بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198914 / تحميل: 7619
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

معركة؟

قال الثّعالبي: وأكثر الرّوايات في سبب نزول الآية أنّ عبد الرّحمن بن عوف تصدّق بأربعة آلاف وأمسك مثلها وقيل هو عمر بن الخطّاب تصدّق بنصف ماله(1) .

أقول:

شهد على عمر بن الخطّاب صحابة وصحابيّات ببخله ومنعه الخير. ولو كان صاحب جود في الجاهليّة أو الإسلام لذكر في الأجواد. وقد سمّى محمد بن حبيب البغدادي أجواد العرب في الجاهليّة والإسلام فلم يذكر فيهم عدويّا واحدا، لا عمر ولا غيره.

قال ابن كثير: روى قيس بن حجّاج قال: لما فتحت مصر أتى أهلها (عمرو بن العاص) وكان أميرا بها فقالوا: أيّها الأمير، إنّ لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلاّ بها! قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشّهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثّياب أفضل ما يكون، ثمّ ألقيناها في هذا النّيل؛ فقال لهم عمرو: إنّ هذا لا يكون في الإسلام، إنّ الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا والنّيل لا يجري حتّى همّوا بالجلاء فكتب (عمرو) إلى (عمر بن الخطّاب) بذلك فكتب إليه عمر: إنّك قد أصبت بالذي فعلت، قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النّيل. فلمّا قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد: فإنّك إن كنت إنّما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك. قال: فألقى البطاقة في النّيل فأصبحوا يوم السّبت وقد أجرى الله النيل ستّة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقد قطع الله تلك السّنّة عن أهل مصر إلى اليوم. (رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنّة)(2) .

____________________

(1) تفسير الثعالبي، ج 2 ص 144.

(2) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 104.

٨١

أقول:

يبدو أنّ عمر بن الخطّاب علّم منطق الأنهار، كما يبدو أنّ النّيل يفهم اللّغة العربيّة الحجازيّة، ويعرف خطّ عمر، ولا يحتاج إلى ترجمان! لكنّ سنيّ عمر كانت سنيّ قحط بالمدينة، ومن تلك السنيّ عام الرّمادة. فلماذا لم يتوجّه إلى السّماء ليقول لها: إن كنت إنّما تمطرين من قبلك فأمسكي وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يرسلك فأمطري!

ويبقى السؤال كما يلي: هذا السّلوك من النّيل هل هو لكلّ أنهار الدّنيا أم أنّه خاصّ بالنيل؟ وما أشدّ ولع النّيل بالجواري الأبكار في الليلة الثانية عشرة بالضبط! لا قبل ولا بعد! وقبل ابتكار السّاعة بزمان! لكن يبدو أنّ ثورة المصريّين على عثمان كان لها على بني أميّة أثر بالغ لا يكاد يوصف، وهو ما دعاهم وأتباعهم إلى الافتراء على أهل مصر ووسمهم بصفات لا تنسجم مع روح الإسلام الحنيف؛ ولا تزال آثار تلك الافتراءات بادية في كتب الأدب، شعرها ونثرها؛ وإنّما المصريّون شعب من شعوب الدّنيا، فيه من كل الأصناف، فيه الظالم لنفسه وفيه المقتصد وفيه السابق بالخيرات، وفيه المسلمون وغير المسلمين.

قال ابن كثير: ومما يدلّ على ذلك ما قاله البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنه ما قال: ما سمعت عمررضي‌الله‌عنه يقول لشيء قطّ إني لأظنّه هكذا إلا كان كما يظن. بينما عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه جالس إذ مرّ به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظنّي أو أنّ هذا على دينه في الجاهليّة، أو لقد كان كاهنهم. عليّ بالرّجل! فدعي له فقال له ذلك فقال: ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم. قال: فإنّي أعزم عليك إلاّ ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهليّة. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنّيتك؟ قال: بينما أنا يوما في السّوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجنّ وإبلاسها... ويأسها من بعد إنكاسها... ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمررضي‌الله‌عنه : صدق؛ بينما أنا نائم عند آلهتهم [!] إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قطّ أشدّ صوتا

٨٢

منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله. قال: فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتّى أعلم ما وراء هذا. ثمّ نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي (هذا لفظ البخاريّ وقد رواه البيهقي بنحوه)(1) .

أقول:

هذه القصّة تفيد أنّ عمر بن الخطاب كان يعلم ببعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلماذا أصرّ على البقاء على الشّرك طوال تلك السنين؟ ولماذا كان يعذّب الإماء اللاتي كنّ يعتنقن الإسلام؟! ثم لا يغب عنك أنّ الراوي هو عبد الله بن عمر! عبد الله بن عمر بن الخطّاب يروي بخصوص عمر بن الخطاب.

وعن الزّهري عن ابن المسيّب في قوله تعالى( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) قال: لما طعن عمر بن الخطّاب قال كعب: لو أنّ عمر دعا الله لأخّر في أجله. فقال الناس: سبحان الله! أليس قد قال الله( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَستَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) ؟ فقال كعب: أو ليس قد قال الله:( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلّا فِي كِتَابٍ ) ؟ قال الزّهري فنرى أنّ ذلك يؤخّر ما لم يحضر الأجل، فإذا حضر لم يؤخّر(2) .

أقول:

هكذا يضحك كعب الأحبار اليهوديّ على المسلمين، لو أنّ عمر دعا الله لأخّر في أجله يقول هذا الكلام عن عمر بعد أن قال له: أعهد فإنّك مقتول بعد ثلاث. وما يدري كعب الأحبار متى يقتل عمر لو لم يكن مطّلعا على مؤامرة قتله؟!

قال البغويّ في تفسير قوله( وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ .. ) الصدّيق: الكثير الصّدق قال مجاهد: كلّ من آمن بالله ورسوله فهو صدّيق وتلا هذه

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 369.

(2) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 137.

٨٣

الآية. قال الضّحاك: هم ثمانية نفر من هذه الأمّة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطّاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته(1) .

أقول:

بعد أن عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، ووأد ابنته، وآذى المسلمين في بداية الدّعوة في مكّة، والنّساء بشكل خاصّ، وفرّ من الزّحف مرّة بعد مرّة، تاركا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدي الأعداء، وتردّد كثيرا على مدارس اليهود أيّام السّبت حتى قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمتهوّكون يا ابن الخطّاب؟! بعد هذا كلّه نال مرتبة الصّدّيقية فجأة كما تقضي به ثقافة الكرسيّ. والذي لا يشكّ فيه من قرأ القرآن الكريم وتدبّر معانيه أنه لا يجد عبارة الصدّيق واردة إلاّ في حقّ معصوم. فقد جاء وصف مريم عليها السلام بـ الصدّيقة بعد أن خاطبتها الملائكة( إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى‏ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ، فهي مصطفاة مطهّرة؛ وكذلك وصف يوسف عليه السلام بالصدّيق في قوله تعالى( يُوسُفُ أَيّهَا الصّدّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ... ) وقبل ذلك قول أبيه يعقوب عليه السلام له كما حكى القرآن الكريم( وَكَذلِكَ يَجْتَبيكَ رَبّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى‏ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمّهَا عَلَى‏ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ... ) . فهو مجتبى من قبل الله تعالى. فمرتبة الصّديقية لا تجتمع مع عبادة الأصنام لحظة فما فوقها.

قال ابن عاشور: وقد قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدّثون فإن يكن في أمّتي منهم أحد فعمر بن الخطّاب). قال ابن وهب: محدثون: ملهمون(2) .

أقول:

أين كان التّحديث يوم وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أنكرها الرّجل، والقرآن الكريم

____________________

(1) تفسير البغوي، ج 1 ص 38.

(2) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 3892.

٨٤

يهتف( إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُم مَيّتُونَ ) . وأين كان التّحديث في مسألة الكلالة؛ ثمّ هو رجل كثير السّبّ والشّتم فهل كان السّبّ والشّتم من التّحديث، وهل كان قوله حسبنا كتاب الله ونسبته الهجر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإلهام أيضا؟

وجاء في تفسير الصّنعاني ما يلي: فانطلق سليمان يوما إلى الحمّام وكان قد قارف بعض نسائه في بعض المأثم، قال معمر لا أظنّه إلاّ قال حائضا [!](1) ، فدخل الحمّام فوضع خاتمه ومعه ذلك الشّيطان، فلمّا دخل أخذ ذلك الشّيطان خاتمه فألقاه في البحر، وألقي على الشّيطان شبه سليمان فخرج سليمان وقد ذهب ملكه وكان الشّيطان يجلس على سرير سليمان أربعين يوما، فاستنكره صحابة سليمان وقالوا: لقد افتتن سليمان من تهاونه بالصّلاة، وكان ذلك الشّيطان يتهاون بالصّلاة وبأشياء من أمر الدّين، وكان معه من صحابة سليمان رجل يشبّه بعمر بن الخطّاب في الجلد والقوّة فقال: إني سائله لكم. فجاء فقال: يا نبي الله ما تقول في أحدنا يصيب من امرأته في اللّيلة الباردة ثمّ ينام حتى تطلع الشمس، لا يغتسل ولا يصلّي، هل ترى عليه في ذلك بأسا؟ قال: لا بأس عليه! فرجع إلى أصحابه فقال: قد افتتن سليمان؛ قال فبينا سليمان ذاهب في الأرض إذ أوى إلى امرأة فصنعت له حوتا أو قال فجاءته بحوت، فشقّت بطنه فرأى سليمان خاتمه في بطن الحوت فعرفه فأخذه فلبسه فسجد له كل شيء لقيه من طير أو دابّة أو شيء، وردّ الله إليه ملكه فقال عند ذلك: ربّ اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدى قال قتادة يقول له تسلبنيه مرة أخرى(2) .

صحابة الأنبياء السّابقين يشبّهون بعمر، وحظّ عمر من القصّة الشدّة والجلد، وحظّ سليمان عليه السلام مقارفة الحائض؛ وطالما ضحك كعب الأحبار وأصحابه على المسلمين.

