بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104541 / تحميل: 9058
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

سَمُوم(١) الجَوْزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا انّ أخاك(٢) عثمان أصبحَ منك بعيداً ، فصرتُ بعده مزيداً ، فأطلب لنفسك ظلاً تأوي إليه فتستكنُّ به ، فأني اراك على التراب رقُودا ، وكيف بالرُّقادِ بك ؟ لا رُقادَ لك ! فلو قد استتبَّ هذا الامر لِمُريده اُلْفِيتَ كشريد النعام يفزَع من ظلّ الطائِر ، وعن قليل تشربُ الرَّنق(٣) ، وتستشعر الخوف(٤) ، ألا وانّي أراك فسيحَ الصَّدر ، مُسترخي اللَّبَب(٥) ، رَحُوَا الحِزام ، قليلَ الاكتراث ، وعن قليل يُجتَث أَصْلُك ، والسلام.

وكتب في آخره هذين البيتين شعراً(٦) :

أخترت نومك ان هبت شامية

عند الهجير وشربا بالعشيات

على طلابك ثأرا من بني حكم

هيهات من راقد طلاب ثارات

وكتب الى يعلى بن اميّة :

اما بعدُ ، احاطك الله بكلاءته ، وأيَّدك بتوفيقه ، كتبتَ اليّ صبيحةَ وَرَدَ عليَّ كتابُ مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشْرحِ الحال ، وانّه قد طالَ بهِ العمر حتى نقضَت قُواه ، وثقُلت نهضتهُ ،

__________________

(١) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحاً يسيراً فغيرت لون البشرة.

(٢) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه.

(٤) ماء رنق : اي كدر.

(٤) يستشعر الخوف : جعله شعاراً له.

(٥) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٤.

٨١

وظهرت به الرِّعْشة في اعضائه ، فلما رأى ذلك منه اقوامٌ لم يكن لهم عنده موضعاً للامامةِ والامانة ، وتقليل الولاية ، وثبوا إليه وألَّبوا عليه ، فكان اعظم ما نقموا عليه وأعابوه به ، ولايتُك اليمن ، وطول مدّتك عليها ، ثمّ ترامى بهم الامر حالاً بعد حال ، حتى ذبحوه ذَبْحَ النَّطيحةِ مبادراً بها الموتُ(١) ، وهو مع ذلك صائم ، معانقٌ المصحفَ ، يتلو كتاب الله تعالى ، فقد عظُمت مصيبةُ الاسلام باستشهاد صهر(٢) الرسول ، والامام المقتول على غير جُرْمٍ سفكوا دمه ، وانتهكوا حُرْمته ، وانت تعلم ان بَيعتَهُ في أَعناقِنا ، وطلب ثأرهِ لازمٌ علينا ، فلا خيرَ في امرئٍ يعدلُ عن الحقِّ ، ويميلُ الى البَاطل ، عن نهج الصّدق ، النارُ ولا العار ، الا واِنّ الله جل ثناؤه لا يرضى بالتَّعذيرِ في دينه ، فشمِّر أطرافَكَ لدخولِ العراقين(٣) ، فأنّي قد كفيتُك الشام واهلها ، واحكمْتُ امرها ، واعلم اني كتبتُ الى طلحة بن عبيدالله ان يَلقاك بمكة لاجتماع رأيكما لاظهار الدعوة لطلب دمِ عثمان ، وكتبتُ أيضاً الى عبدالله بن عامر ، يمهد لكم اهل العراقين ويسهِّل لكم حُزُونة عِتابها واعلم ان القوم فاصدُوك بادئَ بَدْءٍ ، لاستنزاف(٤) ما حوتهُ يداك من المال ، فأعلم ذلك واعمل على حَسَبِه ، ايدك الله تعالى بمشيئتهِ والسلام ، وكتب في اسفله هذه

__________________

(١) في الاصل : الفوت وهو تصحيف وصوابه كما جاء في جمهرة رسائل العرب.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : العراقيين وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

(٤) في الاصل : الاستضاف وهو تصحيف وصوابه كما جاء في الجمهرة.

٨٢

الابيات شعراً(١) :

ظَلَّ الخليفةُ محصوراً يناشِدُهم

بالله طوراً ، وبالقرآن احيانا

وقد تألَّقَ اقوامٌ على حَنق

عن غير جُرْم ، وقالوا فيه بُهتانا

فقامَ يُذْكرهم وَعْدَ الرسول لهُ

وقولهُ فيه إِسراراً وإِعلانا

فقال : كُفُّوا فإِنّي مُعْتبٌ لكم

وصارِفٌ عنكُم يَعْلَى ومَرْوانَا

فكذبوا ذاك منه ، ثمّ سَاوَرَهُ

مَنْ حَاضَ لبتَّهُ ظُلماً وعُدْوانَا

في اجوبتهم لمعاوية ، قال :

فكتب مروان بن الحكم الى معاوية : اما بعدُ ، فقد وَصَلَ اليّ كتابك ، فنعمَ كتابُ زعيم العشيرة ، وحامي الذِّمارِ(٢) ، فأخْبرك أَن القوم على سننِ استقامةٍ [ إلا شظايا شُعب ](٣) شننت بينهم مَقْوَلي(٤) على غير مجابهةٍ ، حسب ما تقدَّم من أمرك ، فأنما كان ذلك دَسيس(٥) العُصاة ورَمْيَ الجذر من اغصان الدَّوْحة ، ولقد طويْتُ أَدِيمهم على نَغَلِ(٦) يَحلَمُ منه الجلُدِ ، كذبت نَفسُ الضانّ بنا تَرْكَ المظِلمةِ ، وحُبَّ الهُجوع الا تهويمة(٧) الراكب العَجل ، حتى تُجَذَّ الجماجمُ جذّ [ العراجين

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) الذمار : ما يلزمك حفظه وحمايته.

(٤) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب.

(٤) المقول : اللسان.

(٥) دسيس : إخفاء المكر.

(٦) الاديم : الجلد المدبوغ ، ونغلَ الاديم : فسد في الدباغ.

(٧) التهويم : هز الرأس من النعاس.

٨٣

المهَدَّلة حين ](١) انبياعها ، وانا على صحة نيَّتَي ، وقوة عزيمتي ، لتحريك الرحم لي وغليان الدم مني. غير سابقك بقولٍ ، ولا متقدّمك بفعلٍ ، وانت ابنُ حرب وطلابُ التِّراتِ(٢) ، وابي الضّيم ، وكتابي إليك وانا كحَرْباء السَّبْسَب(٣) في الهجير ترقُب عين الغزالة(٤) ، وكالسَّبُع المُفلِت من الشرك يَفْرَق(٥) من صوت نفسه ، منتظراً لِمَا تَصِحُّ به عزيمتك ، ويَرِدُ به امرك فيكون العمل به والمحتذى عليه.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(٦) :

أيُقْتلُ عُثمان وتَرْقا دموعُنا

وَنرْقُدُ هذا الليل لا تتنزَّعُ

ونشرب بَرْد الماء ريّاً وقد مَضَى

على ضمأٍ يتلو القُران ويَركعُ

فأنّي ومَن حَجَّ المُلَبُّون بيتهُ

وطافوا به سعياً وذو العرش يسمعُ

سأمنع نفسي كلّ ما فيه لذَّةٌ

من العيش حتى لا يُرى فيه مَطمَعُ

وأَقْتُلُ بالمظلوم مَن كان ظالماً

وذلك حكمُ الله ما عنه مَدْفَعُ

وكتب عبدُالله بن عامر الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّ امير المؤمنين كان لنا الجَناح الحاضِنةَ تأوي إليها

__________________

(١) سقطت من الاصل ، وتجذ : تقطع ، والعراجين : جمع عرجون وهو اصل العذق.

