وقعة الجمل

وقعة الجمل33%

وقعة الجمل مؤلف:
المحقق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي
تصنيف: متون تاريخية
الصفحات: 167

وقعة الجمل
  • البداية
  • السابق
  • 167 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38634 / تحميل: 6490
الحجم الحجم الحجم
وقعة الجمل

وقعة الجمل

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

«فإنّ المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت» قالت ليلى الأخيلية:

لعمرك ما بالموت عار على امرى‏ء

إذا لم تصبه في الحياة المعاير

في (الأغاني): مرّ مالك بن الريب بليلى الأخيلية فجلس إليها يحادثها طويلا و أنشدها، فأقبلت عليه و أعجبت به حتّى طمع في وصلها ثم إذا هو بفتى قد جاء إليها كأنّه نصل سيف فجلس إليها فأعرضت عن مالك و تهاونت حتّى كأنّه عندها عصفور، و أقبلت على صاحبها مليّا من نهارها فغاظه ذلك من فعلها و أقبل على الرجل فقال: من أنت؟ فقال توبة بن الحميّر. فقال: هل لك في المصارعة؟ قال: و ما دعاك إلى ذلك و أنت ضيفنا و جارنا. قال: لا بدّ منه. فظنّ أنّ ذلك يخوفه منه فازداد لجاجا، فقام توبة فصارعه فصرعه، فلمّا سقط إلى الأرض صدرت منه ريح ذات صوت، فضحكت ليلى منه فاستحى مالك فاكتتب بخراسان و قال: لا أقيم ببلد العرب أبدا و قد تحدثت عني بهذا الحديث، فأقام ثمة حتّى مات و قبره هناك معروف( ١) .

و كان المخبّل السعدي خطب كما في (الأغاني) إلى الزبرقان بن بدر أخته خليدة فمنعه ثم زوّجها بآخر فقال المخبّل:

فأنكحته زهوا كأنّ عجانها

مشقّ إهاب أوسع السلخ ناجله

ثم مر المخبل بعد ما أسن و ضعف بصره بخليدة فأنزلته و قرّبته و أكرمته و وهبت له وليدة قالت له: إني آثرتك بها يا أبا يزيد فاحتفظ بها. فقال:

و من أنت حتّى أعرفك و أشكرك. قالت: لا عليك. قال: بلى و اللّه. قالت: أنا بعض من هتكت بشعرك ظلما أنا خليدة بنت بدر. فقال: و اسوأتاه منك فإنّي استغفر اللّه و أستقيلك، ثم قال:

____________________

(١) الأغاني ٢٢: ٢٩٧، دار احياء التراث العربي بيروت.

٦١

لقد ضلّ حلمي في خليدة إنّني

سأعتب نفسي بعدها و أتوب

فأقسم بالرّحمن إنّي ظلمتها

و جرت عليها و الهجاء كذوب( ١)

«و تغرى» من الإغراء أو التغرية أي: تولع.

«به لئام الناس» في (المعجم): اجتاز القاضي التنوخي يوما في بعض الدروب فسمع امرأة تقول لأخرى: كم عمر بنتك يا اختي؟ فقالت لها: رزقتها يوم شهر بالقاضي التنوخي و ضرب بالسياط فرفع رأسه إليها و قال: يا بظراء صار صفعي تاريخك ما وجدت تاريخا غيره.

و في (العيون): دخل اعرابي على المساور الضبّي و هو بندار الريّ فسأله فلم يعطه فقال:

أتيت المساور في حاجة

فما زال يسعل حتّى ضرط

و حكّ قفاه بكرسوعه

و مسّح عثنونه و امتخط

فأمسك عن حاجتي خيفة

لاخرى تقطّع شرخ السفط

فأقسم لو عدت في حاجتي

للطّخ بالسلح و شي النمط

و قال غلطنا حساب الخراج

فقلت من الضرط جاء الغلط

فكان مساور كلّما ركب صاح به الصبيان: «من الضرط جاء الغلط» فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان( ٢) .

«كان كالفالج الياسر» هكذا في النهج بتقديم «الفالج» في الاول و بتقديم الياسر بلفظ «كالياسر الفالج» في الثاني، و الظاهر أنّه أخذ الأول من رواية (الكافي) و أخذ الثاني من كتب عريب الحديث، بدليل أنّ النهاية أيضا نقله

____________________

(١) الاغاني ١٣: ١٩٦.

(٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣: ١٥٤.

٦٢

كالثاني( ١ ) و هو الصحيح لأن الفالج صفة الياسر و الصفة لا تتقدم على الموصوف و كذلك نقله اليعقوبي كما مر.

