بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 112858 / تحميل: 3856
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثاني عشر

الشيخ محمد تقي التّستري

١

المجلد الثاني عشر

٢

تتمة الفصل السابع و الثلاثون في ذم الدنيا و فنائها

٣١

الحكمة ( ٤٦٣ ) و قال عليه السّلام :

اَلدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا وَ لَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا قال بعضهم : و نحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها ، و قال ابن أبي الحديد : قال أبو العلاء :

خلق النّاس للبقاء فضلّت

أمّة يحسبونهم للنّفاد

انّما ينقلون من دار اعمال

إلى دار شقوة أو رشاد١

٣٢

الحكمة ( ١٩٥ ) وَ قَالَ ع وَ قَدْ مَرَّ بِقَذَرٍ عَلَى مَزْبَلَةٍ هَذَا مَا بَخِلَ بِهِ اَلْبَاخِلُونَ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨١ .

٣

وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مَا كُنْتُمْ تَتَنَافَسُونَ فِيهِ بِالْأَمْسِ قول المصنّف : « و قد مرّ بقذر على مزبلة » في الصحاح المزبل بالكسر :

السّرجين ، و موضعه مزبلة و مزبلة أي : بفتح الباء و ضمّها١ و في ( عقلاء مجانين النيسابوري ) : كان لجعفر بن سلمان جارية اسمها الخيزران و كان مفتونا بها ، فركب يوما في جماعة من الموالي يريد الجمعة فمرّ بأبي سعيد الضبعي فرفع رأسه و قال يا جعفر تحبّ خيزران ؟ قال : نعم فقال : أبو سعيد :

نبّئتها عشقت حشا فقلت لها

لا يعشق الحشّ إلاّ كلّ كنّاس٢

فضرب جعفر وجه دابّته ، و مضى حياء من الناس قوله عليه السلام : « هذا ما بخل به الباخلون » قيل بالفارسيّة :

عارفى روزى به راهى ميگذشت

واله و سرمست چون ميخوارگان

ديد گورستان و مبرز روبرو ( گفت )

اينش نعميت اينش نعمت خوارگان

و في ( تاريخ بغداد ) : قالت مولاة داود الطائي : طبخت له دسما ثمّ أتيته به ، فقال ما فعل أيتام فلان ؟ قلت : على حالهم ، قال : إذهبي بهذا إليهم ، فقلت : أنت لم تأكل أدما منذ كذا و كذا فقال : إنّ هذا إذا أكله اليتامى ، كان عند اللّه مذخورا ،

و إذا أكلته كان في الحشّ٣ هذا ، و قيل لزياد الأعجم ، الا تهجو جريرا ؟ فقال أليس الّذي يقول :

كأنّ بني طهيّة رهط سلمى

حجارة خارى‏ء يرمى كلابا٤

____________________

( ١ ) الصحاح : ( زبل ) .

( ٢ ) النيسابوري ، عقلاء المجانين : ٨٧ ٨٨ .

( ٣ ) تاريخ بغداد ٨ : ٣٥٣ رقم ( ٤٤٥٥ ) .

( ٤ ) الأغاني ٨ : ٧٤ .

٤

قالوا : بلى ، قال : ليس بيني و بين هذا عمل .

قول المصنّف : « و روى في خبر آخر أنّه عليه السّلام قال » ، قلت : و روى في خبر عنه عليه السّلام رواه ابن بابويه في ( فقيهه ) : إنّ الإنسان إذا نظر إلى حدثه بعد فراغه فليقل : ( اللّهمّ ارزقني الحلال و جنّبني الحرام )١ فانّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : ما من عبد إلاّ و قد وكّل اللَّه به ملكا يلوي عنقه إذا أحدث ، حتّى ينظر إليه ، فعند ذلك ينبغي أن يسأل اللَّه الحلال فإن الملك يقول : يا ابن آدم هذا ما حرصت عليه بالأمس انظر من أين أخذته و إلى ما ذا صار٢ « هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس » :

قد أولع النّاس في الدّنيا بأربعة

أكل و شرب و ملبوس و منكوح

و غاية الكلّ ان فكّرت فيه

روث و بول و مطروح و مفضوح

و ليتنافس في نعيم لا يحصل منه شي‏ء و هو نعيم الآخرة قال تعالى إنَّ الأبرار لفي نعيم على الارائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النّعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك و في ذلك فليتنافس المتنافسون٣ هذا ، و في ( المعجم ) قال إبراهيم بن هلال ، كان الحسن بن محمّد المهلّبي يناصف العشرة أوقات خلوته و يبسطنا في المزح إلى أبعد غاية ، فإذا جلس للعمل كان أميرا و قورا آخذا في جدّ كامل ، فاتّفق أن صعد يوما من طيارة إلى داره ، و قد حقنه البول فقصد بعض الأخلية فوجده مقفّلا و كذلك كانت عادته حفاظا لها عن الابتذال ، فقال :

____________________

( ١ ) الفقيه ١ : ٢٣ ح ٣٨ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٢٣ ح ٣٨ .

( ٣ ) المطففين : ٢٢ ٢٦ .

٥

فهبك طعامك استوثقت منه

فما بال الكنيف عليه قفل ؟

فقلت : إنّه لموضع عجب ، و إذا وقع الإحتياط في الأصل ، فقد استغنى عنه في الفرع ، فضحك ، و قال أوسعتنا هجاء١

٣٣

في الحكمة ( ١٠٣ ) إِنَّ اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ وَ سَبِيلاَنِ مُخْتَلِفَانِ فَمَنْ أَحَبَّ اَلدُّنْيَا وَ تَوَلاَّهَا أَبْغَضَ اَلْآخِرَةَ وَ عَادَاهَا وَ هُمَا بِمَنْزِلَةِ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ وَ مَاشٍ بَيْنَهُمَا كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ اَلْآخَرِ وَ هُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ أقول : مراده عليه السلام بالدّنيا التي جعلها مع الآخرة كعدوين و سبيلين مختلفين كالمشرق و المغرب و كالضرّتين ، دنيا لم تجعل مقدّمة للآخرة ،

و معلوم أنّها مع الآخرة كعدوّين ، فلا يمكن أن يكون أحد محبّ الدّنيا و لا يكون مبغض الآخرة و معاديها ، كما قال عليه السّلام و لذا قال تعالى لنبيّه صلى اللَّه عليه و آله فأعرض عن من تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدُّنيا .٢ و كسبيلين كالمشرق و المغرب ، و معلوم أنّه كما قال عليه السّلام كلّما قرب سالك من أحدهما بعد عن الآخر ، قال شاعر :

إلى اللَّه أشكو بالمدينة حاجة

و بالشّام أخرى كيف تلتقيان

هذا ، و لمّا تزوّج سهيل بن عبد الرّحمن بن عوف الثّريا ، امرأة من أميّة الأصغر ، التي كان يشبّب بها عمر بن أبي ربيعة ، قال عمر :

أيّها المنكح الثّريا سهيلا

عمرك اللَّه كيف يلتقيان

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ٩ : ١٣٣ ١٣٤ ترجمة ( الحسن بن محمد المهلبي ) .

( ٢ ) النجم : ٢٩ .

٦

هي شاميّة إذا ما استقلّت

و سهيل إذا استقلّ يماني١

شبّه عمر الرّجل المسمّى بسهيل و المرأة المسمّاة بثريّا بالكوكبين المعروفين ( سهيل ) و ( ثريّا ) اللّذين لا يجتمعان .

قلت : و كان لسهيل أن ينقض كلامه عليه بأنّ الثّريّا كوكب و سهيل كوكب ، و الكوكب للكوكب فهي لي .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) : قصر الضّرّتين موضع بالكوفة بايع الناس فيه محمّد بن ابراهيم بن اسماعيل بن طباطبا أيّام أبي السّرايا٢ هذا ، و كأنّه وقع في الكلام تغيّر ، و الأصل ، انّ الدّنيا و الآخرة عدوّان لا يجتمع حبّهما و تولّيهما ، فمن أحبّ الدّنيا و تولاّها أبغض الآخرة و عاداها ،

و بالعكس ، و هما سبيلان مختلفان متفاوتان كالمشرق و المغرب ، كلّما قرب ماش من واحد منهما بعد من الآخر .

و كيف كان ، فالثّالث ممّا شبّهها عليه السّلام به الضّرّتان و من طبعهما المباينة ، فمن وصل أحداهما قطعته الاخرى ، و شبّههما السّجاد عليه السّلام كفّتي ميزان أيّهما رجح ذهب بالاخرى ، ثم تلا عليه السّلام قوله تعالى إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة٣ أي : خافضة لأعداء اللَّه إلى النّار ، رافعة لأوليائه إلى الجنّة ، و بالجملة حيث إنّهما ضدّان لا يمكن الجمع بينهما كاملا ، و قد ورد أنه ( لم يستكمل لذّة الدّنيا من اهتمّ بمواقيت صلواته ) .

