بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104562 / تحميل: 9061
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الآية

( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً(10) )

التّفسير

الوجه الحقيقي لأفعال البشر :

لقد ذكرنا في مطلع هذه السّورة أن آيات هذه السورة نزلت لبناء مجتمع صالح وسليم ، ولهذا تسعى آياتها في تطهير المجتمع من الرواسب الجاهلية وما تبقّى في نفوس بعض المسلمين الحديثي العهد بالإسلام من العادات السيئة أوّلا ، لتتهيأ الأرضية لإقامة ذلك المجتمع الصالح المنشود.

وأية عادة ترى أقبح من أكل أموال اليتامى؟ ولهذا ابتدأت هذه السورة بعبارات شديدة النكير على من يتصرف في أموال اليتامى تصرفا غير مشروع ، وغير صحيح ، والآية الحاضرة هي أوضح هذه العبارات.

تقول هذه الآية :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ) .

ولقد ورد نظير هذه العبارة في موضع آخر من القرآن الكريم وذلك في شأن الذين يكتمون الحق ، ويحرفون الكلم عن مواضعها لتحقيق بعض المكاسب

١٢١

المادية الشخصية إذ يقول سبحانه عنهم :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ) (1) .

ثمّ أنّه سبحانه يقول في بيان نتيجة أكل أموال اليتامى :( وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) .

و «يصلى» من «الصلى» بمعنى الدخول في النار والاحتراق بلهيبها ، وأمّا «السعير» فبمعنى النار المشتعلة.

ويقصد القرآن من هذه الجملة إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى مضافا إلى أنّهم يأكلون النار ـ في الحقيقة ـ في هذه الدنيا سيدخلون عمّا قريب نارا مشتعلة الأوار وحارقة اللهب في الدار الآخرة.

ويستفاد من هذه الآية أن لأعمالنا مضافا إلى وجهها الظاهري وجها واقعيا أيضا،وجها مستورا عنّا في هذه الدنيا ، لا نراه بعيوننا هنا ، ولكنّه يظهر في العالم الآخر،وهذا الأمر هو ما يشكل مسألة تجسم الأعمال المطروحة في المعتقدات الإسلامية.

إنّ القرآن يصرح في هذه الآية بأنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وجورا ، وإن كان الوجه الظاهري لفعلهم هذا هو الأكل من الأطعمة اللذيذة الملونة ، ولكن الوجه الواقعي لهذه الأغذية هو النار المحرقة الملتهبة ، وهذا الوجه هو الذي يظهر ويتجلّى على حقيقته في عالم الآخرة.

إنّ بين الوجه الواقعي للعمل والكيفية الظاهرية للعمل تناسبا وتشابها دائما ، فكما أن أكل مال اليتيم وغصب حقوقه يحرق فؤاد اليتيم ، ويؤذي روحه ، فكذا يكون الوجه الواقعي للعمل نارا محرقة.

إنّ الانتباه إلى هذا الأمر (أي الوجه الحقيقي الواقعي لكل عمل) خير رادع للذين يؤمنون بهذه الحقائق ، كيما لا يرتكبوا المعاصي ولا يقترفوا الذنوب ، فهل يوجد ثمّة من يحب أن يأخذ بيديه قبسات من النار ، ويضعها في فمه ويبتلعها؟

__________________

(1) البقرة ، 174.

١٢٢

إنّه من غير الممكن ـ والحال هذه ـ أن يقدم المؤمنون على أكل مال اليتيم ظلما ، ولو أنّنا وجدنا ثمّة من لا يقدم على هذا الفعل ، بل ولا يفكر في المعصية أبدا (كالأولياء) ، فلأنهم يرون ـ بفضل ما لديهم من الإيمان والعلم ، وما حصلوا عليه من تربية خلقية ـ حقائق الأفعال البشرية ووجوهها الواقعية ، فلا يفكرون في اقتراف هذه الأعمال السيئة ، فضلا عن الهمّ باقترافها.

إنّ الطفل الجاهل هو الذي يمكن أن يسحره ويجذبه جمال الجذوات المتقدمة وألسنة اللهب المندفعة منها فيمد يده إليها ، ولكن الإنسان العاقل الذي جرب حرارة النار وذاق ألمها ، كيف يمكن أن يفكر يوما بذلك.

هذا ولقد وردت أحاديث كثيرة تنهى بشدّة عن أكل مال اليتيم والعدوان على حقوقه، وتؤكد على أنّها كبيرة موبقة ، بل وتعتبر أبسط الأعمال من هذا النوع مشمولا لهذا الحكم الصارم وموضوعا لهذه العقوبة القاسية.

ففي حديث عن الإمام الصادق أو الإمام الباقرعليه‌السلام لما سئل في كم يجب لأكل مال اليتيم من النار؟ قال : في درهمين(1) .

* * *

_________________

(1) تفسير البرهان عند تفسير الآية.

١٢٣

الآيتان

( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) )

١٢٤

سبب النّزول

لمّا مات «عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري» «أخو حسان بن ثابت» الشاعر المعروف في صدر الإسلام وقد خلف امرأة وخمسة أخوان ، اقتسم إخوانه ميراثه بينهم ولم يعطوا زوجته شيئا ممّا تركه من المال ، فشكت ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت الآيات الحاضرة التي تبيّن وتحدد سهم الأزواج من الإرث بنحو دقيق.

كمانقل عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : مرضت فعادني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأغمي عليّ ، فطلب النّبي ماء وتوضأ لبعضه وصب بعضه الآخر علي فأفقت فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي (أي كيف يجب أن يكون أمره من بعد وفاتي) فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقل شيئا ، فنزلت آية المواريث تبيّن نظام الإرث وتحدد أسهم الورثة.

الإرث حق طبيعي :

قبل أن نعمد إلى تفسير الآيات الحاضرة لا بدّ أن نشير إلى عدّة نقاط.

أوّلا : قد يتصور كثيرون أنّ من الأفضل أن تعود أموال الشخص بعد وفاته إلى الملكية العامّة ، وأن تضاف إلى بيت مال المسلمين ، ولكن الإمعان في هذا العمل يكشف لنا عن كونه خلاف العدل ، لأن مسألة الإرث والتوارث مسألة طبيعية منطقية جدا ، فكما أن الآباء والأمهات ينقلون قسما من صفاتهم الجسمية والروحية إلى أبنائهم ـ حسب قانون الوراثة الطبيعي ـ فلما ذا يستثنى من ذلك أموالهم فلا تنتقل إلى أبنائهم؟

هذا مضافا إلى أنّ الأموال المشروعة هي نتاج جهود الإنسان المضنية ، ومساعيه وأتعابه فهي في الحقيقة طاقاته المتجسدة في صورة المال وهيئة الثروة ، ولهذا لا بدّ من الاعتراف بأن كل شخص هو المالك الطبيعي لحاصل

١٢٥

جهوده وثمرة أتعابه ، وهذا هو حكم فطري.

وعلى هذا ، فعند ما يمتنع أن يتصرف الشخص في أمواله بعد وفاته ويحال بينه وبين ثروته بسبب الموت ، تصبح هذه الأموال من حق أقرب الناس إليه ، والذين يعتبرون ـ في الحقيقة ـ بشخصيتهم ووجودهم امتدادا لشخصيته ووجوده.

على هذا الأساس نجد الكثيرين لا يتركون الكد والعمل ، والكسب والتجارة حتى آخر لحظة من حياتهم رغم ما يملكون من ثراء طائل ، وذلك لبغية أن يوفروا لأبنائهم مستقبلا زاهرا ويقيموا لهم حياة سعيدة بعدهم ، وهذا يعني أن الإرث وقانون التوريث قادر على إعطاء العجلة الاقتصادية دفعة قوية ويزيد من حركتها ودورانها ونشاطها ، وأمّا إذا عرف الشخص أنّ أمواله بعد موته ، وامتناع تصرفه في تلك الأموال بسبب الوفاة تعود إلى الملكية العامة ، فإنّه قد يفقد قسطا كبيرا من نشاطه الاقتصادي ، ويصاب بالفتور والكسل.

ويشهد بهذا الأمر ما وقع في فرنسا قبل حين ، عند ما أقدم مجلس النواب الفرنسي ـ كما قيل ـ على إلغاء قانون الإرث قبل مدّة وأقرّ بدل ذلك إلحاق أموال الأشخاص بعد موتهم إلى خزانة الدولة ، وصيرورتها أموالا عامّة ، فتؤخذ من قبل الدولة وتصرف في المصارف العامّة بحيث لا يحصل ورثة الميت على أي شيء من التركة ، فكان لهذا القانون أثر سيء وظاهر على الحركة الاقتصادية ، فقد لوحظ اختلال كبير في أوضاع التصدير والاستيراد، كما خف النشاط الاقتصادي هناك بشكل ملحوظ ، فأقلق ذلك بال الحكومة ، وكان السبب الوحيد وراء هذه الحالة هو «إلغاء قانون الإرث» ممّا دفع بالدولة إلى إعادة النظر في هذا القرار.

وعلى هذا لا يمكن إنكار أن قانون الإرث ومبدأ التوريث مضافا إلى كونه قانونا طبيعيا فطريا ، له أثر قوي وعميق في تنشيط الحركة الاقتصادية.

