بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199244 / تحميل: 7642
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

القيامة . . ١ و منع الزكاة المفروضة يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم . . ٢ و شهادة الزور و من يكتمها فانه آثم قلبه . . ٣ و شرب الخمر لانه تعالى عدل به عباده الاوثان و ترك الصلاة متعمدا أو شيئا ممّا فرض اللّه تعالى لان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من ترك الصلاة متعمدا من غير علة فقد بري‏ء من ذمة اللّه و ذمة رسوله و نقض العهد و قطيعة الرحم لانه تعالى يقول : . أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار فخرج عمرو بن عبيد و له صرخة من بكائه ، و هو يقول : هلك و اللّه من قال برايه و نازعكم في الفضل و العلم .

« أو صغير ارصد له غفرانه »ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما ٤ .

« و بين مقبول في ادناه موسع في اقصاه » كالصلوات الخمس تقبل في ادناها بالاقتصار على واجباتها ، و موسع في اقصاها بالاتيان بها بآدابها و نوافلها ، و قد ذكر ( المقنع ) و ( المقنعة ) و ( النهاية ) آداب الصّلوات الواحدة و الخمسين ركعة .

٢ في الخطبة ( ١٢٩ ) ( و منها ) :

وَ كِتَابُ اَللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لاَ يَعْيَا لِسَانُهُ وَ بَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَ عِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٦١ .

( ٢ ) التوبة : ٣٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٨٣ .

( ٤ ) النساء : ٣١ .

٢١

« و كتاب اللّه بين أظهركم » قال الجزري : ( اقاموا بين أظهرهم ) أي : اقاموا بينهم على سبيل الاظهار و الاستظهار و الاستناد إليهم١ ، ثم كثر حتى استعمل في الاقامة بين القوم مطلقا .

« ناطق لا يعيا » أي : لا يعجز .

« لسانه » بخلاف باقي الناطقين فيعيا لسانهم و في ( السير ) : سمع الوليد بن المغيرة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله تعالى :ان اللّه يامر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر . . ٢ فقال : و اللّه ان له لحلاوة ، و ان عليه لطلاوة ، و ان اعلاه لمثمر ، و ان اسفله لمغدق ، و ما يقول هذا بشر .

« و بيت لا تهدم اركانه » بخلاف باقي البيوت روى ابن بابويه ان رجلا سأل الصادقعليه‌السلام ما بال القرآن لا يزداد عند النشر و الدرس الاغضاضة ؟

فقال : ان اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، و لا لناس دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، و عند كل قوم غض إلى يوم القيامة .

« و عز » بالفتح أي : عزيز كما يفهم من المصباح .

« لا تهزم اعوانه » بخلاف باقي الاعزة و عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى :

و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لا تفرقوا . . ٣ عن أبي سعيد الخدري ، قال :

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ايها الناس قد تركت فيكم الثقلين خليفتين ، ان اخذتم بهما لن تضلوا بعدي احدهما اكبر من الاخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الارض ، و عترتي أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض٤ .

و عن عليّعليه‌السلام : اعلموا ان القرآن هدى الليل و النهار ، و نور الليل المظلم

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٦٦ ، مادة ( ظهر ) : اسماعيليان : قم .

( ٢ ) النحل : ٩٠ .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٤ ) الطوائف لابن طاووس : ١٢٨ ، و نقله المجلسي في « بحار الأنوار » ٢٣ : ١١٧ ح ٣٣ .

٢٢

على ما كان من جهد فإذا حضرت بلية فاجعلوا اموالكم دون انفسكم ، و إذا نزلت نازلة فاجعلوا انفسكم دون دينكم ، و اعلموا ان الهالك من هلك دينه و الحريب من حرب دينه ، الا و انه لا فقر بعد الجنة ، و انه لا غنى بعد النار ، لا يفك اسرها و لا يبرأ جريرها .

هذا ، و في ( القاموس ) : العزيز الملك لغلبته على أهل مملكته و لقب من ملك مصر مع الإسكندرية .

هذا ، و في ( الأغاني ) عن بصري قال : نزلنا في ظل حصن من حصون الروم فإذا بقائل من فوق الحصن ينشد ابياتا بالعربية ، و يبكي فناديته ايها المنشد فاشرف فقلت من أنت ؟ قال : من العرب نزلت مكانك هذا فأشرفت على جارية فعشقتها فقالت ان دخلت في ديني فغلب على الشيطان فقبلت ، فقلت اكنت تقرأ القرآن ؟ قال : أي و اللّه لقد حفظته قلت فما تحفظ اليوم منه ؟ قال : لا شي‏ء الا قوله تعالى :ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ١ قلت : فهل لك ان تعطيهم فداء و تخرج ؟ ففكر ساعة ثم قال انطلق صحبك اللّه .

٣ الخطبة ( ١٢٩ ) أيضا ( و منها ) :

وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ وَ يَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ وَ يَمَلُّهُ إِلاَّ اَلْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ لَهُ فِي اَلْمَوْتِ رَاحَةً وَ إِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اَلْحِكْمَةِ اَلَّتِي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ اَلْمَيِّتِ وَ بَصَرٌ لِلْعَيْنِ اَلْعَمْيَاءِ وَ سَمْعٌ لِلْأُذُنِ اَلصَّمَّاءِ وَ رِيٌّ لِلظَّمْآنِ وَ فِيهَا اَلْغِنَى كُلُّهُ وَ اَلسَّلاَمَةُ كِتَابُ اَللَّهِ تُبْصِرُونَ بِهِ وَ تَنْطِقُونَ بِهِ وَ تَسْمَعُونَ بِهِ وَ يَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَ يَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى

____________________

( ١ ) الحجر : ٢ .

٢٣

بَعْضٍ وَ لاَ يَخْتَلِفُ فِي اَللَّهِ وَ لاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اَللَّهِ قَدِ اِصْطَلَحْتُمْ عَلَى اَلْغِلِّ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ نَبَتَ اَلْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ وَ تَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ اَلْآمَالِ وَ تَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ اَلْأَمْوَالِ لَقَدِ اِسْتَهَامَ بِكُمُ اَلْخَبِيثُ وَ تَاهَ بِكُمُ اَلْغُرُورُ وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ أقول : قال ابن أبي الحديد هذا الفصل من فصول اربعة : الاولى من اوله إلى قوله ( راحة ) الثاني إلى قوله ( و السلامة ) و الثالث من قوله ( كتاب اللّه ) إلى ( عن اللّه ) و الرابع من ( قد اصطلحتم ) الخ التقطها الرضي على عادته في التقاط ما يستفصحه من كلامهعليه‌السلام .

قلت : قد عرفت في اول الكتاب ما في رايه في التقاط الرضي رضى اللّه عنه و قلنا ببطلان رايه و ممّا يوضع بطلان نظره هذا العنوان فلو كان يلتقط و لا يتقيد بان يرتبط لم قال في هذا العنوان أي ١٢٩ أربع مرات ( منها ) ( منها ) منها هذا العنوان و منها سابقه ، و كيف يصح ما قال و لا يحصل فصاحة و لا بلاغة الا بربط المعنى ، و اما عدم ربط مواضع الفصل الاربعة فقد قال المصنف ( و منها ) و لم ينقل سابق العنوان حتى نفسهم الربط و لعله في النسخة تصحيف او كانت نسخة ما نقل عن المصنف مصحفة و بعضهم تكلف للربط .

« و اعلموا ان ليس من شي‏ء الا و يكاد صاحبه ان يشبع منه و يمله الا الحياة » و هو امر وجداني لا يحتاج إلى برهان ، و قد قال تعالىقل ان الموت الذي تفرّون منه فانه ملاقيكم . . ١ .

و حتى ان الانبياء كانوا محبين الحياة ، فروى ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ان آدم لمّا عرض عليه ولده نظر إلى داود فاعجبه فزاده خمسين سنة من عمره فنزل عليه جبرئيل و ميكائيل فكتب عليه ملك الموت صكا بالخمسين

____________________

( ١ ) الجمعة : ٨ .

٢٤

سنة فلمّا حضرته الوفاة نزل عليه ملك الموت فقال آدم : قد بقي من عمري خمسون سنة ، فقال فاين الخمسون الّتي جعلتها لابنك داود فاما ان يكون نسيها او انكرها فنزل عليه جبرئيل و ميكائيل و شهدا عليه فقبضه ملك الموت قالعليه‌السلام كان اول صك كتب في الدنيا .

و روى ( الاكمال ) و ( الأمالي ) عنهعليه‌السلام ان ملك الموت لمّا جاء إلى موسىعليه‌السلام لقبض روحه قال من اين تقبض روحي ؟ قال : من فمك ، قال :

كيف ؟ و قد كلّمت ربّي جلّ جلاله ، قال : فمن يديك ، قال : كيف ؟ و قد حملت بهما التوراة قال : فمن رجليك ، قال : كيف ؟ و قد و طات بهما إلى طور سيناء قال : فمن عينيك قال : كيف ؟ و لم تزل إلى ربي بالرجاء ممدودة قال فمن اذنيك قال :

كيف ؟ و قد سمعت بهما كلام ربي جلّ و عزّ فاوحى تعالى إليه لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ، فخرج و مكث موسى ما شاء اللّه ان يمكث و دعا يوشعا فاوصى إليه و امره بكتمان امره و بان يوصي بعده إلى من يقوم بالامر و غاب عن قومه فمر برجل و هو يحفر قبرا فقال له : ألا اعينك ؟ فقال :

بلى فاعانه حتى حفر و سوّى اللحد ثم اضطجع فيه موسى لينظر كيف هو فكشف له عن الغطا فرأي مكانه من الجنة فقال يا رب اقبضني إليك فقبض و سوى عليه التراب و كان الذي يحفر القبر ملك في صورة آدمي و كان ذلك في التيه ( فصاح صائح من السماء مات موسى كليم اللّه فاى نفس لا تموت ) بل ورد ان المؤمن أيضا لا يكره على قبض روحه و لكن يرى درجته حتى يرغب هو .

و اما قول لبيد و كان بلغ مائة و اربعين سنة .

و لقد سئمت من الحياة و طولها

و سؤال هذا الناس كيف لبيد

و قول اكثم بن صيفي و قالوا عاش مائة و تسعين سنة .

٢٥

و ان امرأ قد عاش تسعين حجة

إلى مائة لم يسام العيش جاهل١

كما في ( الاكمال ) و قول المستوغر و كان بقي بقاء طويلا .

و لقد سئمت من الحياة و طولها

و عمرت من عدد السنين مانيا

مائة اتت من بعدها مائتان لي

و ازددت من عدد الشهور سنينا

هل ما بقي الا كما قد فاتنا

يوم يكرّ و ليلة تحدونا٢

و قول زهير بن جناب حين مضت له مأتان من عمره .

لقد عمرت حتى لا أبالي

احتفى في صباحي أم مسائي

و حق لمن اتت مأتان عاما

عليه ان يمل من الثواء٣

كما في ( الغرر ) فمرادهم السئامة من شدائد الشيخوخة لا اصل الحياة قال النابغة الجعدي و كان عمر .

لبست اناسا فافنيتهم

و افنيت بعد اناس اناسا٤

و قال هو كما في ( الغرر ) لأبي العتاهية كما قال ابن أبي الحديد .

