بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104232 / تحميل: 9030
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد السابع

الشيخ محمد تقي الشيخ التّستري (الشوشتري)

١

الفصل السادس عشر في أدعيتهعليه‌السلام

٢

١ - الخطبة (١٧٦) و من كلمات كان يدعو بها:

اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ اَلْأَلْحَاظِ وَ سَقَطَاتِ اَلْأَلْفَاظِ وَ شَهَوَاتِ اَلْجَنَانِ وَ هَفَوَاتِ اَللِّسَانِ قول المصنف: «من كلمات كان يدعو بها» هكذا في (المصرية) بلا زيادة، و الصواب: زيادةعليه‌السلام بعده كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

و كيف كان، ففي (الكافي) عن علي بن النعمان رفعه أنّهعليه‌السلام كان إذا صعد الصّفا استقبل الكعبة، ثم رفع يديه ثم يقول: اللّهم اغفر لي كلّ ذنب

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٦ لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢١٣ نحو المصرية.

٣

أذنبته قطّ، فان عدت فعد عليّ بالمغفرة، فانّك أنت الغفور الرحيم. اللّهم افعل بي ما أنت أهله، فانّك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني، و إن تعذبني فأنت غنّي عن عذابي، و أنا محتاج إلى رحمتك، فيا من أنا محتاج إلى رحمته ارحمني.

اللّهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنّك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذّبني، و لن تظلمني،

أصبحت أتقي عدلك و لا أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني( ١) .

و نقل ابن أبي الحديد من أدعية الصحيفة خمسة: الأوّل: «يا من يرحم من لا يرحمه العباد» و الثاني: «اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون» و الثالث: «يا ذا الملك المتأبّد بالخلود» و الرابع: «اللّهم إنّي أعوذ بك من هيجان الحرص» و الخامس: «الحمد للَّه بكلّ ما حمده أدنى ملائكته إليه». ثم قال: إنّها من دعاء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و كان يدعو بها علي بن الحسينعليه‌السلام في أدعية الصحيفة( ٢) .

قلت: إنّ كلمات عترتهعليه‌السلام و علومهم و إن كانت من كلماتهعليه‌السلام و علومه،

إلاّ أنّ أدعية الصحيفة السجادية من إنشاء السجّاد نفسه، و عليه أطبقت الإماميّة سلفا و خلفا، و إنّما نقل كلّ من البحراني و النّوري صحيفة من أدعيتهعليه‌السلام بالأسانيد كما إنّ علي بن طاوس عقد في (مهجه) بابا لدعواتهعليه‌السلام كذلك.

قولهعليه‌السلام «اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به منّي» هو تعالى أعلم بذنب عبده حيث أنّ العبد قد لا يرى بعض الامور ذنبا مع انّه عنده تعالى ذنب، بل أعظم ذنب، كما أنّ العبد ينسى كثيرا من ذنوبه و هو تعالى لا ينسى منها شيئا أصلا.

«فإن عدت فعد عليّ» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن

____________________

(١) الكافي ٤: ٤٣٢ ح ٥.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٨ ١٨٥.

٤

ميثم و الخطية) «لي»( ١ ) «بالمغفرة» فإنّ شأن العبد الخطأ، و شأن الربّ الغفران.

«اللّهم اغفر لي ما وأيت» أي: وعدت «من نفسي و لم تجد له وفاء عندي» حتّى لا يؤدّي إلى النفاق و منهم من عاهد اللَّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ و لنكوننّ من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به و تولّوا و هم معرضون.

فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما وعدوه و بما كانوا يكذبون( ٢) .

«اللهمّ اغفر لي ما تقرّبت به إليك بلساني ثمّ خالفه قلبي» لأنّ عبادة لم تكن للَّه، لهي ذنب كبير فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا( ٣) .

«اللّهم اغفر لي رمزات الألحاظ» جمع اللحظ: النّظر بمؤخّر العين، قال تعالى: يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور( ٤) .

«و سقطات الألفاظ» قال تعالى في وصف المؤمنين: و الذين هم عن اللغو معرضون( ٥) .

«و شهوات الجنان» بالفتح أي: القلب، و لا يخلو قلب من شهوة امور غير مشروعة.

«و هفوات اللسان» أي: زلاّته.

و عن الصادقعليه‌السلام : كان بالمدينة رجل بطّال يضحك الناس منه فقال: قد أعياني هذا الرجل يعني علي بن الحسينعليه‌السلام أن أضحكه، فمرّ و خلفه

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٦: ١٧٦، و شرح ابن ميثم ٢: ٢١٣ نحو المصرية.

(٢) التوبة: ٧٥ ٧٧.

(٣) الكهف: ١١٠.

(٤) غافر: ١٩.

(٥) المؤمنون: ٣.

٥

موليان له، فجاء الرجل حتّى انتزع رداءه من رقبته، فمضىعليه‌السلام و لم يلتفت إليه، فأتبعه الناس و أخذوا منه الرداء و جاؤا به إليه، فقال لهم: من هذا؟ قالوا:

رجل بطّال يضحك الناس. فقال: قولوا له، إنّ للَّه يوما يخسر فيه المبطلون( ١) .

٢ - الخطبة (٢١٣) و من دعاء كان يدعو بهعليه‌السلام كثيرا:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَمْ يُصْبِحْ بِي مَيِّتاً وَ لاَ سَقِيماً وَ لاَ مَضْرُوباً عَلَى عُرُوقِي بِسُوءٍ وَ لاَ مَأْخُوذاً بِأَسْوَإِ عَمَلِي وَ لاَ مَقْطُوعاً دَابِرِي وَ لاَ مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي وَ لاَ مُنْكِراً لِرَبِّي وَ لاَ مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيمَانِي وَ لاَ مُلْتَبِساً عَقْلِي وَ لاَ مُعَذَّباً بِعَذَابِ اَلْأُمَمِ مِنْ قَبْلِي أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوكاً ظَالِماً لِنَفْسِي لَكَ اَلْحُجَّةُ عَلَيَّ وَ لاَ حُجَّةَ لِي وَ لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ إِلاَّ مَا أَعْطَيْتَنِي وَ لاَ أَتَّقِيَ إِلاَّ مَا وَقَيْتَنِي اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ أَوْ أَضِلَّ فِي هُدَاكَ أَوْ أُضَامَ فِي سُلْطَانِكَ أَوْ أُضْطَهَدَ وَ اَلْأَمْرُ لَكَ اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ نَفْسِي أَوَّلَ كَرِيمَةٍ تَنْتَزِعُهَا مِنْ كَرَائِمِي وَ أَوَّلَ وَدِيعَةٍ تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ عِنْدِي اَللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِكَ أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِكَ أَوْ تَتَايَعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ اَلْهُدَى اَلَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ أقول: في (مهج ابن طاوس)، عن كتاب (دفع الهموم و الأحزان لأحمد بن داود النعماني): قال ابن عباس قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام ليلة صفين: أما ترى الأعداء قد أحد قوابنا. فقال: قد راعك هذا؟ قلت: نعم. فقال: اللّهم انّي أعوذبك أن أضام في سلطانك (اللّهم انّي أعوذبك أن اضل في هداك) اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتقر في غناك، اللّهمّ إنّي أعوذبك أن أضيّع في سلامتك، اللّهم إنّي أعوذبك أن

____________________

(١) أخرجه الصدوق في أماليه: ١٨٣ ح ٦ المجلس ٣٩.

