بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 617

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199427 / تحميل: 7653
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا ١ فنظر القوم بعضهم إلى بعض و قالوا : لئن كان للاسلام حقيقة لمّا انتهت وصيّة محمّد إلاّ إلى هذا ،

و اللّه ما رأيناه قط إلاّ هبنا و اقشعرت جلودنا لهيبته ثم تفرّقوا مقرين بالعجز .

« و بحر لا ينزفه » قال الجوهري : يقال ( نزفت ماء البئر ) إذا نزحته كلّه و ( نزفت هي ) يتعدى و لا يتعدى .

« و عيون لا ينضبها » بضم المضارعة من ( نضب الماء ) غار في الأرض و سفل .

« الماتحون » أي : المستقون .

في خصائص المصنف باسناده إلى الباقرعليه‌السلام : قدم اسقف نجران على غمر ، فقال : ان أرضنا أرض باردة شديدة المؤنة لا تحتمل الجيش ، و انا ضامن لخراج أرضي ، أحمله إليك في كلّ عام كاملا فكان يقوم هو بالمال بنفسه ،

و معه أعوان له حتى يوفيه بيت المال و يكتب له عمر البراءة ، فقدم ذات عام و كان شيخا جميلا فدعاه عمر إلى الاسلام و أنشأ يذكر فضل الاسلام و ما يصير إليه المسلمون من النعيم و الكرامة فقال الأسقف : يا عمر أنتم تقرأون في كتابكم ان للّه جنّة عرضها كعرض السماء و الأرض ، فأين تكون النار ؟

فسكت عمر و نكّس رأسه فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : و كان حاضرا أنا أجيبك ، إذا جاء النهار أين يكون الليل ؟ و إذا جاء الليل أين يكون النهار ؟ فقال الأسقف : ما كنت أرى أن أحدا يجيبني عن هذه المسألة من هذا الفتى ، قال عمر هذا ختن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و ابن عمّه و أوّل مؤمن به ، هذا أبو الحسن و الحسينعليهما‌السلام إلى أن قال قال الأسقف : أخبرني يا عمر عن شي‏ء في أيدي أهل الدنيا شبيهة بثمار أهل الجنّة فقال : سل الفتى فقالعليه‌السلام : هو القرآن يجتمع أهل الدنيا عليه

____________________

( ١ ) الاسراء : ٨٨ .

٦١

فيأخذون منه حاجتهم ، و لا ينقص منه شي‏ء ، و كذلك ثمار أهل الجنّة فقال الأسقف : صدقت يافتى١ .

« و مناهل » قال الجوهري : المنهل : المورد و هو عين ماء ترده الابل في المراعي و تسمّى المنازل التي في المفاوز على طرق السفار مناهل لأن فيها ماء .

« لا يغيضها » قال الجوهري : ( غاض الماء يغيض ) أي : قلّ و نضب و غاضه اللّه ، يتعدّى و لا يتعدّى ، و أغاضه اللّه أيضا .

« الواردون » قال الرضاعليه‌السلام : القرآن لا يخلق على الأزمنة ، و لا يغث على الألسنة ،

لأنّه لم يجعل لزمان ، بل جعل الدليل البرهان ، و حجّة على الإنسان ، و قال فيه اللّه تعالى :لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ٢ .

« و منازل لا يضل نهجها » أي : طريقها .

« المسافرون »ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم . . ٣ الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا ٤ .

« و اعلام » أي : علائم .

« لا يعمى عنها السائرون » قيل لا برهة بن الحارث من ملوك اليمن ذو المنار لأنّه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيها ليهتدي بها إذا رجع .

« و آكام » جمع أكمة بالتحريك ، قال الفيروز آبادي : التل من القفّ من حجارة واحدة ، أو هي دون الجبال .

« لا يجوز عنها القاصدون » بل يكتفون بها .

____________________

( ١ ) خصائص الأئمة للشريف الرضي : ٩٠ ٩١ تحقيق الأميني ، مشهد المقدسة .

( ٢ ) فصّلت : ٤٢ .

( ٣ ) الاسراء : ٩ .

( ٤ ) الكهف : ١ .

٦٢

في ( تفسير ) القمي : اجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة ، و قالوا له : يا أبا عبد شمس ما قرآن محمّد أشعر أم كهانة أم خطب ؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا منه فقال : يا محمّد انشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر و لكن كلام اللّه الذي ارتضاه ملائكته و أنبياؤه و رسله ، فقال : أمل علي شيئا منه فقرأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « حم السجدة »حم تنزيل من الرحمن الرحيم ١ فلمّا بلغ إلى قوله فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عاد و ثمود ٢ اقشعر الوليد ، و قامت كلّ شعرة في رأسه و لحيته و مرّ إلى بيته ، و لم يرجع إلى قريش فمشوا إلى أبي جهل ، و قالوا : يا أبا الحكم ان أبا عبد شمس صبا إلى دين محمّد أما تراه لا يرجع إلينا ، فعدا أبو جهل إلى الوليد ، فقال : يا عم نكسّت رؤسنا ، و أشمّت بنا عدوّنا ، و صبوت إلى دين محمّد قال : ما صبوت إلى دينه ،

و لكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود فقال له أبو جهل : اخطب هو ؟

قال : لا ان الخطب كلام متصل و هذا لا يشبه بعضه بعضا قال أفشعر هو ؟

قال : لا أما اني لقد سمعت أشعار العرب بسيطها و مديدها و رملها و رجزها ما هو بشعر قال : فما هو ؟ قال : دعني أفكّر فيه فلمّا كان من الغد قالوا يا أبا عبد شمس ما تقول في ما قلناه ؟ قال : قولوا : هو سحر فانّه آخذ بقلوب الناس فأنزل اللّه تعالى فيه :ذرني و من خلقت وحيدا ٣ الآيات .

« جعله اللّه ريأ » بالكسر و الفتح .

« لعطش العلماء » و طالب العلم و ان كان لا يشبع و لا يروى من تحصيل العلم إلاّ انّه لمّا كان القرآن بحرا و فيه تبيان كلّ شي‏ء ينقع غليله به .

____________________

( ١ ) فصلت : ١ ٢ .

( ٢ ) فصلت : ٣١ .

( ٣ ) المدثر : ١١ .

٦٣

« و ربيعا لقلوب الفقهاء » المراد بالربيع فصله الموجد للازهار و الأنوار و المدرك للأقوات و الغّلات و قال ابن أبي الحديد الربيع هنا الجدول و يجوز إرادة المطر في الربيع و هو كما ترى .

« و محاج » جمع المحجّة جادة الطريق .

« لطرق الصلحاء »ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً كبيرا ١ « و دواء ليس بعده داء » .فقد جاءكم بيّنة من ربكم و هدىً و رحمة . . ٢ .

« و نورا ليس معه ظلمة »الر كتاب أنزلناه لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ٣ .

« و حبلا وثيقا عروته »ان هو إلاّ وحيٌ يوحى علمه شديد القوى ٤ .

« و معقلاً » أي : ملجأ .

« منيعاً ذروته » أي : أعلاه .

« و عزّا لمن تولاّه » روى ( ثواب الأعمال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ان أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين و المرسلين و لا تستضعفوا أهل القرآن و حقوقهم فان لهم من اللّه لمكانا .

