تسمع » أي : القلوب .

« به » أي : بسبب ذكره تعالى .

« بعد الوقرة » أي : بعد ثقل اذنها .

« و تبصر » أي : القلوب ( به ) أي : بسبب ذكره تعالى .

« بعد العشوة » أي : ضعف بصرها ان الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون٣ .

« و تنقاد به بعد المعاندة » و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلاّ اللَّه و لم يصرّوا على ما فعلوا و هم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نعم أجر العاملين٤ .

« و ما برح » أي : ما زال .

« للَّه » خبر لقوله بعد ( عباد ) .

« عزّت آلاؤه » كقولك ( عزّ اسمه ) .

« في البرهة بعد البرهة » أي : المدة .

« و في أزمان الفترات » ضعف أهل الحق في الماضي و الحال و الآتي .

____________________

( ١ ) الانفال : ٢ ٤ .

( ٢ ) الحج : ٣٤ ٣٥ .

( ٣ ) الاعراف : ٢٠١ .

( ٤ ) آل عمران : ١٣٥ ١٣٦ .

٥٤١

« عباد ناجاهم في فكرهم » بالكسر فالفتح جمع فكر بالكسر فالسكون .

« و كلّمهم في ذات عقولهم » و في مناجاة شعبان : « الهي و اجعلني ممّن ناديته فأجابك و لا حظته فصعق لجلالك فناجيته سرا و عمل لك جهرا » « فاستصبحوا بنور يقظة » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه .

« في الأبصار و الأسماع » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في الأسماع و الأبصار ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« و الأفئدة » بالضد من أهل الدنيا الذين قال تعالى فيهم : . لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم اذان لا يسمعون بها .١ .

« يذكّرون بأيام اللَّه » و لقد أرسلنا موسى بآياتنا ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور و ذكّرهم بأيام اللَّه٢ .

« و يخوّفون مقامه » و قال الذي آمن اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الَّذين من بعدهم و ما اللَّه يريد ظلماً للعباد و يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من اللَّه من عاصم و من يضلل اللَّه فماله من هادٍ و لقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شك ممّا جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث اللَّه من بعده رسولاً كذلك يضلّ اللَّه من هو مسرف مرتاب٣ .

و تعبيره عليه السّلام بالتخويف من مقامه دون التخويف منه تعالى نفسه لكونه أبلغ قال تعالى : و أما من خاف مقام ربِّه و نهى النفس عن الهوى فان

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٢ ) ابراهيم : ٥ .

( ٣ ) المؤمن : ٣٠ ٣٤ .

٥٤٢

الجنّة هي المأوى١ .

و التعبير هنا نظير التعبير في قوله تعالى حكاية عن العزيز لامرأته في يوسف : . أكرمي مثواه .٢ دون اكرميه .

« بمنزلة الأدلّة في الفلوات » قيل لابرهة بن الحارث الرائش من ملوك اليمن ذو المنار لأنّه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع « من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه و بشّروه بالنجاة » كما قال تعالى في الآخذين بالقصد : ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدعون نزلاً من غفورٍ رحيمٍ٣ .

« و من أخذ يمينا و شمالا ذموا إليه الطريق و حذّروه من الهلكة » كما قال تعالى : و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .٤ .

و أما من طغى و آثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى٥ .

« و كانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات و أدلّة تلك الشبهات » في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله طوبى لعبد نومه عرفه اللَّه و لم يعرفه الناس ، أولئك مصابيح الهدى و ينابيع العلم تنجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة ليسوا بالمذاييع البذور و لا بالجفاة المرائين .

____________________

( ١ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٢ ) يوسف : ٢١ .

( ٣ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

( ٤ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٥ ) النازعات : ٣٧ ٣٩ .