و أما قول ابن أبي الحديد و لم يتفطّن للإختلاف بين لموضعين كغيره: إنّه من باب تقديم الصفة على الموصوف كقوله تعالى: و غرابيب سود( ٢ ) ...( ٣ ) ، ففي غير محله، فإنّ المواضع التي تتقدّم فيها الصفة تجعل مضافة لا موصوفة، كأن يقال في «الليالي السود» «سود الليالي»، و أما «غرابيب سود» فقال الجوهري «سود» بدل من «غرابيب» لأن تواكيد الألوان لا تتقدم( ٤ ) ، مع أنه بعد وجود الرواية الصحيحة لا نحتاج إلى تأويل.

ثم إنّ المصنّف في الأوّل لم يتعرّض لتفسير الكلمتين، و إنّما فسّرهما في الثاني بأنّ الياسرين هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور، و الفالج القاهر الغالب، و اعترض عليه ابن أبي الحديد ثمّة في تفسير الفالج بأنّ الغالب لا ينتظر كما قد وصف به بعد و إنّما يعني بالفالج الميمون النقيبة الّذي له عادة مطّردة أن يغلب، و قلّ أن يكون مقهورا( ٥ ) ، مع أنه نفسه في الأول فسره بما فسّره المصنّف ثمّة فقال: الفالج الظافر الفائز( ٦ ) ، فالاعتراض عليه نفسه، مع أنّه لم يفسّر أحد الفالج بالميمون النقيبة، و كان عليه أن يقول ليس المراد بالغالب الغالب فعلا بل شأنا، و هو الّذي يغلب غالبا. و فسّره ابن ميثم( ٧ ) بأن

____________________

(١) النهاية ٥: ٢٩٦.

(٢) فاطر: ٢٧.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٣١٤.

(٤) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١١٥.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٤.

(٧) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

٦٣

المراد الفائز الذي ينتظر قبل فوزه أول فوزة من قداحه.

«الذي ينتظر أول فوزة من قداحه» بالكسر جمع القدح بالكسر، و أمّا القدح بفتحتين فجمعه أقداح للشرب، و القداح للميسر.

«توجب له المغنم» أي: الغنيمة.

«و يرفع بها عنه» هكذا في (المصرية) و الصواب: (و يرفع عنه بها) كما في (ابن أبي الحديد)( ١ ) و (ابن ميثم)( ٢ ) و (الخطية).

«المغرم» أي: الغرامة، قال ابن دريد في (جمهرته)، أسماء قداح الميسر ممّا اتّفق عليه الأصمعي و غيره من أهل العلم الفائزة منها سبعة و هي الفذ و التوأم و الضريب و هو المصفح و الحلس و النافس و المسبل و المعلّى، فهذه سبعة و منها ما لا نصيب له الفسيح و المنيح و الرقيب و الوغد( ٣) .

و قال ابن ميثم: المنقول أنّ الخشبات المسمّيات قداحا و هي التي كانت لأيسار الجزور سبعة: أولها الفذ و فيه فرض واحد، و الثاني التوأم و فيه فرضان، و ثالثها الضريب و فيه ثلاثة فروض، و رابعها الحلس و فيه أربعة، و الخامس النافس و فيه خمسة، و السادس المسبل و فيه ستة، و السابع المعلّى و له سبعة، و ليس بعده قدح فيه شي‏ء من الفروض إلاّ أنّهم يدخلون مع هذه السبعة أربعة اخرى تسمّى أو غادا لا فروض فيها و إنّما تنقل بها القداح و أسماؤها: المصدر ثم المضعف ثم المنيح ثم السفيح، فإذا اجتمع أيسار الحي أخذ كلّ منهم قدحا و كتب عليه اسمه أو علّمه بعلامة ثم أتوا بجزور فينحرها صاحبها و يقسمها عشرة أجزاء على الوركين و الفخذين و العجز

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٢.

(٢) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

(٣) جمهرة اللغة ١: ٥٠٤.