٦

اغلب و الأمر إليك( ١) .

هذا، و من دعاء علّمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاله عمير بن وهب كما في ذيل الطبري اللّهم إنّي ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، و خذ إلى الخير بناصيتي، و بلّغني برحمتك ما أرجو من رحمتك، و اجعل الإسلام منتهى رغبتي، و اجعل لي ودّا عند الناس و عهدا عندك( ٢ ) و من دعاء أمير المؤمنينعليه‌السلام في السجود كما في الكافي: إرحم ذلّي بين يديك، و تضرّعي إليك، و وحشتي من الناس، و آنسني بك يا كريم( ٣ ) و كانعليه‌السلام يقول: و عظتني فلم اتّعظ، و زجرتني عن محارمك فلم أنزجر، و عمّرتني أياديك فما شكرت، عفوك عفوك يا كريم أسألك الراحة عند الموت، و أسألك العفو عند الحساب( ٤ ) قول المصنف: «كانعليه‌السلام يدعو به كثيرا» قال ابن أبي الحديد: «كثيرا» صفة مصدر محذوف، أي دعاء كثيرا( ٥) .

قلت: بل صفة لوقت محذوف كما لا يخفى، فإن هذا الدعاء دعاء واحد لا كثير، و إنّما كانعليه‌السلام يقرأه في أوقات كثيرة، فهو مفعول فيه معيّنا، و لا مجال لاحتمال كونه مفعولا مطلقا كما احتمله الخوئي أيضا( ٦) .

قولهعليه‌السلام «الحمد للَّه الذي لم يصبح بي ميّتا و لا سقيما» قد يصبح كثير من الناس ميّتين أو سقيمين، فمن أصبح حيّا معافى يجب عليه

____________________

(١) مهج الدعوات: ١٠٣.

(٢) منتخب ذيل المذيل: ٨١.

(٣) الكافي ٣: ٣٢٧ ح ٢١.

(٤) رواه الكليني في الكافي ٣: ٣٢٧ ح ٢١.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٥.

(٦) شرح الخوئي ٧: ٢٩.

٧

شكره تعالى على ذلك.

«و لا مضروبا على عروقي بسوء» أي: مرض.

و روى (أمالي الشيخ) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: في ابن آدم ثلاثمائة و ستون عرقا منها مائة و ثمانون متحركة و مائة و ثمانون ساكنة، فلو سكن المتحرك لم يبق الانسان، و لو تحرّك الساكن لهلك الإنسان و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل يوم إذا أصبح و طلعت الشمس يقول «الحمد للَّه ربّ العالمين كثيرا طيّبا على كلّ حال» يقولها ثلاثمائة و ستين مرّة شكرا( ١) .

و في (الحلية) عن وهب بن منبه قال: عبد عابد خمسين سنة، فأوحى إليه انّي قد غفرت لك. قال: أي ربّ و ما تغفر لي و لم أذنب. فأذن اللَّه لعرق في عنقه، فضرب عليه، فلم ينم و لم يصلّ، ثم سكن، فنام فأتاه الملك، فشكا إليه ما لقي من ضربان العرق. قال الملك: إنّ ربّك يقول: إن عبادتك خمسين سنة تعدل سكون هذا العرق( ٢) .

و في خبر: أنّ كلّ إنسان فيه عرق جذام، فإذا تحرّك سلّط اللَّه عليه الزكام فلا تكرهوه( ٣) .

و قال ابن أبي الحديد: «بسوء» أي: و لا أبرص، و العرب تكنّي عن البرص بالسوء، و من أمثالهم «ما أنكرك من سوء» أي: ليس إنكاري لك عن برص حدث بك فغيّر صورتك، و أراد «بعروقه» أعضاءه( ٤) .

قلت: ما ذكره كلّه غلط و خبط، فلم يقل أحد أنّ السوء كناية عن البرص

____________________

(١) أمالي أبي جعفر الطوسي ٢: ٢١٠، المجلس ٨.

(٢) حلية الأولياء ٤: ٦٨.

(٣) جاء هذا المضمون في الكافي ٨: ٣٨٢ ح ٥٧٧ و ٥٧٩، و طب الأئمة: ١٠٧، و دعوات الراوندي، عنه البحار ٦٢:

١٨٤ ح ٧، و الأخير أقرب لفظا.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٥.

٨

عند العرب، و إنّما الآية بيضاء من غير سوء( ١ ) كناية عن عدم البرص، كما أن قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لأنس لما أنكر تذكّره لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غدير خم «إن كنت كاذبا فضربك اللَّه بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة»( ٢ ) كناية عن البرص.

كما أن تفسيره للمثل «ما أنكرك من سوء» بما قال، تفسير ركيك، فهذا الجوهري قال: معنى المثل أنّه لم يكن إنكاري إيّاك من سوء رأيته بك و إنّما هو لقلّة المعرفة( ٣ ) . و قال الميداني: يعني ليس إنكاري إيّاك عن سوء بك لكنّي لا أثبتك( ٤ ) ، كما أن قوله أراد بعروقه أعضاءه أيضا غلط، فالمراد بالعروق الأعصاب، و إنّما حمله على تأويله أنّ البرص يحدث في الأعضاء لا العروق.

«و لا مأخوذا بأسوأ عملي» و لو يؤاخذ اللَّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة( ٥ ) ، و قد يأخذهم إذا أفرطوا في السوء، قال تعالى بعد ذكر ما أنزل بالامم السالفة من العذاب و كذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى و هي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد( ٦) .

«و لا مقطوعا دابري» أي: نسلي بعدم جعله من الظلمة، لأنّه تعالى قال فيهم: فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد للَّه ربّ العالمين( ٧ ) و قال في قوم لوط: إنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين( ٨) .

____________________

(١) النمل: ١٢ و القصص: ٣٢.

(٢) نهج البلاغة ٤: ٧٤، الحكمة ٣١١.

(٣) صحاح اللغة ١: ٥٦ مادة (سوء).

(٤) مجمع الأمثال ٢: ٢٨٥.

(٥) فاطر: ٤٥.

(٦) هود: ١٠٢.

(٧) الأنعام: ٤٥.

(٨) الحجر: ٦٦.

٩

«و لا مرتدا عن ديني» كبعض الناس يمسي مسلما و يصبح مرتدا، و هو فوق كلّ سوء و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا و الآخرة و اولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون( ١) .

و في رجال الكشّي: عن حمران بن أعين قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها. فقال: ألا أخبرك بأعجب من ذلك. فقلت: بلى قال:

المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلاّ ثلاثة( ٢) .