____________________

(1) كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذبا؛ كيف يسمح مسلم لنفسه أن يقول عن نبي من أنبياء الله تعالى إنّه قارف بعض نسائه وهي حائض؟! إلى هذه الدرجة بلغ الاستخفاف بأنبياء الله تعالى في كتب التّفسير! وما أكثر الإسرائيليات في كتب التفسير والحديث.

(2) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 164.

٨٥

قال أبو سعيد (في قصّة الدجّال): ما كنت أدري ما النّحاس قبل يومئذ فذهب ليذبحه فلم يستطع ولم يسلّط عليه بعد قتله إيّاه، قال: فإنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فأخذ بيديه ورجليه فألقاه في الجنّة وهي غبراء ذات دخان يحسبها النّار، فذلك الرّجل أقرب أمّتي منّي درجة. قال: فقال أبو سعيد: ما كان أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحسبون ذلك الرّجل إلاّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه حتى سلك عمر سبيله(1) .

وروى الطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني جبريل عليه السلام فقال أقرئ عمر السّلام وقل له إنّ رضاه حكم وإنّ غضبه عزّ(2) .

وفي المعجم الأوسط: عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبريل عليه السلام فقال أقرئ عمر السّلام (وقل له) إنّ رضاه حكم وإنّ غضبه عزّ. لم يرو هذا الحديث عن زيد العمي إلاّ جرير بن حازم تفرّد به خالد بن يزيد العمريّ(3) .

أقول:

لقد رضي أن يفرّ من الزّحف، في أحد حنين وخيبر، وفي الفقهاء من لا يجيز شهادة من فرّ من الزحف. فهل يصبح الفرار حكما؟

ولقد كان هائجا حين الهجوم على بيت فاطمة؛ فهل هذا عزّ؟

وعن ابن عبّاس: لمّا أسلم عمر أتاني جبريل فقال: قد استبشر أهل السّماء بإسلام عمر(4) .

وعن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر (الفاروق)، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أنّ رسول

____________________

(1) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 4، ص 539.

(2) المعجم الكبير، الطبرانيّ، ج 21 ص 48.

(3) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 6 ص 242.

(4) كنز العمال، المتقي الهندي ج 11 ص 577 الحديث رقم 32738.

٨٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر من ذلك شيئا(1) .

أقول:

وهذا يبطل ما أخرجه ابن سعد عن ذكوان قال (قلت لعائشة من سمّى عمر الفاروق قالت: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(2) . وإنّما يدخل هذا وأمثاله في حرب عائشة على عليّ عليه السلام، فإنّها حاربته بالرّجال والكلمة، ولم تأل جهدا في محاولة سلب صفاته وألقابه وإضفائها على خصومه. وقد ثبت أن عليّا عليه السلام قال: أنا الصّدّيق الأكبر والفاروق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب(3) .

قال السيوطي: (وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشّيطان عن ابن مسعود قال: خرج رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلقيه الشّيطان فاتخذا فاسطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمد فقال الشيطان: أرسلني أحدّثك حديثا فأرسله قال: لا. فاتّخذ الثّانية فاصطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمّد، فقال: أرسلني فلأحدّثنّك حديثا يعجبك، فأرسله فقال: حدثني! قال: لا. فأتّخذ الثّالثة فصرعه الذي من أصحاب محمّد، ثمّ جلس على صدره وأخذ بإبهامه يلوكها، فقال: أرسلني؛ فقال: لا أرسلك حتى تحدّثني. قال: سورة البقرة، فإنّه ليس من آية منها تقرأ في وسط الشّياطين إلا تفرّقوا، ولا تقرأ في بيت فيدخل ذلك البيت شيطان. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، فمن ذلك الرّجل؟ قال: فمن ترونه إلاّ عمر بن الخطّاب)(4) !

____________________

(1) في تاريخ الطبري، ج 3 ص 267.

(2) تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 114.

(3) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 112 وخصائص أمير المؤمنين عليه السلام - النسائي، ص 46 وشرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 13 ص 200، ونظم درر السمطين، الزرندي الحنفي ص 95، وكنز العمال، المتقي الهندي، ج 13 ص 129، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، ج 1 ص 69 وتاريخ الطبري، الطبري، ج 2 ص 56 و، الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2 ص 57 والبداية والنهاية، ابن كثير، ج 3 ص 36.

(4) الدر المنثور ج 1 ص 52.

٨٧

أقول:

ما أسهل دعوى مصارعة الجنّ، وأنّى للجنّ أن تدفع عن نفسها ما اتّهمتها به كتب الحديث والتّاريخ. ويكفي لذلك أن يعلم أنّ قتل سعد بن عبادة الصّحابي المعارض لبيعة السّقيفة قتلته الجنّ بالشّام وقالت في ذلك شعرا(1) .

قد قتلنا سيد الخرزج سعد بن عباده

ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

وأعجب ما في القصّة السابقة حرص الصّحابي على التعلّم من شيطان من الجنّ. فهل يتوقّع هذا الصّحابي أن يكون عند الجنّي ما لا يكون عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وفي تفسير الآلوسيّ: قال عبد الوهاب الشعراني:... واعلم أنّ حديث الحقّ سبحانه للخلق لا يزال أبدا، غير أنّ من النّاس من يفهم أنّه حديث كعمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه ومن ورثه من الأولياء، ومنهم من لا يعرف ذلك ويقول: ظهر لي كذا وكذا ولا يعرف أنّ ذلك من حديث الحقّ سبحانه معه؛ وكان شيخنا يقول: كان عمر من أهل سماع المطلق الذين يحدّثهم الله تعالى في كل شيء(2) .

أقول:

لا يخفى أنّه لو كان عمر محدّثا لفهم كلام الحقّ الموجّه إليه مباشرة في القرآن الكريم قبل الحديث عن المناجاة الباطنيّة؛ فالله تعالى قد خاطب عمر بن الخطّاب ومن معه في سورة الحجرات بقوله تعالى( لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3) ومع ذلك بقي يقدّم ويتدخّل في شؤون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما لو كان شريكه

____________________

(1) البداية والنهاية ج 7 ص 33 والعبر في خبر من غبر ج 1 ص 19 والمنتظم ج 4 ص 200 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 352 وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 489 وشذرات الذهب ج 1 ص 28 ومرآة الجنان ج 1 ص 71 وتاريخ الإسلام ج 3 ص 149 والوافي بالوفيات ج 15 ص 95 وصفة الصفوة ج 1 ص 505 تلقيح فهوم أهل الأثر ج 1 ص 96.

(2) روح المعاني، ج 25 ص 62.

(3) الحجرات: 1.

٨٨

في الرّسالة! وقد بقي يعارض رسول الله غير ملتفت إلى ما تضمنته الآية. ولو كان محدثا كما قيل لعرفت له فاطمة عليها السلام ذلك، ولما ماتت غاضبة عليه. وكيف يكون محدّثا من آذى فاطمة عليها السلام بعد أن قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آذاها فقد آذاني؟!

قال الثعالبيّ: وروي أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه قرأ مرّة إنّ عذاب ربّك لواقع ما له من دافع فأنّ أنّة عيد منها عشرين يوما(1) .

أقول: إن صحّ هذا فهو يعني أنّ عمر بن الخطاب تخلف عن الجمعة والجماعة ثلاثة أسابيع متوالية، ومثل هذا لا يعقل أن يتجاهله المؤرّخون! ثمّ كيف تجتمع هذه الدّرجة من الخشية مع الهجوم على بيت المطهّرين من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقصد إحراقه؟!.

ويروى أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه سمع قارئا يقرأ( وَالطّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ) قال هذا قسم حقّ، فلما بلغ القارئ إلى قوله عزّ وجلّ( إِنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ ) ظنّ أنّ العذاب قد وقع به فغشي عليه(2) .

أقول:

إلى هذا المستوى وصل تدبّره للقرآن ومع ذلك يتعامل مع آية( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ ) حين قرأها أبوبكر بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّما يسمعها لأوّل مرّة! وأبعد من ذلك: يسأل أبابكر أفي كتاب الله هذا؟.

وروى ابن جرير عن أمّ عطيّة قالت: لمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع نساء الأنصار في بيت ثمّ أرسل إلينا عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فقام على الباب وسلّم علينا فرددن أو فرددنا عليه السّلام ثمّ قال: أنا رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليكنّ، قال فقلنا: مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين قالت: فقلنا: نعم، قالت فمدّ يده من خارج الباب أو البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت

____________________

(1) تفسير الثعالبي، ج 1 ص 8.

(2) تفسير الثعالبي، ج 4 ص 215.

٨٩

ثمّ قال: اللّهم اشهد(1) .

أقول:

هذا بعيد، فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف غلظة عمر وجفاءه، وموقفه من النّساء وموقف النّساء منه، والرّحماء اللّطفاء كثيرون، فلماذا يرسله هو في هذه المهمّة الحسّاسة، مبايعة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ على أنّه قد وردت روايات تفيد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بايعهنّ، والقرآن الكريم يقول (يبايعنك) ولا يقول يبايعن عمر!.

قال ابن عاشور: وأمّا السّفارة بكسر السّين وفتحها فهي السّعي بالصّلح بين القبائل، والقائم بها يسمّى سفيرا. وكانت لبني عديّ بن كعب أبناء عمّ لقصي، وجاء الإسلام وهي بيد عمر بن الخطّاب(2) .

أقول:

السّفارة مهمّة حسّاسة تحتاج إلى سعة صدر ومداراة وصبر ولياقة. وهو ما يسمّى في أيّامنا بالدّبلوماسيّة؛ وقد ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب كان سريعا إلى المساءة كثير الجبه والشّتم والسّبّ(3) . فهل تصلح أخلاق عمر لهذه الوظيفة؟!.

وروى الطبريّ أنّ المغيرة بن شعبة قال: لمّا دفن عمر أتيت عليّا وأنا أحبّ أن أسمع منه في عمر شيئا، فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل وهو ملتحف بثوب لا يشكّ أنّ الأمر يصير إليه فقال: يرحم الله ابن الخطّاب، لقد صدقت ابنة أبي حثمة، لقد ذهب بخيرها ونجا من شرّها، أما والله ما قالت ولكن قوّلت!

