بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة15%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104867 / تحميل: 9131
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، والسلام عليك وعلى أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات(1) .

العبد

عادل العلوي

قم المقدّسة ـ الحوزة العلميّة

__________________

(1) سماحة آية الله العلاّمة الأستاذ السيّد عادل العلوي.

ولد في مدينة الكاظميّة المقدّسة بين الطلوعين في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1955 م ـ 1375 ه‍ ويتصل نسبه ب‍ (38) واسطة إلى مولانا الإمام علي بن الحسين ( زين العابدينعليه‌السلام ).

والده العلاّمة آية الله السيّد علي بن الحسين العلوي ، من علماء الكاظميّة والنجف وبغداد ، تلقّى دروسه في العراق على يد والده المرحوم وعلى غيره ، وفي قم المقدّسة على يد كبار المراجع العظام والعلماء الأجلاء أمثال السيّد المرعشي النجفيقدس‌سره والسيّد محمد رضا الكلبايكانيقدس‌سره والشيخ محمد فاضل اللنكراني ( دام ظلّه ) والشيخ جواد التبريزي ( دام ظلّه ) وغيرهم.

يُعَد اليوم من المدرسين الكبار في حوزة قم المقدّسة ، يقوم بتدريس الكفاية إضافة إلى دروسه في خارج الفقه وكذلك المكاسب والفلسفة والكلام ، مضافاً إلى محاضرات في التفسير والأخلاق ، وكتب رسالته ( زبدة الأفكار في نجاسة أو طهارة أهل الكتاب ) التي نال عليها درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلاميّة ، مضافاً إلى شهادات الأعلام باجتهاده في الفقه والأصول ، وقد اشتهر بكثرة تأليفاته المتنوعة ، فهو يسعى إلى تأسيس موسوعة إسلاميّة بقلمه الشريف في شتّى العلوم والفنون تقع في (120) كتاب ورسالة ، وقد طبع منها (64) كتاب ورسالة ، فضلاً عن المقالات ، هذا وقد عُرِف بخدماته الثقافيّة والإجتماعيّة ، مثل تأسيس مستوصف الإمام السجّاد الخيري والمؤسسة الإسلاميّة العامّة للتبليغ والإرشاد ، وجماعه العلماء والخطباء في الكاظميّة وبغداد ، ومكتبات عامّة ، وحسينيّات كحسينيّة الإمامين الجوادينعليهما‌السلام في مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام ، ولقد أجازه في الرواية ما يقرب عن عشرين من مشايخ الرواية كالآيات العظام : السيّد المرعشي النجفي قدس‌سره والسيّد الكلبايكاني قدس‌سره والشيخ الآراكي قدس‌سره والشيخ اللنكراني ( حفظه الله ) والسيّد عبد الله الشيرازي ( حفظه الله ) والسيّد محمّد الشاهرودي ( حفظه الله ) وغيرهم.

٢١

٢٢

المقدمة

بسمه تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ، اللهم صلِّ على الصديقة فاطمة الزكية حبيبة حبيبك ونبيك وأمُّ احبائك وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين ، اللهم كُن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر اللهم بدم اولادها اللهم كما جعلتها أمُّ أئمة الهدى وحليلة صاحب اللواء والكريمة عند الملاء الأعلى فصلِّ عليها وعلى امها صلاة تكرم بها وجه أبيها محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقر بها اعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة وفي كل ساعة افضل التحية والسلام واردد عليّ منهم السلام انك جواد كريم.

وبعد فانه لا يخفى على المتتبع لسيرة وحياة أهل البيتعليهم‌السلام انه قد كُتِبَت فيهم الكثير من الكتب وبالخصوص في شخصية فاطمةعليها‌السلام ومعرفتها حيث دارت في مجمل بحوثها على طريقة السرد التأريخي او المقارنة الموضعية ـ بين حياتها سلام الله عليها وبين باقي النساء المؤمنات اللآئي ذكرهن القرآن الكريم ـ أو على طريقة الاستنتاج والتحليل الواقعي والموضوعي لجميع مواقفها الاسلامية التي اتخذتها خلال مسيرتها الحياتية والتي كانت مليئة بالدروس والعبر والعظات الإنسانية البليغة.

على أن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم قد جاء ليمثل مجموعة السبل التي لابد من الكتاب أو المؤلف أن يجمعها ويصبها في قالب حسن وهو يعرض شخصية مثل شخصية الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام ، حيث فيه الأسرار الغامضة التي جاءت على شكل عناوين لبعض هذه البحوث مثل : حقيقة السر المستودع ، أصل يوم العذاب ، فاطمة حجة الله الكبرى ، وأيضا فيه المقارنة الموضوعية ، والإستنتاج العلمي ، والتحليل المثمر ، وكما سيظهر لك من خلال قراءة هذه البحوث والمحاضرات.

٢٣

على أنني أُنبه القارئ العزيز أنني قد وضعت في الكتاب بعض المواضيع التي ذكرتها بعض الكتب من باب اتمام الفائدة في الكتاب على امل ان يكون شاملاً لكثير من القضايا الحساسة والعقائدية في حياة فاطمة سلام الله عليها ، وليرجع اليها الكاتب والخطيب والباحث حين تعوزه المصادر والكتب ، وقد توجت كل بحث في بدايته بقصيدة شعرية في حياة فاطمةعليها‌السلام لتكون محطات ادبية فاطمية يستفيد منها القارئ اثناء ترحاله من بحث إلى آخر ، لذا جاء هذا الكتاب ليمثل مصباحاً جديداً في معرفة فاطمةعليها‌السلام انشاء الله راجياً أن أكون قد أديت بعض الحق الذي عليّ في توضيح بعض القضايا العقائدية في شخصيتها الاسلامية الفذة ، والحمد لله رب العالمين.

محمد فاضل المسعودي

قم المقدسة

18 ذي الحجة ـ عيد الغدير المبارك(1)

1419 ه‍

__________________

(1) من اللطائف الجميلة والصدف الحميدة التي شاهدناها خلال الإنتهاء من العمل في هذا الكتاب المبارك إن شاء الله تعالى ، أننا تفألنا بالقرآن الكريم في يوم الإنتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليه وذلك يوم الغدير الأفعم ، فخرجت لنا الآية المباركة المختصّة بيوم الغدير ويوم تنصيب أمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية العظمى ، وهي قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

٢٤

التمهيد

( اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها

وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها )

قبل الدخول في مضامين هذا الدعاء لابد من الإشارة إلى عدة أسئلة مهمة تتعلق بسند هذا الحديث ، وهل ورد فيه سند ؟ وفي أي كتاب مذكور ؟ وهل جاء هذا الحديث على لسان المعصوم أم لا ؟

كل هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها قبل الدخول في صميم هذا البحث ، فنقول : أن هذا الحديث لم نرَ له سنداً في أي كتاب من الكتب المتداولة ولم يروَّ عن أي معصوم من أهل بيت العصمة ، ولكن وجدناه مكتوباً في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفىٰ تحت عنوان ( دعاء التوسل بهاعليها‌السلام ) حيث رواه مؤلف الكتاب الشيخ الهمداني بقوله : سمعت شيخي ومعتمدي آية الله المرحوم ملاّ عليّ المعصومي يقول في التوسل بالزهراءعليها‌السلام « الهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها (1) » .