و عن الجمع بين صحيحي الحميدي من مسند سهل بن سعد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يرد عليّ الحوض أقوام أعرفهم و يعرفوني، ثم يحال بيني و بينهم، فأقول انّهم امّتي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدّل بعدي و غيّر و في آخر من مسند ابن عباس، سيجاء برجال من امتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يا ربّ أصحابي، فيقول إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم لن يزالوا مرتّدين على أعقابهم منذ فارقتهم و من مسند أنس: ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتّى إذا رأتيهم و رفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولنّ أي ربّ أصحابي أصحابي، فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. و مثله في مسند ابن مسعود و مسند حذيفة.

و في مسند أبي هريرة قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بينما أنا قائم فإذا زمرة،

حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني و بينهم، فقال: هلمّوا. فقلت: إلى أين؟

قال: إلى النّار و اللَّه قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة إلى أن قال قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا أراه

____________________

(١) البقرة: ٢١٧.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٧: ١٥.

١٠

يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم( ١ ) ( ٢) .

«و لا مستوحشا من إيماني» فكثير من الناس يستوحشون من إيمانهم بعد أنسهم به، لعدم رسوخه فيهم، و قد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهعليه‌السلام «الإيمان مخالط لحمك و دمك، كما خالط لحمي و دمي»( ٣) .

«و لا ملتبسا عقلي» أي: مختلطا، و المؤمن يبتلى بكلّ بلاء و مرض، لكن لا يؤخذ منه عقله.

«و لا معذّبا بعذاب الامم من قبلي» قال تعالى في عاد و ثمود و قارون و فرعون و هامان: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصيحة و منهم من خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا( ٤ ) و قال في مردة اليهود: و جعل منهم القردة و الخنازير( ٥) .

حمد اللَّه تعالى على أنّه لم يصبح به من أحد الأصناف التسعة، فإن حمده تعالى واجب على دفع البلاء كوجوبه على إعطاء النعماء، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا اللَّه تعالى، و لا تسمعوهم فإن ذلك يحزنهم.

____________________

(١) نقل ابن طاووس في الطرائف ٢: ٣٧٦ ٣٧٨، كل هذه الأحاديث عن الجمع بين الصحيحين للحميدي و حديث سهل أخرجه البخاري في صحيحه ٤: ١٤٣ و ٢٢١، و مسلم في صحيحه ٤: ١٧٩٤ ح ٢٢٩٣، و حديث ابن عباس أخرجه البخاري في ٢: ٢٣٣ و ٢٥٦ و ٣: ١٢٧ و ١٦ و ٤: ١٣٣، و مسلم في ٤: ٢١٩٤ ح ٥٨، و حديث أنس أخرجه البخاري في ٤: ١٤١، و مسلم في ٤: ١٨٠٠ ح ٤٠، و حديث ابن مسعود أخرجه البخاري في ٤: ١٤١ و ٢٢١،

و مسلم في ٤: ١٧٩٦ ح ٣٢، و حديث حذيفة أخرجه البخاري في ٤: ١٤١ و مسلم في ٤: ١٧٩٧ ح ٣٢، و حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في ٤: ١٤٢، و مسلم في ١: ٢١٧ و ٢١٨ ح ٣٧ و ٣٩.

(٢) أسقط الشارح هنا فقرة «و لا منكرا لربي».

(٣) أخرجه في ضمن حديث طويل ابن المغازلي في مناقبه: ٢٨٦ و غيره.

(٤) العنكبوت: ٤٠.

(٥) المائدة: ٦٠.

١١

و عن الباقرعليه‌السلام : من نظر إلى مبتلى فقال ثلاث مرّات: «الحمد للَّه الذي عافاني ممّا ابتلاك به، و لو شاء فعل» لم يصبه ذلك البلاء.

و عنهعليه‌السلام : إذا رأيت مبتلى و أنت معافى فقل «اللّهم إنّي لا أسخر و لا أفخر و لكنّي أحمدك على عظيم نعمائك عليّ»( ١) .

«أصبحت عبدا مملوكا» و لا يملكون لأنفسهم ضرّا و لا نفعا و لا يملكون موتا و لا حياة و لا نشورا( ٢) .

«ظالما لنفسي» إن اللَّه لا يظلم النّاس شيئا و لكنّ الناس أنفسهم يظلمون( ٣) .

«لك الحجّة عليّ و لا حجّة لي» قل فللَّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين( ٤ ) حجّتهم داحضة عند ربهم( ٥ ) رسلا مبشّرين و منذرين لئلا يكون للنّاس على اللَّه حجّة بعد الرّسل( ٦) .

«و لا أستطيع» هكذا في (المصرية) أخذا من نسخة (ابن أبي الحديد)،

و الصواب: «لا أستطيع» كما في (ابن ميثم) بل و كما في (ابن أبي الحديد) في شرح الفقرة( ٧) .

«أن آخذ إلاّ ما أعطيتني» «لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت».

«و لا أتقي إلاّ ما وقيتني» و قال يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا

____________________

(١) أخرج هذه الأحاديث الكليني في الكافي ٢: ٩٧ و ٩٨ ح ٢٠ و ٢٢ و ٢٣، و الحديث الأخير عن الصادقعليه‌السلام .

(٢) الفرقان: ٣.

(٣) يونس: ٤٤.

(٤) الأنعام: ١٤٩.

(٥) الشورى: ١٦.

(٦) النساء: ١٦٥.

(٧) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٤ و ٨٦، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٦.

١٢

من أبواب متفرّقة و ما أغني عنكم من اللَّه من شي‏ء ان الحكم إلاّ للَّه عليه توكّلت و عليه فليتوكّل المتوكّلون و لمّا دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من اللَّه من شي‏ء إلاّ حاجة في نفس يعقوب قضاها و إنّه لذو علم لما علّمناه و لكنّ أكثر النّاس لا يعلمون( ١) .

«اللهمّ إنّي أعوذ بك أن افتقر في غناك» و للَّه خزائن السماوات و الأرض( ٢) .

و في الخبر: أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّه ما دام لم تنفد خزائني و لن تنفد فلا تغتمّ لرزقك( ٣) .

و إنّما استعاذعليه‌السلام لأن العبد قد يستحق سلب نعمه تعالى إنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم( ٤) .

«أو أضلّ في هداك» إن ربّي على صراط مستقيم( ٥ ) قال تعالى: يضلّ به كثيرا و يهدي به كثيرا و ما يضلّ به إلاّ الفاسقين الذين ينقضون عهد اللَّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللَّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون( ٦) .

«أو اضطهد» أي: أصير مقهورا للناس «و الأمر لك» و في نسخة (ابن ميثم) «و لك الأمر»( ٧) .

____________________

(١) يوسف: ٦٧ و ٦٨.

(٢) المنافقون: ٧.