و روى ( الأمالي ) عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اشراف أمتي حملة القرآن و أصحاب الليل٥ .

____________________

( ١ ) الاسراء : ٩ .

( ٢ ) الانعام : ١٥٧ .

( ٣ ) ابراهيم : ١ .

( ٤ ) النجم : ٤ ٥ .

( ٥ ) الأمالي للصدوق : ١٤١ نقله المجلسي في « البحار » ٨٩ : ١٧٧ رواية ٢ .

٦٤

« و سلما لمن دخله » روى ( ثواب الأعمال ) عن الصادقعليه‌السلام قال : يعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد اللّه به الشيطان .

« و هدى لمن أئتم به » أي : اقتدى .

« و عذرا لمن انتحله » انتسب إليه .

« و برهانا لمن تكلّم به »و لو ان قرآنا سيّرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلّم به الموتى . . ١ .

« و شاهدا لمن خاصم به » في ( تاريخ اليعقوبي ) : في ما نقم الناس على عثمان انّه رجم امرأة من جهينة دخلت على زوجها فولدت لستة أشهر فأمر عثمان برجمها فلمّا أخرجت دخل عليه عليعليه‌السلام فقال : ان اللّه تعالى يقول :

و حمله و فصاله ثلاثون شهرا . . ٢ و قال في رضاعه :و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين . . ٣ فأرسل عثمان في أثر المرأة فوجدت قد رجمت و ماتت و اعترف الرجل بالولد .

« و فلجا لمن حاج به » أي : ظفرا له .

روى ( الإرشاد ) عن قيس بن الربيع قال : سألت أبا إسحاق عن المسح على الخفين ، قال : قال محمد بن عليعليه‌السلام : لم يكن أمير المؤمنينعليه‌السلام يمسح على الخفين ، و كان يقول : سبق الكتاب المسح على الخفين ، قال أبو إسحاق :

فما مسحت منذ نهاني .

« و حاملا لمن حمله » فكلّ من كان حاملا لكتب اللّه تكون هي أيضا حاملة له ، قال تعالى :و لو انّهم أقاموا التوراة و الانجيل و ما أنزل اليهم من ربهم

____________________

( ١ ) الرعد : ٣١ .

( ٢ ) الاحقاف : ١٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٣٣ .

٦٥

لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم . . ١ و اما من لم يكن حاملا لها فكما قال تعالى :مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا . . ٢ .

« و مطية لمن أعمله » في ( تفسير القمي ) عن السجادعليه‌السلام : عليك بالقرآن ،

فان اللّه تعالىخلق بيده الجنّة لبنة من ذهب و لبنة من فضة ، و جعل ملاطها المسك و ترابها الزعفران و حصاها اللؤلؤ ، و جعل درجاتها على قدر آيات القرآن فمن قرأ القرآن قال له اقرأ و ارق ٣ الخبر .

« و آية لمن توسّم » أي : تفرّس ، قال تعالىبعد ذكر أخذ الصيحة لقوم لوط مشرقين و جعل عالي مدينتهم سافلها و أمطار حجارة من سجيل عليهم ان في ذلك لآية للمتوسمين ٤ .

و المراد ان من كان متوسما يكون القرآن آية و علامة له بأنّه ليس من عند غير اللّه و لمّا قال النجاشي ملك الحبشة لجعفر الطيار : هل تحفظ ممّا أنزل اللّه تعالى على نبيّك شيئا ؟ قال : نعم فقرأ عليه سورة مريم :كهيعص ذكر رحمت ربك عبده زكريا ٥ فلمّا بلغ إلى قوله :و هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا فكلي و اشربي و قرّي عينا . . ٦ فلمّا سمع النجاشي بهذا بكى بكاء شديدا و قال : هذا و اللّه هو الحق ، و فيه انزل :و إذا سمعوا ما انزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ممّا عرفوا من الحق يقولون

____________________

( ١ ) المائدة : ٦٦ .

( ٢ ) الجمعة : ٥ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٢٥٩ :

( ٤ ) الحجز : ٧٥ .

( ٥ ) مريم : ١ ٢ .

( ٦ ) مريم : ٢٥ ٢٦ .

٦٦

ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ١ .

« و جنّة لمن استلأم » أي : لبس اللأمة و هي الدرع .

« و علما لمن وعى » أي : حفظ بجعل اذنه و عاء له .

« و حديثا لمن روى » قال ابن أبي الحديد سمّاه اللّه تعالى حديثا في قوله اللّهنزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً .٢ و استدلّ أصحابنا به على كون القرآن غير قديم ، ألا ترى إلى قول عمر و لمعاوية : قد مللت كلّ شي‏ء إلاّ الحديث فقال انما يمل العتيق .

قلت و كذا في قوله تعالى :فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين ٣ و في قوله تعالى في الأعراف و المرسلات :فبأي حديث بعده يؤمنون ٤ و في قوله تعالى : .فبأي حديث بعد اللّه و آياته يؤمنون ٥ و في قوله تعالى :

فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ٦ .

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) ، قال سلمة بن عمرو القاضي على المنبر : لا رحم اللّه أبا حنيفة فانّه أوّل من زعم ان القرآن مخلوق .

« و حكما لمن قضى »أنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اللّه و لا تكن للخائنين خصيما ٧ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٨٣ .

( ٢ ) الزمر : ٢٣ .

( ٣ ) الطور : ٣٤ .

( ٤ ) المرسلات : ٥٠ .

( ٥ ) الجاثية : ٦ .

( ٦ ) الكهف : ٦ .

( ٧ ) النساء : ١٠٥ .

٦٧

١٠ الحكمة ( ٣١٣ ) و قالعليه‌السلام :

وَ فِي ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَ خَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَ حُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ أقول : رواه المسعودي و العياشي و ابن قتيبة ، و ابن عبد ربه مع زيادات١ .

قال الأول : توفي الحارث الأعور صاحب عليعليه‌السلام في أيام عبد الملك و هو الذي دخل على عليعليه‌السلام فقال له : ألا ترى إلى الناس قد أقبلوا على هذه الأحاديث ، و تركوا كتاب اللّه قالعليه‌السلام : و قد فعلوا قال : نعم قال : أما اني سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ستكون فتنة ، قلت فما المخرج منها ؟ قال : كتاب اللّه ،

فيه نبأ ما كان قبلكم ، و خبر ما بعدكم ، و حكم ما بينكم ، و هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه اللّه ، و من أراد الهدى في غيره أضلّه اللّه ، و هو حبل اللّه المتين ، و هو الذكر الحكيم و الصراط المستقيم ، و هو الذي لا تزيغ عنه العقول ، و لا تلتبس به الألسن ، و لا تنقضي عجائبه ، و لا يعلم علم مثله و هو الذي لمّا سمعته الجن .فقالوا انّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد . . ٢ و من قال به صدق ، و من زلّ عنه عدا ، و من عمل به اجر ، و من تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ، خذها إليك يا أعور .

و قال الثاني في ( تفسيره ) : « يوسف بن عبد الرحمان رفعه إلى الحارث الأعور ، قال سمعنا أشياء مغموسة مختلفة لا ندري ما هي قال : أو قد فعلوها ؟

قلت : نعم ، قال : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أتاني جبرئيل فقال ستكون في

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ٢٣٩ ، طبع دار الكتاب العربي بيروت .