وأيضاً وجدنا هذا الدعاء ضمن الوصايا المهمة التي أوصىٰ بها آية الله المرعشي النجفي أبناءه بالمداومة على قراءته وبالخصوص ابنه الكبير حيث يقول : ( وأوصيه ـ أي ابنه الأكبر ـ بمداومة قراءة هذا الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله »(2) .

__________________

(1) فاطمة بهجة قلب المصطفى 252.

(2) قبسات من حياة سيّدنا الأستاذ المرعشي النجفيرحمه‌الله : ص 124.

ولقد ذكر مؤلّف هذا الكتاب السيد العلوي : إنّ هذا الدعاء قد تلقّاه السيد المرعشي في ضمن الوصايا المهمة التي أعطاها الإمام المهدي (عج) للسيّد المرعشي في إحدى تشرفاته بلقاء الإمام (عج).

٢٥

فما أعظمه من دعاء بحيث يذكره السيد المرعشي النجفيرحمه‌الله في ضمن وصاياه المهمة التي أوصى بها ، وأي فضيلة لهذا الدعاء والتوسل بحق الزهراءعليها‌السلام كي يَكونَ من أهم الأدعية في قنوتات فرائض السيد المرعشيرحمه‌الله .

لابد له من كرامة عظيمة وأهمية جليلة بحيث لا يترك من الوقوف معه والإستضاءة من نوره وبيان مضامينهُ وتجليت حقائقه لكي نعرف فاطمة حق معرفتها وعلى القدر المتيسر منه.

وهذا الحديث وان لم يكتب له سند في كتب الحديث ، ولكن جاء مضمونه مطابقاً لكثير من الروايات الشريفه المأثورة في حق الصديقة الكبرى فاطمةعليها‌السلام ، وعلى مضمونه وحقائقه توجد أدلة وشواهد تؤكد حقيقته وان لم يرد في كتب الأدعية ، ولكن يكفي في نقله على ما استفدناه من الكتابين المذكورين اللذين ذكرا هذا الدعاء ، ومن باب التسامح في أدلّة السنن يهون الخطب في سنده ، وعلى ضوء ما نفهمه من هذا الدعاء سوف يكون حديثنا حوله في بحثين :

البحث الأول : التوسل والإستغاثه بالزهراءعليها‌السلام .

البحث الثاني : حقيقة السر المستودع في فاطمةعليها‌السلام .

٢٦

٢٧
٢٨

التوسل بفاطمةعليها‌السلام

للخطيب الشيخ محسن الفاضلي

توسَّلت بالحوراء فاطمةَ الزّهرا

لتلهمني حتى أقولَ بها شِعرا

فجاء بحمدِ الله ما كنت أبتغي

فأبديتُ للمعبودِ خالقي الشّكرا

أجل هي روح المصطفى كُفءُ حيدرٍ

وأمُّ أبيها هل ترى مثلَه فخرا

أو المثلِ الأعلى بكلَّ خصالها

جلالاً كمالاً عفّةً شرفاً قدرا

حوت مَكرُماتٍ قطُّ لم يحو غيرُها

فمن بالثّنا منها ألا قُلْ لَنا أحرىٰ

وسيلتُنا والله خيرُ وسيلةٍ

بحقًّ كما وهي الشفيعةُ في الأخرىٰ

أيا قاتل اللهُ الذي راعها وقد

عليها قسىٰ ظلماً وروّعها عصْرا

وسوّد متنيها وأحرقَ بابَها

وأسقطها ذاكَ الجنينَ على الغبرا

أيا مَن تواليها أتنسىٰ مُصابَها

وتَسلو وقد أمست ومقلتُها حمرا

من الضّربِ ضرِب الرّجس يومِ تمانعت

بأن يذهبوا بالمرتضىٰ بعلِها قَسرا

وعادت تعاني هظمَها ومصابَها

بفقدِ أبيها وهي والهفتا عَبرىٰ

الى أن قضت روحي فداها ولا تَسل

عن أحوالها واللهُ من كلِّنا أدرىٰ

٢٩
٣٠

البحث الأوّل

حقيقة التوسل والاستغاثة بالزهراءعليها‌السلام

منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ أن خلق آدم وحواء جعل لهم وسيلة يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن أبينا آدمعليه‌السلام عندما أذنب بترك الأولى قد توسَّل إلى الله تعالى بغفران ذنبه « تركه الاولى » وكان من جملة ما توسل به الكلمات التي تلقاها من الله تعالى وتاب بها عليه تبارك وتعالى ولقد فسرت هذه الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (1) ، إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى والأسماء هي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فتوسل آدمعليه‌السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته.

به قد أجاب الله آدم إذ دعا

ونُجي في بطن سفينة نُوحُ

قومُ بهم غفرت خطيئة آدم

وهُمُ الوسيلة والنجوم الطُلَّع(2)

وعلى هذا الأساس كان التوسل بأولياء الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة عليها عند المسلمين بل يتعدى ذلك إلى غير المسلمين فنحن نجد ان الكثير من الديانات الأخرى غير الإسلامية تتوسل بشيء ما للتقرب إلى الله تعالى أو إلى الآلهة التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزىٰ ليقربونهم إلى الله زلفى وكما صرح بذلك القرآن الكريم في بعض آياته ، وعلى كل حال فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالى :

__________________

(1) البقرة : 37.

(2) البرهان : 1 / 86 ، مجمع البيان 1 / 89.

٣١

( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، حيث كان القرآن موافقاً في هذه المسألة للعقلاء أنفسهم وهذا ما نجده في طلب حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما زعيم أو رئيس أو حتى رجل كريم وهذا ليس من الشرك في شيء ، فهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلى الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولاً إلى الصحة والسلامة ، وما الطبيب الحقيقي إلاَّ الله تعالى فهل هذا يعتبر شركاً بالله عز وجل ؟ ويدل على هذا الأمر ما روي في قصة أبناء يعقوب على لسان القرآن الكريم عندما أدركوا انهم قد ارتكبوا ذنوباً كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب قائلين :( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (2) على أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران لهم من قبل رب العالمين( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) .

وعلى هذا الأساس كان التوسل أمراً دينياً قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله البشرية وقد جاء الإسلام ليؤكد على ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال إتخاذ الوسيلة التي نتوسل بها إلى الله تعالى ، ولم نجد من وقف ضد هذا الأمر ـ أي التوسل ـ إلاّ ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري ، وتلاه في عقائده الباطلة والتي لا تمتلك دليل منطقي برهاني محمد بن عبد الوهاب الذي أسس أضل واطغى جماعة على الدين الإسلامي ألا وهي الوهابية العمياء فأعتبر التوسل بأولياء الله تعالى من الأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين بدعة ـ تارة ـ وعبادة للأولياء أنفسهم تارة أخرىٰ.

وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات العقلائية في هذا المضمار وخصوصاً نحن نؤمن بأن القرآن الكريم قد أكد على حقيقة اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة ، وليس هذا على ما يدعيه محمد بن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الشرك بالله تعالى ، والقرآن الكريم نفسه أكد على ضرورة اتخاذ الوسيلة إلى الله تعالى.

والتوسل يكون على قسمين أو صورتين :

__________________

(1) المائدة : 25.

(2) يوسف : 97.

٣٢

1 ـ التوسل بالأولياء أنفسهم ، كأن نقول : ( اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تقضي حاجتي ).

2 ـ التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى كأن نقول ( اللهم أني أتوسل إليك بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي ).