(٣) أخرجه الصدوق في التوحيد: ٣٧٢ ح ١٤ و النقل بالمعنى.

(٤) الرعد: ١١.

(٥) هود: ٥٦.

(٦) أسقط الشارح هنا فقرة: «أو اضام في سلطانك». و الآيات ٢٦ و ٢٧ من سورة البقرة.

(٧) لفظ شرح ابن ميثم ٤: ٣٦ أيضا نحو المصرية.

١٣

«اللّهم اجعل نفسي أوّل كريمة تنتزعها من كرائمي» يكرم على الإنسان جميع جوارحه و قواه كما يكرم عليه نفسه و روحه، و انتزاع النفس أوّلها يلزم إبقاء باقيها إلى حين موته.

و في الخبر: إذا أنا أخذت من عبدي كريمتيه فصبر، لم أرض له ثوابا دون الجنّة( ١) .

«و أوّل وديعة ترتجعها من ودائع نعمك عندي» هذا في معنى الأوّل، إلاّ أن الأوّل من حيث أنّ النفس و قواها كرائم على الانسان و هذا من حيث أنّها عوار من الربّ عند العبد، فليس له لو ارتجعها غير أوّل اعتراض و إنكار.

«اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نذهب عن قولك» بمخالفة أو امرك، و زو اجرك التي قلتها في كتابك و على لسان حججك.

«أو نفتنّ» هكذا في (المصرية) و الصواب: «أو نفتتن» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «عن دينك» بأن تتّفق أسباب، تخرج العبد عن الدين كما في قوم موسى مع العجل و السامريّ.

«أو تتايع» قال الجوهري: التتايع: التهافت في الشرّ و اللجاج، و لا يكون التتايع إلاّ في الشرّ( ٣) .

«بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك» قال تعالى: و من أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدى من اللَّه( ٤) .

____________________

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير و أبو نعيم في حلية الأولياء، عنهما الجامع الصغير ٢: ٨٣، و النقل بتصرف في اللفظ.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨٤ «أو أن نفتتن» و لفظ شرح ابن ميثم ٤: ٣٦ نحو المصرية.

(٣) صحاح اللغة ٣: ١١٩٢ مادة (تيع).

(٤) القصص: ٥٠.

١٤

٣ - الخطبة (٢٢٣) و من دعاء لهعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَ لاَ تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقَكَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَ أُفْتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ اَلْإِعْطَاءِ وَ اَلْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ٢٤ ٢٨ ٣: ٢٦ قول المصنف: «و من دعاء لهعليه‌السلام » و ردت في المكارم من الصحيفة،

فقرات بلفظه و معناه و فقرات بمعناه فقط.

أما الاولى: فما فيه «اللّهم صلّ على محمّد و آله، و صن وجهي باليسار،

و لا تبتذل جاهي بالإقتار، فاسترزق أهل رزقك، و استعطي شرار خلقك،

فأفتتن بحمد من أعطاني، و ابتلي بذم من منعني، و أنت من دونهم ولي الإعطاء و المنع»( ١) .

و أما الثانية: فما فيه «اللّهمّ اجعلني أصول بك عند الضرورة، و أسألك عند الحاجة، و أتضرّع إليك عند المسكنة، و لا تفتنّي بالاستعانة بغيرك إذا اضطررت، و لا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت، و لا بالتضرّع إلى من دونك إذا رهبت، فاستحق بذلك خذلانك و منعك و إعراضك يا أرحم الراحمين»( ٢) .

و لا غرو في توافقهما و تقاربهما، فكلاهما مؤيّد بالروح القدسي.

قولهعليه‌السلام «اللّهم صن وجهي باليسار» صون الوجه أعزّ شي‏ء عند الكرام،

قال أبو تمام:

____________________

(١) الصحيفة السجادية: ١١١ دعاء ٢٠.

(٢) الصحيفة السجادية: ١٠٥ دعاء ٢٠.

١٥

و ما ابالي و خير القول أصدقه

حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي

و قال آخر:

ما جود كفّك إن جادت و إن بخلت

من ماء وجهي و قد أخلقته عوض

و عن الصادقعليه‌السلام : المعروف ابتداء، و أما من أعطيته بعد المسألة فانّما كافيته بما بذل لك من وجهه، يبيت ليلته أرقا متململا بين الرجاء و اليأس لا يدري أين يتوجّه لحاجته ثم يعزم بالقصد لها، فيأتيك و قلبه يرجف، و فرائصه ترعد قد ترى دمه في وجهه لا يدري أيرجع بكآبة أو فرح( ١) .

و مرادهعليه‌السلام باليسار: الكفاف، المطلوب عند أولياء اللَّه حتى لا يحتاج إلى الخلق، لا الغنى المطغى، المطلوب عند أهل الدنيا.

«و لا تبذل جاهي بالإقتار» أي: الإفتقار و ضيق المعاش.

في (الكافي) عن لقمان قال لابنه: يا بنيّ ذقت الصبر، و أكلت لحاء الشجر، فلم أجد شيئا هو أمرّ من الفقر، فان بليت به يوما فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك و لا ينفعوك بشي‏ء، إرجع إلى الذي ابتلاك به فهو أقدر على فرجك،

و سله من ذا الذي سأله فلم يعطه أو وثق به فلم ينجه( ٢) .

«فاسترزق طالبي رزقك» و قبيح أن يدع الإنسان الرازق، و يدعو المرزوق،

فكما لا خالق غيره، لا رازق سواه إن اللَّه هو الرّزّاق ذو القوّة المتين( ٣) .

«و استعطف شرار خلقك» فان أكثر النّاس لئام و شرار، و الكرام و الأبرار قليلون، فإذا ابتلي بالإقتار يضطر غالبا الى استعطاف الأشرار.

روي في (الكافي)، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأيدي ثلاث: يد اللَّه العليا، و يد

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٤: ٢٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤: ٢٢ ح ٨.

(٣) الذاريات: ٥٨.

١٦

المعطي التي تليها، و يد المعطى أسفل الأيدي. فاستعفوا عن السؤال ما استطعتم، إنّ الأرزاق دونها حجب، فمن شاء قنى حياءه و أخذ رزقه، و من شاء هتك الحجاب و أخذ رزقه، و الذي نفسي بيده لئن يأخذ أحدكم جبلا ثمّ يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ثم يدخل به السوق فيبيعه بمدّ من تمر و يأخذ ثلثه و يتصدّق بثلثيه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو حرموه.

و عن الصادقعليه‌السلام : جاءت فخذ من الأنصار إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: لنا إليك حاجة. فقال: هاتوا، قالوا: عظيمة تضمن لنا على ربّك الجنّة؟

فنكسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه ثم نكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال: أفعل ذلك بكم على ألا تسألوا أحدا شيئا، فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه، و يكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولني حتى يقوم فيشرب و عنهعليه‌السلام : رحم اللَّه عبدا عفّ و تعفّف و كفّ عن المسألة، فإنّه يتعجّل الدنية في الدنيا و لا يغنى الناس عنه شيئا. ثم تمثّلعليه‌السلام ببيت حاتم:

إذا ما عرفت اليأس ألفيته الغنى

إذا عرفته النفس و الطمع الفقر(١)

«و ابتلى بحمد من أعطاني و افتن» هكذا في (المصرية)، و الصواب:

«و افتتن» كما (في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «بذمّ من منعني» و حمد الناس كذمّهم مذموم، و فاعله ملوم.