( ٢ ) الجن : ١ ٢ .

٦٨

أمتك فتنة ، فقلت فما المخرج منها فقال : كتاب اللّه فيه بيان ما قبلكم من خبر و خبر ما بعدكم ، و حكم ما بينكم » إلى آخر ما في ( المروج ) مع أدنى اختلاف .

و قال الثالث في ( عيونه ) روى الحارث الأعور عن عليعليه‌السلام قال : كتاب اللّه فيه خبر ما قبلكم ، و نبأ ما بعدكم و حكم ما بينكم ، و هو الفصل ليس بالهزل و هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، و لا يشبع منه العلماء ، و لا يخلق عنه كثرة الرد ،

و لا تنقضي عجائبه الخ مع أدنى اختلاف .

و مثله الرابع في ( عقده ) و من الأصل فيه يظهر ان الأصل في كلامهعليه‌السلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

« و في القرآن » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في القرآن ) كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية .

« نبأ ما قبلكم » قال تعالى في أصحاب الكهف :نحن نقص عليك نبأهم بالحق . . ١ و قال في قصة يوسفعليه‌السلام :نحن نقص عليك أحسن القصص بما أو حينا إليك هذا القرآن و ان كنت من قبله لمن الغافلين ٢ و قال في قصّة باقي الأنبياء إجمالا :و لقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك و منهم من لم نقصص عليك .٣ و قال في سورة القصص :نتلو عليك من نبأ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون ٤ و نصف السورة في قصّة موسى كما ان سورة يوسفعليه‌السلام أكثرها في قصته و قصص آدم و إدريس و نوح و هود و صالح و إبراهيم و اسحاق و يعقوب و لوط و شعيب و سليمان و داود و موسى و عيسىعليهم‌السلام مبثوثة في مطاويه و كثير منها قبل

____________________

( ١ ) الكهف : ١٣ .

( ٢ ) يوسف : ٣ .

( ٣ ) المؤمن : ٧٨ .

( ٤ ) القصص : ٣ .

٦٩

نزول القرآن كان غير معلوم لأحد و منها قصة يوسفعليه‌السلام فقال تعالى فيها :

ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك .١ هذا ان اريد بقوله : « ما قبلكم » أنبياء السلف و يمكن أن يراد به الصانع جلّ اسمه و يمكن أن يراد به الأعم منهما .

و من آيات القرآن في أنباء ما قبلنا اخباره عن ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب اليهود و النصارى قال تعالى :الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الانجيل .٢ .

فلو لا كان اسمه مذكورا فيهما لكذّبوه ، و لو كانوا كذّبوا لمّا خفي ذلك مع توفر الدواعي و لارتد عنه اتباعه ، بل قال :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .٣ فدل على ان ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبهم و نعتها لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحد صار الأمر به من البديهيات .

و من آياته اشتماله على عدم جرأة اليهود تمني الموت في قباله ، و عدم جرأة النصارى على المباهلة في مقابلته قال تعالى : .يا أيها الذين هادوا ان زعمتم انّكم أولياء للّه من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين و لا يتمنونه أبداً بما قدّمت أيديهم و اللّه عليم بالظالمين ٤ فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءَنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ٥ و الثاني و ان لم يصرّح فيه بعدم مباهلتهم إلاّ انّه معلوم التواتر و بالدراية ، فلو كانوا ابتهلوا و لم يصبهم شي‏ء لصار ذلك سبباً لطعن الكفار و المنافقين في الاسلام بل

____________________

( ١ ) آل عمران : ٤٤ .

( ٢ ) الأنعام : ٢٠ .

( ٣ ) الأنعام : ٢٠

( ٤ ) الجمعة : ٦ ٧ .

( ٥ ) آل عمران : ٦١ .

٧٠

ارتداد المسلمين عنه ، و معلوم بالضرورة عدم حصول شي‏ء من ذلك .

« و خبر ما بعدكم » يمكن أن يراد به أخبار القيامة و المعاد و الثواب و العقاب ، و الجنّة و النار ، فالقرآن مشحون من أخبارها و يمكن أن يراد به أخباره عمّا يأتي كاخباره عن مغلوبية فارس عن الروم بعد غلبتها عليها قال تعالى :الم غلبت الروم في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بعض سنين للّه الأمر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللّه ينصر من يشاء .١ .

و كاخباره عن مغلوبية قريش في بدر ، قال تعالى :و إذ يعدكم اللّه احدى الطائفتين انها لكم و تودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد اللّه أن يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ليحق الحق و يبطل الباطل .٢ .

و كاخباره عن مغلوبية يهود خيبر ، قال تعالى : .و ان يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثم لا ينصرون ٣ و يمكن إرادة الأعم .

« و حكم ما بينكم » من مسائل الحلال و الحرام ، و لقد صنّفوا كتباً في آيات أحكامه ، و من اصول الاسلام ففيه ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام و المعصومين من عترته في قوله تعالى :انما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون و من يتول اللّه و رسوله و الذين آمنوا فان حزب اللّه هم الغالبون ٤ كما في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » .

و في قوله تعالى : .انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت

____________________

( ١ ) الروم : ١ ٥ .

( ٢ ) الانفال : ٧ ٨ .

( ٣ ) آل عمران : ١١١ .

( ٤ ) المائدة : ٥٥ ٥٦ .

٧١

و يطهّركم تطهيرا ١ و في قوله تعالى :فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا و ابناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ٢ .

و روى محمد بن يعقوب مسندا عن الأصبغ قال : سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : نزل القرآن اثلاثا ، ثلث فينا و في عدوّنا ، و ثلث سنن و أمثال ، و ثلث فرائض و أحكام .

و روى ابن المغازلي عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ان القرآن أربعة أرباع ، فربع فينا أهل البيت خاصة ، و ربع حلال ، و ربع حرام ، و ربع فرائض و أحكام ، و اللّه أنزل فينا كرائم القرآن٣ .

١١ من الخطبة ( ١٥٣ )

فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ اَلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ اَلنُّورِ اَلْمُقْتَدَى بِهِ ذَلِكَ ؟ اَلْقُرْآنُ ؟

فَاسْتَنْطِقُوهُ وَ لَنْ يَنْطِقَ وَ لَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَلاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي وَ اَلْحَدِيثَ عَنِ اَلْمَاضِي وَ دَوَاءَ دَائِكُمْ وَ نَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ أقول : رواه ( الكافي ) في باب الرد إلى الكتاب و السنة عن محمد بن يحيى عن بعض أصحابه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أيها الناس ان اللّه تبارك و تعالى أرسل إليكم الرسول و أنزل عليه الكتاب بالحق و أنتم أميون عن الكتاب و من أنزله و عن الرسول و من أرسله إلى أن قال فجاءهم بنسخة ما في الصحف

____________________

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) آل عمران : ٦١ .

( ٣ ) لا جود له في كتاب « مناقب علي بن أبي طالب » لابن المغازلي ، المكتبة الاسلامية طهران نقله المجلسي في « البحار » ٢٤ : ٣٠٥ رواية ٢ باب ٦٧ عن « كنز الفوائد » .