____________________

( ١ ) الأغاني ١ : ١٠٦ ، و الكامل للمبرد : ٥٩٨ طبع القاهرة .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ٣٤٨ .

( ٣ ) الواقعة : ١ ٣ .

٧

٣٤

الخطبة ( ٦٠ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَلاَ وَ إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارٌ لاَ يُسْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ فِيهَا وَ لاَ يُنْجَى بِشَيْ‏ءٍ كَانَ لَهَا اُبْتُلِيَ اَلنَّاسُ بِهَا فِتْنَةً فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَ حُوسِبُوا عَلَيْهِ وَ مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَ أَقَامُوا فِيهِ فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي اَلْعُقُولِ كَفَيْ‏ءِ اَلظِّلاَلِ بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ وَ زَائِداً حَتَّى نَقَصَ « ألا و انّ الدنيا دار لا يسلم منها إلاّ فيها » هي الدّاء و فيها الدّواء لمن أراد العلاج فمن داوى فيها سلم و من ترك هلك و هذا صراط ربِّك مستقيماً قد فصّلنا الآيات لقومٍ يذّكرون لهم دار السّلام عند ربِّهم و هو وليُّهم بما كانوا يعملون١ ، الذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون٢ ، و الملائكة يدخلون عليهم من كُلِّ بابٍ سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار٣ « و لا ينجى بشي‏ء كان لها » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام في مناجاة موسى : يا موسى إنّ الدنيا دار عقوبة ، عاقبت فيها آدم عند خطيئته ، و جعلتها ملعونة : ملعون ما فيها إلاّ ما كان فيها لي ، يا موسى إنّ عبادي الصّالحين زهدوا في الدّنيا بقدر علمهم ، و ساير الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم ، و ما من أحد عظّمها فقرّت عيناه فيها ، و لم يحقّرها أحد إلاّ انتفع بها٤

____________________

( ١ ) الأنعام : ١٢٦ ١٢٧ .

( ٢ ) النحل : ٣٢ .

( ٣ ) الرعد : ٢٣ ٢٤ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٥ ح ٩ .

٨

« ابتلى الناس فيها » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( بها )١ كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٢ « فتنة » أحسب النّاس أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللَّه الّذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين٣ « فما أخذوه منها لها أخرجوا منه » و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم . .٤ « و حوسبوا عليه » ثمّ لتسئلنَّ يومئذٍ عن النّعيم٥ « و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه » و ما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند اللَّه هو خيرا و أعظم أجرا٦ « فانّها عند ذوي العقول كفي‏ء الظل » كلّ في‏ء ظلّ ، و ليس كلّ ظلّ فيئا ، قال روبة : كلّ ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو في‏ء و ظلّ ، و ما لم يكن عليه الشمس فهو ظلّ ، و لكون الظّلّ أعمّ صحّ إضافة الفي‏ء إليه .

« بينا تراه » أي : في‏ء الظّلّ سابغا أي : كاملا وافيا .

« حتّى قلص » أي : نقص ، من قولهم ( ظلّ قالص ) .

« و زائدا حتّى نقص » قال ابن أبي الحديد : قال الشاعر :

١ ألا انّما الدّنيا كظلّ غمامة

أظلّت يسيرا ثم خفّت فولّت

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية المصححة بلفظ : ١٦١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٢٠ ح ٦٢ ، و شرح ابن ميثم بلفظ « فيها » ٢ : ٥٨ ح ٦٠ ، و الخطية : ٤١ بلفظ « بها » .

( ٣ ) العنكبوت : ٢ ٣ .

( ٤ ) الأنعام : ٩٤ .

( ٥ ) التكاثر : ٨ .

( ٦ ) المزمّل : ٢٠ .

٩

٢ ظلّ الغمام و أحوال المنام فما

تدوم يوما لمخلوق على حال١

و في ( شعراء ابن قتيبة ) قال لبيد :

و ما النّاس إلاّ كالدّيار و أهلها

بها يوم حلوّها و غدوا بلاقع

و ما المرء إلاّ كالشّهاب وضوئه

يحور رمادا بعد ما هو ساطع٢

٣٥

من الخطبة ( ١٦٨ ) أَلاَ وَ إِنَّ هَذِهِ اَلدُّنْيَا اَلَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَ تَرْغَبُونَ فِيهَا وَ أَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَ تُرْضِيكُمْ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَ لاَ مَنْزِلِكُمُ اَلَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَ لاَ اَلَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ أَلاَ وَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ وَ لاَ تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا وَ هِيَ إِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا وَ أَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا وَ سَابِقُوا فِيهَا إِلَى اَلدَّارِ اَلَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَ اِنْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا وَ لاَ يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ اَلْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا وَ اِسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ وَ اَلْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اِسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ أَلاَ وَ إِنَّهُ لاَ يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْ‏ءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ أَلاَ وَ إِنَّهُ لاَ يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْ‏ءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ أَخَذَ اَللَّهُ بِقُلُوبِنَا إِلَى اَلْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ اَلصَّبْرَ « ألاّ و انّ هذه الدّنيا التي أصبحتم تتمنّونها و ترغبون فيها » قلبا و روحا ،

قال الّذين يريدون الحياة الدُّنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنُّه لذو حظّ عظيم٣

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٥ : ١٤٤ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٩١ طبع القاهرة ١٩٣٢ .

( ٣ ) القصص : ٧٩ .

١٠

« و أصبحت تغضبكم و ترضيكم » و ليست هي متمنّية لكم و لا راغبة فيكم ،

بل تكون كمرأة فارك ، تغضب زوجها ثمّ ترضيه من غضبه بشي‏ء تخدعه .

ليست بداركم و لا منزلكم الّذي خلقتم له » :

طمعت إقامة في دار ظعن

فلا تطمع فرجلك في الرّكاب١

« و لا الّذي دعيتم إليه » إنّما هذه الحياة الدُّنيا متاعٌ و إنَّ الآخرة هي دار القرار٢ « ألا و إنّها ليست بباقية لكم و لا تبقون عليها » قال تعالى بعد ذكر عاد و ثمود : فهل ترى لهم من باقية٣ ، و كم أهلكنا قبلهم من قرنٍ هل تحسّ منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً٤ ، ما عندكم ينفد و ما عند اللَّه باقٍ .٥ .

« و هي و إن غرّتكم منها » يا أيّها الناس انّ وعد اللَّه حقّ فلا تغرّنّكم الحياة الدُّنيا و لا يغرّنّكم باللَّه الغرور٦ ، . و غرّتكم الأماني حتّى جاء أمر اللَّه و غرّكم باللَّه الغرور٧ ، و ما الحياة الدُّنيا إلاّ متاع الغرور٨ .

« فقد حذّرتكم شرّها » في ( الطبري ) : لمّا أخذ ابن الزبير بالبيعة ليزيد في المدينة من قبل الوليد خرج تحت اللّيل هو و اخوه جعفر ليس معهما ثالث ،

فأخذ طريق الفرع ، و تجنب الطريق الأعظم ، مخافة الطّلب فبينا يسايران تمثّل جعفر بقول صبرة الحنظلي :

____________________

( ١ ) منسوب للإمام أمير المؤمنين ، الديوان : ٥٢ .

( ٢ ) غافر : ٣٩ .

( ٣ ) الحاقة : ٨ .

( ٤ ) مريم : ٩٨ .

( ٥ ) النحل : ٩٦ .

( ٦ ) فاطر : ٥ .

( ٧ ) الحديد : ١٤ .

( ٨ ) آل عمران : ١٨٥ .

١١

و كلّ بني امّ سيمسون ليلة

و لم يبق من أعقابهم غير واحد

فقال ابن الزّبير : سبحان اللَّه ما أردت يا أخي ؟ قال : و اللَّه ما أردت يا أخي به شيئا ممّا تكره ، فقال : فذاك و اللَّه أكره إليّ أن يكون جاء على لسانك من غير تعمّد ، و كأنّه قد تطيّر منه١ « فدعوا غرورها لتحذيرها و إطماعها لتخويفها » :

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة

و ما هي إن غرّت قرونا بطائل٢

١ تحرّز من الدّنيا فإنّ فناءها

محلّ فناء لا محلّ بقاء

فصفوتها ممزوجة بكدورة

و راحتها مقرونة بعناء٣

٢ إنّما الدّنيا فناء ليس للدّنيا ثبوت

إنّما الدّنيا كبيت نسجته العنكبوت٤

٣ قد رأيت القرون كيف تفانت

درست ثمّ قيل كان و كانت٥

هي دنيا كحيّة تنفث السّمّ

و ان كانت المجسّة لانت٦

٤ فلم أر كالدّنيا بها اغترّ أهلها

و لا كاليقين استوحش الدّهر صاحبه

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٥٢ .

( ٢ ) منسوب للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام ، الديوان : ٩ .

( ٣ ) منسوب لأمير المؤمنين عليه السّلام في الديوان : ٣٩ .