١٢٦

الإرث في الأمم السابقة :

لما كان لقانون الإرث جذورا فطرية فإنّه شوهد وجود الإرث والتوريث في الشعوب والأمم السابقة في أشكال وصور مختلفة.

أمّا بين اليهود ـ وإن ادعى البعض عدم وجود مبدأ التوارث عندهم ـ ولكننا حينما نراجع التوراة نجدها تذكر هذا القانون في سفر الأعداد بصورة صريحة إذ يقول : وتكلم بني إسرائيل قائلا : أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته ، وإن لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لإخوته ، وإن لم يكن له أخوة تعطوا ملكه لإخوة أبيه ، وإن لم يكن لأبيه أخوة تعطوا ملكه لنسيبه الأقرب إليه من عشيرته فيرثه فصارت لبني إسرائيل فريضة قضاء كما أمر الرّب موسى(1) يدور لدى بني إسرائيل.

ويستفاد من هذه العبارات أنّ مبدأ التوارث كان على محور النسب فقط ، ولهذا لم يرد ذكر عن سهم الزوجة في الميراث.

وأمّا في الدين النصراني فالمفروض أن يكون مبدأ الإرث المذكور في التوراة معتبرا أيضا ، وذلك لما نقل عن المسيحعليه‌السلام من أنّه قال : «أنا لم أبعث لأغير من أحكام التوراة شيئا» ولهذا لا نجد في كتابات الفتاوى الدينية أي كلام حول الإرث ، نعم ورد في هذه الكتب بعض مشتقات الإرث في بعض الموارد ، ولكنها تعني جميعا الإرث المعنوي الأخروي.

هذا وقد كان التوارث لدى العرب الجاهليين يتحقق بإحدى هذه الطرق الثلاث :

1 ـ بالنسب ، وكان المقصود منه عندهم هم الأبناء الذكور والرجال خاصّة ، فلا يرث الصغار والنساء أبدا.

__________________

(1) سفر الأعداد الإصحاح السابع والعشرون : 8 ـ 11.

١٢٧

2 ـ بالتبني ، وهو من طرده أهله من الأبناء ، فتكفله وتبناه شخص آخر أو عائلة أخرى ، وفي هذه الصورة يتحقق التوارث بين المتبني والمتبني له.

3 ـ بالعهد ، يعني إذا تعاهد شخصان أن يدافع كل واحد منهما عن الآخر طيلة حياتهما ويرث أحدهما الآخر بعد وفاته ، فإنّه يقع التوارث بينهما بعد وفاة أحدهما.

وقد حرّر الإسلام قانون الإرث الطبيعي الفطري مما علق به من الخرافات ، ولحق به من رواسب التمييز العنصري الظالم الذي كان يفرق بين الرجل والمرأة حينا ، وبين الكبار والأطفال حينا آخر ، وجعل ملاك التوارث في ثلاثة أمور لم تكن معروفة إلى ذلك الحين :

1 ـ النّسب وذلك بمفهومه الوسيع ، وهم كل علاقة تنشأ بين الأشخاص بسبب الولادة في مختلف المستويات من دون فرق بين الرجال والنساء والصغار والكبار.

2 ـ السبب وهي العلاقات الناشئة بين الأفراد بسبب المصاهرة والتزاوج.

3 ـ الولاء وهي العلاقات الناشئة بين شخصين من غير طريق القرابة (السبب والنسب) مثل ولاء العتق ، يعني إذا أعتق رجل عبده ، ثمّ مات العبد وخلف من بعده مالا ولم يترك أحدا ممن يرثونه بالسبب أو النسب ، ورثه المعتق ، وفي هذا حيث على التحرير والإعتاق ، وكذلك ولاء ضمان الجريرة ، وهو أن يركن شخص إلى آخر ـ لا سبب بينهما ولا نسب ـ ويتعاهدان أن يضمن كل منهما جناية الآخر ويدافع كل منهما عن الآخر،ويكون إرث كل منهما للآخر ، و «ولاء الإمامة» يعنى إذا مات أحد ولم يترك من يرثونه ممن ذكر ورثه الإمامعليه‌السلام ، أي أن أمواله تنتقل إلى بيت المال الإسلامي ، وتصرف في شؤون المسلمين العامّة.

هذا ، ولكل واحدة من هذه الطبقات أحكام وشرائط خاصّة مذكورة في الكتب الفقهية المفصلة.

١٢٨

التّفسير

قال الله تعالى في الآية الأولى من هذه الآيات( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وهو بذلك يشير إلى حكم الطبقة الأولى من الورثة (وهم الأولاد والآباء والأمهات) ، ومن البديهي أنّه لا رابطة أقوى وأقرب من رابطة الأبوة والبنوة ولهذا قدموا على بقية الورثة من الطبقات الاخرى.

ثمّ إنّ من الجدير بالاهتمام من ناحية التركيب اللفظي جعل الأنثى هي الملاك والأصل في تعيين سهم الرجل ، أي أن سهمها من الإرث هو الأصل ، وإرث الذكر هو الفرع الذي يعرف بالقياس على نصيب الأنثى من الإرث إذ يقول سبحانه :( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، وهذا نوع التأكيد على توريث النساء ومكافحة للعادة الجاهلية المعتدية القاضية بحرمانهن من الإرث والميراث ، حرمانا كاملا.

وأمّا فلسفة هذا التفاوت بين سهم الأنثى والذكر فذلك ما سنتعرض له عمّا قريب إن شاء الله.

ثمّ يقول سبحانه وتعالى :( فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ) أي لو زادت بنات الميت على اثنتين فلهن الثلثان أي قسم الثلثان بينهن.

ثمّ قال( وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) أي لو كانت البنت واحدة ورثت النصف من التركة.

وهاهنا سؤال :

القرآن يقول في هذا المجال «فوق اثنتين» أي لو كانت بنات الميت أكثر من بنتين استحققن ثلثي التركة يقسّم بينهن ، وهذا يعني أن القرآن ذكر حكم البنت الواحدة ، وحكم البنات فوق اثنتين ، وسكت عن حكم «البنتين» ، فلما ذا؟

١٢٩

الجواب :

بملاحظة المقطع الأوّل من الآية الحاضرة يتضح جواب هذا السؤال ، ونعني قوله تعالى:( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، ولو إجمالا ، لأن ورثة الميت إن انحصروا في ابن واحد وبنت واحدة كان للابن الثلثان وللبنت الثلث ، فإذا كانتا بنتين كان لهما الثلثان حسب هذه العبارة.

وخلاصة القول : أنّه إذا قال للذكر مثل حظ الأنثيين وكان أوّل العدد ذكرا وأنثى وللذكر الثلثان وللأنثى الثلث ، علم من ذلك أن للبنتين الثلثين ، ولعل لوضوح هذا الأمر لم تتعرض الآية لبيانه (أي لذكر سهم الأختين) واكتفت بذكر سهم البنات المتعددات فوق اثنتين ، وهو الثلثان.

على أن هذا المطلب يتّضح أيضا بمراجعة الآية الأخيرة من سورة النساء ، لأنّها جعلت نصيب الأخت الواحدة النصف (مثل نصيب البنت الواحدة) ثمّ تقول :( فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ ) فمن هذا يتضح أن سهم البنتين هو الثلثان أيضا.

هذا مضافا إلى ورود مثل هذا التعبير في الأدب العربي ، إذ يقول العرب أحيانا «فوق اثنتين» ويكون مرادهم هم «اثنتان فما فوق».

وبغض النظر عن كل ما قيل أنّ الحكم المذكور من الأحكام القطعية المسلمة من وجهة نظر الفقه الإسلامي والأحاديث الشريفة ، والرجوع إلى السنة المطهرة (أي الأحاديث) كفيل برفع أي إبهام في الجملة المذكورة إن كان.

لما ذا يرث الرّجل ضعف المرأة؟ :

مع أنّ ما يرثه الرجل هو ضعف ما ترثه المرأة ، إلّا أنّه بالإمعان والتأمل يتّضح أنّ المرأة ترث ـ في الحقيقة ـ ضعف ما يرثه الرجل إذا لا حظنا القضية من جانب آخر ، وهذا إنّما هو لأجل ما يوليه الإسلام من حماية لحقوق المرأة.

توضيح ذلك : إن هناك وظائف أنيطت بالرجل (وبالأحرى كلّف بأدائها تجاه

١٣٠

المرأة) تقتضي صرف وإنفاق نصف ما يحصل عليه الرجل على المرأة ، في حين لا يجب على المرأة أي شيء من هذا القبيل.

إنّ على الرجل (الزوج) أن يتكفل نفقات زوجته حسب حاجتها من المسكن والملبس والمأكل والمشرب وغير ذلك من لوازم الحياة كما أن عليه أن ينفق على أولاده الصغار أيضا ، في حين أعفيت المرأة من الإنفاق حتى على نفسها ، وعلى هذا يكون في إمكان المرأة تدخر كل ما تحصله عن طريق الإرث ، وتكون نتيجة ذلك أن الرجل يصرف وينفق نصف مدخوله على المرأة ، ونصفه فقط على نفسه ، في حين يبقى سهم المرأة من الإرث باقيا على حاله.

ولمزيد من التوضيح نلفت نظر القارئ الكريم إلى المثال التالي : لنفترض أنّ مجموع الثروات الموجودة في العالم والتي تقسم تدريجا ـ عن طريق الإرث ـ بين الذكور والإناث هو (30) ميليارد دينار ، والآن فلنحاسب مجموع ما يحصل عليه الرجال ونقيسه بمجموع ما تحصل عليه النساء عن طريق الإرث.

