بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104229 / تحميل: 9030
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

و في (الصحاح): «و المسن حجر يحدد به».

و ما فيه قال الحسن بن رافع الكاتب: جلست في بعض الدكاكين الشارعة على طريق أحمد بن طولون قبل أن يدخل مصر بساعة،

و الناس مجتمعون لتأمله عند دخوله، و جلس معي شاب مكفوف ينسب الى قبيل صاحب الملاحم المعروف بالمكفوف الملاحمي، فسأله رجل عمّا يجده في كتبهم له، فقال: هذا رجل صفته كذا و كذا، و يتقلّد و ولده قريبا من أربعين سنة. فما تمّ كلامه حتى مر بنا ابن طولون، و كان كما ذكر لم يغادر شيئا منه.

و اتفق أن نظر بعض المنجمين في مصر طالع الدخول في الأسطرلاب،

فكان ثلاث عشرة درجة من برج العقرب، فقال بعض من له يد في الحكم النجومي: هذا طالع من قامت به دولة بني العباس، فان صدق الحكم يملك هذا البلد و يملكه قوم من نسله قرانين، و هو قريب من أربعين سنة، فعجب الحاضرون من اتفاق القولين في ذلك. و كان الأمر كما قيل، فإنّه ملك و ولده و ولد ولده ثمانيا و ثلاثين سنة.

٢ - الخطبة (٢٠٨) و من كلام لهعليه‌السلام و قد سأله سائل عن أحاديث البدع، و عما في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقالعليه‌السلام :

إِنَّ فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ حَقّاً وَ بَاطِلاً وَ صِدْقاً وَ كَذِباً وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً وَ عَامّاً وَ خَاصّاً وَ مُحْكَماً وَ مُتَشَابِهاً وَ حِفْظاً وَ وَهْماً وَ لَقَدْ كُذِبَ عَلَى؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ اَلنَّارِ وَ إِنَّمَا أَتَاكَ

٢٠١

بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلاَمِ لاَ يَتَأَثَّمُ وَ لاَ يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى؟ رَسُولِ اَللَّهِ؟

مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ اَلنَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَ لَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَ لَكِنَّهُمْ قَالُوا صَاحِبُ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ لَقِفَ عَنْهُ فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ وَ قَدْ أَخْبَرَكَ اَللَّهُ عَنِ اَلْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ وَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلاَمُ فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ اَلضَّلاَلَةِ وَ اَلدُّعَاةِ إِلَى اَلنَّارِ بِالزُّورِ وَ اَلْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ اَلْأَعْمَالَ وَ جَعَلُوهُمْ حُكَّاماً عَلَى رِقَابِ اَلنَّاسِ فَأَكَلُوا بِهِمُ اَلدُّنْيَا وَ إِنَّمَا اَلنَّاسُ مَعَ اَلْمُلُوكِ وَ اَلدُّنْيَا إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اَللَّهُ فَهَذَا أَحَدُ اَلْأَرْبَعَةِ وَ رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ؟ شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ فَوَهِمَ فِيهِ وَ لَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً فَهُوَ فِي يَدَيْهِ وَ يَرْوِيهِ وَ يَعْمَلُ بِهِ وَ يَقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ فَلَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ وَ لَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَرَفَضَهُ وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ شَيْ‏ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ فَحَفِظَ اَلْمَنْسُوخَ وَ لَمْ يَحْفَظِ اَلنَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَ لَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ وَ آخَرُ رَابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اَللَّهِ وَ لاَ عَلَى رَسُولِهِ مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ خَوْفاً مِنَ اَللَّهِ وَ تَعْظِيماً؟ لِرَسُولِ اَللَّهِ ص؟ وَ لَمْ يَهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ فَهُوَ حَفِظَ اَلنَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ وَ حَفِظَ اَلْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ وَ عَرَفَ اَلْخَاصَّ وَ اَلْعَامَّ فَوَضَعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ مَوْضِعَهُ وَ عَرَفَ و المتشابِهَ وَ مُحْكَمَهُ

٢٠٢

وَ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص؟ اَلْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ فَكَلاَمٌ خَاصٌّ وَ كَلاَمٌ عَامٌّ فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَ لاَ مَا عَنَى؟ رَسُولُ اَللَّهِ؟ فَيَحْمِلُهُ اَلسَّامِعُ وَ يُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ وَ مَا قُصِدَ بِهِ وَ مَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ وَ لَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ؟ رَسُولِ اَللَّهِ؟

مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَ يَسْتَفْهِمُهُ حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِي‏ءَ اَلْأَعْرَابِيُّ وَ اَلطَّارِئُ فَيَسْأَلَهُ حَتَّى يَسْمَعُوا وَ كَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذَلِكَ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ اَلنَّاسُ فِي اِخْتِلاَفِهِمْ وَ عِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ أقول: و رواه (الكافي) في كتاب العقل و الجهل في باب اختلاف الحديث،

و رواه الصدوق في (اعتقاداته) و في (خصاله) في باب الأربعة، و رواه ابن شعبة الحلبي في (تحف عقوله)، و رواه محمد بن جرير بن رستم الطبري في (مسترشده)، و رواه سبط ابن الجوزي في (تذكرته)، و كذا جدّه في (مناقبه)،

و رواه (غيبة النعماني) في باب ان الأئمةعليهم‌السلام اثنا عشر( ١) .

روى الأول عن القمي عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : اني سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن و أحاديث عن النبي غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و الأحاديث عن النبيّ أنتم تخالفونهم فيها و تزعمون ان ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللَّه متعمدين و يفسّرون القرآن بآرائهم؟

____________________

(١) رواه الصدوق في الاعتقادات: ٤٩، و في الخصال ١: ٢٥٥ ح ١٣١، و ابن شعبة في تحف العقول: ١٩٣، و النعماني في الغيبة: ٤٩، و يأتي تخريج غيره في موضعه.

٢٠٣

فأقبلعليه‌السلام عليّ و قال: قد سألت فافهم الجواب، ان في أيدي الناس حقّا و باطلا، و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و عامّا و خاصّا، و محكما و متشابها، و حفظا و وهما، و قد كذب على النبي على عهده حتى قام خطيبا فقال: «أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، ثم كذب عليه من بعده، و انما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الايمان متصنّع بالإسلام لا يتأثم و لا يتحرّج ان يكذب على النبي متعمدا، فلو علم الناس انّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوه و لكنّهم قالوا هذا صحب النبي و رآه و سمع منه، فأخذوا عنه و هم لا يعرفون حاله، و قد أخبره اللَّه عن المنافقين بما أخبره و وصفهم بما وصفهم، فقال تعالى: و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم( ١ ) ثم بقوا بعده، فتقرّبوا الى أئمة الضلالة و الدعاة الى النار بالزور و البهتان و الكذب، فولّوهم الأعمال و حملوهم على رقاب الناس و أكلوا بهم الدنيا، و انما الناس مع الملوك و الدنيا إلاّ من عصم اللَّه،

فهذا أحد الأربعة.

و رجل سمع من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا لم يحمله على وجهه و وهم فيه فلم يتعمد كذبا، فهو في يده يقول به و يعمل به ويرويه فيقول انا سمعته من النبي،

فلو علم المسلمون انّه و هم لم يقبلوه و لو علم هو انّه و هم لرفضه.

و رجل ثالث سمع من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا أمر به ثم نهى عنه و هو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شي‏ء ثم أمر به و هو لا يعلم، فحفظ منسوخه و لم يحفظ الناسخ، فلو علم انّه منسوخ لرفضه، و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه انّه منسوخ لرفضوه.

____________________

(١) المنافقون: ٤.

٢٠٤

و آخر رابع لم يكذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبغض للكذب خوفا من اللَّه تعالى و تعظيما لرسوله و لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع لم يزد فيه و لم ينقص منه، و علم الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ و رفض المنسوخ، فان أمر النبيّ مثل القرآن ناسخ و منسوخ، و خاص و عام، و محكم و متشابه، و قد كان يكون من النبي الكلام له و جهان: كلام عام و كلام خاص مثل القرآن و قال تعالى في كتابه: و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا( ١ ) فيشتبه على من لم يعرف و لم يدر ما عنى اللَّه و رسوله به، و ليس كلّ أصحاب النبيّ كان يسأله عن الشي‏ء فيفهم، و كان منهم من يسأله و لا يستفهمه حتى ان كانوا ليحبون ان يجي‏ء الاعرابي و الطارئ فيسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يسمعوا.

و قد كنت أدخل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ يوم دخلة و كلّ ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار، و قد علم أصحاب النبيّ انّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني و كنت إذا دخلت عليه في منازله أخلا بي و أقام عني نساءه فلا يبقي عنده غيري، و إذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة و لا أحد من ابنيّ، و كنت إذا سألته أجابني، و إذا سكت عنه و فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على النبي آية من القرآن إلاّ أقرأنيها و أملاها عليّ، فكتبتها بخطي و علّمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها، و محكمها و متشابهها، و خاصّها و عامّها، و دعا اللَّه أن يعطيني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب اللَّه تعالى و لا علما أملاه عليّ، و ما ترك شيئا مما علّمه اللَّه من حلال و لا حرام، و لا أمر و لا نهي كان أو يكون و لا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلاّ علمنيه، ثم وضع يده على صدري

____________________

(١) الحشر: ٧.

٢٠٥

و دعا اللَّه لي أن يملأ قلبي علما و فهما و حكما و نورا الخبر( ١) .

و في (تذكرة سبط ابن الجوزي): قال الشعبي حدّثني من سمع عليّاعليه‌السلام و قد سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث يقول: الناس أربعة: منافق مظهر للايمان، و مضيع للإسلام، و قلبه يأبى الايمان لا يتأثم و لا يتحرّج، كذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمدا، فلو علم الناس حاله لما أخذوا عنه، و لكنهم قالوا صاحب رسول اللَّه فأخذوا بقوله، و قد أخبر اللَّه عن المنافقين بما أخبر و وصفهم بما وصف، ثم انهم عاشوا بعده فتقرّبوا الى أئمة الضلالة و الدعاة الى النار بالزور و البهتان، فولوهم الأعمال و جعلوهم على رقاب الناس،

فأكلوا بهم الدنيا، و انما الناس تبع للملوك إلاّ من عصمه اللَّه.