٧٢

الأولى و تصديق الذي بين يديه و تفصيل الحلال من ريب الحرام ذلك القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لكم أخبركم عنه ، ان فيه علم ما مضى ، و علم ما يأتي إلى يوم القيامة ، و حكم ما بينكم ، و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلو سألتموني عنه لعلّمتكم .

« فجاءهم بتصديق الذي بين يديه » أي : التوراة و الإنجيل و الأصل فيه قوله تعالى :نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لمّا بين يديه و أنزل التوراة و الانجيل من قبل هدى للناس و أنزل الفرقان ١ .

و ما كان هذا القرآن ان يفترى من دون اللّه و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيلَ الكتاب .٢ و هدى و رحمة لقوم يوقنون ٣ و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه و لتنذر أُم القرى و من حولها .٤ .

قل من كان عدوّاً لجبريل فانّه نزّله على قلبك باذن اللّه مصدقاً لمّا بين يديه و هدى و بشرى للمؤمنين ٥ .

و الذي أو حينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لمّا بين يديه ٦ .انّا سمعنا كتابا أنزل بعد موسى مصدقاً لمّا بين يديه يهدي إلى الحق و إلى صرايق مستقيم ٧ و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لمّا بين يديه من الكتاب و مهيمناً عليه .٨ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ٣ .

( ٢ ) يونس : ٣٧ .

( ٣ ) الجاثية : ٢٠ .

( ٤ ) الانعام : ٩٢ .

( ٥ ) البقرة : ٩٧ .

( ٦ ) فاطر : ٣١ .

( ٧ ) الاحقاف : ٣٠ .

( ٨ ) المائدة : ٤٨ .

٧٣

و أما نسخه لبعض ما فيهما فلا ينافي تصديقه لمّا فيهما فالقرآن ينسخ بعضه بعضا و النسخ أيضا نوع تصديق كما ان نسخ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لشرائع من تقدّم عليه من الرسل لا ينافي تصديقه لهم و كيف لا و الكافر بموسى و عيسى كافر به .

« و النور » عطف على ( تصديق ) .

« المقتدى به » هكذا في النسخ و الظاهر كونه تصحيف ( المهتدى به ) فالنور يهتدى به لا يقتدى به .

« ذلك » مبتدأ .

« القرآن » خبره .

« فاستنطقوه » بالنطق المعنوي .

« و لن ينطق » نطقا ظاهرا كبشر ينطق .

« و لكن أخبركم عنه » كانعليه‌السلام يخبر عن التوراة و الانجيل و الزبور كما يخبر عن القرآن ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالى :اَفَمن كان على بيّنة من ربه و يتلوه شاهد منه .١ عن زاذان قال : قال عليعليه‌السلام : و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الانجيل بانجيلهم و بين أهل الزبور بزبورهم و بين أهل الفرقان بفرقانهم و الذي نفسي بيده ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ و أنا أعرف له آية تسوقه إلى الجنّة أو تقوده إلى النار ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين فما آيتك التي أنزلت فيك ؟ فقال :أفمن كان على بيّنة من ربه و يتلوه شاهد منه ٢ فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على بيّنة و أنا شاهد منه٣ .

____________________

( ١ ) هود : ١٧ .

( ٢ ) هود : ١٧ .

( ٣ ) ذكر الطوسي ما يشابهه في « الأمالي » في المجلس الثالث عن رقم ٨٠٠ .

٧٤

« ألا ان فيه علم ما يأتي و الحديث عن الماضي » كقولهعليه‌السلام ( في سابقه و في القرآن نبأ ما قبلكم و خبر ما بعدكم ) .

« و دواء دائكم » قالوا لاشتماله على الفضائل العلمية و العملية التي بها يحصل اصلاح النفوس و الشفاء من الأمراض النفسانية .

« و نظم ما بينكم » .و تفصيل كلّ شي‏ء و هدى و رحمة لقوم يؤمنون ١ .

هذا ، و روى فضل قرآن الكافي قبل نوادره باسناده ضعيف عن الأصبغ عنهعليه‌السلام و الذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق نبيا و أكرم أهل بيته ، ما من شي‏ء تطلبونه من حرق أو غرق أو شرق أو افلات دابة من صاحبها أو ضالة أو آبق إلاّ و هو في القرآن فمن أراد ذلك فليسألني عنه ، فقام رجل فقال : اخبرني عمّا يؤمن من الحرق و الغرق فقال : اقرأ .اللّه الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين ٢ و ما قدروا اللّه حق قدره إلى و تعالى عمّا يشركون ٣ فقرأها رجل و اضطرمت النار في بيوت جيرانه و بيته وسطها فلم يصبه شي‏ء ثم قام إليه آخر فقال : ان دابتي استصعبت علي و أنا منها على وجل ، فقال :

اقرأ في اذنها اليمنى .و له أسلم من في السماوات و الأرض طوعا و كرهاً و إليه يرجعون ٤ فقرأها فذلت له دابته و قام إليه آخر فقال : ان أرضي مسبعة و ان السباغ تغشى منزلي و لا تجوز حتى تأخذ فريستها فقال :اقرأ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين

____________________

( ١ ) يوسف : ١١١ .

( ٢ ) الاعراف : ١٩٦ .

( ٣ ) الزمر : ٩٧ .

( ٤ ) آل عمران : ٨٣ .

٧٥

رؤف رحيم فان تولوا فقل حسبي اللّه لا إله إلاّ هو عليه توكلت و هو ربّ العرش العظيم ١ فقرأها الرجل فاجتنبته السباع ثم قام إليه آخر فقال ، ان في بطني ماء أصفر فهل من شفاء ؟ فقال : اكتب على بطنك آية الكرسي و تغسلها و تشربها و تجعلها ذخيرة في بطنك ، ففعل الرجل فبرى‏ء باذن اللّه تعالى ثم قام إليه آخر فقال : اخبرني عن الضالة فقال أقرأ ( يس ) في ركعتين و قل ( يا هادي الضالة رد عليّ ضالتي ) ففعل فرد اللّه عليه ضالته ثم قام إليه آخر فقال اخبرني عن الآبق فقال اقرأ :

أو كظلمات في بحر لجي إلى و من لم يجعل اللّه له نوراً فما له من نور ٢ فقالها الرجل فرجع إليه الابق ثم قام إليه آخر فقال : أخبرني عن السرق فانّه لا يزال قد يسرق لي الشي‏ء بعد الشي‏ء ليلا ، فقال :أقرأ إذا آويت إلى فراشك قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن إلى و كبره تكبيرا ٣ ثم قالعليه‌السلام :

من بات بأرض قفر فقرأ ان ربكم اللّه الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش إلى تبارك اللّه ربّ العالمين ٤ حرسته الملائكة و تباعدت عنه الشياطين ، فمضى الرجل فاذا هو بقرية خراب فبات فيها و لم يقرأ الآية فتغشاه الشيطان فاذا هو آخذ بخطمه ، فقال له صاحبه انظره فاستيقظ الرجل فقرأ الآية فقال الشيطان لصاحبه ارغم اللّه أنفك أحرسه الآن حتى يصبح ، فلمّا اصبح الرجل رجع إليهعليه‌السلام و قال له : رأيت في كلامك الشفاء و الصدق ( و مضى بعد طلوع الشمس فاذا هو بأثر شعر الشيطان مجتمعا في الأرض ) .

____________________

( ١ ) التوبة : ١٢٨ ١٢٩ .