فلنفترض أن عدد الرجال والنساء متساو فتكون حصة الرجال هو (20) ميلياردا ، وحصة النساء هي (10) ميلياردات.

وحيث أن النساء يتزوجن ـ غالبا ـ فإن الإنفاق عليهنّ يكون من واجب الرجال ، وهذا يعني أن تحتفظ النساء ب (10) ميلياردات (وهو سهمهنّ من الإرث) ، ويشاركن الرجال في العشرين ميلياردا ، لأن على الرجال أن يصرفوا من سهمهم على زوجاتهم وأطفالهم.

وعلى هذا يصرف الرجال (10) ميلياردات على النساء (وهو نصف سهمهم من الإرث) فيكون مجموع ما تحصل عليه النساء ويملكنه هو (20) ميلياردا وهو ثلثا الثروة العالمية في حين لا يعود من الثروة العالمية على الرجال إلّا (10) ميلياردات ، أي ثلث الثروة العالمية (وهو المقدار الذي يصرفه الرجال على أنفسهم).

١٣١

وتكون النتيجة أنّ سهم المرأة التي تصرفه وتستفيد منه وتتملكه واقعا هو ضعف سهم الرجل ، وهذا التفاوت إنّما لكونهنّ أضعف من الرجال على كسب الثروة وتحصيلها (بالجهد والعمل) ، وهذا ـ في حقيقته ـ حماية منطقية وعادلة قام بها الإسلام للمرأة ، وهكذا يتبيّن أنّ سهمها الحقيقي أكثر ـ في النظام الإسلامي ـ وإن كان في الظاهر هو النصف.

ومن حسن الصدف أنّنا نقف على هذه النقطة إذا راجعنا التراث الإسلامي حيث أنّ هذا السؤال نفسه قد طرح منذ بداية الإسلام وخالج بعض الأذهان ، فكان الناس يسألون أئمّة الدين عن سرّ ذلك بين حين وآخر ، وكانوا يحصلون على إجابات متشابهة في مضمونها ـ على الأغلب ـ وهو أن الله إذ كلف الرجال بالإنفاق على النساء وأمهارهنّ،جعل سهمهم أكثر من سهمهنّ.

إن أبا الحسن الرضاعليه‌السلام كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله علّة إعطاء النساء نصف ما يعطي الرجال من الميراث : لأن المرأة إذا تزوجت أخذت ، والرجل يعطي ، فلذلك وفرّ على الرجال ، وعلة أخرى في إعطاء الذكر مثل ما يعطى الأنثى لأن الأنثى من عيال الذكر إن احتاجت ، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها ، وليس على المرأة أن تعول الرجل ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج فوفرّ على الرجال لذلك(1) .

إرث الأب والأمّ :

وأمّا ميراث الآباء والأمهات الذين هم من الطبقة الأولى ، وفي مصاف الأبناء أيضا،فإن له كما ذكرت الآية الحاضرة (أي الآية الأولى من هذه المجموعة) ثلاث حالات هي:

الحالة الأولى : إنّ الشخص المتوفى إن كان له ولد أو أولاد ، ورث كل من الأب

__________________

(1) البرهان ، ج 1 ، ص 347.

١٣٢

والأمّ السدس :( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) .

الحالة الثّانية : إن لم يكن للمتوفى ولد ، وانحصر ورثته في الأب والأمّ ، ورثت الأمّ ثلث ما ترك ، يقول سبحانه :( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) وإذا كنّا لا نجد هنا أي ذكر عن سهم الأب فلان سهمه واضح وبيّن وهو الثلثان ، هذا مضافا إلى أنّه قد يخلف الميت زوجة فينقص في هذه الصورة من سهم الأب دون سهم الأم ، وبذلك يكون سهم الأب متغيّرا في الحالة الثانية.

الحالة الثالثة : إذا ترك الميت أبا وأمّا وأخوة من أبويه أو من أبيه فقط ، ولم يترك أولادا، ففي مثل هذه الحالة ينزل سهم الأم إلى السدس ، وذلك لأن الأخوة يحجبون الأم عن إرث المقدار الزائد عن السدس وإن كانوا لا يرثون ، ولهذا يسمى أخوة الميت بالحاجب،وهذا ما يعنيه قول الله سبحانه :( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) .

وفلسفة هذا الحكم واضحة ، إذ وجود أخوة للميت يثقل كاهل الأب ، لأن على الأب الإنفاق على أخوة الميت حتى يكبروا ، بل عليه أيضا أن ينفق عليهم بعد أن يكبروا،ولهذا يوجب وجود أخوة للميت من الأبوين أو من الأب خاصّة تدني سهم الأمّ ، ولا يوجب تدني سهم الأب ، ولا يحجبونها عن إرث ما زاد على السدس إذا كانوا من ناحية الأمّ خاصّة ، إذ لا يجب لهم على والد الميت شيء من النفقات. كما هو واضح.

سؤال :

ويرد هنا سؤال ، وهو أن القرآن استعمل في المقام صيغة الجمع إذ قال :( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) ونحن نعلم أن أقل الجمع هو ثلاثة ، في حين يذهب جميع الفقهاء إلى أن الأخوين يحجبان أيضا ، فكيف التوفيق بينهما؟

الجواب :

إنّ الجواب يتّضح من مراجعة الآيات القرآنية الاخرى ، وإذ لا يلزم أن يكون

١٣٣

المراد كلّما استعملت صيغة الجمع ، الثلاثة فما فوق ، بل استعملت أحيانا على شخصين فقط كما في الآية (78) من سورة الأنبياء( وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ ) .

والآية ترتبط بقضاء داود وسليمان ، وقد استخدم القرآن الكريم ضمير الجمع في شأنهما ، فقال «لحكمهم».

ومن هنا يتّضح أنّه قد تستعمل صيغة الجمع في شخصين أيضا ، ولكن هذا يحتاج طبعا إلى قرينة وشاهد ، والشاهد في المقام هو ورود الدليل من أئمّة الدين على ذلك ، وإجماع المسلمين ، إذ أجمع فقهاء المسلمين سنة وشيعة (إلّا ابن عباس) إن الحكم المذكور في الآية يشمل الأخوين أيضا.

الإرث بعد الوصية والدّين :

ثمّ إنّ الله سبحانه يقول :( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) فلا بدّ من تنفيذ ما أوصى به الميت من تركته ، أو أداء ما عليه من دين أوّلا ، ثمّ تقسيم البقية بين الورثة.

(وقد ذكرنا في باب الوصية أنّ لكل أحد أن يوصى بأمور في مجال الثلث الخاص به فقط ، فلا يصح أن يوصي بما زاد عن ذلك إلّا أن يأذن الورثة بذلك).

ثمّ قال سبحانه :( آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ) وهذه العبارة تفيد أن قانون الإرث المذكور قد أرسى على أساس متين من المصالح الواقعية ، وأن تشخيص هذه المصالح بيد الله ، لأن الإنسان يعجز عن تشخيص مصالحه ومفاسده جميعا ، فمن الممكن أن يظن البعض أنّ الآباء والأمهات أكثر نفعا لهم ، ولذلك فهم أولى بالإرث من الأبناء وإن عليه أن يقدمهم عليهم ، ومن الممكن أن يظن آخرون العكس ، ولو كان أمر الإرث وقسمته متروكا إلى الناس لذهبوا في ذلك ألف مذهب ، ولآل الأمر إلى الهرج والمرج والفوضى ، وانتهى إلى الاختلاف والتشاجر ، ولكن الله الذي يعلم بحقائق الأمور كما هي أقام قانون

١٣٤

الإرث على نظام ثابت يكفل خير البشرية ويتضمّن صلاحها

ولأجل أن يتأكد كل ما ذكر من الأمور ، ويتخذ صفة القانون الذي لا يحتمل الترديد ، ولا يكون فيه للناس أي مجال نقاش ، يقول سبحانه :( فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً ) وبذلك يقطع الطريق على أي نقاش في مجال القوانين المتعلقة بالأسهم في الإرث.

سهم الأزواج بعضهم من بعض :

في الآية السابقة أشير إلى سهم الأولاد والآباء والأمهات ، وفي الآية التي تليها يقول الله سبحانه :( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ) ويشير سبحانه إلى كيفية إرث الزوجين بعضهما من بعض ، فإن الزوج يرث نصف ما تتركه الزوجة هذا إذا لم يكن للزوجة ولد ، فإن كان لها ولد أو أولاد (ولو من زوج آخر) ورث الزوج ربع ما تتركه فقط ، وإلى هذا يشير تعالى في نفس الآية :( فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ) .

على أن هذا التقسيم يجب أن يتمّ بعد تنفيذ وصايا المتوفاة ، أو تسديد ما عليها من ديون كما يقول سبحانه :( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ) .

وأمّا إرث الزوجة مما يتركه الزوج ، فإذا كان للزوج أولاد (وإن كانوا من زوجة أخرى) ورثت الزوجة الثمن لقوله سبحانه :( فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) .

ويكون لها الربع إن لم يكن للزوج الميت ولد لقوله سبحانه :( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ) .

على أنّ هذا التقسيم يجب أن يتمّ أيضا من بعد تنفيذ وصايا الميت أو تسديد ديونه من أصل التركة :( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ) .

