بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة3%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 621

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104528 / تحميل: 9054
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

مخالب معاوية. فقال له ابن المرقال: أما و اللَّه يا ابن العاص انك لبطر في اللقاء،

جبان عند اللقاء، غشوم إذا وليت، هياب إذا لقيت، تهدر كما يهدر العوذ المنكوس المقيد بين مجرى الشول، لا يستعجل في المدة، و لا يرتجي في الشدة الخ( ١) .

هذا، و لابن ميادة في ايوب بن سلمة ابن اخته:

ظللنا وقوفا عند باب ابن اختنا

و ظلّ عن المعروف و المجد في شغل

صفا صلد عند الندى و نعامة

إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل

و لبعضهم في الحجاج:

أسد عليّ و في الحروب نعامة

حرباء تصفر من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى

بل كان قلبك في جناحي طائر

و قال قرواش في رجلين:

ضبعا مجاهرة و ليثا هدنة

و ثعيلبا خمر إذا ما اظلما

و لبعضهم:

أفي السلم اعيار جفاء و غلظة

و في الحرب أمثال النساء العوارك

«فإذا كان» أي: وجد «ذلك» أي: أخذ السيوف مآخذها «كان أكبر مكيدته ان يمنح» أي: يعطي «القرم» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (القوم) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) ، و لا معنى للقرم هنا، فان معناه البعير المكرم لا يحمل عليه (سبته) بالفتح أي: دبره.

في (العيون) قال المدائني: رأى عمرو بن العاص يوما معاوية يضحك،

فقال له: مم تضحك؟ قال: من حضور ذهنك عند ابدائك سوأتك يوم ابن أبي

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٩.

(٢) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢٨٠، و شرح ابن ميثم ٢: ٢٧٠، مثل المصرية.

٥٤١

طالب، أما و اللَّه لقد وافقته منانا كريما، و لو شاء أن يقتلك لقتلك. فقال له عمرو:

أما و اللَّه و اني لعن يمينك حين دعاك عليّ إلى البراز، فاحولت عيناك، و ربا سحرك، و بدا منك ما أكره ذكره لك، فمن نفسك فاضحك أودع.

و في (صفين نصر): حمل عمرو بن العاص معلما و هو يقول:

شدّوا علي شكتي لا تنكشف

بعد طليح و الزبير فاتّلف

يوم لهمدان و يوم للصدف

و في تميم نحوه لا تنحرف

أضربها بالسيف حتى تنصرف

إذا مشيت مشية العوذ الصلف

و مثلها لحمير او تنحرف

و الربعيون لهم يوم عصف

فاعترضه عليّعليه‌السلام و هو يقول:

قد علمت ذات القرون الميل

و الخصر و الأنامل الطفيل

اني بنصل السيف خنشليل

احمي و ادمي أوّل الرعيل

بصارم ليس بذي فلول

ثم طعنه فصرعه، و اتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف عليّ وجهه عنه و ارتث، فقال القوم لهعليه‌السلام : أفلت الرجل. قال: و هل تدرون من هو؟

قالوا: لا. قال: فانه عمرو بن العاص تلقاني بعورته، فصرفت وجهي عنه.

و رجع عمرو إلى معاوية فقال له: ما صنعت؟ قال: لقيني عليّ فصرفني. قال:

أحمد اللَّه و عورتك، أما و اللَّه ان لو عرفته ما اقحمت عليه. و قال:

ألا للَّه من هفوات عمرو

يعاتبني على تركى برازي

فقد لاقى أبا حسن عليّا

فآب الوائلي مآب خازي

فلو لم يبد عورته للاقى

به ليثا يذلل كل نازي

له كفّ كأن براحتيها

منايا القوم يخطف خطف بازي

فان تكن المنية اخطأته

فقد غني بها أهل الحجازي

٥٤٢

إلى أن قال بعد ذكر حض معاوية لبسر بن ارطاة برازه إليهعليه‌السلام : فبرز و انهعليه‌السلام لما قاربه طعنه و هو دارع فألقاه على الأرض، فقصد بسر أن يكشف عورته ليستدفع باسته، فانصرف عنه، فقال له الأشتر: هذا عدوّ اللَّه بسر. فقال له: دعه عليه لعنة اللَّه أبعد أن فعلها، فقال الأشتر:

اكلّ يوم رجل شاغره

و عورة وسط العجاج ظاهره

تبرزها طعنة كف واتره

عمرو و بسر رميا بالفاقره

و قال النضر بن الحارث:

أفي كل يوم فارس تندبونه

له عورة وسط العجاجة باديه

يكف بها عنه على سنانه

و يضحك منها في الخلاء معاويه

بدت امس بن عمرو فقنع راسه

و عورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو و ابن ارطاة ابصرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

و لا تحمدا إلا الحيا و خصيكما

هما كانتا و اللَّه للنفس واقيه

فلولاهما لم تنجوا من سنانه

و تلك بما فيها من العود ناهيه(١)

هذا، و في (عيون ابن قتيبة): أخذ عبد اللَّه بن علي أسيرا من أصحاب مروان ابن محمّد، فأمر بضرب عنقه، فلما رفع السياف السيف ضرط الشامي، فنفرت دابة عبد اللَّه، فضحك و قال للشامي: اذهب فأنت عتيق استك.

فقال الشامي: هذا و اللَّه الادبار، كنا ندفع الموت بأسنتنا، فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.