أما الوهابية فإنهم يُحرمون الصورتين معاً ، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية وتؤكدان جواز الصورتين معاً(1) . فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد على هذه الحقيقة حقيقة جواز التوسل بأولياء الله تعالى حيث يقول : « إن رجلاً ضريراً أتىٰ إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أُدُع الله يعافيني.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن شئتَ دعوت ، وأن شئت صبرت وهو خير ؟

فقال : فادعُه ـ فأمره ـ ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء : اللهم أني اسئلك واتوجِّه إليك بنبيك نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي لتقضى ! ، اللهم شفعه فيَّ.

قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ.

ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة السند وقد أثبتته كتب العامة قبل الخاصة حتى ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث ثقة(2) .

أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في ألفاظه يظهر معناه واضحاً جلياً. حيث دل على ان الإنسان له أن يتوسل إلى الله تعالى بالذين جعلهم أدلاء على مرضاته وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم خاتمهم نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، والتوسل يكون بحرمتهم وكرامتهم وحقهم على الله تعالى. أما التوسل بالأنبياء وبحقهم فهذا ما جاء على لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أُم أمير المؤمنين حيث يقول الحديث « لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس عند رأسها

__________________

(1) الوهابية في الميزان : 163.

(2) سنن ابن ماجة : 1 / 441 ، الوهابية في الميزان 164.

٣٣

فقال : رحمك الله يا أمي بعد أمِّي ثم دعا رسول الله أسامَة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه ، ثم قال : والله الذي يُحي ويميت وهو حَيٌّ لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي(1) .

أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه ، فقد روىٰ جمع من المحدثين ان اعرابياً دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « لقد أتيناك وما لنا بعيرٌ يئط ـ أي مثل صوت البعير ـ ولا صبي يغط ـ وهو صوت النائم ـ ثم أنشأ يقول :

أتيناك والعذراء تدمىٰ لبانُها

وقد شغلت أم الصبيِّ عن الطفلِ

ولا شيء ممِّا يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامي والعلهز الفسْلِ

وليس لنا إلا إليك فرارُنا

وأين فرارُ الناس إلا إلى الرسلِ

فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يَجُر رداءه ، حتى صعد المنبر فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا غيثاً فما ردا النبي حتى ألقت السماء

ثم قال : لله دَرُّ أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قولَهُ ؟

فقام علي بن أبي طالبعليهما‌السلام وقال : كأنك تريدُ يا رسول الله ـ قَولَهُ :

وأبيض يُستسقىٰ الغمامُ بوجهه

ثِمال اليتامى عصمَةٌ للأراملِ

يطوف به الُهلاِّك من آل هاشمٍ

فهم عنده في نعمةٍ وفواضلِ

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجل فانشد عليعليه‌السلام أبياتاً من القصيدة ، والرسول يستغفر لأبي طالب على المنبر ، ثُمِّ قام رجل من كنانة وأنشد يقول :

لك الحمد والحمد ممن شكر

سقينا بوجه النبي المَطَر(2)

ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة التي يتوسل بها بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله

وأشهد أن الله لا ربًّ غيرُه

وانك مأمون على كل غائبِ

وانك أدنى المرسلين وسيلة

إلى الله يابن الأكرمين الاطائب

__________________

(1) كشف الإرتياب : 312 ، حلية الأولياء : 121 ، وفاء الوفا 3 : 899.

(2) شرح نهج البلاغة 14 / 80 ، السيرة الحلبية : 3 / 263.

٣٤

فمرنا بما يأتيك يا خير مُرسلٍ

وان كان فيما فيه شيبُ الدوائِب

وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ

بِمُضض فتيلاً عن سواد بن قاربِ(1)

أما التوسل بأولياء الله تعالى فهذا ما اثبتته الكتب الكثيرة وخاصة الموجودة في كتب العامة حيث ورد في كيفية استقساء المسلمون بعم النبي « العباس » واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة ، لما اشتَدَّ القحط فسقاهم الله تعالى به ، وأخصبت الأرض ـ فقال عمر هذا ـ والله ـ الوسيلة إلى الله والمكان منه.

وقال حسّان :

سأل الأمام وقد تتابع جد بنا

فسقى الغمام بغُرّة العَّباسِ

عم النبي وصفو والِدهِ الذي

وَرث النبي بذاك دون الناس

أحيى الإله به البلاد فأصبحت

مخضرة الأجانب بعد اليأس

ولما سقي الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين(2) .

أقول : بعد هذا البيان يظهر لنا ان التوسل بالأولياء الصالحين مما جرت به السنة الشريفة فضلا عن القرآن الكريم نفسه ، وعلى هذا الأساس جاء هذا الدعاء المروي عن علمائِنا الأفاضل :

« اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والذي يظهر من خلال استقراء الروايات المأثورة في حق الزهراء أن هذا الدعاء وارد في حق التوسل بالصديقة الطاهرة الزهراءعليها‌السلام فتارة نجد بعض الأحاديث تبين كيفية التوسل بالزهراء وتارة أخرى تبين كيفية الاستغاثة بالصديقة الشهيدة سلام الله عليها.

فقد ورد عن لسان العلامة المتبحر المجلسي ما نصه : وجدت نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه :

هذا الدعاء رواه محمد بن بابويهرحمه‌الله ، عن الأئمةعليهم‌السلام وقال : ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة الإجابة وهو

(يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد ، يا قرة عين الرسول ، يا سيدتنا ومولاتنا ، إنّا

__________________

(1) الدرر السنية : 27 زيني دحلان ، التوصل إلى حقيقة التوسل : 300.

(2) تاريخ اُسد الغاية في معرفة الصحابة : 3 / 111.

٣٥

توجهنا واستشفعنا ، وتوسلنا بك إلى الله ، وقدمناك بين يدي حاجتنا ، يا وجيهة عند الله أشفعي لنا عند الله )(1) .

وروي في كيفية التوسل بالزهراء ، أن تصلي ركعتين ، فاذا سلمت فكبر الله ثلاثاً ، وسبح تسبيح الزهراءعليها‌السلام واسجد وقل مائة مرة : يا مولاتي ، يا فاطمة أغيثيني ، ثم ضع خدّك الأيمن ، وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك ، ثم خدك الأيسر على الأرض وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات ، أذكر حاجتك تقضى(2) . أما صلاة الاستغاثة بالبتول فهو نفس العمل السابق إضافة إلى ذلك تقول في السجود :

(يا آمناً من كلّ شيء وكل شيء منك خائف حذر ، أسألك بأمنك من كل شيء وخوف كلّ شيء منك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي ومالي وولدي حتى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً ، إنك على كل شيء قدير ).

والدعاء الذي افتتحنا به البحث يؤكد على مسألة مهمة أخرى وهي حق فاطمةعليها‌السلام والذي يهمنا في هذا المقام هو معرفة حق فاطمة وما المقصود منه ، والذي نراه بعد تتبع بعض روايات أهل البيتعليهم‌السلام أنّ حق أهل البيت عظيم وحقوقهم كثيرة ، ولكن الأهم من هذا كله هو معرفة الحق الأكبر ، والذي عبرت عنه الروايات حق المعرفة ، وبعبارة أخرى اهم حق هو معرفة كونهمعليهم‌السلام مفترضوا الطاعة وهذا ما أشارت إليه الكثير من الروايات المروية في المقام.