( ٢ ) النور : ٤٠ .

( ٣ ) الاسراء : ١١٠ ١١١ .

( ٤ ) الاعراف : ٥٤ .

٧٦

١٢ الخطبة ( ١٤٣ ) من خطبة لهعليه‌السلام :

فَبَعَثَ اَللَّهُ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ اَلْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ وَ مِنْ طَاعَةِ اَلشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ ؟ بِقُرْآنٍ ؟ قَدْ بَيَّنَهُ وَ أَحْكَمَهُ لِيَعْلَمَ اَلْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ وَ لِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ وَ لِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَ خَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ وَ كَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلاَتِ وَ اِحْتَصَدَ مَنِ اِحْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ وَ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْ‏ءٌ أَخْفَى مِنَ اَلْحَقِّ وَ لاَ أَظْهَرَ مِنَ اَلْبَاطِلِ وَ لاَ أَكْثَرَ مِنَ اَلْكَذِبِ عَلَى اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَ لاَ أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لاَ فِي اَلْبِلاَدِ شَيْ‏ءٌ أَنْكَرَ مِنَ اَلْمَعْرُوفِ وَ لاَ أَعْرَفَ مِنَ اَلْمُنْكَرِ فَقَدْ نَبَذَ اَلْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَ تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَ أَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ وَ صَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لاَ يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ فَالْكِتَابُ وَ أَهْلُهُ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ فِي اَلنَّاسِ وَ لَيْسَا فِيهِمْ وَ مَعَهُمْ وَ لَيْسَا مَعَهُمْ لِأَنَّ اَلضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ اَلْهُدَى وَ إِنِ اِجْتَمَعَا فَاجْتَمَعَ اَلْقَوْمُ عَلَى اَلْفُرْقَةِ وَ اِفْتَرَقُوا عَنِ اَلْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكِتَابِ وَ لَيْسَ اَلْكِتَابُ إِمَامَهُمْ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اِسْمُهُ وَ لاَ يَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَ زَبْرَهُ وَ مِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ وَ سَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اَللَّهِ فِرْيَةً وَ جَعَلُوا فِي اَلْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ اَلسَّيِّئَةِ وَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَ تَغَيُّبِ آجَالِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ اَلْمَوْعُودُ اَلَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ اَلْمَعْذِرَةُ

٧٧

وَ تُرْفَعُ عَنْهُ اَلتَّوْبَةُ وَ تَحُلُّ مَعَهُ اَلْقَارِعَةُ وَ اَلنِّقْمَةُ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اِسْتَنْصَحَ اَللَّهَ وُفِّقَ وَ مَنِ اِتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ فَإِنَّ جَارَ اَللَّهِ آمِنٌ وَ عَدُوَّهُ خَائِفٌ وَ إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اَللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَ سَلاَمَةَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ اَلْحَقِّ نِفَارَ اَلصَّحِيحِ مِنَ اَلْأَجْرَبِ وَ اَلْبَارِئِ مِنْ ذِي اَلسَّقَمِ أقول رواه آخر ( الروضة ) في خبره ( ٥٨٦ ) عن أحمد بن محمد ، عن سعد بن المنذر بن محمد ، عن أبيه عن جدّه ، عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه ، قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام و رواها غيره ، و ذكر انّه خطب بذي قار الخ و منه يظهر انّهعليه‌السلام خطب به في خروجه إلى الجمل .

« فبعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان » جمع الوثن ، قال الجوهري : الوثن كلّ ما له جثة معمولة من جواهر الأرض ، أو من الخشب و الحجارة كصورة الآدمي يعمل و ينصب فيعبد ، و الصنم الصورة بلا جثة ،

و منهم من لم يفرّق بينهما ، و قد يطلق الوثن على غير الصورة ، و منه حديث عدي بن حاتم ، قدمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و في عنقي صليب من ذهب ، فقال لي الق هذا الوثن عنك .

« إلى عبادته »أمر ألا تعبدوا إلاّ إيّاه ١ .

« و من طاعة الشيطان إلى طاعته »الم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان انّه لكم عدوٌ مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم ٢ .

« بقرآن قد بيّنه و أحكمه » أي : جعله محكما .

____________________

( ١ ) يوسف : ٤٠ .

( ٢ ) يس : ٦٠ ٦١ .

٧٨

قد جاءكم من اللّه نور و كتاب مبين يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم ١ .

« ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه ، و ليقروا به إذ جحدوه ، و ليثبتوه بعد إذ أنكروه »و ان كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءكم من دون اللّه ان كنتم صادقين فان لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدّت للكافرين ٢ .

أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين ٣ .

« فتجلى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته و خوّفهم من سطوته » في ( تفسير ) القمي فيذرني و من خلقت وحيدا ٤ كان الوليد بن المغيرة شيخا كبيرا من دهاة العرب و كان من المستهزئين بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقعد في الحجرة و يقرأ القرآن ، فاجتمعت قريش إلى الوليد و قالوا يا أبا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمّد ، أشعر هو أم كهانة أم خطب ؟ فقال : دعوني اسمع كلامه فدنا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال له انشدني من شعرك قال : ما هو بشعر و لكن كلام اللّه الذي ارتضاه ملائكته و أنبياؤه و رسله و قال اتل علي منه شيئا فقرأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « حم السجدة » فلمّا بلغ إلى قوله :فان اعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود ٥

____________________

( ١ ) المائدة : ١٥ ١٦ .

( ٢ ) البقرة : ٢٣ ٢٤ .

( ٣ ) يونس : ٣٨ .

( ٤ ) المدثر : ١١ .

( ٥ ) فصلت : ١٣ .

٧٩

فاقشعر الوليد ، و قامت كلّ شعرة في رأسه و لحيته ، و مر إلى بيته و لم يرجع إلى قريش فمشوا إلى أبي جهل فقالوا يا أبا الحكم ان أبا عبد شمس صبا إلى دين محمّد أما تراه لا يرجع إلينا فعدا أبو جهل إلى الوليد فقال : يا عم نكست رؤوسنا ، و أشمت بنا عدوّنا ، و صبوت إلى دين محمد ؟ قال : ما صبوت إلى دينه و لكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود فقال له أبو جهل اخطب هو ؟ قال لا ، ان الخطب كلام متصل و هذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضا .

قال أفشعر ؟ قال لا أما اني لقد سمعت أشعار العرب بسيطها و مديدها و رملها و رجزها و ما هو بشعر قال فما هو ؟ قال دعني افكر فيه فلمّا كان من الغد قالوا يا أبا عبد شمس ما تقول فيه قال قولوا هو سحر فانّه آخذ بقلوب الناس فانزل تعالىذرني و من خلقت وحيدا ١ الخ .

« و كيف محق » أي : ابطل و محا .

« من محق بالمثلات » أي : العقوبات .

قال تعالىو يستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة و قد خلت من قبلهم المثلات .٢ .

« و احتصد من احتصد بالنقمات » و قال تعالىو لقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاؤوهم بالبيّنات فانتقمنا من الذين اجرموا و كان حقّاً علينا نصر المؤمنين ٣ و كم قصمنا من قرية كانت ظالمة و انشأنا بعدها قوماً آخرين فلمّا أحسوا بأسنا إذاهم منها يركضون لا تركضوا و ارجعوا إلى ما أترفتم فيه و مساكنكم لعلّكم تسئلون قالوا يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين

____________________

( ١ ) المدثر : ١١ .