المرء يهوى ان يعيش و طول عيش ما يضرّه

تفنى بشاشته و يبقى بعد حلو العين مرة

و تتابع الأيام حتى ما يرى شيئا يسرّه

كم شامت لي أن هلكت و قائل للّه دره

و سمع زهير بن جناب بعض نسائه تتكلم بما لا ينبغي لامراة ان تتكلم عند زوجها فنهاها فقالت له : اسكت عني ، و الا ضربتك بهذا العمود فو اللّه ما كنت اراك تسمع شيئا او تعقله فقال :

____________________

( ١ ) كمال الدين و تمام النعمة للصدوق : ٥٦٥ .

( ٢ ) غرر الفوائد ( الأمالي ) للشريف المرتضى ١ : ٢٣٤ ، تحقيق محمد أبو الفضل ، طبع القاهرة .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٢٤١ .

( ٤ ) المصدر نفسه ١ : ٢٦٤ .

٢٦

فللموت خير من حداج موطا

مع الظعن لا يأتي المحلّ لحين

« فانه لا يجد له في الموت راحة » في ( شعراء ابن قتيبة ) ، قال الحطيئة حين موته : احملوني على حمار لعلى انجو ، فانه لم يمت عليه كريم ثم قال :

لكل جديد لذة غير أنّني

وجدت جديد ف الموت غير لذيد

له خبطة في الحلق ليس بسكرّ

و لا طعم راح يشتهى و نبيذ١

و مات مكانه .

« و انما ذلك بمنزلة الحكمة » في ( المجمع ) : الحكمة ، هي العلم الذي يعمل عليه في ما يجتبى او يجتنب من امور الدين و الدنيا٢ .

« التي هي حياة للقلب الميت » قال تعالى :استجيبوا للّه و للرسول إذا دعاكم لمّا يحييكم . . ٣ هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة . . ٤ .

« و بصر للعين العمياء » فيجعلها ذات قيمة .

« و سمع للاذن الصماء » فيجعلها مفيدة « و رى للظمآن » فيبقى به حياته .

« و فيها الغني كله و السلامة » من بلاء الدنيا و الاخرة .

في ( تفسير القمي ) في قوله تعالى :و لقد آتينا لقمان الحكمة . . ٥ .و من يؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيرا ٦ .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٨١ ، طبع ليدن ( ١٩٠٢ م ) .

( ٢ ) ذكر الطبرسي في « مجمع البيان » : الحكمة العلم الذي يمكن به ، الأفعال المستقيمة ١ : ٢٣٣ ، و ذكر البحراني في « مجمع البحرين » الحكمة : العلم الذي يرفع الإنسان عن فصل القبيح ٦ : ١٤٥ ، المكتبة المرتضوية .

( ٣ ) الانفال : ٢٤ .

( ٤ ) الجمعة : ٢ .

( ٥ ) لقمان : ١٢ .

( ٦ ) البقرة : ٢٦٩ .

٢٧

عن الصادقعليه‌السلام كان لقمان رجلا قويا في امر اللّه ، متورعا في اللّه ساكتا سكيتا عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغن بالعبر ، لم ينم نهارا قط ، و لم يره احد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال لشدة تستره ،

و لم يضحك من شي‏ء مخافة الاثم ، و لم يغضب قط ، و لم يمزح قط ، و لم يفرح بشي‏ء من الدنيا ، و لا حزن منها على شي‏ء ، و قدم اكثر اولاده فرطا ، فما بكى على موت احد ، و لم يمر برجلين يختصمان او يقتتلان الا اصلح بينهما ،

و لم يسمع من احد قولا استحسنه الا سأله عن تفسيره و عمن اخذه ، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء ، و كان يغشى القضاة و الملوك ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، و يرحم للملوك لغرتهم باللّه ، و يتعلم ما يغلب به نفسه و يجاهد هواه ، و يحترز به من الشيطان ، و كان لا يظعن الا في ما يعنيه ، فبذلك اوتي الحكمة ، و منح العصمة ، فان اللّه تعالى امر طوائف الملائكة حين انتصف النهار ، و هدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم ، فقالوا هل لك ان يجعلك اللّه خليفة في الأرض تحكم بين الناس ؟ فقال : ان امرني ربي بذلك فالسمع و الطاعة و ان فعل بي ذلك اعانني عليه و علمني ، و ان هو خيرني قبلت العافية ، فقالت الملائكة : لم ؟ قال لان الحكم بين الناس باشد المنازل من الدين و اكثر فتنا و بلاء يخذل و يغشاه الظلمة من كل مكان و صاحبه فيه بين امرين ان اصاب فيه الحق فبالحرى ان يسلم و ان اخطأ طريق الجنة فتعجبت الملائكة من حكمته فلمّا اخذ مضجعه من الليل انزل اللّه عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم فغطاه بالحكمة فاستيقظ و هو احكم الناس في زمانه فلمّا أوتي الحكمة و لم يقبل الخلافة امر اللّه الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها و لم يشترط فيها كشرط لقمان فاعطاه اللّه الخلافة في الأرض و ابتلي فيها غير مرة و كان داود يقول له : طوبى لك يا لقمان ، أوتيت الحكمة

٢٨

و صرفت عنك البلية و ما أوتي لقمان الحكمة بحسب و مال و لا بسط جسم و لا جمال .

« كتاب اللّه تبصرون به » ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين » .

في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال خطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال : ما جاءكم عني يوافق كتاب اللّه فانا قلته ، ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم اقله ان على كل حق حقيقة ، و على كل صواب نورا فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، و ما خالف كتاب اللّه ، فدعوه و قالعليه‌السلام ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف .

« و تنطقون به »هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين ١ و في ( الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام قال إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني أين هو من كتاب اللّه ، ثم قال في بعض حديثه : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن القيل و القال ،

و فساد المال و كثرة السؤال فقيل له اين هذا من كتاب اللّه ؟ قال تعالىلا خير في كثير من نجواهم الامن أمر بصدقةٍ او معروفٍ او اصلاحٍ بين الناس . . ٢ و قال تعالى .. و لا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللّه لكم قياما . . ٣ و قال تعالى :. . لا تسألوا عن اشياء ان تبدلكم تسؤكم . . ٤ .

« و تسمعون به » .كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير . . ٥ .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : انزل تعالى في القرآن تبيان كل شي‏ء ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد الا و قد انزله فيه حتى لا يستطيع عبد يقول لو

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٣٨ .

( ٢ ) النساء : ١١٤ .

( ٣ ) النساء : ٥ .

( ٤ ) المائدة : ١٠١ .

( ٥ ) هود : ١ .

٢٩

كان هذا انزل في القرآن و ما خلق اللّه حلالا و لا حراما ما إلا و له حد كحد الدار ،

فما كان من الطريق فهو من الطريق و ما كان من الدار فهو من الدار حتى ارش الخدش فما سواه و الجلدة أو نصف الجلدة .

هذا ، و فيه عن الاصبغ عن امير المؤمنينعليه‌السلام و الذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق و اكرم أهل بيته ما من شي‏ء يطلبونه من حرق او غرق او سرق او فلاة دابة من صاحبها او ضالة او آبق الا هو في القرآن فمن اراد ان يسألني عنه فقام إليه رجل فقال : اخبرني عما يؤمن من الحرق و الغرق فقال إقرأ :. . اللّه الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين ١ و ما قدروا اللّه حق قدره . .

سبحانه و تعالى عما يشركون ٢ فمن قرأها امن من الحرق و الغرق فقرأها رجل و اضطربت النار في بيوت جيرانه و بيته و سطحها فلم يصبه شي‏ء ثم قام رجل آخر و قال : استصعبت على دابتي و انا منها على وجل فقال : إقرأ في اذنها اليمني : .و له اسلم من في السماوات و الارض طوعاً و كرهاً و إليه ترجعون ٣ فقرأها فذلت له دابته و قام إليه آخر ، فقال : ان ارضي ارض مسبعة و ان السباع تغشى منزلي و لا تجوز حتى تأخذ فريستها فقال إقرألقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فان تولوا فقل حسبي اللّه لا اله هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم ٤ فقرأها فاحتشمه السباع ثم قام آخر فقال : ان في بطني ماء اصفر فهل من شفاء بلا درهم و لا دينار ؟ فقال : نعم اكتب على بطنك آية الكرسي و تغسلها و تشربها و تجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ باذن اللّه تعالى ،

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٩٦ .

( ٢ ) الانعام : ٩١ .

( ٣ ) آل عمران : ٨٣ .

( ٤ ) التوبة : ١٢٨ ١٢٩ .

٣٠

ففعل الرجل فبرى‏ء ، ثم قام آخر فقال اخبرني عن الضالة قال : إقرأ ( يس ) في الركعتين و قل ( يا هادي الضالة رد علي ضالتي ) ففعل فردها اللّه عليه ثم قام آخر فقال : أخبرني عن الابق فقال أقرأ او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج .و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور ١ فقالها الرجل فرجع إليه الا بق ، ثم قام آخر فقالاخبرني عن السرق فانه لا يزال يسرق لي الشي‏ء بعد الشي‏ء ليلا فقال له : اقرأ إذا آويت إلى فراشك قل ادعوا اللّه اَوِ ادعوا الرحمن . و كبِّره تكبيرا ٢ .

ثم قالعليه‌السلام من بات بارض قفر فقرأ ان ربكم اللّه الذي خلق السماوات و الارض في ستة ايام ثم استوى على العرش .تبارك اللّه رب العالمين ٣ حرسته الملائكة و تباعدت عنه الشياطين ، فمضى الرجل فإذا بقرية خراب فبات فيها و لم يذكر هذه الآية فتغشاه الشيطان فإذا هو آخذ بلحيته فقال له صاحبه انظره فاستيقظ الرجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه ارغم اللّه انفك احرسه الان حتى يصبح ، فلمّا اصبح الرجل رجع إليهعليه‌السلام فاخبره و قال :

رايت في كلامك الشفاء و الصدق ، و مضي بعد طلوع الشمس فإذا هو باثر شعر الشيطان مجتمعا في الأرض .

« و ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض »افلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ٤ و هو المعيار لسليم الاخبار من سقيمها فما خالفة زخرف يضرب به الجدار كما مر في خطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى .

____________________

( ١ ) النور : ٤٠ .

( ٢ ) الاسراء : ١١٠ ١١١ .

( ٣ ) يونس : ٣ ١٠ .

( ٤ ) النساء : ٨٢ .

٣١

« و لا يختلف في اللّه و لا يخالف بصاحبه عن اللّه »و انه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين ١ و ما تنزلت به الشياطين و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون انهم عن السمع لمعزولون ٢ و ما كان هذا القرآن ان يفترى من دون اللّه و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ام يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين ٣ .ما كان حديثاً يفترى و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شي‏ء و هدى و رحمة لقوم يؤمنون ٤ .

« قد اصطلحتم على الغل » أي : الغش .

« في ما بينكم » قد عرفت ان ابن أبي الحديد حكم بان هذا الكلام فصل عما قبله لكن يمكن وصله بان المراد صلحهم على الغش بينهم في ترك القرآن و اكبابهم على ما افتعلوا من الاحاديث وصولا إلى اغراضهم و ترويجا لمكاسدهم ، روى الكشي عن الباقرعليه‌السلام ان سلمان كان يقول للناس هربتم من القرآن إلى الاحاديث وجدتم كتابا دقيقا حوسبتم فيه على النقير و القطمير و الفتيل و حبة خردل فضاق عليكم ذلك و هربتم إلى الاحاديث التي اتسعت عليكم٥ .