و رجل سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول قولا أو رآه يفعل فعلا ثم غاب عنه و نسخ ذلك القول و الفعل و لم يعلم، فلو علم أنّه نسخ ما حدّث به، و لو علم الناس انّه نسخ لما نقلوا عنه.

و رجل سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول قولا فوهم فيه، فلو علم أنّه و هم فيه لما حدّث عنه و لا عمل به.

و رجل لم يكذب و لم يغب حدّث بما سمع و عمل به. فأما الأول فلا اعتبار بروايته لا يحلّ الأخذ عنه، و أما الباقون فينزعون الى غاية، و يرجعون الى نهاية و يستقون من قليب واحد، و كلامهم أشرق بنور النبوّة ضياؤه و من الشجرة المباركة اقتبست ناره و هذه رواية الشعبي.

و في رواية كميل بن زياد عنه انّه قال: ان في أيدي الناس حقّا و باطلا،

و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و عامّا و خاصّا، و محكما و متشابها،

و حفظا و وهما، و قد كذب على رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهده حتى قام خطيبا فقال:

____________________

(١) الكافي ١: ٦٢ ح ١.

٢٠٦

من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، و انما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس و ذكرهم( ١) .

و في (مناقب ابن الجوزي) كما في (البحار) قال عليعليه‌السلام و قد سئل عن أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رواية الشعبي عن ضرار بن ضمرة و عبد خير قالا له: قيل له ما سبب اختلاف الناس في الحديث الخ، مثل ما في تذكرة سبطه الى اقتبست ناره» ثم قال: و في رواية انّه قال «في أيدي الناس» الخ مثله( ٢) .

و رواه (الاحتجاج) جزء ما رواه عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمدعليه‌السلام أنّهعليه‌السلام خطب لما كان معه ناس من أهل بيته و خاص شيعته فقال: لقد عمل الولاة قبلي بامور عظيمة خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمدين لذلك، و لو حملت الناس على تركها و حولتها الى مواضعها التي كانت عليها على عهد النبي لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي إلاّ قليلا من شيعتي، الذين عرفوا فضلي و إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة نبيه، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيمعليه‌السلام إلى أن قال فقال له رجل: اني سمعت من سلمان و أبي ذر و المقداد أشياء في تفسير القرآن و الرواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة في تفسير القرآن و الأحاديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنتم تخالفونهم و تزعمون أن ذلك باطل،

فترى الناس يكذبون متعمدين على النبي و يفسّرون القرآن بآرائهم؟

فأقبلعليه‌السلام فقال له: قد سألت فافهم الجواب، ان في أيدي الناس حقّا و باطلا الخ مثله( ٣) .

____________________

(١) تذكرة الخواص: ١٤٢ و ١٤٣.

(٢) ثقله عن مناقب ابن الجوزي المجلسي في البحار ٧٨: ٧٧ ح ٤٩، و كتاب مناقب ابن الجوزي الذي ينقل عنه المجلسي هو عين كتاب تذكرة الخواص لا كتاب آخر.

(٣) الاحتجاج ١: ٢٦٣.

٢٠٧

و رواه الكشي في عنوان سليم بن قيس عن ابان بن أبي عياش عن سليم و زاد قال أبان: فقدر لي بعد موت الحسينعليه‌السلام أني حججت فلقيت محمد بن عليعليه‌السلام فحدثته بحديث سليم، فقال: صدق سليم، أتى أبي بعد جدّي الحسين و أنا عنده فحدّثه بهذا الحديث، فقال له أبي: صدقت حدّثني بهذا الحديث أبي الحسين و عمّي الحسن عن أمير المؤمنين الخ( ١) .

و بالجملة رواه العامة و الخاصة بطرق متعددة، العامة عن ضرار بن ضمرة و عبد خير و كميل و الخاصة عن سليم و غيره كما عرفت.

قول المصنف: (و من كلام لهعليه‌السلام و قد سأله سائل عن أحاديث البدع) هكذا في المصرية و ابن ميثم و لكن في نسخة ابن أبي الحديد (عن مسائل البدع)( ٢) .

(و عمّا في أيدي الناس) غير شيعته (من اختلاف الخبر) مع ما عندهعليه‌السلام و عند شيعته (فقالعليه‌السلام ) هو توكيد بعد قوله «و من كلام له» كما لا يخفى.

قولهعليه‌السلام : «ان في أيدي الناس حقّا و باطلا و صدقا و كذبا و ناسخا و منسوخا و عاما و خاصا و محكما و متشابها و حفظا و وهما» و اطلق السائل على جميعها عنوان الكذب، فبيّنعليه‌السلام ان لها عناوين، و بيّنها عموم من وجه، فالناسخ و المنسوخ، و العام و الخاص، و المحكم و المتشابه، كلّها صدق من حيث الصدور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن العمل بالجميع ليس بحق، فلا يجوز العمل بالمنسوخ، و لا بالعام في غير مورده الخاص، و لا بالمتشابه، و انما الحق الناسخ و الخاص و المحكم، كما أن الوهم ليس بكذب و انما هو باطل، و الحفظ حق و صدق و خاص و محكم.

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ١٠٤ ح ١٦٧.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٨، و شرح ابن ميثم ٤: ١٩ مثل المصرية.

٢٠٨

«و لقد» هكذا في (المصرية) و الصواب: (و قد) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١) .

«كذب على رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهده» ذكرعليه‌السلام ذلك لرفع استبعاد الكذب على النبيّ بعده، فالسائل كان تعجب من أن يكذبوا عليه بعده (حتى قام خطيبا).

المفهوم من خبر مجادلة الجوادعليه‌السلام مع يحيى بن أكثم في أخبار وضعوها في الفضائل للشيخين ان قيام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيبا كان في حجّة الوداع قائلا: قد كثرت عليّ الكذّابة و ستكثر، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوء مقعده من النار( ٢) .

«فقال: من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» قال سبط ابن الجوزي:

رواه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة و عشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابي (حق اليقين)( ٣) .

«و انما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس» بحكم الاستقصاء.

«رجل منافق مظهر للايمان» بلسانه. «متصنع بالاسلام» كالمغيرة بن شعبة مشير الصديق لهم و الفاروق، فانما تصنّع بالإسلام لغدره بقومه. «لا يتأثم و لا يتحرّج» أي: لا يعد شيئا اثما له و لا حرجا عليه. «يكذب على رسول اللَّه متعمدا» لعدم اعتقاده باللَّه.

روى نصر بن مزاحم: ان عثمان لما قتل و أتى معاوية كتاب عليعليه‌السلام بعزله عن الشام خرج حتى صعد المنبر، ثم نادى في الناس أن يحضروا،

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٨ لكن شرح ابن ميثم ٤: ١٩.

(٢) رواه الطبري في الاحتجاج ٢: ٤٤٧.

(٣) تذكرة الخواص: ١٤٣.

٢٠٩

فخطبهم و قال: يا أهل الشام قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، و خليفة عثمان، و قتل مظلوما، و قد تعلمون أني وليّه، و قال اللَّه في كتابه و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا( ١ ) ، و أنا أحب أن تعلموني ما في أنفسكم من قتل عثمان.

فقام مرة بن كعب السلمي و في المسجد يومئذ أربعمائة رجل أو نحو ذلك من أصحاب النبي، فقال: و اللَّه لقد قمت مقامي هذا، و اني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة للنبي مني، و لكني قد شهدت منه مشهدا لعلّ كثيرا منكم لم يشهده، و إنّا كنّا معه نصف النهار في يوم شديد الحر، فقال: لتكونن فتنة حاضرة فمر رجل مقنع فقال النبي هذا المقنع يومئذ على الهدى، فقمت،

فأخذت بمنكبيه و حسرت عن رأسه، فإذا عثمان، فأقبلت بوجهه الى النبي،

فقلت: هذا. قال: نعم. فأصفق حينئذ أهل الشام مع معاوية و بايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ثم الأمر شورى( ٢) .

و من الغريب ان ابن أبي الحديد نقله في شرح عنوان «من كلام لهعليه‌السلام و قد اشير عليه بالاستعداد للشام» عن كتاب ابن ديزيل و قال: هذا الحديث رواه كثير من محققي أصحاب الحديث، و رواه البخاري في تاريخه بعدّة روايات. و ليس لقائل أن يقول فهذا الحديث إذا صححتموه كان حجّة السفيانية، لأنّا نقول الخبر تضمن على أن عثمان و أصحابه على الحق، و هذا مذهبنا فإنّا نذهب ان عثمان قتل مظلوما، و انّه و ناصريه يوم الدار على الحق،

و ان القوم الذين قتلوه لم يكونوا على الحق، فأما معاوية و أهل الشام الذين

____________________

(١) الاسراء: ٣٣.

(٢) وقعة صفين: ٨١.

٢١٠

حاربوا عليّا بصفين فليسوا بداخلين في الخبر( ١) .

فان مرة بن كعب وضعه معاوية قبل، و علمه وضع هذا الحديث ليقدر على محاربة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و يجعله باطلا، و يجعل نفسه حقّا، و هل كان فهم ابن أبي الحديد دون فهم أهل الشام، فانّهم مع كونهم كالأنعام فهموا بفطرتهم المانعة من الجمع بين الضدين أن مقتضى الحديث حقّيّة معاوية و بطلان علي، فاصفقوا صفقة واحدة مع معاوية على الطلب بدمه، لكون اتحاد معاوية و عثمان من البديهيات، و قد كان معاوية قال لعثمان: اجعل لي الطلب بدمك. فقال له: هذه لك ان قتلت فلا يطل دمي.

و إذا كان محققوا حديثهم و امام حديثهم البخاري و رووه فويل لأحاديثهم، فآثار الوضع عليه كالشمس لائحة، لكن لما اتخذوا عثمان الذي أباح المسلمون دمه و كفّروه إماما، لا بد لهم من أن يبنوا له موضوعات معاوية و اتباعه.

ثم قول ابن أبي الحديد: عثمان و أصحابه يوم الدار كانوا على الحق،

فعمدة أصحابه و أنصاره انما كان مروان طريد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لعين النبي،

و من يستهزء بالوليد بن عتبة لما تحرج من شركته في دم الحسينعليه‌السلام .

