بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104520 / تحميل: 9054
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فتىً كان يُدنيه الغنى من صديقه

إذا ما هو استغنى ويَبعِد الفقرُ

كان الثريَّا عُلُقت بجبينه

وفي خدّهِ الشعرا وفي جبينه البدرُ

نشوب القتال بين الفريقين

قال المسعودي(١) : وذكره ابنُ ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنينعليه‌السلام حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنينعليه‌السلام فوجده [ يخصف نعلاً ](٢) ، فقال له : يا أمير المؤمنين !

فقالعليه‌السلام : « اسكت يا ابن اخي ، انّ لِعمّكَ يوماً لا يعدوه(٣) ، والله لا يبالي عمّك [ وقع على الموت ام الموت وقع عليه ](٤) ،

قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلاً ](٥) .

فقالعليه‌السلام : اُسْكُت يا ابن اخي ، انّ لعمك يوماً لا يتعداه ، والله لا

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٥.

(٢) في مروج الذهب : يخفق نعاساً على قربوس فرسه.

(٣) في النسخة الخطية : لا بعده والصواب كما اثبت من مروج الذهب.

(٤) في النسخة : على فرسه من سرجه ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ والصواب كما ذكره المسعودي.

(٥) في مروج الذهب : وانت تخفق نعاساً.

١٤١

يبالي عمك أوقع على الموت أو الموت وقع عليه.

ثم انهعليه‌السلام بعث الى صاحب الراية ، وهو ولده محمّد بن الحنفية(١) ، يأمره ان يحمل على القوم ، فأبطأ بالحملة عليهم ، وكان بأزائه [ قومٌ من الرماة قد نفذت سهامهم ](٢) .

فأتاهعليه‌السلام وقال له : « لِمَ لا حملت على القوم ؟ ».

قال : لم أجد متقدماً [ إلا الرماة ، وقد نفدت سِهامهم ](٣) .

فضربه بقائِم سيفهِ ، وقال : [ ما ادركك عِرقٌ من ابيك ](٤) .

أحمل بين الاسنة ، [ فإنّ الموت عليك جنة ](٥) ...

فحمل حتى شبك بين الرماح والسّهام ، وقد اخذ منه الراية وحمل عليّعليه‌السلام على القوم.

وطاف بنو ضبّة بالجمل وهم يرتجزون بهذه الابيات(٦) :

__________________

(١) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة ١٦ للهجرة ، وتوفي سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة.

اُنظر : تذكرة الخواص : ١٦٩ ، البداية والنهاية ٩ : ٣٨.

(٢) في مروج الذهب : قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم.

(٣) في مروج الذهب : الا على سهم أو سنان ، واني منتظر نفاد سهامهم واحمل.

(٤) في مروج الذهب : ادركك عِرق من امك.

(٥) في مروج الذهب : فإنّ الموت أحب اليك من.

(٦) ذكر المسعودي في مروج الذهب م ٢ : ٣٧٥ ، وطافت بنو ضبة بالجمل واقبلوا يرتجزون ويقولون :

نحن بنو ضبة اصحاب الجمل

ننازل الموت إذا الموت نزل

رُدُّوا علينا شيخنا ثمّ بَجَلْ

ننعي ابْنَ عفان بأطراف الاسل

والموت أحلى عندنا من العسلِ

١٤٢

نحن بنو ضبة اصحاب الجمل

ردوا علينا شيخنا ثمّ حبل

عثمان ردوه علينا بأطراف الاسل

الموت أحلى عندنا من العسل

وكانوا بنو ضبّة سبعين رجلاً ، فكلّما لزم خطامَ الجمل رجل منهم قطعت يداه(١) ، حتى لم يبق منهم أحد وعرقب الجمل ، ولم يقع حتى قطعت قوائمه الاربع ، فأخذوه بالسيوف قطعاً ، وكان المعرقب له أبو جعدة بن غوبة الانصاري.

فمن قتل عنده محمد بن طلحة السجّاد(٢) ، قتله عاصمُ بن الغيث ،

__________________

(١) قال المسعودي : قطع على خطام الجمل سبعون يداً ، من بني ضبة منهم سعد بن سود القاضي متقلداً مصحفاً ، كُلما قطعت يد واحد منهم فصُرع قام آخر فأخذ الخطام وقال : انا الغلام الضبي.

وذكر ابن الاثير : ربيعة العقيلي من اصحاب الامام علي عليه‌السلام برز الى العدوي بعد ان تولى زمام الجمل ، فبرز له العقيلي وهو يقول :

يا اُمّنا أعقَّ أمٍ نعلمُ

والأمُّ تغذو ولداً وترحمُ

ألا ترين كم شجاعٍ يُكلمُ

وتُحتلى منه يدٌ ومعصمُ

انظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٢٤٨.

(٢) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ ٣ : ٢٤٩ ، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة ، وقال : يا امّتاه مريني بأمرك. قالت : آمرك ان تكون خير بني آدم ان تركت ، فجعل لا يحمل عليه احد الا حمل عليه ، وقال : حاميم لا ينصرون ، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله ، المكعبر الاسدي ، والمكعبر الضبي ، ومعاوية بن شداد ، وعفار السعدي النّصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ، ففي ذلك يقول :

وأشعَثَ قوّامٍ بآياتِ رَبّهِ

قليل الاذى فيما ترى العينُ مسلمِ

هتكتُ له بالرمح جيبَ قميصهِ

فخرّ صريعاً لليدينِ وللفمِ

يذكّرني حاميم والرّمحُ شاجرٌ

فهلا تلا حاميم قبل التقدمِ

على غير شيءٍ غير ان ليس تابعاً

علياً ومن لا يتبعِ الحقّ يندمِ

١٤٣

وطلحةُ بن عبد الله.

قال [ المصنف; ] :

فجاء خُزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الى امير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال : جعلتُ فداك ، لا تنكس رأس محمد ، فأردد الراية إليه ، فدعاه وردها عليه ، فأخذها وقال :

أطعن بها طعن ابيك تحمدِ

لا خير في الحرب إذ لم توقدِ

بالمشرفي والقنا المسددِ

قال : والذي قتل من اصحاب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلاً(١) ، والذي قتل من أصحاب امير المؤمنين أربعة آلاف رجل وقيل ان عبدالله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت به عائشةرضي‌الله‌عنه تقول : واثكل اسماء !

__________________

(١) ذكر المدائني أنه رأى بالبصرةِ رجلاً مصطلم الاذن ، فسألته عن قصته ، فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر الى القتلى ، فنظر الى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :

لقد أوردتنا حومة الموتِ أُمُّنا

فلم تنصرف إلا ونحن رَواءُ

أطعنا بني تيمٍ لشقوة جدنا

وما تيم إلا أعبدٌ وإماءُ

فقلت : سبحان الله ! أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا اله الا الله ، فقال : يا ابن اللخناء ، إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجباً منه ، فصاح لي ادنُ مني ولقّنّي الشهادة ، فصرتُ إليه ، فلما قربت منه استدناني ، ثمّ التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت الى امك فقالت مَنْ فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت ان تكون امير المؤمنين.

انظر : مروج الذهب م ٢ : ٣٧٩.

١٤٤

خلِّ عن الخطام ودونك القوم ، خلاه والتقى بمالك النخعي الاشتر ، فاعتركا ملياً حتى سقطاً الى الارض ، فعلاه مالك بالسيف ، فلم يجد له سبيلاً الى قتلهِ ، وعبدالله ينادي من تحته :

اقتلوني ومالكاً واقتلوا مالكاً معي.

فلم يجبه أحد ، ولا احد يعلم من الذي يعنيه لشدة اختلاط الناس ببعضهم ، وثور النقع ، فلو قال اقتلوني ومالك الاشتر ، لقتلا جميعاً(١) ، فقال مالك هذه الابيات(٢) :

أعايشُ لَوْلا أنني كُنتُ طاوياً

ثلاثاً لالفَيتِ ابْنَ أختِكِ هالِكاً

غداة يُنادي والرماحُ تنُوشُهُ

كوقعِ الضَياحي اُقتُلُوني ومالِكاً

فنجاه منّي أكلُه(٣) وشبابُهُ

وأنّي شيخٌ لم اكُنْ مُتماسَكاً

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٥١.

(٢) ذكره الشيخ المجلسي في بحار الانوار ٣٢ : ١٩٢ ، وزاد فيه

فلم يعرفوه إذْ دعاهم وغمّهُ

خدبٌّ عليه في العَجاجَةِ باركاً

وذكر المناسبة التي قال فيها مالك الاشتر هذه الابيات ، قال :

فلما وضعت الحرب أوزارها ، ودخلت عائشة الى البصرة ، دخل عليها عمّار بن ياسر ومعه الاشتر ، فقالت : من معك يا ابا اليقظان ؟ فقال : مالك الاشتر.

فقالت : انت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخاً كبيراً وطاوياً لقتلته وأرحت المسلمين منه. قالت : أوما سمعت قول النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ان المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد ايمان ، أو زنى بعد أحصان ، أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟

فقال : يا ام المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه ، ثمّ انشد الشعر.

انظر : بحار الانوار ٣٢ : ١٩١.

(٣) في الاصل : سيفه والصواب كما ورد في بحار الانوار.

١٤٥

ولمّا سقط الجمل بالهودج ، انهزم القوم عنهُ ، فكانوا كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف(١) .