أقول:

كيف يقول أمير المؤمنين عليه السلام في عمر مثل هذا القول وهو القائل فيه في نهج البلاغة ما قال! وكيف تقبل رواية المغيرة بخصوص عليّ عليه السلام وهو الذي لم يكتف بسبّه

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 3 ص 508.

(2) التحرير والتنوير، ج 1 ص 1826.

(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 4 ص 457.

٩٠

وشتمه ولعنه عليه السلام، بل وظّف لذلك الخطباء. روى أحمد في الفضائل عن سفيان بن منصور عن هلال عن عبد الله بن ظالم وذكر سفيان رجلا فيما بينه وبين عبد الله بن ظالم قال: سمعت سعيد بن زيد قال: لما قدم معاوية الكوفة أقام المغيرة بن شعبة خطباء يتناولون عليّا فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى هذا الظالم الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة(1) . فإذا كان المغيرة لا يتورّع أن يسبّ ويلعن عليّا عليه السلام ويوظّف لسبّه ولعنه، فإنّ أهون شيء لديه أن يفتري عليه.

وعن محمد بن إسحاق قال: حدّثني عمّي عبد الرحمن بن يسار قال: شهدت موت عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فانكسفت الشمس يومئذ(2) .

أقول:

هذا كلام يردّه حديث (إنّ الشّمس والقمر آيتان لا تنكسفان لموت أحد..). ولو كان كذلك لكان أولى أن تنكسف لموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومن الممكن التّحقّق من المدّعى لدى الفلكيّن في أيّامنا، إن كان حدث كسوف في المدينة في الأسبوع الذي قتل فيه عمر.

وعن عقيل بن خالد عن ابن شهاب قال: أوّل من حيي عمر بن الخطّاب بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة فسكت عمر(3) .

أقول:

بل هو أمير جماعة السّقيفة، والدّليل على ذلك قول سعد بن أبي وقاص لمعاوية فنحن المؤمنون ولم نؤمّرك علينا. وكيف يكون أميرا للمؤمنين وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي لا يشكّ في إيمانها إلاّ خارج من الملّة ترفض أن يصلّي عليها أو يقف على قبرها، وتخرج من الدّنيا ساخطة عليه، وقد علم المسلمون قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنّ الله

____________________

(1) فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، ص 32.

(2) المعجم الكبير، الطبراني، ج 1 ص 71 تحت رقم 79.

(3) التاريخ الأوسط، ج 1 ص 54 تحت رقم 202.

٩١

ليرضى لرضاها ويغضب لغضبها).

وعن سلمة بن كهيل عن عبد خير قال: سمعت عليّا يقول: خيركم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبوبكر وخيركم بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أخبرتكم بالثّالث قال سلمة وكأنه ينحو نفسه(1) .

أقول: على فرض صحّة الحديث فإنّ القول المنسوب إلى عليّ عليه السلام هو أفضلكم ولم يقل أفضلنا، فليس هو داخلا في المفضولين؛ وفي الخطبة الشقشقية ما يؤيد ذلك، وهو قوله عليه السلام: متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى أصبحت أقرن إلى هذه النظائر(2) .

وعن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردّوه، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة فزوّجوه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ردّوا رجلا ما في الأرض رجل خير منه(3) . والقصّة نفسها في تاريخ جرجان: عن معتمر بن سليمان عن يونس عن الحسين قال: خطب المغيرة بن شعبة وعمر بن الخطّاب امرأة فزوّج المغيرة ومنع عمر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقد ردّوا خير هذه الأمّة(4) .

يقول الحديث: ما في الأرض رجل خير منه، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد الكائنات في الأرض! وعلي بن أبي طالب عليه السلام المطهّر بنصّ الكتاب الكريم في الأرض! وإذا لم يكن في الأرض أفضل منه فلماذا ردّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جاء يخطب فاطمة عليها السلام؟! أيعقل أن يذمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما بشيء فعلوه ثمّ يفعله هو؟!. كلّ هذا الطّعن في شخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمرّ بسلام وبدون أدنى تعليق، لأنّه لا بأس بالتّضحية بكرامة ومقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل الحفاظ على صورة حزب السّقيفة في أذهان العوامّ وأشباه العوامّ،

____________________

(1) الكامل في ضعفاء الرجال، ج 6 ص 250.

(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 184.

(3) أسد الغابة، ابن الأثير، ج 1 ص 823.

(4) تاريخ جرجان، ج 1 ص 294.

٩٢

ولعلّ هذا وأمثاله مما يفسّر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت قطّ. والواضح هو أنّ معاصري عمر كانوا أعلم به ممّن اختلق الرّواية، خصوصا إذا علم أنّ الذين ردّوا عمر هم من قريش، أي مكّة، عرفوه صغيرا وكبيرا!

وعن حيد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن فخلوت به فقلت له: يا أبا سعيد أما ترى ما النّاس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا يحيى، أصلح أمر النّاس أربعة وأفسده اثنان. أمّا الذين أصلحوا أمر النّاس فعمر بن الخطّاب يوم سقيفة بني ساعدة حيث قالت قريش منّا أمير وقالت الأنصار منّا أمير فقال لهم عمر: ألستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الأئمّة من قريش؟ قالوا: بلى. قال: أو لستم تعلمون أنّه أمر أبابكر يصلّي بالناس؟ قالوا: بلى. قال: فأيّكم يتقدّم أبابكر؟ قالوا: لا أحد! فسلّمت لهم الأنصار. ولو لا ما احتجّ به عمر من ذلك لتنازع النّاس هذه الخلافة إلى يوم القيامة..(1) .

أقول:

هذه شهادات المصوّبين وهم يعلمون أنّ تقدّم أبي بكر للصّلاة لم يكن بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل كان بأمر من عائشة بنت أبي بكر من غير إذن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي أمر بذلك لما خرج يجرّ رجليه وأزاح أبابكر وصلّى بالناس من جلوس. وكيف يأمره بالصّلاة بالنّاس وهو الذي تعجب من وجوه بالمدينة بعد أن جعله واحدا من جند أسامة؟! كان المفروض أن يكون أبوبكر في طريقه إلى مؤتة لا في المدينة. وهذا الكلام من عمر إن صحّ إنّما هو يحلب به حلبا له شطره، يشدّ له أمره اليوم ليردّه إليه غدا. وهو ما حدث فعلا.

عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: استأذن عمر بن الخطّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده نساء من نساء الأنصار يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب فدخل عمر ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحك فقال: أضحك الله سنّك يا

____________________

(1) تاريخ دمشق، ج 30 ص 286.

٩٣

رسول الله. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجبت من هؤلاء اللائي كنّ عندي فلمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب. فقال عمر وأنت أحقّ أن يهبن. ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولم تهبن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلن: نعم، أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قط سالكا فجّا إلاّ سلك غيره(1) .

أقول: نسي واضع هذا الحديث أنّ الله تعالى يقول:( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ ) وبما أنّهم لم ينفضّوا من حوله فلا فظاظة في خلقه الكريم، بل هو على خلق عظيم. بينما كلام الجواري المزعومات فيه (أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، وهذا يقتضي المشاركة وفضل أحد الطريفين! لأنّنا إذا قلنا زيد أعلم من سعيد فهذا يعني أنّ زيدا عالم وسعيدا أيضا عالم، لكنّ علم زيد أكثر من علم سعيد، وهذا شأن كلّ ما فيه صيغة التفضيل أفعل و من. وعليه يكون في كلامهنّ إثبات صفة الفظاظة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يتأتّى مثل هذا الكلام إلاّ ممن أعمى الله بصيرته وأضلّه على علم. وأمّا بخصوص الهيبة فسيمرّ بك لاحقا حوار بين زينب بنت مظعون زوجة عمر بن الخطّاب وبين أبي هريرة بخصوص شرب قدامة بين مظعون الخمر، وفيه تلعن زينب بنت مظعون أبا هريرة بمحضر زوجها عمر بن الخطاب! فأين الهيبة وهي تجلس مع الرّجال في مناقشة أمر لا دخل لها فيها، ولتعن صحابيّا اسمه أبو هريرة؟!

عن حميد عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: دخلت الجنّة فإذا أنا بقصر من ذهب قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشابّ من قريش. فظننت أنّي أنا هو، فقلت: ومن هو؟ قالوا عمر بن الخطّاب(2) .

عن مكحول عن غضيف بن الحارث رجل من أيلة عن أبي ذرّ قال: سمعت رسول

____________________

(1) فضائل الصحابة، النسائي، ص 10 - 11.

(2) فضائل الصحابة، النسائي، ص 10.

٩٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله وضع الحقّ على لسان عمر(1) .

وعن سيار أبي الحكم أنّ أبا بكر لما ثقل أطلع راسه إلى النّاس من كوّة فقال: يا أيّها الناس إنّي قد عهدت عهدا فترضون به؟ فقام النّاس فقالوا: قد رضينا. فقام عليّ فقال: (لا نرضى إلاّ أن يكون عمر بن الخطّاب؛ فكان عمر(2) .

أقول:

كيف يقول عليعليه‌السلام مثل هذا وهو القائل:.. إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطرا ضرعيها فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها. ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم! فمني النّاس لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن واعتراض؛ فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة. حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم! فيا لله وللشّورى، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر(3) ؟!

وعن عبد الله بن شقيق عن عمرو بن العاص قال: قيل يا رسول الله أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: عائشة! قيل: من الرجال؟ قال: أبو بكر قيل: ثمّ من؟ قال: عمر. قيل ثمّ من؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح(4) .

أقول:

هذا الحديث يبطله الحديث الصحيح المتفق عليه في حقّ عليّ عليه السلام: (يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، ولا يتوقّع من عمرو بن العاص الذي كان يلعن عليّا عليه السلام أن يذكره بخير، وكيف لا يمجّد عائشة وهي شريكته في عداوة أهل البيت عليهم السلام؟! على أنّ رواية عمرو بن العاص ههنا ينسفها فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عائشة بنت أبي بكر، فإنّ معظم روايات فضائل خديجة واردة من طريقها، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدرى النّاس بما يثيره

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 353 تحت رقم 31968.