« و نبت المرعي على دمنكم » قال المصنّف في ( مجازاته ) بعد قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « اياكم و خضراء الدمن » في تأويله قولان الاول نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله عن نكاح

____________________

( ١ ) الشعراء : ١٩٢ ١٩٤ .

( ٢ ) الشعراء : ٢١٠ ٢١٢ .

( ٣ ) يونس : ٣٧ ٣٨ .

( ٤ ) يوسف : ١١١ .

( ٥ ) رجال الكشي للطوسي : ١٨ ، حديث قم ٤٢ .

٣٢

المرأة على ظاهر الحسن في المنبت السوء و البيت السوء ، شبه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، و شبه منبتها السوء بالدمنة لقباحة باطنها و الدمنة هي الابعار المجتمعة تركبها السوابي فإذا اصابها المطر انبتت نباتا خضرا يروق منظره و يسوء مخبره و الثاني ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى ان يتلقى اخاه بالظاهر الجميل و ينطوى على الباطن الذميم قال الشاعر :

و قد ينبت المرعى على دمن الثرى

و تبقى حزازات النفوس كماهيا

كأن الشاعر أراد إنّا و ان لقيناكم بظاهر الطلاقة و البشر فانا نضمر لكم على باطن الغش و الغمر .

قلت : بل يتعين في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التأويل الاول فان المعاني رواه و زاد قيل : يا رسول اللّه ما خضراء الدمن ؟ قال : ( المرأة الحسناء في منبت السوء ) و انما كلامهعليه‌السلام هنا كبيت الشاعر بقرينة قبله و بعده .

« و تصافيتم على حب الامال و تعاديتم في كسب الاموال » كما هو حال أهل الدنيا من اتفاقهم على حب آمال الدنيا حتى يبغضون من كان لا يراها و يختلفون و يتعاركون في تحصيل اموالها و لذا كان الناس في جميع الادوار من بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله مع اختلاف مشاربها متفقين على عداوة أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

« لقد استهام بكم » أي : جعلكم هائمين ذاهبين في الارض .

« الخبيث » صفة الشيطان .

« و تاء بكم » أي : جعلكم تائهين متحيرين .

« الغرور » بفتح الغين و هو أيضا وصف الشيطان ، قال تعالى : .و لا يغرنكم باللّه الغرور ١ .

« و اللّه المستعان على نفسي و انفسكم » حتى يعيننا و الاصل فيه قوله

____________________

( ١ ) لقمان : ٣٣ .

٣٣

تعالى : .و اللّه المستعان على ما تصفون ١ .

٤ في الخطبة ( ١٤٨ )

إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالْإِسْلاَمِ وَ اِسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ وَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اِسْمُ سَلاَمَةٍ وَ جِمَاعُ كَرَامَةٍ اِصْطَفَى اَللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَ بَيَّنَ حُجَجَهُ مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَ بَاطِنِ حُكْمٍ لاَ تَفْنَى غَرَائِبُهُ وَ لاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ فِيهِ مَرَابِيعُ اَلنِّعَمِ وَ مَصَابِيحُ اَلظُّلَمِ لاَ تُفْتَحُ اَلْخَيْرَاتُ إِلاَّ بِمَفَاتِيحِهِ وَ لاَ تُكْشَفُ اَلظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِمَصَابِيحِهِ قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَ أَرْعَى مَرْعَاهُ فِيهِ شِفَاءُ اَلْمُسْتَشْفِي وَ كِفَايَةُ اَلْمُكْتَفِي « ان اللّه تعالى خصكم بالاسلام و استخلصكم له » .اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . ٢ .

« و ذلك لانه اسم سلامه »يا ايها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين ٣ .

« و جماع » بالكسر .

« كرامة » تاوى إليه .

« اصطفى اللّه » أي : اختار .

« منهجه » أي : طريقه الواضح .

« و بين حججه » أي : براهينه و المراد بكتاب انزله و كانه سقط من النسخة و كيف كان قال تعالى :لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي . . ٤

____________________

( ١ ) يوسف : ١٨ .

( ٢ ) المائدة : ٣ .

( ٣ ) البقرة : ٢٠٨ .

( ٤ ) البقرة : ٢٥٦ .

٣٤

« من ظاهر علم » الظاهر ان المراد علم انباء غيب القرآن الظاهر لكل احد كونها علما .

« و باطن حكم » اسرار ما تضمنه القرآن من الاحكام و من المصالح و المفاسد في ما بين من الحلال و الحرام .

« لا تفنى غرائبه و لا تنقضى عجائبه » في الخبر قيل لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر و الدرس الاغضاضة ؟ فقال : لان اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، و لا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد ، و عند كل قوم غض إلى يوم القيامة .

« فيه مرابيع النعم » أي : النعم الدائمة المقيمة من ( مربع القوم ) محل اقامتهم او من ( الارض المربوعة ) أي : مطرت في الربيع .

« و مصابيح الظلم » أي : سرجها ، قال تعالى : .كتاب انزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ١ .

« لا تفتح الخيرات الا بمفاتيحه »لقد مَنَّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليه آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٢ .

« و لا تكشف الظلمات الا بمصابيحه »فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين ٣ قل لئن اجتمعت الانس و الجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً ٤ .

« قد احمى حماه » من ( مكان حمى ) محظور لا يقرب و المراد انه بين في

____________________

( ١ ) ابراهيم : ١ .

( ٢ ) آل عمران : ١٦٤ .

( ٣ ) الطور : ٣٤ .

( ٤ ) الاسراء : ٨٨ .

٣٥

القرآن ما اريد ترك الناس لها من المحرمات كقوله تعالى :و لا تقربوا الزنى انه كان فاحشة و ساء سبيلا ١ و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن . . ٢ .و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن . . ٣ . . و لا تقربوا الصلاة و انتم سكارى . . ٤ .

« و ارعى مرعاه » ( الظاهر انه كناية عن بيان المحللات التي ابيح للناس التمتع بها ، في قبال احماء الحمى كناية عن المحرمات ) قال تعالى :قل من حرَّم زينة اللّه التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق . . ٥ قل لا اجد في ما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فانه رجس أو فسقاً أهل لغير اللّه به . . ٦ .

« فيه شفاء المشتفي »و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين . . ٧ .

« و كفاية المكتفي »و هذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه و اتقوا لعلكم ترحمون ٨ ان هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجراً كبيراً ٩ ماكثين فيه ابداً ١٠ ان هذا

____________________

( ١ ) الاسراء : ٣٢ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٤ .

( ٣ ) الانعام : ١٥١ .

( ٤ ) النساء : ٤٣ .

( ٥ ) الاعراف : ٣٢ .

( ٦ ) الانعام : ١٤٥ .

( ٧ ) الاسراء : ٨٢ .

( ٨ ) الانعام : ١٥٥ .

( ٩ ) الاسراء : ٩ .

( ١٠ ) الكهف : ٣ .

٣٦

القرآن يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون و انه لهدىً و رحمة للمؤمنين ١ .

هذا ، و في فضل حامل قرآن ( الكافي ) عن حفص بن غياث سمعت موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول لرجل اتحب البقاء في الدنيا ؟ فقال : نعم ، فقال و لم قال لقراءة ( قل هو اللّه أحد ) فسكت عنه فقال لي بعد ساعة يا حفص من مات من اوليائنا و شيعتنا و لم يحسن القرآن علم في قبره ليرفع اللّه به درجته فان درجات الجنة على عدد آيات القرآن يقال له اقرأ و ارق فيقرأ ثم يرقا إلى أن قال حفص : و كانت قراءتهعليه‌السلام حزنا فإذا قرأ فكأنه يخاطب انسانا .

٥ في الخطبة ( ١٧١ ) وَ اِعْلَمُوا أَنَّ هَذَا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟

هُوَ اَلنَّاصِحُ اَلَّذِي لاَ يَغُشُّ وَ اَلْهَادِي اَلَّذِي لاَ يُضِلُّ وَ اَلْمُحَدِّثُ اَلَّذِي لاَ يَكْذِبُ وَ مَا جَالَسَ هَذَا ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ مِنْ فَاقَةٍ وَ لاَ لِأَحَدٍ قَبْلَ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَ اِسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ اَلدَّاءِ وَ هُوَ اَلْكُفْرُ وَ اَلنِّفَاقُ وَ اَلْغَيُّ وَ اَلضَّلاَلُ فَاسْأَلُوا اَللَّهَ بِهِ وَ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ وَ لاَ تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ اَلْعِبَادُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَ قَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَ أَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ ؟ اَلْقُرْآنُ ؟ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَ مَنْ مَحَلَ بِهِ ؟ اَلْقُرْآنُ ؟ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَ عَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ وَ اِسْتَدِلُّوهُ

____________________

( ١ ) النمل : ٧٦ ٧٧ .

٣٧

عَلَى رَبِّكُمْ وَ اِسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ اِتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ وَ اِسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ « و اعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش » بخلاف باقي الناصحين فقد يغشون ، قال الشاعر : « و مؤتمن بالغيب غير امين » .

و في ( المروج ) استشار مروان بن محمد ، إسماعيل بن عبد اللّه القشيري لمّا انهزم من المسودة بحران أن يلحق بالروم مكاتبا لصاحبها معاهدا له حتى يحصل له استعداد و كان هو الرأي فغشه و قال له اعيذك باللّه من هذا الرأي تحكم أهل الشرك في بناتك و حرمك و لكن اقطع الفرات ثم استنفر الشام إلى أن قال بعد ذكر و ثوب أهل البلاد عليه فعلم مروان ان اسماعيل غشه في الرأي و انه فرط في مشورته إذ شاور رجلا من قحطان موترا متعصبا من قومه على اضدادهم من نزار ، و ان الرأي الذي هم بفعله من قطع الدرب و نزول بعض حصون الروم و مكاتبة ملكها إلى أن يرتأى في أمره كان اولى الخ قال تعالى في كتابه :انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين ١ .

« و الهادي الذي لا يضل »ان هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ٢ .و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا حسنا ماكثين فيه ابداً ٣ .

« و المحدث الذي لا يكذب »لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ٤ و في ( الاسد ) عن أبي وداعة الحميدي قال : كنت

____________________

( ١ ) الواقعة : ٧٧ ٨٠ .

( ٢ ) الاسراء : ٩ .

( ٣ ) الكهف : ٢ ٣ .

( ٤ ) فصلت : ٤٢ .

٣٨

إلى جنب مالك بن عبادة أبي موسى الغافقي و عقبة بن عامر يحدث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو موسى : ان صاحبكم لحافظ أو هالك ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبنا في حجة الوداع ، فقال : عليكم بالقرآن فانكم ترجعون إلى قوم يشتهون الحديث فمن عقل شيئا فليحدث به و من افترى على فليتبوّأ مقعده من النار .

و كل حديث لا يوافقه كذب فروى العياشي عن الصادقعليه‌السلام قال : ما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، و ما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به .

« و ما جالس هذا القرآن أحد » إذا لم يكن من أهل العناد و الطغيان .

« إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان زيادة في هدى أو نقصان من عمى » و أما من كان من أهل اللجاج فلا يزيده إلا عمى ، قال تعالى : و إذا ما انزلت سورة فمنهم من يقولايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا و هم يستبشرون و أما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم و ماتوا و هم كافرون أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون و لا هم يذكرون ١ .قل هو للذين آمنوا هدى و شفاء و الذين لا يؤمنون في آذانهم و قر و هو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ٢ و قال في المؤمنين :انما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه و جلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا و على ربهم يتوكلون ٣ و قال في غيرهم :

و إذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا . . ٤ .

____________________

( ١ ) التوبة : ١٢٤ ١٢٦ .

( ٢ ) فصلت : ٤٤ .

( ٣ ) الانفال : ٢ .

( ٤ ) الجاثية : ٩ .

٣٩

« و اعلموا انه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة » .تبياناً لكل شي‏ء . . ١ و لاح حَبّةٍ في ظلماتِ الأرض و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين ٢ .

« و لا لاحد قبل القرآن من غنى »هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٣ .

« فاستشفوه من ادوائكم » روى العياشي عن الصادقعليه‌السلام : عليكم بالقرآن فما وجدتم آية نجابها من كان قبلكم فاعملوا به ، و ما وجدتموه ممّا هلك من كان قبلكم فاجتنبوه .

« و استعينوا به على لأوائكم » أي : شدّتكم و في ( الكافي ) عن الزهري ، قال علي بن الحسينعليه‌السلام لو مات من بالمشرق و المغرب ما توحشت بعد ما كان القرآن معي ، و كانعليه‌السلام إذا قرأ مالك يوم الدين ٤ يكررها حتى كاد أن يموت .

« فان فيه الشفاء من أكبر الداء و هو الكفر و النفاق و الغي و الضلال »قل أوحى الي انّه استمع نفر من الجن فقالوا انّا سمعنا قرآنا عجباً يهدي الى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحداً ٥ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لمّا في الصدور و هدى و رحمة للمؤمنين ٦ .

« فاسألوا اللّه به و توجهوا إليه بحبه » في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان أهل

____________________

( ١ ) النحل : ٨٩ .

( ٢ ) الانعام : ٥٩ .

( ٣ ) الجمعة : ٢ .

( ٤ ) الفاتحة : ٢ .

( ٥ ) الجن : ١ ٢ .

( ٦ ) يونس : ٥٧ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وأمطر في كل البلاد صواعقاً

وهبت له ريح من الشر زعزع

فلم ينج منهم غير من باع دينه

وقال بما يرضي الضلوع ويقنع

ولا عز إلّا من أتى بنميمة

ولا ذل إلّا مؤون متورع

منازل أهل الجور في كل بلدة

عمار وأهل العدل في تلك بلقع

يقولون في أرض العراق مشعشع

وهل بقعة إلّا وفيها مشعشع

فلا فرق إلّا عجزهم واقتداره

وظلمهم فيما يطيقون اشنع

لقد صاقت الآفاق وارتق الفضا

فليس لأهل الدين في الأرض موضع

فهل عامر في الأرض بل أو مفازة

وليس لها في الظلم جمع مجمع

وما سن فيها الظلم إلّا عصابة

تقول على آل النّبي تجمع

فأولهم نسل القحافي حبتر

لئيم له في اللؤم أصل وموضع

أبوه دعى لابن جذعان خادم

وحبترة أدنى محل وأوضع

وتابعه ابن الصهاكي أدلم

عتل زنيم فاجر متبدع

إذا كان منسوباً لسبع

فهل عجب فيما يقول ويصنع

وتابعه في الظلم آل اُميّة

تواطوا على ظلم الوصي وأجمعوا

فلم يتركوا للدين أصلاً يقله

ولم يتركوا فرعاً له يتفرع

وقادوا عليّاً في حمائل سيفه

وكسر أسيافاً لقوم وأضلع

كسيف زبير ثمّ ضلع ابن ياسر

وضلع ابن مسعود وللصحف قطع

إذا فعلوا هذا بأصحاب أحمد

وقالوا لنا إن الصحابة أجمعوا

على حبتر ثمّ ارتضوه أميرهم

فهل عاقل يرضى بهذا ويقنع

وفاطمة الزّهراء حازوا تراثها

عناداً فجاءت حبتراً تتشفع

فقال أبوك المصطفى قال معلناً

بأن أولي القربى من الإرث يمنعوا

فقالت فهاتوا نحلتي وعطيتي

فقالوا لها هل شاهد لك يسمع

فقالت شهودي أذهب الرجس عنهم

لهم آية التطهير ما فيه مدفع

هم حيدر وابناه مع اُمّ أيمن

فهل لك في رد الشهادة مطمع

فقال لها ظلماً وكفراً وقسوة

فلسنا بقول البعل والابن نقنع

فلما رأت تصميمه في ضلاله

وليس عن العصيان أو الظلم يقلع

١٤١

فقامت وأنت عند ذلك أنة

يكاد لها صم الصفا يتصدع

وتابعت الزفرات والنوح والبكا

إلى أن قضت لم يرق للطهر مدمع

فيا عجباً من رده لشهودها

وقول أناس ليس في الكفر تطمع

ألم يفقهوا أقواله وفعاله

ألم ينظروا يا ويلهم ثمّ يسمعوا

فهل رد إلّا من نفى الرجس عنهم

ورد الذي قد جاء بالوحي يصدع

يزكي إله العالمين وأحمد

أناساً ويأتي نغل تيم ويمنع

فتباً لها من اُمة ضل سعيها

توالي كفراً بالإله وتتبع

وأعظم من كل الرزايا رزية

مصارع يوم الطّفّ أدهى واشنع

بها لبس الدين الحنيفي خلعة

من الذل لا تبلى ولا تتقطع

فما أنس لا أنس الحُسين ورهطه

وعترته بالطف ظلماً تصرع

ولم أنسه والشمر من فوق رأسه

يهشم صدراً وهو للعلم مجمع

ولم أنس مظلوماً ذبيحاً من القنا

وقد كان نور الله في الأرض يلمع

يقبله الهادي النّبي بنحره

وموضع تقبيل النّبي يقطع

إذا حز عضو منه نادى بجده

وشمر على تصميمه ليس يرجع

وميز عنه الرأس ظلماً وقسوة

ولا عينه تندو ولا القلب يخشع

تزلزلت الأفلاك من كل جانب

تكاد السما تنقض والأرض تقلع

وعرج جبرائيل ينوح بحرقة

ويشجي أملاك السما ويفجع

وضجت أملاك السّماء وتناوحت

طيور الفلا والوحش والجن أجمع

وجئن كريمات الرّسول حواسراً

ولم يبق جيب لا يشق ويرقع

تقبل جثمان الحُسين سكينة

وشمر لها بالسوط ضرباً يقنع

فيؤلمها ضرب السياط فتلتجي

لعمتها من حيث بالضرب توجع

تقول له يا شمر ويحك خلها

إذا كان بالتقبيل ترضى وتقنع

وترفع صوتاً اُمّ كلثوم بالبكا

وتشكو إلى الله العلي وتضرع

وتندب من عظم الرزية جدها

فلو جدنا ينظر إلينا ويسمع

أيا جدنا نشكو إليك اُميّة

فقد بالغوا في ظلمنا وتبدعوا

أيا جدنا لو أن رأيت مصابنا

لكنت ترى أمراً له الصخر يصدع

أيا جدنا هذا الحُسين معفراً

على الترب محزوز الوريدين مقطع

١٤٢

فجثمانه تحت الخيول ورأسه

عناداً بأطراف الأسنة برقع

أيا جدنا لم يتركوا من رجالنا

كبيراً ولا طفلاً على الثدي يرضع

أيا جدنا لم يتركوا لنسائنا

خماراً ولا ثوباً ولم يبق برقع

أيا جدنا سرنا عرايا حواسرا

كأنا سبايا الروم بل نحن أوضع

أيا جدنا لو أن ترانا أذلة

أسارى إلى أعدائنا نتضرع

ايا جدنا نسترحم القوم لم نجد

شفيعاً ولا من ذي الإساءة يدفع

أيا جدنا شمر يبز قناعنا

ويضربنا ضرب الإماء ويوجع

أيا جدنا زين العباد مكبل

عليل سقيم مدنف متوجع

إذا ما رآنا حاسرات بلا غطا

تكاد الحشا تنفت والروح تنزع

فيصرف عنا الوجه من غير بغضة

ويرنو إلى الرأسُ الحُسينُ فيجزع

فما فعلت عاد كفعل اُميّة

ولكنهم آثار قوم تتبع

فما قتل السبط الشهيد ورهطه

سوى عصبة يوم السقيفة أجمعوا

وما ذاك إلّا سامري وعجله

أهم أصلوا للظلم والقوم فرعوا

ألا لعن الله الذين توازروا

على ظلم آل المصطفى وتجمعوا

أيا سادتي يا آل بيت مُحمّد

بكم مفلح مستعصم متمنع

وأنتم ملاذي عند كل كريهة

وأنتم له حصن منيع ومفزع

إذا كنتم درعي ورمحي ومنصلي

فلا اختشي بأساً ولا أتروع

بك أتقي هول المهمات في الدنا

وأهوال روعات القيامة أدفع

فدونكموها من محب ومبغض

له كبد حرى وقلب مفجع

ولا طاقتي إلّا المدائح والهجا

وليس بهذا علة القلب تنفع

الا ساعة فيها أجرد صارماً

وأضرب هام القوم حتّى يصرع

فحينئذ يشفي الفؤاد وحزنه

مقيم ولو لم يبق للقوم موضع

فكيف ولو بالحر قسنا جميعهم

لزاد عليهم للرياحي اصبع

أيا سادتي يا آل بيت مُحمّد

ويا من بهم يعطي الإله ويمنع

ألا فاقبلوا من عبدكم ومحبكم

قليلاً فإن الحر يرضى ويقنع

فإن كان تقصير بما قد أتيته

فساحة غدري يا موالي مهيع

فلست بقوال ولست بشاعر

ولكن من فرط الأسى أتولع

١٤٣

الباب الثّالث

أيّها الإخوان , كيف تخفي زفرات الأحزان ؟ أم كيف تطفي لهبات الأشجان ؟ أتراكم ما تعلمون ما جرى على سادات الزّمان في تلك الأماكن والأوطان ؟ قسماً بالبيت العتيق , لو فكّر المؤمن فيما اصابهم من المحن , لغدى روحه أن تخرج من البدن , كيف لا وهم أنوار الله في أرضه وسمائه , وأصفياء الله وأبناء أصفيائه ! اجتروا عليهم فقطّعوا منهم الأوصال , وجدّلوهم على الرّمال , وجرّعوهم كؤوس الحتوف بأرض الطّفوف , وأخذوا نساءهم سبايا على أقتاب المطايا , عرايا حفايا على أيدي أهل العناد وأشرّ العباد , أمر تكاد السّماوات أن يتفطّرن منه , وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا :

والله ما عاد بأعظم جرأة

منهم ولا فعلت ثمود وتبع

وناداهم لما به حفوا معاً

زمراً ولم يك من لقاهم يجزع

يا شر خلق الله ما من مسلم

منكم له دين يكف ويردع

حرم النّبي تموت من حر الظما

والوحش في ماء الشريعة يترع

ألكم طلائب عندنا تبغونها ؟

أم ما عرفتم ويلكم ما يصنع

فيا لهف نفسي على الكهول والشّبان ! ويا تأسّفي على تلك الأجسام والأبدان ! فيا ليتني كنت تراباً لأقدامهم , وخادماً من جملة خدّامهم.