٥٤٣

« و ان للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا » في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام مرّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله برجل يغرس غرسا في حايط له فوقف عليه و قال : ألا أدلّك على غرس أثبت أصلا و أسرع ايناعا و أطيب ثمرا قال بلى ، قال : إذا أصبحت و أمسيت فقل « سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر » فان لك ان قلته بكلّ تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من أنواع الفاكهة ، و هو من الباقيات الصالحات فقال الرجل له عليه السّلام فاني اشهدك ان حايطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين فانزل تعالى فيه فأما من أعطى و اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى١ .

« فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه » كما قال تعالى و قد مر .

« يقطعون به أيام الحياة » ان في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون اللَّه قياماً و قعوداً و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السماوات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انّك من تدخل النار فقد أخزيته و ما للظالمين من أنصار ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنّا سيئاتنا و توفَّنا مع الأبرار ربنا و آتنا ما وعدتنا على رسلك و لا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى .٢ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ما من شي‏ء إلاّ و له حد ينتهي إليه إلاّ الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض اللَّه الفرائض فمن أداهن فهو حدّهن ، و من صام شهر رمضان فهو حدّه و من حجّ فهو حدّه إلاّ الذكر ، فانّه تعالى لم يرض

____________________

( ١ ) الليل : ٥ ٧ .

( ٢ ) آل عمران : ١٩٠ ١٩٥ .

٥٤٤

منه بالقليل و لم يجعل له حدّا ينتهي إليه ثم تلا : يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللَّه ذكراً كثيراً و سبّحوه بكرة و أصيلا١ و كان أبي عليه السّلام كثير الذكر لقد كنت أمشي معه و انّه ليذكر اللَّه و آكل معه الطعام و انّه ليذكر اللَّه ، و لقد كان يحدّث القوم و ما يشغله ذلك عن ذكر اللَّه ، و كنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول :

لا إله إلاّ اللَّه و كان يجمعنا و يأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ، و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ، و من كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر و البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللَّه تعالى فيه تكثر بركته ، و تحضره الملائكة ، و تهجره الشياطين ،

و يضي‏ء لأهل السماء كما يضي‏ء الكوكب الدريّ لأهل الأرض ، و البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللَّه تعالى فيه ، تقلّ بركته و تهجره الملائكة و تحضره الشياطين و قد قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله ألا أخبركم بخير أعمالكم و أرفعها في درجاتكم ، و أزكاها عند مليككم و خير لكم من الدينار و الدرهم و خير لكم من ان تلقوا عدوّكم فتقتلوهم و يقتلوكم ؟ قالوا : بلى قال ذكر اللَّه تعالى كثيرا .

و فيه جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال : من خير أهل المسجد فقال : أكثرهم للَّه ذكرا و قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله من أعطى لسانا ذاكرا فقد أعطى خير الدنيا و الآخرة و قال صلّى اللَّه عليه و آله من أكثر ذكر اللَّه تعالى أحبّه اللَّه و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا اللَّه كثيرا .

و يكفي في شموخ مقام الذكر قوله تعالى : فاذكروني اذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون٢ و في ( الكافي ) قال تعالى لعيسى عليه السّلام : اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي و اذكرني في ملأ اذكرك في ملأ خير من ملأ الادميّين .

____________________

( ١ ) الاحزاب : ٤١ ٤٢ .

( ٢ ) البقرة : ١٥٢ .

٥٤٥

و عن الباقر عليه السّلام أوحى تعالى إلى موسى عليه السّلام : أنا جليس من ذكرني فقال موسى عليه السّلام : فمن في سترك يوم لا ساتر إلاّ سترك قال الذين يذكروني فأذكرهم و يتحابون فيّ فاحبّهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فارفع بهم عنهم .

و عنه عليه السّلام مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى قال : يا إلهي يأتي عليّ مجالس أجلّك أن أذكرك فقال تعالى : يا موسى ان ذكري حسن على كلّ حال .