( ٤ ) ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام : ٦٤ .

( ٥ ) ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام : ١١٦ .

( ٦ ) ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام : ١١٦ .

١٢

أمرّ على رسم القريب كانّما

أمرّ على رسم امرى‏ء لا أناسبه١

اليقين : الموت .

« و سابقوا فيها إلى الدّار التي دعيتم إليها » سابقوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم و جنّة عرضها كعرض السّماء و الأرض أُعدّت للّذين آمنوا باللَّه و رسله .٢ .

« و انصرفوا بقلوبكم عنها » :

إنّما الدّنيا كظلّ زائل

أو كضيف بات ليلا فارتحل

أو كنوم قد يراه نائم

أو كبرق لاح في أفق الأمل٣

« و لا يخننّ أحدكم خنين الأمة » في ( الصحاح ) : الخنين كالبكاء في الأنف و الضحك في الأنف٤ و المراد هنا الأوّل .

« على ما زورى عنه منها » :

هب الدّنيا تساق إليك عفوا

أليس مصير ذاك إلى الزّوال

و ما ترجو لشي‏ء ليس يبقى

و شيكا قد يغيّره الليالي٥

« و استتّموا نعمة اللّه عليكم بالصّبر على طاعة اللَّه ، و المحافظة على ما استحفظكم من كتابه » فمن لم يصبر على طاعته و عن معصيته يبدّل نعمته بالنقّمة :

باللَّه ربّك كم بيت مررت به

قد كان يعمر باللّذات و الطّرب

____________________

( ١ ) ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام : ١٩ .

( ٢ ) الحديد : ٢١ .

( ٣ ) ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام : ١٢٥ .

( ٤ ) الصحاح : ( خنن ) .

( ٥ ) ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام : ١٢٥ .

١٣

طارت عقاب المنايا في جوانبه

فصار من بعدها للويل و الخرب١

« ألا و انّه لا يضرّكم تضييع شي‏ء من دنياكم بعد حفظ قائمة دينكم » في ( الكافي ) : ( كان رجل من أصحاب الصادق عليه السّلام يدخل عليه في حجّه فغبر زمانا لا يحجّ فدخل بعض معارفه عليه عليه السّلام فقال عليه السّلام له ما فعل فلان ؟ فجعل يضجع الكلام يظنّ انّه عليه السّلام يعني الميسرة و الدّنيا فقال عليه السّلام كيف دينه ؟

فقال هو و اللَّه كما تحبّ فقال عليه السّلام هو و اللَّه الغنى٢ .

و قال عليه السّلام في قوله تعالى في مؤمن آل فرعون فوقيه اللَّه سيئات ما مكروا .٣ : أما و اللّه لقد قسطوا عليه و قتلوه و لكن وقاه ان يفتنوه في دينه٤ .

و في ( الطبري ) : بعد ذكر قبول الحرّ ان يأخذ الحسين عليه السّلام طريقا لا يدخله الكوفة و لا يردّه إلى المدينة نصفا : و أقبل الحرّ يسايره و هو يقول له إنّي اذكّرك اللَّه في نفسك فانّي اشهد لئن قاتلت لتقتلنّ فقال عليه السّلام أفبالموت تخوّفني ؟ أقول لك ما قال أخو الأوس لابن عمّه لمّا لقيه و هو يريد نصرة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فقال له فأين تذهب ؟ فانّك مقتول :

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

و واسى الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا يغشّ و يرغما

فلمّا سمع الحرّ ذلك منه تنحّى عنه ، و كان يسير بأصحابه في ناحية و الحسين عليه السّلام في ناحية حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ، و كان هجائن النّعمان ترعى هنالك ، فإذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل ، و معهم دليلهم الطّرماح بن عديّ

____________________

( ١ ) ديوان أمير المؤمنين عليه السّلام : ٥٢ .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٣٠٧ ح ٤ .

( ٣ ) غافر : ٤٥ .

( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٠٦ ح ١ .

١٤

على فرسه و هو يقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

و شمّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان و خير سفر

حتّى تحلّي بكريم النحر

الماجد الحرّ رحيب الصّدر

أتى به اللَّه لخير أمر

ثمّة أبقاه بقاء الدّهر

فقال عليه السّلام أما و اللَّه انّي لأرجو أن يكون خيرا ما أراد اللَّه بنا قتلنا أم ظفرنا١ .

« ألا و انّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم » في ( الكافي ) عنه عليه السّلام : إذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم ، و إذا نزلت نازلة اجعلوا أنفسكم دون دينكم ، و اعلموا انّ الهالك من هلك دينه ، و الحريب من حرب دينه .

« أخذ اللَّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ و ألهمنا و إيّاكم الصبر »٢ ، قال الباقر عليه السّلام : إنّ هذا الدّنيا يعطيها اللَّه البرّ و الفاجر ، و لا يعطي الإيمان إلاّ صفوته من خلقه٣ .

و قال الصادق عليه السّلام من كان همّه همّا واحدا يعني لدينه كفاه اللَّه همّه ،

و من كان همّه في كلّ واد لم يبال اللَّه بأيّ واد هلك٤ .

٣٦

من الخطبة ( ١٧٣ ) أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَلدُّنْيَا تَغُرُّ اَلْمُؤَمِّلَ لَهَا وَ اَلْمُخْلِدَ إِلَيْهَا وَ لاَ تَنْفَسُ بِمَنْ

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٥ .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ٣ .

( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٤٤ ح ٥ .

١٥

نَافَسَ فِيهَا وَ تَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا وَ اَيْمُ اَللَّهِ مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوبٍ اِجْتَرَحُوهَا لِ أَنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ٦ ١٠ ٣ : ١٨٢ وَ لَوْ أَنَّ اَلنَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ اَلنِّقَمُ وَ تَزُولُ عَنْهُمُ اَلنِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ وَ وَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ وَ أَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ « أيّها الناس أنّ الدنيا تغر المؤمّل لها » أي : تخدعه .

« و المخلد إليها » أي : الراكن إليها ، قال تعالى و اتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين و لو شئنا لرفعناه بها و لكنّه أخلد إلى الأرض و اتَّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث .١ .

« و لا تنفس بمن نافس فيها » أي : لا ترغب و لا تضنّ في من و بمن رغب فيها و ضنّ بها .

« و تغلب من غلب عليها » و في ( الكامل ) : بعد ذكر فتح صلاح الدّين حلب في سنة ( ٥٧٩ ) و ذكر مطعونيّة أخيه تاج الملوك الّذي كان فارسا شجاعا كريما حليما جامعا لمحاسن الأخلاق في ذاك الحرب في ركبته ، حضر صلاح الدّين عند أخيه يعوده و قال له : هذه حلب قد أخذناها و هي لك ، فقال : ذلك لو كان و أنا حيّ ، و و اللَّه لقد أخذتها غالية حيث تفقد مثلي ، فعمل صلاح الدين دعوة احتفل فيها ، فبيناهم في سرور إذ جاء من أسرّ إليه بموت أخيه٢ .

و كان المعتمد بن عباد صاحب اشبيليّة نكب و سجن باغمات فجاءه ببناته في عيد فقال :

____________________

( ١ ) الأعراف : ١٧٥ ١٧٦ .

( ٢ ) الكامل في التاريخ لابن الأثير ١١ : ٤٩٨ .

١٦

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا

فجاءك العيد بالاغمات مأسورا

ترى بناتك في الأنظار جائعة

يغزلن للنّاس ما يملكن قطميرا

يطأن في الطّين و الأقدام حافية

كأنّها لم تطأ مسكا و كافورا

قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا

فردّك الدّهر منهيّا و مأمورا

من بات بعدك في ملك يسرّ به

فانّما بات في الأحلام مغرورا١

و في ( الأغاني ) : قال الشعبي دعاني عبد الملك في علّته التي مات فيها فغصّ بلقمته و أنا بين يديه ، فتساند طويلا ثم قال أصبحت كما قال الشاعر :

كأنّي و قد جاوزت سبعين حجّة

خلعت بها عن منكبيّ ردائيا

فقلت : الشعر للبيد و قد عاش إلى أن بلغ مائة و عشر فقال :

أ ليس في مائة قد عاشها رجل

و في تكامل عشر بعدها عمر

فعاش إلى أن بلغ مائة و عشرين فقال :

و لقد سأمت من الحياة و طولها

و سؤال هذا النّاس كيف لبيد ؟

غلب الرّجال و كان غير مغلّب

دهر جديد دائم ممدود

يوم أرى يأتي عليه و ليلة

و كلاهما بعد المضاء يعود

ففرح عبد الملك و قال : ما أرى بأسا ، و قد وجدت خفّة فأمر لي بأربعة آلاف درهم فقبضتها و خرجت فما بلغت الباب ، حتّى سمعت النّاعية عليه٢ .

« و ايم اللَّه » قسم مخفّف ( أيمن ) من اليمين و يجوز في همزتها الفتح و الكسر .