ثم المنافق الذي لا يتحرّج أن يكذب على النبيّ متعمدا قد يضعه من رأس كخبر مرة هذا، و ان كان وضعه في مقابل قول النبي في أمير المؤمنين في ما رواه جمع منهم ابن مروديه و أخطب خوارزم و المعافى بن زكريا و غيرهم مسندا عن أبي ذر و المقداد و سلمان قالوا: كنّا قعودا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما معنا غيرنا إذ أقبل ثلاث رهط من المهاجرين و البدريين، فقال: تفترق امتي ثلاث فرق بعدي، فرقة أهل حق لا يشوبون بباطل مثلهم كمثل الذهب

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٣: ١٠٠.

٢١١

كلّما فتنته بالنار إزداد جودة و طيبا إمامهم هذا و أشار الى أحدهم و هو الذي أمر اللَّه به في كتابه إماما و رحمة، و فرقة أهل باطل لا يشربونه بحق مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار إزداد خبثا و إمامهم هذا و أشار الى آخر من الثلاثة و فرقة أهل ضلالة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و إمامهم هذا و أشار الى آخر. قال: فسألتهم عن أهل الحق و إمامهم، فقالوا هو علي بن أبي طالب إمام المتقين، و امسكوا عن الاثنين، فجهدت أن يسمّوهما،

فلم يفعلوا( ١) .

و قد يأخذ ذاك المنافق كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيخرجه عن مورده، أو يزيده و ينقصه، و يجعله كذبا، فروى الخطيب الناصبي في محمد بن اسحاق ابن مهران المعروف بشاموخ رواية شاموخ عن جابر أن النبي قال «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنّه أمين مأمون»، فإن الأصل في الخبر ما رواه نصر بن مزاحم عن عمرو بن ثابت عن إسماعيل عن الحسن البصري قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه». قال الحسن فحدّثني بعضهم ان أبا سعيد الخدري قال: فلم نفعل و لم نفلح.

و رواه نصر بلفظ آخر باسناد عن الحسن و اسناد عن ابن مسعود قالا:

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه» قال الحسن: فما فعلوا و لا أفلحوا( ٢) .

فترى بدل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فاقتلوه» من القتل بقوله «فاقبلوه» من القبول و زاد قوله «فانه أمين مأمون» شاهدا لتبديله.

و من الغريب أن الخطيب قد يروي أحاديث مجمع عليها في أمير

____________________

(١) رواه عنهم ابن طاووس في الطرائف ١: ٢٤١ ح ٣٤٦.

(٢) وقعة صفين: ٢١٦.

٢١٢

المؤمنينعليه‌السلام و يطعن فيها بأنها منكرة، و لم يقل هنا سوى «ان رجال السند ما بين محمد بن إسحاق و ابي الزبير مجهولون» حشره اللَّه مع ذلك الأمين المأمون.

و من هذا القبيل رواية أبي بكر أن النبي قال: «نحن معاشر الأنبياء ما تركناه صدقة»( ١ ) فان الأصل فيه ان النبي قال كما قال الصادقعليه‌السلام «ان العلماء ورثة الأنبياء، و ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، و لكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر»( ٢ ) فالخبر انما كان في مقام ان الأنبياء لما لم يكونوا من أهل الدنيا الذين همّهم جمع المال ما يتركون بعدهم شيئا مهما من عرض الدنيا، و انما يتركون أحاديث مبينة لأحكام الدين لأنها الأصل عندهم، لا انهم مخصوصون من بين الناس بحكم في الميراث، و خارجون من العموم، فزاد عليه «ما تركناه صدقة» حتى يسلخه عن المعنى الأوّل و يسوقه الى مراده، و إلا فكيف يعقل أن تكون فاطمة التي شهد اللَّه تعالى بعصمتها في آية التطهير( ٣ ) و شهد عزّ و جلّ باختصاصها من بين نساء العالم بالنبي في آية المباهلة( ٤ ) و قال فيها أبوها في المتواتر «انها سيّدة نساء العالمين»( ٥ ) و في المستفيض انّها بضعة منه، و رضاها رضاه،

____________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه ٢: ١٨٥ و ٣٠١ و ٣: ١٧ و ٥٥ و ٤: ١٦٤، و مسلم في صحيحه ٣: ١٣٨٠ و ١٣٨١ ح ٥٢ ٥٤ و غيرهم.

(٢) رواه عن طريق الصادقعليه‌السلام و غيره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكليني في الكافي ١: ٣٢ ح ٢، و الصفار في البصائر: ٣٠ و ٣١ ح ١ و ٣ و البخاري في صحيحه ١: ٢٣، و أبو داود في سننه ٣: ٣١٧ ح ٣٦٤١ و غيرهم.

(٣) انظر الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.

(٤) انظر الآية ٦١ من سورة آل عمران.

(٥) أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ٩٦، و مسلم في صحيحه ٤: ١٩٠٤ و ١٩٠٥ ح ٩٨ و ٩٩ و الحاكم في المستدرك ٣:

١٥١ و ١٥٤ و ١٥٦.

٢١٣

و سخطها سخطه( ١ ) و ان يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي نص القرآن بكونه نفس النبي( ٢ ) و كان ملازما للنبي من مولده فضلا عن بعد بعثة النبي الى وفاة النبي ليلا و نهارا لم يسمعا هذا الحديث، و سمعه أبو بكر الذي تمنى حال الموت ان لو سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حكم ميراث الجد هل بدلت قضية العقول لهؤلاء المدّعين للألباب، و هل التقليد و العصبية يبلغان بالإنسان هذه المرتبة.

و لقد وضعوا أحاديث تضحك الثكلى من قلّة حياء واضعيها، و صلب وجوههم. فإن أغلب الكذّابين انّما يفترون في امور غير معلومة حقّها و باطلها،

و أما من يكذب على خلاف العيان فكمن يبهت في وجه الانسان. نظير ما رواه الكشي في سفيان الثوري عن ميمون بن واقد قال: أتى قوم أبا عبد اللَّهعليه‌السلام من الأمصار و أنا عنده يسألونه عن الحديث، فقال لي: أتعرف أحدا من القوم؟

قلت: لا. قال: فكيف دخلوا عليّ؟ قلت: هؤلاء قوم يطلبون الحديث من كلّ وجه لا يبالون ممّن أخذوا الحديث. فقال لرجل منهم: هل سمعت من غيري الحديث؟ قال: نعم. قال: فحدثني ببعض ما سمعت. قال: انما جئت لأسمع منك لم أجئ احدثك. قال: اجعل الذي حدّثك أحاديثه أمانة لا تحدث بها أحدا أبدا.

قال: لا. قال: فاسمعنا ببعض ما اقتبست. قال: حدّثنا سفيان الثوري عمّن حدّثه عن محمد بن علي انّه قال: من لا يمسح على خفيه فهو صاحب بدعة، و من لم يشرب النبيذ فهو مبتدع، و من لم يأكل الجريث و طعام أهل الذمة و ذبائحهم فهو ضال، أما النبيذ فقد شربه عمر، و أما المسح فقد مسح عمر على الخفين ثلاثا في السفر و يوما و ليلة في الحضر، و اما الذبائح فقد أحلها علي و قال

____________________

(١) أخرجه جمع كثير منهم البخاري في صحيحه ٢: ٣٠٢ و ٣٠٣ و ٣٠٨ و ٣: ٢٦٥، و مسلم في صحيحه ٤: ١٩٠٢ ١٩٠٤ ح ٩٣ ٩٦.

(٢) النظر الى الآية ٦١ من سورة آل عمران.

٢١٤

كلوها فان اللَّه يقول: اليوم أحل لكم الطيبات و طعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم و طعامكم حل لهم( ١ ) ثم سكت.

فقال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. فقال: حدثتك بما سمعت. قال: أكلّ الذي سمعت هذا؟ قال: لا. قال: فزدنا. قال: حدّثنا عمرو بن عبيد عن الحسن قال:

أشياء صدّق الناس بها و أخذوا بها ليس في كتاب اللَّه لها أصل، منها عذاب القبر، و منها الميزان، و منها الحوض، و منها الشفاعة، و منها النيّة ينوي الرجل من الخير و الشر و لا يعمله فيثاب عليه و لا يثاب الرجل إلاّ بما عمل ان خيرا فخيرا و إن شرّا فشرا. قال ميمون: فضحكت من حديثه، فغمزني أبو عبد اللَّهعليه‌السلام أن كفّ حتى نسمع فرفع الرجل رأسه إليّ و قال: ما يضحكك منّي من الحق أو الباطل. قلت: أو أبكي انّما يضحكني منك تعجبي كيف حفظت هذه الأحاديث، فسكت.

فقال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر انّه رأى عليّا على منبر الكوفة و هو يقول: لئن أتيت برجل يفضلني على أبي بكر و عمر لأجلدنّه حد المفتري.

فقال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. فقال: حدّثني سفيان عن جعفر انّه قال:

حبّ أبي بكر و عمر ايمان و بغضهما كفر.

قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا، فقال: حدّثني يونس بن عبيد عن الحسن ان عليّا أبطأ عن بيعة أبي بكر و عمر فقال له عتيق: ما خلّفك يا علي عن البيعة، و اللَّه لقد هممت أن أضرب عنقك. قال له علي: يا خليفة رسول اللَّه لا تثريب. قال: لا تثريب.

قال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثني سفيان الثوري عن الحسن أن

____________________

(١) المائدة: ٥.

٢١٥

أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يضرب عنق عليّ إذا سلم من صلاة الصبح، و ان أبا بكر سلم بينه و بين نفسه ثم قال: يا خالد لا تفعل ما أمرتك.

فقال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثني نعيم بن عبد اللَّه عن جعفر بن محمّد أنّه قال: ود علي بن أبي طالب انّه بنخيلات ينبع يستظل بظلّهن و يأكل من حشفهن، و لم يشهد يوم الجمل و لا النهروان.

قالعليه‌السلام : زدنا. قال: حدّثنا عباد عن جعفر بن محمد انّه قال علي لما رأى كثرة الدماء يوم الجمل لابنه الحسن: يا بني هلكت. فقال له الحسن: يا أبة أ ليس قد نهيتك عن هذا الخروج. فقال: يا بني لم أدر ان الأمر يبلغ هذا المبلغ.

فقالعليه‌السلام له: زدنا. قال: حدّثني سفيان الثوري عن جعفر بن محمد ان عليّا لما قتل أهل صفين بكى عليهم ثم قال جمع اللَّه بيني و بينهم في الجنّة.