فجاء محمدُ بنُ ابي بكررضي‌الله‌عنه وادخل يده الى اختهِ ، فقالت له : من هذا المتهجم على حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ؟

قال : انا اقرب الناس اليك ، وابغضهم لكِ ، انا أخوك محمد بعثني اليك أمير المؤمنين ، يقول لك ، هل اصابك شيء من السلاح ؟

__________________

(١) قال الشيخ المفيد; : ولمّا رأى أمير المؤمنينعليه‌السلام جُرأة القوم على القتال وصبرهم على الهلاك ، نادى أصحاب ميمنته ان يميلوا على ميسرة القوم ، ونادى اصحاب ميسرته ان يميلوا على ميمنتهم ، ووقفعليه‌السلام في القلب فما كان بأسرع من ان تضعضع القوم ، واخذت السيوف من هاماتهم مأخذها ، فأنكشفوا وقد قتل منهم ما لا يحصى كثرة ، واصيب من اصحاب امير المؤمنين نفرٌ كثير ، وأحاطت الازَدُ بالجمل يقدُمُهُم كعبُ بن سُور ، وخطام الجمل بيده ، واجتمع إليه من كان أنفل بالهزيمة ونادت عائشة :

يا بنيَّ الكرَّة الكرةَّ ! اصبروا فإنّي ضامنةٌ لكم الجنّة ؛ فحفُّوا بها من كل جانب واستقدموا بُردة كانت معها ، وقلبت يمينها على منكبها الايمن الى الايسر ، والايسر الى الايمن ، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ يصنع عند الاستسقاء ؛

ثم قالت : ناولوني كفاً من تُرابٍ ؛ فناولوها ، فحثت به وجُوه أصحاب امير المؤمنينعليه‌السلام وقالت : شاهت الوُجُوهُ ! كما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ بأهل بَدْرٍ ، قال : وجرَّ كعبُ بنُ سُورٍ بالخطام ، وقال : اللهم إن تحقن الدِماءَ وتُطفي هذه الفتنة فاقْتُلْ علياً ، ولما فعلت عائشة ما فعلت من قلب البرد وحصبِ اصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام بالتراب ، قالعليه‌السلام :

« ما رَمَيْتِ إذ رَمَْتِ يا عائشةُ ولكنّ الشيطانَ رمى وليعُودنَّ وبالُكِ عليك إنْ شاء الله ».

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٢٨ ، الفتوح م ١ : ٤٨٤.

١٤٦

قالت : ما اصابني إلا سهم لم يضرّني(١) .

ثم جاء إليها امير المؤمنينعليه‌السلام بذاته ، حتى وقف عليها ، وضرب الهودج بالقضيب ، وقال :

« يا حميراء ! هل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ أمرك بهذا الخروج عليّ ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفكِ الذين أخرجوكِ من بيتكِ ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوكِ !! »

ثم انهعليه‌السلام أمر اخاها محمداً ان يُنزلها في دار آمنة بنت الحارث [ ابن طلحة الطلحات ] ، فرفع الهودج وجعل يضرب الجمل بسيفهِ.

[ امير المؤمنينعليه‌السلام يأمر بأعادة عائشة الى المدينة ]

قال المسعودي(٢) : ثمّ انّ اميرَ المؤمنينعليه‌السلام بعث عبدالله بن العبّاس الى عائشة يأمرها بالذهاب الى المدينة المنورة ، فدخل عليها بغير اذنها ، فاجتذب وسادةً وجلس عليها.

فقالت له : يا ابن عباس ، لقد أخطأت السُّنة المأمور بها بدخولك

__________________

(١) روى بن ابي سبرة عن علقمه ، عن امه ، قال : سمعت عائشة تقول : لقد رأيتني يوم الجمل وانّه على هودجي الدروع الحديدية ، والنبل يخلص اليّ منها وانا في الهودج ، فهوّن ذلك عليّ ما صنعنا بعثمان ، ألبنا عليه حتى قتلناه ، وجرينا عليه الغواة ، فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين.

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٨١.

(٢) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٦.

١٤٧

علينا بغير اذنٍ منّا ، وجلوسك على رَحْلِنا بغير إذننا(١) !

فقال : نعم ، لو كُنْتِ في البيتِ الذي تَرَكَكِ فيهِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لما دخلتُ(٢) عَلَيكِ إلا بأذنِكِ ، ولا جلستُ(٣) على رَحْلِكِ إلا بأمركِ ، بعثني امير المؤمنينعليه‌السلام إليك يَأمُركِ بسُرعة الاوبة ، والتأهب للذهاب الى المدينة.

قالت : أبَيتُ عمّا قلت ، وخالفتُ امرَ من وصفت(٤) ، فمضى إليه واخبره بأمتناعها ، [ فبعثهعليه‌السلام إليها ثانية ](٥) ، وقال : ان امير المؤمنين يعزم عليك ان ترجعي(٦) .

فأمنعت بالاجابة للامر فجهزهاعليه‌السلام ، واتاها في اليوم الثاني ، ومعه بنوه الحسنُ والحسين واولاده جميعاً واخوته وبنو هاشم(٧) ، فدخلوا عليها فلما [ ابصرته صاحت مع من عندها من النسوة ](٨) في وجههعليه‌السلام ، يا قاتل الاحبة !

فقالعليه‌السلام : « لو كنت قاتل الاحبةِ لقتلتُ من في هذا البيت ».

__________________

(١) في مروج الذهب : وجلست على رحلنا بغير امرنا.

(٢) في مروج الذهب : دخلنا.

(٣) في مروج الذهب : جلسنا.

(٤) في مروج الذهب : وخالفت ما من وصفت.

(٥) في مروج الذهب : فرده إليها.

(٦) في مروج الذهب : وقال : قل لها : ان أبيتِ عمّا قلتُ لكِ ، ما تعلمين.

(٧) في مروج الذهب : وغيرهم وشيعته من همدان.

(٨) وفيه أيضاً : ابصرت به النسوان صحن.

١٤٨

وهو يشير الى احدِ تلك البيوت ، قد اختلى فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، [ وجماعة من بني اميّة ](١) ، فضرب كل من كان معه على قائم سيفهِ ، لما علموا منهعليه‌السلام ، مخافة من خروجهم عليهم فيغتالونهم.

فقالت عائشة [ بعد كلام بينهما ](٢) : قد صار ما صار ، فأحب الآن ان اقيمَ معك لعلي اسيرُ لقتال عدوك.

فقال : « بل ارجعي الى البيت الذي ترككِ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ .

فسألته ان يؤمن ابن اختها عبدالله بن الزبير ، فأمنه ، وتكلم الحسن والحسين8 في مروان ، فأمنه(٣) .

فقالت : والله ، اني قد ازددت يا ابن ابي طالب كرباً ، ووددت اني

__________________

(١) سقطت من مروج الذهب.

(٢) في مروج الذهب : بعد خطب طويل كان بينهما.

(٣) في مروج الذهب م ٢ : ٣٧٨ وأمن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني اميّة ، وأمّن الناس جميعاً ، وقد كان نادى يوم الوقعة ، من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن.

وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف في القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قُتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء عليّ البصرة ، فأنشأت تقول :

شهدت الحروب فشيبتني

فلم أر يوماً كيوم الجمل

أضرّ على مؤمنٍ فتنةً

وأقتله لشجاع بطل

فليت الظعينة في بيتها

وليتك عسكر لم ترحل

مروج الذهب م ٢ : ٣٧٨.

١٤٩

لم اخرج هذا المخرج ، ولقد علمت بما قد اصابني فيه.

وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احبّ ان ابايعَكَ ، واكون في خدمتك !

فقالعليه‌السلام : « اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثمّ نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية.

لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرةً كلعقة الكلب انفه ، وهو ابن الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوماً احمر ».

قال المسعودي : ولمّا توجهت عائشةرضي‌الله‌عنه الى المدينة ، بعث امير المؤمنينعليه‌السلام معها اخاها عبد الرحمن بن ابي بكر(١) ، وثلاثين رجلاً ، وعشرين امرأةً من ذوات الدّين من آل عبد قيس وهمدان ، ولزم عليهم بخدمتِها(٢) ، فلما وصلت المدينة ، قيل لها : كيف رأيت مسيرك وما صنع معكِ عليّعليه‌السلام ؟

قالت : والله ، لقد كنت بخير ، ولقد اجاد ابن ابي طالب واكثر بالعطاء(٣) ، [ ولكنّه بعث معي رجالاً انكرتهم ، فعرفها النسوة امرهن ،

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٩.

(٢) في مروج الذهب : ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : لا تعلمن عائشة أنكن نسوة وتلثمن كأنكن رجال.

(٣) في مستدرك احقاق الحقّ وبالاسناد عن العوام بن حوشب قال : حدثني ابن عمّ لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال : دخلت مع أمي على عائشة.

١٥٠

فسجدت وقالت : ما ازددت والله يابن ابي طالب الا كرماً ، ووددت اني لم اخرج ، وان اصابتني كيت وكيت من امور ذكرتها ](١) .

قال [ المصنف; ] ؛ ومن كلام امير المؤمنينعليه‌السلام ، لما أظفره الله تعالى على اصحاب الجمل ، بعد ان حمد الله عزّوجلّ واثنى عليه ، صلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، قال : « اما بعدُ ، ايّها الناسُ :

انّ الله عزّوجلّ ، ذو رحمةٍ واسعةٍ ، ومغفرةٍ دائمة ، وعفوٍ جم ، وعقابٍ اليمٍ ، قضى ان رحمتهُ وسعت كل شيء ، ومغفرتهُ لأهل طاعتهِ من خلقه ، وبرحمتهِ اهتدى المهتدون ، وقضى ان نقمتهُ وسطواته وعقابهُ على اهل معصيته من خلقه ، وبعد الهُدى والبينات ما ضلّ الضّالُّون ، فما ظنكم يا اهل البصرة وقد نكثتُم بيعتي ، وظاهرتُم على عدوِّي(٢) ». « وقمتُ بالحجةِ واقلتُ العثرة ، والزلة من اهل الردة ،

__________________

فسألتها امي قالت : كيف رأيت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : انه كان قدراً من الله تعالى. فسألتها عن علي قالت : سألتني عن أحب الناس كان الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ . لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقد جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لفوعاً عليهم ثمّ قال : هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

انظر : احقاق الحقّ ٢ : ٥٤٦.

(١) نص ما ذكره المسعودي في مروج الذهب وقد سقط من النسخة.

(٢) الارشاد ١ : ٢٥٧ ، بحار الانوار ٣٢ : ٢٣٠ ، « خطبة الامامعليه‌السلام المحصورة بين الاقواس كما جاء في الارشاد وبحار الانوار ».