( ٢ ) الرعد : ٦ .

( ٣ ) الروم : ٤٧ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الألطاف.

ويحتمل أن يراد هذا المعنى من الآية التي ذكرها الخصم.

الرابع : التيسير والتسهيل ، وبالإضلال تشديد الامتحان ، ولعلّ منه هذه الآية ، فإنّه سبحانه يضرب الأمثال المذكورة في الآية امتحانا ، فتسهل عند قوم ، وتشتدّ عند آخرين ، هذا كلّه في الهداية والإضلال.

وأمّا الختم المذكور في قوله تعالى :( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) (١) .

فالمراد به : التشبيه ، ضرورة عدم الختم حقيقة على سمعهم ، وعدم الغشاوة على أبصارهم ، فكذا على قلوبهم.

والمعنى : إنّ الكفر تمكّن من قلوبهم فصارت كالمختوم عليها ، وصاروا كمن لا يعقل ، ولا يسمع ، ولا يبصر ، كما قال تعالى :( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (٢) .

ويحتمل(٣) أن يكون الختم كناية عن ضيق قلوبهم عن النظر إلى الدلائل ، وعدم انشراح صدورهم للإسلام ، وإنّما نسبه إلى الله تعالى على الوجهين لخذلانه سبحانه لهم ، وعدم رعايته لهم بمزيد الألطاف ، لكثرة ذنوبهم ، وتتابع مناوأتهم للحقّ ، ولكن لا تزول به القدرة والاختيار ، ولذا قال سبحانه في آية أخرى :( بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (٤) .

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٧.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٧١.

(٣) في مطبوعة طهران : ولا يحتمل.

(٤) سورة النساء ٤ : ١٥٥.

٢٦١

فاستثنى القليل وأثبت لهم الإيمان بعدما طبع على قلوبهم ؛ لأنّ لهم أفعالا حسنة تجرّهم إلى الإيمان والسعادة.

ويحتمل أن يريد :( فَلا يُؤْمِنُونَ )

إلّا إيمانا قليلا لعدم تصديقهم بكلّ ما يلزم التصديق به.

وأمّا تأويله لقوله تعالى :( أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (١) فتأويل بعيد ؛ لأنّ ظاهرها أنّه أحسن الخالقين الفاعلين حقيقة ، كعيسى المذكور بقوله تعالى :

( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ ) (٢) لا الخالقين بالزعم والتقدير ، بل لا يصحّ أوّل التأويلين ؛ لأنّ عبدة الأصنام لا يزعمون أنّها خالقة ، بل يرونها مقرّبة إلى الله تعالى.

وأمّا الآية التي ادّعى مناسبتها لحال العدليّة ، فخطأ ؛ لأنّ مذهبهم لا يناسب الإشراك كما عرفت(٣) ، وإنّما يناسبه مذهب من يدّعي تعدّد القدماء وتركّب الإلهية ، ويرون أنفسهم شركاء لله تعالى في صفاته الذاتية ؛ لأنّ صفاتهم كصفاته زائدة على الذات(٤) !

* * *

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٢) سورة المائدة ٥ : ١١٠.

(٣) تقدّم في ج ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٤) راجع ردّ الفضل في ج ٢ / ١٧٥.

٢٦٢

الجواب عن شبه المجبّرة

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

المطلب الحادي عشر

في نسخ شبههم

إعلم أنّ الأشاعرة احتجّوا على مقالتهم بوجهين ، هما أقوى الوجوه عندهم ، يلزم منهما الخروج عن العقيدة!

ونحن نذكر ما قالوا ، ونبيّن دلالتهما على ما هو معلوم البطلان بالضرورة من دين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

الأوّل : قالوا : لو كان العبد فاعلا لشيء ما بالقدرة والاختيار ، فإمّا أن يتمكّن من تركه أو لا

والثاني : يلزم منه الجبر ؛ لأنّ الفاعل الذي لا يتمكّن من ترك ما يفعله موجب لا مختار ، كما يصدر عن النار الإحراق ولا تتمكّن من تركه.

والأوّل إمّا أن يترجّح الفعل حالة الإيجاد ، أو لا والثاني ؛ يلزم منه ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر ، لا لمرجّح ؛ لأنّهما لمّا استويا من كلّ وجه بالنسبة إلى ما في نفس الأمر ، وبالنسبة إلى القادر الموجد ، كان ترجيح القادر للفعل على الترك ترجيحا للمساوي بغير مرجّح ، وإن ترجّح ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢١.

٢٦٣

فإن لم ينته إلى حدّ الوجوب ، أمكن حصول المرجوح مع تحقّق الرجحان ، وهو محال.

أمّا أوّلا ؛ فلامتناع وقوعه حالة التساوي ، فحالة المرجوحية أولى.

وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه مع قيد الرجحان يمكن وقوع المرجوح ، فلنفرضه واقعا في وقت ، والراجح في آخر ، فترجيح أحد الوقتين بأحد الأمرين لا بدّ له من مرجّح غير المرجّح الأوّل ، وإلّا لزم ترجيح أحد المتساويين بغير مرجّح ، فينتهي إلى حدّ الوجوب ، وإلّا تسلسل.

وإذا امتنع وقوع الأثر إلّا مع الوجوب ـ والواجب غير مقدور ، ونقيضه ممتنع غير مقدور أيضا ـ فيلزم الجبر والإيجاب ، فلا يكون العبد مختارا(١) .

الثاني : إنّ كلّ ما يقع فإنّ الله تعالى قد علم وقوعه قبل وقوعه ، وكلّ ما لم يقع فإنّ الله قد علم في الأزل عدم وقوعه.

وما علم الله وقوعه فهو واجب الوقوع ، وإلّا لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا ، وهو محال.

وما علم عدم وقوعه فهو ممتنع ، إذ لو وقع انقلب علم الله تعالى جهلا ، وهو محال أيضا ، والواجب والممتنع غير مقدورين للعبد ، فيلزم الجبر(٢) .

* * *

__________________

(١) المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١١ ـ ١٢ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨١ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢١ ، المواقف : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٢٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٩ ـ ١٥١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ، المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١٨ ، المواقف : ٣١٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٣١ ، شرح المواقف ٨ / ١٥٥.

٢٦٤

وقال الفضل (١) :

أوّل ما ذكره من الدليلين للأشاعرة قد استدلّ به أهل المذهب ، وهو دليل صحيح بجميع مقدّماته كما ستراه واضحا إن شاء الله تعالى.

وأمّا الثاني ممّا ذكره من الدليلين فقد ذكره الإمام الرازي على سبيل النقض(٢) ، وليس هو من دلائل الأئمّة الأشاعرة ، وقد ذكر الإمام هذا النقض في شبهة فائدة التكليف والبعثة بهذا التقرير.

ثمّ إنّ هذا الذي ذكروه في لزوم سقوط التكليف ، إن لزم القائل بعدم استقلال العبد في أفعاله ، فهو لازم لهم أيضا لوجوه :

الأوّل : إنّ ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصدور عن العبد ، وإلّا جاز انقلاب العلم جهلا.

وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد ، وإلّا جاز الانقلاب.

ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنّه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته ، لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال كما ذكرتم.

فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال ، فقد لزمكم في مسألة علم الله

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ، المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١٨.

٢٦٥

تعالى بالأشياء.

قال الإمام الرازي : « ولو اجتمع جميع العقلاء لم يقدروا أن يوردوا على هذا الوجه حرفا »(١) .

وقد أجابه شارح « المواقف » كما سيرد عليك(٢) .

* * *

__________________

(١) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢٨.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

٢٦٦

وأقول :

ما نقله عن الرازي من النقض به لا ينافي الاستدلال به ، فإنّه إن تمّ دلّ على أنّ أفعال العباد جبرية ليست من آثار قدرتهم.

وقد صرّح القوشجي بأنّ الأشاعرة استدلّوا به ، كما ذكره في بحث العلم من الأعراض(١) ، عند قول نصير الدين1 في « التجريد » : « وهو تابع بمعنى أصالة موازنة في التطابق »(٢) .

والظاهر أنّ الخصم إنّما فرّ من تسميته دليلا ليكون فساده أهون على نفسه!

* * *

__________________

(١) شرح التجريد : ٣٣٥.

وقد جاء مؤدّاه في : الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، تبصرة الأدلّة في أصول الدين ٢ / ٦٢٤.

وكذا جاء مؤدّاه في : المواقف وشرحها وشرح المقاصد كما مرّ آنفا في الصفحة ٢٦٤.

(٢) تجريد الاعتقاد : ١٧١.

٢٦٧

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

والجواب عن الوجهين من حيث النقض ومن حيث المعارضة

أمّا النقض ، ففي الأوّل من وجوه :

الأوّل ـ وهو الحقّ ـ : إنّ الوجوب من حيث الداعي والإرادة ، لا ينافي الإمكان في نفس الأمر ، ولا يستلزم الإيجاب وخروج القادر عن قدرته وعدم وقوع الفعل بها.

فإنّا نقول : الفعل مقدور للعبد ، يمكن وجوده منه ، ويمكن عدمه ، فإذا خلص الداعي إلى إيجاده ، وحصلت الشرائط ، وارتفعت الموانع ، وعلم القادر خلوص المصالح الحاصلة من الفعل عن شوائب المفسدة ألبتّة ، وجب من هذه الحيثية إيجاد الفعل.

ولا يكون ذلك جبرا ولا إيجابا بالنسبة إلى القدرة والفعل لا غير.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٢.

٢٦٨

وقال الفضل (١) :

هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفي الاختيار ، سواء كان ممكنا في نفس الأمر أو لا.

وكلّ من لا يتمكّن من الفعل وتركه فهو غير قادر ، سواء كان منشأ عدم تمكّنه عدم الإمكان الذاتي لفعله ، أو عدم حصول الشرائط ووجود الموانع ، فما ذكره ليس بصحيح.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٤.

٢٦٩

وأقول :

لمّا زعم الأشاعرة في أوّل الدليلين أنّ العبد إمّا أن يتمكّن من ترك ما فعله أو لا ، فإن لم يتمكّن كان موجبا لا مختارا ، ويلزم الجبر ، أجاب المصنّفرحمه‌الله : « إنّا نختار أنّه لا يتمكّن ».

قولكم : « كان موجبا لا مختارا ».

قلنا : ممنوع ؛ لأنّ عدم التمكّن من الترك إنّما هو بسبب اختيار الفعل وتمام علّته ، فلا ينفي كونه مختارا ، ولا ينافي إمكان الفعل في نفسه وتأثير قدرة العبد فيه.

وهذا معنى ما يقال : « الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ».

وأورد عليه الخصم بأنّ هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفي الاختيار ، وهو كلام لا محصّل له.

ولعلّه يريد أنّا ندّعي أنّ الفعل اضطراري غير اختياري ، لعدم التمكّن من تركه بعد الاختيار والإرادة المؤثّرة ، وإن لم يصر فاعله بذلك موجبا.

وفيه ـ مع أنّ دليل الأشاعرة صريح في لزوم كون الفاعل موجبا ـ يشكل بأنّ عدم التمكّن من الترك بعد الإرادة المؤثّرة لا ينفي حدوثه بالاختيار ، ولا ينافي كونه مقدورا بالذات ، وغاية ما يثبت أنّ الفعل بعد الإرادة التامّة يصير واجبا بالغير ، لا واجبا بالذات ، ولا صادرا بالجبر.

وأمّا ما زعمه من أنّ من لم يتمكّن من الفعل لعدم حصول شرائطه غير قادر عليه ، فهو ممّا لا دخل له بمطلوب الأشاعرة من أنّ الفعل الواقع

٢٧٠

من العبد مجبور عليه!

على أنّ انتفاء شرائط الفعل لا ينفي القدرة عليه ما دامت الشرائط ممكنة.

ولست أعرف كيف بنى الخصم أنّه أجاب عن كلام المصنّف ، مع إنّه سيذكر معنى كلام المصنّف بلفظ شرح « المواقف » ويبني عليه ، ولعلّ الفرق أنّه وجده في الشرح فاعتبره من غير تمييز!

* * *

٢٧١

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الثاني : يجوز أن يترجّح الفعل ، فيوجده المؤثّر ، أو العدم فيعدمه ، ولا ينتهي الرجحان إلى الوجوب على ما ذهب إليه جماعة من المتكلّمين(٢) ، فلا يلزم الجبر ولا الترجيح من غير مرجّح.

قوله : « مع ذلك الرجحان لا يمتنع النقيض ، فليفرض واقعا في وقت ، فترجيح الفعل وقت وجوده يفتقر إلى مرجّح آخر ».

قلنا : ممنوع ؛ بل الرجحان الأوّل كاف ، فلا يفتقر إلى رجحان آخر.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٢.

(٢) انظر : المطالب العالية من العلم الإلهي ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٩ ، شرح المقاصد ١ / ٤٨١ ـ ٤٨٢.

٢٧٢

وقال الفضل (١) :

لا يصحّ أن يكون المرجّح في وقت ترجيح الفعل هو المرجّح الأوّل ، ولا بدّ أن يكون هذا المرجّح غير المرجّح الأوّل ؛ لأنّ هذا المرجّح موجود عند وقوع الفعل مثلا في وقت وقوعه ، ولهذا ترجّح الفعل.

فلو كان هذا المرجّح موجودا عند عدم الفعل ، ولم يترجّح به الفعل ، فلا يكون مرجّحا ، وإذا ترجّح به الفعل فيكون حكم الوقتين مساويا.

ويلزم خلاف المفروض ؛ لأنّا فرضنا أنّ الفعل يوجد في وقت ويعدم في الآخر ، ولا بدّ من مرجّح غير المرجّح الأوّل ليترجّح به الفعل في وقت وينتهي إلى الوجوب ، وإلّا يتسلسل فيتمّ الدليل بلا ورود نقض.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٦.

٢٧٣

وأقول :

لا يخفى أنّ عندنا مسألتين :

الأولى : إنّه هل يمكن ترجّح أحد طرفي الممكن على الآخر برجحان ناش عن ذات الممكن ، غير منته إلى حدّ الوجوب ، بحيث يجوز أنيوجد ممكن بذلك الرجحان من غير احتياج إلى فاعل ، فينسدّ باب إثبات الصانع أو لا يمكن؟

لا ريب أنّه لا يمكن ؛ لأنّ فرض إمكان الشيء يقتضي جواز وقوع الطرفين بالنظر إلى ذاته.