قلت: لم يدر عبد اللَّه بن عليّ يقول له كنتم من أول يوم تدفعون الموت بأستاهكم، فلو كان عمرو لم يكشف عورته لكانعليه‌السلام قتله، و لو كان قتل لم يكن من يكيد لكم رفع المصاحف لما انهزمتم، فالأصل في امركم سبة عمرو.

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٦٢.

٥٤٣

«أما و اللَّه انه ليمنعني من اللعب ذكر الموت» قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أكيس المؤمنين من كان أكثرهم ذاكرا للموت، و أشدهم له استعدادا( ١) .

«و انه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة» روى (صفين نصر): أن ذا الكلاع الحميري من أصحاب معاوية أراد ان يجمع بين عمار و عمرو بن العاص، لأنه سمع من عمرو في امارة عمر أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حدثه ان أهل الشام و أهل العراق يلتقيان، و في إحدى الكتيبتين الحق و إمام الهدى و معه عمار إلى أن قال قال عمرو لعمار: فعلام تقاتلنا أو لسنا نعبد الها واحدا؟ فقال له عمار:

أمرني النبيّ ان اقاتل الناكثين و قذ فعلت، و أمرني ان اقاتل القاسطين فأنتم هم،

و اما المارقين فما أدري أدركهم أم لا، ألست تعلم أيها الأبتر ان النبيّ قال لعليّ «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه»، و انا مولى اللَّه و رسوله و علي بعده و ليس لك مولى. قال عمرو له: لم تشتمني و لست أشتمك. قال: و بم تشتمني، أتستطيع ان تقول اني عصيت اللَّه و رسوله يوما.

إلى أن قال: فقال له عمرو: فما تقول في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كل سوء. قال عمرو: فعليّ قتله. قال عمار: بل اللَّه رب عليّ قتله و عليّ معه. قال:

أكنت في من قتله؟ قال: كنت مع من قتله، و أنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال: أراد أن يغير ديننا فقتلناه. فقال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان. فقال عمار: قد قال فرعون من قبلك لقومه: ألا تستمعون( ٢) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية، فسمع عمرو بن العاص يقع في عليّعليه‌السلام ، فقال له: يا عمرو ان أشياخنا سمعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فحق ذلك أم

____________________

(١) اخرجه الاهوازي في الزهد: ٧٨ ح ٢١١.

(٢) وقعة صفين: ٣٣٣ ٣٣٩. و الآية ٢٥ من سورة الشعراء.

٥٤٤

باطل؟ فقال عمرو: حق و انا أزيدك انه ليس أحد من صحابة النبيّ له مناقب مثل مناقب عليّ. ففزع الفتى، فقال عمرو: لكنه أفسدها بأمره في عثمان. قال:

هل أمر أو قتل؟ قال: لا و لكنه آوى و منع. قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال:

نعم. قال: فما أخرجك منها؟ قال: اتهامي اياه في عثمان. قال له: و أنت أيضا قد اتهمت. قال: صدقت فيها خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: انا اتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم، عليّ على الحق فاتبعوه( ١) .

«انه لم يبايع معاوية» حتى شرط هكذا في (المصرية)، و الصواب: (حتى شرط له) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «أن يؤتيه أتية» أي:

يعطيه عطية «و يرضخ له على ترك الدين رضيخة» في (الجمهرة): رضخ فلان لفلان من ماله إذا أعطاه قليلا من كثير، و الاسم الرضيخة.

في (صفين نصر): طلب معاوية من عمرو أن يسوي صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على ان لي حكمي ان قتل ابن أبي طالب و استوسقت لك البلاد. فقال: أليس حكمك في مصر؟ قال: و هل مصر تكون عوضا عن الجنة،

و قتل ابن أبي طالب ثمن لعذاب النار. فقال له معاوية: لك حكمك ان قتل رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك( ٣) .

و في (يتيمة الثعالبي):

سن التختم في اليمين محمّد

للقائلين بدعوه الاخلاص

فسعى ابن هند في ازالة رسمه

و أعانه في ذلك ابن العاص(٤)

و في (الأغاني): حضرت الأنصار و معهم النعمان بن بشير باب

____________________

(١) الامامة و السياسة ١: ١٠٩.

(٢) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢٨٠، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٢٧٠، مثل المصرية.

(٣) وقعة صفين: ٢٣٧.

(٤) نقله عنه الشارح في كتاب الاوائل: ٤، لكن لم اظفر عليه في يتيمة الدهر.

٥٤٥

معاوية فقال حاجبه سعد له الأنصار بالباب. فقال عمرو بن العاص: ما هذا القلب الّذي جعلوه نسبا، أرددهم إلى نسبهم. فقال له معاوية: ان علينا في ذلك شناعة. قال: و ما في ذلك، انما هي كلمة مكان كلمة. فقال معاوية لحاجبه:

أخرج فناد من كان بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل، فخرج فنادى، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار، فقال له: أخرج فناد من كان هناك من الأوس و الخزرج فليدخل، فخرج فنادى، فوثب النعمان و أنشأ يقول:

يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا

نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإله لنا

اثقل به نسبا على الكفار

فقال معاوية لعمرو: قد كنّا لأغنياء عن هذا.