(٢) الترات : جمع ترة ، وهي الثأر.

(٣) السبسب : المفازة.

(٤) الغزالة : الشمس.

(٥) يفرق : يخاف.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٨٤

فِراخها تحتها ، فلما أقصده السهمُ صرنا كالنعام الشاردِ ، ولقد كنتُ مشرَّد(١) الفكر ، ضال الفهم ، التمِسُ [ دريّة ](٢) استجنُّ بها من خَطَأ الحوادث ، حتى وقعَ اليَّ كتابُك ، فأنتبهت من غفلة طار فيها رُقادي ، فأنا كواجد المحجةِ(٣) كان الى جانبها حائراً ، وكأني اُعاينُ ما وصفت من تصرُّف الاحوال ، فالذي أخبرك به ان الناس في هذا الامر : تسعةٌ لك ، وواحد عليك ، ووالله ان الموت في طلب العزِّ احسن من الحياة في الذلِّة.

وانت ابنُ حَرْب فَتَى الحروب ، ونصَّار بني عبد شمس ، والهِمَمُ بك منوطةٌ لأنّك مُنهضُها ، فإذا نهضتُ فليس لنا التخلف عنك ، بل ولا لأحدٍ من الناس القُعود حين نهوضك ، وانا اليوم على خِلاف ما كانت عليه عزيمتي :

من طلب العاقبة ، وحُبِّ السلامة قبل قرعِك سُويداء(٤) القلب بسَوْط الملام ، ولنعْمَ مؤدِّب العشيرة انت ، وإنّا لنرجوك بعد عثمان كهفاً لنا ، نتوقع لوعدك ، نترقب لامرك وما يكون منك لأمتثله واعمل عليه ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. الدريئة : كل ما استتر به الصيد ليختل. واستجن : استتر.

(٣) المحجة : الطريق الواضح.

(٤) سويداء القلب : حبته.

٨٥

وكتب في اسفله هذه الابيات شعراً :

لا خيرَ في العيشِ في ذلٍّ ومَنْقصةٍ

فالموتُ أحسنُ من ضيْم ومن عارِ

إنّا بنو عبد شمس معشرٌ أنُفٌ

غُرٌّ جحاجحةٌ طُلابُ اوتارِ

واللهِ لو كان ذَميُّ مُجاورنا

ليطلب العَزّ لم نقعد عن الجارِ

فكيف عثمان إذ يدفنُ بمزبلةٍ

على القُمامةِ مطروحاً بها عارِ

فازحف اليّ فاني زاحفٌ لهمُ

بكلِّ ابيض ماضِ الحدِّ بتّارِ(١)

وكتب الوليد بن عقبة بن ابي معيط الى معاوية :

اما بعدُ ، فإنّك ابنُ حرب(٢) وسيدُ قريش ، واكملهم عَقْلاً ، واحسنهم فَهْماً ، واصوبهم رأياً ، واعرفهم لحُسن السياسة(٣) ، إذ انت معدن الرِّياسة(٤) ، تُورِد بمعرفةٍ ، وتُصْدر عن مَنْهَلٍ رويّ ، مُنَاويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشِّمال في لُجَّةِ البحر.

كتبت اليّ تذكر كنَّ الجَيش ، ولينَ العيش ، [ فملأتُ بطني على حِمام ](٥) الى مُسكةَ الرَّحق(٦) ، حتى اَفْرِي أوْداجَ قَتلةِ عُثمانرضي‌الله‌عنه

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب : ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : اسدُ قريش عقلاً.

(٣) في الجمهرة : معك حسن السياسة.

(٤) في الجمهرة : وانت موضع الرِّياسة.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة.

(٦) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه.

انظر : اساس البلاغة : ١٥٧.

٨٦

فرْيَ الأهُبَ(١) بشبا الشفار(٢) ، واما اللّينُ فهيهاتَ ، إلا خُفيةَ الموت إذ يرتقبُ غفلة الطالب ، فإنا على مُداجاةٍ(٣) ولم نُبدِ صَفَحاتنا بعدُ ، وليس دون الدَّم بالدم مَزْحَل(٤) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعفَ ذلّ ، أيَخْبطُ قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا(٥) الحذر مع بعدُ مسافة الطَّرد(٦) ، وامتطاء العقبة الكئود(٧) وفي الرحلة ؟

لا دُعيتُ لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حرباً ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألْوَت(٨) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عَقلتُ نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبتُ اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجِّل عليّ بما تتوقاه من رأيك الحسن(٩) ، فإنا منوطون بِكَ منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالفٍ لامرك ](١٠) ، ولم احسب الحالَ يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف

__________________

(١) الاهب : اخذ للسفر أَهبته وتأهب له.

(٢) شبا الشفار : الشفرة الحادة.

(٣) المداجاة : المداراة.

(٤) مزحل : مَبْعَد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه.

(٥) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف.

(٦) طرد : طرده طَرْداً وطَرَداً ، وطرّده وأطرده : ابعده ونحاه.

(٧) العقبة الكئود : الصعبة.

(٨) ألوى بهم الدهر : أهلكهم.

(٩) في الجمهرة : فعجل عليَّ ما يكون من رأيك.

(١٠) لم ترد في الجمهرة.

٨٧

من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك.

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

نومي عَليَّ محرّمٌ ان لم أقُمْ

بدم اِبنِ أمِّي من بني العَلاتِ

قامت عليّ إذ قعدتُ ولم أقُمْ

بطلابِ ذاك مناحةُ الامواتِ

عذُبتْ حياضُ الموت عندي بعدما

كانت كريهة مَوْرِد النّهلاتِ

وكتب يعلى بنُ اميّة الى معاوية :

اما بعدُ ، فانا وانتم بني اميّة كالحَجر ، الذي لا يُبْنَى بغير مَدَر(٢) ، وكالسّيفِ لا يقطع الا بضاربه. وصلَ اليّ كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبحَ النطيحة بُودِرَ بها الموتُ ، فاِنّا بني اميّة ، والله لنخرجنّ ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه(٣) وافى بها الهَدْيُ الاجل !!

ثكلتني(٤) من انا ابنها ان نمتُ عن طلب وتر عثمانرضي‌الله‌عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج(٥) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسرُ مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالِهِم ، وانّ لنا واياهم لمعركةً [ نتناحر فيها نحر الجزَّار

__________________

(١) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) المدر : قطع الطين اليابس.

(٣) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكّة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة.

(٤) ثكلته امه : فقدته.

(٥) أدلج : سار من أوّل الليل.

٨٨

النقائِع عن قليل تصلُّ لحومها ](١) . وكتب في اسفل الكتاب(٢) :

لِمثْلِ هذا اليوم اُوصي الناسُ

لا يعط ضَيْماً أو يحزَّ الراسُ

وأمّا سعيد بن العاص فأنه كتب الى معاوية بخلاف ماكبت إليه القوم فهذه صورة كتابهِ إليه :

اما بعدُ ، فإنّ الحزمَ في التثبّت ، والخَطأ في العَجلة ، والشُّؤم في البِدار ، واسهم سَهْمك ما لم يَنْبض به الوَترُ ، وان يردَّ الحالَبُ في الضَّرع اللبَنَ ، قد ذَكرتَ ما لعُثمان علينا من الحقوقِ والقرابة فيه ، وانه قُتل فينا ، فهنا خَصلتان ذكْرُهما نقصٌ ، والثالثة تكَذُّبُ(٣) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأيُّ جهة تسلُك فيها ابا عبد الرحمن ؟ رُدِمَت الفجاج(٤) ، واُحْكِم الامرُ عليك ، وَوَلِي زِمامَهُ غيرك ، فدعْ مناوأة من لو كانَ افترش فِراشه صدر الامر لم يعْدل به غيره ، وقلت : كأنّا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حيٌّ من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحقّ ؟ انها خلافة منافية(٥) ، وبالله أقسِمُ قسماً باراً لئن أصبَحت عزيمتك على ما ورد به

__________________

(١) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة.