« ما كان قوم قطّ في غض نعمة من عيش » أي : طريّ نعمة و نضرتها .

« فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها » إنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ١٠ : ٢٤٩ ذكر بعض الأبيات .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ١٨ : ١٤٣ ١٤٤ .

١٧

بأنفسهم .١ ، كدأب آل فرعون و الّذين من قبلهم كفروا بآيات اللَّه فأخذهم اللَّه بذنوبهم إنّ اللَّه قوي شديد العقاب ذلك بأنّ اللَّه لم يكن مغيّراً نعمةً أنعمها على قوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم و انّ اللَّه سميعٌ عليم٢ .

« لأنّ اللَّه ليس بظلاّم للعبيد » و الأصل فيه قوله تعالى ذلك بما قدّمت أيديكم و انّ اللَّه ليس بظلاّمٍ للعبيد٣ .

« و لو انّ الناس حين تنزل بهم النقم و تزول عنهم النعم فزعوا إلى ربّهم » روى إنّه إذا تريد أن تعرف قصر البلاء من طوله ، فاعرفه في إلهام الدعاء و عدمه .

« لردّ عليهم كلّ شارد » يقال شرد البعير إذا نفر .

« و أصلح لهم كلّ فاسد » و لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء و الضّرّاء لعلّهم يضرّعون فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا و لكن قست قلوبهم و زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون٤ ، فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لمَّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدُّنيا و متّعناهم إلى حين٥ .

٣٧

من الخطبة ( ١٨٦ ) وَ كُونُوا عَنِ اَلدُّنْيَا نُزَّاهاً وَ إِلَى اَلْآخِرَةِ وُلاَّهاً وَ لاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ اَلتَّقْوَى وَ لاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ اَلدُّنْيَا وَ لاَ تَشِيمُوا بَارِقَهَا وَ لاَ تَسْتَمِعُوا نَاطِقَهَا وَ لاَ تُجِيبُوا نَاعِقَهَا وَ لاَ تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا وَ لاَ تُفْتَنُوا

____________________

( ١ ) الرعد : ١١ .

( ٢ ) الأنفال : ٥٢ ٥٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٨٢ .

( ٤ ) الأنعام ٤٢ ٤٣ .

( ٥ ) يونس : ٩٨ .

١٨

بِأَعْلاَقِهَا فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَ نُطْقَهَا كَاذِبٌ وَ أَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ وَ أَعْلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ أَلاَ وَ هِيَ اَلْمُتَصَدِّيَةُ اَلْعَنُونُ وَ اَلْجَامِحَةُ اَلْحَرُونُ وَ اَلْمَائِنَةُ اَلْخَئُونُ وَ اَلْجَحُودُ اَلْكَنُودُ وَ اَلْعَنُودُ اَلصَّدُودُ وَ اَلْحَيُودُ اَلْمَيُودُ حَالُهَا اِنْتِقَالٌ وَ وَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ وَ عِزُّهَا ذُلٌّ وَ جِدُّهَا هَزْلٌ وَ عُلْوُهَا سُفْلٌ دَارُ حَرَبٍ وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ وَ عَطَبٍ أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَ سِيَاقٍ وَ لَحَاقٍ وَ فِرَاقٍ قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَ أَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا وَ خَابَتْ مَطَالِبُهَا فَأَسْلَمَتْهُمُ اَلْمَعَاقِلُ وَ لَفَظَتْهُمُ اَلْمَنَازِلُ وَ أَعْيَتْهُمُ اَلْمَحَاوِلُ فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَ لَحْمٍ مَجْزُورٍ وَ شِلْوٍ مَذْبُوحٍ وَ دَمٍ مَسْفُوحٍ وَ عَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ وَ صَافِقٍ بِكَفَّيْهِ وَ مُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ وَ زَارٍ عَلَى رَأْيِهِ وَ رَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ وَ قَدْ أَدْبَرَتِ اَلْحِيلَةُ وَ أَقْبَلَتِ اَلْغِيلَةُ وَ لاَتَ حِينَ مَنَاصٍ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ وَ مَضَتِ اَلدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّماءُ وَ اَلْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ ١ ١٠ ٤٤ : ٢٩ « و كونوا عن الدنيا نزّاها » قال ابن السّكيت : ممّا يضعه النّاس في غير موضعه قولهم : خرجنا نتنزّه ، إذا خرجوا إلى البساتين ، و إنّما التنزّه ، التّباعد عن المياه و الأرياف ، و منه قيل : فلان يتنزّه عن الأقذار و ينزّه نفسه عنها أي :

يباعد عنها١ .

قلت : و يصدّق ما قاله مورد كلامه عليه السّلام في الأمر بالتنزّه عن الدنيا و قولهم أنّه تعالى منزَّه عن النقائص .

« و إلى الآخرة ولاّها » الوله : التحيّر من شدّة الوجد ، قال تعالى إنّما هذه الحياة الدُّنيا متاع و إنّ الآخرة هي دار القرار٢ ، قال الذين يريدون الحياة

____________________

( ١ ) نسبه ابن منظور لابن سيدة : ٣٧٧ راجع لسان العرب ١٣ : ٥٤٨ ( نزه ) .

( ٢ ) غافر : ٣٩ .

١٩

الدُّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم و قال الّذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللَّه خيرٌ لمن آمن و عمل صالحاً و لا يُلقّيها إلاّ الصابرون فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اللَّه و ما كان من المنتصرين و أصبح الّذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون و يكانّ اللَّه يبسط الرزّق لمن يشاء من عباده و يقدر لو لا ان منَّ اللَّه علينا لخسف بنا١ .

« و لا تضعوا من رفعته التّقوى » و اصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدُّنيا و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و كان أمره فرطا٢ .

و في ( أسباب نزول الواحدي ) : عن سلمان قال : جاءت المؤلّفة القلوب عيينية بن حصن و الأقرع بن حابس و ذو وهم إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم فقالوا : انّك لو جلست في صدر المجلس ، و نحيّت عنّا هؤلاء و أرواح جبابهم يعنون سلمان و أباذر و فقراء المسلمين و كانت عليهم جباب الصّوف جلسنا إليك و حادثناك و أخذنا عنك ، فأنزل تعالى و اصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ الآيات فقام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يلتمسهم حتّى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون اللَّه تعالى ، فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : الحمد للَّه الذي لم يمتني حتّى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمّتي ، معكم المحيا و معكم الممات٣ .

« و لا ترفعوا من رفعته الدنيا » و لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدُّنيا لنفتنهم فيه و رزق ربِّك خيرٌ و أبقى٤ .

____________________

( ١ ) القصص : ٧٩ ٨٢ .

( ٢ ) الكهف : ٢٨ .

( ٣ ) أسباب النزول للواحدي : ٢٢٥ .

( ٤ ) طه : ١٣١ .

٢٠

مستصحبا» في السفر «و المستصحب» مع المسافر «لا يكون مستخلفا» في أهله،

لاستحالة كون جسم في مكانين، و أمّا اللَّه تعالى فالسماء و الأرض و المشرق و المغرب عنده سواء فأينما تولّوا فثمّ وجه اللَّه( ١ ) ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم و لا خمسة إلاّ هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلاّ هو معهم أين ما كانوا ثم ينبّئهم بما عملوا يوم القيامة ان اللَّه بكلّ شي‏ء عليم( ٢) .

قول المصنف: «و ابتداء هذا الكلام» من أوّله إلى «و أنت الخليفة في الأهل» «مروي عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لكن مع زيادة و نقصان، ففي (مجازات) المصنف: و من ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اللّهم إنّا نعوذ بك من وعثاء السفر، و كآبة المنقلب، و الحور بعد الكور، و سوء المنظر في الأهل و المال» و قال المصنف ثمة: و الحور بعد الكور أي انتشار الامور بعد انضمامها و انفراجها بعد التيامها، و ذلك مأخوذ من حور العمامة بعد كورها، و هو نقضها بعدليّها و نشرها بعد طيّها( ٣ ) ، قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في (السيرة) في رجوعه من غزوة بني لحيان لمّا خرج إليهم لطلب ثأر أصحاب الرجيع( ٤) .

«و قد قفّاهعليه‌السلام » أي: أتبعه «بأبلغ كلام و تمّمه بأحسن تمام، من قوله لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل» «و المستصحب لا يكون مستخلفا».

لكن روى الكلام عنهعليه‌السلام في ذهابه إلى صفين، و فيه قفّاهعليه‌السلام بما قال و في إيابه من صفين، و فيه زاد قبله شيئا، ففي (صفين نصر بن مزاحم): قال عبد الرحمن بن جندب لما أقبل عليّعليه‌السلام من صفين أقبلنا معه، فأخذ طريقا

____________________

(١) البقرة: ١١٥.

(٢) المجادلة: ٧.

(٣) المجازات النبوية: ١٤١.

(٤) سيرة ابن هشام ٣: ١٧٥.