حيث فسرت حق الأئمة تارة بأنهم حجة الله على الخلق والباب الذي يؤتى منه والمأخوذ عنه ، وأنهم مفترضوا الطاعة ، وهكذا بالنسبة للأئمةعليهم‌السلام ، أمّا الصديقة الشهيدة ، فحقها كبير على الناس وخصوصاً الأنبياء ، حيث ورد أنه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، وكذلك ورد أنها مفترضة الطاعة على جميع البشر وهذا حقها الأكبر

__________________

(1) البحار : 12 / 247.

(2) البلد الأمين : 159 ، البحار : 102 / 254 ح 13 ، مستدرك الوسائل : 6 / 331 ح 3 مثله.

٣٦

على الناس حيث يقول الحديث :

« ولقد كانتعليها‌السلام مفروضة الطاعة ، على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير ، والوحش ، والأنبياء ، والملائكة »(1) . على أنه كلما ثبت من حقوق للأئمةعليهم‌السلام فهو ثابت للصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام وخصوصا نحن نعلم انه ورد عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام انه قال : ( نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ).

اذن من خلال هذا الموضوع نفهم ان لحقيقة التوسل بالصديقة الشهيدةعليها‌السلام لقضاء الحاجات بوجاهتها عند الله دوراً مهماً في ترسيخ عقيدة الإنسان المؤمن بها حيث بعد قضاء الحاجة على يديها يجد المؤمن ايماناً راسخاً بها هذا من جهة ، وان حقيقة التوسل بها يضعنا أمام جملة من الحقائق لابد من الوقوف معها والتأمل في مغزاها من جهة اُخرى.

وأوَّل هذه الحقائق المنزلة العظيمة والجليلة والفريدة التي كانت تتمتع بها بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مما جعلها موئلاً لكل مستغيث ومقصداً لكل طالب حاجة ضاق بحاجته ذرعاً وهو لا يدري باب من يطرق حتى تقضى حاجته وتجاب استغاثته ، فاذا بالإمام الصادقعليه‌السلام يقول لنا : عليكم بالزهراء ، استغيثوا بإسمها ونادوا مولاتكم فاطمة ، وحينئذ تقضى حاجتكم ، وتنالون مطلبكم ويكفي في مقام بيان منزلتها انها كانت المرجع لأبيها حيث كنّاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باُمّ أبيها ، وانها كانت بضعة منه فمن أغضبها فقد أغضبهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويكفي في منزلتها أيضاً أنها سيدة نساء أهل الجنة ،بل سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وأنها أم الأئمة المعصومين وانها حليلة سيد الأوصياء علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وأما الحقيقة الثانية التي أثبتتها أحاديث التوسل بالصديقة الشهيدة ، هو مسألة الشفاعة ، ولما لها من الأهمية الكبرى في حياة الفرد المؤمن ، حيث نجد مسألة الشفاعة لها دور كبير في بعث الأمل في روح المذنبين وأن لهم أملاً يظهر خلال الدنيا على نحو التوسل وفي الآخرة على نحو الشفاعة وهذا ما أكده القرآن الكريم في كثير من آياته

__________________

(1) دلائل الإمامة : 28.

٣٧

حيث يقول سبحانه وتعالى :( يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ ) (1) ،( وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) (2) ،( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا ) (3) . فإذا كان الله سبحانه وتعالى يأذن لبعض عباده بأن يشفعوا لغيرهم من الناس فمن أولى من بضعة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الخصوصية.

والحقيقة الأخرى التي كشفت عنها روايات التوسل والإستغاثة بالصديقة الشهيدة هي مسألة تسبيح الزهراءعليها‌السلام ، ذلك التسبيح الذي علمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لابنته بأن تكبر الله سبحانه أربعاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين ، عندما جاءته والإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام تشكو لهصلى‌الله‌عليه‌وآله إجهادها ونصبها ومعاناتها في عمل البيت ، فطلبت منهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعينها بخادمة تكون معواناً لها ، فكان أن علمها هذا التسبيح الذي عملت به سلام الله عليها وعنها أخذ المؤمنون يسبحون به ويتعبدون بعد كل صلاة ، وكأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد ان تصبح الزهراءعليها‌السلام حاضرة في كل صلاة يؤديها مؤمن ، إذ كلما تَعَبَّد بهذا التسبيح متعَبِد تذَكَّر الزهراء ومكانتها من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الله سبحانه وتعالى.

__________________

(1) طه آية 109.

(2) سبأ آية 23.

(3) مريم آية 87.

٣٨

٣٩
٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

مثل الذين كفروا بربّهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شي‏ء ذلك هو الضلال البعيد( ١) .

«و العامل بالعلم كسائر» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «كالسائر» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«على الطريق الواضح» و كمن يمشي بسراج «فلينظر ناظر أ سائر هو أم راجع» قال تعالى: اتخذوا الشياطين أولياء من دون اللَّه و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا( ٣ ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انّهم يُحسنون صنعا( ٤ ) و لنعم ما قيل بالفارسية:

ترسم نرسى بكعبه أى اعرابى

اين ره كه تو ميروى بتركستان است

«و اعلم ان لكل ظاهر باطنا على مثاله، فما طاب ظاهره طاب باطنه و ما خبث ظاهره خبث باطنه» قال ابن أبي الحديد: مأخوذ من قوله تعالى: و البلد الطّيّب يخرج نباته باذن ربّه و الذي خبث لا يخرج إلا نكدا( ٥ ) ، مثل ضربه تعالى لمن يؤثر فيه الوعظ و من لا يؤثر فيه، و مرادهعليه‌السلام ان لكلتي حالتي الانسان الظاهرة ميلة الى العقل، و ميلة الى الهوى أمرا باطنا يناسبهما، فالمتبع لعقله يرزق السعادة، و المتبع لهواه يرزق الشقاوة( ٦) .

____________________

(١) إبراهيم: ١٨.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٧٦، لكن في شرح ابن ميثم ٣: ٢٤٩ مثل المصرية.

(٣) هذا خلط بين الآيتين الاعراف: ٣٠ و الكهف: ١٠٤.

(٤) الكهف: ١٠٣ و ١٠٤.

(٥) الاعراف: ٥٨.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٧٨، و النقل بالمعنى.

٤٠١

«و قد قال الرسول الصادقصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان اللَّه يحب العبد و يبغض عمله و يحب العمل و يبغض بدنه» و شخصه، قال ابن أبي الحديد: الخبر مذكور في كتب المحدثين( ١ ) . قلت: و كأن في الكلام سقطا.

«و اعلم ان لكلّ عمل نباتا» الظاهر ان الأصل «و اعلم ان لكلّ غرس نباتا»،

و صحفه النساخ، و إلاّ فلا مناسبة لا ثبات نبات للعمل.

«و كلّ نبات لا غنى به عن الماء» و لو كان ماء منقوعا في الأرض «و المياه مختلفة فما طاب سقيه طاب غرسه و حلت» من الحلو «ثمرته» و مورد قوله تعالى:

و في الأرض قطع متجاورات و جنات من أعناب و زرع و نخيل صنوان و غير صنوان يسقى بماء واحد و نفضّل بعضها على بعض في الأكل انّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون( ٢ ) السقي بماء واحد، و موضوع كلامه السقي بمياه مختلفة فلا تخالف.

«و ما خبث سقيه خبث غرسه» كخضراء الدمن التي حذّر منها ظاهرا و باطنا «و امرت ثمرته» أي: صارت مرا.