٦٤

و الكاهل و الزور و الملجأ و الكتفين، ثم يعمد إلى الطفاطف و خرز الرقبة فيقسمها على تلك الأجزاء بالسويّة، فإذا استوت و بقي منها عظم أو بضعة لحم انتظر به الجازر من أراده ممن يفوز قدحه، فإذا أخذه عيّر به و إلاّ فهو للجازر. ثم يؤتى برجل معروف أنّه لم يأكل لحما قط بثمن إلاّ ان يصيبه عند غيره و يسمى الحرضة فيجعل على يديه ثوب و يعصب رؤوس أصابعه بعصابة كيلا يجد مس الفروض، ثم يدفع إليه القداح و يقوم خلفه رجل يقال له الرقيب فيدفع إليها قدحا منها من غير أن ينظر إليها، فمن خرج قدحه أخذ من أجزاء الجزور بعدد الفروض التي في قدحه، و من لم يخرج قدحه حتّى استوفيت أجزاء الجزور غرم بعدد فروض قدحه كأجزاء تلك الجزور من جزور اخرى لصاحب الجزور الذي نحرها، فإنّ اتّفق أن خرج المعلّى أوّلا فأخذ صاحبه سبعة أجزاء من أجزاء الجزور، ثم خرج المسبل فلم يجد صاحبه إلاّ ثلاثة أجزاء أخذها و غرم له من لم يفز قدحه ثلاثة أجزاء من جزور اخرى.

و أمّا القداح الأربعة الأوغاد فليس في خروج أحدها غنم و لا من عدم خروجه غرم، و المنقول عن الأيسار أنّهم كانوا يحرّمون ذلك اللحم على أنفسهم و يعدّونه للأضياف( ١) .

«و كذلك المرء المسلم البري‏ء من الخيانة ينتظر من اللّه إحدى الحسنيين إمّا داعي اللّه فما عند اللّه خير له) الذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون( ٢ ) ، إنّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة الّتي

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٢: ٦.

(٢) النحل: ٣٢.

٦٥

كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون. نزلا من غفور رحيم( ١) .

و عنهمعليهم‌السلام : ما بين أحدكم و بين الجنة إلاّ أن تبلغ نفسه حلقه.

و لما انتهى الحسينعليه‌السلام إلى عذيب الهجانات فإذا هم بأربعة قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم و معهم دليلهم الطرمّاح بن عديّ على فرسه و هو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجري

و شمّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان و خير سفر

حتّى تحلي بكريم النجر

أتى به اللّه لخير أمر

ثمّة أبقاه بقاء الدهر

فقال الحسينعليه‌السلام : و اللّه أرجو أن يكون ما أراد اللّه بنا خيرا قتلنا أم ظفرنا.

«و إمّا رزق اللّه فإذا هو ذو أهل و مال و معه دينه و حسبه» روى (الكافي): أنّ الصادقعليه‌السلام قال لسفيان الثوري و أصحابه الصوفية لما رأى عليه ثيابا بيضا كأنها غرقى‏ء البيض و أنكره فيما ردّ عليه: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما عجبت من شي‏ء كعجبي من المؤمن إنّه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له، و ان ملك ما بين مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له، و كلّ ما يصنع اللّه عز و جل به فهو خير له. و أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داودعليه‌السلام حيث سأل اللّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه اللّه تعالى ذلك و كان يقول الحق و يعمل به، و داود النبي قبله في ملكه و شدّة سلطانه، ثم يوسف النبيّ حيث قال لملك مصر إجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ

____________________

(١) فصلت: ٣٠ ٣٢.

٦٦

عليم( ١ ) ، ثم ذو القرنين عبد أحبّ اللّه فأحبه و طوى له الأسباب و ملكه مشارق الأرض و مغاربها و كان يقول الحق و يعمل به ثم لم نجد أحدا عاب عليه ذلك...( ٢) .

و روى (روضة الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان عابد في بني اسرائيل و كان محارفا لا يتوجه في شي‏ء فيصيب فيه شيئا فأنفقت عليه امرأته حتّى لم يبق عندها شي‏ء، فجاعوا يوما من الأيام فدفعت إليه فضلا من غزل و قالت له بعه و اشتر شيئا نأكله، فانطلق به فوجد السوق قد أغلقت فقال لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه و صببت عليّ منه و انصرفت، فجاء إلى البحر فإذا هو بصيّاد قد ألقى شبكته فأخرجها و ليس فيها إلاّ سمكة ردّية قد مكثت عنده حتّى صارت رخوة منتنة، فقال له بعني هذه السمكة و أعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك. قال: نعم، فأخذ السمكة و دفع إليه الغزل و انصرف بالسمكة إلى منزله، فلمّا شقّت امرأته السمكة بدت في جوفها لؤلؤة فأرتها زوجها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم و انصرف إلى منزله بالمال، فإذا سائل يدقّ الباب و يقول: يا أهل الدار تصدّقوا على المسكين. فقال له الرجل: ادخل فدخل، فقال له: خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما و انطلق، فقالت له امرأته: بينما نحن مياسير إذ ذهب بنصف يسارنا، فلم يكن ذلك بأسرع من أن دق السائل الباب و وضع الكيس مكانه ثم قال له: كل هنيئا مريئا إنّما أنا ملك أراد ربّك أن يبلوك فوجدك شاكرا( ٣) .