اما ما زاده المصنف وقد حصرناه أيضاً بين قوسين فهو ما ورد في كتاب الامام عليّ عليه‌السلام الى اهل الكوفة عندما تحقق النصر على اصحاب الجمل وفتح البصرة ، وربما وقع المصنف في وهمٍ ، فنبهنا عنه ».

١٥١

فأستتبت من نكث فيهم بيعتي ، فلم يرجع عمّا اصرّ عليه ، فقَتل الله تعالى من قتل منهم الناكث ، وولى الدبر الى مصيرهم بشقائِهم ، فكانت المرأة عليها اشأم من ناقة الحجر ، فخذلوا وأدبروا دبراً ، فقطعت بهم الاسباب فلما حَل بهم ما قدروا سألوني العفو ، فقبلتُ منهم القول وغمدتُ عنهم السيف ، واجريت الحقّ والسنّة بينهم ، واستعملت عبدالله بن العبّاس عليهم »(١) .

فقام إليه رجل منهم ، وقال : نظُنُّ خيراً ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فإنّ عاقبت فقد اجترمنا ذلك ، وان عفوت [ فأنت محلُ العفو ، والعفو أحبُّ الى الله عزّوجلّ ، والينا ](٢) .

فقالعليه‌السلام : « قد عفوتُ عنكم ، فإيّاكم والفتنة فأنها أشدّ من القتل ، فأنّكم اوّل الرّعيةِ لنكث البيعة ، وشقَّ عصا هذه الامة »(٣) .

__________________

(١) لم تردك تكملة الخطبة في الارشاد أو في بحار الانوار.

(٢) في الارشاد : وإن عفوت فالعفو أحبُّ الى الله.

(٣) قال الواقدي : ولما فرغَ امير المؤمنينعليه‌السلام من أهل الجمل جاءهُ قومٌ من فتيان قريش يسألونه الامان وأن يقبل منهم البيعة ، فأستشفعوا إليه بعبدالله بن عباس ، فشفعه وأمرهم في الدخول عليه ، فلما مثلوا بين يديه قال لهم : « ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني ! على أنْ حكمت فيكم بغير عدلٍ ! أو قسمت بينكم بغير سويّةٍ ! أو استأثرت عليكم ! أو تبعدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، أو لقلة بلاءٍ في الاسلام ! ». فقالوا : يا امير المؤمنين نحن إخوة يوسفعليه‌السلام فأعفُ عنّا ، واستغفر لنا ، فنظر الى أحدهم فقال له : « من انت ؟ ». قال : أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة ، مقرٌّ بالخطيئة ، تائب من ذنبي. فقالعليه‌السلام : « قد صفحت عنكم ». وتقدم إليه مروان بن

١٥٢

ثم جلس ، فأتاه الناس وبايعوه.

من كلامهعليه‌السلام حين قتل طلحة وانفضّ اهل البصرة

ومن كلامهعليه‌السلام ، لمّا طاف على القتلى يوم الجمل ، قال الشيخ المفيد; في ارشاده(١) :

قال امير المؤمنينعليه‌السلام : « بنا [ تسنّمتم ](٢) الشرف ، وبنا [ انفجرتم ](٣) عن السّرار ، وبنا اهتديتم في الظلماءِ ، [ وقر ](٤) سمعٌ لم يفقهِ الواعية للنبأة كيف يُراعُ من أصمَّتهُ الصَّيحةُ ، رُبط جنانُ لم يُفارقهُ الخَفَقان ، ما زَلتُ أتوقعُ بكم عواقِبَ الغدْر ، وأتوسَّمكم بحيلةِ المغترِّين ، سترني عنكم جلبابُ الدّينِ ، وبصَّرنيكم صدق النية ، اقمت لكم الحقّ حيث تعرفون ، ولا دليل وتحتفرون ولا تُميهون(٥) اليوم ،

__________________

الحكم وهو متكئ على رجل ، فقالعليه‌السلام : « أبك جراحة ؟ ». قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتاً ! فتبسم أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال : « لا والله ما انت لِما بك ميّتٌ ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوماً أحمر ».

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٤١٣.

(١) الارشاد ١ : ٢٥٣ ، بحار الانوار ٣٢ : ٢٣٦ ح ١٩٠.

(٢) في النسخة : اكتسبتم ، والصواب كما جاء في الارشاد.

(٣) في النسخة : افتخرتم من السراء.

(٤) في النسخة : وقرع.

(٥) أماه الحافر يميه : إذا أنبط الماء ووصل إليه عند حفره البئر.

انظر : الصحاح ـ موه ـ ٦ : ٢٢٥.

١٥٣

نطق لكم العجماء ذات البيان ، عزبَ فهمّ امرءٍ تخلف عني ، ما شككت في الحقّ منذ أريته ](١) ، كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا اباهم ، وباعوا أخاهم ، وبعد الاقرار كانت توبتهم ، وباستغفار ابيهم واخيهم غُفِرَ لهم ».

من كلامهعليه‌السلام عندما طاف بالقتلى (٢)

« هذه قُرَيْشٌ ، جَدَعْتَ أنفي ، وشَفَيْتَ نَفْسي ؛ لقد تقدَّمتُ اليكم(٣) احذِّرُكم عضَّ السّيوفِ ، فكُنتُم أَحداثاً لا عِلمَ لكم بما تَرونَ ، [ فَناشَدتُكم العهدَ والميثاق ، فتماديتُمْ في الغي والطُغيان ، وأبيتُمْ إلا القتالَ ، فناهضتُكمْ بالجهادِ ](٤) .

ولكنَّه الحَيْنُ(٥) وسُوء المَصرع ، فأَعوذُ بالله مِن سوء المصرع ».

فمرَّعليه‌السلام [ بمعبد بن المقداد ](٦) ، فقالعليه‌السلام :

« رَحِمَ الله أبا هذا ، أَمَا إنّه لو كان حيّاً لكانَ رأيُهُ أحسن من رأي هذا ».

__________________

(١) في النسخة : رأيته.

(٢) انظر : الارشاد ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٦ ، بحار الانوار ٣٢ : ٢٠٧ ح ١٦٣. مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٤.

(٣) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد.

(٤) سقطت من الارشاد.

(٥) الحين : الهلاك.

(٦) في الاصل : سعيد ، وصوابه كما في الارشاد.

١٥٤

فقال عمّار بن ياسر : الحمدُللهِ الذي [ رَفَعَكَ ](١) يا امير المؤمنين(٢) ، وجَعَلَ خدَّهُ الأسفلَ ، إنّا واللهِ يا أميرَ المؤمنين [ ما نُبالي مَنْ عَنَدَ عَنِ الحقِّ مِنْ ولَدٍ ووالدٍ. فقال أميرُ المؤمنين ](٣) : « رحمِكَ اللهُ وجَزاكَ عنِ الحقِّ خيراً ».

ثم انهعليه‌السلام مرّ بعبدِاللهِ بن رَبْيعَة بن دَرَّاجٍ ، فقالعليه‌السلام : « هذا البائسُ ما كانَ أخرجَهُ ؟ أدينُ أخرجهُ أمْ نَصْرٌ لعُثمان ؟! واللهِ ما كان رأيُ عُثمان فيهِ ولا في [ ابيه ](٤) لحسنٍ ».

ثمَّ إنهُعليه‌السلام مرّ بمَعْبدِ بن زُهَير بن أبي اميّة(٥) ، فقالعليه‌السلام : « لو كانت الفتنةُ برأسِ الثريّا لَتَنَاولها هذا الغُلامُ ، واللهِ ما كان فيها بذي نحيزة(٦) ، ولقد أخبرني مَنْ أَدركهُ إنّه لَيُولْولَ فرقاً من السَّيف ».

ثم مرّعليه‌السلام بمسلمة بن قَرَظَةَ ، فقالعليه‌السلام : « البرُّ أخرجَ هذا ! والله لَقد كلَّمني أن أكلِّمَ له عُثمانَ في شيءٍ كان يدَّعيه قَبلَهُ بمكة ، [ فأعطاهُ

__________________

(١) في الارشاد : أوقعه.

(٢) سقط من الارشاد.

(٣) سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد.

(٤) في النسخة : ابنه.

(٥) في الاصل ( اميّة ) ، والصواب هو : معبد بن زهير بن ابي اُميّة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن أخي ام سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ .

انظر : اسد الغابة ٤ : ٣٩١ ، الاصابة ٣ : ٤٧٩/٤٣٢٧.

(٦) النحيزة : الطبيعة. الصحاح ـ نحز ـ ٣ : ٨٩٨.

١٥٥

ايّاه ](١) ، ثمّ قال [ لي ](٢) لَولا أنتَ ما اعطيتهُ [ اياه ](٣) ، إنّ هذا [ ما علمت ](٤) بئسَ أخو العشِيرةِ ، ثمّ جاءَ المشُومُ لِلحَين(٥) ، [ ناصراً يُطالب دم عُثمان ] »(٦) .

ثمَّ مرّعليه‌السلام بعبدِاللهِ بن حميدِ بن زُهَير ، فقالعليه‌السلام : « إنّ هذا أيضاً ممّن أوضَعَ في قتالنا ، [ ثمّ أنَّه يزعمُ إنّهُ يطلبُ رِضاءَ اللهِ بذلك ](٧) ، ولقد كَتَبَ اليَّ كتاباً يُؤذي عُثمان فيه ، فأعطاهُ شيئاً فَرضِي عنه ».

ثمَّ مَرّعليه‌السلام بعبداللهِ بن حَكيم بنِ حزام ، فقالعليه‌السلام : « إنَّ هذا قد خَالفَ أباه في الخروج ، وأبوهُ حيثُ لم ينصُرنا وقد أَحسن في بيعته لنا ، وإن كان قد كَفَّ وجَلسَ حيثُ شكَّ في القتال ، وما ألوم اليوم مَنْ كفَّ عنّا وعن غيرنا ، ولكنَّ [ اللوم على ](٨) الذي قاتلنا ».