روي عن المفضل بن عمر , قال : قُلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام ) : كيف كانت ولادة فاطمة (عليها‌السلام ) ؟ فقال : (( نعم , إنّ خديجة لمـّا تزوج بها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , هجرتها نساء مكّة , وكنّ لا يدخلنّ إليها ولا يسلّمنّ عليها ولا يتركن امرأة تدخل إليها , فاستوحشت خديجة لذلك , فلمّا حملت بفاطمة , كانت فاطمة تحدّثها في بطنها وتصبّرها , وكانت تكتم ذلك عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فدخل يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة , فقال لها : يا خديجة , مَن تحدثين ؟ قالت : الجنين في بطني يحدّثني ويؤنسني .قال : يا خديجة , هذا جبرائيل يبشّرني أنّها ابنتي , وأنّها النّسلة الطّاهرة الميمونة , وأنّ الله سيجعل نسلي منها , وسيجعل من نسلها أئمة , ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة (عليها‌السلام ) على ذلك حتّى حضرت ولادتها , فوجّهت إلى نساء قُريش

١٤٤

وبني هاشم : أن تعالين لتلين منّي ما تلي النّساء من النّساء .فأرسلنّ إليها : عصيتينا ولم تقبلي قولنا , وتزوجت مُحمّداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له , فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً .فاغتمّت خديجة (عليها‌السلام ) لذلك , فبينما هي كذلك , إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهن من نساء بني هاشم , ففزعت منهنّ لمـّا رأتهن , فقالت إحداهنّ : لا تحزني يا خديجة , إنّا رسل ربّك ونحن أخواتك ؛ أنا سارة , وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة , وهذه مريم بنت عمران , وهذه كلثم أخث موسى بن عمران , بعثنا الله إليك ؛ لنلي منك ما تلي النّساء من النّساء .فجلست واحدة عن يمينها واُخرى عن يسارها, والثّالثة بين يديها والرّابعة من خلفها , فوضعت فاطمة (عليها‌السلام ) طاهرة مطهّرة , فلمّا سقطت إلى الأرض , أشرق منها النّور حتّى دخل بيوت مكّة , ولم يبق في شرق الأرض ولا في غربها إلّا أشرق فيه ذلك النّور , ودخل عشر من الحور العين , كلّ واحدة منهنّ معها طشت من الجنّة وإبريق من الجنّة , وفي الإبريق ماء من ماء الكوثر , فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها , فغسّلتها بماء الكوثر , وأخرجت خرقتين بيضاوين , أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر , فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثّانية , ثمّ استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها‌السلام ) بالشّهادتين , فقالت : أشهد أن لا إله إلّا الله , وأنّ أبي مُحمّد رسول الله سيّد الأنبياء , وأنّ بعلي سيّد الأوصياء , وولدي سادة الأسباط , ثمّ سلّمت عليهنّ واحدة وسمّت كلّ واحدة باسمها , وأقبلنّ يضحكن إليها , وتباشرت الحور العين , وبشّر أهل السّماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة , وحدث في السّماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك , ثمّ قالت النّسوة : خذيها يا خديجة , طاهرة مطهّرة زكية ميمونة , بورك فيها وفي نسلها .فتناولتها فرحة مستبشرة , وألقمتها ثديها فدرّ عليها , وكانت فاطمة تنمو في اليوم كما ينمو الصّبي في الشّهر , وفي الشّهر كما ينمو الصّبي في السّنة )).

وعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال : (( فاطمة سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين , وأنّها لتقوم في محرابها , فيسلّم عليها سبعون ألف مَلك من الملائكة المقرّبين , وينادونها بما نادت به الملائكة مريم , فيقولون : يا فاطمة , إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين .ثمّ يلتفت إلى عليّ (عليه‌السلام ) , فيقول له : يا عليّ , فاطمة بضعة منّي وهي نور عيني وثمرة فؤادي , يسوءني ما ساءها

١٤٥

ويسرّني ما سرّها , وإنّها أوّل من يلحقني من أهل بيتي , فأحسن إليها بعدي )) .:

يا نفس إن تتلقي صبراً فقد ظلمت

بنت النّبي رسول الله وإبناها

تلك التي أحمد المختار والدها

وجبرائيل أمين الله رباها

الله طهرها من كل فاحشة

من كل ريب وزكاها وصفاها

فهذا يا إخوان الدّين ما وصل إلينا في ولادة بنت سيّد المرسلين.

وأمّا ولادة الحُسين بن عليّ (عليهما‌السلام ) , فقد روي فيها عن ابن عبّاس , قال : لمـّا أراد الله أن يهب لفاطمة الزّهراء , وكان في رجب في اثني عشر ليلة خلت منه ، فلمّا وقعت في طلقها , أوحى الله عزّ وجلّ إلى لعيا ( وهي : حوراء من الجنّة ) وأهل الجنان إذا أرادوا أن ينظروا إلى شيء حسن نظروا إلى لعيا ، قال : ولها سبعون ألف وصيفة , وسبعون ألف قصر , وسبعون ألف مقصورة , وسبعون ألف غرفة مكلّلة بأنواع الجواهر والمرجان , وقصر لعيا أعلا من تلك القصور ومن كلّ القصور في الجنّة , إذا أشرفت على الجنّة , نظرت جميع ما فيها وأضاءت الجنّة من ضوء خدّها وجبينها , فأوحى الله إليها : (( أن اهبطي إلى دار الدّنيا , إلى بنت حبيبي مُحمّد فآنسي لها )) .فأوحى الله إلى رضوان خازن الجنان : (( أن زخرف الجنّة وزيّنها ؛ كرامة لمولود يولد في دار الدّنيا )) .وأوحى الله إلى الملائكة : (( أن قوموا صفوفاً بالتّسبيح والتّقديس والثّناء على الله تعالى )) .وأوحى إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل : (( أن اهبطوا إلى الأرض في قنديل من الملائكة )) .قال ابن عباس : والقنديل ألف ألف ملك , فبينما هبطوا من سماء إلى سماء , إذا في السّماء الرّابعة ملك يُقال له (صلصائيل) , له سبعون ألف جناح قد نشرها من المشرق إلى المغرب , وهو شاخص نحو العرش ؛ لأنّه ذكر في نفسه فقال : ترى الله يعلم ما في قرار هذا البحر , وما يسير في ظلمة الليل وضوء النّهار ؟ فعلم الله تعالى في نفسه , فأوحى الله إليه : (( أن أقم مكانك لا تركع ولا تسجد ؛ عقوبة لك لما فكّرت )).

قال : فهبطت لعيا على فاطمة , وقالت لها : مرحباً بك يا بنت مُحمّد كيف حالك ؟ قالت (عليها‌السلام ) لها : (( بخير )) .ولحق فاطمة الحياء من لعيا لم تدري ما تفرش لها , فبينما هي متفكّرة , إذ هبطت حوراء من الجنّة ومعها درنوك من درانيك الجنّة , فبسطته في منزل فاطمة فجلست عليه لعيا , ثمّ إنّ فاطمة (عليها‌السلام ) ولدت الحُسين (عليه‌السلام ) في وقت الفجر , فقبّلته لعيا وقطعت سرّته ونشّفته بمنديل من

١٤٦

مناديل الجنّة , وقبّلت عينيه وتفلت في فيه , وقالت له : بارك الله فيك من مولود وبارك في والديك .وهنأت الملائكة جبرائيل , وهنأ جبرائيل مُحمّداً سبعة أيّام بلياليها , فلمّا كان في اليوم السّابع , قال جبرائيل : يا مُحمّد , آتنا بابنك هذا حتّى نراه .قال : فدخل النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فاطمة , فأخذ الحُسين وهو ملفوف بقطعة صوف صفراء , فأتى به إلى جبرائيل , فحلّه وقبّله بين عينيه وتفل في فيه , وقال : بارك الله فيك من مولود , وبارك في والديك يا صريع كربلاء ! ونظر إلى الحُسين وبكى , وبكى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبكت الملائكة , وقال جبرائيل : اقرأ فاطمة ابنتك السّلام , وقُل لها : تُسمّيه الحُسين , فقد سمّاه الله جلّ إسمه , وإنّما سُمّي الحُسين ؛ لأنّه لم يكُن في زمانه أحسن منه وجهاً .فقال رسول الله (ص) : (( يا جبرائيل , تهنيني وتبكي ؟! )) .قال: نعم يا مُحمّد , آجرك الله في مولودك هذا .فقال (ص) : (( يا حبيبي جبرائيل ومَن يقتله ؟ )) .قال : شراذمة من اُمّتك يرجون شفاعتك لا أنالهم الله ذلك .فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( خابت اُمّة قتلت ابن بنت نبيّها )) .قال جبرائيل : خابت ثمّ خابت من رحمة الله , وخاضت في عذاب الله .ودخل النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فاطمة , فأقرأها من الله السّلام , وقال لها : (( يا بنيّة , سمّيه الحُسين فقد سمّاه الله الحُسين )) .فقالت : (( من مولاى السّلام وإليه يعود السّلام , والسّلام على جبرائيل )) .وهنأها النّبي وبكى ، فقالت : (( يا أبتاه ! تهنئني وتبكي ؟ )) .قال : (( نعم يا بنيّة ! آجرك الله في مولودك هذا )) .فشهقت شهقة وأخذت في البكاء وساعدتها لعيا ووصائفها , وقالت : (( يا أبتاه ! مَن يقتل ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي ؟ )) .قال : (( شراذمة من اُمّتي يرجون شفاعتي لا أنالهم الله ذلك )) قالت فاطمة : (( خابت اُمّة قتلت ابن بنت نبيّها )) .قالت لعيا : خابت ثمّ خابت من رحمة الله , وخابت في عذابه .(( يا أبتاه ! اقرىء جبرائيل عنّي السّلام , وقُل له في أيّ موضع يُقتل ؟ )).قال : (( في موضع يُقال له كربلاء , فإذا نادى الحُسين لم يجبه أحد منهم , فعلى القاعد من نصرته لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ، ألا أنّه لن يُقتل حتّى يخرج من صلبه تسعة من الأئمة , ثمّ سمّاهم بأسمائهم إلى آخرهم , وهو الذي يخرج آخر الزّمان مع عيسى بن مريم ، فهؤلاء مصابيح الرّحمن وعروة السّلام , محبّهم يدخل الجنّة ومبغضهم يدخل النّار )).

قال : وعرج جبرائيل وعرج الملائكة وعرجت لعيا , فبقي الملك صلصائيل , فقال : يا حبيبي , أقامت القيامة على أهل

١٤٧

الأرض ؟ قال : لا ، ولكن هبطنا إلى الأرض , فهنئنا مُحمّداً بولده الحُسين .قال : حبيبي جبرائيل , فاهبط إلى الأرض , فقل له: يا مُحمّد , اشفع إلى ربّك في الرّضا عنّي ؛ فإنّك صاحب الشّفاعة .قال : فقام النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ودعا بالحُسين (عليه‌السلام ) , فرفعه بكلتا يديه إلى السّماء , وقال : (( اللّهمّ , بحقّ مولودي هذا عليك إلّا رضيت على الملك )) .فإذا النّداء من قبل العرش : (( يا مُحمّد , قد فعلت وقدرك كبير عظيم )) .قال ابن عباس : والذي بعث مُحمّداً بالحقّ نبيّاً , إنّ صلصائيل يفخر على الملائكة؛ أنّه عتيق الحُسين , ولعيا تفخر على الحور العين ؛ بأنّها قابلة الحُسين.