و عن الصادق عليه السّلام أوحى تعالى إلى موسى عليه السّلام : لا تفرح بكثرة المال ،

و لا تدع ذكري على حال فان كثرة المال تنسي الذنوب ، و ان ترك ذكري يقسي القلوب .

و عنه عليه السّلام يموت المؤمن غرقا و بالهدم و يبتلى بالسبع و يموت بالصاعقة و لا تصيب الصاعقة ذاكرا اللَّه تعالى .

و عن أحدهما عليهما السّلام لا تكتب المئكة إلاّ ما تسمع و قال تعالى : و اذكر ربك في نفسك تضرّعاً و خفية و دون الجهر من القول بالغدو و الاصال و لا تكن من الغافلين١ و لا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللَّه تعالى لعظمته .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام من ذكر اللَّه تعالى في السرّ فقد ذكره كثيرا ، ان المنافقين كانوا يذكرونه علانية و لا يذكرونه في السرّ قال تعالى : . يراؤن الناس و لا يذكرون اللَّه إلاّ قليلا٢ .

« و يهتفون » أي : يصيحون .

____________________

( ١ ) الاعراف : ٢٠٥ .

( ٢ ) النساء : ١٤٢ .

٥٤٦

« بالزواجر عن محارم اللَّه في أسماع الغافلين » عن اللَّه .

( في المروج ) : حضر أبوذر مجلس عثمان ذات يوم ، فقال عثمان : أرأيتم من زكّى ماله هل فيه حق لغيره ؟ فقال كعب الأحبار : لا فدفع أبو ذر في صدر كعب ، و قال له : كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا : ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الملئكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب .١ فقال عثمان : أترون بأسا ان نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه في ما ينوبنا من أمورنا و نعطيكموه ، فقال كعب الأحبار :

لا بأس بذلك فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب ، و قال : يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا .

فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي غيّب وجهك عني فقد آذيتني فخرج أبو ذر إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان ، ان أبا ذر يجمع إليه الجموع و لا آمن أن يفسدهم عليك فان كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك فكتب إليه عثمان بحمله فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه ، و كاد أن يتلف فقيل له : انك تموت من ذلك ، فقال هيهات لن أموت حتى انفى و ذكر جوامع ما نزل به بعد من يتولى دفنه فجلس في داره أياما ثم دخل على عثمان فجلس على ركبتيه و تكلّم بأشياء و ذكر الخبر في ولد أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا عباد اللَّه خولا و كان في ذلك اليوم أتى بتركة عبد الرحمان بن عوف فنضت البدر حتى حالت بين عثمان و بين الرجل القائم فقال عثمان : اني لأرجو لعبد الرحمان خيرا لأنّه كان يتصدّق و يقري

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٧ .

٥٤٧

الضيف و ترك ما ترون فقال كعب الأحبار : صدقت فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب و لم يشغله ما كان فيه من الألم ، و قال : يا ابن اليهودي تقول لرجل مات و ترك هذا المال ان اللَّه أعطاه خير الدنيا و خير الآخرة ، و تقطع على اللَّه بذلك ، و أنا سمعت النبي صلّى اللَّه عليه و آله يقول « ما يسرني أن أموت و أدع ما يزن قيراطا » فقال له عثمان : و ارعني وجهك فقال : أسير إلى مكة قال : لا و اللَّه ، قال :

فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت ؟ قال : أي و اللَّه ، قال : فالى الشام ،

قال : لا و اللَّه قال البصرة ، قال : لا و اللَّه ، فاختر غيرها ، قال : ما اختار غيرها و لو تركتني في دار هجرتي ما أردت بلدا آخر ، فسيّرني حيث شئت ، قال : فاني مسيّرك إلى الربذة قال أبو ذر : اللَّه أكبر صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قد أخبرني بكلّ ما أنا لاق ، قال عثمان : و ما قال لك ؟ قال : أخبرني بأني أمنع عن مكة و المدينة و أموت بالربذة ، و يتولى مواراتي نفر ممّن يردون من العراق نحو الحجاز الخ « و يأمرون بالقسط » بالكسر العدل و أما بالفتح فالجور ، و في الأساس نقول أمر اللَّه بالقسط و نهى عن القسط .