ثمَّ مرّعليه‌السلام بعبدالله بنِ المغيرةِ بن الأخْنَس بن [ شريق ](٩) ،

__________________

(١) في الارشاد : فأعطاه عثمان.

(٢) سقطت من الارشاد.

(٣) سقطت من الارشاد.

(٤) في النسخة الخطية : اما علمت ان هذا ، والصواب كما اثبت من الارشاد.

(٥) في النسخة الخطية : لحينه.

(٦) في الارشاد : ينصر عثمان.

(٧) في الارشاد : زعم يطلب الله بذلك.

(٨) في الارشاد : المليم.

(٩) سقطت من الارشاد.

١٥٦

فقالعليه‌السلام : « وأما هذا [ فقتل ابوه ](١) يَوم قُتِلَ عُثمان [ في الدار ](٢) خَرَجَ مُغْضَباً لقتلَ أبيهِ ، وهو غُلامٌ حَدَثٌ [ حينَ قتله ](٣) ».

ثم مرَّعليه‌السلام [ بعبدالله بن عُثمان ](٤) بن الأخْنَس بن شريق ، فقالعليه‌السلام : « وأمَّا هذا فكأنّي أنظُرُ إليه ، وقد أخذ القومَ السُّيوفُ هارباً يغدو من الصَّفِّ ، [ فَنْهنَهْتُ ](٥) عنهُ فلم يَسمعْ مَنْ [ نَهْنَهْتُ ](٦) ، حتى قتل ، وكان هذا ممّا خَفِيَ على فتيان قُريش ، أغمار لا عِلمَ لهم بالحربِ ، خُدِعوا [ واستُزِلُّوا ](٧) ، فلمّا وقفوا [ وَقَعوا ](٨) فقتلوا ».

ثمَّ مرَّعليه‌السلام [ بكَعبِ بن سُور ](٩) ، فقالعليه‌السلام : « وأمّا هذا الَّذي خَرَجَ علينا ، وفي عُنُقِه المُصحَفُ ، يزعُمُ أنّه ناصرُ [ أمِّهِ ](١٠) ، يدعو الناسَ الى ما فيه وهو لا يعلَمُ بما فيهِ ، ثمَّ استفتح [ وخابَ كُلّ ](١١) جبّار عَنيدٍ ، أمَّا

__________________

(١) سقطت من المخطوطة واثبتناها من الارشاد.

(٢) سقطت أيضاً واثبتناها من الارشاد.

(٣) في النسخة : حين قتل ، والصواب كما في الارشاد.

(٤) في النسخة الاصلية : عبدالله بن ابي عثمان ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ واثبتت الصواب من الارشاد.

(٥) في النسخة الاصلية : فنهيت.

(٦) في النسخة كلمة مبهمة ويحتمل من تصحيفات الناسخ.

(٧) في النسخة : يستنبزوا.

(٨) في النسخة الكلمة غير واضحة واثبتناها من الارشاد.

(٩) في النسخة : كعب بن ثور ، وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد.

(١٠) سقطت من النسخة واثبتت من الارشاد.

(١١) في النسخة [ وجاء معه ] وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد.

١٥٧

إنه دعا الله أَن يقتُلني فقتلهُ اللهُ تعالى ».

أجلِسُوا [ كَعبَ بن سُورٍ ](١) فأجلسَ ، فقالَ لَهُعليه‌السلام : « يا كعبُ ، قد وَجدْتُ ما وَعَدَني ربي حَقّاً ، فَهَل وَجدْتَ ما وَعَدَك ربُّكَ حقّاً ؟ ».

ثم قالعليه‌السلام : « أضجعُوهُ ».

ثمَّ مرّعليه‌السلام بطلحة بن عُبيدِاللهِ(٢) ، فقالعليه‌السلام : « وأمَّا هذا فَهو النّاكثُ لبيعتي ، والمُنْشئ الفِتنَة في الأمّةِ ، والمُجلُبِ عَلَيَّ ، والدّاعي إلى قَتْلي وقتل عترتي ».

اجلسوا [ طلحة بن عبيدالله ](٣) فأُجلِس ، ثمَّ قالَعليه‌السلام له : « يا طلحة ، قد وجدْتُ ما وَعَدَني ربّي حقّاً ، فهلْ وجدْتَ ما وَعَدَك ربُّكَ حقّاً ؟! » ثمّ قالعليه‌السلام : « أضجعُوه » ، فأُضجع.

وسارَعليه‌السلام ، فقالَ لهُ بعضَ أصحابه : يا امير المؤمنين ، رأيتك تُكلّمُ كعباً وطلحة بعد أنْ قُتِلا ، فَهل يفْقَهان ما قلت لهُما ؟!

فقالعليه‌السلام : « [ أمَ ](٤) وَاللهِ ، إنّهما لقد سَمِعا كلامي ، كما سَمِعَ أهلُ

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) هو طلحة بن عبيدالله بن عثمان بن عبيدالله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهو ابن عمّ أبي بكر الصديق ، ويكنى ابا محمد ، وأمه الصعبة ، وكانت تحت ابي سفيان بن حرب ، وقتل وهو ابن اربع وستين ، وقيل غير ذلك ، ودفن بالبصرة ، وقبره فيها الى هذه الغالية ، وقبر الزبير بوادي السباع.

انظر : مروج الذهب م ٢ : ٣٧٤.

(٣) سقطت من الاصل.

(٤) في النسخة : ايم.

١٥٨

القَلِيب كلامَ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ يومَ بَدْرِ »(١) .

قال المسعودي : ولمّا ان مَنَّ الله تعالى عليهِ بما هو اهله من الظفرِ على أصحاب الجمل ، دخل عليه بجماعةٍ من اصحابه الى بيت مالَ المسلمين بالبصرة ، فنظر الى ما فيه من العينِ والورق ، فأدام انظر إليه ، فجعل يقول : « يا صفراء ويا بيضاء ، غُرِّي غيري »(٢) .

ثم قالعليه‌السلام : « اقسموه بين اصحابي ، خمسمائة خمسمائة » ،

__________________

(١) عن محمد بن الحنفية; ، قال : فوالله لقد رأيتُ أوّل قتيل من القوم كعب بن سُور بعدَ ان قُطِعت يمينهُ التي كان الخِطام بها ، فأخذه بشماله وقُتل بعد ذلك ، وقُتِلَ معه أخوهُ وابناه. ثمّ اخذ خطام الجمل بعده رجل منهم وهو يقول :

يا اُمَّنا عائِشَ لا تُراعِي

كُلُّ بَنيكِ بَطَلٌ شُجاعُ

فما بَرَحَ حتى قطعت يداهُ وطُعِنَ فهلك ؛ فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضُرِبَ على رأسه فهلَكَ ؛ فما زال كل منّ اخذ بخطام الجمل قُطِعتُ يداهُ أو جُذَّ ساقه حتى هلَكَ منهم ثمانمائةِ رجلٍ ، وقبل ذلك قُتِلَ حول الجمل سبعون رجلاً من قريش.

مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٤٩ ، تاريخ الطبري ٤ : ٥١٨.

(٢) قال الشيخ المفيد ( رضي الله تعالى عنه ) : ورجع طلحة والزبير ، ونزلا دار الاماره ، وغلبا على بيت المال ، فتقدمت عائشة وحملت مالاً منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئاً كثيراً ، فلما خرجا جعلا على ابوابه الاقفال ، ووكلا به من قبلهما قوماً ، فأمرت عائشة بختمه ، فبرز لذلك طلحة يختمه فمنعه الزبير ، وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا ! فبلغ عائشة ذلك فقالت : يختمها عني ابن اختي عبدالله بن الزبير ، فختم يومئذٍ بثلاثة ختوم.

وقال أيضاً : ولمّا خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير الى بيت المال ، فتأملاً الى ما فيه من الذهب والفضة قالوا : هذه الغنائم التي وعدنا الله بها ، واخبرنا انه يجعلها لنا !!

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٨٤ ، ٢٨٥.

١٥٩

فقسموه فأصابَ كل رجل منهم خمسمائة ، فلم يزد درهماً ولا نقص درهماً !

فكان عدد اصحابه اثني عشر الفاً ، وقبضعليه‌السلام على ما اصابه في معسكرهم ، فباعه وقسمه أيضاً عليهم ، ولم يزد لنفسه ولا لأولاده واهل بيته عن اصحابه بشيء ابداً.

ثم اتاه رجلٌ من اصحابه لم يكن حاضر القسمة ، فقال : يا امير المؤمنين ، اني لم آخذ شيئاً لعدم حضوري عند القسمة ، فالسبب الموجب لغيابي عنها هو كيت وكيت ، فأعطاه ما اصابه من القسمة(١) .

ومن كلامهعليه‌السلام حين قدم الكوفة من البصرة

ثم توجهعليه‌السلام الى الكوفة. قال [ المسعودي ] : فقال حين قدومه إليها ؛ بعد ان حمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ :

« أمَّا بعدُ ، فالحمدُ للهِ الّذي نَصرَ وَليه ، وخَذلَ عدوَّه ، وأعزَّ الصَادِق المُحِقَّ ، وأذلَّ الكاذِب المُبطِلَ.

ايّها الناس عليكم(٢) بتقوى الله حقَّ تقاتِهِ ، واطاعةِ مَن اطاعَ اللهَ من اهلِ بيتِ نبيِّكم ، الذين هم أَولى بطاعتِكم من المُنتَحِلينَ المُدَّعين القَائلينَ الينا ، يتفضَّلون بفضلنا ، ويُجاحِدونا في أمرِنا ، وينازعونا حقّنا

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٨٠.

(٢) في الارشاد : يا اهل هذا المصر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فقولهعليه‌السلام : «فيه تبيان كل شي‏ء» اشارة الى الآية، لا انه آية كما جعله (المصرية)، و الأصل في الوهم (ابن أبي الحديد) كما يأتي كلامه.