«و أنت من وراء ذلك كلّه وليّ الإعطاء و المنع». في (الفقه الرضوي): روى أنّ اللَّه عز و جل أوحى إلى داودعليه‌السلام : ما اعتصم بي عبد من عبادي، دون أحد

____________________

(١) الكافي ٤: ٢٠ و ٢١ ح ٣ و ٥ و ٦.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٥٥، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٨٨ نحو المصرية.

١٧

من خلقي، عرفت ذلك من نيّته، ثم تكيده أهل السماوات و الأرض و ما فيهنّ، إلاّ جعلت له المخرج من بينهنّ، و ما اعتصم عبد من عبيدي بأحد من خلقي دوني،

عرفت ذلك من نيّته، إلاّ قطعت أسباب السماوات من يديه، و أسخت الأرض من تحته، و لم أبال بأي واد هلك.

و فيه: و روي عن العالمعليه‌السلام يقول تبارك و تعالى: و عزّتي و جلالي،

و ارتفاعي في علوي، لا يؤثر عبد هواي على هواه، إلاّ جعلت غناه في قلبه،

و همّه في آخرته، و كففت عليه ضيعته، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه،

و كنت له من وراء حاجته، و أتته الدنيا و هي راغمة. و عزّتي و جلالي،

و ارتفاعي في علو مكاني، لا يؤثر عبد هواه على هواي، إلاّ قطعت رجاءه، و لم أرزقه منها إلاّ ما قدرت له.

و روي أنّ بعض العلماء كان يقول: سبحان من لو كانت الدنيا خيرا كلّها أهلك فيها من أحبّ، سبحان من لو كانت الدنيا شرّا كلّها أنجى منها من أراد( ١) .

هذا، و واضح أنّ الخبر في جملة «و أنت من وراء ذلك كلّه ولي الإعطاء و المنع» إنّما هو «وليّ» و «من وراء» متعلّق به كقوله «من دونهم» في الصحيفة في قوله «و أنت من دونهم ولي الإعطاء و المنع»( ٢ ) ، و جعل ابن أبي الحديد «من وراء ذلك» الخبر و قال «و انت من وراء ذلك» مثل قولك للملك العظيم «هو من وراء وزرائه»، فيكون «وليّ» خبرا بعد خبر، و يجوز أن يكون «وليّ» هو الخبر و «من وراء» حالا الخ( ٣ ) . و كما ترى.

«إنّك على كلّ شي‏ء قدير» فتقدر على صون وجهي حتّى لا أحتاج إلى

____________________

(١) أخرجه صاحب فقه الرضا فيه: ٣٥٨ و ٣٥٩، و الأحاديث الثلاثة أخرجها البرقي في المحاسن، عنه مشكوة الأنوار: ١٦ و ١٧ و ٢٦٤، و الأول الكليني في الكافي ٢: ٦٣ ح ١.

(٢) الصحيفة السجادية: ١١١ دعاء ٢٠.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٥٦.

١٨

غيرك فافعل ذلك بي.

و في (الفقه الرضوي): نروي أنّ رجلا أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليسأله، فسمعه و هو يقول: «من سألنا أعطيناه و من استغنى أغناه اللَّه»، فانصرف و لم يسأله،

ثم عاد إليه فسمع مثل مقالته فلم يسأله، حتى فعل ذلك ثلاثا، فلما كان في اليوم الثالث مضى و استعار فأسا و صعد الجبل فاحتطب، و حمله إلى السوق،

فباعه بنصف صاع من شعير، فأكله هو و عياله، ثم دام على ذلك حتى جمع ما اشترى به فأسا، ثم اشترى بكرين و غلاما و أيسر، فأتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فقال: «أ ليس قلنا من سألنا أعطيناه و من استغنى أغناه اللَّه»( ١) .

٤ - الخطبة (٤٦) و من كلام لهعليه‌السلام عند عزمه على المسير إلى الشام:

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ اَلسَّفَرِ وَ كَآبَةِ اَلْمُنْقَلَبِ وَ سُوءِ اَلْمَنْظَرِ فِي اَلْأَهْلِ وَ اَلْمَالِ اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلصَّاحِبُ فِي اَلسَّفَرِ وَ أَنْتَ اَلْخَلِيفَةُ فِي اَلْأَهْلِ وَ لاَ يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ اَلْمُسْتَخْلَفَ لاَ يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَ اَلْمُسْتَصْحَبُ لاَ يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً أقول: هكذا في (المصرية) بدون نقل عن المصنف، و فيها سقط ففي (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية): قال السيد: و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد قفّاهعليه‌السلام بأبلغ كلام و تمّمه بأحسن تمام من قوله «لا يجمعهما غيرك» إلى آخر الفصل( ٢) .

قول المصنف: «و من كلام لهعليه‌السلام عند عزمه على المسير الى الشام» في

____________________

(١) فقه الرضا: ٣٦٥.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣: ١٦٦، لكن لم توجد الزيادة في شرح ابن ميثم ٢: ١٢١.

١٩

(صفّين نصر): لما وضع عليّعليه‌السلام رجله في ركاب دابّته يوم خرج من الكوفة إلى صفّين قال «بسم اللَّه»، فلما جلس على ظهرها قال سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ١ ) ، ثمّ قال: اللّهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر الخ( ٢) .

قولهعليه‌السلام «اللّهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر» قال الجوهري: الوعث:

المكان السهل الكثير الدهس، تغيب فيه الأقدام و يشقّ على من يمشي فيه،

و وعثاء السفر: مشقّته( ٣) .

«و كآبة» قال الجوهري: الكآبة: سوء الحال و الانكسار من الحزن و قد كئب الرجل يكاب كأبة و كآبة( ٤) .

«المنقلب» قال الجوهري: المنقلب يكون مصدرا و يكون مكانا، مثل المنصرف( ٥) .

«و سوء المنظر في الأهل» بالمرض و الموت «و المال» بالفساد و التلف.

«اللّهم أنت الصاحب في السفر، و أنت الخليفة في الأهل» عن الصادقعليه‌السلام : ما استخلف عبد على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد سفرا يقول «اللّهم اني استودعك نفسي و أهلي و مالي و ديني و دنياي و آخرتي و أمانتي و خواتيم عملي» إلاّ أعطاه اللَّه ما سأل( ٦) .

«و لا يجمعهما غيرك» من المخلوقين «لأن المستخلف» في الأهل «لا يكون

____________________

(١) الزخرف: ١٣ و ١٤.

(٢) وقعة صفين: ١٣٢.

(٣) صحاح اللغة ١: ٢٩٦ مادة (وعث).