والملفت للنظر في المقام هو انخفاض سهام الأزواج إلى النصف إذا كان

١٣٥

للميت ولد ، وذلك رعاية لحال الأولاد.

وأمّا العلّة لكون سهم الأزواج ضعف سهم الزوجات فهي ما ذكرناه في البحث السابق حول علّة الفرق بين سهم الذكر والأنثى.

ثمّ إنّ هاهنا نقطة مهمة يجب التنبيه إليها أيضا ، وهي أنّ السهم المعين للنساء (سواء الربع أو الثمن) خاص بمن ترك زوجة واحدة فقط (فإنّها ترث كل الربع أو كل الثمن) وأمّا إذا ترك الميت زوجات متعددة قسم ذلك السهم (الربع أو الثمن) بينهن بالتساوي ، وهذا هو ما يدل عليه ظاهر الآية مورد البحث أيضا.

إرث أخوة الميت وأخواته :

ثمّ أنّه سبحانه بعد أن يذكر سهم الأزواج بعضهم من بعض ، يعمد إلى ذكر أسهم أخوة الميت وأخواته فيقول :( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً ) .

وفي هذه العبارة نواجه مصطلحا جديدا ورد في موضعين من القرآن فقط ، أحدهما،في الآية المبحوثة هنا ، والثاني ، في آخر آية من سورة النساء وهي كلمة «كلالة».

إنّ ما يستفاد من كتب اللغة هو اشتقاق كلالة من الكلال ، وهو ذهاب القوّة ، فقد جاء في صحاح اللغة : الكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوّة.

ولكنّها استعملت في ما بعد في أخوة الميت وأخواته الذين يرثونه ، ولعل التشابه بين المعنى الأوّل والثّاني هو أن الأخوة والأخوات يعتبرون من الطبقة الثانية في طبقات الإرث،وهم لا يرثون إلّا مع عدم وجود الأب والأمّ والأولاد للميت ومثل هذا الفاقد للأب والأم والأبناء لا بدّ أن يعاني من الضعف الشديد ، وذهاب القوّة ، ولهذا قيل له كلالة ، قال الراغب في كتابه المفردات : «الكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة».

١٣٦

وروي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الكلالة ، فقال : من مات وليس له ولد ولا والد،فجعله اسما للميت ، كلا القولين صحيح فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا.

وأمّا تعبير القرآن الكريم عن أخوة الميت وأخواته بالكلالة فلعله لأنّ على أمثال هؤلاء ممن عدموا الآباء والأمهات والأولاد أن يعلموا أن أموالهم ستقع من بعدهم في أيدي من يمثلون ضعفه ، ويدلون على ذهاب قوتهم ، ولذلك ينبغي لهم أن يصرفوها في مواضع أكثر ضرورة ولزوما ، وينفقونها في سبيل المحتاجين وفي حفظ المصالح العامّة.

عودة إلى تفسير الآية :

يقول الله سبحانه تعالى :( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) أي إن مات رجل ولم يترك إلّا أخا أو أختا ، أو ماتت امرأة ولم تترك سوى أخ أو أخت ، يورث كل منهما السدس من التركة ، هذا إذا كان الوارث أخا واحدا وأختا واحدة.

أمّا إذا كانوا أكثر من واحد ورث الجميع ثلثا واحدا ، أي قسم مجموع الثلث بينهم :( فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) .

ثمّ أضاف القرآن :( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ ) أي تكون قسمة الميراث هكذا بعد أن ينفذ الورثة من التركة ما أوصى به المتوفى ، أو يسددوا ما عليه من ديون ، ثمّ قال :( غَيْرَ مُضَارٍّ ) أي فيما إذا لم يكن ما أوصى الميت بصرفه من الميراث وكذا الدين مضرّا بالورثة ، أي أن لا يكون أكثر من الثلث ، لأن تجاوز الوصية أو الدين عن حد الثلث إضرار ، كما أنّه يتوقف إمضاء الزائد على الثلث على إذن الورثة ورضاهم بذلك ، أو أن يخبر الميت عن ديون كذبا ، ليحرم ورثته عن الإرث ويضرّ بهم ، كما نصت على ذلك روايات كثيرة مروية عن رسول

١٣٧

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرينعليهم‌السلام .

ثمّ أنّه سبحانه للتأكيد على هذا الحكم يقول :( وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ) أي أنّ هذا المطلب وصية من الله يجب أن تحترموها ، لأنّه العالم بمصلحتكم وخيركم ، فهو أمركم بهذا عن حكمة ، كما أنّه تعالى عالم بنيات الأوصياء ، هذا مع أنّه تعالى حليم لا يعاقب العصاة فورا ، ولا يأخذهم بظلمهم بسرعة.

بحوث أخرى عند هذه الآية :

هذا وتجب والإشارة ـ هنا ـ إلى عدّة أمور :

1 ـ إنّ ما ورد في الآية السابقة حول إرث الأخوة والأخوات وإن كان في ظاهره مطلقا يشمل الأخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب وحده أو من الأم وحدها ، إلّا أنّه بملاحظة آخر آية من سورة النساء (التي يأتي تفسيرها قريبا) يتّضح أنّ المراد ـ هنا ـ هو الأخوة والأخوات من جانب الأم فقط (أي الذين ينتسبون إلى الميت من جانب الأم فقط)، في حين أنّ المقصود في الآية الأخيرة من السورة هو الأخوة والأخوات من جانب الأبوين أو من جانب الأب خاصّة (سنتعرض لذكر الأدلة على هذا الأمر عند تفسير الآية الأخيرة من هذه السورة إن شاء الله).

وعلى هذا الأساس فإن الآيتين وإن كانتا حول إرث «الكلالة» (أي أخوة الميت وأخواته) ويبدو للنظر تعارض الآيتين ، إلّا أن التدبر والإمعان في مضمون الآيتين يكشف لنا أنّ كل واحدة منهما تقصد طائفة خاصّة من أخوة الميت وأخواته ، وأنّه لا تعارض بين مفاد الآيتين أبدا.

2 ـ من الواضح أن هذه الطبقة لا ترث إلا عند فقدان الطبقة الأولى (وهو الأب والأم ، والأولاد) مطلقا ، ويدل على ذلك قوله تعالى :( وَأُولُوا الْأَرْحامِ

١٣٨

بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (1) كما تدل عليه روايات متظافرة وردت في هذا الصعيد تعين طبقات الإرث ، وترجح بعضها على البعض الآخر.

3 ـ إنّ لفظة( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) تفيد أن أخوة الميت وأخواته أي «الكلالة» إن كانوا أكثر من أخ وأخت يقتسمون الثلث فيما بينهم بالتساوي ، من دون فرق بين الذكور والإناث ، لأنّ المفهوم من «الشركاء في الثلث» هو تساوي الأسهم.

4 ـ يستفاد من الآية المبحوثة أنّه لا يحق للإنسان أن يعترف بديون ـ كذبا ـ ليضرّ بالورثة ويضيع حقوقهم ويحرمهم من إرثه ، أنّه يجب عليه فقط أن يعترف ـ في آخر فرصة من حياته ـ بما عليه من الديون واقعا ، كما له أن يوصي بوصايا عادلة عبّر عنها في الروايات بأن تكون في حد «الثلث» وإطاره.

فقد وردت في روايات الأئمّةعليهم‌السلام ـ في هذا الصعيد ـ عبارات شديدة النكير على من يوصي بوصايا مضرّة بالورثة منها قولهم : «إنّ الضرار في الوصية من الكبائر»(2) .

إنّ الإسلام الحنيف بسنّه لهذا القانون يكون قد حفظ للميت نفسه شيئا من الحق في مسألة ، إذ يهيئ له إمكانية الاستفادة والانتفاع بمقدار الثلث ، كما حفظ حقوق الورثة أيضا حتى لا ينشأ في أفئدتهم أية ضغينة ، وحتى لا تتزعزع وشائج المودّة وروابط القربى التي يجب أن تستمر بعد وفاة المورث.

* * *

__________________

(1) الأنفال ، 75.

(2) مجمع البيان.

١٣٩

الآيتان

( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) )

التّفسير

«الحدود» جمع حدّ ، ويعني في أصل اللّغة لمنع ، ثمّ اطلق على كلّ حائل وحاجز بين شيئين يفصل بينهما ويميز ، فحدّ البيت والبستان والدّولة يراد منه الموضع الذي يفصل هذه النقطة عن غيرها من النقاط الاخرى.

هذا ولقد بدأت الآية الأولى من هاتين الآيتين بالإشارة إلى قوانين الإرث التي مرّت في الآيات السابقة بلفظة «تلك» إذ قال سبحانه :( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) أي تلك حدود الله التي لا يجوز تجاوزها وتجاهلها لأحد ، فإن من تعدى هذه الحدود كان عاصيا مذنبا.

وقد وردت هذه العبارة( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) في مواضع عديدة من القرآن الكريم،وقد جاءت دائما بعد ذكر سلسلة من الأحكام والقوانين والمقررات الاجتماعية ، ففي الآية 187 من سورة البقرة مثلا تأتي هذه العبارة بعد الإعلان

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

أحل أبو حنيفة بنت صلب

تكون من الزنا عرسا صحيحة

هذا، و في (تاريخ بغداد): لما عزل إسماعيل بن حمّاد عن البصرة،

شيّعوه فقالوا: عففت عن أموالنا و عن دمائنا. فقال لهم: و عن أبنائكم يعرض بيحيى ابن أكثم في اللواط.