قال الباقرعليه‌السلام : إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني انه أين من كتاب اللَّه تعالى. ثم قال في حديثه: ان اللَّه تعالى نهى عن القيل و القال، و افساد المال،

و كثرة السؤال. فقيل له: يا ابن رسول اللَّه أين هذا من كتاب اللَّه تعالى؟ قال:

قوله عز و جل: لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس( ١ ) ، و قال: و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللَّه لكم قياما( ٢ ) ، و قال تعالى: لا تسألوا عن اشياء ان تبدلكم تسؤكم( ٣) .

«و ذكر» اللَّه تعالى «ان الكتاب» أي: القرآن «يصدّق بعضه بعضا و انه لا اختلاف فيه» بخلاف باقي الكتب «فقال سبحانه و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» و الآية ٨٢ من النساء و قبله أفلا يتدبرون القرآن.

هذا و قال ابن أبي الحديد في شرح كلامهعليه‌السلام من قوله «و الههم واحد الى لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»: و تلخيص الاحتجاج من خمسة أوجه:

الأوّل انه لمّا كان الاله واحدا، و الرسول واحدا، و الكتاب واحدا، وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحدا، كالملك الذي يرسل الى رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه و امرته، و لا يجوز أن تتناقض، و الا لنسب الى السفه و الجهل.

الثاني لا يخلو الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون اما أن يكون

____________________

(١) النساء: ١١٤.

(٢) النساء: ٥.

(٣) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٦٠، ح ٥. و الآية ١٠١ من سورة المائدة.

٣٤١

مأمورا به أو منهيا عنه، و الاول باطل، لانه ليس في الكتاب و السنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به في كونه مأمورا به، و الثاني حق و يلزم منه تحريم الاختلاف.

الثالث اما أن يكون دين الاسلام ناقصا أو تاما، فان كان الاول و كان اللَّه قد استعان بالمكلفين على اتمام شريعة ناقصة أرسل بها رسوله فهو كفر،

و ان كان الثاني فاما أن يكون الرسول قد قصّر في التبليغ أن يكون قد أبلغه على كماله، فان كان الاول فهو كفر، و ان كان الثاني فقد بطل الاجتهاد، لان الاجتهاد انما هو فيما لم يتبين، و ما بيّن فلا مجال للاجتهاد فيه.

الرابع الاستدلال بقوله تعالى: ما فرّطنا في الكتاب من شي‏ء( ١ ) و قوله: «فيه تبيان كل شي‏ء» و قوله سبحانه: و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين( ٢) .

الخامس قوله تعالى: و لو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا( ٣ ) ، فجعل الاختلاف دليلا على أنه ليس من عند اللَّه، لكنه من عنده تعالى بالادلة القاطعة على صحة النبوة، فوجب ألا يكون فيه اختلاف.

قال ابن أبي الحديد بعد ما مر: و اعلم أن هذه الوجوه هي التي تتعلق بها الامامية، و نفاة القياس و الاجتهاد في الشرعيات، و قد تكلم عنها أصحابنا في كتبهم، و قالوا انهعليه‌السلام كان يقيس و يجتهد، و ادعوا اجماع الصحابة على صحة الاجتهاد و القياس، و دفعوا صحّة هذا الكلام المنسوب في هذا الكتاب إليهعليه‌السلام ، و قالوا انه من رواية الامامية، و هو معارض بما ترويه الزيدية عنه

____________________

(١) الانعام: ٣٨.

(٢) الانعام: ٥٩.

(٣) النساء: ٨٢.

٣٤٢

و عن أبنائهعليهم‌السلام في صحة القياس و الاجتهاد، و مخالطة الزيدية لأئمّة أهل البيت كمخالطة الامامية لهم، و معرفتهم بأقوالهم و أحوالهم و مذاهبهم كمعرفة الامامية، لا فرق بين الفئتين في ذلك، و الزيدية قاطبتها، جاروديتها،

و صالحيتها تقول بالقياس و الاجتهاد، و ينقلون في ذلك نصوصا عن أهل البيت، و إذا تعارضت الروايتان تساقطتا الخ( ١) .

قلت: أما ما قاله من دفع أصحابه أن تكون هذه الجمل من كلامهعليه‌السلام و انه من رواية الامامية فهب انه كلام أعرأبي أو رجل من الامامية، أليس دليلا عقليا و برهانا قطعيا لا يحتاج قائله الى العصمة، و كون مطلق كلامه الحجة،

فهي نظير قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة الا اللَّه لفسدتا( ٢) .

و أما ما ذكره من أن اصحابه ادعوا اجماع الصحابة على صحة الاجتهاد و القياس، فهو نظير ادعائهم اجماع الامة على بيعة أبي بكر ببيعة عمر و أبي عبيدة المتواطئين معه، و قد قال النظام: نحن لا نزعم ان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أطبقوا على الرأي، و لما كان فيهم عمر و عثمان، و معهم سلطان الرعية و الرهبة، شاع لهم ذلك في الدنيا، و انقادت لهم العوامّ، و جاز للباقين السكوت على التقية، و انهم قد علموا أنه غير مقبول منهم و لا مسموع منهم( ٣) .

و أما ما ذكره من أن الزيدية رووا عنهمعليهم‌السلام صحة القياس و الاجتهاد،

و الزيدية كالامامية كانوا مخالطين لهم، فكلام باطل، فالزيدية كالعامة أعداء الائمةعليهم‌السلام ، و الامامية كانوا يتقون منهم كما كانوا يتقون من العامة، و هذا أمر واضح لا مرية فيه لمن له اطلاع عن الفريقين، قال الصادقعليه‌السلام كما في

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٠.

(٢) الانبياء: ٢٢.

(٣) نقله عنه الشريف المرتضى في الفصول المختارة ٣: ١٨٩.

٣٤٣

خبر عمر بن يزيد: الزيدية هم النصاب، و قالعليه‌السلام : لا تصدق عليهم بشي‏ء، و لا تسقهم من الماء ان استطعت( ١) .

و قال أبو بصير: ذكر أبو عبد اللَّهعليه‌السلام كثير النوا، و سالم بن أبي حفصة،

و ابا الجارود و هم من رؤساء الزيدية فقال: هم كذّابون مكذّبون، كفار عليهم لعنة اللَّه، يأتونا فيخبرون انهم يصدقونا و ليس كذلك، و يسمعون حديثنا و يكذبون به( ٢) .

و في (رجال الكشي): ان الصادقعليه‌السلام قال لأبي الجارود بمنى في فسطاطه رافعا صوته كان أبي و اللَّه امام أهل الأرض حيث مات لا يجهله إلاّ ضالّ، و قال له في العام المقبل مثل ذلك، فقيل له بعد ذلك بالكوفة: أما سمعت ما قال لك أبو عبد اللَّه مرتين؟ فقال: انما يعني أباه عليا( ٣) .

و فيه: قيل للصادقعليه‌السلام : ان سالم بن أبي حفصة يروي عنك انك تتكلم على سبعين وجها لك عن كلها المخرج. فقال: ما يريد سالم مني، يريد أن أجي‏ء بالملائكة فما جاء بها النبيون، و لقد قال إبراهيم اني سقيم( ٤ ) و ما كان سقيما و ما كذب، و قال: بل فعله كبيرهم هذا( ٥ ) و ما فعله الكبير و ما كذب، و لقد قال يوسف: انكم لسارقون( ٦ ) و ما كانوا سارقين و ما كذب( ٧ ) الى غير ذلك من الاخبار.

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢٢٨: ٤٠٩.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢٣٠: ٤١٦.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢٣٠: ٤١٧.

(٤) الصافات: ٨٩.

(٥) الانبياء: ٦٣.

(٦) يوسف: ٧٠.

(٧) اختيار معرفة الرجال ٢٣٤: ٤٢٥.

٣٤٤

و كيف شرّك الزيدية مع الامامية مع اختلاف مبناهما، فالامامية انما قالوا بنفي القياس و الاجتهاد لوجود امام معصوم في كل عصر يعلم جميع الاحكام مثل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالالهام من اللَّه تعالى، و الزيدية غير قائلين بذلك،

فلا بد أن يقولوا بها كالعامة.

و لم يكن النقل عنهعليه‌السلام بالقول بالقياس و الاجتهاد منحصرا بالزيدية،

فقد قال بنسبتهما إليه النظام على ما حكى عنه تلميذه الجاحظ، فقال: اختلف قول علي في امهات الأولاد، فقال بشي‏ء، ثم رجع عنه، و قد حكي عن عبيدة السلماني انه قال: سألت عليا عن بيع امّهات الأولاد، فقال: كان رأيي و رأي عمر الا يبعن، و انا الآن أرى أن يبعن. فقلت: رأيك مع رأي عمر أحب الينا من رأيك وحدك.

و قضى فى الجد بقضايا مختلفة، و ندم أيضا على احراق المرتد بعد الذي كان بلغه من فتيا ابن عباس، و ودى رجلا جلده في الخمر ثمانين فمات،

و قال انما وديته لان هذا شي‏ء جعلناه بيننا، و رأى الرجم على مولاة حاطب فلما سمع قول عثمان تابعه، و نازعه زيد بن ثابت في المكاتب فأفحمه، و قال في امر الحكمين:

لقد عثرت عثرة لا انجبر

سوف اكيس بعدها و استمر

و اجمع الرأي الشتيت المنتشر

(١) و ننقل في الجواب كلام شيخنا محمد بن محمد بن النعمان المفيد، ففيه مقنع و كفاية في الباب، قال بعد خبر بيع أمهات الاولاد هذا خبر قد أطبق الفقهاء و نقاد الآثار على بطلانه، و من صححه منهم فلم يثق بهذه الحكاية من عنده و قال تخرصها ليتجمل بالكذب فيما ادعاه، لان امير المؤمنينعليه‌السلام كان

____________________

(١) نقله عنه الشريف المرتضى في الفصول المختارة ٢: ١٦٧ ١٧١.