هذا، و نظير كلامهعليه‌السلام في عمرو كلام ابن عباس فيه، ففي (بيان الجاحظ) و (عقد ابن عبد ربه): قال المدائني: قام عمرو في موسم من مواسم العرب، فأطرى معاوية و بني امية و ذكر مشاهده بصفين، فأقبل ابن عباس عليه و قد اجتمعت قريش، فقال له: انك ابتعت دينك من معاوية، و أعطيته ما بيدك، و منّاك ما بيد غيرك، و كان الّذي أخذ منك أكثر من الّذي أعطاك، و الّذي أخذت منه دون الّذي أعطيته، و كلّ راض بما أخذ و أعطى، فلمّا صارت مصر في يدك كدرها عليك بالعزل و التنغيص حتى لو كانت نفسك في يدك ألقيتها،

و ذكرت مشاهدك بصفين، فو اللَّه ما ثقلت علينا وطأتك، و لقد كشفت فيها عورتك، و ان كنت فيها الطويل اللسان قصير السنان آخر الخيل إذا أقبلت،

و أولها إذا أدبرت، لك يدان يد لا تبسطها إلى خير، و اخرى لا تقبضها عن شر،

و لسان غرور ذو وجهين وجه موحش، و وجه مونس، و لعمري ان من باع دينه بدنيا غيره لحري أن يطول عليها ندمه، لك لسان و فيك خطل، و لك رأي

٥٤٦

و فيك نكد، و لك قدر و فيك حسد، و أصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك( ١) .

هذا، و نظير كلامهعليه‌السلام في ابن النابغة كلام أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ابن مكرم صاحب أبي العيناء «هو العاق لأبيه، و المنتفي من أخيه، و القاذف لامه، و القاطع لرحمه، المهتوك الحرمة، الوضيع الهمة، الضيق الصدر، القريب القعر، السريع إلى الصديق، البطي‏ء عن الحقوق، المشهور بالزناء، المعروف بالبغاء، العاكف على ذنبه، الصادف عن ربّه، الوضيع في خلائفه، العاتي على خالقه، الدائم البطنة، القليل الفطنة، النظف الدين و الجيب، الدنس العرض و الثوب، عدوّه آمن من غائلته، و صديقه خائف من بائقته، جهله جهل الصبيان، و ضعفه ضعف النسوان، سهل الريح، ثقيل الروح، خفيف العقل و الزون. خبيث الفرج و البطن، جليسه بين نتن و اذى، و قذر و بذي، من استخف به اكرمه، و من وصله صرمه، غث الخلقة، رث الهيئة، و سخ المروءة، يحلف ليحنث، و يعهد لينكث، و يعد ليخلف، و يحدّث ليكذب، ان تكلم ملأ الأسماع عيا،

و الأنف نتنا، و ان سكت قرى العيون قبحا، و القلوب مقتا، اسناده عن المخنّثين، و بلاغته في ذم الصالحين، و طرفه قذف المحصنات، و سعيه في كسب السيئات، و خلوته لاقتراف السوءات، و تمني الشهوات».

و كلام أعرابي لشخص «أنت و اللَّه ممن إذا سأل ألحف، و إذا سئل سوّف، و إذا حدّث حلف، و إذا وعد أخلف، تنظر نظر حسود، و تعرض اعراض حقود».

و عكسه قول النظام في عبد الوهاب الثقفي: هو و اللَّه أحلى من أمن بعد خوف، و برء بعد سقم، و خصب بعد جدب، و غنى بعد فقر، و من طاعة المحبوب، و فرج المكروب، و من الوصال الدائم، مع الشباب الدائم.

____________________

(١) البيان و التبيين ٢: ٣٣٨.

٥٤٧

هذا، و في (اللسان): حق الكهول أي بيت العنكبوت، و منه قول عمرو بن العاص لمعاوية في محاورات كانت بينهما: لقد رأيتك بالعراق، و ان امرك كحق الكهول أو كالحجاة في الضعف، فمازلت أرمه حتى استحكم. قال الازهري: و روى ابن قتيبة هذا الحرف بعينه، فصحفه و قال «مثل حق الكهدل» بالدال بدل الواو، و خبط في تفسيره خبط العشواء، و الكهول العنكبوت و حقه بيته( ١) .

٤ - الكتاب (٣٢) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية:

وَ أَرْدَيْتَ جِيلاً مِنَ اَلنَّاسِ كَثِيراً خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ وَ أَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ تَغْشَاهُمُ اَلظُّلُمَاتُ وَ تَتَلاَطَمُ بِهِمُ اَلشُّبُهَاتُ فَجَازُوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ وَ نَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَ تَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ وَ عَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ إِلاَّ مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ اَلْبَصَائِرِ فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ وَ هَرَبُوا إِلَى اَللَّهِ مِنْ مُوَازَرَتِكَ إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى اَلصَّعْبِ وَ عَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ اَلْقَصْدِ فَاتَّقِ اَللَّهَ يَا؟ مُعَاوِيَةُ؟ فِي نَفْسِكَ وَ جَاذِبِ اَلشَّيْطَانَ قِيَادَكَ فَإِنَّ اَلدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ وَ اَلْآخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: قال ابن أبي الحديد: و قبله «أما بعد فان الدنيا دار تجارة، و ربحها أو خسرها الآخرة، فالسعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة، و من رأى الدنيا بعينها و قدّرها بقدرها، و اني لأعظك مع علمي بسابق العلم فيك ممّا لا مردّ له دون نفاذه، و لكن اللَّه تعالى أخذ على العلماء أن يؤدّوا الأمانة، و أن ينصحوا الغوي و الرشيد، فاتق اللَّه و لا تكن ممن لا يرجو للَّه وقارا، و من حقت

____________________

(١) لسان العرب ١١: ٦٠٢ و ٦٠٣، مادة (كهل)، و النقل بالمعنى.