و قال البحتري في ابن أبي الشوارب القاضي و سمّاه ابن أبي الشوارب و السبال:

نصرت الأوصياء على اليتامى

و قدمت النساء على الرجال

و أحرزت الوقوف فصرت أولى

بهن من الكلالة و الموالي

«الى اللَّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلالا» ورد ابن أبي ليلى على الصادقعليه‌السلام ، فقال له: أنت قاضي المسلمين؟ قال: نعم. قال: تأخذ مال هذا فتعطيه هذا، و تفرّق بين المرء و زوجه، لا تخاف في ذلك أحدا؟ قال: نعم.

قال: فبأي شي‏ء تقضي؟ قال: بما بلغني عن النبي، و علي، و أبي بكر، و عمر.

قال: فبلغك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان عليا أقضاكم. قال: نعم. قال: فكيف تقضي بغير قضاء علي، فما تقول اذا أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيدك فأوقفك بين يدي ربك فقال: يا رب ان هذا قضى بغير ما قضيت فاصفرّ وجهه( ١) .

و لما ورد غيلان بن جامع المحاربي قاضي ابن هبيرة على الصادقعليه‌السلام قالعليه‌السلام له: ما أظن ابن هبيرة وضع على قضائه إلا فقيها. قال:

أجل. قال: تجمع بين المرء و زوجه، و تفرّق بينهما، و تقتل، و تضرب الحدود،

و تحكم في أموال اليتامى. قال: نعم. قال: و بقضاء من تقضي؟ قال: بقضاء عمر، و ابن مسعود، و ابن عباس، و أقضي بشي‏ء من قضاء علي. قالعليه‌السلام :

ألستم تزعمون يا أهل العراق و تروون ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «علي أقضاكم»؟

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٧: ٤٠٨ ح ٥، و الطوسي في التهذيب ٦: ٢٢٠ ح ١٣.

٣٢١

قال: نعم. قال: فكيف تقول اذا جمع اللَّه الأولين و الآخرين في صعيد، ثم وجدك قد خالفت قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و عليعليه‌السلام ، فجعل غيلان ينتحب، فقالعليه‌السلام له:

أيّها الرجل أقصد لشأنك( ١) .

و في (يتيمة الثعالبي): ان عمرو بن العاص غير الخاتم من يمينه الى شماله، فاقتدى العامة به الى يومنا هذا.

و قال السلامي: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و الخلفاء كانوا يتختمون في أيمانهم،

فنقلها معاوية الى اليسار، و أخذ الناس بذلك. قال الثعالبي:

سنّ التختم في اليمين محمد

للقائلين بدعوة الاخلاص

فسعى ابن هند في إزالة رسمه

و أعانه في ذلك ابن العاص(٢)

«ليس فيهم سلعة» أي: متاع «أبور» أي: أكسد «من الكتاب اذا تلي حق تلاوته».

في (الحلية) في أبي سالم الدباغ قال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام، فقلت:

اقرأ عليك يا رسول اللَّه؟ فقال: نعم، فاستفتحت و استعذت، و قرأت عليه فاتحة الكتاب، و عشرين آية من أول سورة البقرة، فلم يردّ علي شيئا، فقلت: يا رسول اللَّه لم تردّ عليّ شيئا أحبّ أن تأخذ عليّ كما أنزل. فقال: لو أخذت عليك كما أنزل رجمك الناس بالحجارة.

«و لا سلعة أنفق بيعا» أي: أروج «و لا أغلى ثمنا من الكتاب اذا حرّف عن موضعه» هكذا في (المصرية) و الصواب: (مواضعه) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣) .

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٧: ٤٢٩ ح ١٣.

(٢) نقله عنه الشارح في كتاب الأوائل: ٤، أيضا لكن لم أظفر به في يتيمة الدهر.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٤، و شرح ابن ميثم ١: ٣١١.

٣٢٢

و في (العقد): ان عائشة لما كتبت الى زيد بن صوحان «ثبّط الناس عن علي»، كتب اليها انك امرت بأمر و أمرنا بغيره، امرت ان تقري في بيتك، و امرنا ان نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة، فتركت ما أمرت به، و كتبت تنهانا عمّا أمرنا به.

و في (تاريخ الطبري): أقبل زيد و معه كتاب من عائشة اليه خاصة،

و كتاب منها الى أهل الكوفة عامة تثبطهم عن نصرة عليعليه‌السلام ، و تأمرهم بلزوم الأرض. فقال: أيها الناس انظروا الى هذه امرت أن تقرّ في بيتها، و أمرنا نحن أن نقاتل حتى لا تكون فتنة، فأمرتنا بما أمرت به، و ركبت ما أمرنا به.

فقام اليه شبث بن ربعي فقال له: و ما أنت و ذاك أيها العماني، سرقت أمس بجلولاء، فقطعك اللَّه و تسب ام المؤمنين( ١) .

انظروا الى أن امهم أمرت بالمنكر، و نهت عن المعروف، و حرّفت الكتاب، و ابنها شبث الجافي الجلف و قاتل الحسينعليه‌السلام أنكر على زيد إنكاره عليها مخالفة كتاب اللَّه، و كان زيد قطع يده في سبيل اللَّه تعالى، فسمّى الخبيث قطع يده في سبيل اللَّه سرقة، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر زيدا بأن يده تقطع في سبيل اللَّه، ثم يتبع اللَّه آخر جسده بأوله( ٢ ) ، و صار كما قال، فاستشهد في الجمل، و قال قبل قتله: ما أراني إلا مقتولا رأيت يدي نزلت من السماء و هي تستشيلني اف لهم ولدينهم.

و في (تاريخ بغداد) عن الشافعي: نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة،

فإذا فيها مائة و ثلاثون ورقة، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب و السنة.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٤٩٨، سنة ٣٦.

(٢) أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب ١: ٥٦٠، و أبو يعلى و ابن مندة عنهما الاصابة ١: ٥٨٢ و ٥٨٣ و ابن عدي الخطيب و ابن عساكر عنهم منتخب كنز العمال ٥: ١٨٧، و اسد الغابة ٢: ٢٣٤.

٣٢٣

و في (الاستيعاب) عن الحسن: كتب زياد الى الحكم بن عمرو الغفاري و هو على خراسان ان معاوية كتب الي ان تصطفي له البيضاء و الصفراء، فلا تقسم بين الناس ذهبا و لا فضة، فكتب اليه الحكم: اني وجدت كتاب اللَّه قبل كتاب معاوية. ثم قال للناس: أغدوا على مالكم، فقسمه بينهم، ثم قال: اللهم ان كان لي عندك خير فاقبضني اليك فمات بخراسان بمرو( ١) .

و في (عيون ابن قتيبة) عن سديف مولى اللهبيين انه كان يقول: اللهم اشتريت المعازف و الملاهي بسهم الايتام و الأرملة، و حكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، و تولى القيام بامورهم فاسق كلّ محله. اللهم و قد استحصد زرع الباطل، و بلغ نهايته، و اجتمع طريده، اللهم فأتح لهم من الحق يدا حاصدة تبدد شمله، و تفرّق أمره.

و ذكر رجل قوما فقال: يصومون عن المعروف و يفطرون على الفحشاء.

و سأل الحلبي الصادقعليه‌السلام عن الحجّ فقال له: تمتع. ثم قال له: إنّا اذا وقفنا بين يدي ربنا قلنا يا رب أخذنا بكتابك و سنّة نبيك، و قال الناس رأينا رأينا( ٢) .

كانوا كما قيل في البر مكيين، و كما قيل في بشر بن الوليد قاضي المأمون:

اذا ذكر الشرك في مجلس

أنارت وجوه بني برمك

و ان تليت عندهم آية

اتوا بالأحاديث عن مزدك

ينفي شهادة من يدين بما

به نطق الكتاب و جاءت الآثار

____________________

(١) الاستيعاب ١: ٣١٥.

(٢) أخرجه الطوسي في التهذيب ٥: ٢٦ ح ٥، و الاستبصار ٢: ١٥٠ ح ٢.

٣٢٤

هذا، و عن عوانة: خطبنا عتبة بن النهاس العجلي، فقال: ما أحسن ما قال تعالى في كتابه:

ليس حي على المنون بباق

غير وجه المسبح الخلاق

فقمت اليه فقلت: أيها الرجل ان اللَّه عز و جل لم يقل هذا، انما قاله عدي ابن زيد، فنزل عن المنبر.

و عنه اتي عتبة بامرأة من الخوارج، فقال: يا عدوّة اللَّه ما خروجك على الخليفة، ألم تسمعي قول اللَّه:

كتب القتل و القتال علينا

و على المحصنات جر الذيول

فحركت رأسها و قالت: يا عدو اللَّه، حملني على الخروج جهلكم بكتاب اللَّه عز و جل.

«و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر» في الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يأتي بعدي زمان لا يأمرون بالمعروف، و لا ينهون عن المنكر،

فعجبوا، فقال: يأتي زمان يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف، فعجبوا أكثر، فقال: يأتي زمان يصير المعروف عندهم منكرا، و المنكر معروفا( ١) .