قال ميمون: فضاق بي البيت و عرقت و كدت أن أخرج من مسكي،

فأردت أن أقوم إليه و أتوطأه، ثم ذكرت غمزة أبي عبد اللَّهعليه‌السلام فكففت. فقال له أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : من أي البلاد أنت؟ قال: من أهل البصرة. قال: فهذا الذي تحدث عنه و تذكر اسمه جعفر بن محمد تعرفه؟ قال: لا. قال: فهل سمعت منه شيئا قط؟ قال: لا. قال: فهذه الأحاديث عندك حق؟ قال: نعم. قال: فمتى سمعتها؟

قال: لا أحفظ إلا أنّها أحاديث مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها. فقالعليه‌السلام : لو رأيت هذا الرجل الذي تحدّث عنه، فقال لك هذه التي ترويها عنّي كذب لا أعرفها و لم أحدث بها هل كنت تصدقه؟ قال: لا. قال: و لم؟ قال: لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عنق رجل لجاز قوله. فقالعليه‌السلام له: اكتب «بسم اللَّه الرحمن الرحيم حدّثني أبي عن جدي قال: ما اسمك؟ قال: و ما تسأل عن اسمي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: خلق اللَّه الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، ثم أسكنها الهواء، فما تعارف منها ثمة إئتلف هاهنا و ما تناكر منها ثمة اختلف هاهنا،

و من كذب علينا أهل البيت حشره اللَّه يوم القيامة أعمى يهوديا، و ان أدركه

٢١٦

الدجال آمن به و ان لم يدركه آمن به في قبره» يا غلام ضع لي ماء. فقال: لا تبرح و قام القوم فانصرفوا و قد كتبوا الحديث الذي سمعوا منه. ثم انّهعليه‌السلام خرج و وجهه منقبض. فقال: أما سمعت ما يحدّث به هؤلاء. قلت: نعم ما هؤلاء و ما حديثهم. قال: كان أعجب حديثهم عندي الكذب عليّ و الحكاية عني ما لم أقل و لم يسمعه أحد، و قولهم لو أنكر الأحاديث ما صدقناه ما لهؤلاء، لا أمهل اللَّه لهم و لا املي لهم.

ثم قال: ان عليّاعليه‌السلام لما أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها ثم قال: لعنك اللَّه يا أنتن الأرض ترابا و أسرعها خرابا و أشدها عذابا، فيك الداء الدوي. قيل: ما هو؟ قال: كلام القدري الذي فيه الفرية على اللَّه و بغضنا أهل البيت و استحلالهم الكذب علينا( ١) .

و من أخبارهم الواضحة الوضع روايتهم أن عائشة زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة( ٢ ) ، فمع كونه خلاف صريح القرآن، حيث ضرب تعالى مثلا لها و لصاحبتيها امرأة نوح و امرأة لوط و قال: كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين( ٣ ) و قال تعالى لهن: من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا( ٤ ) و لا فاحشة أبين مما أيت به في الجمل من الخروج على الامام، و قتل آلاف من المؤمنين و المسلمين، و كيف

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال: ٣٩٣ ح ٧٤١ و النقل بتصرف يسير.

(٢) أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة عنه منتخب كنز العمال ٥: ١١٧، عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و الحاكم في المستدرك ٤: ١٠، عن عائشة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و روى عن ضمرة بن حبيب و عيسى بن طلحة و مسلم البطين و أبي محمد مولى الغفاريين مرفوعا و عن عليعليه‌السلام و عمّار موقوفا.

(٣) التحريم: ١٠.

(٤) الاحزاب: ٣٠.

٢١٧

تكون زوجته في الآخرة، و لما قيل لها ندفنك عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت: اني أحدثت بعده أحداثا، فادفنوني في البقيع مع اخواني( ١) .

و من المضحك أنّهم وضعوا ذلك على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما وضعوا لأبيها و صاحب أبيها على لسانه في مقابل ان الشيعة بل هم أنفسهم رووا عنهما فضائلهعليه‌السلام ، حيث ان اللَّه تعالى أجرى الحق على لسانهما كثيرا إتماما للحجّة عليهم، ليهلك من هلك عن بيّنة، و يحيي من حيي عن بيّنة.

و من أكاذيبهم تلقيبهم للرجلين بالصديق و الفاروق، و لأبي عبيدة بأمين الامة، و لابن عوف بأمين السماء و الأرض، و لخالد بسيف اللَّه، و لجمع منه بالعشرة المبشرة، لمخالفة ما قالوا مع العقول، و تناقضه مع تواتر المنقول.

أما الأول فلأن الصّديقية لو كان بمجرد تصديقه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو أمر عام لجميع المسلمين، فاختصاصه به تحكم. فإن قالوا انّه أوّل من آمن فهو دفع للبداهة، فانّه يعلم جميع الناس حتى اليهود و النصارى و الملاحدة ان محمّدا لما أظهر دعوته كان أوّل من آمن به عليّعليه‌السلام ، لأن ذلك من التواترات لا تختص بالديانات، حتى ان الجاحظ في كتابه العثمانية لم يستطع دفعه، إلا انّه أظهر شبهة بأن عليّا و ان كان أوّل من أسلم، إلا أن اسلامه لما لم يكن بالغا التكليف لم يكن مقبولا( ٢ ) ، فطعن في النبي بقبوله. فإن قالوا قال حسان الشاعر في ذلك شعرا، فقال شاعر آخر في مسيلمة:

لهفي عليك ابا ثمامة

كم آية لك فيهم

كالشمس تطلع من غمامة

____________________

(١) اخرج هذا المعنى البخاري في صحيحه ٤: ٢٦٦ و ابن سعد في الطبقات ٨: ٥١.

(٢) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ١٣: ٢١٨.

٢١٨

و لم لم يفتروا على حسان و كذا الصديقية ليست بجزاف، و قد ذكر تعالى في أصل الصادقية أو صافا فقال: و لكن البر من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبّه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون( ١) .

و من أين اتصافه بهذه الصفات، و كيف؟ و كان عدم صبره حين البأس،

و فراره في احد و حنين، و لا سيما في خيبر معلوم، و لقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام الى كذب خبر تلقيبهم له بالصدّيق في مقاله الذي اتفق عليه الفريقان انّه قال على المنبر: «أنا عبد اللَّه، و أخو رسوله، و أنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر، صلّيت مع رسول اللَّه قبل الناس بسبع سنين»( ٢) .

و أما الثاني فكيف يكون فاروقا بين الحق و الباطل من لم يفرق بين حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و وفاته، و هو أمر يعلمه كلّ صبي و غبي، و من منع من وصيّة النبي، و سمّى كلامه هذيان المرض مكذبا بقوله تعالى: و ما ينطق عن الهوى. إن هو إلاّ وحي يوحى( ٣) .

و لم لم يفرق بين أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و غيره كصاحبه الصديق، حيث لم يصدّق قول النبي في استحقاق رئيس الخوارج القتل، ففي كامل المبرد: نظر النبي الى رجل ساجد فقال: ألا رجل يقتله. فحسر أبو بكر عن ذراعه، و انتضى السيف، و صمد نحوه، ثم رجع الى النبي، فقال له: أأقتل رجلا يقول لا إله إلاّ

____________________

(١) البقرة: ١٧٧.

(٢) أخرجه الثعلبي في تفسيره عن الطرائف ١: ٢٠ ح ١٢ و أحمد في الفضائل عنه ذيل احقاق الحق ٤: ٢٠٩.

(٣) النجم: ٣ و ٤.

٢١٩

اللَّه؟ فقال النبي ثانيا: ألا رجل يفعل، ففعل عمر مثل أبي بكر، فقال النبي انّه أول فتنة و آخرها، و لو قتل ما اختلف اثنان( ١) .

فان قالوا كان فاروقا لأنّه عز الإسلام بإسلامه، قيل لهم لم يكن له شجاعة و لا شرف، و انما عز الاسلام بإسلام حمزة الجامع بينهما القادر على أن يشجّ مثل أبي جهل الذي أذعنت قريش لرئاسته منذ صباه، و حكم الشيطان بصواب رأيه من بين آراء قريش في إرادتهم الكيد بالنبي، و لم يكن أحد مثله في نفوذ الكلمة، حتى انّه صار سببا لحصول غزوة بدر، مع كراهة جميع قريش حضورها، لا سيما شيخا عبد شمس عتبة و شيبة.

و هذا نص الجزري في إسلام حمزة: ان أبا جهل مر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و هو جالس عند الصفا، فآذاه و شتمه و نال منه و عاب دينه، و مولاة لعبد اللَّه بن جذعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فجلس في نادي قريش عند الكعبة، فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل من قنصه متوشحا قوسه و كان إذا رجع لم يصل الى أهله حتى يطوف بالكعبة و كان يقف على أندية قريش و يسلّم عليهم و يتحدّث معهم و كان أعزّ قريش و أشدّهم شكيمة، فلما مر بالمولاة و قد قام النبي و رجع الى بيته قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم بن هشام تعني أبا جهل فإنّه آذاه و سبّه، ثم انصرف عنه و لم يكلّمه محمّد، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللَّه به من كرامته، فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالكعبة معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به حتى دخل المسجد، فرآه جالسا في القوم،

فأقبل نحوه و ضرب رأسه بالقوس، فشجّه شجّة منكرة و قال: أتشتمه و أنا على دينه أقول ما يقول. و قام رجال من بني مخزوم الى حمزة لينصروا أبا

____________________

(١) كامل المبرد ٧: ١١٠ و ١٥٢ و النقل بالمعنى.

٢٢٠

جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبّا قبيحا. و تمّ حمزة على اسلامه، فلما أسلم حمزة عرفت قريش ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد عزّ و ان حمزة سيمنعه (يحامي عنه)، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه الخ( ١ ) . و قد صرّح بأن اسلامه كان قبل إسلام عمر.

و أما عمر فغاية ما قيل انّه أظهر اسلامه لأبي جهل و كان خاله، فنهره أبو جهل، و لم يستطع عمر ردا عليه. فقال الجزري أيضا قال عمر: لما أسلمت أتيت باب أبي جهل، فضربت عليه بابه، فخرج إلي و قال مرحبا بابن اختي ما جاءبك؟ قلت: جئت لأخبرك أني قد أسلمت و صدقت ما جاء به محمد، فضرب الباب في وجهي و قال: قبّحك اللَّه و قبّح ما جئت به( ٢) .