« قل أمر ربي بالقسط » ( و يأتمرون به ) . و ان حكمت فاحكم بينهم بالقسط .١ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للَّه و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فاللَّه أولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا و ان تلوا أو تعرضوا فان اللَّه كان بما تعملون خبيرا٢ .

و القيام بالقسط وصفه تعالى : شهد اللَّه انّه لا إله إلاّ هو و الملائكة

____________________

( ١ ) المائدة : ٤٢ .

( ٢ ) النساء : ١٣٥ .

٥٤٨

و أولوا العلم قائماً بالقسط .١ و بعث رسله لذلك لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط .٢ .

« و ينهون عن المنكر و يتناهون عنه » التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر و الحافظون لحدود اللَّه .٣ .

فلمّا نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء و أخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلمّا عتوا عن مّا نُهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين٤ .

لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولوَّنَ الّذين كفروا لبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم أَن سَخِط اللَّه عليهم و في العذاب هم خالدون٥ .

« فكانما قطعوا الدنيا إلى الآخرة و هم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك » قال : ابن أبي الحديد هو شرح حاله عليه السّلام فقال : ( لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ) .

« فكأنّما » هكذا ( في المصرية و ابن أبي الحديد ) و الصواب : ( و كانما ) كما في ( ابن ميثم ) .

« اطلعوا عيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه و حققت القيامة عليهم عداتها فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٨ .

( ٢ ) الحديد : ٢٥ .

( ٣ ) التوبة : ١١٢ .

( ٤ ) الاعراف : ١٦٥ .

( ٥ ) المائدة : ٧٨ ٨٠ .

٥٤٩

و يسمعون ما لا يسمعون » .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : استقبل حارثة بن مالك الأنصاري النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال له كيف أنت يا حارثة ؟ قال : مؤمن حقّا فقال صلّى اللَّه عليه و آله له لكلّ شي‏ء حقيقة فما حقيقة قولك ؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي و اظمأت هواجري و كأني انظر إلى عرش ربي و قد وضع للحساب ، و كأني أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنة و كأني أسمع عواء أهل النار في النار ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : هذا عبد نوّر اللَّه قلبه ، أبصرت فأثبت فقال : ادع اللَّه أن يرزقني الشهادة فقال صلّى اللَّه عليه و آله : اللّهم ارزقه فلم يلبث حتى بعثه صلّى اللَّه عليه و آله مع سرية فقتل تسعة أو ثمانية فقتل و في خبر استشهد مع جعفر بعد تسعة .

« فلو مثلتهم » أي : جسمتهم .

« لعقلك في مقاومهم » جمع المقام و أصله المقوم .

« المحمودة » عند اللَّه تعالى .

« و مجالسهم المشهودة » لملائكته .

« و قد نشروا دواوين » جمع الديوان .

« أعمالهم و فرغوا لمحاسبة أنفسهم على كلّ صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصروا عنها » بترك بعضها .

« أو نهوا عنها ففرطوا فيها » بارتكاب بعضها .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها فان للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقداره ألف سنة ثم تلا تعرج الملائكة و الروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة١ .

« و حملوا ثقل أوزارهم ظهورهم » و الأصل فيه قوله تعالى . حتى إذا

____________________

( ١ ) المعارج : ٤ .

٥٥٠

جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون١ .

« فضعفوا » تفريع على تحميل ثقل أوزارهم على ظهورهم .

« عن الاستقلال بها » أي : الاطاقة و الرفع لها .

« فنشجوا نشيجا » في ( الصحاح ) ( نشج الباكي نشجا و نشيجا ) إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب .

« و تجاوبوا » هكذا في النسخ و الظاهر كونه محرّف ( و نحبوا ) و النحيب رفع الصوت بالبكاء و لا معنى للتجاوب هنا لأن كلاّ منهم يبكي على نفسه و لقوله « نحيبا » فيكون ( نحبوا نحيبا ) مثل ( نشجوا نشيجا ) .

و في ( ثواب الأعمال ) عن الصادق عليه السّلام ما من شي‏ء إلاّ و له كيل و وزن إلاّ الدموع فان القطرة منها تطفى‏ء بحارا من نار ، و إذا اغرو رقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة فإذا فاضت حرّمه اللَّه على النار و لو ان باكيا بكى في أمة لرحموه .

و عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله طوبى لصورة نظر اللَّه إليها تبكي عن ذنب من خشية اللَّه لم يطّلع على ذلك الذنب غيره تعالى .

« يعجون » أي : يرفعون صوتهم .

« إلى ربهم من مقام ندم و اعتراف » بجنايتهم .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله اللَّه تعالى به الجنة قلت يدخله بالذنب الجنّة ؟ قال : نعم ، انّه ليذنب الذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه اللَّه فيدخله الجنّة .

و عنه عليه السّلام من أذنب ذنبا و علم ان اللَّه تعالى مطّلع عليه ان شاء عذبه و ان

____________________

( ١ ) الانعام : ٣١ .

٥٥١

شاء غفره غفر له و ان لم يستغفر .

« لرأيت أعلام هدى و مصابيح » جمع المصباح السراج .

« دجى » أي : ظلمة .

« قد حفت » أي : أحاطت .

« بهم الملائكة » ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة .١ .

« و تنزلت عليهم السكينة » هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم .٢ .

و قال تعالى في حنين و الفتح : ثم انزل اللَّه سكينته على رسوله و على المؤمنين .٣ و في ( الشجرة ) لقد رضى اللَّه عن المؤمنين إلى فأنزل السكينة عليهم .

« و فتحت لهم أبواب السماء و أعد لهم مقاعد الكرامات » ان المتقين في جنات و نهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر٤ .

« في مقام اطلع اللَّه عليهم فيه فرضي سعيهم و حمد مقامهم » و إذا رأيت ثم رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً عاليهم ثياب سندس خضر و استبرق و حلوا أساور من فضة و سقاهم ربهم شراباً طهورا ان هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا٥ .

____________________

( ١ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

( ٢ ) الفتح : ٤ .

( ٣ ) التوبة : ٢٦ .

( ٤ ) القمر : ٥٤ ٥٥ .

( ٥ ) الانسان : ٢٠ ٢٢ .

٥٥٢

« يتنسمون » أي : يجدون نسيما .

« بدعائه روح » بالفتح الاستراحة .

« التجاوز » . ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين١ قل ما يعبؤا بكم ربي لو لا دعاؤكم .٢ .

و في الكافي عنه عليه السّلام الدعاء مفتاح النجاح و مقاليد الفلاح ، و خير الدعاء ما صدر عن صدر تقي و قلب نقي ، و في المناجاة سبب النجاة ، و بالاخلاص يكون الخلاص ، فاذا اشتد الفزع فالى اللَّه المفزع .

رهائن فاقة إلى فضله و اسارى ذلّة لعظمته » في الكافي : ان اللَّه تعالى أوحى إلى داود ان ائت عبدي دانيال فقل له : انك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، و عصتني فغفرت لك ، فان عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فقال له دانيال قد بلغت يا نبي اللَّه فلمّا كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال :

يا رب ان داود نبيّك أخبرني عنك اني قد عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي و اخرني عنك اني ان عصيتك الرابعة لم تغفر لي ،

و عزّتك و جلالك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك .

« جرح طول الأسى » أي : الحزن .