٥٤٨

عليه كلمة العذاب، فان اللَّه بالمرصاد، و ان دنياك ستدبر عنك، و ستعود حسرة عليك، فاقلع عمّا أنت عليه من الغيّ و الضلال على كبر سنّك و فناء عمرك، فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الّذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر، و قد أرديت جيلا» الخ.

قال المدائني: فكتب إليه: أما بعد فقد وقفت على كتابك و قد أبيت على الفتن إلاّ تماديا، و اني لعالم أن الّذي يدعوك إلى ذلك مصرعك الّذي لا بد لك منه، و ان كنت موائلا فازدد غيا إلى غيك، فطالما خفّ عقلك، و منيت نفسك ما ليس لك، و التويت على من هو خير منك، ثم كانت العاقبة لغيرك، و احتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك.

قال: فكتب إليه عليّعليه‌السلام : أما بعد فان ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد الشبه مما أتى به أهلك الّذين حملهم الكفر و تمنى الباطل على حسد محمّد،

حتى صرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يمنعوا حريما، و لم يدفعوا عظيما،

و أنا صاحبهم و لا تبع ان شاء اللَّه خلفهم بسلفهم، فبئس الخلف خلف اتبع سلفا محله و محطه النار.

قال: فكتب إليه معاوية: أما بعد فقد طال في الغي ما استنررت ادراجك كما طال ما تمادى عن الحرب نكوصك و ابطاؤك، فتوعد وعيد الأسد، و تروغ روغان الثعلب، فحتام تحيد عن لقاء الليوث الضارية، و الأفاعي القاتلة، و لا تستبعدنها، فكل ما هو آت قريب.

قال: فكتب إليه عليّعليه‌السلام : اما بعد فما أعجب ما يأتيني منك و ما أعلمني بما أنت إليه صائر، و ليس ابطائي عنك إلاّ ترقبا لما كنت له مكذّب و أنا به مصدّق، و كأني بك غدا و أنت تضج من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال، و ستدعوني أنت و أصحابك إلى كتاب

٥٤٩

تعظمونه بألسنتكم و تجحدونه بقلوبكم.

قال: فكتب إليه معاوية: أما بعد فدعني من أساطيرك، و اكفف عني من أحاديثك، و اقصر عن تقولك على النبيّ و افترائك من الكذب ما لم يقل، و غرور من معك و الخداع لهم، فقد استغويتهم و يوشك أمرك أن ينكشف لهم،

فيعتزلوك و يعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل.

قال: فكتب عليّعليه‌السلام : اما بعد فطالما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الرجيم الحق أساطير الأولين، و نبذتموه وراء ظهوركم، و جهدتم لاطفاء نور اللَّه بأيديكم و أفواهكم، و اللَّه متمّ نوره و لو كره الكافرون، و لعمري ليتمن النور على كرهك، و لينفذن العلم بصغارك، و لتجازين بعملك، فعث في دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك، فكأنك بباطلك و قد انقضى، و بعملك و قد هوى، ثم تصير إلى لظى لم يظلمك اللَّه شيئا، و ما ربنا بظلام للعبيد.

قال: فكتب معاوية: أما بعد فما أعظم الرين على قلبك، و الغطاء على بصرك، الشره من شيمتك، و الحسد من خليقتك، فشمر للحرب، و اصبر للضرب، فو اللَّه ليرجعنّ الأمر إلى ما علمت و العاقبة للمتقين، هيهات هيهات اخطأك ما تمنى، و هوى قلبك مع من هوى، فاربع على ضلعك، و قس شبرك بفترك، لتعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه، و يفصل بين أهل الشك علمه.

قال: فكتب إليه عليّعليه‌السلام : أما بعد فان مساويك مع علم اللَّه تعالى فيك حالت بينك و بين أن يصلح لك أمرك و ان يرعوي قلبك، يا ابن صخر اللعين زعمت أن الجبال يزن حلمك، و يفصل بين أهل الشك علمك، و أنت الجلف المنافق، الاغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل، فان كنت صادقا فيما تسطر و يعينك عليه أخو بني سهم، فدع الناس جانبا، و تيسر لما دعوتني إليه من

٥٥٠

الحرب، و الصبر على الضرب، و اعف الفريقين من القتال ليعلم أينا المريّن على قلبه، المغطى على بصره، فانا أبو الحسن قاتل جدك و اخيك و خالك، و ما أنت منهم ببعيد.