و في الحلية في أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك: ما أعرف اليوم شيئا مما كنّا عليه على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قيل: فأين الصلاة؟ قال: أو لم تضعوا في الصلاة ما قد علمتم.

هذا، و يأتي في فصل القرآن قولهعليه‌السلام : و ليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته، و لا أنفق اذا حرّف عن مواضعه، و لا في البلاد شي‏ء أنكر من المعروف، و لا أعرف من المنكر( ٢) .

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٥: ٥٩ ح ١٤، و الطوسي في التهذيب ٦: ١٧٧ ح ٨، و الحميري في قرب الاسناد ٢٦.

(٢) يأتي في العنوان ١٢ من الفصل الحادي و الأربعين.

٣٢٥

٤ - الخطبة (٨٥) بعد ذكر العالم العارف:

وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَ أَضَالِيلَ مِنْ ضُلاَّلٍ وَ نَصَبَ لِلنَّاسِ شَرْكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وَ قَوْلِ زُورٍ قَدْ حَمَلَ اَلْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ وَ عَطَفَ اَلْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ يُؤَمِّنُ مِنَ اَلْعَظَائِمِ وَ يُهَوِّنُ كَبِيرَ اَلْجَرَائِمِ يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ اَلشُّبُهَاتِ وَ فِيهَا وَقَعَ وَ أَعْتَزِلُ اَلْبِدَعَ وَ بَيْنَهَا اِضْطَجَعَ فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ وَ اَلْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لاَ يَعْرِفُ بَابَ اَلْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَ لاَ بَابَ اَلْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَ ذَلِكَ مَيِّتُ اَلْأَحْيَاءِ «و آخر» غير عبد أعانه اللَّه على نفسه مع سائر محامده «قد تسمى عالما و ليس به» هو نظير قولهعليه‌السلام في سابقه «قد سماه أشباه الناس عالما و ليس به».

فممن تسمى عالما و ليس به من أئمتهم الأربعة مالك بن أنس الذي كان مغنيا من تلامذة طويس المغني كما في (الأغاني) و كان قبيح الوجه، فأشارت امه اليه بطلب الفقه فصار امام ضلال، كان يقول كما في العقد و اللَّه ما اقتتل علي و عثمان و طلحة و الزبير إلا على الثريد الأعفر.

و منهم سفيان الثوري، كان في شرطة هشام بن عبد الملك، و شهد قتل زيد بن علي، و كان من الكذّابين في الحديث.

و منهم مسروق بن الأجدع، أوصى أن يدفن في مقابر اليهود ليخرج من قبره، و ليس هناك من يؤمن باللَّه و رسوله غيره.

٣٢٦

«فاقتبس» أي: اكتسب «جهائل» جمع الجهالة «من جهال و أضاليل من ضلال».

في (المسترشد): روى أبو أيوب الشاذكوني قال: حدّثنا معاذ بن أعضف سمعت شعبة يقول: قد أخذت من أربعمائة شيخ، ثلاثمائة و ثمانية و تسعون مدلسون، إلا رجلين أبو عون و عمرو بن مرة.

و في (تاريخ بغداد) عن أبي بكر بن أبي داود: جميع ما روى أبو حنيفة من الحديث مائة و خمسون حديثا، أخطأ في نصفها.

و فيه عن النضر بن شميل: في كتاب (حيل أبي حنيفة) كذا كذا مسألة كلّها كفر، و قال عبد اللَّه بن المبارك: من نظر في كتاب حيله أحل ما حرم،

و حرّم ما أحل. و قيل له: ما وضع كتاب الحيل إلا شيطان؟ فقال: بل كان الذي وضعه أشرّ من الشيطان، و كان حمّاد بن سلمة يكنّيه أبا جيفة.

«و نصب للناس شركا» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «أشراكا» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) ، و الاشراك: جمع الشرك بفتحتين حبالة الصائد.

«من حبائل» جمع حبالة، و في (ابن ميثم و الخطية) (من حبال)( ٢ ) «غرور و قول زور» أي: الكذب و الباطل.

قال الصادقعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بالمقاييس فقد هلك و أهلك،

و من أفتى الناس و هو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، و المحكم من المتشابه فقد هلك و أهلك.

قال ابن شبرمة: ما ذكرت هذا الحديث من جعفر بن محمد الا

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٧٢، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢٩٧ مثل المصرية.

(٢) شرح ابن ميثم ٢: ٢٩٧.

٣٢٧

كاد أن يتصدع له قلبي( ١) .

«قد حمل الكتاب على آرائه و عطف الحق على أهوائه» في (تاريخ بغداد): قال شريك: كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب اللَّه، قال تعالى: و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيمة( ٢ ) و ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم( ٣ ) ، و زعم أبو حنيفة ان الايمان لا يزيد و لا ينقص، و زعم ان الصلاة ليست من دين اللَّه.

قلت: بل بثلاثة آيات، فلما سألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تحويل القبلة عن صلواتهم الاولى نزل و ما كان اللَّه ليضيع ايمانكم( ٤) .

و فيه: قيل لأبي حنيفة: ما تقول في رجل قتل أباه، و نكح امه، و شرب الخمر، في رأس أبيه؟ فقال: مؤمن.

و فيه: سئل ابو حنيفة عن رجل لزم غريما له، فحلف له بالطلاق ان يعطيه حقّه غدا، الا ان يحول بينه و بينه قضاء اللَّه، فلما كان من الغد جلس على الزنا، و شرب الخمر. قال: لم يحنث.

«يؤمّن من العظائم و يهون كبير الجرائم» في (تاريخ بغداد) عن مالك بن أنس: كانت فتنة أبي حنيفة أضرّ على هذه الامة من فتنة ابليس في الوجهين جميعا، في الأرجاء، و ما وضع من نقض السنن.

و في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : اتقوا المحقرات من الذنوب، فان لها طالبا،

يقول أحدكم: اذنب و استغفر، ان اللَّه تعالى يقول: و نكتب ما قدموا و آثارهم و كلّ شي‏ء أحصيناه في امام مبين( ٥ ) و قال تعالى: انها ان تك مثقال حبة

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٣ ح ٩.

(٢) البينة: ٥.

(٣) الفتح: ٤.

(٤) البقرة: ١٤٣.

(٥) يس: ١٢.

٣٢٨

من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها اللَّه ان اللَّه لطيف خبير( ١) .

«يقول أقف عند الشبهات و فيها وقع» و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني الا في الفتنة سقطوا و ان جهنم لمحيطة بالكافرين( ٢) .

«و اعتزل» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «و يقول اعتزل» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٣ ) «البدع و بينها اضطجع» بعد كون أقواله و أعماله بدعا غير السنن، و بتسميته بدعة السنن لا تنقلب عن حقيقتها.

«فالصورة صورة انسان و القلب قلب حيوان» و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون( ٤ ) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا( ٥ ) بل قلوبهم في غمرة من هذا و لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون( ٦) .

«لا يعرف باب الهدى فيتبعه» و الاتباع فرع العرفان «و لا باب العمى فيصدّ عنه» فكانوا لا يفرّقون بين أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قال فيهم: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها هلك»( ٧ ) ، و قال فيهم: «اني

____________________

(١) الكافي ٢: ٢٧٠ ح ١٠. و الآية ١٦ من سورة لقمان.

(٢) التوبة: ٤٩.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ٣٧٢، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢٩٧ مثل المصرية.

(٤) الاعراف: ١٧٩.

(٥) الفرقان: ٤٤.

(٦) المؤمنون: ٦٣.

(٧) هذا حديث السفينة له طرق كثيرة منها ما أخرجه الحاكم في المستدرك ٣: ١٥٠، و الخطيب في تاريخ بغداد ١٢:

٩١، و ابو نعيم في حلية الأولياء ٤: ٣٠٦، و صاحب صحيفة الرضاعليه‌السلام فيه: ٥٧ و ٧٦.

٣٢٩

تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، كتاب اللَّه، و أهل بيتي»( ١ ) و بين مخالفيهم، فتركوا أهل بيته و اتبعوا أعداءه، كما أن من لم يعرف الطريق يدع الصراط و يسلك التيه.

«فذلك ميت الأحياء» و قد قال تعالى لنبيه: انك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء اذا و لوا مدبرين. و ما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ان تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ٢ ) و ما أنت بمسمع من في القبور( ٣) .

٥ - الحكمة (١٨٣) و قالعليه‌السلام :

مَا اِخْتَلَفَتْ دَعْوَتَانِ إِلاَّ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ضَلاَلَةً أقول: فان غير ذلك غير معقول، لاستحالة اجتماع الضدين و النقيضين في العقول.

و من الغريب ان العامّة لم تقنع بقولهم بذلك، بل نسبته الى اللَّه تعالى و الرسول، فمنهم عبيد اللَّه بن الحسن المتكلّم، و كان ولي قضاء البصرة.

قال ابن قتيبة في (مختلفه): كان عبيد اللَّه يقول: ان القرآن يدل على الاختلاف، فالقول بالقدر صحيح و له أصل في الكتاب، و القول بالاجبار صحيح و له أصل في الكتاب، و من قال بهذا فهو مصيب، و من قال بهذا فهو

____________________

(١) هذا حديث الثقلين له طرق كثيرة منها ما أخرجه مسلم في صحيحه ٤: ١٨٧٣ و ١٨٧٤ ح ٣٦ و ٣٧، و الترمذي في سننه ٥: ٦٦٢ و ٦٦٣ ح ٣٧٨٦ و ٣٧٨٨، و الحاكم في المستدرك ٣: ١٤٨، و صاحب صحيفة الرضاعليه‌السلام فيه: ٥٧ ح ٧٦.