فيا إخواني , يحقّ لـمَن فارقته ساداته الذين بهم سعادته , ولم يتمكّن من الوصول إليهم , ولبذل نفسه في الجهاد بين يديهم, أن تسيل دموعه الهاطلة وتزيد حرقته المواصلة , ويواصل النّوح بالعويل لا سيّما لو كان بذاك رضا الجليل ، فنوحوا يا إخواني على ساداتكم الكرام , وتمثّلوا ما أصابهم من الكفرة اللئام , قتلوا رجالهم وذبحوا أطفالهم ونهبوا أموالهم ، فعلى مثلهم فليبك الباكون , وعلى مثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة لابن المتوج (رحمه ‌الله ت عالى)

ألا نوحوا وضجوا بالبكاء

على السبط الشهيد بكربلاء

ألا نوحوا بسكب الدمع حزناً

عليه وامزجوه بالدماء

الا نوحوا على من قد بكاه

رسول الله خير الأنبياء

ألا نوحوا على من قد بكاه

عليّ الطهر خير الأوصياء

ألا نوحوا على من قد بكته

حبيبة أحمد ست النساء

ألا نوحوا على من قد بكاه

لعظم الشجو أملاك السماء

ألا نوحوا على قمر منير

عراه الخسف من بعد الضياء

ألا نوحوا على غصن رطيب

ذوي بعد النظارة والبهاء

ألا نوحوا لخامس آل طه

وياسين وأصحاب العباء

ألا نوحوا على شرف القوافي

ومتخرة المرائي والثناء

ألا نوحوا عليه وقد أحاطت

به خيل البغاء الأشقياء

١٤٨

إذ أقبل واعظاً فيهم خطيباً

وبالغ في النصيحة والدعاء

ألا يا قوم أنشدكم فردوا

جوابي هل يحل لكم دمائي

وجدي أحمد وأبي عليّ

وأمي فاطم ست النساء

فقالوا هل نطقت بقول صدق

وقد أخبرت بالحق السواء

ولكن قد أمرنا لا نخلي

سبيلك أو تبايع بالوفاء

وإلّا بالقواضب والعوالي

نجرعكم بها غصص الظماء

فقال أبالقتال تخوفوني

وهل تخشى الأسود من الظباء

فنادوا للقتال معاً ونادى

أخيل الله هبي للقاء

فكافحهم على غصص إلى أن

أبادوا ناصريه ذوي الوفاء

وصادفهم بمهجته إلى أن

أتاه سهم أشقى الأشقياء

فخرّ وبادر الملعون شمر

وحز وريده بعد ارتقاء

وعلا رأسه في رأس رمح

وخلى الجسم شلواً بالعراء

ومالوا في الخيام فحرقوها

وعاثوا في الذراري والنساء

وساقوا الطاهرات مهتكات

على قتب الجمال بلا وطاء

ألا يا آل ياسين فؤادي

لذكري مصابكم حلف الضناء

فأنتم عدتي لي في يوم معادي

إذا حشر الخلائق للجزاء

وما أرجو لآخرتي سواكم

وحاشا أن يخيب بكم رجائي

أنا ابن متوج توجتموني

بتاج الفخر طراً والبهاء

صلاة الخلق والخلاق تترى

عليكم بالصباح وبالمساء

ولعنته على قوم أباحوا

دماءكم بظلم وافتراء

١٤٩

المجلس الثّامن

في اليوم الرّابع من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب

الباب الأول

تفكّروا أيّها الإخوان في أهل الظّلم والعدوان , كيف حملتهم الأحقاد والغلّ الكامن في الفؤاد , على انتهاك حرمة الرّسول وذرّيّة الزّهراء البتول , فصرعوهم على الرّمال ولم يراقبوا الكبير المتعال , ولا بما قيل وقال , بل رفعوا رؤوس آل النّبي على الرّماح , وتركوا أجسادهم شاحبة تسفى عليها الرّمال ، فهم ما بين قتيل يجري منه الصّديد وأسير مكبّل بالحديد ، وامرأة تحنّ ومريض يئنّ ، وسبايا كسبي العبيد ، يُقادون بالعنف إلى يزيد , كأنّهم اُسارى بني الأصفر وليسوا من ذرّيّة النّبي المطهّر :

قليل لهذا الرزء تكوير شمسها

وإن تفطر السبع الشداد له قطرا

مصاب بكت منه السّماء وأهلها

وأشقت به الشم الرعان على المسرى

وخطب جليل قليل حين حلوله

لدمع رسول الله من عينه أجرى

ليبك بنو السلام طراً عليهم

كما بكت الآيات والملّة الغرا

حملتهم الدُنيا الدّنيّة على قتل العترة النّبوية .وقد ورد في الخبر عن سادات البشر , حبّها من أعظم الأخطار الموجبة للسخط ودخول النّار.

وفي الحديث القدسي : (( لو صلّى عبدي صلاة أهل السّماوات وأهل الأرضين , وصام صيام أهل السّماوات وأهل الأرضين , وحجّ حجيج أهل السّماوات وأهل الأرضين

١٥٠

وطوى عن أكل الطّعام مثل الملائكة المقرّبين , ثمّ أرى في قلبه من حبّ الدّنيا ذرّة , أو من سمعتها أو من رئاستها , أو من محمدتها أو من حليتها , أو من زينتها أدنى من ذرّة , فإنّه لا يجاورني في دار كرامتي ، ولأنزعنّ من قلبه محبّتي , ولأظلمنّ قلبه حتّى ينسى ذكري ؛ حتّى لا أذيقه رحمتي يوم القيامة )).

وفي الخبر عن الصّادق (عليه‌السلام ) , قال : (( إذا كان يوم القيامة , يمرّ رسول الله بشفير جهنّم , ومعه عليّ بن أبي طالب والحسن والحُسين (عليهم‌السلام ) , فيراهم المختار وهو يومئذ في النّار , فينادي بصوت عال : يا شفيع المذنبين ! أنقذني من النّار .فلم يجبه ، فينادي : يا عليّ ! أغثني من النّار .فلم يجبه ، فينادي : يا حسن يا سيّد شباب أهل الجنّة ! أدركني .فلم يجبه ، فينادي : يا حُسين يا سيّد الشّهداء ! أنا الذي قتلت أعداءك وأخذت لك بالثأر , أنقذني من النّار .فيقول النّبي : يا حُسين , إنّ المختار قد احتجّ عليك بأخذ الثّأر من أعدائك , فأنقذه من النّار .قال : فينتفض الحُسين (عليه‌السلام ) سريعاً كالبرق الخاطف , ويخرجه من النّار , ويغمسه في نهر الحيوان , ويدخله الجنّة مع الأخيار ببركة النّبي المختار )).

فسُئل الصّادق (ع) : يابن رسول الله , فلِمَ اُدخل المختار النّار وهو من الأخيار والشّيعة الأبرار , وأفضل الأنصار لأهل بيت النّبي المختار ؟! فقال (عليه‌السلام ) : (( إنّ المختار كان يحبّ السّلطنة , وكان يحبّ الدّنيا وزينتها وزخرفها , وأنّ حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة ؛ لأنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : والذي بعثني بالحقّ نبياً , لو أنّ جبرائيل أو ميكائيل كان في قلبهما ذرّة من حبّ الدّنيا , لأكبّهما الله على وجوههما في نار جهنّم )).

فنزّهوا أيّها الإخوان أنفسكم عن الرّاكعون إلى الدُنيا , وإيّاكم وطلب الرّئاسة والعليا ؛ فإنّها دار لا يدوم فيها نعيم , ولم يبق أحد من شرّها سليم , وكيف يرضى العاقل بالدّنيا دار بعد آل الرّسول وسلالة الطّاهرة البتول ؟! هذه والله دار غدرت بمواليها , فلا خير والله فيها إلّا مَن اتخذ فيها الزّاد ليوم المعاد ، ولعمري , لا عمل فيها أفضل من موالاة الآل , الدّافعة لتلك الأهوال يوم الحشر والمآل :

هم السادة الأطهار آل محمد

هم الدين والدنيا لمن يتعقل

هم الطور والأعراف والنور والضحى

وياسين والأحقاف والمترمل

مهابط وحي الله في حجراتهم

وتبيان برهان الكتاب المنزل

١٥١

فما مثلهم في الكون إن عد مفخر

أعد نظراً يا صاح إن كنت تعقل

خلت منهم أرض العقيق وعطلت

منازل آيات بها الوحي ينزل

منازل تنزيل بها الحزن قد ثوى

ومجلس أنس قد خلا منه نزل

حدا بهم حادي المنايا معجلا

وسارت بهم عنفاً على الابن نزل

أصابتهم أيدي المصائب فاغتدوا

أماثيل في الدّنيا لمن يتمثل

فما منهم إلّا قتيل وهالك

بسم ومذبوح وذاك مكبل

على مثلهم فليبك بالمدى المدى

ويذرف دمعاً كالمسيل مسبل

روي عن عليّ بن عاصم الكوفي الأعمى , قال : دخلت على سيدي ومولاي الحسن العسكري (عليه‌السلام ) , فسلّمت عليه , فردّ عليّ السّلام وقال : (( مرحباً بك يابن عاصم , اجلس مكانك , هنيئاً لك يابن عاصم , أتدري ما تحت قدميك ؟ )).فقلت : يا مولاي , إنّي أرى تحت قدمي هذا البساط , كرّم الله وجه صاحبه .فقال لي : (( يا بن عاصم , اعلم أنّك على بساط جلس عليه كثير من النّبيين والمرسلين )) .فقلت : يا سيدي , ليتني لا أفارقك ما دمت في دار الدّنيا .ثمّ قلت في قلبي : ليتني أرى هذا البساط .فعلم الإمام ما في ضميري , فقال : (( ادن منّي )) .فدنوت منه , فمسح يده على وجهي , فصرت بصيراً بإذن الله ، ثمّ قال لي : (( هذا قدم أبينا آدم , وهذا أثر هابيل , وهذا أثر شيث , وهذا أثر إدريس , وهذا أثر هود , وهذا أثر صالح , وهذا أثر لقمان , وهذا أثر إبراهيم , وهذا أثر لوط , وهذا أثر شعيب , وهذا أثر موسى , وهذا أثر داود , وهذا أثر سُليمان , وهذا أثر الخضر , وهذا أثر دانيال , وهذا أثر ذي القرنين الاسكندر , وهذا أثر عدنان , وهذا أثر عبد الـمُطّلب , وهذا أثر عبد الله , وهذا أثر عبد مُناف , وهذا أثر جدّي رسول الله , وهذا أثر جدّي عليّ بن أبي طالب ))

قال عليّ بن عاصم : فأهويت على الأقدام كلّها وقبّلتها , وقبّلت يد الإمام العسكري (عليه‌السلام ) , وقلت له : يا سيدي , إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي , وليس أملك غير موالاتكم , والبراءة من أعدائكم واللعن لهم في خلواتي , فكيف حالي يا سيدي ؟ فقال : (( حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله , قال : مَن ضعف عن نصرتنا أهل البيت , ولعن في خلواته أعداءنا , بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة , فكلّما لعن أحدكم أعداءنا , ساعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم ، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة , استغفروا له

١٥٢

وأثنوا عليه , وقالوا : اللّهمّ صلّ على روح عبدك , هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده , ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل.فإذا النّداء من قبل الله تعالى يقول : يا ملائكتي , إنّي قد أجبت دعائكم في عبدي هذا , وسمعت نداءكم , وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار , وجعلته من الـمُصطفين الأخيار )).