٢٥ - الحكمة (٧٣) و قالعليه‌السلام :

مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَ لْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ وَ مُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَ مُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ اَلنَّاسِ وَ مُؤَدِّبِهِمْ هكذا في (المصرية)، و الصواب: «فعليه ان يبدأ» كما في (ابن أبي الحديد

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٧: ١٧٩.

(٢) الرعد: ٤.

٤٠٢

و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

«بتعليم نفسه قبل تعليم غيره» بحملها على العمل، و في الأمثال العربية «ان كنت ذا طب بالحركات الثلاث فطب لعينيك»( ٢ ) و في الفارسية «گر اگر طبيب بودى سر خود دوا نمودى».

«و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه» و لذا قال شعيبعليه‌السلام لقومه:

و ما اريد أن اخالفكم الى ما أنهاكم عنه ان اريد إلاّ الاصلاح ما استطعت( ٣) .

و في خطبة عمرو بن كلثوم: أما بعد فانه لا يخبر عن قصد المرء أصدق من تركه تزكية نفسه، و لا يعبر عنه في تزكية أصحابه أصدق من اعتماده إياهم برغبته و ائتمانه إياهم على حرمته.

«و معلم نفسه و مؤدبها أحق بالاجلال من معلم الناس و مؤدبهم» الذي لم يكن معلم نفسه و مؤدبها، لانه ممن يأمر الناس بالمعروف و ينسى نفسه، و هو في غاية القبح.

هذا، و مر في فصل علمه قولهعليه‌السلام لكميل: «ان هذه القلوب أوعية الى و العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، و أمثالهم في القلوب موجودة الى كذلك يموت العلم بموت حامليه»( ٤) .

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٢٢٠، لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٢٧٥ مثل المصرية.

(٢) أورده لسان العرب ١: ٥٥٣، مادة (طب).

(٣) هود: ٨٨.

(٤) مر في عنوان ١ من الفصل العاشر.

٤٠٣

٤٠٤

الفصل التاسع عشر فيما ارشد الثاني في مصالح الاسلام

٤٠٥

٤٠٦

١ - الخطبة (١٤٤) و من كلام لهعليه‌السلام لعمر بن الخطاب و قد استشاره في غزو الفرس بنفسه:

إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَ لاَ خِذْلاَنُهُ بِكَثْرَةٍ وَ لاَ قِلَّةٍ وَ هُوَ دِينُ اَللَّهِ اَلَّذِي أَظْهَرَهُ وَ جُنْدُهُ اَلَّذِي أَعَدَّهُ وَ أَمَدَّهُ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وَ طَلَعَ حَيْثُمَا طَلَعَ وَ نَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اَللَّهِ وَ اَللَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَ نَاصِرٌ جُنْدَهُ وَ مَكَانُ اَلْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ اَلنِّظَامِ مِنَ اَلْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَ يَضُمُّهُ فَإِنِ اِنْقَطَعَ اَلنِّظَامُ تَفَرَّقَ اَلْخَرَزُ وَ ذَهَبَ ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً وَ اَلْعَرَبُ اَلْيَوْمَ وَ إِنْ كَانُوا قَلِيلاً فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالْإِسْلاَمِ عَزِيزُونَ بِالاِجْتِمَاعِ فَكُنْ قُطْباً وَ اِسْتَدِرِ اَلرَّحَى بِالْعَرَبِ وَ أَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ اَلْحَرْبِ فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ اَلْأَرْضِ اِنْتَقَضَتْ عَلَيْكَ اَلْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ اَلْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ

٤٠٧

يَدَيْكَ إِنَّ اَلْأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا هَذَا أَصْلُ اَلْعَرَبِ فَإِذَا اِقْتَطَعْتُمُوهُ اِسْتَرَحْتُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وَ طَمَعِهِمْ فِيكَ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ اَلْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ اَلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ وَ هُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيمَا مَضَى بِالْكَثْرَةِ وَ إِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَ اَلْمَعُونَةِ قال ابن أبي الحديد: اختلف الحال التي قالعليه‌السلام هذا الكلام لعمر، فقيل في غزاة القادسية ذهب إليه المدائني في فتوحه فقال: استشار عمر في أمر القادسية، فأشار عليه عليعليه‌السلام ان لا يخرج بنفسه، و قال «انك ان تخرج لا تكون للعجم همّة إلا استيصالك، لعلمهم انك قطب رحى العرب فلا تكون للإسلام بعدها دولة»، و أشار عليه غيره أن يخرج بنفسه فأخذ برأي عليعليه‌السلام .

و قيل في غزاة نهاوند ذهب إليه الطبري فقال: ان عمر لما أراد أن يغزو العجم و جيوش كسرى و هي مجتمعة بنهاوند استشار أصحابه، فقام عثمان،

فقال: أرى أن تكتب الى أهل الشام فيسيروا من شامهم، و تكتب الى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم، ثم تسير أنت بأهل هذين الحرمين الى مصرين البصرة و الكوفة، فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين الى أن قال فقال علي بن أبي طالب: «أما بعد فان هذا الأمر لم يكن نصره بكثرة و لا قلّة، انما هو دين اللَّه الذي أظهره و جنده الذي أعزّه و أمدّه بالملائكة حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من اللَّه و اللَّه منجز وعده و ناصر جنده، و ان مكانك منهم مكان النظام من الخرز يجمعه و يمسكه، فان انحل تفرّق ما فيه و ذهب ثم لم يجتمع

٤٠٨

بحذافيره أبدا، و العرب اليوم و ان كانوا قليلا فانهم كثير عزيز بالاسلام، أقم مكانك و اكتب الى أهل الكوفة فانهم أعلام العرب و رؤساؤهم، و ليشخص منهم الثلثان و ليقم الثلث، و اكتب الى أهل البصرة أن يمدّوهم ببعض من عندهم، و لا تشخص الشام و لا اليمن فانك ان أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم الى ذراريهم، و ان أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة الى ذراريهم، و متى شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أقطارها و أطرافها حتى يكون ما تدع وراءك أهم اليك مما بين يديك من العورات و العيالات، إنّ الأعاجم إن ينظروا اليك غدا قالوا هذا أمير العرب و أصلهم، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك. و أما ما ذكرت من مسير القوم فان اللَّه هو أكره لمسيرهم منك و هو أقدر على تغيير ما يكره، و أما ما ذكرت من عددهم فانا لم نكن نقاتل في ما مضى بالكثرة و انما كنّا نقاتل بالصبر و النصر». قال عمر: أجل هذا الرأي و قد كنت أحب أن أتابع عليه( ١) .

قلت: بل لا خلاف ان هذا الكلام قالعليه‌السلام في نهاوند، و صرح به غير الطبري و المفيد في (إرشاده)، و أبو حنيفة الدينوري في (طواله)، و أعثم الكوفي في (تاريخه)، و أما المدائني فلم يقل انّهعليه‌السلام قال هذا الكلام في القادسية، و انما قال: أشارعليه‌السلام على عمر بعدم خروجه في القادسية، فعمر استشار المسلمين في كلّ منهما، و هوعليه‌السلام أشار عليه في كليهما، كما صرح به أعثم الكوفي، و زاد انّه أشار على عمر في القادسية بتولية سعد، و في نهاوند بتولية النعمان( ٢) .

و بالجملة العنوان كلامهعليه‌السلام في نهاوند ردّا لرأي عثمان، و لم يقل أحد

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٩٦، و تاريخ الطبري ٣: ٢١٠ ٢١٢، سنة ٢١.

(٢) الارشاد: ١١١.