٣٤٥

أعظم في نفوس المهاجرين و الانصار من أن يقدموا عليه في حكم حكم به هذا الاقدام، فكيف بعبيدة مع صغر سنّه في الحال وضعة قدره، و لم يكن عبيدة و لا أضرابه من الذين يتجاسرون على الإمامعليه‌السلام بهذا المقال، و لو كان عبيدة صادقا لما أخل ذلك بما قلنا من عصمتهعليه‌السلام من قبل انه كان رأيه في أيام عمر الا يخالفه في الفتيا خوفا من انتشار الكلمة و وقوع الفساد، و ذلك هو الذي توجبه الحكمة في تدبير الدين و استصلاح الأنام، فلما أفضى الأمر إليه زال ما كان يخافه فيما سلف من اظهار الخلاف، فحكم بما لم يزل يعتقده، كما كان رأي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عام الحديبية امضاء أحكام الكفار و الكفّ عن حربهم، ثم زالت العلة الموجبة لذلك عام الفتح، فرأى حربهم و خلاف ما كان رآه قبل.

فأما اعتراض عبيدة في قوله بالردّ، فهو نظير ردّ الخوارج عليه في التحكيم، و حرب طلحة و الزبير و معاوية اهل الشام لهعليه‌السلام ، و لم يخل ذلك بكمال عصمتهعليه‌السلام ، كما لم يقدح خلاف المشركين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و ردّهم عليه و حربهم له في نبوّته و عصمته. و من اعتمد على ما اعتمد عليه الجاحظ و استاده و اشياعهما في هذا الباب فقد وضح جهله و بان عجزه( ١) .

و قال و في الجواب عن قوله بقضائه في الجد مختلفا بأنه تخرص منه لاخفاء به، فلا يحفظ عنهعليه‌السلام في الجد الاقول واحد، و لم يختلف من أهل النقل عنه في ذلك اثنان، و من اعتمد على البهت هان امره( ٢ ) . قلت: لعله غلط فيما سمعه من عمر فنسبه إليهعليه‌السلام .

و قال في الجواب عن خبر الاحراق بأنه من أطرف شي‏ء سمع و أعجبه،

و ذلك أن ابن عباس أحد تلامذته و الآخذين العلم منه، و هو الذي كان يقول:

____________________

(١) الفصول المختارة ٢: ١٦٨.

(٢) الفصول المختارة ٢: ١٦٩.

٣٤٦

يجلس أمير المؤمنينعليه‌السلام بيننا كأحدنا يداعبنا و يبسطنا، و اللَّه ما ملأت طرفي قط منه هيبة له، فكيف يجوز من مثل ما وصفناه التقدم عليهعليه‌السلام في الفتيا،

و اظهار الخلاف عليه في الدين، لا سيما في الحال التي هو مظهر له فيها الاتباع و التعظيم و التبجيل.

و قال: و كيف يكون ما حكاه إبراهيم النظام من ندمهعليه‌السلام على احراق المرتدّ حقا، و قد احرق في آخر زمانه الأحد عشر الذين ادعوا الربوبية فيه،

افتراه ندم على ندمه الأول، كلا و لكن الناصبة تتعلق بالهباء المنثور( ١) .

قلت: انما ندم أبو بكر على احراقه الفجاة السلمى، و تمنى وقت موته ترك ذلك( ٢ ) ، فنسب فعله إليهعليه‌السلام كما نسب اختلاف آراء عمر في الجد إليهعليه‌السلام بدون موافقة موافق أو مخالف له.

و قال في خبر وديه من مات في الحد بأنه شي‏ء لم يسمع به الا من هذه الجهة، و لا رواه أحد من أهل الآثار، فكيف و هوعليه‌السلام كان يقول «من ضربناه حدا في حق من حقوق اللَّه، فمات، فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا في حق من حقوق المخلوقين، فمات، فديته علينا» و لا خلاف أن حد الخمر من حقوق اللَّه تعالى خاصة، و لكني أظن ان النظام أراد أن يدخل حد القذف، فغلط بحد الخمر لاتفاقهما في العدد( ٣) .

قلت: انما روت الخاصة و العامة وقوع مثل ذلك عن عمر، و لفظ العامة فيه هكذا: استدعى عمر امرأة ليسألها عن امر و كانت حاملا فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها، فأجهضت به جنينا ميتا، فاستفتى أكابر الصحابة في ذلك،

____________________

(١) الفصول المختارة ٢: ١٦٩.

(٢) رواه الطبري في تاريخه ٢: ٦١٨، سنة ١٣ و المسعودي في المروج ٢: ٣٠١ و الجوهري في السقيفة: ٤٠.

(٣) الفصول المختارة ٢: ١٦٩.

٣٤٧

فقالوا: لا شي‏ء عليك، انما انت مؤدب. فقال له عليعليه‌السلام : ان كانوا راقبوك فقد غشّوك، و ان كان هذا جهد رأيهم فقد اخطأوا، عليك غرة يعني عتق رقبة فرجع عمر و الصحابة الى قوله( ١ ) . و كأن النظام التزم ان يشركهعليه‌السلام في عيوبهم.

و قال في قوله تابع عثمان و أفحمه زيد في المكاتب، هذا كذب ظاهر، لان الاتفاق حاصل على أنهعليه‌السلام كان أعلم القوم، و انهم كانوا يرجعون إليه، و لا يرجع الى احد منهم، و كيف يكون ما رواه حقا، و الخبر المستفيض عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: «علي اقضاكم»، و ليس يصح أن يكون اقضى الامة من أفحمه زيد بن ثابت في المكاتب، فان كان قد أفحمه على ما قال النظام، فقد أكذب النبي في قوله، و ليس المكاتب من الفرائض في شي‏ء، فيتعلق بالخبر الذي يروونه «زيد أفرضكم»، مع أن الاجماع موجود على مذهبهعليه‌السلام في الرجم و المكاتب خلاف قول عثمان و زيد، و هذا دليل على بطلان ما ادعاه( ٢) .

و قال في الجواب عن شعر الحكمين: انه لا ينضاف إليه بالضرورة، لأنّا نعلم بالضرورة انهعليه‌السلام كان يظهر التدين بصوابه في التحكيم، و تضليل من خطأه في ذلك، حتى قتل اربعة آلاف على تخطئتهم له في التحكيم، فكيف يسوغ من عاقل أن يضرب الرقاب على قول قيل فيه، و هو يشهد به على نفسه،

هذا ما لا يتوهمه الا مؤف العقل غير معدود في جملة المكلفين، و كيف يصح ذلك مع أن الخوارج انما ساموه ان يعترف لهم بالخطأ فيما صنعه في باب الحكمين ليرجعوا الى ولايته، فردّ عليهم ذلك، و وجّه بابن عباس لمناظرتهم فيه، و لو كان قد قال هذا الشعر كما حكاه إبراهيم لكان الغاية في بغية القوم

____________________

(١) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١: ١٧٤ و المفيد في الارشاد: ١٠٩.

(٢) الفصول المختارة ٢: ١٧٢.

٣٤٨

منه، و لرضوا به، و لدخلوا في ولايته، اذ صريحه شهادة منه على نفسه بالخطأ، و الندم على صنعه.

قال: و الذي يدل على بطلان جميع ما حكاه هذا الرجل عنه أنه لو كان له اصل لكان أوكد الحجج لاعدائه من الخوارج و غيرهم، ممن رأى حربه بالبصرة أو صفين، و من قعد عن نصرته، و لشيعة عثمان خاصة، حتى كانوا يحتجّون به عليه في المقامات، و يشنعون به على رؤوس الجماعات، و قد احطنا علما باحتجاج جميع من خالفه، أو قعد عنه أو نازعه و حاربه، فلم نجد فيه أنهم قالوا له: تناقضت أحكامك، و اختلفت آراؤك، و لا فضل لك في العلم،

لان زيدا نازعك فأفحمك، و عثمان خالفك فأسكتك، و تحكم بشي‏ء ثم تندم عليه، و تخطئ في أمر و تعترف بخطئك فيه، ثم تقيم عليه، بل وجدنا جماعة من ذكرنا معترفين بفضلهعليه‌السلام في العلم و الشجاعة و الحكم و القرابة بالنبي و الزهد، و انما كان بعضهم يتعلق عليه بايوائه قتلة عثمان و هم أهل البصرة و الشام و بعضهم بتحكيم الرجال و هم اهل النهروان و بعضهم بقتال أهل القبلة و هم المعتزلة للقتال و قد اجتهدت بنو امية السفيانية و المروانية في نحت مثالب لهعليه‌السلام ، فلم يحفظ عن أحد منهم في سلطانه سقط له في العلم، و لا تجهيل في الاحكام، و اكثر ما كانوا يخبطون به في ذلك، و يشبهون على الاغفال خذلانه لعثمان، و نصرته لقتلته، و الاستبداد بالامر دون الرجال، و ما أشبه ذلك، و لو كان شي‏ء مما حكاه إبراهيم عنهعليه‌السلام محفوظا لنشره من ذكرناه، و في عدول الكافة عنه سيما الخوارج و قد جرت بينه و بينهم المناظرات دليل على وقاحة إبراهيم و بهته و عناده الخ( ١) .

قلت: و لا سيما الراوي عن الجاحظ، و لعله هو الاصل في الافتراء، فان

____________________

(١) الفصول المختارة ٢: ١٧١.

٣٤٩

مثله منه كثير، كما لا يخفى على من راجع كتابيه المروانية و العثمانية، و قد نقضهما و بيّن كثيرا من افتراءاته جمع من علمائهم و منهم الاسكافي، و قد صرح المسعودي بأن الجاحظ كان يصنف الكتب فاذا لم ير اقبالا عليها ينسبها الى ابن المقفع و سهل خازن كتب حكمة المأمون لاشتهارهما في التصنيف( ١) .

ثم كيف ينسب ابن أبي الحديد الى اهل البيتعليهم‌السلام القول بالرأي و قد سئل الباقرعليه‌السلام عن الحديث يرسله و لا يسنده، فقال: إذا حدّثت الحديث و لم اسنده، فسندي فيه «أبي عن جدي عن أبيه عن جده رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن اللَّه عز و جل»( ٢) .