(٢) جمهرة رسائل العرب ١ : ٢١٠ ، مع اختلاف يسير.

(٣) تكذب : تكلف الكذب.

(٤) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع. وردم : سدَّ.

(٥) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام عليّعليه‌السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف.

٨٩

كتابك لأَلفَيتكَ في الحالتين طليحا(١) ، وهبني اخالُك بعد خَوْضَ الدماء تنالُ الظفر ، هل في ذلك عوَض من ركوب المآثم ونقص في الدين.

اما انا فلا علي بني اميّة ولا لهم عليّ ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحقّ ، واستَوْهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ](٢) .

[ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجِّر مروانُ ينابيعَ الفتن وأجّجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبةُ الندامةُ عمّا قليل يَضَحُ الامر لك والسلام ](٣) .

كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان

قال أبو عليّ أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص »(٤) : ان محمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه كتب الى معاوية بن ابي سفيان :

اما بعدُ ، فانّ الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه

__________________

(١) طلِحَ فهو طليح كقولهم هُزِلَ فهو هَزِيل.

(٢) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك.

(٣) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب. انظر : جمهرة رسائل العرب ١ : ٣١١ مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة.

(٤) الاختصاص : ١١٩.

٩٠

وعز برهانه ، [ خلق خلقه ](١) بلا عبثٍ منه ولا ضعفٍ في قوةٍ ولا من حاجة له إليهم ، ولكنّه سبحانه خلقهم عبيداً فجعل منهم غويّاً ورشيداً(٢) وشقياً وسعيداً ، ثمّ اختار على علم فأصطفى وانتخب(٣) محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاصطفاه نجيباً وانتجبه خليلاً فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمرهِ رسولاً مصدّقاً وهادياً ودليلاً ومبشراً ونذيراً ، فكان اوّل من أجاب وصدّق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيّه ووصيّه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عزّوجلّ لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، فنصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ على أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلاً نفسه بين يديه في ساعةِ الخوف والجوع والجدّ والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته.

وقد رأيتك ايّها الغاوي(٤) تساميه وانتَ انتَ ، وهو هو المبرز(٥) السبّاق في كل حين ، اصدق الناس نيّةً وافضلهم سجيةً واخصّهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل رُوحه حينَ مهاجرته عن اعدائه ، والنائم على

__________________

(١) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص.

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٣) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص.

(٥) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص.

٩١

فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احدٍ ، وابوه الذابُّ اعداء الله عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وعن حوزته ، وانتَ انتَ لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاءِ نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان(١) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي(٢) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وأهل بيته ، والشاهد لعليعليه‌السلام بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهُم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ](٣) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثمّ الويل ، كيف تعدل نفسك بعليعليه‌السلام وهو أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشرّه ، وانت عدوُّهُ وابن عدوّهِ ، فتمتع بباطلك إذ يمدّك ابن العاص في غوايتك ، وكأنّ اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنّك قد كايدت ربّكَ الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحِهِ وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ](٤) .

__________________

(١) في النسخة [ تؤنيان ].

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) سقطت من النسخة.

(٤) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص.

٩٢

وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً(١) :

معاوي ما أمسى هوى يستقيدني

إليك ولا أخفي الذي لا اعالنِ

ولا أنا في الاخرى إذا ما شهدتها

بنكسٍ ولا هيابة في المواطنِ

حللت عقال الحرب جبناً وانّما

يطيبُ المنايا خائناً وابن خائنِ

فحسبك من احدى ثلاث رأيتها

بعينك أو تلك التي لم تعاينِ

ركوبك بعد الامن حرباً مشارفاً

وقد ذميت اضلافها والسناسنِ

وقدحك بالكفين توري ضريمة

من الجهل ادتها اليك الكهائنِ

ومسحُك اقراب الشموس كأنها

تبس بأحدى الداحيات الحواضنِ

تنازع اسباب المروءة اهلها

وفي الصدر داء من جوى الغلِ كامنِ

جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكررضي‌الله‌عنه

فأجابه معاوية بهذا الكتاب(٢) :

بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ](٣) ، اما بعدُ ، وصَلَ(٤) اليّ كتابُك وما ذكرت فيه [ من أنّ الله ](٥) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته

__________________

(١) الاختصاص : ١٢١.

(٢) الاختصاص : ١٢١.

(٣) سقطت من الاختصاص : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٤) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني.

(٥) في صفين والاختصاص : ما الله أهله.

٩٣

ووضعته(١) ، فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل(٢) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول(٣) ، فكان احتجاجك عليّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّك(٤) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنا وابوك معاً في حياة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ نرى حقّ عليّ بن ابي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، حتى اختار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ما اختار الله إليه ، وقد اتمّ له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثمّ قبضه الله إليه ، فكان أوّل من أبتز حقه ابوك وفاروقه(٥) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ](٦) بينهما ، ثمّ انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ](٧) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم(٨) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثمّ قام بعدها عثمانرضي‌الله‌عنه فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي

__________________

(١) في الاصل : ووضعك.

(٢) في صفين : ذكرت حقّ ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل.

(٣) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص.

(٤) في صفين والاختصاص [ الهاً ].

(٥) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص.

(٦) في الاصل : اتفاقاً واتساقاً ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين.

(٧) سقطت من الاصل.

(٨) في الاصل : بايعهما قهراً عليه ، وسلم لهما القيادة جبراً عليه لعدم اتفاق المسلمين معه.

٩٤

وبطنتما له ](١) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ](٢) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك فيه أوّل من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام.

خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة

قال المسعودي :

ولمّا ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام فهمّا إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا(٣) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان(٤) [ واختصاصه عنّا ببني اميّة ](٥)

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) في الاصل : اليك.

(٣) ورد في البحار : قد رأيت.

(٤) في البحار : ولاية عثمان.

(٥) في البحار : كان في بني امية.

٩٥

دوننا ، وقد منَّ الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولّنا بعض عمّالِك.

فقالعليه‌السلام : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اُشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته.

فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكّة ، فلم يلقيا أحداً من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى مِنّا وإنما صدرت منّا مبايعتنا له كُرهاً منّا وجبراً علينا ، فبلغه قولهما ، فقالعليه‌السلام : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ](١) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوَجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبُعداً لهما وسحقاً(٢) .

فلما بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال :

ان كل واحدٍ منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) انظر بحار الانوار ٣٢ : ٦.

٩٦

للخلافة لانه ابن عبيدالله عمّ عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك.

والله ، انها الراكبةُ الجمل ! لا تحلُّ عقدة ، ولا تسير عقبةً ، ولا تنزل منزلاً إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتَل وليُّهم ، ويهرب تليّهم ، ويرجع عليهم غيهم.

والله ، إنّ طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولربّ عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب !! فهل يعتبر معتبراً ويتفكر متفكراً ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟

خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام

حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة

قال الشيخ المفيد; في أرشاده(١) :

لما بلغ أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ثمّ قال :

اما بعدُ ، ايّها الناس(٢) : إنّ الله عزّوجلّ بعث نبيه محمداً صلى الله

__________________

(١) الارشاد : ١٣٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٩٨ ح ٦٩.

(٢) سقطت من الارشاد.