قال ابن أبي الحديد: و أعجب و أطرف ما جاء به الدهر و ان كانت عجائبه و بدائعه جمة أن يفضي أمر عليّعليه‌السلام إلى أن يصير معاوية ندا له و نظيرا مماثلا يتعارضان الكتاب و الجواب و يتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه، و لا يقول له عليّعليه‌السلام كلمة الا قال معاوية له مثلها و أخشن، فليت محمّدا كان شاهد ذلك ليرى عيانا لا خبرا ان الدعوة الّتي قام بها، و قاسى أعظم المشاقّ في تحملها، و كابد الأهوال في الذبّ عنها، و ضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها، و شيّد أركانها، و ملأ الآفاق بها خلصت صفوا عفوا لأعدائه الّذين كذّبوه لما دعا إليها، و أخرجوه عن أوطانه لما حض عليه،

و أدموا وجهه، و قتلوا أهله و عمه، فكأنه كان يسعى لهم، و يدأب لراحتهم كما قال أبو سفيان في أيام عثمان و قد مر بقبر حمزة و ضربه برجله: يا أبا عمارة ان الأمر الّذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس في يد غلماننا اليوم يتلعبون به، ثم آل الأمر إلى أن يفاخر معاوية عليّاعليه‌السلام كما يتفاخر الأكفاء و النظراء:

إذا عيّر الطائي بالبخل مادر

و قرع قسا بالفهاهة باقل

و قال السها للشمس أنت خفية

و قال الدجى يا صبح لونك حائل

و فاخرت الأرض السماء سفاهة

و كاثرت الشهب الحصا و الجنادل

فياموت زران الحياة ذميمة

و يا نفس جدّي ان دهرك هازل

ثم أقول ثانيا لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ليت شعري لماذا فتح باب الجواب و الكتاب بينه و بين معاوية، و إذا كانت الضرورة قادت إلى ذلك فهلا اقتصر في الكتاب إليه على الموعظة من غير تعرض للمفاخرة، و إذا كان لا بد منهما

٥٥١

فهلا اكتفى بهما من غير تعرض لامر آخر يوجب المقابلة بمثله و بأشد و لا تسبُّوا الّذين يدعون من دون اللَّه فيسبوا اللَّه عَدْوا بغير علم( ١ ) ، و هلا دفع هذا الرجل العظيم الجليل نفسه عن سباب هذا السفيه الأحمق، مع أنه القائل «من واجه الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون».

أيها الشاتمي لتحسب مثلي

انما أنت في الضلال تهيم

لا تسبنّني فلست بسبي

ان سبّي من الرجال الكريم

و هكذا جرى في القنوت و اللعن عليه قنت بالكوفة على معاوية، و لعنه في الصلاة و خطبة الجمعة، و أضاف إليه عمرو بن العاص، و أبا موسى، و أبا الأعور، و حبيب بن مسلمة، فبلغ ذلك معاوية بالشام، فقنت عليه، و لعنه في الصلاة و خطبة الجمعة، و أضاف إليه الحسن و الحسين و ابن عباس و الأشتر،

و لعله قد كان يظهر لهعليه‌السلام من المصلحة ما يغيب عنّا الآن، و للَّه أمر هو بالغه( ٢) .

قلت: أما ما ذكره من استعجابه من افضاء امر أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى أن يصير معاوية ندا له، فهل السبب و الأصل فيه الا صدّيقه و فاروقه، و قد اعترف معاوية نفسه بذلك في كتابه لمحمد بن أبي بكر، و انهما أسسا له ذلك،

و انه اقتدى بهما في معاملته معهعليه‌السلام ( ٣) .

و أما تمنيه حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يرى أن دعوته الكذائية خلصت صفوا عفوا لاعدائه، فلم يكن محتاجا إلى التمني، فالنبيّ شاهد ذلك في حياته، و كيف

____________________

(١) الانعام: ١٠٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٣٣ ١٣٧.

(٣) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين: ١٢٠، و المسعودي في مروج الذهب ٣: ١٢، و البلاذري في أنساب الاشراف ٢:

٣٩٦.

٥٥٢

لم يشاهد ذلك و قد منعه فاروقهم من الوصية و قال «ان الرجل ليهجر»( ١ ) و كان يصيح مرّة بعد اخرى و كلما أفاق من غشوته «جهّزوا جيش اسامة،

جهزوا جيش اسامة، لعن اللَّه من تخلف عنه»( ٢ ) ، و رأى بعينه من أمر بتجهزه في جيش اسامة يصلّي بالناس مقامه حتى اضطرّ في شدّة مرضه أن يخرج و يؤخره.

و هل غلمان بني امية تلعبوا بالاسلام و الدين، و شربوا الخمر، و صلّوا بالناس سكارى، و عربدوا في الصلاة إلاّ زمان ذي نوريهم الّذي دبّر له الأمر فاروقهم.

و أما ما قاله من أنهعليه‌السلام لم فتح باب المكاتبة بينه و بين معاوية، فيقال له فتحه باب الجهاد معه الّذي قال فيه: لم يسعني فيه إلاّ القتال معه أو الكفر بما جاء به محمّد( ٣ ) ، و الجهاد يستلزم أوّلا اتمام الحجّة و الدعوة و الكتاب.

و أما التعرض للمفاخرة فليعلم درجة فضلهعليه‌السلام ، و حدّ رذالة معاوية،

و تعرضهعليه‌السلام له بالمحاجّات، كتعرض إبراهيم لنمرود إلى أن بهت اللعين كنمرود في كتابهعليه‌السلام الأخير إليه: يا ابن صخر اللعين دع الناس جانبا( ٤) .

و كان معاوية يبكته بعداوتهعليه‌السلام لصدّيقهم و فاروقهم في قوله له «منيت نفسك ما ليس لك، و التويت على من هو خير منك، ثم كانت العاقبة لغيرك»( ٥) .