(2) مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 359 تحت رقم 32020.

(3) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام ج 1 ص 33.

(4) صحيح ابن حبان، ج 15 ص 459 رقم 6998.

٩٥

تمجيد زوجة سابقة على الزّوجة الحاليّة، فلو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ عائشة كما يدّعي عمرو بن العاص لما أسمعها ذلك التمجيد لخديجة عليها السلام؛ ثمّ إنّ من الأحاديث المفيدة كون علي وفاطمة عليهما السلام أحبّ الخلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو مروي من طريق عائشة نفسها؛ فعن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي على عائشة فسمعتها من وراء الحجاب وهي تسألها عن علي فقالت: تسألني عن رجل والله ما أعلم رجلا كان أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عليّ ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته(1) .

وهذا الحديث رواه الحاكم أيضا في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(2) . وفي نفس المعنى حديث لعمر بن الخطاب يشهد فيه بنفس ما شهدت به عائشة. فعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمررضي‌الله‌عنه أنّه دخل على فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: (يا فاطمة، والله ما رأيت أحدا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك والله ما كان أحد من النّاس بعد أبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ منك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه(3) . بل إنّ عمر بن الخطّاب نفسه يشهد أنّ زيد بن حارثةرضي‌الله‌عنه كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه. فقد رووا أنّ عمر كان يفرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين فقال له عبد الله: فضّلت عليّ أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد! فقال: إنّ أسامة كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك وأباه كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك(4) . قال القرطبي بعد ذكر القصّة: ففضّلرضي‌الله‌عنه

____________________

(1) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 139. وج 5 ص 140. وسنن الترمذي ج 5 ص 701 والمعجم الكبير ج 22 ص 403 ومسند أبي يعلى ج 8 ص 270 ومعجم أبي يعلى ج 1 ص 128 وخصائص علي، النسائي ج 1 ص 127 وج 1 ص 128.

(2) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 167 رقم 4731. وج 3 ص 171.

(3) المستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 168 رقم 4736.

(4) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 6 ص 4 وسنن البيقهي الكبرى ج 6 ص 350 وسنن الترمذي ج 5 ص 675 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 453 وج 6 ص 455 والمعجم الأوسط ج 6 ص 356 ومسند أبي يعلى ج 1 ص 148 ومسند أسامة بن زيد ج 1 ص 47 وج 1 ص 49 ومسند البزار ج 1 ص 255 وج 1 ص 409.

٩٦

محبوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على محبوبه(1) .

قال السّيوطي: أخرج البزّار عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر سراج أهل الجنّة. وأخرجه ابن عساكر من حديث أبي هريرة والصّعب بن جثامة(2) .

أقول:

ليس سراجها إبراهيمولا موسى ولا عيسى ولا زكريا ولا داوود ولا الحسن والحسين.. سلام الله عليهم أجمعين، وإنّما سراجها رجل عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، وخرجت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا غاضبة عليه وهي التي يغضب الله لغضبها! ولا يغب عنك أنّ معظم روايات فضائل عمر مروية عن ابن عمر!

عن حمزة بن عبد الله بن عمر أن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال (بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الرّيّ يخرج في أظفاري، ثمّ أعطيت فضلي عمر بن الخطّاب) قالوا فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم(3) .

أقول:

ولذلك مات لا يعرف الكلالة وقال عن نفسه: كلّ النّاس أفقه من عمر!

وأخرج الترمذي عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه). قال ابن عمر: وما نزل بالنّاس أمر قطّ فقالوا وقال إلاّ نزل القرآن على نحو ما قال عمر(4) .

أقول: وكلّ رواية في فضل عمر من طريق ابن عمر إنّما هي شهادة ولد لأبيه.

____________________

(1) تفسير القرطبي، ج 14 ص 239. والقصة موجودة أيضا في المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 645 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 517. وأقول: وهذا القول من عمر محلّ تأمّل، فإنّ فاطمة عليها السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أسامة وابيه ومع ذلك عاملها عمر بما عاملها به!

(2) تاريخ الخلفاء، ج 1 ص 118.

(3) صحيح البخاري، ج 1 ص 43. وج 6 ص 2571 وج 6 ص 2577 و، ج 6 ص 2579 وسنن النسائي الكبرى ج 3 ص 425 وسنن الترمذي ج 5 ص 619 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 108.

(4) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 117.

٩٧

وأخرج الطبراني والديلمي عن الفضل بن العباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحقّ بعدي مع عمر حيث كان(1) .

أقول:

فلماذا هجرته فاطمة عليها السلام؟ وهي التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؟! ولماذا خالفه علي بن أبي طالب عليه السلام. أليس عمر نفسه هو الذي يقول: والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ؟! فكيف يقول مثل هذا لو صحّ الحديث؟

وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحبّ عمر فقد أحبّني، وإنّ الله باهي بالنّاس عشيّة عرفة عامّة وباهى بعمر خاصّة! وإنّه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمّته محدّث، وإن يكن في أمّتي منهم أحد فهو عمر! قالوا يا رسول الله كيف محدّث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه(2) .

أقول:

لكنّ الطبرانيّ نفسه روى عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن حسين بن علي عن أمّه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشيّة عرفة فقال إنّ الله باهى بكم وغفر لكم عامّة ولعلي خاصّة، وإنّي رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي. هذا جبريل يخبرني أن السّعيد حق السّعيد من أحبّ عليّا في حياته وبعد موته وإن الشّقيّ كل الشّقيّ من أبغض عليّا في حياته وبعد موته)(3) . كما أورد المتّقي الهندي حديثا فيه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (وما لي لا أضحك وهذا جبريل يخبرني عن الله عزوجل أنّ الله باهى بي وبعمّي العبّاس وبأخي عليّ بن أبي طالب سكّان الهواء وحملة العرش وأرواح النّبيين وملائكة ستّ سموات

____________________

(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 119.

(2) المعجم الأوسط، الطبراني، ج 7 ص 18 ومجمع الزوائد ج 9 ص 69.

(3) المعجم الكبير ج 22 ص 415 رقم 1026.

٩٨

وباهى بأمّتي أهل سماء الدنيا)(1) . وعن ابن عبّاس قال: أمر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المهاجرين والأنصار أن يصفّوا صفّين، ثمّ أخذ بيد عليّ وبيد العبّاس، ثمّ مشى بينهم، ثمّ ضحك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له عليّ: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: إنّ جبريل أخبرني أنّ الله باهى بالمهاجرين والأنصار أهل السّماوات السبع وباهى بك يا عليّ، وبك يا عبّاس حملة العرش(2) . وبما أنّه لا يمكن الجمع بين الحديثين فلابدّ من توجيه السّهام إلى حديث المباهاة بعليّ عليه السلام ووصمه بأنّه موضوع وتصحيح حديث المباهاة بعمر، وقيل الحمد لله رب العالمين. لكنّ ذلك لا يحلّ المشكلة، لأنّ في سجلّ عليّ عليه السلام ما يباهى به، كالتّوحيد المحض مثلا، فإنّ عليّا عليه السلام لم يشرك بالله طرفة عين، بينما انحنى عمر للأصنام عشرات السّنين، فلا يعقل من العليّ الحكيم أن يباهي من أخلص له العبادة بمن أشرك به الأوثان. وكذلك القول في الجهاد، فإنّ لعليّ عليه السلام صولات وجولات في بدر وأحد وخيبر وحنين، ولعمر بن الخطاب فرار في بعضها وجبن في بعضها الآخر! فلا يعقل أن يباهي الله تعالى الشّجاع الكرّار بالجبان الفرّار بعد أن قال جلّ اسمه( إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) (3) وقال( وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (4) .

ولقد كانت فاطمة عليها السلام لا تحبّ عمر بن الخطّاب ولا ترتاح إليه، وأخبرت أنّها ستشكوه إلى أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي مع ذلك قطعا في الجنّة، بل سيّدة نساء أهل الجنّة، ولا يدخل الجنّة من يبغضه الله تعالى. فلو كان بغض عمر بغضا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما دخلت فاطمة الجنّة وتربّعت على كرسيّ السّيادة فيها. ولقد كان علي عليه السلام لا يخفى

____________________

(1) كنز العمال، ج 11 ص 205 رقم 32133 (ابن عساكر عن علي).

(2) كنز العمال، ج 13 ص 220 رقم 37317. وكتاب العرش ج 1 ص 91 وسمط النجوم العوالي ج 3 ص 58.

(3) الصّف: 4.

(4) الأنفال: 16.

٩٩

موقفه من عمر، وأقواله فيه معلومة في خطبته الشّقشقيّة، وهو مع ذلك يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يشهد بذلك أولياؤه وأعداؤه كما في الصّحيحين وغيرهما(1) .

وعن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدا قطّ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حين قبض أحد ولا أجود من عمر(2) .

أقول:

لقد كان من بين الأمور التي برّرت بها بنت عتبة بن ربيعة رفضها الزّواج من عمر أنّه يمنع خيره(3) . وقد اعترف هو بنفسه على المنبر أنّه كان بخيلا. أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن شدّاد قال: كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر أن قال: اللّهم إنّي شديد فليّنّي، وإنّي ضعيف فقوّني، وإنّي بخيل فسخّني(4) . فعمر بن الخطاب يقول عن نفسه (إنّي بخيل)، وعبد الله بن عمر يقول عنه (أجود الناس بعد رسول الله)، ولا ريب أنّ أحد القولين مخالف للواقع. وعمر أدرى بنفسه من ابنه.