٢١

غير طريقنا الذي أقبلنا فيه، فقال «آئبون عائدون، لربّنا حامدون، اللّهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في المال و الأهل»( ١) .

٥ - الخطبة (٢٢٥) و من دعاء لهعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ اَلْآنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ وَ أَحْضَرُهُمْ بِالْكِفَايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ وَ تَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ وَ تَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ اَلْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ وَ إِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ اَلْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى اَلاِسْتِجَارَةِ بِكَ عِلْماً بِأَنَّ أَزِمَّةَ اَلْأُمُورِ بِيَدِكَ وَ مَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ اَللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي وَ خُذْ بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُكْرٍ مِنْ هِدَايَاتِكَ وَ لاَ بِبِدْعٍ مِنْ كِفَايَاتِكَ اَللَّهُمَّ اِحْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ وَ لاَ تَحْمِلْنِي عَلَى عَدْلِكَ قول المصنف: «و من دعائه» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «و من دعاء لهعليه‌السلام » كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

قولهعليه‌السلام «اللّهم إنك آنس الآنسين لأوليائك» كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حضر وقت الصلاة يقول لبلال: اذّن و أرحني من غير اللَّه تعالى( ٣) .

و في التاسعة من مناجات الصحيفة: إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة

____________________

(١) وقعة صفين: ٥٢٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٦٧، و شرح ابن ميثم ٤: ٩٣.

(٣) رواه الهروي في غريبه، عنه النهاية ٢: ٢٧٤ و غيره.

٢٢

محبّتك فرام منك بدلا، و من ذا الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولا( ١) .

و في الثالثة عشرة: أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك، و من كلّ راحة بغير أنسك، و من كلّ سرور بغير قربك، و من كلّ شغل بغير طاعتك( ٢) .

هذا، و الظاهر أنّ «الآنسين» محرّف «الأنيسين»، لأن أولياء اللَّه مستأنسون باللَّه تعالى و بذكره لا انّه تعالى مستأنس بهم.

و في (وقعة صفين): لما قدم عليّعليه‌السلام الكوفة سأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة، فقال قائل: استأثر اللَّه به. فقالعليه‌السلام : إنّ اللَّه لا يستأثر بأحد من خلقه، إنّما أراد اللَّه بالموت إعزاز نفسه و إذلال خلقه( ٣) .

و مما ذكرنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد: أنّ الرواية الصحيحة «بأوليائك»، أي: أنت أكثرهم انسا بأوليائك( ٤ ) . و ما في قول الخوئي: ان اللام في «لأوليائك» لتبيين الفاعل من المفعول، فإن قلت ما أحبّني لفلان فأنت فاعل الحبّ و فلان مفعوله، و إن قلت ما أحبني إلى فلان فالأمر بالعكس( ٥) .

«و أحضرهم بالكفاية للمتوكّلين عليك» و في السير: إن ذا القرنين لمّا فرغ من عمل السدّ انطلق على وجهه، فبينا يسير هو و جنوده إذ مرّ على شيخ يصلّي، فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين: كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي؟ قال: كنت اناجي من هو أشدّ جنودا منك و أعزّ سلطانا و أشدّ قوّة، و لو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله. فقال له ذو القرنين: هل لك في أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و أستعين بك على

____________________

(١) ملحقات الصحيفة السجادية: ٣٥٦.

(٢) ملحقات الصحيفة السجادية: ٣٦٤.

(٣) وقعة صفين: ٦، و النقل بتصرف في العبارة.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٦٧.

(٥) شرح الخوئي ٧: ١٢٧.

٢٣

بعض أمري. قال: نعم إن ضمنت لي أربع خصال: نعيما لا يزول، و صحّة لا سقم فيها، و شبابا لا هرم فيه، و حياة لا موت فيها. فقال له ذو القرنين: و أيّ مخلوق يقدر على هذه الخصال. فقال: فإنّي مع من يقدر عليها و يملكها و إيّاك( ١) .

«تشاهدهم في سرائرهم» يعلم السرّ و أخفى( ٢) .

«و تطّلع عليهم في ضمائرهم» إنّ اللَّه عليم بذات الصّدور( ٣) .

«و تعلم مبلغ بصائرهم» عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول:

يا رب ارزقني حتّى أفعل كذا و كذا من البرّ و وجوه الخير، فإذا علم اللَّه تعالى ذلك منه بصدق نيّته كتب اللَّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ اللَّه واسع كريم( ٤) .

«فأسرارهم لك مكشوفة، و قلوبهم إليك ملهوفة» في المناجاة الثامنة: «فأنت لا غيرك مرادي، و لك لا لسواك سهري و سهادي، و لقاؤك قرّة عيني، و وصلك منّي نفسي، و إليك شوقي، و في محبّتك و لهي، و إلى هواك صبابتي، و رضاك بغيتي، و رؤيتك حاجتي، و جوارك طلبي، و قربك غاية سؤلي، و في مناجاتك روحي و راحتي، و عندك دواء علّتي، و شفاء غلّتي، و برد لوعتي، و كشف كربتي، فكن أنيسي في وحشتي، و مقيل عثرتي، و غافر زلّتي، و قابل توبتي،

و مجيب دعوتي، و وليّ عصمتي، و مغني فاقتي، و لا تقطعني عنك و لا تبعدني منك يا نعيمي و جنّتي و يا دنياي و آخرتي»( ٥) .

____________________

(١) رواه الصدوق في أماليه: ١٤٤ ح ٦، المجلس ٣٢، و في العلل ٢: ٤٧٢ ح ٣٤.

(٢) طه: ٧.

(٣) آل عمران: ١١٩ و المائدة: ٧ و لقمان: ٢٣.

(٤) أخرجه الكليني في الكافي ٢: ٨٥ ح ٣.

(٥) ملحقات الصحفة السجادية: ٣٥٥.

٢٤

«ان أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك» في الخبر: لما طرح يوسف في الجبّ أخوته أتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا غلام ما تصنع ههنا؟ فقال: إن إخوتي ألقوني.

قال: أفتحبّ أن تخرج منه؟ قال: ذاك إلى اللَّه تعالى إن شاء أخرجني، فقال له جبرئيل: إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول لك ادعني بهذا الدعاء «اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلا أنت الحنّان المنّان بديع السماوات و الأرض ذو الجلال و الإكرام، صلّ على محمّد و آل محمّد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا»( ١ ) ثم كان من قصته ما ذكره اللَّه تعالى في كتابه من مجي‏ء السيارة( ٢) .

«و ان صبّت عليهم المصائب لجأوا إلى الاستجارة بك علما بأنّ أزمة الامور بيدك و مصادرها عن قضائك» في (العقد): قال المدائني: لما حجّ المنصور مرّ بالمدينة فقال لربيع: عليّ بجعفر بن محمد قتلني اللَّه إن لم أقتله فمطل به ثم ألحّ عليه، فحضر فلمّا كشف الستر بينه و بينه و مثل بين يديه همس جعفر بشفتيه ثم تقرّب و سلّم فقال: لا سلّم اللَّه عليك يا عدوّ اللَّه تعمل عليّ الغوائل في ملكي قتلني اللَّه إن لم أقتلك إلى أن قال قال المنصور: يا ربيع عجّل لأبي عبد اللَّه كسوته و جائزته. قال ربيع: فلمّا حال الستر بيني و بينه أمسكت بثوبه فقلت له: إنّي منذ ثلاث أدفع عنك، و رأيتك إذ دخلت همست بشفتيك ثم رأيت الأمر انجلى عنك، و أنا خادم سلطان و لا غنى لي عنه. قال: قلت «اللّهم احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بحفظك الذي لا يرام، و لا أهلك و أنت رجائي، فكم من نعمة قد أنعمتها عليّ قلّ لك عندها شكري فلم تحرمني، و كم من بليّة ابتليتني بها قلّ عندها صبري فلم تخذلني، بك أدرأ في نحره، و استعيذ بخيرك

____________________

(١) رواه القمي في تفسيره ١: ٣٥٤ و العياشي في تفسيره ٢: ١٧ ح ٦، و الراوندي في قصص الأنبياء، عنه البحار ١٢:

٢٤٨ ح ١٣.

(٢) يوسف: ١٩.

٢٥

من شرّه، فانّك على كلّ شي‏ء قدير، و صلّى اللَّه على سيّدنا محمّد و آله و سلّم»( ١) .