(٢) النمل: ٨١.

(٣) فاطر: ٢٢.

٣٣٠

مصيب، لأن الآية الواحدة ربما دلّت على وجهين مختلفين، و احتملت معنيين متضادين.

و سئل يوما عن أهل القدر و أهل الإجبار، فقال: كلّ مصيب، هؤلاء قوم قد عظموا اللَّه، و هؤلاء قوم قد نزّهوا اللَّه.

و فيه: قال عبيد اللَّه: كلّ من سمّى الزاني مؤمنا فقد أصاب، و من سمّاه كافرا فقد أصاب، و من قال هو كافر و ليس بمشرك فقد أصاب، و من قال هو كافر مشرك فقد أصاب، لأن القرآن قد دلّ على كلّ هذه المعاني.

و فيه: قال عبيد اللَّه: القول بالقرعة و خلافه كلّ منهما صواب، و القول بالسعاية و خلافه كلّ منهما صواب، و كذلك قتل المؤمن بالكافر و الا يقتل مؤمن بكافر، بأيهما أخذ الفقيه فهو مصيب. و لو قال قائل: ان القاتل في النار كان مصيبا، و لو قال: هو في الجنة كان مصيبا، و لو وقف فيه و أرجأ أمره كان مصيبا، إذ كان انما يريد بقوله ان اللَّه تعالى تعبّده بذلك، و ليس عليه علم الغيب.

و كان يقول في قتال علي لطلحة و الزبير و قتالهما له: ان ذلك كلّه طاعة للَّه.

قال ابن قتيبة: و في هذا القول من التناقض و الخلل ما ترى.

قلت: و كيف افترى على القرآن بما نسب اليه من الجمع بين المتضاد،

و أي باطل أبطل منه و قد قال تعالى: لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد( ١ ) ، و كيف نسب الاختلاف الى القرآن و امتيازه من الكتب لكونه كتاب اللَّه تعالى بعدم وقوع اختلاف فيه أصلا، و لو كان من عند

____________________

(١) فصلت: ٤٢.

٣٣١

غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا( ١) .

و أما ما توهمه فانما هو لأن القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات( ٢ ) ، و هو لزيغ قلبه اتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، و ابتغاء تأويله، كما أنه لزيغه ترك الراسخين في العلم، و اتبع الثابتين في الجهل.

و من الغريب ان شيخ تاريخهم الطبري يأتي في كتابه كثيرا من هذا المتضادّ من روايات سيف الخبيثة، فروى عنه أن بعد الجمل قالت عائشة و علي كلّ منهما: وددت اني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، و كان قولهما واحدا( ٣) .

و روى: عنه أنّه قال بعد الجمل: كلّما نعي الى عائشة من كان معها و من كان عليها قالت يرحمه اللَّه، فقال لها رجل من أصحابها: كيف ذلك؟ قالت: كذلك قال النبي فلان في الجنة و فلان في الجنة. و قال علي أيضا يومئذ: اني لأرجو ألا يكون أحد من هؤلاء نقي قلبه إلا أدخله اللَّه الجنّة، و ان عليّا صلّى على قتلى الكوفة و على قتلى البصرة، و صلّى على قريش من هؤلاء و هؤلاء.

و ان رجلا من أصحاب علي قال لعائشة: جزيت عنّا امنا عقوقا، و آخر منهم قال لها: يا امنا توبي فقد خطئت. فقال علي للقعقاع بن عمرو: اضرب أعناقهما.

ثم قال: لانهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة مجردين( ٤) .

أف منهم و من هذه الأكاذيب الأعاجيب، و من هذه التناقضات و التهافتات.

____________________

(١) النساء: ٨٢.

(٢) آل عمران: ٧.

(٣) تاريخ الطبري ٣: ٥٤١ سنة ٣٦.

(٤) تاريخ الطبري ٣: ٥٤٢ سنة ٣٦.

٣٣٢

و أغرب من ذلك أن أبا المعالي الجويني منهم و كان بالتكنية بأم السفالى أولى منه بأبي المعالي أنكر المتواترات و البديهيات، و قال ما كان بينهم اختلاف رأسا، و قال ما كان القوم إلا كبني ام واحدة، و لم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط، و لا وقع بينهم اختلاف و نزاع( ١) .

ثم ليس تكميلهم للدين بزعمهم نقصه منحصرا بإمام فروع بعضهم،

بل كان كذلك أئمة أصول كلّهم و فروع كلّهم، فقال فاروقهم: «متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه، و أنا أنهى عنهما، و اعاقب عليهما»( ٢) .

٦ - الخطبة (١٨) و من كلام لهعليه‌السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا:

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ اَلْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ اَلْأَحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ اَلْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلاَفِهِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ اَلْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ اَلْإِمَامِ اَلَّذِي اِسْتَقْضَاهُمْ فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ أَ فَأَمَرَهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى بِالاِخْتِلاَفِ فَأَطَاعُوهُ أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ أَمْ أَنْزَلَ اَللَّهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى أَمْ أَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ؟ اَلرَّسُولُ ص؟ عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي اَلْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ١٥ ٢٠ ٦: ٣٨ وَ قَالَ وَ فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ ذَكَرَ أَنَّ اَلْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَنَّهُ لاَ اِخْتِلاَفَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ

____________________

(١) نقل كلامه ابن أبي الحديد في شرحه ٢٠: ١٢.

(٢) أخرجه ابو صالح كاتب الليث و الطحاوي عنهما منتخب كنز العمال ٦: ٤٠٤.

٣٣٣

اَللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً ٥ ١٥ ٤: ٨٢ وَ إِنَّ؟ اَلْقُرْآنَ؟ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَ لاَ تُكْشَفُ اَلظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِهِ قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا» تعبيره عنهم بالعلماء غير حسن، فان العلم لا اختلاف فيه حتى يصدق اختلاف العلماء، و كان عليه أن يقول «اختلاف الناس» أو يقول «اختلافهم» مثلهعليه‌السلام ، فانه قال «ترد على أحدهم القضية» الخ و لم يقل «على أحد العلماء»،

و لو كان قد قال: «في ذم اختلاف علمائهم» لا «العلماء» مطلقا لم يكن أبعد كثيرا.

و كيف كان ففي (تاريخ بغداد): حجّ الأعمش من الكوفة، و مالك بن أنس من المدينة، و عثمان البتي من البصرة، فجلسوا في المسجد الحرام يفتون و يخالف بعضهم بعضا، فقال رجل للأعمش: اتخالف أهل المدينة؟ فقال:

قديما اختلفنا و إيّاهم، فرضينا بعلمائنا و رضوا بعلمائهم.

قولهعليه‌السلام (ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه) هكذا في (المصرية) و الصواب: «بخلاف قوله»، كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

روى ابن الشيخ في (أماليه) عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة،

فوجدت فيها أبا حنيفة، و ابن أبي ليلى، و ابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة، فقلت:

ما تقول في رجل باع بيعا، و شرط شرطا؟ قال: البيع باطل، و الشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى، فسألته، فقال: البيع جائز، و الشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة، فسألته، فقال: البيع جائز، و الشرط جائز. فقلت: سبحان اللَّه، ثلاثة من

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨، لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

٣٣٤

فقهاء أهل العراق اختلفتم عليّ في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة، فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع و شرط، البيع باطل، و الشرط باطل. ثم اتيت ابن أبي ليلى،

فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني هشام عن عروة عن عائشة قالت:

أمرني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان اشتري بريرة، فأعتقها، البيع جائز، و الشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة، فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد اللَّه قال: بعث النبي ناقة شرط لي حلابها،

البيع جائز، و الشرط جائز( ١) .

قلت: و الكل اخطأوا، و الصواب: ما قاله أهل بيت النبيعليه‌السلام الذين هم أدرى بما في البيت من التفصيل في الشرط، من جواز الشرط الا ما أحل حراما، أو حرم حلالا، المعتَق للمعتِق، و شرطه للبائع من المعتق من المستثنى، كما في خبر ابن أبي ليلى، و كان في النسخة نقص ليس الخبر تمامه، و شرط الحلاب من المستثنى منه، كما في خبر ابن شبرمة، و خبر أبي حنيفة مجمل لا يحل العمل به، و يحمل على المفصل.

«ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا» و هو أمر منكر مخالف لفطر البشر.

و من كتاب طويل كتبه ابن المقفع للمنصور و قد نقله في اختيار المنظوم و المنثور و مما ينظر الخليفة فيه من أمر هذين المصرين، و غيرهما من الامصار و النواحي اختلاف هذه الاحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمرا عظيما في الدماء و الفروج و الاموال، فيستحل الدم و الفرج بالحيرة، و هما يحرّمان بالكوفة، و يكون مثل ذلك الاختلاف في جوف الكوفة، فيستحل في

____________________

(١) امالي ابن على الطوسي ٢: ٤، جزء ١٤.