(٤) صحاح اللغة ١: ٢٠٧ مادة (كأب).

(٥) صحاح اللغة ١: ٢٠٥ مادة (قلب).

(٦) أخرجه الكليني في الكافي ٣: ٤٨٠ ح ١ و غيره.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

والثناء عليه.

روى الكشي بسنده عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد، قالا:

خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحج، فتلقانا كتابهعليه‌السلام في بعض الطريق، فإذا فيه: ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى رحمه الله يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا، فقد عاش أيام حياته عارفا بالحق، قائلا به، صابرا محتسبا للحق، قائما بما يحبه الله ورسوله، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه خير أمنيته...(1) .

ومنهم: أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري... شيخ قم ووجيهها وفقيهها غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي أبا الحسن الرضاعليه‌السلام وله كتب(2) .

ومنهم: أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري وكان من خواص الإمام العسكريعليه‌السلام ورأى صاحب الزمان، وهو شيخ القميين ووافدهم(3) .

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين حديثا مبسوطا وجاء في آخره: إنه قال للإمام العسكريعليه‌السلام :... سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا.

____________________

(1) رجال الكشي ج 2 ص 858.

(2) رجال النجاشي ج ص 217.

(3) الخلاصة ص 15.

٢٢١

قال الراوي: فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا، قال سعد:

(راوي الحديث): فلما انصرفنا من حضرة مولانا من حلوان [المعروف اليوم بـ (پل ذهاب)] على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع كل واحد منا إلى مرقده.

قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمدعليه‌السلام ) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله(1) .

ومنهم: سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي الأشعري أبو القاسم، شيخ هذه الطائفة، وفقيهها ووجهها(2) .

ومنهم غيرهم وهم كثير.

____________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة ج 2 ص 464 ومنتهى الآمال ج 2 ص 685 - 686.

(2) رجال النجاشي ج 1 ص 401.

٢٢٢

وأما من برز من غير الأشعريين في العلم والتقوى والفضيلة فمن العسير جدا إحصاؤهم، فإن هذه المدينة أشبه شئ بمدرسة كبرى تخرج منها رجال العلم والإيمان، وأصبحوا منائر هدى ورشاد، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، ووالده علي بن الحسين، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن الحسن القمي، ومحمد بن الحسن الصفار، وعلي بن إبراهيم ووالده إبراهيم بن هاشم، وغيرهم كثير ممن كانوا من أجلاء هذه الطائفة وعظمائها وقد تكفلت كتب الرجال ببيان أحوالهم ومختلف شؤونهم ومن أراد المزيد فليراجع.

٢٢٣

قم وأهلها في روايات أهل البيتعليهم‌السلام

ومن خلال ما تقدم يتبين ما لهذه المدينة المقدسة من المنزلة عند أهل البيتعليهم‌السلام وما لأهلها من الشأن والمكانة.

وقد مر أن قم حرم آل محمد، وهي كوفتهم الصغيرة ومأوى شيعتهم، وتضافرت الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام ، في بيان فضلها وأفضليتها على كثير من البقاع.

فمنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام أنه ذكر كوفة، قال: ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في حجرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في الشرق والغرب، فيتم حجة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائمعليه‌السلام

٢٢٤

ويسير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة(1) .

ومنها: ما رواه أنس بن مالك، قال: كنت ذات يوم جالسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلي يا أبا الحسن، ثم اعتنقه وقبل [ما] بين عينيه، وقال: يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك، ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب، وفتح إليه بابا من أبواب الجنة(2) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال: قم عش آل محمد، ومأوى شيعتهم، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم، والاستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم، ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء(3) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها، فإن البلاء مدفوع عنها(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 95 وبحار الأنوار ج 60 ص 213.

(2) تاريخ قم ص 94 وبحار الأنوار ج 60 ص 212.

(3) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

(4) تاريخ قم ص 97 وبحار الأنوار ج 60 ص 214.

٢٢٥

ومنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال: إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم، فإنه مأوى الفاطميين، ومستراح المؤمنين، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم، وما أراد أحد بقم وأهله سوءا إلا أذله الله وأبعده من رحمته(1) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: إن للجنة ثمانية أبواب، ولأهل قم واحد منها، فطوبى لهم، ثم فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(2) .

ومنها: ما رواه عفان البصري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قال لي:

أتدري لم سمي قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد - صلوات الله عليه - ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه(3) .

ومنها: ما رواه صفوان بن يحيى بياع السابري قال: كنت يوما عند أبي الحسنعليه‌السلام فجرى ذكر قم وأهله وميلهم، إلى المهديعليه‌السلام ، فترحم عليهم، وقال: رضي الله عنهم، ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم(4) .

____________________

(1) تاريخ قم ص 98 وبحار الأنوار ج 60 ص 214 - 215.

(2) بحار الأنوار ج 60 ص 215.

(3) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

(4) تاريخ قم ص 100 وبحار الأنوار ج 60 ص 216.

٢٢٦

ومنها: ما روي عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: إن لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه، لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء، ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال: سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة(1) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: تربة قم مقدسة، وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، أما إنهم أنصار قائمنا، ودعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة، ونجهم من كل هلكة(2) .

ومنها: ما روي عن الرضاعليه‌السلام ، قال: للجنة ثمانية أبواب، فثلاثة منها لأهل قم، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(3) .

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنة قال: صلوات الله على أهل قم، ورحمة الله على أهل قم، سقى الله بلادهم الغيث(4) ....

ومنها: ما رواه أبو الصلت الهروي قال: كنت عند الرضاعليه‌السلام فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه، فرد عليهم وقربهم، ثم قال لهم:

____________________

(1) تاريخ قم ص 99 وبحار الأنوار ج 60 ص 217.

(2) تاريخ قم ص 93 وبحار الأنوار ج 60 ص 218 - 219.

(3) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

(4) بحار الأنوار ج 60 ص 228.

٢٢٧

مرحبا بكم وأهلا، فأنتم شيعتنا حقا، فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس، ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(1) .

ومنها: ما ورد في كتاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى أهل قم وآبه (آوه) وجاء فيه: إن الله تعالى بجوده ورأفته قد من الله على عباده بنبيه محمد بشيرا ونذيرا، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولى كفايتهم وعمرهم طويلا في طاعته، حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق، وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا...(2) .

وغيرها من الروايات الكثيرة، وهي تدل على جلالة هذه المدينة وأهلها، ورعاية الأئمةعليهم‌السلام لهم، وعنايتهم بهم، مما جعل من هذه المدينة حصنا منيعة للتشيع، وقلعة محكمة تدافع عن حريم مذهب آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر القرون في صلابة من الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، ورسوخ في الاعتقاد.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 260.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 458.

٢٢٨

مفاخر القميين:

وذكر أن لأهل قم مناقب وفضائل أخرى امتازوا بها على سائر الناس، وعدت من مفاخرهم وأولياتهم.