و في (مروج المسعودي): أتي بعلي بن الحسينعليه‌السلام إلى مسلم بن عقبة و هو مغتاظ عليه، فتبرأ منه و من آبائه، فلمّا رآه و قد أشرف عليه ارتعد و قام له و أقعده إلى جانبه و قال له: سلني حوائجك فلم يسأله في أحد ممّن قدم إلى السيف إلا شفّعه فيه، ثم انصرف عنه فقيل لعليّعليه‌السلام رأيناك تحرّك شفتيك فما الذي قلت؟ قال: قلت «اللّهم ربّ السماوات السبع و ما أظللن، و الأرضين السبع و ما أقللن، ربّ العرش العظيم، ربّ محمّد و آله الطاهرين، أعوذبك من شرّه و أدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره و تكفيني شرّه». و قيل لمسلم رأيناك تسبّ هذا الغلام و سلفه، فلما أتي به إليك رفعت منزلته. فقال: ما كان ذلك لرأي منّي، لقد ملى‏ء قلبي منه رعبا( ٢) .

و في (تأريخ الطبري): لما صبّحت الخيل الحسينعليه‌السلام رفع يديه فقال «اللّهم أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة، و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، و تقلّ فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدوّ، أنزلته بك و شكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة»( ٣) .

و في (اللهوف): لما رمي رضيع الحسينعليه‌السلام بسهم فذبحه في حجره تلقّى الدّم بكفيه، فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال: هوّن عليّ ما نزل

____________________

(١) العقد الفريد ٢: ٢٨ و النقل بتصرف يسير.

(٢) مروج الذهب ٣: ٧٠.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٢١ سنة ٦١.

٢٦

بي أنّه بعين اللَّه( ١) .

و في (اعتقادات الصدوق): و لما اشتدّ الأمر بالحسينعليه‌السلام نظر إليه من كان معه و إذا هو بخلافهم، لأنّهم كانوا إذا اشتدّ بهم الأمر تغيّرت ألوانهم و ارتعدت فرائصهم و وجلت قلوبهم، و كان الحسينعليه‌السلام و بعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم و تهدأ جوارحهم و تسكن قلوبهم و نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا إليه لا يبالي بالموت فقالعليه‌السلام لهم: يا بني الكرام، فما الموت إلا أنّها قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ إلى الجنان الواسعة و النعيم الدائم، فأيّكم يكره ذلك. الخ( ٢) .

و لنعم ما قيل بالفارسية على لسان حالهعليه‌السلام :

گفت اگر بر سر من تير چه باران بارد

يا فلك داغ عزيزان بدلم بگذارد

باده از مصطبه عشق مرا خوش دارد

غم و شادى بر عاشق چه تفاوت دارد

«اللّهم ان فههت» أي: عييت «عن مسألتي أو عميت عن طلبتي فدلّني على مصالحي و خذ بقلبي إلى مراشدي» فأنت العالم بصلاحي و نادى نوح ربّه فقال ربّ إنّ ابني من أهلي و إنّ وعدك الحقّ و أنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنّه ليس من أهلك انّه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين قال ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلاّ تغفر لي و ترحمني أكن من الخاسرين( ٣) .

____________________

(١) اللهوف: ٥٠.

(٢) الاعتقادات: ١٤ و النقل بتصرف يسير.

(٣) هود: ٤٥ ٤٧.

٢٧

و في (مكارم الصحيفة): «اللّهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمنّي و التظنّي و الحسد ذكرا لعظمتك و تفكّرا في قدرتك و تدبيرا على عدوّك،

و ما أجري على لساني من لفظة فحش أو هجر أو شتم عرض أو شهادة باطل أو اغتياب مؤمن غائب أو سبّ حاضر و ما أشبه ذلك، نطقا بالحمد لك و إغراقا في الثناء عليك و ذهابا في تمجيدك و شكرا لنعمتك و اعترافا بإحسانك و احصاء لمننك»( ١) .

«فليس ذلك بنكر من هداياتك» لعبادك «و لا ببدع من كفاياتك» لأوليائك.

«اللهم احملني على عفوك و لا تحملني على عدلك» و إلاّ هلكت و لو يؤاخذ اللَّه الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة( ٢ ) و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير( ٣ ) و يخافون سوء الحساب( ٤ ) أي: عدله تعالى.

هذا، و في (مناقب الكنجي) عن زر بن حبيش قال: قرأت القرآن من أوّله إلى آخره في جامع الكوفة على عليّعليه‌السلام ، فلما بلغت الحواميم قال: بلغت عرائس القرآن. فلما بلغت رأس العشرين من حمسق و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤن عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير( ٥ ) بكى حتى ارتفع نحيبه، ثم رفع رأسه الى السماء و قال: آمن على دعائي ثم قال «اللّهم إنّي أسألك إخبات المخبتين، و إخلاص الموقنين،

و مرافقة الأبرار، و استحقاق حقوق الإيمان، و الغنيمة من كلّ برّ، و السلامة من

____________________

(١) الصحيفة السجادية: ١٠٦ دعاء ٢٠.

(٢) فاطر: ٤٥.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) الرعد: ٢١.

(٥) الشورى: ٢٢.

٢٨

كلّ عيب، و وجوب رحمتك و عزائم مغفرتك، و الفوز بالجنّة و النّجاة من النّار» قال: و إذا ختمت القرآن فادع به، فان حبيبي أمرني أدعو بهن عند ختم القرآن.

٦ - الحكمة (٢٧٦) و قالعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تَحْسُنَ فِي لاَمِعَةِ اَلْعُيُونِ عَلاَنِيَتِي وَ تَقْبُحَ فِيمَا أُبْطِنُ لَكَ سَرِيرَتِي مُحَافِظاً عَلَى رِيَاءِ اَلنَّاسِ مِنْ نَفْسِي بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي فَأُبْدِيَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي وَ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِسُوءِ عَمَلِي تَقَرُّباً إِلَى عِبَادِكَ وَ تَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ «اللّهم إنّي أعوذبك من أن» هكذا في (المصرية) أخذا من (ابن أبي الحديد)،

و لكن في نسخة (ابن ميثم) «ان»( ١ ) «تحسّن في لامعة العيون علانيتي، و تقبّح فيما أبطن لك سريرتي».

في (الكافي): عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به،

فإذا صعد بحسناته يقول تعالى: إجعلوه في سجّين( ٢) .

«محافظا على رئاء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطلّع عليه منّي» عن الصادقعليه‌السلام : من أظهر للناس ما يحبّ اللَّه و بارز اللَّه بما كرهه لقى اللَّه و هو ماقت له( ٣) .

«فابدي للناس حسن ظاهري و أفضي إليك بسوء عملي» عن الصادقعليه‌السلام :

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٦٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٣٨٥.

(٢) الكافي ٢: ٢٩٤ ح ٧.

(٣) الكافي ٢: ٢٩٥ ح ١٠.

٢٩

ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسرّ سيئا أليس يرجع إلى نفسه، فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك، و اللَّه تعالى يقول: بل الإنسان على نفسه بصيرة( ١) .

و عنهعليه‌السلام : ما من عبد يسرّ خيرا إلاّ لم تذهب الأيام حتّى يظهر اللَّه له خيرا، و ما من عبد يسر شرّا إلاّ لم تذهب الأيام حتّى يظهر اللَّه له شرّا.

و عنهعليه‌السلام : من أراد اللَّه بالقليل من عمله أظهر اللَّه له أكثر مما أراد، و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه و سهر من ليله أبى اللَّه تعالى إلاّ أن يقلّله في عين من سمعه( ٢) .

«تقرّبا إلى عبادك و تباعدا من مرضاتك» «تقربا» و «تباعدا» مفعول لهما لأبدي و أفضي.

و روي في (الكافي) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللَّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم.

و عن الصادقعليه‌السلام : إيّاك و الرّياء، فإنّ من عمل لغير اللَّه و كله اللَّه إلى من عمل له، و كلّ رياء شرك، إنّه من عمل للنّاس كان ثوابه على النّاس.

و عنهعليه‌السلام : قال تعالى: أنا خير شريك، من أشرك بي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا( ٣) .

هذا، و شهد اللَّه تعالى لهعليه‌السلام و لعترته بالاخلاص في قوله عزّ و جلّ:

و يطعمون الطعام على حبّه مسكينا و يتيما و أسيرا. انّما نطعمكم لوجه اللَّه

____________________

(١) القيامة: ١٤.

(٢) الكافي ٢: ٢٩٥ و ٢٩٦ ح ١١ ١٣.

(٣) هذه الاحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٢: ٢٩٣ ٢٩٦ ح ١ و ٢ و ٩ و ١٤.

٣٠

لا نريد منكم جزاء و لا شكورا. إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا.

فوقاهم اللَّه شرّ ذلك اليوم و لقّاهم نضرة و سرورا. و جزاهم بما صبروا جنّة و حريرا. متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا إلى إنّ هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا( ١ ) . و مع ذلك، نسب الثاني إليهعليه‌السلام الرياء، جرأة على ردّ اللَّه تعالى ففي (أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب) و قد نقله (ابن أبي الحديد) في موضع آخر قال ابن عبّاس دخلت يوما على عمر فقال: يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء، قلت: من هو؟ قال: هذا ابن عمك يعنيهعليه‌السلام فقلت: و ما يقصد بالرياء؟ قال: يرشّح نفسه بين الناس للخلافة.