و مع مقام حمزة ذلك لم نسمه فاروقا، لأن الفاروق الحقيقي انما كان أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي أعزّ الاسلام بسيفه في غزوات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و لو لم يكن لهعليه‌السلام آثار فيها إلاّ غزوة الأحزاب و قتله عمرو بن عبدود فارس يليل لكفاه.

قال أبو بكر بن عياش: لقد ضرب عليعليه‌السلام ضربة ما كان في الاسلام أعزّ منها يوم عمرو، و قد قال النبي في ضربته تلك: انّها أفضل من عبادة الثقلين( ٣) .

و هوعليه‌السلام الذي فرّق بين الحق و الباطل، و ميّز بينهما، و قد تواتر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه كان يقول: علي مع الحق و الحق معه يدور حيثما دار( ٤) .

____________________

(١) هذا نصه في الكامل ٢: ٨٣ و قال نحوه في اسد الغابة ٢: ٤٦.

(٢) هذا نصه في الكامل ٢: ٨٧.

(٣) رواهما السروي في مناقبه ٣: ١٣٨، و النقل بتصرف يسير.

(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣: ١٢٤، و الخطيب في تاريخ بغداد ١٤: ٣٢١، لكن أقرب الألفاظ لفظ مسند البزار كما في مجمع الزوائد ٧: ٢٣٦.

٢٢١

و تواتر أن عمر نفسه كان يفزع إليه في كلّ موضع يلتبس الحق عنده،

فيكشفه له، فيقول: لا عشت لمعضلة ليس لها أبو الحسن، حتى انّه صار كلامه مثلا، فقالوا «معضلة و لا أبا الحسن»( ١) .

و قد رووا ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انما لقب هذا اللقب أمير المؤمنين، فروى أبو بكر بن أبي الثلج عن أبي سخيلة قال: أنا و عمّار حاجّين، فنزلنا عند أبي ذر،

فأقمنا عنده ثلاثة أيام، فلما دنا منّا الخفوق قلت له: يا أبا ذر ألا ترى قد دنا اختلاط من الناس فما ترى؟ قال: الزم كتاب اللَّه و علي بن أبي طالب، فاشهد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال: علي أوّل من آمن بي، و أوّل من يصافحني يوم القيامة،

و هو الصدّيق الأكبر، و الفاروق بين الحق و الباطل( ٢) .

فان أرادوا في التلقيب بالصدّيق و الفاروق مجرّد اسم بلا مسمّى، بل مع معنى بالضد كما قالوا في الفارسية

«بر عكس نهند نام زنگى كافور»

كما في ألقاب الخلفاء العبّاسية «المتوكل على اللَّه»، و «المعتصم باللَّه»، فلا مشاحة، إلاّ انّهم لم ينسبوها الى الشارع الحكيم الذي لا يقول و لا يفعل شيئا جزافا.

فإن تجاوزنا في الصدّيقية و الفاروقية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لم لا نسمّي أبا ذر صديقا، و قد قال النبي فيه «ما أظلّت الخضراء و لا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر»( ٣ ) ، و لم لا نسمّي ذا الشهادتين فاروقا، و قد فرّق بين ادّعاء النبي و ادعاء غيره، فشهد له بما لم تره عينه لعصمته، فجعل النبي لذلك شهادته شهادة رجلين، و سمّاه ذا الشهادتين( ٤) .

____________________

(١) رواه جمع كثير منهم ابن سعد في الطبقات ٢: ق ١٠٢٢، و الخوارزمي في مناقبه: ٥١.

(٢) رواه عن طريق ابن أبي الثلج المفيد في الإرشاد: ٢١ و عن طريق غيره أبو علي الطوسي في أماليه ١: ٢٥٦ جزء ٩،

و ابن السماك في الفضائل عنه البحار ٣٨: ٢١٠ ح ١٠.

(٣) أخرجه الترمذي في سننه ٥: ٦٦٩ ح ٣٨٠١ و ٣٨٠٢ و ابن ماجة في سننه ١: ٥٥ و ١٥٦ و غيرهما.

(٤) رواه ابن عبد البر في الاستيعاب ١: ٤١٧، و ابن الأثير في اسد الغابة ١: ١١٤، و ابن حجر في الاصابة ١: ٤٢٥

٢٢٢

و لا بد انّهما تقارضا التلقيب كأمر الخلافة، فلقب الثاني الأول الصديق،

و الأول الثاني الفاروق.

و في كتاب معاوية الى محمّد بن أبي بكر: فقد كنّا و أبوك فينا نعرف حق ابن أبي طالب لازما لنا، و فضله مبرزا علينا، فلما اختار اللَّه لنبيه ما عنده كان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزه حقّه، و خالفه على أمره الخ( ١) .

و أما الثالث (أبو عبيدة) فانما كان أمين الرجلين، و تواطأ الثلاثة، فيقول الأول للناس بايعوا أحد هذين، و هما يقولان بل يبايعونك أنت صاحب الغار،

و كيف كان أمين الامة، و قد نسبه أمير المؤمنينعليه‌السلام الى الخيانة و اتباع الهوى فيما فعل. ففي (خلفاء ابن قتيبة): قال أبو عبيدة بن الجراح لعليّ: يا ابن عم انك حديث السن و هؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالامور، و لا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك، و أشدّ احتمالا و استطلاعا، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر، فإنّك ان تعش و يطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق في فضلك و دينك، و علمك و فهمك، و سابقتك، و نسبك و صهرك.

فقال علي كرم اللَّه وجهه: اللَّه اللَّه يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره و قعر بيته الى دوركم و قعور بيوتكم، و تدفعون أهله عن مقامه في الناس و حقه، فو اللَّه يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به لأنّا أهل البيت، و نحن أحق بهذا الأمر منكم. ما كان فينا القارئ لكتاب اللَّه، الفقيه في دين اللَّه، العالم بسنن رسول اللَّه، المتطلّع لأمر الرعية، الدافع عنهم الامور السيئة، القاسم بينهم بالسوية؟ و اللَّه انّه لفينا، فلا تتبعوا الهوى، فتضلوا عن ((و)) ٤٢٦.

____________________

(١) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين: ١٢٠، و المسعودي في المروج ٣: ١٢، و البلاذري في أنساب الأشراف ٢: ٣٩٦.

٢٢٣

سبيل اللَّه، فتزدادوا من الحق بعدا( ١) .

و أما الرابع (ابن عوف) فكان أمين عمر لانتخاب عثمان من الستة،

و أمين عثمان باختياره، و هل تسميتهما له بالأمين إلا كتسمية بني العباس لأبي مسلم الخراساني أمين آل محمّد، و لقد كان الأمينان أمين أبي بكر و عمر،

و أمين عمر و عثمان أولى من أبي عمرة الذي ولاّه المنتصر مظالمه بما قالوا فيه:

يا ضيعة الإسلام لمّا ولّي

مظالم الناس أبو عمره

صيّر مأمونا على اللَّه

و ليس مأمونا على بعره

فلم يكن لأثر مأمونية أبي عمرة لعمر اللَّه في ضيعة الإسلام و فساده واحد من ألف من أثر مأمونية الرجلين في ضيعة الإسلام و فساده، ثم كيف يكون ابن عوف يوما أمينا لعمر، يوما منافقا لعثمان.

و أما الخامس (خالد) فإن الرجل انما كان سيف أبي بكر لا سيف اللَّه،

و ما نقلوه من انّه لما قتل جعفر الطيار و صاحباه في مؤتة، و اخبر النبي بشهادتهم، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثم أخذ الراية سيف من سيوف اللَّه خالد بن الوليد، فعاد بالناس، فمن يومئذ سمّي خالد سيف اللَّه»( ٢ ) مما يضحك الثكلى،

فان خالدا صار يومئذ عارا على الاسلام حيث حمل عسكر الإسلام على الفرار. روى محمد بن إسحاق في مغازيه عن داود بن سنان عن ثعلبة بن أبي مالك قال: انكشف خالد بالناس حتى عيّروه بالفرار و تشاءم الناس به( ٣) .

و قال الواقدي في كتابه: قال أبو بكر بن عبد اللَّه بن عتبة: ما لقي جيش

____________________

(١) الامامة و السياسة ١: ١١.

(٢) رواه أحمد في مسنده ٤: ٩٠ و ٥: ٢٩٩ و ٣٠٠، و الطبري في تاريخه ٢: ٣٢٢ سنة ٨.

(٣) هذا من سهو قلم الشارح بل رواهما الواقدي في مغازيه ٢: ٧٦٤.

٢٢٤

بعثوا مبعثا ما لقى أصحاب مؤتة من أهل المدينة، لقوهم بالشر حتى أن الرجل ينصرف الى بيته و أهله فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له، يقولون ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت، و جلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياءا من الناس( ١) .

و قال محمد بن إسحاق: قال أبو سعيد الخدري: أقبل خالد بالناس منهزمين، فلما سمع أهل المدينة بهم تلقوهم بالجرف، فجعلوا يحثون في وجوههم التراب، و يقولون: يا فرار أفررتم في سبيل اللَّه( ٢) .

و في (تاريخ الطبري): قالت ام سلمة لامرأة مسلمة بن هشام بن المغيرة: مالي لا أرى مسلمة يحضر الصلاة مع النبي و المسلمين؟ قالت: و اللَّه ما يستطيع أن يخرج، كلّما خرج صاح الناس «أ فررتم في سبيل اللَّه» حتى قعد في بيته فما يخرج( ٣) .

و لعمر اللَّه ان التلقيب كان من أبي بكر، فلا يحتاجون الى الافتراء على النبي، و ان كان عمر أيضا منكرا لكونه سيف اللَّه، فلما غدر خالد بمالك بن نويرة، و قتله، و زنى بزوجته، قال عمر لأبي بكر كما هو نص الجزري ان سيف خالد فيه رهق، و أكثر عليه في ذلك، فقال: يا عمر تأوّل فأخطأ،

فارفع لسانك عن خالد، فاني لا اشيم سيفا سلّه اللَّه على الكافرين، و ودي مالكا، و كتب الى خالد ان يقدم عليه، ففعل، و دخل المسجد، و عليه قباء،

و قد غرز في عمامته أسهما، فقام اليه عمر، فنزعها، و حطّمها، و قال له: أقتلت امرءا مسلما، ثم نزوت على امرأته، و اللَّه لأرجمنّك بأحجارك، و خالد لا يكلّمه

____________________

(١) مغازي الواقدي ٢: ٧٦٥.