٩٧

عليه وآله الى الناس كافةً ، وجعله رحمةً للعالمين(١) ، فصدع بما امره بهِ ، وبلغ رسالاته ، فلّم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثمّ [ قبضه الله إليه ](٢) حميداً لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئاً كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثمّ تولى عثمان ، [ فلما كان ](٣) من امره [ ما ](٤) عرفتموه ، وأتيتموني(٥) ، فقلتم : بايعنا(٦) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى(٧) .

فقلت : لا(٨) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها !! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضاً ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ](٩) طلحة والزبير

__________________

(١) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً.

(٢) في النسخة : قبضه الله.

(٣) في النسخة : فكان.

(٤) في النسخة : ما قد.

(٥) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين.

(٦) في النسخة : بايعناك.

(٧) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك.

(٨) كذا في الاصل : لا يكون ذلك.

(٩) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ].

٩٨

طائعين [ غير مكرهين ] !!.

ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددتُ عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة(١) الغوائل ، فعاهداني ثمّ لم يفيا لي(٢) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي(٣) فعجباً لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ](٤) ، ولستُ بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما.

ولهعليه‌السلام خطبة أخرى

وقالعليه‌السلام في مقامٍ آخر في هذا المعنى ، بَعد أنْ حَمِد اللهَ وأثنى عليهِ ، وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ (٥) :

أمّا بعدُ ، أيّها الناس(٦) فانّ اللهَ عزّوجلّ لمّا قَبضَ نبيَّهُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، قُلنا نحنُ أَهل بيتهِ وعصبتُهُ وَوَرثتُهُ وأولياؤهُ وأحقُّ [ الناسُ بالامرِ

__________________

(١) في الاصل [ في الامة ].

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجبٍ ] والصواب كما ورد في الارشاد.

(٤) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد.

(٥) الارشاد ١ : ٢٤٥ ، بحار الانوار ٣٣ : ١١١ ح ٨٦.

(٦) لم ترد في الارشاد.

٩٩

والخلافةِ ](١) ، لا نُنازع في حقّهِ وسُلطانهُ ، فبينا نحن [ كذلك ](٢) إذ نفر قومٌ من المنافقين حتى انتزعوا سُلطانَ نبينا منّا ، وَوَلّوهُ غيرنا ، فَبكتْ ـ والله ـ لذلك العُيونُ والقُلوبُ منَّا جميعاً معا ، [ وخشنت ] له الصُّدورُ ، وجَزعَت النَّفوسُ منَّا جزعاً أرغمَ ، وايمُ الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفرِ ويعَور الدْينُ ، لكُنّا قد غيّرنا ذلك بما استطعْنا. وقد بايعتموني الآن وبايعني هذان الرجلان طلحةُ والزّبيرُ على الطَّوْعِ منهما ومنكم [ الايثار ](٣) ، ثمّ نهضا يُريدان ببغيهما(٤) البصرة ، ليُفرّقا جماعتكم ويُلقيا بأسَكم [ بينكم ] ، اللّهم فخُذهما [ بغشّهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة(٥) .

ثم قالعليه‌السلام : انفروا(٦) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ](٧) .

ومن كلامهعليه‌السلام

فخرجا يجران(٨) حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، كما تجرُّ الأَمَةُ عندَ

__________________

(١) في الارشاد : وأحقّ الخلق به.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في الاصل : الاثر.

(٤) سقطت من الارشاد.

(٥) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة.

(٦) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد.

(٧) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه.

(٨) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

به في سبيل المطعم. و زعم ارسطو أنّ الحمام يعيش ثمان سنين( ١) .

فيه: و في التأريخ أن المسترشد لما حبس رأى في منامه كأن على يده حمامة مطوّقة، فأتاه آت فقال له: خلاصك في هذا. فقيل له: بما أوّلته؟ فقال:

ببيت أبي تمام:

هنّ الحمام فإن كسرت عيافة

من حائهن فانهنّ حمام

فقتل بعد أيام سنة (٥٢٩).

و عن سفيان الثوري: كان اللعب من عمل قوم لوط.

و عن إبراهيم النخعي: من لعب بالحمام الطيّارة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر.

و في (مسند البزاز): إنّ اللَّه تعالى أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار و أرسل حمامتين وحشيتين فوقفتا على فم الغار، و ان ذلك ممّا صدّ المشركين عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و إنّ حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين( ٢) .

قلت: بل الصحيح في حمام الحرم ما رواه (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام قال: أصل حمام الحرم بقية حمام كان لإسماعيل بن إبراهيمعليهما‌السلام اتّخذها كان يأنس بها.

و عنهعليه‌السلام : لما قال له رجل بلغني أنّ عمر رأى حماما يطير و رجل تحته يعدو، فقال شيطان يعدو تحته شيطان، ما كان اسماعيلعليه‌السلام عندكم؟ فقيل:

صديق، فقال: إن بقية حمام الحرم من حمام إسماعيلعليه‌السلام ( ٣) .

هذا، و روى عنهعليه‌السلام : يستحب أن تتخذ طيرا مقصوصا تأنس به مخافة

____________________

(١) حياة الحيوان ١: ٢٥٦ ٢٥٩، و ما نقله من عيون ابن قتيبة ٢: ٩١، و النقل بتصرف يسير.

(٢) حياة الحيوان ١: ٢٥٩ و النقل بتصرف يسير.

(٣) الكافي ٦: ٥٤٦ و ٥٤٨ ح ٣ و ١٨.

١٤١

الهوامّ.

و عنهعليه‌السلام : شكا رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحشة، فأمره أن يتخذ في بيته زوج حمام.

و عنهعليه‌السلام : ليس من بيت فيه حمام إلاّ لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ، إن سفهاء الجنّ يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام و يتركون الإنسان.

و عنهعليه‌السلام : احتفر أمير المؤمنينعليه‌السلام بئرا فرموا فيها، فأخبر بذلك فجاء حتى وقف عليها فقال: لتكفّن أو لأسكننّها الحمام. ثم قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : ان حفيف أجنحتها تطرد الشياطين( ١) .

و في (حياة حيوان الدميري): كان هارون يعجبه الحمام و اللعب به،

فأهدي له حمام و عنده أبو البختري القاضي، فروى له أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «لا سبق إلاّ في خف أو حافر أو جناح» وضع «أو جناح» للرشيد، فأعطاه جائزة سنيّة، فلما خرج قال: تاللَّه لقد علمت أنّه كذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ٢) .

«و هذا نعام» في (الصحاح): النّعامة من الطير يذكر و يؤنث، و النّعام اسم جنس مثل حمام و حمامة( ٣) .

و في (حياة حيوان الدميري): قال الجاحظ: و الفرس يسمّونها (أشتر مرغ) و تأويله بعير و طائر، قال:

و مثل نعامة تدعى بعيرا

تعاصينا إذا ما قيل طيري

فإن قيل احملي قالت فإنّي

من الطير المرفّه في الوكور

و تزعم الأعراب أنّ النعامة ذهبت تطلب قرنين فقطعوا أذنيها فلذلك

____________________

(١) الكافي ٦: ٥٤٦ و ٥٤٨ ح ٣ و ٦ و ٥ و ١٧.

(٢) حياة الحيوان ١: ٢٦٠.

(٣) صحاح اللغة ٥: ٢٠٤٣، مادة (نعم).

١٤٢

سمّيت بالظليم.

و النّعام عند المتكلّمين على طبائع الحيوان ليست بطائر و ان كانت تبيض و لها جناح و ريش، و يجعلون الخفّاش طيرا و ان كان يحبل و يلد و له أذنان بارزتان و ليس له ريش لوجود الطيران فيه، و هم يسمّون الدّجاجة طيرا و ان كانت لا تطير.