« قلوبهم و طول البكاء عيونهم » في الكافي عن الصادق عليه السّلام : كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثا : عين غضّت عن محارم اللَّه ، و عين سهرت في طاعة اللَّه ،

و عين بكت في جوف الليل من خشية اللَّه .

و عنه عليه السّلام أوحى اللَّه تعالى إلى موسى عليه السّلام : البكاءون من خشيتي في الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد و عن الباقر عليه السّلام : ما من قطرة أحبّ إلى اللَّه

____________________

( ١ ) غافر : ٦٠ .

( ٢ ) الفرقان : ٧٧ .

٥٥٣

تعالى من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من اللَّه تعالى لا يراد بها غيره .

« لكلّ باب رغبة إلى اللَّه منهم يد قارعة » يقال « من قرع بابا و لجّ ولج » انهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين١ و عنه عليه السّلام الدعاء ترس المؤمن و متى تكثر قرع الباب يفتح لك .

« يسألون من لا تضيق لديه المنادح » قال الجوهري المنادح : المفاوز و المنتدح المكان الواسع ولى عن هذا الأمر مندوحة و منتدح أي سعة .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ادع و لا تقل ان الأمر فرغ منه ان عند اللَّه منزلة لا تنال إلاّ بمسألة فسل تعط انّه ليس من باب يقرع الا يوشك أن يفتح لصاحبه .

« و لا يخيب عليه الراغبون » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلاّ استحيى أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسحها على وجهه و رأسه .

و عنه عليه السّلام لا تتركوا صغيرة ان تدعوا بها ان صاحب الصغار هو صاحب الكبار .

« فحاسب نفسك لنفسك » في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السّلام ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فان عمل حسنة استزاد الله تعالى و ان عمل سيئة استغفر اللَّه منها و تاب إليه .

و قال : ابن ميثم كان توبة بن الصمة محاسبا لنفسه فحسب يوما فاذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فاذا هي أحد و عشرون ألف و خمسمائة يوم ، فصرخ و قال : يا ويلتي ألفي الملك بأحد و عشرين ألف ذنب ، ثم خرّ مغشيا عليه فاذا هو ميت و لو رمى العبد بكلّ معصية حصاة في داره

____________________

( ١ ) الانبياء : ٩٠ .

٥٥٤

لامتلأت في مدّة يسيرة و لكنه يتساهل في حفظها ، و الملكان يحفظان عليه كما قال تعالى : . أحصاه اللَّه و نسوه .١ .

« فان غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك » قال تعالى : . عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم إلى اللَّه مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون٢ .

فأمّا من أُوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه اني ظننت اني ملاقٍ حسابيه فهو في عيشةٍ راضيةٍ في جنّة عاليةٍ قطوفها دانيةٍ كلوا و اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية و أما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه و لم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه٣ .

٢٤

الخطبة ( ٢٢٥ ) منها في صفة الزهاد :

كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ اَلدُّنْيَا وَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ وَ بَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ تَقَلَّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ اَلْآخِرَةِ وَ يَرَوْنَ أَهْلَ اَلدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَ هُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ « كانوا قوما من أهل الدنيا و ليسوا من أهلها فكانوا فيها كمن ليس منها » .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : صلّى النبي صلّى اللَّه عليه و آله الصبح فنظر إلى شاب

____________________

( ١ ) المجادلة : ٦ .

( ٢ ) المائدة : ١٠٥ .

( ٣ ) الحاقة : ١٩ ٢٩ .

٥٥٥

في المسجد ، و هو يخفق و يهوي برأسه مصفرّا لونه قد نحف جسمه ، و غارت عيناه في رأسه ، فقال صلّى اللَّه عليه و آله له كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت موقنا فعجب النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من قوله ، و قال ان لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ قال : ان يقيني هو الذي أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي ، و قد نصب للحساب و حشر الخلائق لذلك و أنا فيهم ، و كأني أنظر إلى أهل الجنّة يتنعمون فيها و إلى أهل النار و هم فيها يعذبون فيصطرخون فقال صلّى اللَّه عليه و آله لأصحابه : هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالايمان .

« عملوا فيها بما يبصرون و بادروا فيها ما يحذرون » و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون١ .

( تقلب ) واصله ( تتقلب ) .

« أبدانهم بين ظهراني » بفتح النون .

« أهل الآخرة » اما لعدم خلطتهم مع أهل الدنيا و اما لأن يقينهم جعلهم كأنّهم في المحشر كما مر في الخبر .

« يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم » . يود أحدهم لو يعمّر ألف سنة .٢ .

« و هم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم » لأن الحياة الحقيقية الحياة القلب .

قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للَّه و للرسول إذا دعاكم لمّا

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

( ٢ ) البقرة : ٩٦ .

٥٥٦

يحييكم .١ .

و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتاً بل احياءٌ عند ربهم يرزقون٢ .

و في ( السيرة ) في غزوة مؤتة فأخذ عبد اللَّه بن رواحة الراية أي بعد قتل جعفر و زيد بن حارثة و هو يقول :

أقسمت يا نفس لتنزلنه

لتنزلن أو لتكرهنه

ان أجلب الناس و شدوا الرنة

مالي أراك تكرهين الجنة

قد طال فيما كنت مطمئنة

هل انت إلاّ نطفة في شنة

قالوا الشنة السقاء البالي ، و النطفة الماء القليل الصافي أي يوشك أن ينخرق السقاء و يهرق ماؤه ، ضرب ذلك مثلا لنفسه في جسده .

و في ( الاستيعاب ) حبسوا الوليد بن الوليد بمكة في المستضعفين فكان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يدعو له فأفلت من اسارهم فخرج على رجليه فطلبوه فلم يدركوه شدا و نكبت أصبع من أصابعه فجعل يقول :

هل أنت إلاّ اصبع دميت

و في سبيل اللَّه ما لقيت

قالوا : فمات منه .

٢٥

الكتاب ( ٥٦ ) من وصية له وصى بها شريح بن هانى‏ء لمّا جعله على مقدمته إلى الشام :

اِتَّقِ اَللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ اَلدُّنْيَا اَلْغَرُورَ وَ لاَ

____________________

( ١ ) الانفال : ٢٤ .

( ٢ ) آل عمران : ١٦٩ .

٥٥٧

تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ اَلْأَهْوَاءُ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ اَلأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ اَلضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ اَلْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً قول المصنف « و من وصيّة له عليه السّلام وصى بها » هكذا في المصرية ،

و الصواب : « و من كلام له عليه السّلام وصى به » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« شريح بن هاني » في ( الاسد ) كان من أعيان أصحاب علي عليه السّلام و شهد معه حروبه و شهد الحكمين بدومة الجندل ، و بقي دهرا طويلا قيل : انّه عاش مائة و عشرين سنة ، و خرج إلى سجستان غازيا ، فأخذ الكفار عليهم الطريق فقتل في عامة الجيش و قال في ذلك اليوم :

أصبحت ذابث أقاسي الكبرا

قد عشت بين المشركين أعصرا

ثمت أدركت النبي المنذرا

و بعده صديقه و عمرا

و يوم مهران و يوم تسترا

و الجمع في صفينهم و نهرا

و بالخميرات و المشقرا

هيهات ما اطول هذا عمرا

« لمّا جعله على مقدمته إلى الشام » المفهوم من صفين نصر بن مزاحم انّه عليه السّلام ما جعل شريحا على جميع مقدمته بل على طائفة منها و انما جعل زياد بن النضر أميرا على جميع المقدمة ، و شريح كان على طائفة ما لم يجتمع مع زياد و انّه عليه السّلام دعاهما و جعل المخاطب بالكلام الذي وصى به زيادا لكونه الأمير على الكل ففيه قال يزيد بن خالد بن قطن :