«إن المال و البنين حرث الدنيا» في (العقد الفريد): من قبائل مذحج سعد

____________________

(١) يوسف: ٥٤.

(٢) الكافي ٥: ٦٥ ٧٠.

(٣) الكافي ٨: ٣٨٥ و ٣٨٦ ح ٥٨٥.

٦٧

العشيرة بن مالك بن أدد، و إنّما سمّي سعد العشيرة لأنّه لم يمت حتّى ركب معه من ولده و ولد ولده ثلاثمئة رجل( ١) .

«و العمل الصالح حرث الآخرة» قال تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ماله في الآخرة من نصيب( ٢) .

«و قد يجمعهما اللّه لأقوام» قال تعالى: و منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا( ٣) .

و روى الكشي: إن الصادقعليه‌السلام إذا رأى اسحاق بن عمّار، و إسماعيل بن عمّار قال: قد يجمعهما اللّه لأقوام يعني الدنيا و الآخرة( ٤) .

هذا، و قالوا: دخل أبو ورق على هارون و بين يديه جارية حسناء فقال له: صفها و إنّ اسمها دنيا، فقال:

ان دنيا هي التي

تملك القلب قاهره

ظلموا شطر اسمها

فهي دنيا و آخره

و لما قتل طاهر ذو اليمينين الأمين كتب إلى المأمون: وجّهت إليك بالدنيا و هو رأس المخلوع و بالآخرة و هي البردة و القضيب.

«فاحذروا ما حذركم اللّه من نفسه» لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من اللّه في شي‏ء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة

____________________

(١) العقد الفريد ٣: ٣٠٧.

(٢) الشورى: ٢٠.

(٣) البقرة: ٢٠٢.

(٤) رجال الكشي: ٤٠٢ ح ٧٥٢.

٦٨

و يحذّركم اللّه نفسه و إلى اللّه المصير( ١ ) ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذّركم اللّه نفسه و اللّه رؤوف بالعباد( ٢) .

و في (الارشاد): لما عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك قدم إليه عمرو بن معد يكرب فقال له النبي: أسلم يا عمرو يؤمنك اللّه من الفزع الأكبر. قال: يا محمّد ما الفزع الأكبر؟ فإنّي لا أفزع. فقال: يا عمرو انّه ليس كما تظنّ و تحسب، إنّ الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميّت إلاّ نشر و لا حيّ إلاّ مات إلاّ ما شاء اللّه، ثم يصاح بهم صيحة اخرى فينشر من مات و يصفّون جميعا و تنشقّ السماء و تهدّ الأرض و تخرّ الجبال هدّا، و ترمي النّار بمثل الجبال شرارا فلا يبقى ذو روح إلاّ انخلع قلبه و ذكر ذنبه و شغل بنفسه إلاّ ما شاء اللّه( ٣) .

«و اخشوه خشية» عن الحقيقة.

«ليست بتعذير» أي: بإظهار العذر و ليس له عذر، و لكن قال الجوهري:

كان ابن عباس يقرأ و جاء المعذرون( ٤ ) من أعذر و يقول: و اللّه لهكذا أنزلت، و يقول لعن اللّه المعذرين كان الأمر عنده أنّ المعذر هو المظهر للعذر اعتلالا من غير حقيقة له في العذر، و المعذر من له عذر( ٥) .

في الخبر: ان اللّه تعالى أنزل كتابا من كتبه على نبي من أنبيائه أنّه يكون من خلقي لمحسّنون الدنيا بالدين يلبسون مسوك الضأن على قلوب كقلوب الذئاب أشدّ مرارة من الصبر و ألسنتهم أحلى من العسل و أعمالهم الباطنة

____________________

(١) آل عمران: ٢٨.

(٢) آل عمران: ٣٠.

(٣) إرشاد المفيد: ٨٤.

(٤) التوبة: ٩٠.

(٥) الصحاح للجوهري ٢: ٧٤١١.

٦٩

أنتن من الجيف، بي يغترّون أم إيّاي يخادعون أم عليّ يجترئون؟ فبعزّتي حلفت لأبعثن عليهم فتنة تطأ في خطامها حتّى تبلغ أطراف الأرض، تترك الحليم منها حيران( ١) .

«و اعملوا في غير رياء و لا سمعة فإنّه من يعمل لغير اللّه يكله اللّه» أي: يدعه.

«لمن» هكذا في (المصرية) و الصواب: (إلى من) كما في (ابن أبي الحديد)( ٢ ) و (ابن ميثم)( ٣ ) و (الخطية).