قلت: و ما يصنع بالترشيح، قد رشّحه لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصرفت عنه الخبر( ٢) .

لكن لا غرو في نسبته الرياء إليهعليه‌السلام بعد نسبته الهجر إلى نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد استخلافهعليه‌السلام .

٧ - الخطبة (٨٩) في الخطبة المعروفة بالاشباح بعد ذكره صفاته تعالى و خلقة السّماء و الملائكة و الأرض و إرساله الرّسل من آدم إلى الخاتم و بيان إحاطة علمه تعالى بكلّ شي‏ء:

اَللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ اَلْوَصْفِ اَلْجَمِيلِ وَ اَلتَّعْدَادِ اَلْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَ إِنْ تُرْجَ فَأَكْرَمُ مَرْجُوٍّ اَللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَ لاَ أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَ لاَ أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ اَلْخَيْبَةِ

____________________

(١) الانسان: ٨ ٢٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٨٠.

٣١

وَ مَوَاضِعِ اَلرِّيبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ اَلْآدَمِيِّينَ وَ اَلثَّنَاءِ عَلَى اَلْمَخْلُوقِينَ اَلْمَرْبُوبِينَ اَللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ اَلرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ اَلْمَغْفِرَةِ اَللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ اَلَّذِي هُوَ لَكَ وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ اَلْمَحَامِدِ وَ اَلْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لاَ يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فَضْلُكَ وَ لاَ يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَ جُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا اَلْمَقَامِ رِضَاكَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ اَلْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ٢٤ ٢٨ ٣: ٢٦ «اللّهم أنت أهل الوصف الجميل» العليم الكريم الرحيم، إلى غير ذلك من صفات الكمال و نعوت الجلال و الجمال.

«و التعداد الكثير» في أوصاف كمالك حتّى أنّها لا تحصى.

«إن تؤمّل فخير مؤمل» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (مأمول) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطية)( ١ ) ، و كونه تعالى خير مأمول لأنّه القادر على إعطاء كلّ أمل دون غيره.

«و إن ترج فأكرم مرجوّ» لأنّه الذي لا يخيب رجاء راجيه.

«اللّهم و قد بسطت لي» بقوّة البيان.

«فيما لا أمدح به غيرك» لعدم اتصاف غيره بما مدحه.

«و لا اثني به على أحد سواك» لفقدان سواه لما به أثنى عليه، فتقول:

إنّ اللَّه على كلّ شي‏ء قدير( ٢ ) و إنّ اللَّه بكلّ شي‏ء عليم( ٣) ،

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣١، و شرح الخوئي ٣: ١٣١، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٣٦٨ «مؤمل».

(٢) البقرة: ٢٠ و مواضع اخرى.

(٣) النساء: ٩٧ و مواضع اخرى.

٣٢

فهل يكون أحد غيره كذلك.

«و لا أوجّهه» أي: مدحي و ثنائي، و أفرد الضمير لاتحادهما في المصداق «إلى معادن الخيبة» ممّن رجاهم غيره «و مواضع الرّيبة» باحتمال كونهم على ضدّ ما يمدحون به.

«و عدلت بلساني عن مدائح الآدميين» إلى مدحك «و» عن «الثناء على المخلوقين المربوبين» إلى الثناء عليك، لأنّك اللَّه خالق الخلق و ربّ العالمين.

«اللّهم و لكلّ مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء» فأثبني جزاء ثنائي «أو عارفة» أي: معروف «من عطاء» فأعطني عطاء معروفا على ثنائي.

«و قد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة» و للَّه خزائن السماوات و الأرض( ١ ) و إن من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم( ٢) .

«و كنوز المغفرة» أي: كنوز أسبابها، كقوله تعالى: و سارعوا إلى مغفرة من ربّكم( ٣) .

«اللّهمّ و هذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك» أي: بالإقرار بواحدانيتك المختصّة بك «و لم ير مستحقا لهذه المحامد و الممادح» جمعا المحمدة و المدحة،

و جاء جمع الثاني بلفظ الأماديح أيضا، قال الشاعر:

لو كان مدحة حيّ منشرا أحدا

أحيا أبا كن يا ليلى الأماديح(٤)

و الأصل في الحمد الارتضاء، يقال أحمدت الأرض ارتضيت سكناها،

و قال قراد بن حنش:

____________________

(١) المنافقون: ٧.

(٢) الحجر: ٢١.

(٣) آل عمران: ١٣٣.

(٤) أورده أساس البلاغة: ٤٣٣، مادة (مدح)، و لسان العرب ٢: ٥٨٩ مادة (مدح).

٣٣

لهفي عليك إذا الرعاة تحامدوا

بحزيز أرضهم الدرين الأسودا(١)

«غيرك» لعدم صدقها في سواه تعالى «و بي فاقة» أي: حاجة «اليك لا يجبر مسكنتها إلاّ فضلك» لا استحقاقي.

«و لا ينعش» أي: لا يرفع «من خلتها» بالفتح أي: فاقتها «إلاّ منّك و جودك» على عبادك.

«فهب لنا في هذا المقام» مقام حمدك و ثنائك «رضاك» عنّا.

«و أغننا عن مدّ الأيدي إلى سواك» لأنّك الرّزّاق «إنّك على كلّ شي‏ء قدير» على إغنائنا و إصلاح جميع شؤوننا.

هذا، و روى (أمالي الشيخ) فيما رواه عن الغضائري أنّهعليه‌السلام كان إذا رأى الهلال قال: اللّهم ارزقنا خيره و نصره و بركته و فتحه، و نعوذبك من شرّه و شرّ ما بعده( ٢) .

و روى (الكافي) عنهعليه‌السلام قال: الدعاء مفتاح النّجاح، و مقاليد الفلاح،

و خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ و قلب تقيّ، و في المناجاة سبب النجاة،

و بالاخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدّ الفزع فإلى اللَّه المفزع.

أيضا: الدعاء ترس المؤمن، و متى تكثر قرع الباب يفتح لك( ٣) .

و في (المحاسن و الأضداد للجاحظ): يقال أنّ عليّاعليه‌السلام لمّا اتصل به مسير معاوية قال: لا أرشد اللَّه قائده، و لا أسعد رائده، و لا أصاب غيثا، و لا سار إلاّ ريثا، و لا رافق إلاّ ليثا، أبعده اللَّه و أسحقه، و أوقد على أثره و أحرقه، لا حطّ اللَّه رحله، و لا كشف محلّه، و لا بشّر به أهله، لا زكّى له مطلب و لا رحب له

____________________

(١) أورده أساس البلاغة: ٩٤، مادة (حمد).

(٢) أمالي ابن جعفر الطوسي ٢: ٢٦٠ المجلس ١٥.

(٣) الكافي ٢: ٤٦٨ ح ٢ و ٤.

٣٤

مذهب، و لا يسّر له مراما، لا فرّج اللَّه له غمّه، و لا سرّى همّه، لا سقاه اللَّه ماء، و لا حل عقده، و لا أروى زنده، جعله اللَّه سفر الفراق، و عصا الشقاق و أنشد:

بأنكد طائر و بشرّ فال

لأبعد غاية و أخسّ حال

بحدّ السدّ حيث يكون منّي

كما بين الجنوب إلى الشمال

غريبا تمتطي قدميك دهرا

على خوف تحنّ إلى العيال(١)

٨ - الكتاب (١٥) و كانعليه‌السلام يقول إذا لقي العدو محاربا:

اَللَّهُمَّ أَفْضَتِ إِلَيْكَ اَلْقُلُوبُ وَ مُدَّتِ اَلْأَعْنَاقُ وَ شَخَصَتِ اَلْأَبْصَارُ وَ نُقِلَتِ اَلْأَقْدَامُ وَ أُنْضِيَتِ اَلْأَبْدَانُ اَللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ اَلشَّنَآنِ وَ جَاشَتْ مَرَاجِلُ اَلْأَضْغَانِ اَللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْفاتِحِينَ ٣٥ ٤٥ ٧: ٨٩ قول المصنف: «و كانعليه‌السلام إذا لقي العدوّ محاربا» رواه نصر ابن مزاحم في (صفينه) في ثلاث روايات:

إحداها: ما رواه مسندا عن سلام بن سويد: كان عليّعليه‌السلام إذا أراد أن يسير إلى الحرب و قعد على دابّته قال: الحمد للَّه ربّ العالمين على نعمه علينا و فضله العظيم سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ٢ ) ثم يوجّه دابته الى القبلة ثم يرفع يديه الى السماء ثم يقول: اللّهم إليك نقلت الأقدام، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و شخصت الأبصار،

____________________

(١) المحاسن و الأضداد: ٩٩.

(٢) الزخرف: ١٣ و ١٤.

٣٥

نشكو إليك غيبة نبيّنا، و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين( ١ ) سيروا على بركة اللَّه( ٢) .