____________________

(1) حديث أنّ عليا يحبه الله ورسوله في: صحيح البخاري ج 3 ص 1096 وج 4 ص 1542 وصحيح مسلم ج 4 ص 1871 وج 4 ص 1872 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 382، والجمع بين الصحيحين، ج 1 ص 197 وج 1 ص 550، والمستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 143، وج 3 ص 494، وسنن النسائي الكبرى ج 5 ص 46 وج 5 ص 107 وج 5 ص 108 وص 109 وج 5 ص 112 وج 5 ص 144 وج 5 ص 173 وج 5 ص 178 وسنن ابن ماجه ج 1 ص 43 وسنن البيهقي الكبرى ج 9 ص 131 وسن الترمذي ج 4 ص 106 وج 4 ص 310 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 59 والمعجم الكبير ج 7 ص 13 و، ج 7 ص 17، وج 7 ص 77 وج 18 ص 238 ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 99، وج 1 ص 185 وج 5 ص 333 وج 5 ص 358 ومسند البزار ج 2 ص 136 وج 3 ص 22 و ج 3 ص 281 ومسند ابن أبي شيبة، ج 1 ص 96.

(2) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 44 ص 273 وتاريخ الإسلام، الذهبي، ج 3 ص 266 والصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، ج 1 ص 283 وتاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 120.

(3) خطب [عمر] أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت يغلق بابه ويمنع خيره يدخل عابسا ويخرج عابسا. [الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 3 ص 55 وتاريخ الطبري ج 5 ص 17].

(4) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج 3 ص 274 ومصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 65 وج 7 ص 256 تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج 1 ص 139، وكنز العمال، ج 5 ص 273 والصواعق المحرقة، ج 1 ص 256 وسمط النجوم العوالي، ج 2 ص 468 وصفة الصفوة، ج 1 ص 280.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

و قال أبو الغوث : النحيرة آخر ليلة من الشهر مع يومها ، لأنّها تنحر الشهر الذي بعدها ، أي تصير في نحره أو تصيب نحره ، فهي ناحرة و الجمع النواحر ، و احتجّ بقول ابن أحمر الباهلي :

ثم استمر عليها و اكف همع

في ليلة نحرت شعبان أو رجبا١

و قال ابن دريد : أقبل فلان في نحر الجيش ، أي في أوّله ، و الليلة تنحر شهر كذا و كذا أي هي أوّله ثم ذكر البيت الأخير ، فترى الأوّل جعله الآخر بلا خلاف لكن تردّد في أنّه آخر يوم فقط أو مع ليلة ، و الثاني جعله أول ليلة بلا خلاف ثم قال : و النحيرة و المنحورة واحد ، و قال : قيل في قوله تعالىفصلّ لربك و انحر ٢ أي استقبل نحر النهار أي أوّله ، و قيل يعني ضع يدك على نحرك٣ .

و الصواب قول ابن دريد لأخذه عن الخليل و لكثرة أوهام الجوهري و لأن ( الأساس ) وافقه فقال : قال الكميت :

و الغيث بالمتالفات

من الأهلّة في النواحر٤

إذا وقع الغيث في أوّل الشهر كان غزيرا . .

و منه يظهر ان الجوهري صحّف البيت الأول و أنّه كان بلفظ « في النواحر » لا « و النواحر » و بالجملة هو أيضا لم يشر إلى خلاف في كونه بمعنى الأول .

____________________

( ١ ) الجمهرة لابن دريد ١ : ٥٢٥ .

( ٢ ) الكوثر : ٢ .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ١ : ٥٢٥ .

( ٤ ) أساس البلاغة : ٤٤٩ .

٥٦١

١٢ من غريب كلامه رقم ( ٧ ) و في حديثهعليه‌السلام أنه شيّع جيشا يغزيه فقال :

اِعْذِبُوا عَنِ اَلنِّسَاءِ مَا اِسْتَطَعْتُمْ و معناه اصدفوا عن ذكر النساء و شغل القلب بهن و امتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلك يفت في عضد الحمية و يقدح في معاقد العزيمة و يكسر عن العدو و يلفت عن الإبعاد في الغزو فكل من امتنع من شي‏ء فقد أعزب عنه و العاذب و العذوب الممتنع من الأكل و الشرب أقول : قال في النهاية : و في حديث عليعليه‌السلام أنّه شيّع سرية فقال : اعذبوا عن ذكر النساء أنفسكم ، فإنّ ذلكم يكسركم عن الغزو١ .

قولهعليه‌السلام « اعذبوا عن النساء ما استطعتم » في ( كامل المبرّد ) : كتب صاحب اليمن إلى عبد الملك في وقت محاربة ابن الأشعث معه إنّي قد وجهت إليك بجارية اشتريتها بمال عظيم و لم ير مثلها قط ، فلما دخل بها عليه رأى وجها جميلا و خلقا نبيلا فألقى إليها قضيبا كان في يده فنكست لتأخذه فرأى منها جسما بهره ، فلما همّ بها أعلمه الإذن أنّ رسول الحجاج بالباب ،

فإذن له و نحى الجارية فأعطاه كتابا من عبد الرحمن فيه سطور أربعة يقول فيها :

سائل مجاور جرم هل جنيت لها

حربا يزيل بين الجيرة الخلط

و هل سموت بجرار له لجب

جم الصواهل بين الجم و الفرط

و هل تركت نساء الحي ضاحية

في ساحة الدار يستوقدن بالغبط

و تحتها بيت آخر على غير الروي و هو :

____________________

( ١ ) النهاية ٣ : ١٩٥ مادة ( عذب ) .

٥٦٢

قتل الملوك و صار تحت لوائه

شجر العرى و عراعر الأقوام

فكتب جوابه و جعل في طيّه جوابا لابن الأشعث :

ما بال من أسعى لأجبر عظمه

حفاظا و ينوي من سفاهته كسري

أظن خطوب الدهر بيني و بينهم

ستحملهم مني على مركب و عر

و إنّي و إيّاهم كمن نبّه القطا

و لو لم تنبه باتت الطير لا تسري

أناة و حلما و انتظارا بهم غدا

فما أنا بالواني و لا الضرع الغمر

ثم بات يقلّب كفّ الجارية و يقول : ما أخذت فائدة أحبّ إليّ منك ، فتقول :

فما بالك و ما يمنعك ؟ فقال : يمنعني قول الأخطل و إن خرجت منه كنت ألأم العرب فإنّه قال :

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النساء و لو باتت بأطهار١

فما إليك سبيل أو يحكم اللّه بيني و بين ابن الأشعث ، فلم يقربها حتى قتل عبد الرحمن٢ .

قول المصنّف : « و معناه اصدفوا عن ذكر النساء » أي : اعرضوا عن ذكرهن « و شغل القلب بهن » و لا تكونوا كما قال الشاعر :

ذكرتك و الخطي يخطر بيننا

و قد نهلت منّا المثقفة السمر

« و امتنعوا من المقاربة لهن » و كان المهلب لما خرج ابن الأشعث على الحجاج في أهل العراق كتب إلى الحجاج أنّ أهل العراق أقبلوا إليك و هم مثل السيل المنحدر من عل ليس شي‏ء يرده حتى ينتهي إلى قراره ، و إنّ لأهل العراق شرة في أوّل مخرجهم و صبابة إلى ابنائهم و نسائهم فليس شي‏ء يردّهم حتى يسقطوا إلى أهليهم و يشمّوا أولادهم ، ثم واقعهم عندها فتغلب

____________________

( ١ ) ديوان الأخطل : ١٤٤ .

( ٢ ) الكامل ١ : ٢٣٥ ٢٣٦ .

٥٦٣

عليهم فلم يقبل ذلك فاستقبلهم إلى تستر فهزموه بها ، فتركهم حتى دخلوا الكوفة على نسائهم ثم حاربهم فهزم١ .

« فإن ذلك يفتّ » أي يضعف و يوهن .

« في عضد الحمية و يقدح » من « قدح الدود في الأسنان و الشجر قدحا » و هو تأكل يقع فيه ، و القادحة : الدودة .

« في معاقد العزيمة » فيحلها .

« و يكسر عن العدو » بالفتح فالسكون في الحرب ، و قد عرفت أنّ الجزري جعل كلامهعليه‌السلام تعليلا للإعذاب بلفظ « فان ذلكم يكسركم عن الغزو »٢ .

« و يلفت » أي : يصرف .

« عن الإبعاد في الغزو » و لما بلغ ابن الزبير قتل أخيه مصعب ، قال : قدم أيره و أخّر خيره ، و تشاغل بنكاح فلانة و فلانة و ترك جلبة أهل الشام حتى غشيته في داره .

« و كل من امتنع من شي‏ء فقد أعذب عنه » اعترض ابن أبي الحديد على المصنف٣ لما رأى أنّ الجوهري قال « أعذبته عن الأمر إذا منعته عنه ، يقال اعذب نفسك عن كذا أي اظلفها » بأنّ قوله « و كلّ من امتنع من شي‏ء فقد أعذب عنه » غير صحيح و ان الصواب ان يقال « و كل من منعته من شي‏ء فقد أعذب عنه » و ان كلامهعليه‌السلام بلفظ « اعذبوا » بكسر الهمزة لا « اعذبوا » بفتحها ، و استدل بأن الممتنع من الأكل و الشرب يقال له العاذب و العذوب لا المعذب .

إلاّ أن اعتراضه ساقط ، كما ان اقتصار الجوهري على ان « اعذب »

____________________

( ١ ) الكامل في التاريخ لابن الاثير ٤ : ٤٦٤ ٤٦٥ ، و قد مر ذلك في صفحة ١٨٨ .

( ٢ ) النهاية لابن الاثير ٣ : ١٩٥ ، مادة ( عذب ) .

( ٣ ) ذكر انه ليس بجيد ، شرح نهج البلاغة ١٩ : ١١٤ ح ٢٦٤ .

٥٦٤

بمعنى منع خطأ ، فقد قال الفيروز آبادي : العذب المنع كالإعذاب و الكف و الترك كالإعذاب و قال الجزري : اعذب ، لازم و متعد بل اقتصر ابن دريد على أن ( أعذب ) بمعنى ( امتنع ) فقال : أعذب عن الشي‏ء إذا امتنع عنه ، و في الحديث « فأعذبوا عن النساء » أي امتنعوا عن ذكرهن١ .

و الظاهر أنّ المصنف استند إليه حيث نقل العنوان مثله و جعله من أعذب و كون معنى « اعذب » امتنع .

و مثله الزمخشري ، ففي ( الأساس ) في حديث عليعليه‌السلام لسرية « اعذبوا عن النساء » اعذب عن الشي‏ء و استعذب عنه إذا امتنع ، لكن إن صح نقل الجزري لكلامهعليه‌السلام بلفظ « اعذبوا عن ذكر النساء أنفسكم » يكون « اعذبوا » بمعنى امنعوا٢ .