و من أعاجيبها أنّها تضع بيضها طولا بحيث لو مد عليها خيط لاشتمل على قدر بيضها، و لم تجد لشي‏ء منه خروجا عن الآخر، ثمّ أنّها تعطي كلّ بيضة منها نصيبها من الحضن إذ كان كلّ بدنها لا يشتمل على عدد بيضها،

و هي تخرج لعدم الطعم، فإن وجدت بيض نعامة اخرى تحضنه و تنسى بيضها، و يضرب بها المثل في ذلك، قال ابن هرمة:

فاني و تركي الأكرمين

و قدحي بكفي زنادا شحاحا

كتاركة بيضها بالعراء

و ملبسة بيض اخرى جناحا

و يقال: إنّها تقسّم بيضتها أثلاثا، فمنه ما تحضنه و منه ما تجعل صفاره غذاء و منه ما تفتحه و يجعله في الهواء حتى يتعفن و يتولد منه دود، فتغذي به فراخها إذا خرجت. و النعام من الحيوان الذي يراوح و يعاقب الذكر الانثى في الحضن، و كلّ ذي رجلين إذا انكسرت له احداهما استعان بالاخرى في نهوضه ما خلا النّعامة فانّها تبقى في مكانها جاثمة حتى تهلك جوعا، قال الشاعر:

إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد

على اختها نهضا و لا باستها حبوا

و ليس للنعام حاسة السمع و لكن له شمّ بليغ، فهو يدرك بأنفه ما يحتاج فيه إلى السمع، فربما شمّ رائحة القناص من بعد، و لذلك تقول العرب «أشمّ من نعامة» كما تقول «أشم من ذرّة».

قال ابن خالويه: ليس في الدنيا حيوان لا يسمع و لا يشرب الماء أبدا إلاّ

١٤٣

النعام و لا مخ له، و متى دميت رجل واحدة له لم ينتفع بالباقية، و الضب أيضا لا يشرب و لكنه يسمع. و من حمقها أنّها إذا أدركها القنّاص أدخلت رأسها في كثيث رمل تقدّر أنّها قد استخفت منه، و هي قوية البصر على ترك الماء، و أشدّ ما يكون عدوها إذا استقبلت الريح، و كلّما اشتدّ عصوفها كانت أشدّ عدوا،

و يبتلع العظم الصلب و الحجر و المدر و الحديد فتذيبه كالماء.

قال الجاحظ: من زعم أنّ جوف النّعام إنّما يذهب الحجارة لفرط الحرارة فقد أخطأ، و لكن لا بد مع الحرارة من غزائر، اخر، بدليل أنّ القدر يوقد عليها الأيام و لا تذهب الحجارة، و كما ان جوف الكلب و الذئب يذيبان العظم و لا يذيبان نوى التمر، و كما أن الإبل تأكل الشوك و تقتصر عليه و إن كان شديدا كشجر ام غيلان و تلقيه روثا، و إذا أكلت الشعير ألقته صحيحا، و إذا رأت النعامة في اذن صغير لؤلؤة أو حلقة اختطفتها، و النعام تبتلع الجمر فيطفئها جوفه، و لا يكون الجمر عاملا في إحراقه، و في ذلك أعجوبتان:

إحداهما: التغذّي بما لا يتغذّى به، و الثانية: الاستمراء و الهضم، و هذا غير منكر لأن السمندر يبيض و يفرخ في النار و أعلم حمزة يوم بدر بريش نعامة.

و قالوا: «مثل النعامة لا طير و لا جمل» يضرب لمن لم يحكم له بخير و لا شرّ.

و قالوا «أروى من النعامة» لأنّها لا تشرب الماء، فإن رأته شربته عبثا.

و قالوا «ركب جناح نعامة» يضرب لمن جدّ في أمر.

و قالوا «تكلم فلان فجمع بين الأروى و النعامة» إذا تكلّم بكلمتين مختلفتين، لأن الأروى يسكن الجبال و النعامة تسكن الفيافي.

و قالوا «أحمق من نعامة» و «أجبن من نعامة».

و مرارته سمّ ساعة، و ذرقه إذا أحرق و سحق و طلي على السعفة أبرأها من وقته، و قشر بيضه إذا طرح في الخلّ بعد ما يخرج جميع ما فيه تحرّك في

١٤٤

الخل و زال من موضعه الى آخر، و إذا عمل من الحديد الذي يأكله و يخرج منه سكين أو سيف لم يكلّ و لم يقم له شي‏ء( ١ ) ، و في اللسان قال الشاعر:

إن بني و قدان قوم سك

مثل النّعام و النّعام صك

سك أي: صمّ( ٢) .

«دعا كلّ طائر باسمه» الظاهر أنّه مأخوذ من قوله تعالى: و علّم آدم الأسماء كلّها( ٣) .

و عن (تفسير العياشي): سئلعليه‌السلام عن الآية ماذا علّم آدم؟ قال:

الأرضين و الجبال و الشعاب و الأودية. ثم نظر إلى بساط تحته فقال: و هذا البساط مما علّمه( ٤) .

و في أصل عبد الملك بن حكيم عن الصادقعليه‌السلام : اهدي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ناحية فارس خوخ، فوضع بين يديه، فقال لأبي بكر: أي شي‏ء هذا؟ قال: ما أعرفه، ثم قال لعمر فقال ما أعرفه، ثم قال لعثمان فقال ما أعرفه، ثم قال لعليّعليه‌السلام فقال له: بأبي أنت و امّي تسمّيه أهل فارس الخوخ. فقال عمر: ما علّم عليّ ما يسمّيه أهل فارس، فوضع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على علي و قال لعمر: إليك عنه، فإنّ اللَّه تعالى قد علّمه الأسماء التي علّمها أباه آدم( ٥) .

و الظاهر أنّ المراد بالاسم المسمّى، لقوله تعالى بعد ما مرّ:

ثمّ عرضهم على الملائكة( ٦ ) و المراد بالمسمّى الحقائق و إلاّ فكلّ

____________________

(١) حياة الحيوان ٢: ٣٥٥ ٣٥٩ و النقل بتصرف يسير.

(٢) أورده لسان العرب ١٠: ٤٣٩ و ٤٥٧، مادة (سك و صك).

(٣) البقرة: ٣١.

(٤) تفسير العياشي ١: ٣٢ ح ١١.

(٥) اصل عبد ملك بن حكيم: ١٠٠ و النقل بتصرف يسير.

(٦) البقرة: ٣١.

١٤٥

أهل لغة يدعون طائرا باسم.

كما إنّ الظاهر أنّ المراد بقولهعليه‌السلام «دعا» الإرادة بوجوده، قال تعالى:

إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( ١ ) ، و ليس المراد الدعاء الظاهري كما في قوله تعالى: ثمّ ادعهن يأتينك سعيا( ٢) .

هذا، و في (المعجم) لتنيس موسم يكون فيه من أنواع الطيور ما لا يكون في موضع آخر، و هي مائة و نيف و ثلاثون صنفا و هي: السلوى، القبج،

المملوح، النصطفير، الزرزور، الباز الرومي، الصفري، الدبسي، البلبل، السقاء،

القمري، الفاختة، النواح، الزريق، النوبي، الزاغ، الهدهد، الحسيني، الجرادي،

الابلق، الراهب، الخشاف، البزين، السلسلة، در داري، الشماص، البصبص،

الأخضر، الأبهق، الأزرق، الخضير، أبو الحناء، أبو كلب، أبو دنيار، وارية الليل،

وارية النهار، برقع ام علي، برقع ام حبيب، الدوري، الزنجي، الشامي، شقراق،

صدر النحاس، البلسطين، الستة الخضراء، الستة السوداء، الاطروش،

الخرطوم، ديك الكرم، الضريس، الرقشة الحمراء، الرقشة الزرقاء، الكسر جوز، الكسر لوز، السماني، ابن المرعة، اليونسة، الوروار، الصردة، الحصية الحمراء، القبرة، المطوق، السقسق، السلار، المرغ، السكسكة، الارجوجة،

الخوخة، فرد قفص، الاورث، السلونية، السهكة، البيضاء، اللبس، العروس،

الوطواط، العصفور، الروب، اللفات، الجرين، القليلة، العسر، الأحمر، الأزرق،

البشريز، البون، البرك، البرمسي، الحصاري، الزجاجي، البج، الحمر، الرومي،

الملاعقي، البط، الصني، الغرناق، الاقرح البلوى، السطرف، البشروش، وز الفرط، أبو قلمون، أبو قير، أبو منجل، البجع الكركي، الغطاس، البلجوب،

____________________

(١) يس: ٨٢.