الثانية: مسندا عن تميم: كان عليعليه‌السلام إذا سار الى القتال ذكر اسم اللَّه حين يركب، ثم يقول: الحمد للَّه على نعمه علينا و فضله العظيم سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ٣ ) ثم يستقبل القبلة ثم يرفع يديه إلى اللَّه ثم يقول: اللّهم إليك نقلت الأقدام، و أتعبت الأبدان، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و أشخصت الأبصار ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين( ٤ ) سيروا على بركة اللَّه، ثم يقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر، يا اللَّه يا أحد يا صمد، يا ربّ محمّد، بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا حول و لا قوّة إلاّ باللَّه العليّ العظيم، إيّاك نعبد و إيّاك نستعين، اللّهمّ كفّ عنّا بأس الظالمين فكان هذا شعاره بصفين( ٥) .

الثالثة: عن قيس بن الربيع عن عبد الواحد بن حسان عمّن حدّثه عن عليعليه‌السلام سمعه يقول يوم صفين «اللّهم إليك رفعت الأبصار، و بسطت الأيدي،

و دعيت الألسن، و أفضت القلوب، و تحوكم إليك في الأعمال، فاحكم بيننا و بينهم بالحقّ و أنت خير الفاتحين. اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا، و قلّة عددنا،

و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، و شدّة الزمان، و ظهور الفتن، أعنّا عليهم بفتح تعجّله، و نصر تعزّ به سلطان الحقّ و تظهره»( ٦) .

____________________

(١) الأعراف: ٨٩.

(٢) وقعة صفين: ٢٣١.

(٣) الزخرف: ١٣ ١٤.

(٤) الاعراف: ٨٩.

(٥) وقعة صفين: ٢٣٠.

(٦) وقعة صفين: ٢٣١.

٣٦

و الخبر الأوّل مطلق في كونه أيّ حرب، و الأخيران صرّح فيهما بكونه في صفين، لكن لم يذكر فيهما وقته.

و روى خبرا آخر انّهعليه‌السلام قاله يوم الهرير، فروى عن جابر بن عمير الأنصاري قال: و اللَّه لكأني أسمع عليّاعليه‌السلام يوم الهرير و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي، حتى استقلت الشمس و قام قائم الظهر يقول لأصحابه متى نخلّي بين هذين الحيين قد فنينا و أنتم وقوف تنظرون، أما تخافون مقت اللَّه.

ثم انفتل إلى القبلة و رفع يديه و نادى «يا اللَّه يا رحمن يا رحيم، يا واحد يا أحد يا صمد، يا اللَّه يا إله محمّد، اللّهم إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدّت الأعناق و شخصت الأبصار و طلبت الحوائج، إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، ربّنا افتح بيننا و بين الحقّ و أنت خير الفاتحين» سيروا على بركة اللَّه، ثم نادى «لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر كلمة التقوى».

قال جابر: لا و الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللَّه السماوات و الأرض، أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، إنّه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول «معذرة إلى اللَّه عزّ و جلّ و إليكم من هذا، لقد هممت أن أفلقه و لكن حجزني عنه أنّي سمعت الرسول يقول كثيرا «لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي» و أنا قاتل به دونه.

قال جابر: فكنّا نأخذه فنقوّمه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به في عرض الصف، و لا و اللَّه ما ليث بأشدّ نكاية في عدوّه منهعليه‌السلام ( ١) .

و روى (صفين عبد العزيز الجلّودي) كما في (مهج علي بن طاوس)

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٧٧، و النقل بتصرف يسير.

٣٧

إنّه كان في أوّل القتال، ففيه: فلمّا زحفوا باللواء قال عليّعليه‌السلام : بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا حول و لا قوّة إلاّ باللَّه العلّي العظيم، اللّهم إيّاك نعبد و إيّاك نستعين،

يا اللَّه يا رحمن يا رحيم يا أحد يا صمد يا إله محمّد، إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و شخصت الأبصار و مدّت الأعناق و طلبت الحوائج و رفعت الأيدي،

اللّهمّ افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين. ثم قال «لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاثا( ١ ) . قلت: و حيث انّه كان دعاء يكرّر أمكن دعاؤهعليه‌السلام به في كلّ ما روى، فعن جمل المفيد دعا به يوم الجمل أيضا( ٢) .

كما انّه روى الكلام عنهعليه‌السلام في غير وقت الحرب، فروى (رسائل الكليني) كما في (المحجّة) فيما كتبهعليه‌السلام بعد منصرفه من النهروان لمّا سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان إلى أن قال فدعوني إلى بيعة عثمان فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا، و علّمت أهل القنوت أن يقولوا: «اللّهمّ لك أخلصت القلوب، و إليك شخصت الأبصار، و أنت دعيت بالألسن، و إليك تحوكم الأعمال، فافتح بيننا و بين قومنا بالحقّ. اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا،

و كثرة عدوّنا، و قلّة عددنا، و هو اننا على الناس، و شدّة الزمان، و وقوع الفتن بنا. اللّهم ففرّج ذلك بعدل تظهره، و سلطان حق تعرفه»( ٣) .

قال ابن أبي الحديد: كان سديف مولى المنصور يقول «اللّهم انّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا، و ما شملنا من زيغ الفتن،

و استولى علينا من عشوة الحيرة، حتى عاد فيئنا دولة بعد القسمة، و أمارتنا غلبة بعد المشورة، وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، و اشتريت الملاهي

____________________

(١) مهج الدعوات: ٩٦.

(٢) الجمل: ١٨٢.

(٣) كشف المحجة: ١٧٩.

٣٨

و المعازف بمال اليتيم و الأرملة، و أرعي في مال اللَّه من لا يرعى له حرمة،

و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة، و تولّى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلة،

فلا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر إليهم بعين رحمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة، فهم أولو ضرع وفاقة، و أسراء فقر و مسكنة، و حلفاء كآبة و ذلّة. اللّهم و قد استحصد زرع الباطل و بلغ نهايته، و استحكم عموده،

و استجمع طريده، و حذف وليده، و ضرب بجرانه فأتح له من الحقّ يدا حاصدة، تجذّ سنامه و تهشم سوقه و تصرع قائمه، ليستخفي الباطل بقبح حليته و يظهر الحقّ بحسن صورته».

و وجدت هذه الألفاظ في دعاء منسوب إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ، و لعلّه من كلامه و قد كان سديف يدعو به( ١) .

قلت: ان كان أصل الكلام من السجادعليه‌السلام إلاّ أنّه لا بدّ أن يكون بعض فقراته من غيره، فهو لا يقول «عادت إمارتنا غلبة بعد المشورة وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامّة»، فهل تلك المفاسد التي عدّت إلاّ نتيجة ذاك الاختيار يوم السقيفة و تلك المشورة يوم الدار؟

قولهعليه‌السلام «اللّهم أفضت اليك» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «اللّهم إليك أفضت» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «القلوب» أي: تظهر القلوب أسرارها لك.

«و مدّت الأعناق» أي: تتضرع لك «و شخصت الأبصار» شخص بصره: إذا فتحه و جعله لا يطرف.

«و نقلت الأقدام» أي: مسيرنا كان لك «و انضيت الأبدان» يقال: انضيت

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٢، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٨٥.

٣٩

الثوب إذا ابليته، و انضى فلان بعيره أي: هزله، و تقديم الظرف للحصر، أي: ان وقوع جميع هذه الامور كان مختصا لك.

«اللّهم قد صرح» أي: انكشف و ظهر «مكتوم» هكذا في (المصرية)،

و الصواب: «مكنون» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١ ) «الشنآن» أي:

البغض.

«و جاشت» من جاشت القدر أي: غلت «مراجل» جمع المرجل قدر من نحاس «الأضغان».

و روى نصر بن مزاحم في (صفينه): لما أراد عليّعليه‌السلام الشخوص إلى صفين التفت عبد اللَّه بن بديل الخزاعي إلى الناس و قال: كيف يبايع معاوية عليّاعليه‌السلام و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و جدّه عتبة في موقف واحد( ٢) .

«اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا» قالت سيدة النساء مخاطبة لأبيها أو صفية لابن أخيها كما في (بيان الجاحظ):

قد كان بعدك أنباء و هنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها

فاحتل لقومك و اشهدهم و لا تغب(٣)

و قالت أروى بنت عبد المطلب كما في (طبقات كاتب الواقدي):

لعمرك ما أبكي النبي لموته

و لكن لهرج كان بعدك آتيا(٤)

و في (أنساب البلاذري): قالت امّ الفضل: كنت جالسة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو مريض، فبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: أخشى عليك و لا أدري ما نلقى من

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٢، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٣٨٥ نحو المصرية.

(٢) وقعة صفين: ١٠٢.

(٣) نقله عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) الطبرسي في الاحتجاج ١: ٩٢، و عن صفية الجاحظ في البيان ٣: ٣١٩ و عن هند بنت اثاثة ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢: ٩٧ بفرق يسير بين الألفاظ.

(٤) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢: ٩٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607