٣٣٥

ناحية منها ما يحرم في ناحية أخرى، غير انه على كثرة ألوانه نافذ على المسلمين في دمائهم و حرمهم، يقضي به قضاة جائز أمرهم و حكمهم، مع أنه ليس ممن ينظر في ذلك من أهل العراق و أهل الحجاز فريق الا قد لجّ بهم العجب بما في أيديهم، و الاستخفاف بمن سواهم، فأقحمهم ذلك في الامور التي يتبيغ بها من سمعها من ذوي الالباب، أما من يدعي لزوم السنّة منهم فيجعل ما ليس له سنّة سنّة حتى يبلغ ذلك به الى أن يسفك به الدم بغير بينة و لا حجّة على الأمر الذي يزعم انه سنّة، و إذا سئل عن ذلك لم يستطع أن يقول اهرق فيه دم على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أئمة الهدى من بعده، و إذا قيل له أي دم سفك على هذه السنّة التي تزعمون؟ قالوا: فعل ذلك عبد الملك بن مروان، او أمير من بعض أولئك الامراء، و انما يأخذ بالرأي، فيبلغ به الاعتزام على رأيه أن يقول في الامر الجسيم من أمر المسلمين قولا لا يوافقه عليه أحد من المسلمين، ثم لا يستوحش لانفراده بذلك، و امضائه الحكم عليه، و هو مقرّ أنّه رأي منه لا يحتج بكتاب و لا سنّة، فلو رأى الخليفة أن يأمر بهذه القضية،

و السنن المختلفة، فترفع إليه في كتاب، و يرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنّة أو قياس، ثم نظر الخليفة في ذلك، و أمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه اللَّه، و يعزم له عليه، و ينهى عن القضاء بخلافه، و كتب بذلك كتابا جامعا عزما لرجونا اللَّه أن يجعل أمر هذه الاحكام المختلطة الصواب بالخطأ حكما واحدا صوابا الخ.

الا أن الأصل في اختلاف القضاة اختلاف الإمام الذي استقضاهم في آرائه، فما دام لم يكن له علم لا بد له أن يصوّب آراءهم صوابا كانت ام خطأ.

ففي (الاستيعاب) في عبد الرحمن بن سهل الأنصاري جاءت جدتان الى أبي بكر، فأعطى ام الام السدس دون ام الاب، فقال له عبد الرحمن: أعطيت التي

٣٣٦

لو ماتت لم يرثها، و تركت التي لو ماتت ورثها، فجعله أبو بكر بينهما( ١) .

و روى ابن سعد في (طبقاته) عن إسماعيل الأسدي عن أيوب عن محمد قال: سألت عبيدة عن شي‏ء من ميراث الجد، فقال: ما تريد إليه، لقد حفظت فيه مائة قضية عن عمر. قلت: كلها عن عمر؟ قال: كلها عن عمر( ٢) .

و في (مروج المسعودي) في دخول رجلين من الخوارج على عمر بن عبد العزيز فقال أحدهما له: رأيناك خالفت اعمال أهل بيتك، و سميتها المظالم، و سلكت غير سبيلهم، فان زعمت انك على هدى و هم على ضلال فالعنهم، و تبرأ منهم، فهذا الذي يجمع بيننا و بينك أو يفرق. فقال لهما: ارأيتما أبا بكر و عمر، أليسا من اسلافكم، و من تتولونهما، و تشهدون لهما بالنجاة؟

قالا: بلى. قال: فهل علمتم ان ابا بكر حين قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و ارتدت العرب قاتلهم، فسفك الدماء، و أخذ الاموال، و سبى الذراري؟ قالا: نعم. قال: فهل علمتم أن عمر حين قام بعد أبي بكر رد تلك السبايا الى أصحابها؟ قالا: نعم.

قال: فهل برى‏ء عمر من أبي بكر؟ قالا: لا الخ( ٣) .

قلت: ان الخوارج حيث كانوا طالبين للحق و اخطأوه كانوا قد يتكلمون بمقتضى أدلة العقول، و الفطرة التي فطر الناس عليها من عدم امكان كون الحق في جهتين، و عدم امكان كون عمر بن عبد العزيز و باقي بني امية على الحق، مع اختلافه معهم في العمل، كعدم امكان كون عبد الملك في اليوم الآخر من خلافة ابن الزبير عدو اللَّه ملعونا، و في غده الذي تسلط على العراق و بايعه أهلها وليا للَّه و خليفة له واجب الاطاعة، و انه لا حكم الا للَّه في اختيار

____________________

(١) الاستيعاب ٢: ٤٢٠.

(٢) الطبقات ج ٢ ق ٢: ١٠٠.

(٣) مروج الذهب ٣: ١٩١.

٣٣٧

الخليفة دون الناس في قصة حرب الخوارج مع المهلب من قبل ابن الزبير أولا الا أنه لما كان أساسهم على أحقّيّة خلافة الشيخين كانوا يلزمونهم بعدم الضرر بذلك استنادا الى فعلهما و خلافتهما، مع أن جميع هذه الاختلافات في أصول الدين و فروعه متفرعة من ذاك الاصل، و كل مفسدة حصلت من سفك الدماء، و نهب الاموال، و هتك الاعراض و النواميس مبتن على ذاك الاساس، فالرجلان و ان قبلا عدم ضرر اختلاف الرجلين، الا أن العقل السليم و الفطرة المستقيمة لا يقبلان ذلك، و لو نازعونا في ذلك لحاكمهم اليهما العقل و الفطرة.

«و الههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد» فكيف يحكم كل قاض برأي،

و كيف يصوّب امامهم جميع آرائهم.

روى (الكافي) عن القمي عن ابيه عن ابن أبي عمير عن عمير بن اذينة عن الفضيل بن يسار قلت لابي عبد اللَّهعليه‌السلام : ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال: كذب أعداء اللَّه، و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد( ١) .

«ا فأمرهم اللَّه تعالى» هكذا في (المصرية) و الصواب: «سبحانه» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) ، و لان الأمر بالاختلاف نقص من الآمر، فالمناسب تنزيهه تعالى عنه.

«بالاختلاف فأطاعوه أم نهاهم عنه فعصوه» و ليس الاول، فلا بد من الثاني. و كيف لا و قد ذم الاختلاف، فقال: و لكن اختلفوا فمنهم من آمن

____________________

(١) الكافي ٢: ٦٣٠، ح ١٣.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

٣٣٨

و منهم من كفر( ١ ) ان الدين عند اللَّه الاسلام و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و من يكفر بآيات اللَّه فان اللَّه سريع الحساب( ٢) .

«أم أنزل اللَّه دينا ناقصا، فاستعان بهم على اتمامه» و قد قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا( ٣) .

لكن روى الخطيب عن يوسف بن اسباط قال: قال أبو حنيفة: لو أدركنى النبي و أدركته لاخذ بكثير من قولي.

و عن أبي إسحاق الفزاري: سألت ابا حنيفة عن مسألة فأجاب فيها،

فقلت له: ان هذا يروي فيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذا و كذا. فقال: حك هذا بذنب خنزير.

و عن بشر بن مفضل: قلت لابي حنيفة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا. فقال: هذا رجز.

و عن يحيى بن آدم: ذكر لأبي حنيفة ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الوضوء نصف الايمان. فقال: لتتوضأ مرتين حتى تستكمل الايمان.

قال يحيى: و معنى الحديث انه تعالى سمّى الصلاة ايمانا في قوله و ما كان اللَّه ليضيع ايمانكم( ٤ ) و لا تقبل صلاة الا بطهور.

و عن الفضل بن موسى السيناني قال أبو حنيفة: من أصحابي من يبول قلتين، يردّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: إذا كان الماء قلتين لم ينجس.

و عن يوسف بن أسباط: ردّ أبو حنيفة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة حديث او أكثر، قيل له: مثل ما؟ قال النبي: للفرس سهمان، و للرجل سهم، و قال

____________________

(١) البقرة: ٢٥٣.

(٢) آل عمران: ١٩.

(٣) المائدة: ٣.

(٤) البقرة: ١٤٣.

٣٣٩

أبو حنيفة: انا لا اجعل سهم بهيمة اكثر من سهم مؤمن. و اشعر النبي البدن،

و قال أبو حنيفة: الاشعار مثلة، و قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، و قال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار، و كان النبي يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر، و قال أبو حنيفة: القرعة قمار( ١) .

«أم كانوا شركاءه» هكذا في (المصرية) و الصواب: «شركاء له»، كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«فلهم أن يقولوا و عليه ان يرضى» و قد قال تعالى: و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان اللَّه و تعالى عما يشركون( ٣) .

«أم انزل اللَّه سبحانه» هكذا في (المصرية) و ليست الكلمة في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) «دينا تاما فقصر الرسول عن تبليغه و أدائه» و لا يمكن ذلك في حقّه «و اللَّه سبحانه يقول ما فرطنا في الكتاب من شي‏ء» و الآية ٣٨ من الأنعام.

«و قال فيه» هكذا في (المصرية) و الصواب: «و فيه»، كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٥ ) مع زيادة كلمة (و قال) «تبيان لكل» و هكذا في (المصرية) و الصواب: (كل) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٦ ) «شي‏ء» قال تعالى:

و نزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي‏ء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين( ٧) ،

____________________

(١)

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٣) القصص: ٦٨.

(٤) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٥) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٦) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨ لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٧) النحل: ٨٩.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621