و كانعليه‌السلام لا ينكر ذلك و يجيبه بكونه كأبيه لعين النبيّ، و ان اللعين

____________________

(١) اخرجه البخاري في صحيحه ١: ٣٢ و ٤: ٧ و ٢٧١، و مسلم في صحيحه ٣: ١٢٥٩ ح ٢٢.

(٢) رواه الجوهري في السقيفة: ٧٥، و الشهرستاني في الملل ١: ٢٩، و القاضي النعمان في دعائم الاسلام ١: ٤١.

(٣) قالهعليه‌السلام في ضمن خطبة مشهورة رواها ابن عساكر في ترجمة عليّعليه‌السلام ٣: ١٣٠ ح ١١٥٢، و المفيد في اماليه:

١٥٣ ح ٥، المجلس ١٩، و ابن الأثير في اسد الغابة ٤: ٣١.

(٤) و (٥) مر نقله في صدر هذا العنوان عن المدائني.

٥٥٣

اقتدى بسلفه الّذين حملهم الكفر و تمنى الأباطيل على حسد محمّد، حتى صرعوا مصارعهم، و أنهعليه‌السلام كان من قبل محمّد مباشرا لبوارهم و بعثهم إلى النار فأين و أين، فالحق متحقق، و الباطل زاهق.

و أما لعنهعليه‌السلام لمعاوية فمثل قتاله له، و قتلهعليه‌السلام لأسلافه كان بأمر اللَّه تعالى، و ان كانوا فعلوا أضعافه به من قتل أهل بيته، و سبي حريمه، و سبه ثمانين سنة، فهل اللوم في ذلك إلاّ على الناس الّذين تركوا أهل بيت نبيهم الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و اتبعوا رجالا ساعدهم هؤلاء الّذين كانوا أعداء اللَّه، و أعداء رسوله، و أعداء دينه، و أعداء أهل بيته.

و من الغريب انهعليه‌السلام مع لعنه له اتماما للحجة بوجوب لعن من لعنه اللَّه اخواننا يصلّون على معاوية، قال الطبري: أمر المعتضد في سنة (٢٨٤) بالتقدم إلى الشراب و الّذين يسقون الماء في الجامعين ألا يترحموا على معاوية و لا يذكروه بخير الخ( ١ ) . حشرهم اللَّه معه.

«و أرديت» أي: أهلكت «جيلا» أي: صنفا «من الناس كثيرا» و المراد أهل الشام اهلكهم معاوية في دينهم.

و في (صفين نصر): لما قال جرير البجلي الّذي أرسله عليّعليه‌السلام لاخذ البيعة من معاوية له: أدخل فيما دخل فيه الناس، قال معاوية لأهل الشام: قد علمتم أني خليفة عمر، و أني خليفة عثمان، و أني ولي عثمان، و قد قتل مظلوما،

و أنا احب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان، فقاموا بأجمعهم، و أجابوه إلى الطلب بدمه( ٢) .

«خدعتهم بغيّك و ألقيتهم في موج بحرك» في (صفين نصر): مضى هاشم

____________________

(١) تاريخ الطبري ٨: ١٨٢، سنة ٢٨٤.

(٢) وقعة صفين: ٨١.

٥٥٤

المرقال في جماعة من القراء، فخرج عليهم فتى من أهل الشام يقول:

انا ابن أرباب الملوك غسان

و الدائن اليوم بدين عثمان

انبأنا أقوامنا بما كان

أن عليّا قتل ابن عفّان

ثم شد يضرب بسيفه، ثم يلعن و يشتم، فقال له هاشم: ان هذا الكلام بعده الخصام، فاتّق اللَّه، فانك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف و ما أردت به. فقال: اقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي و انّكم لا تصلّون،

و اقاتلكم ان صاحبكم قتل خليفتنا و أنتم و ازرتموه على قتله. فقال له هاشم:

و ما أنت و ابن عفان، انما قتله أصحاب محمّد و قرّاء الناس حين أحدث أحداثا و خالف حكم الكتاب، و اصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هم أصحاب الدين، و أولى بالنظر في امور المسلمين، و ان هذا الأمر لا علم لك به فخله و أهل العلم به، و أما قولك «انّ صاحبنا لا يصلّي» فهو أوّل من صلى للَّه مع رسوله، و أفقه الناس في دين اللَّه، و أدنى برسول اللَّه، و أما من ترى معه فكلهم قاري‏ء الكتاب لا ينامون الليل تهجّدا، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون. فقال الفتى: يا عبد اللَّه اني لأظنك امرءا صالحا فهل تجد لي من توبة الخ( ١) .

«تغشاهم الظلمات» و في (المروج): وجه عبد اللَّه بن عليّ لما نزل الشام في طلب مروان بن محمّد إلى السفاح أشياخا من ارباب النعم و الرئاسة من أهل الشام، فحلفوا للسفاح أنهم ما علموا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قرابة و لا أهل بيت يرثونه غير بني امية حتى وليتم الخلافة( ٢) .

«و تتلاطم بهم الشبهات» في (تاريخ الطبري): قال أبو عبد الرحمن السلمي لما قتل عمار و كان الليل قلت: لادخلن إلى أهل الشام حتى أعلم هل بلغ منهم

____________________

(١) وقعة صفين: ٣٥٤.