(٢) البقرة: ٢٦٠.

١٤٦

البطميس، البجوية، الرقادة، الكروان البحري، الكروان الحرحي، القرلّي،

الخروطة، الحلف، الأرميل، القلقوس، اللدد، العقعق، البوم، الورشان، القطا،

الدراج، الحجل، البازي، الصردي، الصقر، الهام، الغراب، الابهق، الباشق،

الشاهين، العقاب، الحداء، الرخمة، و يصل إليه طير كثير لا يعرف اسمه صغار و كبار( ١) .

و يمكن أن يكون قوله «دعا كلّ طائر باسمه» من يكون اسمها حكاية صوتها، كما في القطاة فقالوا «أصدق من قطاة» لأنّها إذا صوتت عرفت،

و قالوا «أنسب من قطاة» أيضا لذلك، و يقال لها لذلك الصادقة، قال أبو وجرة السعدي:

ما زلن ينسبن وهنا كلّ صادقة

باتت تباشر عرما غير أزواج

و في (أمثال الميداني) في «أصدق من قطاة» الضمير في «ما زلن» راجع إلى الاتن التي وردت الماء، و معنى «ينسبن كلّ صادقة» اثارتها القطا عن أماكنها حتى قالت قطا قطا، و جعل الفعل لهن مجازا( ٢) .

قلت: و في الفارسية يقال لها «كغا»، و هو أيضا حكاية صوته و اختلاف التعبير من اختلاف الطبع( ٣ ) . و قيل في القطا «حذاء مدبرة سكاء مقبلة للماء في النحر منها نوطة عجب». قال ابن الأعرابي: قيل لها حذاء لقصر ذنبها و سكاء لأنّه لا اذن لها( ٤) .

«و كفل له برزقه» في (توحيد المفضل): فكّر في حوصلة الطائر و ما قدر له، فان مسلك الطعام إلى القانصة ضيق، لا ينفذ فيه الطعام إلاّ قليلا قليلا، فلو

____________________

(١) معجم البلدان ٢: ٥٢.

(٢) مجمع الأمثال ١: ٤١٢.

(٣) لم أجد كلمة «كغا» في معاجم اللغة الفارسية و لعلّه كان لغة أهل تستر أو موضع آخر.

(٤) جاء هذا في لسان العرب ٧: ٤٣٠، مادة (نوط)، نقلا عن ابن سيدة.

١٤٧

كان الطائر لا يلقط حبّة ثانية حتى تصل الاولى إلى القانصة لطال عليه، و متى كان يستوفي طعمه فإنّما يختلسه اختلاسا لشدّة الحذر، فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة، ثم تنفذه إلى القانصة على مهل. و في الحوصلة أيضا خلّة اخرى، فإنّ من الطائر ما يحتاج إلى أن يزقّ فراخه فيكون ردّه للطعم من قرب، أسهل عليه( ١) .

«و أنشأ السحاب الثقال» و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون( ٢) .

«فأهطل» أي: تتابع و أدام «ديمها» مطرها الذي ليس فيه رعد، و لا برق، قال امرؤ القيس:

ديمة هطلاء فيها و طف

طبق الأرض تحرّى و تدر(٣)

«و عدد قسمها» في (توحيد المفضل): فكّر في الصحو و المطر كيف يتعاقبان على هذا العالم بما فيه صلاحه، و لو دام أحدهما عليه كان في ذلك فساده، ألا ترى أنّ الأمطار إذا توالت عفنت البقول و الخضر و استرخت أبدان الحيوان و حصر الهواء، فأحدث ضروبا من الأمراض و فسدت الطرق و المسالك و إنّ الصحو إذا دام جفّت الأرض و احترق النبات و غيض ماء العيون و الأودية، فأضرّ ذلك بالنّاس و غلب اليبس على الهواء، فأحدث ضروبا اخرى من الأمراض، فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء و دفع كلّ واحد منهما عادية الآخر، فصلحت الأشياء و استقامت( ٤) .

____________________

(١) توحيد المفضل: ١١٦ و النقل بتصرف يسير.

(٢) الاعراف: ٥٧.

(٣) أورده لسان العرب ١٢: ٢١٤، مادة (دوم).

(٤) توحيد المفضل: ١٤٨، و النقل بتصرف يسير.

١٤٨

«فبلّ الأرض بعد جفوفها» بابعاد الشمس عنها و إنزال المطر عليها أو لم يَرَ الذين كفروا أنّ السماوات و الأرض كانتا رتقا ففتقناهما و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حيّ أفلا يؤمنون( ١) .

و في (توحيد المفضل): تأمّل نزول المطر على الأرض و التدبّر في ذلك،

فانّه جعل ينحدر عليها من علو ليغشى ما غلظ و ارتفع منها فيرويها، و لو كان أنّما يأتيها من بعض نواحيها لما علا المواضع المشرفة منها و يقلّ ما يزرع في الأرض. ألا ترى أنّ الذي يزرع سيحا أقل من ذلك فالأمطار هي التي تطبق الأرض و ربما تزرع هذه البراري الواسعة و سفوح الجبال و ذراها فتغل الغلة الكثيرة، و بها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مؤنة سياق الماء من موضع إلى موضع و ما يجري في ذلك بينهم من التشاجر و التظالم حتى يستأثر بالماء ذوو العز و القوّة و يحرمه الضعفاء.

ثم إنّه حين قدّر أن ينحدر على الأرض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قعر الأرض فيرويها، و لو كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغور فيها، ثمّ كان يحطم الزروع القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقا فينبت الحب المزروع و يحيي الأرض و الزرع القائم،

و في نزوله أيضا مصالح اخرى فإنّه يلين الأبدان و يجلو كدر الهواء، فيرتفع الوباء الحادث من ذلك و يغسل ما يسقط على الشجر و الزرع من الداء المسمّى باليرقان الى أشباه هذا من المنافع( ٢) .

«و أخرج نبتها بعد جدوبها» أي: قحطها.

و في (توحيد المفضل): و لو أن ملكا من الملوك قسم في أهل مملكته

____________________

(١) الأنبياء: ٣٠.

(٢) توحيد المفضل: ١٤٩ و النقل بتصرف يسير.