« و العاذب و العذوب الممتنع من الأكل و الشرب » و في ( الجمهرة ) : بات لرجل عاذبا و عذوبا إذا كان ممتنعا عن النوم جائعا ، و قول عبيد بن الأبرص الأسدي :

باتت على ارم عذوبا

كأنّها شيخة رقوب٣

أي جائعة ممتنعة من المأكل و المشرب ، و في ( الصحاح ) : العذوب من الدوابّ و غيرها القائم الذي لا يأكل و لا يشرب ، و كذلك العاذب و في ( القاموس ) : العذب ترك الأكل من شدّة العطش ، و هو عاذب و عذوب ، و العاذب و العذوب الذي ليس بينه و بين السماء ستر٤ .

____________________

( ١ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي : ١٤٤ .

( ٢ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٢٩٥ مادة ( عذب ) .

( ٣ ) الجمهرة لابن دريد ١ : ٣٠٤ .

( ٤ ) راجع المصدرين السابقين الصحاح ١ : ١٨٧ ، و القموس : ١٤٤ .

٥٦٥

١٣ الكتاب ( ٦١ ) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى كميل بن زياد النخعيّ و هو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدوّ طالبا للغارة :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ اَلْمَرْءِ مَا وُلِّيَ وَ تَكَلُّفَهُ مَا كُفِيَ لَعَجْزٌ حَاضِرٌ وَ رَأْيٌ مُتَبَّرٌ وَ إِنَّ تَعَاطِيَكَ اَلْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ ؟ قِرْقِيسِيَا ؟ وَ تَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ اَلَّتِي وَلَّيْنَاكَ لَيْسَ بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَ لاَ يَرُدُّ اَلْجَيْشَ عَنْهَا لَرَأْيٌ شَعَاعٌ فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ اَلْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ غَيْرَ شَدِيدِ اَلْمَنْكِبِ وَ لاَ مَهِيبِ اَلْجَانِبِ وَ لاَ سَادٍّ ثُغْرَةً وَ لاَ كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً وَ لاَ مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ وَ لاَ مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِهِ قول المصنّف : « إلى كميل بن زياد النخعي » في ( ذيل الطبري ) : هو كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع .

و روى أنّه جاء كميل إلى الحجاج يأخذ عطاءه فقال له : أنت الذي فعلت بعثمان و كلّمه بشي‏ء فقال له كميل : لا تكثر عليّ اللوم و لا تهل عليّ الكثيب و ما ذاك رجل لطمني فاصبرني فعفوت عنه ، فأيّنا كان المسي‏ء ؟ فأمر بضرب عنقه١ .

و في ( الإرشاد ) : روى جرير عن المغيرة قال : لما وليّ الحجاج طلب كميلا فهرب منه فحرم قومه عطاءهم ، فلما رأى كميل ذلك قال : أنا شيخ كبير و قد نفد عمري و لا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم ، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج ، فلما رآه قال : لقد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا فقال له : لا تصرف

____________________

( ١ ) ذيل الطبري : ١٤٧ مؤسسة الاعلمي .

٥٦٦

علي أنيابك و لا تهدم عليّ ، فو اللّه ما بقي من عمري إلاّ كمثل كواسل الغبار فاقض ما أنت قاض فإنّ الموعد اللّه و بعد القتل الحساب ، و لقد أخبرني أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّك قاتلي فقال له الحجاج : الحجّة عليك إذن فقال له كميل : إذا كان القضاء إليك قال : بلى كنت فيمن قتل عثمان اضربوا عنقه فضربت و هذا خبر رواه و نقله العامّة عن ثقاتهم١ .

« و هو عامله على هيت » في ( المعجم ) : هيت بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ذات نخيل كثير و خيرات واسعة٢ .

« ينكر عليه دفع من يجتاز به » أي : يمر عليه .

« من جيش العدو طالبا » حال من كميل .

« الغارة » في ( الطبري ) : وجّه معاوية في سنة ( ٣٩ ) سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل و أمره أن يأتي هيت فيقطعها و أن يغير عليها ثم يمضي حتى يأتي الأنبار و المدائن فيوقع بأهلها ، فسار حتى أتى هيت فلم يجد بها أحدا .٣ .

قولهعليه‌السلام « فإنّ تضييع المرء ما وليّ » فكانعليه‌السلام ولاّه هيتا فضيعه .

« و تكفله ما كفي » من إرادة الاستيلاء على بلد آخر لم يكلف به .

« لعجز حاضر و رأي متبر » أي : هالك مهلك .

و نظير فعل كميل أنّ خالد بن عبد اللّه بن أسيد و لاّه عبد الملك الكوفة فعزل مهلبا عن حرب الخوارج و ولاّه الجباية و ولّى أخاه عبد العزيز حربهم ،

فانهزم فكتب إليه عبد الملك : إنّي كنت قد حدّدت لك حدّا في أمر المهلب فلما ملكت أمرك نبذت طاعتي و استبددت برأيك فوليّت المهلب الجباية و وليت

____________________

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ١٧٢ .

( ٢ ) معجم البلدان ٥ : ٤٢١ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٠٣ .

٥٦٧

أخاك حرب الأزارفة ، فقبّح اللّه هذا رأيا أتبعث غلاما غرّا لم يجرّب الحروب و تترك سيّدا شجاعا مدبرا حازما قد مارس الحروب تشغله بجبايتك ، أما لو كافأتك على قدر ذنبك لأتاك من نكيري ما لا بقية لك معه ، و لكن تذكرت رحمك فلفتتني عنك فجعلت عقوبتك عزلك١ .

« و إنّ تعاطيك » أي : تناولك .

« الغارة على أهل قرقيسيا » في ( المعجم ) : قرقيسيا بلد على نهر خابور قرب رحبة مالك بن طوق على ستة فراسخ ، و عندها مصبّ الخابور في الفرات ، فهي مثلث بين الخابور و الفرات قال حمزة : هو معرب كركيسيا من كركيس اسم لإرسال الخيل المسمّى بالعربية الحلبة٢ .

« و تعطيلك مسالحك » جمع المسلحة ، و في ( الصحاح ) : المسلحة قوم ذوو سلاح ، و المسلحة كالثغر و المرقب ، و في الحديث « كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العريب »٣ .

« التي ولّيناك ليس بها من يمنعها و لا يردّ الجيش عنها لرأي شعاع » بالفتح أي : متفرّق .

في ( فتوح البلاذري ) : أقام يزيد بن المهلب بخراسان شتوة ثم غزا جرجان و كان عليها حائط من آجر قد تحصنوا به من الترك و أحد طرفيه في البحر ثم غلبت الترك عليه و سمّوا ملكهم الصول ، فقال يزيد : قبّح اللّه قتيبة ترك هؤلاء و هم في بيضة العرب و أراد غزو الصين٤ .

و في ( الطبري ) : ولّى المنصور رجلا من العرب حضر موت ، فكتب إليه

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٧٨ .

( ٢ ) معجم البلدان ٤ : ٣٢٨ .

( ٣ ) الصحاح ١ : ٣٧٦ مادة ( سلح ) .

( ٤ ) الفتوح للبلاذري : ٤٦٩ ٤٧٠ .

٥٦٨

والي البريد انّه يكثر الخروج في طلب الصيد ببزاة و كلاب قد أعدّها ، فعزله و كتب إليه : ثكلتك امّك و عدمتك عشيرتك ما هذه العدّة التي أعددتها للنكاية في الوحش ، انّما استكفيناك أمور المسلمين و لم نستكفك أمور الوحش ، سلم ما كنت تلي من عملنا إلى فلان بن فلان و الحق بأهلك ملوما مدحورا١ .

« فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك » أي كما أنّ الجسر وسيلة لعبور اليم كذلك تعطيل المسلحة وسيلة لعبور العدو إلى البلاد و نيله المراد و قال ابن أبي الحديد : أي كما أنّ الجسر لا يمنع من يعبر به فكذلك أنت و هو كما ترى٢ و نظير تشبيههعليه‌السلام قول ذي الرمة :

فلا وصل إلاّ أن تقارب بيننا

قلائص يجسرن الفلاة بنا جسرا

« غير شديد المنكب و لا مهيب الجانب » كنايتان عن الضعف ، كما أنّ شدّة المنكب و شدّة العضد كنايتان عن القوة .

« و لا سادّ » من سداد الثغر بالكسر ، قال العرجي :

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة و سداد ثغر٣

« ثغرة » المراد به هنا موضع المخافة في فروج البلدان و مما يتصل ببلاد العدو ، و يأتي الثغر لمقدّم الأسنان .

« و لا كاسر لعدو » هكذا في ( المصرية )٤ أخذا من ابن أبي الحديد و ليس « لعدو » في ( ابن ميثم ) .

« شوكة »٥ الأصل فيه شوك الشجر .

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٣١٣ .

( ٢ ) شرح نهج البلغة لابن ابي الحديد ١٧ : ١٠٥ .

( ٣ ) ديوان المعاني ١ : ٨١ .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة « كاسر شوكة » بخلاف ابن ابي الحديد انظر المصرية : ٦٣٢ و ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٩ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٢٠٠ .

٥٦٩

« و لا مغن عن أهل مصر و لا مجز » أي : كاف .