وكذلك قال عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) لأصحابه الذين كانوا معه لمـّا غُصبت الخلافة منه , حيث قال : (( يا أصحابي , الزموا بيوتكم واصبروا على البلاء , ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم وأهواء ألسنتكم , ولا تستعجلوا بما يُعجّله الله لكم ؛ فإنّه مَن مات منكم على فراشه وهو على معرفة من حقّ ربّه , وحقّ نبيّه وآل نبيّه , كان كمن مات شهيداً , أو أجره على الله , واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله , وقامت النّية مقام صلاته وجهاده بسيفه ويده , وإنّ لكلّ شيء أجلاً وانتهاء )).

فيا إخوتي , لله درّ الشّيعة الـمُخلصين , والأتباع الـمُتّقين , وأهل الولاية أجمعين , الذين بذلوا قلوبهم في المحبّة , واستعملوها في المودّة والمسبّة.

روي في الخبر عن سيّد البشر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , أنّه كان يقول للحسن والحُسين : (( أنتما زينة عرش الرّحمن , أنتما اللؤلؤة والمرجان)) .فقيل له : يا رسول الله , وكيف ذلك , وكيف يكونان تزيين عرش الرّحمن ؟ فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إذا كان يوم القيامة , يزيّن عرش ربّ العالمين بكلّ زينة , ثمّ يؤتى بمنبرين من نور , كلّ منبر طوله مئة ميل , فيوضع أحدهما عن يمين العرش , والآخر عن يسار العرش ، ثمّ يؤتى بالحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) , فيقف الحسن على أحدهما والحُسين على الآخر , يزيّن الرّب تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزيّن المرأة قرطاها )) .ثمّ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( ويوضع يوم القيامة منابر تحت العرش لشيعتي , ولشيعة أهل بيتي المخلصين في ولايتنا , فيقول الله عزّ وجلّ : هلمّوا يا عبادي إليّ لأنشر عليكم كرامتي , فقد أوذيتم في دار الدُنيا )).

وقال أيضاً (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أنا الشّجرة وفاطمة فرعها وعليّ لقاحها , والحسن والحُسين ثمرها , وشيعتنا أهل البيت أوراقها , قد أفلح من تمسّك بهذه الشّجرة )).

وفي الخبر أيضاً عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , أنّه قال : (( يدخل الجنّة من اُمّتي سبعون ألفاً بلا حساب عليهم ولا عذاب يصل إليهم )).ثمّ التفت إلى عليّ (عليه‌السلام ) , فقال : (( شيعتك هُم وأنت إمامهم )).

وعن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) , قال : (( إذا بلغت نفس المؤمن الحنجرة , وأهوى ملك الموت بيده إليها , يرى قرّة عين , يُقال له : انظر عن يمينك .فيرى رسول الله

١٥٣

وعليّاً وفاطمة والحسن والحُسين , فيقولون له : إلينا إلى الجنّة .والله لو بلغت روح عدوّنا إلى صدره , وأهوى ملك الموت بيده إليها , لا بدّ أن يُقال : انظر عن يسارك .فيرى مُنكراً ونكيراً يُهدّدانه بالعذاب , نعوذ بالله منه )) .:

مناقبهم بين الورى مستنيرة

لها غرر مجلوة وحجول

مناقب جلت أن يحاط بحصرها

نمتها فروع قد زكت وأصول

مناقب وحي الله أثبتها لهم

بما قام منه شاهد ودليل

مناقب من خلق النّبي وخلقه

ظهرت فما يغتالهن أفول

أمولاي آمالي تؤمل نصركم

وقلبي إليكم بالولاء يميل

وقد طال عمر الصبر في أخذ ثاركم

كما آن للظلم المقيم رحيل

متى يشتفي حر الغليل ويشتفي

فؤاد بآلام المصاب عليل

ويجبر هذا الكسر في ظل دولة

لها النصر جند والأمان دليل

هنالك يضحى دين آل محمد

عزيزاً ويمسي الكفر وهو ذليل

ويطوي بساط الحزن بعد كآبة

وتنشر نشراً للهناء ذيول

فيا آل طه الطاهرين رجوتكم

ليوم به فصل الخطاب طويل

أقيلوا إعثاري يوم فقري وفاقتي

فظهري بأعباء الذنوب ثقيل

فيا إخواني , دعوا التّشاغل عنكم بالأهل والأوطان والأتراب والأخدان , تفكّروا فيما أصاب سادات الزّمان الذين تمّ لكم بهم الإيمان , واستحققتهم بموالاتهم دخول الجنان ورضاء الرّحمن.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه ‌الله تع الى)

يا عين لا لخلو الربع والدمن

باكي الرزايا سوى الباكي على السكن

وآسى بني الهدى فيما أصيبت به

وساعدي البضعة الزّهراء على الحزن

وقابليها بارض الطف صارخة

على القتيل الغريب النازح الوطن

١٥٤

تشكو إلى الله والأملاك محدقة

بالعرض تستصرخ المولى أبا حسن

من حولها مريم العذراء وآسية

تكرر النوح بالتذكار والحزن

والنوح من نادبات الجن مرتفع

وقلبها موجع بالثكل والمحن

لهفي على قول مولاتي وقد نظرت

شلو الحُسين بلا غسل ولا كفن

ملقى على الأرض عاري الجسم منعفر

الخدين مختضب الأوداج والذقن

لهفي على زينب حرى مجردة

مسلوبة تستر الأكتاف بالردن

تقول يا واحدي من لي إذا نزلت

بي الحوادث يحميني ويكفيني

لهفي على فاطم الصغرى مقرحة

بالدمع أجفانها مسلوبة الوسن

تدعو إلى زينب يا عمتا سلب العلج

القناع ليسبيني ويهتكني

فرمت أستر وجهي عند رؤيته

فظل يشتمني عمداً ويضربني

أين الحماة وأين الناصرون لنا

وا خيبتي جار دهري واعتدى زمني

لهفي على السيد السجاد معتقلاً

في أسرهم مستذلا ناحل البدن

إذا شكا اسمعوه قبح شتمهم

وإن ونى قنعوه فاضل الرسن

وا حسرتاه لكريم السبط مشتهراً

كالبدر يشرق فوق الدل واللدن

فيا لها محنة عمت مصيبتها

ويا لها حسرة في قلب ذي شجن

يهني يزيد برأس طال ما رشف

المختار من ثغره تقبيل مفتتن

وتستحث بنات المصطفى ذللا

على المطايا إلى الأطراف والمدن

قد قابلونا بنو حرب بما صنعوا

ولا شفوا غلل الأحقاد والضغن

بفعلهم كفروا فينا واعتقدوا

أن لا جزاء على قبح ولا حسن

مضوا على سنن الماضين وارتكبوا

نهج الضلال ومالوا عن هدى السنن

كأنني بالبتول الطهر واقفة

في الحشر تشكو إلى الرّحمن ذي المنن

تأتي وقد ضمخت ثوب الحُسين دماً

من نحره وهي تبدي الحزن في حزن

تدعو الا ابن مسمومي ويا أسفي

على قتيلي ويا كربي ويا حزني

يا رب من نوزعت ميراث والدها

مثلي ومن طولبت بالحقد والإحن

ومن ترى جرعت في ولدها غصص

كما ابن مرجانة الملعون جرعني

ومن ترى كذبت قبلي وقد علموا

أن الإله من الأرجاس طهرني

وهل لبنت نبي أضرمت شعل

كما أطيف به بيتي ليحرقني

١٥٥

خرجت أطلب للأطفال بلغتهم

دفعني ظالمي عنها ودافعني

رب انتصف لي ممن خان عهدك

في ولدي وممن زوى إرثي فأفقرني

وتستغيث أمام العرش ساجدة

والمصطفى واقف والدمع كالمزن

فيبرز الأمر أني قد سمعت وقد

نقمت ممن عصى أمري وخالفني

أعظم بها ومنادي الحشر يسمع بالصوت

الرفيع لديها كل ذي أذن

غضوا العيون فخاتون القيامة قد

جاءت لتشفع فيمن بالولاء كنى

من كل محترق من عظم فجعتها

بكى وساعدها بالمدمع والهتن

يا سادتي الهادي النّبي ومن

أخلصت ودي لهم في السر والعلن

عرفتكم بدليل العقل والنظر المهدي

فلم أخش كيد الجاهل اللكني

ظفرت بالكنز في علم اليقين فلم

أخش اعتراضاً لدى شك ينازعني

فلست آسى على من ظل يبعدني

بالقرب منكم ومن بالغت ترحمني

وإنني أرتجي أن سوف يلطف بي

ربي فيصفح عن جرمي ويرحمني

وأن فاطمة الزّهراء تشفع لي

والمرتضى لجنان الخلد يقسمني

فاز الخليعي كل الفوز واتضحت

بكم له سبل الإرشاد والسنن

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون الأخيار , لا تبخلوا بالدّموع الغزار على عترة النّبي الـمُختار ، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم ويجزل لديه ثوابكم ؟ أليس هُم شفعاؤكم يوم المعاد إذا وقفتم بين يدي ربّ العباد ؟ أليس هُم العدّة لكم بكلّ شدّة ؟ أليس بهم تحطّ الأوزار ؟ أليس هُم الجنان الواقية من النّار ؟ فمَن بخل منكم عليه بإثارة الأحزان والأشجان , فعلى نفسه بخل ولقدر مواليه وساداته حقر وجهل , أيبكي الباكون منكم على الأهل والأولاد والآباء والأجداد ؟ فيا عجباً لمن أساء إليهم وظلمهم وقصّر في حقّهم وما أكرمهم! وما ارتكب منهم ما يوجب السّخط العظيم , والعدل عن النّهج القويم والصّراط الـمُستقيم ؟! أمر :( تَكَادُ السّماوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الْأَرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً ) (١) :

إن كنت في شك فسل عن حالهم

سنن الرّسول ومحكم التنزيل

فهناك أعدل شاهد لذوي النهى

وبيان فضلهم على التفصيل

____________________

(١) سورة مريم / ٩٠.

١٥٦

ووصية سبقت لأحمد فيهم

جاءت إليه على يدي جبرائيل

روي عن اُمّ سلمة : أنّ الحسن والحُسين دخلا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وكان عنده جبرائيل (عليه‌السلام ) , فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي , فجعل جبرائيل يومي بيده نحو السّماء كالـمُتناول شيئاً , فإذا بيد جبرائيل تفّاحة وسفرجلة ورمّانة , فناولهما الجميع , فتهلّلت وجوههما فرحاً وسعيا إلى جدّهما , فقبّلهما وقال لهُما : (( اذهبا إلى منزلكما وابدءوا بأبيكما )).ففعلا كما أمرهما جدّهما , ولم يأكلوا منها شيئاً حتّى جاء النّبي إليهم , فجلسوا جميعاً وأكلوا حتّى شبعوا , ولم يزالوا يأكلون من ذلك السّفرجل والتّفّاح والرّمان , وهو يرجع كما كان أوّلاً حتّى قُبض النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ولم يلحقه التّغيير والنّقصان في مدّة أيّام حياة فاطمة (عليها‌السلام ).