و قال سالم بن أبي حفصة و كان من الزيدية البترية لما هلك أبو جعفر محمد بن علي قلت لأصحابي: انتظروني حتى أدخل على أبي عبد اللَّه جعفر ابن محمد، فأعزيه بأبيه، فدخلت عليه، فعزيته به: ثم قلت: انّا للَّه و انّا إليه راجعون،

ذهب و اللَّه من كان يقول «قال رسول اللَّه»، فلا يسأل عمن بينه و بينه، لا و اللَّه لا يرى مثله، فسكت أبو عبد اللَّه ساعة، ثم قال: قال اللَّه تعالى: «ان من عبادي من يتصدق بشق تمرة، فأربيها له كما يربى أحدكم فلوه حتى أجعلها له مثل جبل أحد»، فخرجت الى اصحابي، فقلت لهم: ما رأيت أعظم من هذا: كنا نستعظم قول أبي جعفر «قال رسول اللَّه» بلا واسطة، فقال أبو عبد اللَّه «قال اللَّه» بلا واسطة( ٣) .

و بالجملة الوجوه الخمسة في كلامهعليه‌السلام لعدم جواز الاختلاف في

____________________

(١) التنبيه و الاشراف: ٦٦.

(٢) رواه المفيد في اماليه: ٤٢، ح ١٠، مجلس ٥.

(٣) رواه المفيد في اماليه: ٣٥٤، ح ٧، مجلس ٤٢ و أبو علي الطوسي في اماليه ١: ١٢٥، جزء ٥.

٣٥٠

الدين براهين عقلية تبطل كل نحلة و ملة من الفرق الاسلامية الا الامامية.

«و ان القرآن ظاهره أنيق» أي: حسن معجب «و باطنه عميق» قال الباقرعليه‌السلام : ما يستطيع أحد يدعي انه عنده جميع القران كله ظاهره و باطنه غير الاوصياء( ١) .

و عنهعليه‌السلام : ظهر القرآن الذين نزل القرآن فيهم، و بطنه الذين عملوا بمثل اعمالهم( ٢ ) . و في معنى الظهر و البطن، و التنزيل و التأويل كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزواته يقاتل على ظاهر القرآن و تنزيله، و كان امير المؤمنينعليه‌السلام يقاتل في حروبه الجمل و صفين و النهروان على باطن القران و تأويله.

و في (صفين نصر) في حديث قتل عمار و قال عمار حين نظر الى راية عمرو بن العاص: و اللَّه ان هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات، و ما هذه بأرشدهن، ثم قال:

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق الى سبيله

ثم استسقى و قد اشتد ظمأه فاتته امرأة طويلة اليدين بضياح من لبن، فقال حين شرب:

الجنة تحت الاسنة

اليوم القى الاحبه

محمدا و حزبه( ٣)

«لا تفنى عجائبه» هكذا في (المصرية) و فيها سقط، ففي (ابن أبي الحديد

____________________

(١) اخرجه الكليني في الكافي ١: ٢٢٨، ح ٢.

(٢) اخرجه الصدوق في معاني الاخبار: ٢٥٩، ح ١.

(٣) وقعة صفين: ٣٤٠ و ٣٤١.

٣٥١

و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) «لا تفنى عجائبه و لا تنقضي غرائبه».

و في (الكافي) عن ابن السكيت قال للهاديعليه‌السلام : لم بعث اللَّه موسى بالعصا و آلة السحر، و عيسى بآلة الطب، و محمّدا بالكلام و الخطب؟ فقالعليه‌السلام له: كان الغالب على أهل عصر موسى السحر، فأتاهم من عند اللَّه بما لم يكن في وسعهم، و كان عيسى في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، و احتاج الناس الى الطب، فأتاهم من عند اللَّه بما لم يكن عندهم مثله من احياء الموتى، و ابراء الاكمه و الابرص، و كان الغالب على عصر محمد الخطب و الكلام الفصيح و الشعر، فأتاهم من عند اللَّه من مواعظه و حكمه ما ابطل به قولهم، و أثبت به الحجّة عليهم. فقال ابن السكّيت: تاللَّه ما رأيت مثلك قط، فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقالعليه‌السلام : العقل يعرف به الصادق على اللَّه فتصدقه، و الكاذب على اللَّه فتكذبه. فقال ابن السكيت: هذا و اللَّه هو الجواب( ٢) .

و في (العيون): سأل رجل ابا عبد اللَّهعليه‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد عند النشر و الدرس الاغضاضة؟ فقال: ان اللَّه تعالى لم ينزله لزمان دون زمان، و لا لناس من دون ناس، فهو في كل زمان جديد، و عند كل قوم غض الى يوم القيامة( ٣) .

«و لا تكشف الظلمات الا به» روى (الكافي): أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبته بمنى أو مكة: ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، و ما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله. و ان الصادقعليه‌السلام قال: كل حديث لا يوافق كتاب اللَّه فهو زخرف( ٤) .

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٨٨، لكن في شرح ابن ميثم ١: ٣٢٠ مثل المصرية.

(٢) الكافي ١: ٢٤، ح ٢٠.

(٣) عيون الاخبار للصدوق ٢: ٨٥، ح ٣٢.

(٤) الكافي ١: ٦٩، ح ٣ ٥.

٣٥٢

٧ - الحكمة (٢٠٥) و قالعليه‌السلام :

كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلاَّ وِعَاءَ اَلْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ أقول: و نظيره قولهعليه‌السلام أيضا كما رواه أبو هلال العسكري في (صناعته) كل شي‏ء يعز إذا نزر ما خلا العلم فانه يعز إذا غزر.

في (المروج): ان الاسكندر لما قتل فورا من ملوك الهند، و انقاد إليه جميعهم، بلغه أن في أقاصي أرضهم ملكا ذا حكمة و سياسة يقال له كند الى أن قال فكتب كند الى الاسكندر: ان عنده فيلسوفا يخبره بمراده قبل أن يسأله لحدة مزاجه، و حسن قريحته، و اعتدال بنيته، و اتساعه في علمه، و ان الاسكندر أراد اختبار الفيلسوف، فدعا بقدح، فملأه سمنا، و أدهقه، و لم يجعل للزيادة عليه سبيلا، و دفعه الى رسول له، و قال له: امض به الى الفيلسوف، و لا تخبره بشي‏ء، فلما رود الرسول بالقدح قال الفيلسوف بصحة فهمه: لامر ما بعث هذا الملك بهذا السمن الي، و أجال فكره، ثم دعا بنحو ألف ابرة، فغرز أطرافها في السمن، و انفذها الى الاسكندر الى أن قال بعد ذكر التلاقي بينهما قال الاسكندر للفيلسوف: ما بالك حين أنفذت اليك قدحا مملوءا سمنا غرزت فيه ابرا و رددته الي؟ فقال الفيلسوف: علمت أيها الملك انك تقول ان قلبي قد امتلأ علما كامتلاء هذا الاناء من السمن، فليس لاحد من الحكماء فيه مستزاد، فأخبرت الملك ان علمي يستزيد في علمه و يدخل فيه دخول هذه الابر في هذا الاناء( ١) .

هذا، و شبه علم عند عالم سوء بمتاع جيد في وعاء سوء، ففي كتاب زيد

____________________

(١) مروج الذهب ١: ٣٢٤ ٣٢٩ و النقل بتلخيص.

٣٥٣

الزراد عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ان لنا أوعية نملؤها علما و حكما و ليست لها بأهل، و ما نملؤها إلا لتنقل الى شيعتنا، فانظروا الى ما في الأوعية، فخذوها، ثم صفّوها من الكدر تأخذونها بيضاء نقية صافية، و اياكم و الأوعية، فانها وعاء سوء فتنكبوها.

و عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام : ذهب العلم و بقي غبرات العلم في أوعية سوء،

فاحذروا باطنها فان في باطنها الهلاك، و عليكم بظاهرها فان في ظاهرها النجاة( ١) .

٨ - الحكمة (٣٣٨) و قالعليه‌السلام :

اَلْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ وَ مَسْمُوعٌ وَ لاَ يَنْفَعُ اَلْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ اَلْمَطْبُوعُ أقول: و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تقسيمه من حيث آخر، ففي كنز الكراجكي قال النبي: العلم علمان، علم في القلب، فذلك العلم النافع، و علم في اللسان، فذلك حجّة على العباد( ٢ ) ، كما أنّ عنهعليه‌السلام : تقسيم العقل كالعلم، ففي مطالب سؤول ابن طلحة الشافعي قال عليعليه‌السلام : العقل عقلان، عقل الطبع، و عقل التجربة،

و كلاهما يؤدي الى المنفعة( ٣) .

و كيف كان فالمراد بالعلم المطبوع في العنوان العقل، و بالعلم المسموع ظاهره، و معلوم أنّه ما دام لم يكن للانسان عقل لم ينفعه ما اكتسبه من العلم.

____________________

(١) أصل زيد الزراد: ٤.

(٢) كنز الفوائد: ٢٣٩.

(٣) مطالب السؤول: ٤٩.

٣٥٤

قالوا: أراد رجل أن يتعلم من الخليل علم العروض، و اشتغل عليه مدة،

فأعياه، فقال له: كيف تقطع بيت عمرو بن معد يكرب:

إذا لم تستطع شيئا

فدعه و جاوزه الى ما تستطيع

فترك الحضور، فعجب الخليل من فهمه مراده.

و قيل لحكيم: متى يكون الأدب شرّا من عدمه. قال: إذا كثر الأدب،

و نقصت القريحة.

٩ - الحكمة (٩٢) و قالعليه‌السلام :

أَوْضَعُ اَلْعِلْمِ مَا وُقِفَ عَلَى اَللِّسَانِ وَ أَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي اَلْجَوَارِحِ وَ اَلْأَرْكَانِ أقول: هكذا في (المصرية) في العدد، و هو محرف عن موضعه، ففي (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية) هذا قبل حكمة (٩١) «ان هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان».

و كيف كان فهذا نظير ما مر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم علمان، علم في القلب،

فذلك العلم النافع، و علم في اللسان، فذلك حجة على العباد( ١) .

أما علم وقف على اللسان، فكونه أوضع علم لأن صاحبه كالكلاب و القردة، و الحمير و البعير، قال تعالى: و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين. و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد الى الأرض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب

____________________

(١) كنز الفوائد: ٢٣٩.