١٤٩

قناطير من ذهب و فضة، ألم يكن سيعظم عندهم و يذهب له به الصوت، فأين هذا من مطرة رواء يعمّ به البلاد و يزيد في الغلات أكثر من قناطير الذهب و الفضة في أقاليم الأرض كلّها، أفلا ترى المطرة الواحدة ما أكبر قدرها و أعظم النعمة على الناس فيها و هم عنها ساهون، و ربما عاقت عن أحدهم حاجة لا قدر لها فيتذمر و يسخط ايثارا للخسيس قدره على العظيم نفعه جميلا محمود العاقبة و قلّة معرفة لعظيم الغناء و المنفعة فيها( ١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

١٥٠

الفصل الثامن عشر في العلوم مذمومها و ممدوحها

١٥١

١٥٢

١ - الخطبة (٧٧) و من كلام لهعليه‌السلام قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن سرت في هذا الوقت خشيت ألا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم. فقالعليه‌السلام :

أَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ اَلسُّوءُ وَ تُخَوِّفُ مِنَ اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ اَلضُّرُّ فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ؟ اَلْقُرْآنَ؟ وَ اِسْتَغْنَى عَنِ اَلاِسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ اَلْمَحْبُوبِ وَ دَفْعِ اَلْمَكْرُوهِ وَ تَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يُولِيَكَ اَلْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لِأَنَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي نَالَ فِيهَا اَلنَّفْعَ وَ أَمِنَ اَلضُّرَّ ثم أقبلعليه‌السلام على الناس فقال أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ اَلنُّجُومِ إِلاَّ مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى اَلْكَهَانَةِ وَ اَلْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ وَ اَلْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ وَ اَلسَّاحِرُ

١٥٣

كَالْكَافِرِ وَ اَلْكَافِرُ فِي اَلنَّارِ سِيرُوا عَلَى اِسْمِ اَللَّهِ قال الخوئي: مستند هذا الكلام روي مختلفا، منها قول ابن أبي الحديد في خطبة (٣٦): روى ابن ديزيل قال: عزم عليّعليه‌السلام على الخروج من الكوفة الى الحرورية، و كان في أصحابه منجم، فقال له: لا تسر في هذه الساعة، و سر على ثلاث ساعات مضين من النهار، فانّك ان سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضرر شديد، و ان سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت بمطلوبك و ظهرت و أصبت ما طلبت. فقال له عليعليه‌السلام : أتدري ما في بطن فرسي هذه أ ذكر هو أم انثى؟ قال: ان حسبت علمت. فقال: من صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن، قال اللَّه تعالى: انّ اللَّه عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الأرحام...( ١) .

ثم قال: ان محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يدّعي علم ما ادّعيت علمه، أ تزعم انّك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و صرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها، فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون اللَّه ضدّا و ندا، اللّهم لا طير إلاّ طيرك و لا ضير إلاّ ضيرك و لا إله غيرك. ثم قال: نخالف و نسير في الساعة التي نهيتنا عنها.

ثم أقبل على الناس و قال: أيّها الناس إيّاكم و تعلّم النجوم إلا ما يهتدى به في ظلمات البر و البحر، إنما المنجم كالكاهن و الكاهن كالكافر و الكافر في النار، أما و اللَّه لئن بلغني انك تعمل بالنجوم لأخلدنك في السجن أبدا ما بقيت و لأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان.

ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر، ثم قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجّم لقال الناس سار في تلك الساعة فظفر

____________________

(١) لقمان: ٣٤.

١٥٤

و ظهر، أما انّه ما كان لمحمّد منجّم و لا لنا من بعده حتى فتح اللَّه علينا بلاد كسرى و قيصر، أيّها الناس توكلوا على اللَّه وثقوا به فانّه يكفي ممّن سواه.

قال: و منها ما في (البحار) عن (مجالس الصدوق) و عن (نجوم ابن طاووس) عن (عيون جواهر الصدوق) باسناده عن نصر بن مزاحم باسناده عن عبد اللَّه بن عوف قال: لمّا أراد أمير المؤمنينعليه‌السلام المسير الى النهروان أتاه منجم فقال له: لا تسر في هذه الساعة و سر في ثلاث ساعات مضين من النهار. فقالعليه‌السلام : و لم ذلك؟ قال: لأنّك ان سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضرّ شديد، و ان سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت و أصبت ما طلبت فقالعليه‌السلام له: أ تدري ما في بطن هذه الدابة أ ذكر أم انثى؟ قال: ان حسبت علمت. قالعليه‌السلام : من صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن، قال تعالى ان اللَّه عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأيّ أرض تموت( ١ ) ما كان محمّد يدّعي ما ادّعيت، أ تزعم انّك تهدي الى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، و الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، و من صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللَّه عزّ و جلّ في ذلك الوجه و أحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه و ينبغي له أن يوليك الحمد دون ربه عز و جل،

فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون اللَّه ضدّا و ندا.

ثم قال: اللهمّ لا طير إلاّ طيرك و لا ضير إلاّ ضيرك و لا خير إلاّ خيرك، بل نكذّبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها.

قال: و منها ما فيه و في الاحتجاج عن سعيد بن جبير قال: استقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام دهقان من دهاقين الفرس فقال لهعليه‌السلام بعد التهنئة: تناحست

____________________

(١) لقمان: ٣٤.

١٥٥

النجوم الطالعات و تناحست السعود بالنحوس، و إذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء، و يومك هذا صعب قد انقلب فيه كوكبان و انقدحت من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان.

فقالعليه‌السلام : ويحك يا دهقان المنبّئ بالآثار المحذّر من الأقدار، ما قصّة صاحب الميزان و قصّة صاحب السرطان، و كم المطالع من الأسد و الساعات من المحركات، و كم بين السراري و الدراري؟ قال: سأنظر و أو مأبيده الى كمه و أخرج منه اسطرلابا ينظر فيه فتبسمعليه‌السلام و قال: أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين، و انفرج برج ماجين، و سقط سور سرنديب،

و انهزم بطريق الروم بأرمينية، و فقد ديان اليهود بأيلة، و هاج النمل بوادي النمل، و هلك ملك افريقية، أ كنت عالما بهذا؟ قال: لا. فقالعليه‌السلام : البارحة سعد سبعون ألف عالم، و ولد في كلّ عالم سبعون ألفا، و الليلة يموت مثلهم و هذا منهم و أو مأبيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي و كان جاسوسا للخوارج في عسكره فظن انّه يقول خذوه فأخذ بنفسه فمات.

فخر الدهقان ساجدا فقالعليه‌السلام : ألم أروك من عين التوفيق؟ قال: بلى.

قال: أنا و صاحبي لا شرقي و لا غربي، نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك، أما قولك «انقدحت من برجك النيران» فكان الواجب أن تحكم به لي لا علي، أما نوره و ضياؤه فعندي و أما حريقه و لهيبه فذهب عنّي، فهذه مسألة عميقة أحسبها ان كنت حاسبا.

قال: و فيه عن ابن رستم الطبري مسندا عن قيس بن سعد قال: كنت كثيرا اساير أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا سار إلى وجه من الوجوه، فلما قصد أهل النهروان و صرنا بالمدائن خرج اليه قوم من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها، و كان فيمن تلقاه دهقان يدعى سر سفيل و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى، فلما بصر بهعليه‌السلام قال له: لترجع عمّا قصدت. قال:

١٥٦

و لم؟ قال: تناحست النجوم الطوالع، فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس، و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء و الجلوس، و ان يومك هذا مميت قد اقترن فيه كوكبان قتالان، و شرف فيه بهرام في برج الميزان،

و انقدحت من برجك النيران، و ليس الحرب لك بمكان.

فتبسمعليه‌السلام و قال: أيها الدهقان المنبّئ بالأخبار و المحذر من الأقدار، ما نزل البارحة في آخر الميزان و أي نجم حل في السرطان؟ قال: سأنظر ذلك و أخرج من كمّه اسطرلابا و تقويما. فقالعليه‌السلام : أنت مسيّر الجاريات؟ قال: لا.

قال: فأنت تقضي على الثابتات؟ قال: لا. قال: فأخبرني عن طول الأسد و تباعده عن الطوالع و المراجع و ما للزهرة من التوابع و الجوامع. قال: لا علم لي بذلك.