قال الشيخ النمازي: مفاخر أهل قم كثيرة، منها: أنهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمةعليهم‌السلام .

ومنها: أنهم أول من بعث الخمس إليهم.

ومنها: أنهمعليهم‌السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان، كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد، وغيرهم، ممن يطول بذكرهم الكلام، وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع، وأنهم اشتروا من دعبل ثوب الرضاعليه‌السلام بألف دينار من الذهب، إلى غير ذلك.

ومنها: قبر فاطمة بنت موسىعليهما‌السلام وثواب زيارتها(1) .

ومن طريف ما يروى ما جرى لدعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور، وكان من قصته أنه دخل على أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقالعليه‌السلام : هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقمسا

وأيديهم من فيئهم صفرات

____________________

(1) مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 600.

٢٢٩

بكى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام ، وقال له: صدقت يا خزاعي، فلما بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسنعليه‌السلام يقلب كفيه ويقول: أجل، والله منقبضات، فلما بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضاعليه‌السلام : آمنك الله يوم الفزع الأكبر، فلما انتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضاعليه‌السلام : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال بلى: يا ابن رسول الله فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر بطوس قبر من هو؟ فقال الرضاعليه‌السلام : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له.

ثم نهض الرضاعليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه، فدخل الدار، فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه

٢٣٠

بمائة دينار رضوية، فقال له: يقول لك مولاي: اجعلها في نفقتك، فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي، ورد الصرة، وسأل ثوبا من ثياب الرضاعليه‌السلام ليتبرك به ويتشرف به، وأنفذ الرضاعليه‌السلام جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له:

خذ هذه الصرة، فإنك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها(1) .

وفي رواية أخرى: أن دعبل الخزاعي قال: لما قلت (مدراس آيات) قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة، فوصلت المدينة وحضرت عنده وأنشدته إياها فاستحسنها، وقال لي: لا تنشدها أحدا حتى آمرك.

واتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني، وسألني عن خبري، ثم قال: يا دعبل أنشدني (مدارس آيات خلت من تلاوة) فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين، فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا.

فلم تكن إلا ساعة حتى حضر، فقال له: يا أبا الحسن سألت دعبلا عن (مدارس آيات) فذكر أنه لا يعرفها، فقال لي أبو الحسن: يا دعبل أنشد أمير المؤمنين، فأخذت فيها، فأنشدتها فاستحسنها، وأمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بقريب من ذلك.

فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني،

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 264.

٢٣١

فقال: نعم، ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي:

احفظ هذا تحرس به.

ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني.

قال: ثم كررت راجعا إلى العراق، فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا، وكان ذلك اليوم مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر جديد، وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة، ومتفكر في قول سيدي الرضاعليه‌السلام ، إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد: (مدارس آيات خلت من تلاوة) ويبكي، فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع، ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: يا سيدي لمن هذه القصيدة؟ فقال: وما أنت وذلك ويلك؟ فقلت: لي فيه سبب أخبرك به، فقال: هي أشهر بصاحبها أن تجهل فقلت: من هو؟ قال:

دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا، فقلت له: والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي، فقال: ويلك ما تقول؟ قلت: الأمر أشهر من ذلك، فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة وسألهم عني، فقالوا بأسرهم: هذا دعبل بن علي الخزاعي.

فقال: قد أطلقت كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها، كرامة لك،

٢٣٢

ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده، فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي، ثم بذرقنا - أي كنا في حمايته - إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة(1) .

وفي رواية: أن دعبل أخذ الصرة والجبة وانصرف وصار من مرو في قافلة، فلما بلغ (ميان قوهان)، وقع عليهم اللصوص، فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:

أرى فيأهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال: لرجل من خزاعة، يقال له دعبل بن علي، قال دعبل: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم، وكان يصلي على رأس تل، وكان من الشيعة، وأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل، وقال له:

أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشد القصيدة، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة، ورد عليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل.

وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع، فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال والخلع بشئ

____________________

(1) كشف الغمة ج 2 ص 261 - 263.

٢٣٣

كثير، واتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئا منها بألف دينار، فأبى عليهم وسار عن قم.

فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبة منه، فرجع دعبل إلى قم وسألهم رد الجبة عليه، فامتنع الأحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمرها، فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلما يئس من ردهم الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها، فأجابوه إلى ذلك، وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار.

وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضاعليه‌السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم، فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فذكر قول الرضاعليه‌السلام : إنك ستحتاج إلى الدنانير.

وكانت له جارية لها من قلبه محل، فرمدت رمدا عظيما، فأدخل أهل الطب عليها، فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة، وقد ذهبت، وأما اليسرى فنحن نعالجها، ونجتهد ونرجوا أن تسلم.

فاغتم لذلك دعبل غما شديدا، وجزع عليها جزعا عظيما، ثم ذكر ما كان معه من فضلة الجبة فمسحها على عيني الجارية، وعصبها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا قبل، ببركة أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (1) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 263 - 265.

٢٣٤

وإنما ذكرنا هذه الرواية بطولها لما فيها الطرافة واللطافة والدلائل، كما أن فيها دلالة على ولاء أهل قم وحبهم لآل محمدعليهم‌السلام .

العلويون في قم:

أشرنا فيما تقدم إلى أن سياسة حكام بني أمية وبني العباس كانت تعتمد على البطش بالعلويين وقهرهم وتشريدهم، وكان بنو العباس هم الأشد في ذلك كما اعترف المأمون العباسي، وقد أدى ذلك إلى نزوح العلويين عن مواطنهم وتفرقهم في أطراف الأرض إلى حيث يجدون الأمن والأمان، وقد مرت علينا نماذج من أولئك الذين اضطرتهم الظروف العصيبة التي عصفت بهم إلى التنكر والتواري عن الأنظار خوفا على أنفسهم وأعراضهم وذويهم.

ولما كانت مدينة قم من المدن السباقة إلى التشيع والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام أصبحت ملاذا لبعض هؤلاء حيث التجأ إليها كثير من العلويين ولا سيما بعد أن دفنت فيها السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وأصبح حرمها الشريف مزارا وملاذا.

ومنذ أن اتخذ بعض العلويين من قم موطنا ومستقرا له بدأ الوجود العلوي بالانتشار، ولا زالت بعض السلالات العلوية التي ينتهي نسبها إلى أولئك الذين سكنوا قم واستوطنوها باقية إلى اليوم كالسادة البرقعيين فقد ذكرت بعض المصادر أن أول من دخل مدينة قم من السادة الرضوية هو موسى بن الإمام الجوادعليه‌السلام في سنة 256 هـ، وهو المعروف بالمبرقع، وكان يضع على وجهه برقعا دائما فلذا لقب بالمبرقع، وتوفي في قم سنة 296 هـ، وقد التحق به أخواته زينب، وأم

٢٣٥

محمد، وميمونة بنات الإمام الجوادعليه‌السلام ، ثم جاءت بعدهن بريهة بنت موسى، وتوفين بقم، ودفن عند فاطمة المعصومةعليها‌السلام (1) كما ذكرناه فيما تقدم.