وفرض مرجوحية أحد الطرفين بالنظر إلى ذاته ، يقتضي امتناع وقوع المرجوح ؛ لامتناع ترجّح المرجوح بالضرورة.

ولذا قال نصير الدين1 في « التجريد » : « ولا يتصوّر الأولوية لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته »(١) .

الثانية : إنّه هل يمكن ترجيح الفاعل لأحد الطرفين بمرجّح لا ينتهي إلى حدّ الوجوب ـ كما ذهب إليه جماعة من المتكلّمين(٢) ونقله المصنّف عنهم ـ أو لا يمكن؟

ودليل الأشاعرة من فروع هذه المسألة ، ومبنيّ على عدم إمكان الترجيح بذلك المرجّح ، وهو ممنوع ؛ لأنّ إمكان وقوع الفعل لأجله وكفايته

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ١١٣.

(٢) راجع ما تقدّم انفا في الصفحة ٢٧٢.

٢٧٤

في الإقدام على الفعل ، لا يستلزم خروجه عن المرجوحية ، مع فرض عدم الفعل.

هذا إذا أريد بالمرجّح الأمر الداعي إلى الاختيار.

وأمّا لو أريد به المركّب منهما ومن سائر أجزاء العلّة ، كما هو المقصود في مقام ترجيح أحد طرفي الممكن ، فلا محالة يكون المرجّح موجبا ؛ ولأجله جعل المصنّف الحقّ هو الجواب الأوّل السابق.

* * *

٢٧٥

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الثالث : لم لا يوقعه القادر مع التساوي؟ فإنّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر ، من غير مرجّح.

وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلّمين(٢) ، وتمثّلوا في ذلك بصورة وجدانية ، كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه ، فإنّه يتناول أحدهما من غير مرجّح ، ولا يمتنع من الأكل حتّى يترجّح لمرجّح ، والعطشان يحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه ، والهارب من السبع إذا عنّ(٣) له طريقان متساويان فإنّه يسلك أحدهما ولا ينتظر حصول المرجّح.

وإذا كان هذا الحكم وجدانيا ، كيف يمكن الاستدلال على نقيضه؟!

الرابع : إنّ هذا الدليل ينافي مذهبهم ، فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ؛ لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين(٤) ، فالمتمكّن من الفعل يخرج عن القدرة ؛ لعدم التمكّن من الترك.

وإن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين ، لزمهم وجود الضدّين دفعة

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٣.

(٢) انظر : المطالب العالية من العلم الإلهي ١ / ١٠٨ ، شرح المقاصد ١ / ٤٨٤.

(٣) عنّ الشيء : ظهر أمامك ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٤٣٧ مادّة « عنن ».

(٤) تمهيد الأوائل : ٣٢٦ و ٣٣٦ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٠١ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٣ ، المواقف : ١٥٣.

٢٧٦

واحدة ؛ لأنّ القدرة لا تتقدّم على المقدور عندهم(١) .

وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل لزمهم ، إمّا اجتماع الضدّين أو تقدّم القدرة على الفعل.

فانظر إلى هؤلاء القوم الّذين لا يبالون في تضادّ أقوالهم وتعاندها!

* * *

__________________

(١) تمهيد الأوائل : ٣٣٦ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٢ ، المواقف : ١٥١.

٢٧٧

وقال الفضل (١) :

اتّفق العلماء على أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح ، والحكم بعد تصوّر الطرفين ، أي تصوّر الموضوع الذي هو إمكان الممكن ، وتصوّر المحمول ـ الذي هو معنى كونه محوجا إلى السبب ـ ضروري بحكم بديهة العقل بعد ملاحظة النسبة بينهما ، ولذلك يجزم به الصبيان الّذين لهم أدنى تمييز

ألا ترى إلى كفّتي الميزان إذا تساوتا لذاتيهما ، وقال قائل : ترجّحت إحداهما على الأخرى بلا مرجّح من خارج ، لم يقبله صبي مميّز ، وعلم بطلانه بديهة.

فالحكم بأنّ أحد المتساويين لا يترجّح على الآخر إلّا بمرجّح مجزوم به عنده بلا نظر وكسب ، بل الحكم مركوز في طباع البهائم ، ولذا تراها تنفر من صوت الخشب(٢) .

وما ذكر من الأمثلة ، كالجائع في اختيار أحد الرغيفين وغيره ، فإنّه لمّا خالف الحكم البديهي ، يجب أن يكون هناك مرجّح لا يعلمه الجائع ، والعلم بوجود المرجّح من القادر غير لازم ، بل اللازم وجود المرجّح.

وأمّا دعوى كونه وجدانيا مع اتّفاق العقلاء بأنّ خلافه بديهي ، دعوى باطلة كسائر دعاويه ؛ والله أعلم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٩.

(٢) انظر : شرح المواقف ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

٢٧٨

وأمّا قوله في الوجه الرابع : « إنّ هذا الدليل ينافي مذهبهم ، فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ؛ لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين » إلى آخره.

فنقول في جوابه : عدم صلاحية القدرة للضدّين لا يمنع صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة ، فإنّ المراد من الاحتجاج نفي الاختيار عن العبد ، وإثبات أنّ الفعل واجب الصدور عنه ، وليس له التمكّن من الترك ، وذلك يوجب نفي الاختيار.

فإذا كان المذهب أنّ القدرة لا تصلح للضدّين ، وبلغ الفعل حدّ الوجوب لوجود المرجّح الموجب ، لم يكن العبد قادرا على الترك ، فيكون موجبا لا مختارا ، وهذا هو المطلوب

فكيف يقول : إنّ كون القدرة غير صالحة للضدّين يوجب عدم صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة؟!

فعلم أنّه من جهله وكودنيّته لا يفرّق بين ما هو مؤيّد للحجّة وما هو مناف لها!

ثمّ ما ذكر أنّهم [ إن ](١) خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدين ، لزمهم إمّا اجتماع الضدّين ، أو تقدّم القدرة على الفعل ؛ فهذا شيء يخترعه من عند نفسه ثمّ يجعله محذورا.

والأشاعرة إنّما نفوا هذا المذهب وقالوا : إنّ القدرة لا تصلح للضدّين(٢) ؛ لأنّ القدرة عندهم مع الفعل(٣) ، فيجب أن لا يكون صالحا

__________________

(١) أثبتناه من « إبطال نهج الباطل ».

(٢) راجع تخريجه المارّ آنفا في الصفحة ٢٧٦ ه‍ ٤.

(٣) راجع تخريجه المارّ آنفا في الصفحة ٢٧٧ ه‍ ١.

٢٧٩

للضدّين ، وإلّا لزم اجتماع الضدّين!

أنظروا معاشر المسلمين إلى هذا السارق الحلّي ، الذي اعتاد سرقة الحطب من شاطئ الفرات ، حسب أنّ هذا الكلام حطب يسرق! كيف أتى بالدليل وجعله اعتراضا! والحمد لله الذي فضحه في آخر الزمان ، وأظهر جهله وتعصّبه على أهل الإيمان.

* * *

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617