« عن أميره » قال بعضهم :

و ليس فتى الفتيان من راح و اغتدى

لشرب صبوح أو لشرب غبوق

و لكن فتى الفتيان من راح و اغتدى

لضرّ عدو أو لنفع صديق

١٤ الكتاب ( ٣٣ ) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى قثم بن العباس و هو عامله على مكة :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى اَلْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ ؟ اَلشَّامِ ؟ اَلْعُمْيِ اَلْقُلُوبِ اَلصُّمِّ اَلْأَسْمَاعِ اَلْكُمْهِ اَلْأَبْصَارِ اَلَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ اَلْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ يُطِيعُونَ اَلْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ وَ يَحْتَلِبُونَ اَلدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ وَ يَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ اَلْأَبْرَارِ اَلْمُتَّقِينَ وَ لَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلاَّ عَامِلُهُ وَ لاَ يُجْزَى جَزَاءَ اَلشَّرِّ إِلاَّ فَاعِلُهُ فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ اَلْحَازِمِ اَلصَّلِيبِ وَ اَلنَّاصِحِ اَللَّبِيبِ وَ اَلتَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ اَلْمُطِيعِ لِإِمَامِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ وَ لاَ تَكُنْ عِنْدَ اَلنَّعْمَاءِ بَطِراً وَ لاَ عِنْدَ اَلْبَأْسَاءِ فَشِلاً وَ اَلسَّلاَمُ قول المصنّف : « و من كتاب لهعليه‌السلام إلى قثم بن العباس » قال ابن أبي الحديد : روى ( الاستيعاب ) عن عبد اللّه بن جعفر قال : كنت أنا و عبيد اللّه و قثم نلعب ، فمرّ بنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله راكبا فقال : ارفعوا إليّ هذا الفتى يعني قثم فرفع إليه فأردفه خلفه ثم جعلني بين يديه و دعا لنا فاستشهد قثم بسمرقند١ .

قلت : انما في ( الاستيعاب ) : « استشهد . » إنشاء منه لا جزء الخبر كلام عبد اللّه بن جعفر كما يفهم من ابن أبي الحديد ، قال ابن أبي الحديد : قال أبو

____________________

( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٥٥١ ترجمة قثم بن العباس طبع حيدر آباد ، كذلك نظر ابن ابي الحديد ١٦ : ١٤٠ .

٥٧٠

عمر : كان قثم يشبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و فيه يقول داود بن مسلم :

عتقت من حل و من رحله

يا ناق إن أدنيتني من قثم

إنّك إن أدنيت منه غدا

حالفني اليسر و مات العدم

في كفّه بحر و في وجهه

بدر و في العرنين منه شمم

أصمّ عن قيل الخنا سمعه

و ما عن الخير به من صمم

لم يدر مالا و بلى قد درى

فعافها و اعتاض منها نعم١

قلت : و نقل أيضا عن الزبير بن بكار أنّ الشعر الذي أوّله :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

و البيت يعرفه و الحل و الحرم

أيضا قيل في قثم و قال هو بل هو شعر آخر في عروضه و قافيته .

و الأمر كما ذكر أبو عمر ، فإن تلك الأبيات إنّما هي في علي بن الحسينعليهما‌السلام كما رواه جمع من أهل السير .

« و هو عامله على مكّة » قال ابن أبي الحديد : قال أبو عمر : قال خليفة :

استعمل عليعليه‌السلام قثما على مكّة بعد أبي قتادة ، و كان عليها حتى قتل علي .

و قال الزبير : استعمله على المدينة٢ .

قلت : لم ينقل الطبري خلافا في كون قثم عاملهعليه‌السلام على مكّة في سنة ( ٣٨ ٣٩ ) و إنّما نقل الخلاف في من حج سنة ( ٣٩ )٣ .

قولهعليه‌السلام « أما بعد فإنّ عيني » ذكر أهل اللغة للعين معاني كثيرة ، و المراد بها هنا الجاسوس .

« بالمغرب » أي : الشام .

____________________

( ١ ) نهج ١٦ : ١٤١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٤٠ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢١٨ .

٥٧١

« كتب إليّ يعلمني أنّه وجّه إلى الموسم » أي : مجمع الحاج .

« اناس من أهل الشام » في ( الطبري ) : قال أبو زيد : يقال ان عليّاعليه‌السلام وجّه في سنة ( ٣٩ ) ابن عباس ليشهد الموسم ، و بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي و زعم المدائني ان ذلك باطل و ان الذي نازعه يزيد بن شجرة هو قثم حتى اصطلحا على شيبة بن عثمان ، و مثله أبو معشر١ .

و قال الواقدي : بعث عليعليه‌السلام على الموسم في سنة ( ٣٩ ) عبيد اللّه بن عباس و بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم للناس الحجّ ، فلما اجتمعا بمكة تنازعا فاصطلحا على شيبة٢ .

و قال ابن أبي الحديد كان معاوية بعث إلى مكّة دعاة في السر يدعون إلى طاعته و يثبطون العرب عن نصرتهعليه‌السلام و يوقعون في أنفسهم أنّه إمّا قاتل عثمان أو خاذله و الخلافة لا تصلح فيمن قتله أو خذله ، و ينشرون عندهم محاسن معاوية بزعمهم ، و في قولهعليه‌السلام « و يحتلبون الدنيا درها بالدين » دلالة على ما قلنا أنّهم كانوا دعاة يظهرون سمت الدين و ناموس العبادة ، و فيه إبطال قول من ظنّ أن المراد بذلك السرايا التي كان معاوية يبعثها فتغير على عمّالهعليه‌السلام ٣ .

قلت : بل المراد ما نقلناه عن الطبري عن أبي زيد و المدائني و أبي معشر و الواقدي من بعث معاوية في سنة ( ٣٩ ) يزيد بن شجرة الرهاوي في جمع وقت الموسم لإقامة الحج ، إلا أنّ الأول قال انّهعليه‌السلام بعث في قبال ابن شجرة عبد اللّه بن عباس و الأخير عبيد اللّه بن العباس و الأوسطان قثما نفسه ، و هو

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٠٤ .

( ٢ ) الكامل لابن الاثير ٣ : ٣٧٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ١٣٨ .

٥٧٢

الأوسط بشهادة العنوان و أما استشهاد ابن أبي الحديد لاجتهاده بقولهعليه‌السلام « و يحتلبون . » فأعمّ فيكفي في صدق الكلام بعث معاوية ابن شجرة لإقامة الحج و جزؤه الصلاة هذا ، و في ( كامل المبرد ) : خرجت طائفة من الخوارج بعد قتل عليعليه‌السلام لهم بالنهروان ثم النخيلة نحو مكّة ، فوجّه معاوية من يقيم للناس حجّهم فناوشه هؤلاء الخوارج ، فبلغ ذلك معاوية فوجّه بسر بن أرطاة فتوافقوا و تراضوا بعد الحرب بأن يصلّي بالناس رجل من بني شيبة لئلا يفوت الناس الحج ، فلما انقضى الحجّ قالت الخوارج إنّ عليّا و معاوية أفسدا الأمر١ .

و الأصل في الجميع واحد ، و لا تنافي فمكة لا ريب أنّها كانت بيدهعليه‌السلام و عاملها من قبله ، و لما بعث معاوية من يقيم للناس حجّهم و كان جمع من الخوارج شهدوا الموسم للحج لا بدّ أنّهم يناوشون من جاء من قبل معاوية مع عاملهعليه‌السلام و إن لم يكن لهم عقيدة بهعليه‌السلام أيضا .

« العمى القلوب » قال تعالى .فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور ٢ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : كان ابن عباس و أبوه و جدّه مكافيف ، و لذلك قال له معاوية : أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم فقال له ابن عباس :

و انتم يا بني امية تصابون في بصائركم٣ .

« الصم الأسماع » و صمّ الأسماع أشدّ من صمّ الآذان كعمي القلوب و الأعين .

____________________

( ١ ) الكامل ، للمبرّد ٣ : ٩٢٥ ٩٢٦ .

( ٢ ) الحج : ٤٦ .

( ٣ ) معارف ابن قتيبة : ٥٨٩ .

٥٧٣

« الكمه » جمع الأكمه الذي يولد أعمى .

« الأبصار » أرادعليه‌السلام عدم استعداد بصائرهم للحق كالأكمه ، قال تعالى .لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالأنعام بل هم أضل .١ .

« الذين يلتمسون » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « يلبسون » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٣ .

« الحق بالباطل » و الأصل فيه قوله تعالىو لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و أنتم تعلمون ٤ .

« و يطيعون المخلوق في معصية الخالق » في ( المروج ) : سأل معاوية صعصعة عن قبائل مضر و ربيعة ، فأجابه ثم سكت معاوية فقال له صعصعة : سل و إلاّ أخبرتك بما تحيد عنه قال معاوية : و ما ذاك ؟

قال صعصعة : أهل الشام قال ، فأخبرني عنهم فقال صعصعة : هم أطوع الناس للمخلوق و أعصاهم للخالق ، عصاة الجبّار و خلفة الأشرار ، فعليهم الدمار و لهم سوء الدار٥ .

« و يحتلبون الدّنيا درّها بالدين » في ( صفين نصر ) : أنّهعليه‌السلام لمّا أراد المسير إلى الشام استشار أصحابه ، فقام هاشم المرقال و قال : إنّا بالقوم خبير ، هم لك و لأشياعك أعداء ، و هم لمن يطلب حرث الدّنيا أولياء ، و هم مقاتلوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدّنيا و ضنّا بما في أيديهم منها ، و ليس

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٥٧٣ ، شرح محمد عبده .

( ٣ ) شرح نهج البلغة لابن أبي الحديد ١٦ : ١٣٨ ، و ذكر رواية يلتمسون أيضا .

( ٤ ) البقرة : ٤٢ .

( ٥ ) مروج الذهب ٣ : ٤١ .

٥٧٤

لهم إربة غيرها الا ما يخدعون به الجهّال من الطلب بدم عثمان ، كذبوا ليسوا بدمه يثأرون ، و لكن الدّنيا يطلبون ، و أين معاوية و الدين١ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) : قال سعيد بن سويد : صلّى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة ثم خطب فقال : إنّي و اللّه ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا إنّكم لتفعلون ذلك ، إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم و قد أعطاني اللّه ذلك و أنتم كارهون قال شريك في حديثه هذا هو التهتك٢ .

« و يشترون عاجلها بآجل الأبرار و المتقين » هكذا في ( المصرية )٣ و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : « المتقين »٤ في ( صفين نصر ) بعد ذكر قصّة معاهدة عمرو بن العاص مع معاوية في مساعدته لهعليه‌السلام على أن يعطيه مصر فقبل منه و أعطاه مصر ، فغضب مروان و قال : ما بالي لا أشتري كما اشترى عمرو٥ .