وتنتشر في قم قبور السادة العلويين وهي مزارات يقصدها أهل قم والوافدون إليها، وهي كثيرة.

منها: مزار فيه قبران أحدهما لموسى المبرقع، والثاني قبر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى.

ومنها: مزار كبير يعرف بـ (چهل اختران) ويحوي عدة من قبور السادة العلويين منهم: محمد بن موسى المبرقع، وزوجته بريهة بنت جعفر بن الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، وزينب بنت الإمام موسى، وأم محمد بنت موسى، وأبو علي محمد بن أحمد بن موسى، وبناته:

فاطمة، وبريهة، وأم سلمة، وأم كلثوم، وغيرهن من العلويات والفاطميات وكلهن من أعقاب وذراري موسى المبرقع(2) .

هذا وقد انتشر أعقاب موسى المبرقع عدا قم في الري وقزوين وهمدان وخراسان وكشمير والهند وسائر البلدان(3) .

وقد تولى بعضهم النقابة والأمارة، وكان فيهم العلماء وأهل التدبير والسيادة، فإن محمد بن أحمد بن موسى المعروف بأبي علي كان رجلا فاضلا تقيا ورعا للغاية، حسن المنظر والمناظرة، فصيحا عاقلا، وكان رئيسا ونقيبا في قم، وأميرا للحاج، وقد شبهه أمير قم بالأئمة في

____________________

(1) تاريخ قم ص 215 - 216.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 570.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 571.

٢٣٦

الفضل والكمال، واعتقد بأنه يصلح للإمامة.

وكان ابنه أحمد بن محمد المعروف بالأعرج سيدا جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة رئيسا نقيبا في قم، وكان رجلا متنسكا متعبدا محببا إلى قلوب الناس، سخيا جوادا واسع الجاه، ولد بقم سنة 311 هـ وتوفي في شهر صفر سنة 358 هـ، وكانت وفاته لأهل قم مصيبة عظمي.

وكان ابنه أبو الحسن موسى بن أحمد سيد أهل قم ورئيسهم، حسن المعاملة معهم، مراعيا حقوقهم، وفوضت إليه نقابة السادة في قم ونواحيها، وكان سادة آبة وقم وكاشان وغيرها تحت نظره في جميع أمورهم(1) .

وخلاصة القول أنهم كانوا أشراف هذه المدينة وأجلاءها في العلم والعمل.

ومنها: مزار أحمد بن قاسم بن أحمد بن علي بن جعفر العريضي، المعروف بـ (شاه أحمد قاسم)، وهو معروف بالشرف والجلالة، وقبره مزار كافة الناس، وكان عليه سقيفة، فلما جاء أصحاب خاقان المفلحي في سنة 295 هـ إلى قم رفعوا السقيفة فتركت زيارته مدة إلى أن رأى بعض صلحاء قم في المنام في سنة 371 هـ أن ساكن هذه البقعة رجل فاضل، وفي زيارته ثواب عظيم، فبني قبره بالخشب وجدد، وأصبح يزار، وقال بعض الثقات: كان يأتي إليه أصحاب الأمراض المزمنة

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 571 - 572.

٢٣٧

والمعلولون ويتوسلون به فيجدون الشفاء ببركة روحه الطاهرة(1) .

أقول: أشار إلى ذلك أحد الأساتذة من السادة العلماء الأجلاء، وأرشدني إلى زيارته والتوسل به، وأن حرمه موضع إجابة، وقد توسل به في بعض المهمات فقضيت حاجته.

وحرمه اليوم أحد المعالم البارزة في قم، وقد دفنت في حرمه أخته فاطمة.

وفي جواره دفن كثير من العلماء والمؤمنين، ويزدحم الزوار عند قبره ولا سيما في ليالي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

ومنها: مزارقيل: إن حمزة بن الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام قد دفن فيه(2) .

وقد اختلفت الأقوال في ذلك، فنقل العلامة القمي عن بعض كتب العلامة المجلسي أن قبر حمزة بن موسىعليه‌السلام يقرب من قبر (السيد) عبد العظيم(3) (الحسني).

وقد تقدم ما نلقناه من رجال النجاشي أن السيد عبد العظيم الحسني كان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

وذكر غيره أن قبره في إصطخر من شيراز(4) .

وذكر المحدث القمي أن في مدينة قم الطيبة مزار يعرف بـ (شاهزاده حمزة)، ولأهل هذه البلدة اعتقاد تام فيه ويحترمونه

____________________

(1) تاريخ قم ص 225.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 367.

(4) المجدي في أنساب الطالبيين ص 117.

٢٣٨

ويعظمونه، وله قبة وصحن، ويظهر من كلام صاحب تاريخ قم أن هذه الشخص هو حمزة بن موسىعليه‌السلام ، كما ورد في تاريخ السادات الرضائية الذين أقاموا بقم ودفنوا فيها، أنه قال: جاء يحيى الصوفي إلى قم وأقام بها وسكن في دار قرب دورة زكريا بن آدم ومشهد حمزة بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام (1) .

وإليه ينتهي نسب السلالة الصفوية الذين حكموا إيران أكثر من قرنين من الزمان(2) ، وذكرنا فيما تقدم أن أربعة من سلاطينهم دفنوا بجوار السيدة المعصومةعليها‌السلام .

ومنها: مزار كبير يعرف اليوم بـ (گلزار) قيل: إن علي بن جعفر الصادقعليه‌السلام مدفون فيه(3) .

وقد اختلف في ذلك أيضا، وقيل: إنه مدفون في العريض من نواحي المدينة، وسكن فيها، وله أولاد كثيرون، وهم العريضيون(4) .

وقال العلامة المجلسي: وأما كونه مدفونا في قم فغير مذكور في الكتب المعتبرة، لكن أثر قبره الشريف موجود قديم وعليه اسمه مكتوب(5) .

وهناك مزارات أخرى في قم تنسب لأولاد الأئمةعليهم‌السلام وأحفادهم من السادة الحسنيين والحسينيين والموسويين والرضويين وغيرهم

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(2) منتهى الآمال ج 2 ص 368.

(3) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(4) منتهى الآمال ج 2 ص 259.

(5) بحار الأنوار ج 102 ص 273.

٢٣٩

وقد ذكرهم القمي في تاريخه، والعلوي العمري في مجديه(1) ويقصدهم الزائرون ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم.

وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستوعبة، فعسى أن يتهيأ لها من يسد هذا الفراغ.

والخلاصة أن أرواح الطيبين والصلحاء تحيط بقم وأهلها، وتدفع عنها وعنهم عاديات الزمان.

____________________

(1) تاريخ قم ص 205 - 239 والمجدي في أنساب الطالبيين ص 128 و 220 و 313.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621