٤٠٩

في القادسية ان عثمان أو غيره أشار على أشخاص أهل الشام و اليمن، أو البصرة و الكوفة.

لكن الغريب ان البلاذري نقل انّهعليه‌السلام أشار في القادسية بالشخوص فأبى، كما نقل ان عمر طلب منهعليه‌السلام الشخوص فأبى، فقال: كتب المسلمون الى عمر يعلمونه كثرة من تجمع لهم من أهل فارس و يسألونه المدد، فأراد أن يغزو بنفسه و عسكر لذلك، فأشار عليه العباس و جماعة من مشايخ الصحابة بالمقام، و توجيه الجيوش و البعوث، ففعل ذلك، و أشار عليه عليعليه‌السلام بالمسير، فقال له: اني قد عزمت على المقام، و عرض على علي الشخوص فأباه( ١) .

و كيف كان فقال الدينوري: كانت وقعة نهاوند في سنة (٢١)، و ذلك أن العجم لما قتلوا بجلولاء، و هرب يزدجرد الملك فصار بقم، و وجه رسله في البلدان يستجيش، فغضب له أهل مملكته، فانحلت إليه الأعاجم من أقطار البلاد، فأتاه أهل قومس و طبرستان و جرجان و دنباوند و الري و اصبهان و همذان و الماهين، و اجتمعت عنده جموع عظيمة، فولى أمرهم مردانشاه ابن هرمزد، وجههم الى نهاوند، و كتب عمار بذلك الى عمر الى أن قال ثم تكلم عثمان، فقال: اكتب الى أهل الشام فيسيروا من شامهم، و الى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم، و الى أهل البصرة فيسيروا من بصرتهم، و سر أنت بأهل هذا الحرم حتى توافي الكوفة، و قد وافاك المسلمون من أقطار أرضهم و آفاق بلادهم، فانك إذا فعلت ذلك كنت أكثر منهم جمعا و أعز نفرا. فقال المسلمون من كل ناحية: صدق عثمان. فقال عمر لعليعليه‌السلام : ما تقول أنت يا أبا الحسن؟

فقال: انك ان أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم الى ذراريهم، و ان

____________________

(١) فتوح البلدان: ٢٥٥.

٤١٠

سيرت أهل اليمن من يمنهم خلفت الحبشة على أرضهم، و ان شخصت أنت من هذا الحرم انتقضت عليك الأرض من أقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العيالات أهم اليك مما قد أمك، و ان العجم إذا رأوك عيانا قالوا: هذا ملك العرب كلّها، فكان أشدّ لقتالهم، و انا لم نقاتل الناس على عهد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و لا بعده بالكثرة، بل اكتب الى أهل الشام أن يقيم منهم بشامهم الثلثان و يشخص الثلث، و كذلك الى عمان، و كذلك سائر الأمصار و الكور» فقال عمر: و هو الرأي كنت رأيته، و لكني أحببت ان تتابعوني عليه. فكتب بذلك الى الأمصار.

ثم قال: لأولين الحرب رجلا يكون غدا لأسنة القوم جرزا، فولّى الأمر النعمان بن مقرن المزني و كان من خيار الصحابة و كان على خراج كسكر،

فدعا عمر السائب بن الأقرع، فدفع إليه عهد النعمان بن مقرن و قال له: ان قتل النعمان فولّي الأمر حذيفة. و ان قتل حذيفة فولّي الأمر جرير البجلي، و ان قتل جرير فالأمير المغيرة، و ان قتل المغيرة فالأمير الأشعث. و كتب الى النعمان:

ان قبلك رجلين هما فارسا العرب عمرو بن معد يكرب و طليحة بن خويلد،

فشاورهما في الحرب و لا تولهما شيئا من الأمر.

ثم قال للسائب: ان أظفر اللَّه المسلمين فتول أمر المغنم، و لا ترفع إلي باطلا، و ان يهلك ذلك الجيش فاذهب فلا أرينك.

فسار السائب حتى ورد الكوفة، و دفع الى النعمان عهده، و وافت الأمداد، و خلف أبو موسى بالبصرة ثلثي الناس، و سار بالثلث الآخر حتى وافى الكوفة، فتجهز الناس، و ساروا الى نهاوند، فنزلوا بمكان يسمى الاسفيدهان من مدينة نهاوند على ثلاثة فراسخ قرب قرية يقال لها قديس جان و أقبلت الأعاجم يقودها مردانشاه بن هرمزد، حتى عسكروا قريبا من عسكر المسلمين، و خندقوا على أنفسهم، و أقام الفريقان بمكانيهما، فقال

٤١١

النعمان لعمرو و طليحة: ما تريان، فان هؤلاء القوم قد أقاموا بمكانهم لا يخرجون منه، و امدادهم تترى عليهم كلّ يوم. فقال عمرو: الرأي ان تشيع ان عمر توفي ثم ترتحل بجميع من معك، فان القوم إذا بلغهم ذلك طلبونا، فتقف لهم عند ذلك. ففعل النعمان ذلك، و تباشرت الأعاجم، و خرجوا في آثار المسلمين، حتى إذا قاربوهم وقفوا لهم، ثم تزاحفوا فاقتتلوا، فلم يسمع إلا وقع الحديد على الحديد، و كثرت القتلى من الفريقين، و حال بينهما الليل، فانصرف كلّ فريق الى معسكره، و بات المسلمون و لهم أنين من الجراح، ثم أصبحوا و ذلك يوم الأربعاء، فتزاحفوا و اقتتلوا يومهم كلّه و صبر الفريقان، ثم كان ذلك دأبهم يوم الخميس، و تزاحفوا يوم الجمعة و توافقوا، و ركب النعمان برذونا أشهب و لبس ثيابا بيضا و سار بين الصفوف يذمر المسلمين و يحضهم،

و جعل ينتظر الساعة التي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقاتل فيها و يستنزل النصر، و هي زوال النهار و مهب الرياح، و سار في الرايات يقول لهم اني هازّ لكم الراية ثلاثا،

فاذا هززتها أوّل مرة فليشد كلّ رجل منكم حزام فرسه، و ليستلم شكته، فاذا هززتها الثانية فصوبوا رماحكم، و هزوا سيوفكم، فاذا هززتها الثالثة فكبروا و احملوا فاني حامل، فلما زالت الشمس بأدنى صلّوا ركعتين ركعتين و وقف و نظر الناس الى الراية، فلما هزها الثالثة كبروا و حملوا و انتقضت صفوف الأعاجم، و كان النعمان أول قتيل، فحمله أخوه سويد بن مقرن الى فسطاطه،

فخلع ثيابه، فلبسها و تقلّد سيفه، و ركب فرسه، فلم يشك أكثر الناس أنّه النعمان و ثبتوا يقاتلون عدوهم، ثم أنزل اللَّه نصره و انهزمت الأعاجم، فذهبت على وجوهها حتى صاروا الى قرية من نهاوند على فرسخين، فنزلوها لأن حصن نهاوند لم يسعهم، و أقبل حذيفة و قد كان تولى الأمر بعد النعمان حتى أناخ عليهم فحاصرهم بها، فخرجوا ذات يوم مستعدين للحرب، فقاتلهم

٤١٢

المسلمون، فانهزمت الأعاجم و انقطع عظيم من عظمائهم يسمى دينار، فحال المسلمون بينه و بين الدخول الى الحصن، و اتبعه رجل من عبس يقال له سماك بن عبيد، فقتل قوما كانوا معه و استسلم له الفارسي، فاستأسره سماك، فقال لسماك: انطلق بي الى أميركم، فاني صاحب هذه الكورة لأصالحه على هذه الأرض، و افتح له باب الحصن، فانطلق به الى حذيفة،

فصالحه عليها و كتب له بذلك كتابا، فأقبل دينار حتى وقف على باب حصن نهاوند و نادى: افتحوا باب الحصن و انزلوا فقد أمنكم الأمير و صالحني على أرضكم، فنزلوا إليه، فعند ذلك سميت (ماه دينار).