(٢) هذا من سهو قلم الشارح بل رواهما الواقدي في مغازيه ٢: ٧٦٤.

(٣) تاريخ الطبري ٢: ٣٢٣، سنة ٨.

٢٢٥

يظن ان رأي أبي بكر مثله الخ( ١) .

و مما وضعوا له ما في تاريخ الطبري في يوم يرموك: خرج جرجة و نادى ليخرج إليّ خالد، و قال له: بم سميت سيف اللَّه؟ قال: لما بايعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تكذيبه قال لي: أنت سيف من سيوف اللَّه سلّه اللَّه على المشركين، فسمّيت سيف اللَّه بذلك( ٢) .

و ما في (تاريخ الطبري) بعد ان روى عن الزهري أن قريشا قدموا خالدا في خيلهم لئلا يدخل النبي مكة و بعضهم قال: ان خالدا كان يومئذ مع النبي و ان النبي أتى منى فأتاه عينه و قال له: ان عكرمة بن أبي جهل خرج عليك في خمسمائة، فقال النبي لخالد: هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل. فقال خالد: أنا سيف اللَّه و سيف رسوله فيومئذ سمّي سيف اللَّه ارم بي حيث شئت( ٣) .

قلت: تسميتهم له بسيف اللَّه بعد تلك الأعمال الشنيعة التي صدرت منه في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من غدره ببني جذيمة، و قتله لجمع حتى قال النبي: «اللّهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد» و بعث فوديهم( ٤ ) ، و في تقوية صديقهم بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى انه لم يكتف بقتل مالك و أصحابه غدرا، و زناه بإمرأته، بل أمر بأن يجعل رأس مالك و أصحابه أثا في قدورهم نظير تسمية بلعاء بن قيس برصه سيف اللَّه، ففي معارف ابن قتيبة في عنوان البرص: كان بلعاء أبرص، و يقول برصي سيف اللَّه جلاه.

و لم لم يلقبوا الأشتر بسيف اللَّه، مع أن آثاره في الجمل و صفين

____________________

(١) رواه ابن الأثير في الكامل ٢: ٣٥٨، سنة ١١، و الطبري في تاريخه ٢: ٥٠٣ سنة ١١.

(٢) تاريخ الطبري ٢: ٥٩٥ سنة ١٣.

(٣) تاريخ الطبري ٢: ٢٧٢ سنة ٦.

(٤) رواه جمع من أهل الحديث و السيرة منهم البخاري في صحيحه ٣: ٧١ و ٤: ٢٤٢، و الطبري في تاريخه ٢: ٣٤١ سنة ٨، و ابن سعد في الطبقات ٢: ق ١٠٦١.

٢٢٦

و النهروان في إحياء الدين و قمع الملحدين معلومة، و قد وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام بسيف اللَّه.

ففي (تاريخ الطبري): انهعليه‌السلام كتب الى أهل مصر: بعثت إليكم عبدا من عباد اللَّه لا ينام أيام الخوف، و انّه سيف من سيوف اللَّه لا كليل الظبة و لا نابي الضريبة الخ( ١) .

و أما خبر العشرة المبشرة فراويه سعيد بن زيد ابن عم عمر، و هو أحد العشرة، و الباقون غير أمير المؤمنينعليه‌السلام و لا يحتاج الى خبرهم أبو بكر،

و عمر، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و ابن عوف، و سعد، و كيف يقبل شهادته لنفسه، و ان ضم معه غيره.

مع ان أحد العشرة و هو سعد بن أبي وقاص قال: ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يشهد لأحد أنّه من أهل الجنة إلاّ لعبد اللَّه بن سلام، ففي الاستيعاب: روى ابن وهب و أبو مسهر و جماعة عن مالك بن أنس عن أبي النضر عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص عن أبيه قال: ما سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لأحد يمشي على وجه الأرض انّه من أهل الجنّة، إلاّ لعبد اللَّه بن سلام.

قال: و هذا حديث ثابت صحيح لا مقال فيه لأحد( ٢ ) . مع ان سعدا تخلّف عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام و حروبه، و هو كبيرة موبقة.

و منهم طلحة و الزبير، و قد حاربا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و استحلا دمه،

و هو كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و استحلاّ دم الحسن و الحسينعليهما‌السلام ، و هما ابنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و سيدا شباب أهل الجنّة، و أهل بيت العصمة، و قتلا ألوفا من المسلمين، و من المؤمنين المتفق على ايمانهم، و قد قال سبحانه: و من يقتل

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٧٢ سنة ٣٨، و النقل بتصرف في اللفظ.

(٢) الاستيعاب ٢: ٣٨٢.

٢٢٧

مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب اللَّه عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما( ١ ) فاللَّه تعالى يقول بخلودهما في النار، فكيف يقول نبيه بكونهما من المبشرة بالجنة، فلو قيل بكونهما من المبشرة بالنار كان أقرب الى الاعتبار.

و لعمر اللَّه ان حديث العشرة المبشرة كحديث عمر في ستة شوراه ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مات راضيا عنهم، مع قوله بعد ساعة في أحدهم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مات ساخطا عليه. فقال الجاحظ في عثمانيّته: قال عمر ان النبي مات و هو راض عن هذه الستة من قريش، علي، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و سعد، و عبد الرحمن بن عوف، و قد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم.

ثم دعاهم، فدخلوا عليه و هو ملقى، فقال: أكلّكم يطمع في الخلافة بعدي؟ ثم أقبل على طلحة و كان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قاله في عمر فقال له: أقول أم أسكت؟ قال له طلحة: قل فإنّك لا تقول من الخير شيئا. قال: أما اني أعرفك منذ أصيبت اصبعك يوم احد بالباو الذي حدث لك،

و لقد مات النبي ساخطا عليك، للكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب.

قال: ان كلمة طلحة هي انّه لما انزلت آية الحجاب قال طلحة بمحضر ممّن نقل الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما الذي يغنيه حجابهن اليوم، و سيموت غدا،

فننكحهن.

قال: لو قال قائل لعمر أنت قلت ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مات و هو راض عن الستة، فكيف تقول لطلحة الآن ان النبي مات ساخطا عليك للكلمة التي قلتها، لكان قد رماه بمشاقصه و لكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا، فكيف هذا( ٢) .

____________________

(١) النساء: ٩٣.

(٢) بل قاله الجاحظ في السفيانية كما في شرح ابن أبي الحديد ١: ١٨٥ و ١٨٦.

٢٢٨

و بالجملة هؤلاء العشرة أكثرهم يكفر بعضهم بعضا، و يستحل بعضهم دماء بعض، فكيف يعقل أن يقول نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله انّهم مبشرة بالجنة. أما يستحيون هؤلاء من الدهرية بأن يقولوا أظهر المليون المسلمون، و في دينهم هذه التناقضات و التهافتات، و من أهل الكتاب أن يقولوا ان في كتابكم ان الدين عند اللَّه الإسلام( ١ ) و اسلامكم شي‏ء على خلاف العقول.

ألم يكونوا أصحاب أحداث، و قد تواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: سيجاء برجال من امتي أعرفهم و يعرفوني، ثم يحال بيني و بينهم، و يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول امتي، فيقال انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، انّهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي و غيّر( ٢) .

ويحهم بدلوا الاثني عشر أهل بيت العصمة و الطهارة باتفاق الامة بتسعة أجلاف استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، و اتخذوا الههم هواهم أ لم تر الى الذين بدلوا نعمة اللَّه كفرا و أحلوا قومهم دار البوار( ٣) .

هذا، و في تاريخ بغداد عن بعضهم قال: دخلت على محمد بن محمد الباغندي، فقال: لا تكتبوا عن ابني أحمد فانّه كذّاب. ثم دخلت على ابنه، فقال: لا تكتبوا عن أبي فانّه كذّاب و كان الابن أوثق.

هذا، و كما كذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كذب عليهعليه‌السلام و على أهل بيته، و روى (الكافي): ان معمر بن خيثم قال للباقرعليه‌السلام بلغنا عن عليعليه‌السلام انّ من اكتنى و ليس له أهل فهو أبو جعفر. فقال: ليس هذا من حديث علي، إنّا لنكني أولادنا في

____________________

(١) آل عمران: ١٩.

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٢: ٢٣٣ و ٢٥٦ و ٣: ١٢٧ و ١٦٠ و ٤: ١٣٣، و مسلم في صحيحه ٤: ٢١٩٤ ح ٥٨ و غيرهما عن ابن عباس و روي أيضا عن ابن مسعود و أبي سعيد و حذيفة و جمع آخر من الصحابة.

(٣) إبراهيم: ٢٨.

٢٢٩

صغرهم مخافة النبزان يلحق بهم( ١ ) ، و الجعر النجو.

«فلو علم الناس انّه منافق كاذب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوا قوله، و لكنّهم قالوا صاحب رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رآه و سمع منه و لقف» أي: أخذ «عنه».

و المفاسد التي حدثت في الاسلام كلّها من أولئك المنافقين الذين جعلوا أنفسهم مؤمنين، و إلا فمثل عبد اللَّه بن أبي سلول أو عيينة بن حصن لم يحصل منهم فساد في الدين، فكان عيينة لما أسلم اقرّ أنّه منافق، و لما ارتد في أيام طليحة فأسر و أدخل المدينة كان الصبيان يقولون له يا عدوّ اللَّه أكفرت بعد إيمانك، فيقول لهم: ما آمنت باللَّه طرفة عين.

و من الغريب قولهم بعدالة كلّ الصحابة، فقال أبو عمر في (استيعابه):

أجمع أهل السنة و الجماعة على أن الصحابة كلّهم عدول( ٢) .

و قال الجزري في كتابه: المجهول لا تصحّ روايته، و الصحابة كلّهم عدول، لا يتطرّق إليهم الجرح، لأن اللَّه تعالى زكّاهم و عدّلهم الخ( ٣) .