(٢) مروج الذهب ٣: ٣٣.

٥٥٥

قتل عمار ما بلغ منا، و كنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا و تحدثنا إليهم،

فركبت فرسي ثم دخلت، فإذا أنا بأربعة يتسايرون معاوية و أبو الاعور و عمرو بن العاص و ابنه عبد اللَّه و هو خيرهم فأدخلت فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحدهم، فقال عبد اللَّه لابيه: قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا و قد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ما قال إلى أن قال فقال معاوية: أو نحن قتلنا عمارا؟

انما قتل عمارا من جاء به، فخرج الناس من فساطيطهم و اخبيتهم يقولون: انما قتل عمارا من جاء به، فلا أدري من كان أعجب هو أو هم( ١) .

«فجاروا»( ٢ ) أي: مالوا «عن وجهتهم» بكسر الواو «و نكصوا» أي: رجعوا «على أعقابهم و تولوا على أدبارهم» أي: ارتدوا.

و في (صفين نصر): أن عراقيا و شاميا اقتتلا ساعة، ثم أن العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها، فقاتل و لم يسقط إلى الأرض، ثم ضرب العراقي يده فقطعها، فرمي الشامي سيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام و قال: يا أهل الشام، دونكم سيفي هذا فاستعينوا به على عدوّكم، فاشترى معاوية ذلك السيف من أولياء المقتول بعشرة آلاف( ٣) .

«و عوّلوا على أحسابهم» في (صفين نصر): دعا هاشم بن عتبة في الناس عند المساء و قال: ألا من كان يريد اللَّه و الدار الآخرة فليقبل، فأقبل إليه ناس،

فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا، فليس من وجه يحمل عليهم إلاّ صبروا له و قوتل فيه قتالا شديدا، فقال لأصحابه: لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم، فو اللَّه ما ترون منهم إلاّ حمية العرب و صبرها تحت راياتها

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٢٨، سنة ٣٧.

(٢) أورده في صدر العنوان بلفظ: «جازوا» لكن فسّر هنا لفظ «جاروا» بالراء المهملة.

(٣) وقعة صفين: ٣٨٨.

٥٥٦

و عند مراكزها، و انهم لعلى الضلال و انكم لعلى الحق( ١) .

«الا من فاء» أي: رجع عنك «من أهل البصائر فانهم فارقوك بعد معرفتك و هربوا إلى اللَّه من موازرتك» أي: معاضدتك «إذ حملتهم على الصعب و عدلت بهم عن القصد».

في (صفين نصر): لما غلب أهل الشام على الفرات قال معاوية: يا أهل الشام هذا أول الظفر لا سقى اللَّه أبا سفيان ان شربوا منه حتى يقتلوا بأجمعهم عليه. فقال له المعري بن الاقبل و كان ناسكا و كان صديقا لعمرو سبحان اللَّه يا معاوية ان فيهم العبد و الامة و الاجير و الضعيف و من لا ذنب له، هذا أول الجور، لقد حملت من لا يريد قتالك على كتفك. فأغلظ له معاوية و قال لعمرو:

اكفني صديقك. فأتاه عمرو فأغلظ له، فسار في سواد الليل، فلحق بعليّعليه‌السلام و قال:

فلست بتابع دين ابن هند

طوال الدهر ما ارسي حراء(٢)

«فاتق اللَّه يا معاوية في نفسك و جاذب الشيطان قيادك» القياد حبل تقاد به الدابة «فان الدنيا منقطعة عنك و الآخرة قريبة منك».

في (تاريخ الطبري): كان عامل معاوية على المدينة إذا أراد أن يبرد بريدا إلى معاوية امر مناديه فنادى: من له حاجة يكتب إلى الخليفة. فكتب زر بن حبيش أو أيمن ابن خريم كتابا لطيفا و رمى به في الكتب، و فيه:

إذا الرجال ولدت أولادها

و اضطربت من كبر اعضادها

و جعلت اسقامها تعتادها

فهي زروع قد دنا حصادها

____________________

(١) وقعة صفين: ٣٥٤.

(٢) وقعة صفين: ١٦٣ و ١٦٤.

٥٥٧

فلما قرأ هذا الكتاب في الكتب قال: نعى إلي نفسي( ١) .

و فيه: لما ثقل معاوية و حدّث الناس أنه الموت، قال لأهله: احشوا عيني اثمدا و أوسعوا رأسي دهنا، ففعلوا و برقوا وجهه بالدهن، ثم مهّد له، فجلس و قال أسندوني، ثم قال ائذنوا للناس و لا يجلس أحد، فجعل الرجل يدخل،

فيسلم قائما، فيراه مكتحلا مدهنا، فيقول تقول الناس هو لما به و هو أصحّ الناس، فلما خرجوا من عنده قال معاوية:

و تجلّدي للشامتين أريهم

أني لريب الدهر لا اتضعضع

و إذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع(٢)

و في (المروج): دخل معاوية الحمام في بدء علته الّتي كانت وفاته فيها،

فرأى نحول جسمه، فبكى لفنائه:

أرى الليالي أسرعت في نقضي

أخذن بعضي و تركن بعضي

حنين طولي و حنين عرضي

أقعدنني من بعد طول نهضي

و لما أزف أمره و حان فراقه و اشتدت علّته و أيس من برئه أنشأ يقول:

فياليتني لم أغن في الملك ساعة

و لم أك في اللّذات أعشى النواظر

و كنت كذي طمرين عاش ببلغة

من الدهر حتى زار أهل المقابر(٣)

٥ - الخطبة (١٩٨) و من كلام لهعليه‌السلام :

وَ اَللَّهِ مَا؟ مُعَاوِيَةُ؟ بِأَدْهَى مِنِّي وَ لَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَ يَفْجُرُ وَ لَوْ لاَ كَرَاهِيَةُ اَلْغَدْرِ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٢٤٨، سنة ٦٠.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٢٤٠، سنة ٦٠.