و أقبل رجل من أشراف تلك البلاد الى السائب بن الأقرع و كان على المغانم فقال له: أتصالحني على ضياعي و تؤمنني على أموالي حتى أدلكم على كنز لا يدرى ما قدره، فيكون خالصا لأميركم الأعظم، لأنّه شي‏ء لم يؤخذ في الغنيمة و كان سبب هذا الكنز ان النخارجان الذي كان يوم القادسية أقبل بالمدد، فألفى العجم قد انهزموا، فوقف فقاتل حتى قتل كان من عظماء الأعاجم و كان كريما على كسرى ابرويز، و كانت له امرأة من أكثر النساء جمالا، و كانت تختلف الى كسرى، فبلغ ذلك النخارجان، فرفضها فلم يقربها،

و بلغ ذلك كسرى فقال يوما للنخارجان و قد دخل عليه مع العظماء و الاشراف بلغني ان لك عينا عذبة الماء، و انك لا تشرب منها. فقال النخارجان: أيها الملك، بلغني ان الأسد ينتاب تلك العين، فاجتنبتها مخافة الأسد. فاستحلى كسرى جواب النخارجان و عجب من فطنته، فدخل دار نسائه و كانت له ثلاثة آلاف امرأة لفراشه فجمعهن و أخذ ما كان عليهم من حلي، فجمعه و دفعه الى امرأة النخارجان، و دعا بالصاغة فاتخذوا للنخارجان تاجا من ذهب مكللا بالجوهر الثمين، فتوجه به، فبقي ذلك التاج

٤١٣

و تلك الحلي عند ولد بني تلك المرأة، فلما وقعت الحروب بناحيتهم ساروا به الى قرية لابيهم سميت باسمه يقال لها الخوارجان و فيها بيت نار، فاقتلعوا الكانون و دفنوا الحلي تحته و أعادوا الكانون كهيئته، فقال له السائب: ان كنت صادقا فأنت آمن على أموالك و ضياعك و أهلك و ولدك، فانطلق به حتى استخرجه في سفطين أحدهما التاج و الآخر الحلي، فلما قسم السائب الغنائم بين من حضر القتال و فرغ، حمل السفطين في خرجين على ناقة و قدم بهما على عمر، فكان من أمرهما الخبر المشهور، اشتراهما عمرو بن الحارث بعطاء المقاتلة و الذرية جميعا، ثم حملهما الى الحيرة، فباعهما بفضل كثير و اعتقد بذلك أموالا بالعراق و كان أول قرشي اعتقد بالعراق فقال عروة بن زيد الخيل يذكر أيامهم:

ألا طرقت رحلي و قد نام صحبتي

بأيوان سيرين المزخرف حلتي

و لو شهدت يومي جلولاء حربنا

و يوم نهاوند المهول استهلت

اذن لرأت ضرب امرئ غير خامل

مجيد بطعن الرمح أروع مصلت

و روى قريبا من ذلك من كلامهعليه‌السلام ، و كون السبب تكاتب أهل همدان و الري و اصبهان و قومس و نهاوند، المفيد في (الإرشاد) في قضاياهعليه‌السلام في أيام عمر عن شبابة بن سوار عن أبي بكر الهذلي( ١) .

قول المصنف: (و من كلام لهعليه‌السلام لعمر بن الخطاب و قد استشاره في غزو الفرس بنفسه) هكذا في (المصرية)، و الصواب: ما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم): و من كلام لهعليه‌السلام و قد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه. لكن ليس في نسخة (ابن أبي الحديد): (ابن الخطاب)( ٢) .

____________________

(١) الارشاد: ١١١.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٩٥، لكن في شرح ابن ميثم ٣: ١٩٤ مثل المصرية.

٤١٤

قولهعليه‌السلام : «ان هذا الأمر لم يكن نصره و خذلانه بكثرة و لا قلّة» هكذا في (المصرية) و الصواب: «و لا بقلة» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١) .

و كيف كان فظن صاحب عمر ان نصر المسلمين انما كان بالكثرة، كما في يوم حنين قال تعالى: و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل اللَّه سكينته على رسوله و على المؤمنين( ٢) .

قالوا: خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله متوجها الى حنين في عشرة آلاف من المسلمين، فظن أكثرهم انهم لن يغلبوا لما شاهدوه من جمعهم و كثرة عدتهم و سلاحهم، و أعجب أبا بكر الكثرة يومئذ فقال: لن نغلب اليوم من قلة. فلما التقوا لم يلبثوا حتى انهزموا، و لم يبق مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا تسعة من بني هاشم،

و أيمن بن أم أيمن( ٣) .

قال ابن قتيبة في (معارفه): كان الذين ثبتوا يوم حنين بعد هزيمة الناس علي و العباس، و الفضل بن عباس، و أبو سفيان بن الحارث، و ابنه، و ربيعة بن الحارث، و اسامة بن زيد، و أيمن بن ام أيمن، و قتل يومئذ، قال العباس:

نصرنا رسول اللَّه في الحرب سبعة

و قد فرّ من قد فرّ منهم فأقشعوا

و ثامننا لقي الحمام بسيفه

بما مسه في اللَّه لا يتوجع

يعني أيمن.

«و هو دين اللَّه الذي أظهره» هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ

____________________

(١) راجع شرح ابن أبي الحديد ٩: ٩٥، و شرح ابن ميثم ٣: ١٩٤.

(٢) التوبة: ٢٥ و ٢٦.

(٣) روى هذا السبب في نزول الآية الواقدي في المغازي ٣: ٨٩٠.

٤١٥

ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون( ١) .

«و جنده الذي أعده و أمده» و اذ يعدكم اللَّه احدى الطائفتين انها لكم و تودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد اللَّه ان يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين. ليحق الحق و يبطل الباطل و لو كره المجرمون. اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين. و ما جعله اللَّه إلا بشرى و لتطمئن به قلوبكم و ما النصر إلا من عند اللَّه ان اللَّه عزيز حكيم. اذ يغشيكم النعاس امنة منه و ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به و يذهب عنكم رجز الشيطان و ليربط على قلوبكم و يثبت به الأقدام. اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كلّ بنان( ٢) .

يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللَّه عليكم اذ جائتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها و كان اللَّه بما تعملون بصيرا( ٣) .

لقد نصركم اللَّه في مواطن كثيرة و يوم حنين الى و أنزل جنودا لم تروها و عذّب الذين كفروا و ذلك جزاء الكافرين( ٤) .

«حتى بلغ» الإسلام «ما بلغ و طلع حيثما» هكذا في (المصرية)، و الصواب:

«حيث» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥ ) «طلع» انا فتحنا لك فتحا مبينا( ٦) .

____________________

(١) التوبة: ٣٣ و الصف: ٩.

(٢) الانفال: ٧ ١٢.

(٣) الاحزاب: ٩.

(٤) التوبة: ٢٥ و ٢٦.

(٥) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٩: ٩٥، و شرح ابن ميثم ٣: ١٩٤ مثل المصرية.