و لم أفهم معنى اجماعاتهم، فإجماعهم هذا كإجماعهم في بيعة أبي بكر،

كما ان عدالتهم هذه أي عدالة لا ينقضها شي‏ء، فمن صحابتهم المغيرة بن شعبة الذي كان نفاقه لا ينكره أحد، حتى ان عثمان لما انكر عليه توليته فسّاق بني امية استند الى تولية عمر المغيرة مع وضوح نفاقه، و لمّا صار عثمان خليفة و قال له المغيرة لو بايعوا غيرك ما بايعناه قال له ابن عوف: يا أعور لو كان قد بويع غيره لبايعته و لقلت له هذا القول، و منهم عمرو بن العاص، و منهم معاوية بن أبي سفيان، و كانت أعمالهم عارا لعالم البشرية، و سوادا لوجه

____________________

(١) الكافي ٦: ١٩ ح ١١.

(٢) الاستيعاب ١: ٩.

(٣) اسد الغابة ١: ٣، و النقل بتلخيص.

٢٣٠

التاريخ، و من بلغ كلامه هذه المرتبة لا تستحق المكالمة، و في مثلهم قال تعالى: فذرهم في غمرتهم حتى حين( ١) .

و كيف يقولون بعدالتهم، و من صحابتهم الوليد بن عقبة، و قد نص القرآن على فسقه في قوله تعالى: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا( ٢ ) و في قوله تعالى: ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا( ٣ ) باجماع المفسرين بإرادته.

«فيأخذون بقوله» لغفلتهم عن نفاقه، و جهلهم بتعمّد كذبه «و قد أخبرك اللَّه عن المنافقين بما أخبرك و وصفهم بما وصفهم به لك» من قوله تعالى: و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم( ٤ ) و قوله تعالى: و من الناس من يقول آمنا باللَّه و باليوم الآخر و ما هم بمؤمنين. يخادعون اللَّه و الذين آمنوا و ما يخدعون إلا أنفسهم و ما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم اللَّه مرضا و لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون( ٥ ) ، و قوله تعالى: و اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون. اللَّه يستهزى‏ء بهم و يمدهم في طغيانهم يعمهون. اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين( ٦) .

فكيف يكون الصحابة كلّهم عدولا، و هؤلاء المنافقون الذين بيّن تعالى في غير موضع من كتابه ذمّهم و أوصافهم هم جمع من الصحابة.

و قد روى الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) من مسند سعيد بن

____________________

(١) المؤمنون: ٥٤.

(٢) السجدة: ١٨.

(٣) الحجرات: ٦.

(٤) المنافقون: ٤.

(٥) البقرة: ٨ ١٠.

(٦) البقرة: ١٤ ١٦.

٢٣١

المسيب و من مسند عائشة و من مسند ام سلمة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني و بينهم، فقال: هلموا. فقلت: إلى أين؟ قال: الى النار و اللَّه. قلت: ما شأنهم؟ قال: انهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم، فقال:

هلموا، فقلت: الى أين؟ فقال: الى النار و اللَّه. قلت: ما شأنهم؟ قال: انهم ارتدّوا على أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم( ١ ) «ثم بقوا بعده عليه و آله السلام» هكذا في (المصرية) و ليس في (ابن أبي الحديد) جملة التسليم و في (ابن ميثم) رمز (عليه‌السلام )( ٢) .

«فتقرّبوا الى أئمة الضلالة و الدعاة الى النار بالزور و البهتان فولوهم الأعمال» جزاء كذبهم لهم.

قال ابن أبي الحديد: فان قلت: من هم أئمة الضلالة الذين تقرب اليهم المنافقون الذين رأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و صحبوه بالزور و البهتان، و هل هذا إلا تصريح بما تذكره الإمامية، و تعتقده الإمامية؟

و قال: ليس الأمر كما ظننت و ظنوا، و انما يعني معاوية و عمرا و من شايعهما على الضلال، كالخبر الذي رواه من رواه في حق معاوية «اللّهم قه العذاب و الحساب، و علمه الكتاب» و كرواية عمرو تقربا الى معاوية «ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، انما وليي اللَّه و صالح المؤمنين»، و كرواية قوم في أيام معاوية أخبارا كثيرة من فضائل عثمان تقرّبا الى معاوية بها، و لسنا

____________________

(١) نقله عن الجمع بين الصخيحين ابن طاووس في الطرائف ٢: ٣٧٦ و الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ١٤٢ عن سعيد بن المسيب عن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أخرجه مسلم في صحيحه ٤: ١٧٩٤ ح ٢٨ و ٢٩ عن عائشة و ام سلمة و قد أخرجا هذا الحديث عن ابن عباس و ابن مسعود و ابي هريرة و ابي سعيد و حذيفة و سهل بن سعد و أنس و اسماء بنت أبي بكر أيضا.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٣٨، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ١٩ مثل المصرية.

٢٣٢

نجحد فضل عثمان و سابقته، و لكنّا نعلم أن بعض الأخبار الواردة فيه موضوع، كخبر عمرو بن مرة شامي له صحبة فيه و هو مشهور، و ليس يجب من قولنا ان بعض الأخبار الواردة في حق فاضل مفتعلة أن تكون قادحة في فضله، فانا مع اعتقادنا ان عليّاعليه‌السلام أفضل الناس نعتقد ان بعض الأخبار الواردة في فضائله مختلق.

قال: و قد روي ان أبا جعفر محمد بن علي الباقر قال لبعض أصحابه: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا، و تظاهرهم علينا، و ما لقي شيعتنا و محبّونا من الناس، ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض و قد أخبر انّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر من معدنه، و احتجت على الأنصار بحقّنا و حجتنا،

ثم تداولتها قريش، واحد بعد واحد، حتى رجعت الينا، فنكثت بيعتنا، و نصبت الحرب لنا، و لم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل، فبويع ابنه الحسنعليه‌السلام ، عوهد، ثم غدر به، و أسلم، و وثب عليه أهل العراق حتى طعن الخنجر في جنبه، و انتهب عسكره، و عولجت خلاخيل امهات أولاده، فوادع معاوية، و حقن دمه و دماء أهل بيته، و هم قليل حق قليل، ثم بايع الحسينعليه‌السلام من أهل العراق عشرون ألفا، ثم غدروا به، و خرجوا عليه، و بيعته في أعناقهم،

ثم لم نزل أهل البيت نستذل و نستضام، و نقصى و نمتهن، و نحرم و نقتل،

و نخاف و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا، و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم و جحودهم موضعا يتقربون به الى أوليائهم و قضاة السوء و عمّال السوء في كل بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، و رووا عنّا ما لم نقله و ما لم نفعله ليبغّضونا الى الناس و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسنعليه‌السلام ، فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة، و قطّعت الأيدي و الأرجل على الظنة، و كان من يذكّر بحبنا، و الانقطاع الينا سجن، أو نهب ماله، أو هدّمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتدّ و يزداد الى زمان عبيد اللَّه بن زياد قاتل

٢٣٣

الحسينعليه‌السلام ، ثم جاء الحجّاج، فقتلهم كلّ قتلة، و أخذهم بكلّ ظنة و تهمة، حتى ان الرجل ليقال انّه زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال انّه من شيعة علي،

و حتى صار الرجل الذي يذكر بخير، و لعلّه يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، و لم يخلق اللَّه تعالى شيئا منها، و لا كانت، و لا وقعت، و هو يحسب انّها حق لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب و لا بقلّة ورع.

قال: و روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة الى عمّاله بعد عام الجماعة: ان برئت الذمة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب و أهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة و على كلّ منبر يلعنون عليّاعليه‌السلام ، و يبروون منه، و يقعون فيه، و في أهل بيته، و كان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي،

فاستعمل عليهم زياد بن سمية و ضمّ إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة و هو بهم عارف، لأنّه كان منهم أيام علي، فقتلهم تحت كلّ حجر و مدر، و أخافهم،

و قطع الأيدي و الأرجل، و سمل العيون، و صلبهم على جذوع النخل، و طردهم و شردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

و كتب معاوية الى عمّاله في جميع الآفاق: لا تجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل بيته شهادة. و كتب اليهم: ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبّيه،

و أهل ولايته و الذين يروون فضائله و مناقبه، فادنوا مجالسهم، و قرّبوهم،

و اكرموهم، و اكتبوا إليّ بكل ما يروي كلّ رجل منهم و اسمه و اسم أبيه و عشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان و مناقبه لما كان يبعثه اليهم معاويه من الصلات و الكساء و الحباء و القطائع، و يفيضه في العرب منهم و الموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، و تنافسوا في المنازل و الدنيا.

فلبثوا بذلك حينا، ثم كتب الى عمّاله أن الحديث في عثمان قد كثر و فشا

٢٣٤

في كلّ مصر، و في كل وجه و ناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة و الخلفاء الأولين، و لا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب، إلا و أتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحبّ إليّ، و أقرّ لعيني، و أدحض لحجة أبي تراب و شيعته، و أشدّ عليهم من مناقب عثمان و فضله، فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، و جدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى،

حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، و ألقى الى معلمي الكتاب، فعلّموا صبيانهم و غلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه و تعلّموه كما يتعلّمون القرآن،

و حتى علّموه بناتهم و نساءهم و خدمهم و حشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء اللَّه.

ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليّا و أهل بيته، فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه. و شفع ذلك بنسخة اخرى: «من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به و اهدموا داره»، فلم يكن البلاء أشد و لا اكثر منه بالعراق، و لا سيما بالكوفة،

حتى ان الرجل من شيعة عليّعليه‌السلام ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سره، و يخاف من خادمه و مملوكه، و لا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع و بهتان منتشر، و مضى على ذلك الفقهاء و القضاة و الولاة.