ان عليّا عليه السّلام لمّا أراد المسير إلى النخيلة دعا زياد بن النضر و شريح بن هانى‏ء و كانا على مذحج و الاشعريين فقال يا زياد اتق اللَّه في كلّ ممسى و مصبح ، و خف على نفسك الدنيا الغرور و لا تأمنها على حال من البلاء ، و اعلم

٥٥٨

انك ان لم تزع نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروهه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرّ فكن لنفسك مانعا و ادعا من البغي و الظلم و العدوان فاني قد وليتك هذا الجند فلا تستطيلن عليهم ، و ان خيركم عند اللّه اتقاكم و تعلّم من عالمهم و علّم جاهلهم و احلم عن سفيههم فانك انما تدرك الخير بالحلم و كفّ الأذى و الجهد .

و فيه أيضا انّه عليه السّلام لمّا وصى زيادا بذاك الكلام قال زياد له عليه السّلام « أوصيت حافظا لوصيتك مؤدبا بأدبك يرى الرشد في نفاذ أمرك ، و الغي في تضييع عهدك » .

و فيه بعثهما في اثنى عشر ألفا على مقدمته و شريح على طائفة و زياد على جميعهم و أمرهما أن يأخذا في طريق واحد و لا يختلفا قال فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حده و لا يقرب بزياد فكتب زياد إلى الإمام عليه السّلام انّك ولّيتني أمر الناس ، و ان شريحا لا يرى لي عليه طاعة و ذلك من فعله بي استخفافا بأمرك و تركا لعهدك قال : و كتب شريح إليه عليه السّلام « ان زيادا حين أشركته في أمرك و ولّيته جندا من جنودك تنكّر و استكبر ، و مال به العجب و الخيلاء و الزهوّ إلى ما لا يرضاه الربّ تعالى من القول و الفعل ، فان رأى ان يعزله عنّا و يبعث مكانه من يحبّ فليفعل فانّا له كارهون الخ .

قوله عليه السّلام « اتق اللّه في كلّ صباح و مساء » هكذا في ( المصرية ) و نسخة ( ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطّية ) ( مساء و صباح ) و كيف كان فقال تعالى :

و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و اتقوا اللَّه ان اللَّه شديد العقاب١ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٢ .

٥٥٩

و اتقوا اللَّه الذي إليه تحشرون١ . و اتقوا اللَّه إن كنتم مؤمنين٢ . و اتقوا اللَّه الذي أنتم به مؤمنون٣ . و اتقوا اللَّه ان اللَّه خبير بما تعملون٤ . و اتقوا اللَّه ان اللَّه سريع الحساب٥ . و اتقوا لعلّكم ترحمون٦ . و اتقوا اللَّه لعلّكم تفلحون٧ .

« و خف على نفسك الدنيا الغرور » يا أيها الناس اتقوا ربّكم و اخشوا يوماً لا يَجزي والد عن ولده و لا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً ان وعد اللَّه حقٌّ فلا تَغُرَّنَكم الحياةُ الدنيا و لا يغرَّنّكم باللَّه الغَرور٨ .

« و لا تأمنها على حال » . و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور٩ .

« و اعلم انك ان لم تردع » أي : تنهى و تمنع .

« نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

( مكروهه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و في الأصل المستند صفين نصر .

« سمت » أي : علت .

« بك الأهواء » و ميول النفس .

« إلى كثير من الضرر » في العاجل و الآجل قال الشاعر :

____________________

( ١ ) المائدة : ٩٦ .

( ٢ ) المائدة : ٩٦ .

( ٣ ) المائدة : ٨٨ .

( ٤ ) الحشر : ١٨ .

( ٥ ) المائدة : ٤ .

( ٦ ) لانعام : ١٥٥ .

( ٧ ) البقرة : ١٨٩ .

( ٨ ) لقمان : ٣٣ .

( ٩ ) آل عمران : ١٨٥ .

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607