و في ( الاستيعاب ) : أعطى معاوية في و فد تميم عليه الحتات المجاشعي و جارية بن قدامة و الأحنف بن قيس و أعطاهما أكثر ، فقال له الحتات : لم فضّلتهما عليّ و كانا شيعيين و كان أمويا قال : اشتريت منهما دينهما قال :

فاشتر مني ديني٦ .

« و لن يفوز بالخير إلاّ عامله و لا يجزى جزاء الشرّ إلاّ فاعله »فمن يعمل

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٠٣ طبع القاهرة .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني : ٤٥ .

( ٣ ) الطبعة المصرية : ٥٧٣ .

( ٤ ) ابن ابي الحديد ١٦ : ١٣٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٧٢ ، الرواية ٣٣ .

( ٥ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٢ .

( ٦ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ١٥٤ ، ترجمة حتات بن يزيد بن علقمة .

٥٧٥

مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره ١ .

« فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصليب و الناصح اللبيب و التابع » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « التابع » كما في ( ابن أبي الحديد : و ابن ميثم ) .

« لسلطانه و المطيع لإمامه »٣ قد عرفت أنّه نازع يزيد بن شجرة الذي بعثه معاوية حتى اصطلحا على شيبة ، و الظاهر أنّه لم يكن قادرا على إخراجه لضعف جنده .

« و إيّاك و ما يعتذر منه » قال ابن أبي الحديد يقال : ما شي‏ء أشدّ على الإنسان من حمل المروة ، و المروة ألا يعمل الإنسان في غيبة صاحبه ما يعتذر منه عند حضوره٤ .

و في ( العقد ) : قال أبو عبيدة : ما اعتذر أحد من الفرارين بأحسن مما اعتذر به الحارث بن هشام حيث يقول :

و اللّه يعلم ما تركت قتالهم

حتى رموا مهري بأشقر مزبد

فصدفت عنهم و الأحبّة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مرصد

و هذا الذي سمعه صاحب رتبيل فقال : يا معشر العرب حسّنتم كلّ شي‏ء فحش حتى الفرار٥ .

« و لا تكن عند النعماء بطرا و لا عند البأساء فشلا » قال ابن أبي الحديد قال الشاعر :

فلست بمفراح إذا الدهر سرّني

و لا جازع من صرفه المتقلّب

____________________

( ١ ) الزلزلة : ٧ ٨ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٥٧٣ .

( ٣ ) ابن أبي الحديد ١٦ : ١٣٨ ، و ابن ميثم شرح نهج البلاغة ٥ : ٧٢ .

( ٤ ) ابن ابي الحديد ١٦ : ١٣٩ .

( ٥ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ١ : ١٤٠ .

٥٧٦

و لا أتمنى الشرّ و الشرّ تاركي

و لكن متى أحمل على الشر أركب١

قلت : الأصل في قولهعليه‌السلام قوله تعالىإنّ الإنسان خلق هلوعا إذا مسّه الشرّ جزوعا و إذا مسّه الخير منوعا إلاّ المصلّين الذين هم على صلاتهم دائمون ٢ .

١٥ الكتاب ( ٤ ) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى بعض أمراء جيشه :

فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ اَلطَّاعَةِ فَذَلِكَ اَلَّذِي نُحِبُّ وَ إِنْ تَوَافَتِ اَلْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى اَلشِّقَاقِ وَ اَلْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ وَ اِسْتَغْنِ بِمَنِ اِنْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ فَإِنَّ اَلْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ وَ قُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ أقول : قال ابن ميثم روي أنّ الأمير الذي كتب إليهعليه‌السلام هو عثمان بن حنيف عامله على البصرة ، و ذلك حين انتهت أصحاب الجمل إليها و عزموا على الحرب ، فكتب عثمان إليهعليه‌السلام يخبره بحالهم ، فكتبعليه‌السلام إليه هذا الكتاب٣ .

قلت : لم يأت لما قال بمستند ، فان رأى رواية و إن كان قاله حدسا فهو كما ترى ، فابن حنيف لم يكن من أمراء جيشه حتى يقول المصنف « إلى بعض امراء جيشه » بل عامله على البصرة ، و لم ينقل أنّهعليه‌السلام كتب إليه بحربهم قبل وصولهعليه‌السلام ، و إنما ورد مضمونه في كتابه إلى قيس بن سعد مع عثماني

____________________

( ١ ) ابن ابي الحديد ١٦ : ١٣٩ .

( ٢ ) المعارج : ١٩ ٢٣ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٤٩ الرواية ( ٤ ) .

٥٧٧

مصر ، ففي ( الطبري ) : أن قيسا كتب من مصر إليهعليه‌السلام : إنّ قبله رجالا معتزلين سألوه أن يكفّ عنهم و أنّه رأى ألاّ يتعجّل حربهم و أن يتألّفهم ، فكتبعليه‌السلام إليه :

سر إلى القوم الذين ذكرت ، فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون و إلاّ فناجزهم .١ .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : فصل : و من كتاب كتبه إلى بعض امراء جيشه في قوم كانوا قد شردوا عن الطاعة و فارقوا الجماعة ، رواه الشعبي عن ابن عباس : سلام عليك أما بعد ، فإن عادت هذه الشرذمة إلى الطاعة فذلك الذي أوثره ، و إن تمادى بهم العصيان إلى الشقاق فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك و استعن بمن انقاد معك على من تقاعس عنك ، فإنّ المتكاره مغيبه خير من حضوره و عدمه خير من وجوده و قعوده أغنى من نهوضه٢ .

« فإن عادوا إلى ظلّ الطاعة فذاك الذي نحبّ » فإنّ الأنبياء و الأوصياءعليهم‌السلام إنّما يحبّون هداية الخلق لنجاتهم ، و قولهعليه‌السلام « ظل الطاعة » استعارة لطيفة ،

فطاعة الوالي كالظلّ توجب الراحة ، و مخالفته كالحرور توجب المشقّة .

« و إن توافت الامور » أي : تتامت .

« بالقوم إلى الشقاق » و الأصل في الشقاق نزول الخصم في شقّ غير شقّك .

« و العصيان فانهد » أي : انهض من ( ينهد ) بالفتح .

« بمن أطاعك إلى من عصاك و استعن بمن انقاد معك عمّن تقاعس » أي : تأخّر .

« عنك فإنّ المتكاره مغيبه خير من مشهده » قال تعالىفي المنافقين الذين

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٥٤ .

( ٢ ) التذكرة لسبط بن الجوزي : ١٦٦ .

٥٧٨

كانوا متكارهين عن الخروج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الجهاد لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة . .١ .

« و قعوده أغنى من نهوضه » أي : قيامه ، و أكثر انهزام العساكر في الأغلب من شهود المتكارهين .

١٦ الحكمة ( ٨٦ ) و قالعليه‌السلام :

رَأْيُ اَلشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ اَلْغُلاَمِ و روي من مشهد الغلام أقول : و رواه الجاحظ في ( بيانه ) : « رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الشاب »٢ .

و في ( العقد الفريد ) : وقع عليعليه‌السلام في كتاب جاءه من الحسن بن عليعليهما‌السلام : رأي الشيخ خير من جلد الغلام٣ .

« رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد » بفتحتين ، أي الشدّة و الضرب بالسيف .

« الغلام » فإنّ رأي الشيخ في الظفر يمكن أن يكون أشدّ تأثيرا من قوّة ألف غلام .

و في ( الطبري ) : حضر مع هوازن في غزوة حنين دريد بن الصمة و كان شيخا كبيرا ليس فيه شي‏ء إلاّ معرفته بالحرب و لرأيه إلى أن قال فلما نزلوا بأوطاس قال لمالك بن عوف رئيس القوم : إنّك قد أصبحت رئيس قومك و إنّ

____________________

( ١ ) التوبة : ٤٧ .

( ٢ ) البيان و التبيين ٢ : ١٤ .

( ٣ ) العقد الفريد ٤ : ٢٠٦ ، و في بعض النسخ « مشهد » بدل « جلد » كذا في نسخة التحقيق .

٥٧٩

هذا يوم له ما بعده ، مالي أسمع رغاء البعير و نهاق الحمير و يعار الشاء و بكاء الصغير قال : سقت مع الناس أبناءهم و نساءهم و أموالهم قال : لم ؟ قال :

ليقاتل كلّ رجل عن أهله و ماله قال : هل يردّ المنهزم شي‏ء ، إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجل بسيفه و رمحه و إن كانت عليك فضحت في أهلك و مالك ،

ارفعهم إلى متمنع بلادهم و عليا قومهم ثم الق الشبّان على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، و إن كانت عليك كفاك ذلك و قد أحرزت أهلك و مالك قال : لا أفعل إنّك قد كبرت و كبر علمك و قال لقومه : لتطيعنني أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري .

و كره أن يكون لدريد فيها ذكر و رأي فقال دريد : هذا يوم لم أشهده و لم يفتني . و كان صواب الرأي ما قال دريد١ .

و في ( الكامل ) للمبرد : قال المهلب ما يسرّني أنّ في عسكري ألف شجاع بدل بيهس بن صهيب ، فيقال له : أيّها الأمير بيهس ليس بشجاع فيقول : أجل و لكنّه سديد الرأي محكم العقل ، و ذو الرأي حذر سؤول ، فأنا آمن أن يغتفل ،

فلو كان مكانه ألف شجاع قلت إنّهم يتشأمون حتى يحتاطون٢ .

و كان المهلب شيخا ذا رأي متين ، فلو لا تدابيره في حرب الخوارج لخربوا البصرة و قتلوا رجالها و سبوا نساءها و لمّا أرجفوا بأنّ المهلب قتل يوم سلى و سلبرى و هم أهل البصرة بالنقلة إلى البادية ثم ورد كتابه بظفره فأقام الناس و تراجع من ذهب منهم قال الأحنف : البصرة بصرة المهلب ، بل لو لاه لغلبوا على جميع العراق الكوفة و غيرها ، و لذا قال الحجاج لأهل الكوفة بعد ظفر المهلب بالخوارج : أنتم عبيد المهلب .

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٤٤ .

( ٢ ) الكامل ، للمبرّد ٣ : ١١٣١ .

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617