و كان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون، و المستضعفون الذين يظهرون الخشوع و النسك، فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم،

و يقربوا مجالسهم، و يصيبوا به الاموال و الضياع و المنازل، حتى انتقلت تلك الاخبار و الاحاديث إلى يدي الديانين الّذين لا يستحلّون الكذب و البهتان،

فقبلوها ورووها، و هم يظنون أنها حق، و لو علموا أنها باطلة لما رووها و لا تدينوا بها، فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن عليّعليه‌السلام ، فازداد البلاء

٢٣٥

و الفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل الا و هو خائف على دمه، أو طريد في الارض، ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسينعليه‌السلام ، و ولي عبد الملك بن مروان،

فاشتد على الشيعة، و ولي عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك و الصلاح و الدين ببغض علي، و موالاة أعدائه، و موالاة من يدعي قوم من الناس انهم اعداؤه، فأكثروا في الرواية من فضلهم و سوابقهم و مناقبهم،

و أكثروا من الغض من علي و عيبه و الطعن فيه و الشنئان له، حتى ان انسانا وقف للحجاج و يقال أنه جد الاصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به أيها الاميران أهلي عقوني فسموني عليا، و اني فقير بائس، و اني إلى صلة الامير محتاج، فتضاحك له الحجاج و قال: للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا.

و قال: و قد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه و هو من اكابر المحدثين و أعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر.

و قال: ان أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني امية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنف بني هاشم، و لا يلزم من هذا أن يكون علي يسوؤه ان يذكر الصحابة و المتقدمون عليه بالخير و الفضل، لان معاوية و بني امية كانوا يبنون الامر من هذا على ما يظنونه في عليّعليه‌السلام من أنه عدو من تقدم عليه، و لم يكن الامر في الحقيقة كما يظنّونه،

و لكن كان يرى انه أفضل منهم، و انهم استأثروا عليه بالخلافة من غير تفسيق منه لهم و لا براءة منهم( ١) .

قلت: أما قوله ليس الامر كما ظننت و ظنوا من كون المراد من قوله «فتقربوا إلى ائمة الضلالة» الثلاثة، و انما يعني معاوية الخ، فغلط، لانهعليه‌السلام لم يخبر عن الزمان الآتي بل سئلعليه‌السلام عن اختلاف كان قد وقع، فأجاب بما

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٤٢ ٤٧.

٢٣٦

أجاب، و الرضي و ان أجمل في قوله «سأله سائل عما في أيدي الناس من اختلاف الخبر» إلا انك عرفت تفصيله من اسانيده، و ان السائل قال له: سمعت من شيعتك سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا في التفسير و أحاديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انت تصدّقهم، و الناس لا يقبلونها، و يروون خلافها، فهل كل احاديثهم افتراء على النبيّ؟ فأجابهعليه‌السلام بأن الاحاديث عن النبيّ أربعة اقسام:

احدها الافتراء، و بعضها و هم، و بعضها منسوخ، و غير ذلك. و كيف يحمله على زمان سلطنة معاوية بعده و بني امية بعد معاوية و قد قالعليه‌السلام قبله ان في أيدي الناس حقا و باطلا إلى قوله و قد كذب على رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده حتى قام خطيبا الخ. ثم كيف يحمل قولهعليه‌السلام «ثم بقوا بعد النبيّ، فتقربوا إلى أئمة الضلالة» على ما قال.

و ما رواه عن الباقرعليه‌السلام و المدائني و ابن عرفة من كثرة جعل الاخبار زمن معاوية و بعده في عثمان، ثم في أبي بكر و عمر، ثم في باقي الصحابة، لا ينافي كون الاساس من زمن الثلاثة قبلهعليه‌السلام ، و مما وضع لهم تقربا إليهم التلقيب بالصديق، و الفاروق، و أمين الامة، و أمين الارض و السماء،

و الحواري، و الستة الّتي مات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله راضيا عنهم، و العشرة الّتي بشرهم بالجنة، و غير ذلك من كونهم خليفة الرسول و أمير المؤمنين.

و في (خلفاء ابن قتيبة): في كيفية بيعة عليّعليه‌السلام مع أبي بكر بعد ذكر ارادة عمر حرق البيت على عليّ و فاطمة لما تخلف هو و جمع معه، ثم خروج الجمع لما رأوا ذلك للبيعة، و تخلفهعليه‌السلام معتذرا بحلفه الا يضع ثوبه على عاتقه حتى يجمع القرآن، فقال عمر لأبي بكر: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر لقنفذ و هو مولى له ادع لي عليا، فذهب إليه فقال له: ما حاجتك؟

فقال: يدعوك خليفة رسول اللَّه فقال عليّ: لسريع ما كذبتم على رسول اللَّه،

فرجع فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا

٢٣٧

المتخلف عنك بالبيعة. فقال أبو بكر لقنفذ عد إليه، فقل له: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ و أدى ما امر به، فرفع عليّ صوته و قال: سبحان اللَّه لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا الخبر في اخراج عمر لهعليه‌السلام قهرا و فاطمة تصيح يا أبة يا رسول اللَّه ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب و ابن أبي قحافة، و قول علي ان لم ابايع فمه، و قولهما له اذن و اللَّه نضرب عنقك، و قوله اذن تقتلون أخا رسوله، و انكار عمر كونه أخا الرسول،

و لحوق علي بقبر النبي و نداءه يا ابن ام ان القوم استضعفوني، و كادوا يقتلونني( ١) .

أو ليس المغيرة قال لعمر و كانوا يقولون له خليفة: ألسنا المؤمنين و انت أميرنا؟ قال: بلى. قال: فأنت أمير المؤمنين( ٢) .

و لعمر اللَّه اذا كان المؤمنون مثل المغيرة، ففاروقهم أمير أولئك المؤمنين، فشكره عمر ذلك و لغيره، فولاه البصرة، ثم لما زنا محصنا دافع عنه، و منع زيادا عن أداء الشهادة لئلا يثبت عليه الرجم، ثم ولاّه الكوفة ما دامت حياته، ثم تعهد لمعاوية اجراء مقاصده ان ولاه، كما اجرى لعمر مقاصده.

و في تاريخ الطبري: لما ولّى معاوية في سنة (٤١) المغيرة الكوفة قال له: أردت ايصاءك بأشياء كثيرة، فانا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني، و يسعد سلطاني، و يصلح به رعيتي، و لست تاركا ايصاءك بخصلة،

لا تتحمّ عن شتم علي و ذمه، و الترحم على عثمان و الاستغفار له، و العيب على أصحاب علي، و الاقصاء لهم، و ترك الاستماع منهم، و باطراء شيعة عثمان،

____________________

(١) الامامة و السياسة ١: ١٣.

(٢) رواه المسعودي في مروج الذهب ٢: ٣٠٥ بالمعنى.

٢٣٨

و الادناء لهم، و الاستماع منهم. فقال المغيرة: قد جربت و جربت، و عملت قبلك لغيرك فلم يذمم بي دفع و لا رفع و لا وضع الخ( ١) .

و ما ذكره من ان افتعال عمرو بن العاص ان النبيّ قال «ان آل أبي طالب ليسوالي بأولياء» كان تقربا منه إلى معاوية، ليس كما قال: و كيف و قد قال شيخه النقيب و لم يكن اماميا كما نقل في شرح قوله «للَّه بلاد فلان» ان الرجل (أي عمر) ما اهمل أمر نفسه في دفع النص على عليّ، بل أعد أعذارا و اجوبة، و ذلك لانه قال لقوم عرضوا له بحديث النص: ان النبيّ رجع عن ذلك باقامة أبي بكر مقامه في الصلاة، و أوهمهم ان ذلك جار مجرى النص عليه بالخلافة إلى أن قال ثم عاب عليا بخطبة بنت أبي جهل، فأوهم ان النبيّ كرهه لذلك، و أرضاه عمرو بن العاص، فروى حديثا افتعله و اختلقه على النبيّ، قال سمعته يقول «ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، انما وليّي اللَّه و صالح المؤمنين»، فجعلوا ذلك كالناسخ لقول النبيّ في عليّعليه‌السلام «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»( ٢) .

كما أن كثرة الافتعالات زمان معاوية و بعده منشؤها الافتعالات أيام الثلاثة، كما أن منشأ خلافة معاوية و من بعده خلافة الثلاثة، و كتب معاوية إلى محمد ابن أبي بكر لما كان محمد قد كتب إليه: «رأيتك تسامي عليا، و أنت أنت، و هو هو» فقد كنا و ابوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب، و قديم سوابقه،

و قرابته إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و مواساته اياه في كل هول و خوف، فلما اختار اللَّه لنبيه ما عنده كان أبوك و فاروقه أول من ابتزه حقه. إلى أن قال: فخذ حذرك عن أن توازي من أبوك مهّد مهاده، و بني له ملكه و شاده، فان يك ما نحن فيه

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ١٨٨ سنة ٥١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٨٨ و ٩٠.

٢٣٩

صوابا فأبوك استبد به، و نحن شركاؤه، و لو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب و لسلمنا إليه، و لكنا رأينا اباك فعل به ذلك من قبلنا، فأخذنا بمثله، فعب أياك بما بدالك أودع ذلك( ١) .

و أما قول ابن أبي الحديد: و لسنا نجحد فضل عثمان و سابقته، و لكنّا نعلم ان بعض الأخبار الواردة فيه موضوع، فيقال له: ثبّت له فضلا و سابقة غير الدفاع عن أعداء الاسلام كالمغيرة بن أبي العاص، و ابن أبي سرح،

و الحكم بن أبي العاص، و تولية دبره في الجهاد، لا سيما في أحد، ففر الى جبل،

و اختفى فيه ثلاث ليال، حتى قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله «لقد ذهبت فيها عريضة طويلة»( ٢ ) و لواحقه معلومة.

و قوله: و ليس يجب من قولنا أن بعض الأخبار الواردة في حق فاضل مفتعلة أن تكون قادحة في فضله، صحيح كبرى إلا أنّ صغراه في مورد عثمان سابقة و لاحقة.

و أما قوله: أن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني امية تقرّبا إليهم بما يظنون انهم يرغمون به أنف بني هاشم،

فقالوا: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، و هو عكس، و قال: انا الغائب أرى ما لم يروه.

و قوله: و لا يلزم من هذا أن يكون عليّ يسوؤه أن يذكر الصحابة و المتقدمون عليه بالخير و الفضل، فيه بعد الغض عن عدم فضل لهم، فلم يذكر الثاني للأوّل يوم السقيفة إلا كونه صاحب الغار، و أمره بالصلاة، و لا يخفى ما فيهما من العوار أنّه لا يمكن أن يكتب معاوية الى محمد بن أبي بكر

____________________

(١) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين: ١١٨، و المسعودي في المروج ٣: ١١، و البلاذري في انساب الاشراف ٢: ٣٩٣.

(٢) رواه الطبري في تاريخه ظ: ٢٠٣، سنة ٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621