(٦) الفتح: ١.

٤١٦

إذا جاء نصر اللَّه و الفتح. و رأيت الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجا.

فسبّح بحمد ربك و استغفره انّه كان توابا( ١) .

«و نحن على موعود من اللَّه و اللَّه منجز وعده و ناصر جنده» في (تاريخ الطبري) عن عمرو بن عوف المزني قال: خط النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الخندق عام الاحزاب من أجم الشيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد، ثم قطعه أربعين ذراعا بين كلّ عشرة، فاحتق المهاجرون و الأنصار في سلمان و كان رجلا قويا فقالت الأنصار سلمان منّا و قالت المهاجرون سلمان منّا، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان منّا أهل البيت، فكنت أنا و سلمان و حذيفة و النعمان بن مقرن المازني و ستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحفرنا تحت ذناب حتى بلغنا الندى،

فأخرج اللَّه تعالى من بطن الخندق صخرة بيضاء مروة، فكسرت حديدنا و شقت علينا، فقلنا يا سلمان أرق الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره خبر هذه الصخرة،

فاما ان نعدل عنها فان المعدل قريب، و اما أن يأمرنا فيها بأمره، فانا لا نحب أن نجاوز خطه، فرقى سلمان حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هو ضارب عليه قبة تركية، فقال له: بأبينا أنت و امنا خرجت صخرة بيضاء من الخندق مروة،

فكسرت حديدنا و شقت حتى ما نحك فيها قليلا و لا كثيرا، فمرنا فيها بأمرك،

فهبط النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع سلمان في الخندق و رقينا نحن التسعة على شقة الخندق،

فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المعول من سلمان، فضرب الصخرة ضربة صدعها و برقت منها برقة أضاءت ما بين لابيتها الى المدينة حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبّر النبي تكبير فتح و كبّر المسلمون، ثم ضربها النبي الثانية،

فصدعها و برق منها برقة أضاء ما بين لا بيتها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبّر النبي تكبير فتح و كبر المسلمون، ثم ضربها النبي الثالثة،

____________________

(١) النصر: ١ ٣.

٤١٧

فكسرها و برق منها برقة اضاء ما بين لا بيتها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر النبي تكبير فتح و كبر المسلمون.

ثم أخذ بيده سلمان فرقا، فقال سلمان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأبي أنت و امي لقد رأيت شيئا ما رأيته قط، فالتفت النبي الى القوم فقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟

فقالوا: نعم بأبي أنت و امنا قد رأيناك تضرب، فيخرج برق كالموج، فرأيناك تكبر و نكبر و لا نرى شيئا غير ذلك. قال: صدقتم ضربت ضربتي الاولى،

فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة و مدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرئيل ان امتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية،

فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرئيل ان امتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة،

فبرق منها الذي رأيتم أضاءت له منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب،

فأخبرني جبرئيل ان امتي ظاهرة عليها، فابشروا يبلغهم النصر، و ابشروا يبلغهم النصر، و ابشروا يبلغهم النصر.

فاستبشر المسلمون و قالوا: الحمد للَّه، موعد صادق بار، وعدنا النصر بعد الحصر، فطلعت الاحزاب، فقال المؤمنون: هذا ما وعدنا اللَّه و رسوله،

و صدق اللَّه و رسوله، و ما زادهم إلا ايمانا و تسليما، و قال المنافقون: ألا تعجبون يحدثكم و يمنّيكم و يعدكم الباطل، يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة و مدائن كسرى، و انها تفتح لكم، و أنتم تحفرون الخندق و لا تستطيعون أن تبرزوا، فأنزل القرآن و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللَّه و رسوله إلا غرورا( ١) .

«و مكان القيّم بالأمر مكان النظام» الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ «من الخرز»

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٢٣٥ سنة ٥. و الآية ١٢ من سورة الأحزاب.

٤١٨

بالتحريك، و خرزات الملك جواهر تاجه.

«يجمعه و يضمه فاذا» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «فان» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ١ ) «انقطع النظام تفرق الخرز و ذهب» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «تفرق و ذهب» بدون «الخرز» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

في (عيون القتيبي): مثل الاسلام و السلطان و الناس مثل الفسطاط و العمود و الأطناب و الأوتاد، فالفسطاط الاسلام و العمود السلطان و الاطناب و الأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض.

«ثم لم يجتمع بحذافيره» أي: بأسره و كماله و نواحيه «أبدا و العرب اليوم و ان كانوا قليلا» بالعدد «فهم كثيرون بالاسلام» قال تعالى: و اذكروا اذْ كُنْتُم قليلا فكثركم( ٣ ) و حدعليه‌السلام القليل كالآية، و قالوا: و يجوز فيه الجمع.

«عزيزون بالاجتماع» تحت لواء الاسلام، مثلوا الجمع المجتمع باخشاب مجتمعة لم يقدر أحد كسرها، و الجمع المتفرق بأخشاب متفرقة يكسرها كلّ أحد.

«فكن قطبا و استدر الرحى بالعرب و أصلهم» قال الجوهري: صليت الرجل نارا، إذا أدخلته النار، فان ألقيته فيها القاء كأنك تريد الإحراق قلت: أصليته.

«دونك نار الحرب فانك ان شخصت» أي: تحركت «من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها و أقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات» قال الجوهري: العور كل خلل يتخوّف منه في ثغر أو حرب.

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٩: ٩٥، و شرح ابن ميثم ٣: ١٩٤ مثل المصرية.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الاعراف: ٨٦.

٤١٩

«أهم اليك مما بين يديك» من الأعداء «ان الأعاجم» و المراد به هنا من لسانه غير عربي، قال تعالى: و لو نزّلناه على بعض الأعجمين( ١) .

«ان ينظروا اليك غدا يقولوا هذا أصل العرب، فاذا قطعتموه» هكذا في (المصرية) و الصواب: «فاذا اقتطعتموه» كما في الثلاثة( ٢ ) ، أي: قلعتموه «استرحتم فيكون ذلك أشدّ لكلبهم» بالتحريك أي: شدتهم و إذا هم «عليك و طمعهم فيك».

«فأما ما ذكرت من مسير القوم الى قتال المسلمين فان اللَّه سبحانه هو اكره لمسيرهم منك و هو أقدر على تغيير ما يكره» يريدون ليُطفئوا نور اللَّه بأفواهم و اللَّه متم نوره و لو كره الكافرون( ٣ ) يريدون أن يُطفئوا نور اللَّه بأفواههم و يأبي اللَّه إلا أن يتمّ نوره و لو كره الكافرون( ٤) .

«و أما ما ذكرت من عددهم فانا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة و انما كنّا نقاتل بالنصر و المعونة» كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن اللَّه و اللَّه مع الصابرين( ٥) .

٢ - الخطبة (١٣٢) و من كلام لهعليه‌السلام و قد شاوره عمر في الخروج إلى غزو الروم بنفسه:

وَ قَدْ تَوَكَّلَ اَللَّهُ لِأَهْلِ هَذَا اَلدِّينِ بِإِعْزَازِ اَلْحَوْزَةِ وَ سَتْرِ اَلْعَوْرَةِ وَ اَلَّذِي

____________________

(١) الشعراء: ١٩٨.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٩٥، لكن في شرح ابن ميثم ٣: ١٩٤ مثل المصرية.

(٣) الصف: ٨.

(٤) التوبة: ٣٢.

(٥) البقرة: ٢٤٩.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621