قال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( فلمّا توفّيت اُمّي فاطمة , فقدنا الرّمان وبقي التّفّاح والسّفرجل أيّام حياة أبي ، فلمّا استشهد أبي عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , فقدنا السّفرجل وبقي التّفاح عليَّ إلى وقت مُنعت فيه شرب الماء , فكنت أشمّها إذا عطشت , فيسكن لهيب عطشي ، فلمّا دنا أجلي , رأيتها قد تغيّرت فأيقنت بالفناء )).

قال عليّ بن الحُسين : (( سمعت أبي يقول ذلك قبل مقتله بساعة , فلمّا قضى نحبه , وجد ريح التّفّاح في مصرعه , فالتمست التّفّاحة فلم أجد لها أثراً , فبقي ريحها بعد مقتله (عليه‌السلام ) , ولقد زرت قبره فشممت منه رائحة التّفّاح تفوحّ من قبره صلوات الله عليه , فمَن أراد ذلك من شيعتنا الصّالحين الزّائرين قبر الحُسين , فيلتمس ذلك في أوقات السَّحر , فإنّه يجد رائحة التّفّاح عند قبر الحُسين إن كان مخلصاً موالياً صادقاً )).

وعن الصّادق (عليه‌السلام ) : (( أنّ جبرائيل نزل إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال : يا مُحمّد , إنّ الله يقرؤك السّلام ويبشّرك بمولود من ابنتك فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) , وتقتله اُمّتك من بعدك .فقال : يا جبرائيل , قُل لربّي , لا حاجة لي في مولد يولد من فاطمة وتقتله اُمّتي من بعدي .قال : فعرج جبرائيل (عليه‌السلام ) إلى السّماء في أسرع من طرفة عين , ثمّ هبط وقال : يا مُحمّد , إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام , ويبشّرك أنّه جاعل في ذرّيّته الأمانة والولاية والوصيّة .فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : رضيت بذلك .ثمّ أرسل النّبي إلى ابنته فاطمة (عليها‌السلام ) , يقول : إنّ الله يبشّرك بمولود يولد منك وتقتله اُمّتي من بعدي .فجزعت فاطمة وأرسلت إليه تقول : لا حاجة لي في مولود يولد منّي وتقتله اُمّتك من بعدنا .فأرسل إليها يقول : إنّ الله

١٥٧

جاعل من ذرّيّته الإمامة والولاية والوصيّة .فأرسلت إليه تقول : إنّي قد رضيت :( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) (١) .[ فلو أنّه قال : اصلح لي ذريتي ، لـ ] كانت ذرّيّته كلّهم أئمة )) .فهذه الآية نزلت في شأن الحُسين (ع).

وروي : أنّ الحُسين لم يرضع من ثدي فاطمة شيئاً , ولا رضع من اُنثى لبناً , ولكنّه كان يؤتى به إلى جدّه رسول الله , فيضع إبهامه في فيه , فيمصّ منها لبناً يكفيه ويُغذّيه يومين أو ثلاثة أيّام , فنبت لحم الحُسين من لحم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ودمه من دمه وعظمه من عظمه , ومخّه من مخّه وشعره من شعره , ولم يولد مولود لستة أشهر , إلّا عيسى بن مريم والحُسين بن فاطمة (عليهم‌السلام ).

وفي خبر آخر : أنّ فاطمة (عليها‌السلام ) لمـّا اغتسلت بعدما ولدت الحُسين , جفّ لبنها , فطلب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مرضعة , فلم يجد له مرضعة , فكان يأتيه الحُسين مع اُمّ سلمة فيلقمه إبهامه فيمصّه , ويجعل الله له من إبهام النّبي رزقاً يغذّى به بقدرة الله تعالى.

وفي خبر آخر : بل كان رسول الله يُدخل لسانه في فم الحُسين , فيغّره كما يغّر الطّير فرخه , فيجعل الله له في ذلك رزقاً بقدرة الله تعالى , ففعل ذلك به أربعين يوماً وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

أيقتل ظمآناً حُسين بكربلا

وفي كل عضو من أنامله بحر

ووالده الساقي على الحوض في غد

وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فوا لهف نفسي للحسين وما جنى

عليه غداة الطف في حربه شمر

سنان سنان خارق منه في الحشا

وصارم شمر في الوريد له شمر

تجر عليه العاصفات ذيولها

ومن نسج أيدي الصافنات له طمر

فيا لك مقتولاً بكته السّماء دماً

فمغبر وجه الأرض بالدم محمر

مصابكم يا آل طة مصيبة

ورزء على السّلام أحدثه الكفر

حكى عبد الله بن العبّاس , قال : جاءني رجل من بني اُميّة , فقال : أريد أن أسألك عن سؤال ؟ فقلت له : سل عمّا تُريد.فقال لي : يا عبد الله , ما تقول في دم البعوضة , هل يُنقض الوضوء أم لا ؟ وهل هو طاهر أم نجس ؟ فقلت له : ثكلتك اُمّك يا عديم الرأي ! تسأل عن دم البعوضة فلِمَ لا سألت عن دم الحُسين ابن بنت

____________________

(١) سورة الأحقاف / ١٥.

١٥٨

رسول الله ؟! سفكتم دمه وقطعتم لحمه وكسرتم عظمه , وقتلتم أولاده وأطفاله وأنصاره , وسبيتم حريمه ومنعتموه من شرب الماء , ألا لعنة الله على الظّالمين .ثمّ التفت عبدالله إلى جلسائه , وقال : انظروا إلى هذا اللعين , كيف يسألني عن دم البعوضة , ولا يخاف أن يسأله الله عن دم الحُسين ابن بنت رسول الله ؟! ثمّ قال لأصحابه : والله , إنّي سمعت بهاتي أذني من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول مراراً كثيرة : (( الحسن والحُسين ريحانتاي في الدُنيا , وهُما منّي وأنا منهُما , أحبّ الله مَن أحبّهما , وأبغض الله مَن أبغضهما , وآذى الله مَن آذاهما , ووصل الله مَن وصلهما , وقطع الله مَن قطعهما , فإنّهما ابناي وسبطاي وقرّتا عيني , وسيّدي شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين )) .فقلت : يا رسول الله , أيّ أهل بيتك أحبّ إليك ؟ فقال : (( الحسن والحُسين أحبّ النّاس إليّ )) .وكان يقول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا فاطمة , ادعى لي ابني )) .فيأتيان إليه فيضمّهما إليه , ويشمّهما ويقبّلهما ويقول : (( أحبّ الله مَن أحبّ الحسن والحُسين ومَن أحبّ ذرّيّتهما , فمَن أحبّهم لم تمس جسده نار جهنّم ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج , إلّا أن يكون له ذنب يخرجه عن الإيمان )).

وعن الأوزاعي , عن عبد الله بن شداد , عن اُمّ الفضل بنت الحرث , أنّها دخلت على رسول الله فقالت : يا رسول الله , رأيت البارحة حلماً مُنكراً شديداً .قال : (( وما هو يا اُمّ الفضل ؟ )) .قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قُطعت ووضعت في حجري .فقال رسول الله : (( يا اُمّ الفضل , ستلد ابنتي فاطمة غُلاماً , فتكون تربيته في حجرك )) .قالت : فولدت فاطمة الحُسين وكان كما قال رسول الله , فربّيته في حجري ، فدخلت به يوماً على النّبي فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي إلتفاتة , فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدّموع , فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، ما لك تبكي ؟! فقال : (( أتاني جبرائيل أخي , وأخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا , وأتاني بقبضة من تربة حمراء فأرانيها )).

ومن طرقهم : أنّ عيسى بن مريم (عليه‌السلام ) مرّ بكربلاء , فرأى عدّة من الظّباء هناك مجتمعة , فأقبلت إليه وهي تبكي , وأنّه جلس وجلس الحواريّون , فبكى وأبكى الحواريّين وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى , فقالوا : ياروح الله وكلمته , ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أيّ أرض هذه ؟ قالوا : لا .قال : هذه أرض يُقتل فيها فرخ لرسول أحمد , وفرخ الخيّرة الطّاهرة البتول شبيهة اُمّي , ويُلحد فيها , وهي أطيب من المسك ؛ لأنّها طيبة الفرخ المستشهد , وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء (عليهم‌السلام ) , وهذه الظّباء

١٥٩

تكلّمني وتقول : إنّها ترعى في هذه الأرض ؛ شوقاً إلى تربة الفرخ الـمُبارك .وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض .ثمّ ضرب بيده إلى ثغر تلك الظّباء فشمّها , وقال : اللّهمّ , ابقها حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاء .فبقيت إلى أيّام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , فشمّها وبكى وأخبر بقصّتها.

وعن سلمان الفارسي , أنّه قال : كان سيّدنا أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يحدّثنا كثيراً بالأشياء والمغيّبات , التي تحدث على مرور السّنين والأوقات , وأنّه يوم الجُمُعة يخطب على منبره في جامع الكوفة , فقال في خطبته : (( أيّها النّاس , سلوني قبل أن تفقدوني , فو الله , لا تسألوني عن فئة تضلّ مئة وتهدي مئة , إلّا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة )) قال : فقام إليه رجل فاجر فاسق , وقال له : يا عليّ , أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ فقال له (عليه‌السلام ) : (( والله , لقد أخبرني بسؤالك هذا ابن عمّي رسول الله , ونبّأني بما سألت عنه , وإنّ على كلّ طاقة من شعر رأسك ولحيتك شيطاناً يغويك ويستفزّك , وإنّ على كلّ شعرة من بدنك شيطاناً يلعنك ويلعن ولدك ونسلك , وإنّ لك ولداً رجساً ملعوناً , يقتل ولدي الحُسين بن بنت رسول الله , وأنت وولدك بريئان من الإيمان , ولولا أنّ الذي سألتني عنه يعسر برهانه لأخبرتك به , ولكن حسبك فيما نبأتك به من لعنتك ورجسك , وولدك الملعون الذي يقتل ولدي ومهجة قلبي الحُسين )) قال : وكان له ولد صغير في ذلك الوقت , فلمّا نشأ وكبر وكان من أمر الحُسين ما كان , نمى الصّبي وتجبّر وتولّى قتل الحُسين (عليه‌السلام ) .وقيل : إنّ ذلك الصّبي كان اسمه خولّى بن يزيد الأصبحي , وهو الذي طعن الحُسين برمحه , فخرج السّنان من ظهره , فسقط الحُسين على وجهه يخور في دمه ويشكو إلى ربّه :( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ ) (١) .فيا ويلهم ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حُرمة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , كأنّهم ما سمعوا ما ورد في حقّهم , أم سمعوا وهم غافلون ! :( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٢) .

فعلى الأطائب من آل بيت مُحمّد فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ ابن حماد (رحمه‌ الله تعال ى)

أرى الصبر يفنى والهموم تزيد

وجسمي يبلى والسقام جديد

____________________

(١) سورة هود / ١٨.

(٢) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617