(٣) مروج الذهب ٣: ٤٩.

٥٥٨

لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى اَلنَّاسِ وَ لَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَ كُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ وَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ اَللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَ لاَ أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ «و اللَّه ما معاوية بأدهى» أي: أكثر دهاء (منّي) و من دهاء معاوية ما في (تاريخ الطبري): و فد عمرو بن العاص على معاوية و معه أهل مصر، فقال لهم:

انظروا إذا دخلتم على ابن هند فلا تسلموا عليه بالخلافة، فانه أعظم لكم في عينه، و صغروه ما استطعتم، فلما قدموا عليه قال معاوية لحجّابه: اني أعرف ابن النابغة، كأني به و قد صغّر أمري عند القوم، فانظروا إذا دخل الوفد،

فتعتعوهم أشد تعتعة تقدرون عليها، فلا يبلغني رجل منهم إلاّ و قد همته نفسه بالتلف. فكان أول من دخل عليه رجل يقال له ابن الخيّاط، فدخل و قد تعتع،

فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه. فتتابع القوم على ذلك، فلما خرجوا قال لهم عمرو: لعنكم اللَّه نهيتكم أن تسلموا عليه بالامارة فسلمتم عليه بالنبوة( ١) .

و من دهائه ما في (صفين نصر) في بيعة عمرو لمعاوية قال معاوية لعمرو: اني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الّذي عصى ربه، و قتل الخليفة، و أظهر الفتنة، و فرّق الجماعة، و قطع الرحم. قال عمرو: إلى جهاد من؟ قال: جهاد عليّ.

فقال عمرو: و اللَّه يا معاوية ما أنت و عليّ بعكمي بعير، مالك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا فقهه و لا علمه، و اللَّه ان له مع ذلك جدا و جدودا و حظا و حظوظا و بلاءا من اللَّه حسنا، فما تجعل لي ان شايعتك على حربه،

و أنت تعلم ما فيه من الغرر و الخطر. فقال له معاوية: اني أكره لك أن تتحدث العرب عنك انك انما دخلت في هذا الأمر لعرض الدنيا. قال: دعني عنك. فقال له معاوية: اني لو شئت أن أخدعك لفعلت. قال عمرو: لا لعمر اللَّه ما مثلي يخدع،

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٢٤٤، سنة ٦٠.

٥٥٩

لأنا أكيس من ذلك. قال له معاوية: ادن مني برأسك أسارّك، فدنا منه ليسارّه،

فعض معاوية أذنه و قال له: هذه خدعة، هل ترى في البيت أحدا غيري و غيرك( ١) .

و في (المروج) بعد ذكر التقاء أبي موسى و عمرو بن العاص و خدعة عمرو لأبي موسى بخلع أبي موسى لهعليه‌السلام و نصب عمرو لمعاوية و انصرف عمرو إلى منزله و لم يأت معاوية، فأرسل إليه معاوية يدعوه، فقال:

انما كنت أجيئك إذا كانت لي إليك حاجة، فأما إذا كانت الحاجة إلينا فأنت أحق ان تأتينا. فعلم معاوية ما قد وقع فيه، فأمر بطعام كثير فصنع، ثم دعا بخاصته و مواليه و أهله فقال: اني سأغدو إلى هذا، فإذا دعوته فادعوا مواليه و أهله فليجلسوا قبلكم، فإذا شبع رجل و قام فليجلس رجل منكم مكانه، فإذا خرجوا و لم يبق في البيت أحد فأغلقوا باب البيت و احذروا أن يدخل أحد منهم الا أن آمركم، و غدا إليه معاوية و عمرو جالس على فراشه، فلم يقم له عنها و لا دعاه إليها، فجاء معاوية، و جلس على الأرض، و اتكأ على الفراش، و ذلك أن عمرا كان يحدث نفسه أنه قد ملك الأمر، و إليه العهد يضعهما فيمن يرى،

و يندب للخلافة من يشاء، فجرى بينهما كلام كثير و كان مما قال له عمرو: هذا الكتاب الّذي بيني و بينه، عليه خاتمي و خاتمه، و لا أقر أن عثمان قتل مظلوما و أخرج عليّا من هذا، و هذا الأمر إليّ استخلف من شئته، و قد أعطاني أهل الشام عهودهم و مواثيقهم.

فحادثه معاوية ساعة و أخرجه عما كانوا عليه و ضاحكه و داعبه، ثم قال له: هل من غذاء؟ قال: أما شي‏ء يشبع من ترى فلا، فقال معاوية: هلم يا غلام غذاءك، فجي‏ء بالطعام المستعد، فقال لعمرو: ادع مواليك و أهلك فدعاهم،

____________________

(١) وقعة صفين: ٣٧.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621