قال: فما بين السراري الى الدراري، و ما بين الساعات إلى المعجزات، و كم قدر شعاع المبدرات، و كم يحصل الفجر من الغدوات؟ قال: لا علم لي بذلك.

قال: فهل علمت أن الملك انتقل اليوم من بيت الى بيت بالصين، و انقلب برج ماجين، و احترق دور بالزنج، و طفح جب سرنديب، و تهدّم حصن الأندلس، و هاج نمل الشح، و انهزم مراق الهندي، و فقد ديان اليهود بأيلة،

و هزم بطريق الروم برومية، و عمي راهب عمورية، و سقطت شرفات القسطنطينية، أ فعالم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقيها أو غربيها من الفلك؟ قال: لا علم لي بذلك.

قال: و بأي الكواكب تقضي في أعلى القطب و بأيّها تنحس من تنحس.

قال: لا علم لي بذلك. قال: فهل علمت أنّه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كلّ عالم سبعون عالما منهم في البر و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران و ما الذي أسعدهم. قال: لا علم لي بذلك.

قال: يا دهقان أظنّك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك

١٥٧

في الغسق، و ظهر تلألؤ شعاع المريخ و تشريقه في السحر، و قد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر، و ذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلّهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و يموت هذا و أشار الى جاسوس في عسكره لمعاوية فإنّه منهم. فلما قالعليه‌السلام ذلك ظن الرجل انّه قال خذوه، فأخذ شي‏ء بقلبه فمات لوقته. فقالعليه‌السلام : ألم أرك عين التقدير في غاية التصوير؟

قال: بلى أنا و صحبي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون، انما نحن ناشئة القطب،

و ما زعمت انه انقدح البارحة من برجي النيران فقد كان يجب أن تحكم لي به لأن نوره و ضياءه عنده و لهبه ذاهب عنه، يا دهقان هذه قصة عجيبة فاحسبها و ولدها ان كنت عالما بالأكوار و الأدوار. فقال: لو علمت ذلك لعلمت تحصى عقود القصب في هذه الأجمة.

و مضىعليه‌السلام فهزم أهل النهروان فقال الدهقان: ليس هذا العلم مما في أيدي زماننا، هذا علم مادته في السماء( ١) .

قلت: الأصل في الأولين واحد، و في الأخيرين واحد، و انما مستند العنوان الأولان دون الأخيرين، فانّهما و ان تضمنا نهي منجم لهعليه‌السلام عن السير لما أراد النهروان، لكن مضمونهما غير مضمونه، كما لا يخفى.

و مما هو مستنده غير ما مر ما رواه سبط ابن الجوزي في تذكرته عن عكرمة عن ابن عباس و عن الشعبي عن أبي أراكة ان أمير المؤمنينعليه‌السلام لما انصرف من الأنبار أو الكوفة لقتال الخوارج بالنهروان كان معه مسافر بن عوف ابن الأحمر و كان ينظر في النجوم فقال لعليّعليه‌السلام : لا تسر في هذه

____________________

(١) نقله الخوئي في شرحه ٢: ٢١٥ ٢١٨، و ما عن ابن أبي الحديد في شرحه ٢: ٢٦٩ و ما عن أمالي الصدوق ففيه:

٣٣٨ ح ١٦ المجلس ٦٤، و ما عن فرج المهموم ففيه: ٥٧، و رواه في بحار الأنوار ٥٨: ٢٢٣ ح ٤، و ما عن الاحتجاج ففيه ١: ٢٣٩، و ما عن ابن رستم الطبري فرواه عنه في فرج المهموم: ١٠٢.

١٥٨

الساعة و سر في ثلاث ساعات من النهار. قال: و لم؟ قال: لأنّك ان سرت الساعة أصابك و من معك بلاء و شدّة، و ان سرت في الساعة الثالثة ظفرت.

فقالعليه‌السلام : اللَّه لا إله إلاّ هو و على اللَّه فليتوكل المؤمنون، قال اللَّه تعالى لنبيّه:

قل لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرّا إلاّ ما شاء اللَّه و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسّني السوء( ١ ) و سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:

من صدّق منجما أو كاهنا فكأنما كذّب ما انزل على محمّد و في رواية فقد كفر و سمعته يقول انما أخاف على امتي اثنين التصديق بالنجوم و التكذيب بالقدر.

إلى أن قال: من صدقك بهذا القول كذّب بالقرآن، قال اللَّه تعالى: انّ اللَّه عنده علم الساعة( ٢ ) ، و ما كان محمّد يدّعي ما ادّعيت علمه، فمن صدقك في قولك كان كمن اتخذ من دون اللَّه اندادا، اللّهمّ لا طائر إلاّ طائرك و لا خير إلاّ من عندك و لا إله غيرك.

ثم قال: يا ابن الأحمر نكذّبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها، ثم أقبل على الناس و قال: إيّاكم و تعلّم النجوم إلاّ ما تهتدون به في ظلمات البر و البحر، المنجم كافر و الكافر في النار، يا ابن الأحمر و اللَّه لئن بلغني انّك بعدها تنظر في النجوم و تعمل فيها لأجلدنّك جلد المفتري،

و لأخلدنك في الحبس ما بقيت و بقيت، و لأحرمنك العطاء ما عشت و كان لي سلطان. ثم سارعليه‌السلام في الساعة التي نهاه عن السير فيها فظفر بالخوارج و أبادهم.

ثم قال: فتحنا بلاد كسرى و قيصر و تبّع و حمير و جميع البلدان بغير

____________________

(١) الأعراف: ١٨٨.

(٢) لقمان: ٣٤.

١٥٩

قول منجم، أيّها الناس توكّلوا على اللَّه و اتقوه و اعتمدوا عليه، ألا ترون انّه لو سرنا في الساعة التي أشار إليها المنجم لقال الناس انما ظفرنا بقول المنجم،

فثقوا باللَّه و اعلموا أن هذه النجوم مصابيح جعلت زينة، و رجوما للشياطين،

و يهتدى بها في ظلمات البر و البحر، و المنجمون أضداد الرسل يكذبون بما جاءوا به من عند اللَّه لا يرجعون إلى قرآن و لا شرع، انما يتسترون بالإسلام ظاهرا و يستهزؤن بالنبيين باطنا، فهم الذين قال اللَّه فيهم: و ما يؤمن أكثرهم باللَّه إلاّ و هم مشركون( ١) .

و في رواية: ان ابن احمر قال لهعليه‌السلام : لا تسر في هذه الساعة. قال: و لم؟

قال: لأن القمر في العقرب. فقالعليه‌السلام : قمرنا أو قمرهم( ٢) .

و في (أنساب البلاذري): في مسيرهعليه‌السلام إلى النهروان و أتاه مسافر بن عفيف الأزدي، فقال: لا تسر في هذه الساعة. فقال له: و لم، أتدري ما في بطن هذه الفرس؟ قال: ان نظرت علمت. فقالعليه‌السلام : ان من صدّقك في هذا القول يكذّب بكتاب اللَّه، لأن اللَّه يقول في كتابه ان اللَّه عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأيّ أرض تموت( ٣ ) . و تكلّم في ذلك بكلام كثير و قال: لئن بلغني انّك تنظر في النجوم لأخلدنك في الحبس مادام لي سلطان، فو اللَّه ما كان محمّد بمنجم و لا كاهن( ٤) .

قول المصنف: (و من كلام لهعليه‌السلام قاله لبعض أصحابه) قد عرفت من رواية سبط ابن الجوزي انّه كان مسافر بن عوف بن احمر، و مقتضى رواية

____________________

(١) يوسف: ١٠٦.

(٢) تذكرة الخواص: ١٥٨.

(٣) لقمان: ٣٤.

(٤) انساب الأشراف ٢: ٣٦٨.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621