٣٥٥

ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث( ١) .

و في الخبر عن الصادقعليه‌السلام : كان لموسى جليس قد وعى علما كثيرا،

فاستأذنه لزيارة أقاربه، فقالعليه‌السلام : ان اللَّه قد حملك علما فلا تضيعه. فقال: لا يكون إلا خيرا، و مضى، فطالت غيبته، فسأل موسى عنه، فلم يخبره عنه أحد،

فسأل جبرئيل عنه، فقال له: هو ذا على الباب قد مسخ قردا في عنقه سلسلة،

ففزع موسى و قال: يا ربّ صاحبي و جليسي، فأوحى إليه لو دعوت حتى تنقطع ترقوتاك ما استجيب لك فيه، اني حمّلته علما، فضيعه و ركن الى غيره( ٢) .

و قال تعالى: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات اللَّه( ٣ ) أي: كذبوه عملا، و ان صدقوه لسانا، و قال الشاعر:

زوامل للأشعار لا علم عندهم

بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا

بأوساقه أو راح ما في الغرائر

و كيف لا يكون ذاك العلم أوضع علم، و صاحبه اسوأ حالا من الجاهل،

و عن الصادقعليه‌السلام : يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد( ٤ ) . و عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى: فكبكبوا فيها هم و الغاوون( ٥ ) هم قوم و صفوا عدلا بألسنتهم، ثم خالفوه الى غيره( ٦) .

____________________

(١) الاعراف: ١٧٥ و ١٧٦.

(٢) رواه الشهيد الثاني في منية المريد عنه البحار ٢: ٤٠ ح ٧٠.

(٣) الجمعة: ٥.

(٤) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٧ ح ١، و القمي في تفسيره ٢: ١٤٦.

(٥) الشعراء: ٩٤.

(٦) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٧ ح ٤، و الأهوازي في الزهد: ٦٨ ح ١٨١.

٣٥٦

و في الخبر: ان أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه( ١) .

و قال عيسىعليه‌السلام : ويل لعلماء السوء، كيف تلظى عليهم النار( ٢) .

و أما كون علم ظهر في الجوارح و الأركان أرفع علم فلأنه الذي قال تعالى في صاحبه: يرفع اللَّه الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات( ٣ ) و قال الصادقعليه‌السلام فيه: ان العلماء ورثة الأنبياء، و ذلك ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، و انما ورثوا أحاديث، فمن أخذ منها أخذ بحظ وافر( ٤) .

و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في صاحب ذلك العلم: اللّهم ارحم خلفائي، اللّهم ارحم خلفائي، اللّهم ارحم خلفائي. قيل: و من هم؟ قال: الذين يتعلمون حديثي و سنتي، ثم يعلّمونها امتي( ٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام : من تعلم العلم، و عمل به، و علّم للَّه، دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل: تعلم للَّه، و عمل للَّه، و علّم للَّه( ٦) .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا طالب العلم، ان العلم ذو فضائل كثيرة،

فرأسه التواضع، و عينه البراءة من الحسد، و اذنه الفهم، و لسانه الصدق،

و حفظه الفحص، و قلبه حسن النية، و عقله معرفة الأشياء و الامور، و يده الرحمة، و رجله زيارة العلماء، و همّته السلامة، و حكمته الورع، و مستقره

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٤ ح ١.

(٢) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٧ ح ٢.

(٣) المجادلة ١١.

(٤) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٣٢ ح ٢، و الصفار في البصائر: ٣٠ و ٣١ ح ١ و ٣.

(٥) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار: ٣٧٤ ح ١، و الفقيه ٤: ٣٠٢ ح ٩٥، و أماليه: ١٥٢ ح ٤، مجلس ٣٤، و عيون الأخبار ٢: ٣٦ ح ٩٤، و الخطيب في شرح أصحاب الحديث: ٣٠ ح ٥٨، و الطبراني في المعجم الأوسط و الرامهرمزي في المحدث الفاضل و ابن النجار في تاريخه، عنهم كنز العمال ١٠: ٢٢٩ ح ٢٩٢٠٨.

(٦) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٣٥ ح ٩، و القمي في تفسيره ٢: ١٤٦.

٣٥٧

النجاة، و قائدة العافية، و مركبه الوفاء، و سلاحه لين الكلمة، و سيفه الرضا،

و قوسه المداراة، و جيشه محاورة العلماء، و ماله الأدب، و ذخيرته اجتناب الذنوب، و زاده الموادعة، و دليله الهدى، و رفيقه محبة الأخيار( ١) .

١٠ - الحكمة (٣٦٦) و قالعليه‌السلام :

اَلْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَ اَلْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَ إِلاَّ اِرْتَحَلَ عَنْهُ أقول: نسبه باب استعمال (علم الكافي) الى الصادقعليه‌السلام ، رواه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عنهعليه‌السلام ، و زاد بعد «فمن علم عمل» «و من عمل علم»( ٢ ) ، و كيف كان فالزيادة ساقطة من النهج لاقتضاء الكلام لها.

«العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل» روى (الخصال): ان رجلا جاء الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ما حق العلم؟ قال: الانصات له. قال: ثم مه؟ قال: الاستماع له.

قال: ثم مه؟ قال: الحفظ له. قال: ثم مه؟ قال: العمل به. قال: ثم مه؟ قال: نشره( ٣) .

و روى (العيون) عنهعليه‌السلام : الدنيا كلّها جهل إلا مواضع العلم، و العلم كلّه حجّة إلاّ ما عمل به، و العمل كلّه رياء إلاّ ما كان مخلصا، و الاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له( ٤) .

و روى (كنز الكراجكي) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ازداد في العلم رشدا، فلم

____________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ١: ٤٨ ح ٢، و ابن شعبة في تحف العقول: ٢٠٠.

(٢) الكافي ١: ٤٤ ح ٢.

(٣) الخصال ١: ٢٨٧ ح ٤٣، و الكافي ١: ٤٨ ح ٤.

(٤) عيون الأخبار للصدوق ١: ٢١٩ ح ٢٥.

٣٥٨

يزدد في الدنيا زهدا، لم يزدد من اللَّه إلاّ بعدا( ١) .

و روى (المنية) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه، أتعب صاحبه نفسه في جمعه، و لم يصل الى نفعه( ٢) .

«و العلم يهتف» أي: يصيح «بالعمل فان أجابه و إلا ارتحل عنه» في (تفسير القمي و الكافي): ان رجلا جاء الى علي بن الحسينعليه‌السلام ، فسأله عن مسائل، ثم عاد ليسأل عن مثلها، فقالعليه‌السلام : مكتوب في الانجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون، و ما عملتم بما علمتم، فان العلم إذا لم يعمل به لم يزدد من اللَّه إلا بعدا( ٣) .

١١ - الحكمة (٩٨) و قالعليه‌السلام :

اِعْقِلُوا اَلْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ اَلْعِلْمِ كَثِيرٌ وَ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ «اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية» و يعبر عنه بالدراية «لا عقل رواية».

و في (كنز الكراجكي) عنهعليه‌السلام : عليكم بالدرايات لا بالروايات، همّة السفهاء الرواية، و همّة العلماء الدراية( ٤) .

«فان رواة العلم كثير و رعاته قليل» في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام : رواة الكتاب كثير، و رعاته قليل، و كم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب،

فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، و الجهّال يحزنهم حفظ الرواية، فراع يرعى

____________________

(١) كنز الفوائد: ٢٣٩.

(٢) لم يوجد في منية المريد بل رواه ابن فهد في عدة الداعي عنه البحار ٢: ٣٧ ح ٥٥.

(٣) تفسير القمي عنه البحار ٢: ٢٨ ح ٦، و الكافي ١: ٤٤ ح ٤.

(٤) كنز الفوائد: ١٩٤.

٣٥٩

حياته، و راع يرعى هلكته، فعند ذلك اختلف الراعيان، و تغاير الفريقان( ١) .

و أكثر رواة العامة كما قالعليه‌السلام غير أهل دراية، روى الكشي عن ميمون بن عبد اللَّه قال: أتى قوم أبا عبد اللَّهعليه‌السلام يسألونه الحديث و كانوا لا يبالون ممن أخذوا فقال لرجل منهم: هل سمعت من غيري؟ قال: نعم. قال:

فحدثني ببعض. فقال: حدثني سفيان الثوري عن جعفر بن محمد قال: النبيذ كلّه حلال إلا الخمر الى أن قال فقالعليه‌السلام له: هذا الذي تحدث عنه و تذكر اسمه جعفر بن محمد هل تعرفه؟ قال: لا. قال: هل سمعت منه شيئا قط؟ قال:

لا. قال: فهذه الأحاديث عندك حق؟ قال: نعم أحاديث أهل مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها. فقالعليه‌السلام له: لو رأيت هذا الرجل الذي تحدّث عنه فقال لك هذه الأحاديث التي ترويها عني كذب لا أعرفها و لم أحدث بها، هل كنت تصدقه؟

قال: لا. قال: و لم؟ قال: لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عنق رجل لجاز قوله الخبر( ٢) .

هذا، و في الكافي عنهعليه‌السلام قال: إذا حدثتم بحديث فاسندوه الى الذي حدثكم، فان كان حقا فلكم و ان كان كذبا فعليه( ٣) .

١٢ - الحكمة (٣٧٢) و قالعليه‌السلام لجابر بن عبد اللَّه الأنصاريّ:

يَا؟ جَابِرُ؟ قِوَامُ اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٍ مُسْتَعْمِلٍ عِلْمَهُ وَ جَاهِلٍ لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ جَوَادٍ لاَ يَبْخَلُ بِمَعْرُوفِهِ وَ فَقِيرٍ لاَ يَبِيعُ آخِرَتَهُ

____________________

(١) الكافي ١: ٤٩ ح ٦.

(٢) اختيار معرفة الرجال: ٣٩٣ ح ٧٤١.

(٣) الكافي ١: ٥٢ ح ٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621