«عمل له» روى (الكافي): أنّ الصادقعليه‌السلام قال لعباد البصري: ويلك يا عباد إيّاك و الرياء فإنّه من عمل لغير اللّه وكله اللّه إلى من عمل له.

و قالعليه‌السلام : قال تعالى: «أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا».

و قالعليه‌السلام في قوله تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا( ٤ ) هو الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنّما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه. ثم قالعليه‌السلام : ما من عبد ستر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتّى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يستر شرّا فذهبت الايام حتّى يظهر اللّه له شرّا.

و قالعليه‌السلام في قوله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصيرة. و لو ألقى معاذيره( ٥ ) ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى اللّه تعالى بخلاف ما يعلمه اللّه، ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: من أسر سريرة رداه اللّه ردائها ان خيرا

____________________

(١) الجوهري ٢: ٧٤١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٢.

(٣) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

(٤) الكهف: ١١٠.

(٥) القيامة: ١٤ ١٥.

٧٠

فخير و ان شرا فشر( ١) .

و روى (عقاب الأعمال) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الرياء الشرك باللّه، و إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، و بطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له( ٢) .

و قال ابن أبي الحديد: قال عليعليه‌السلام : ليست الصلاة قيامك و قعودك، إنّما الصلاة إخلاصك و أن تريد بها اللّه وحده.

و توصّل ابن الزبير إلى امرأة ابن عمر و هي أخت المختار في أن تكلّم بعلها أن يبايعه، فكلّمته في ذلك و ذكرت قيامه و صيامه، فقال لها: أما رأيت البغلات الشهب الّتي كنّا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة. قالت: بلى.

قال: فإيّاها يطلب ابن الزبير بصومه و صلاته( ٣) .

هذا، و ذكروا أن رجلا من قريش قال لأشعب الطمّاع: ما شكرت معروفي عندك. فقال له: ان معروفك كان من غير محتسب فوقع عند غير شاكر.

«نسأل اللّه منازل الشهداء و معايشة السعداء و مرافقة الأنبياء» إشارة إلى قوله تعالى: و من يطع اللّه و الرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين و الصدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا( ٤) .

«أيها الناس إنّه لا يستغني الرجل و إن كان ذا مال عن عشيرته» و في (القاموس): قال عليعليه‌السلام «من يطل هن أبيه ينتطق به» أي: من كثر بنو أبيه

____________________

(١) الكافي ٢: ٢٩٣ ٢٩٥، ١، ٤، ٦، ٩.

(٢) عقاب الأعمال: ٣٠٣ ح ١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٥ ٣١٦.

(٤) النساء: ٦٩.

٧١

يتقوّى بهم، و قال غيلان بن سلمة الثقفي:

و إنّ ابن عمّ المرء مثل سلاحه

يقيه إذا لاقى الكميّ المقنّعا

و قال:

لم أر عزا لامرى‏ء كعشيرة

و لم أر ذلا مثل نأي عن الأهل( ١)

«و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم» في (العقد الفريد): كان مهلهل صار إلى قبيلة من اليمن يقال لهم جنب فخطبوا إليه فزوجهم و هو كاره لاغترابه عن قومه، و مهروا ابنته أدما، فقال:

أنكحها فقدها الأراقم في

جنب و كان الحباء من أدم

لو بأبانين جاء يخطبها

رمّل ما أنف خاطب بدم( ٢)

«و هم أعظم النّاس حيطة» أي: رعاية.

«من ورائه» في (كامل المبرد): قال ذو الرمّة لهلال بن أحوز المازني:

رفعت مجد تميم يا هلال لها

رفع الطراف على العلياء بالعمد

حتّى نساء تميم و هي نازحة بقلّة الحزن فالصمّان فالعقد

لو يستطعن إذا ضافتك مجحفة

و قينك الموت بالآباء و الولد( ٣)

و في (الأغاني): قال الشمردل في أخيه حكم لما أتاه نعيه:

و كنت سنان رمحي من قناتي

و ليس الرمح إلاّ بالسّنان

و كنت بنان كفّي من يميني

و كيف صلاحها بعد البنان

و كان يرى فيما يرى النائم كأن سنان رمحه سقط فأتاه نعي أخيه وائل، فقال:

____________________

(١) القاموس ٣: ٣٨٥.

(٢) العقد الفريد ٦: ٧٧.

(٣) الكامل للمبرد ١: ٥٠.

٧٢

و تحقيق رؤيا في المنام رأيتها

فكان أخي رمحا ترقّص عامله( ١)

«و ألمّهم» أي: أجمعهم.

«لشعثه» أي: تفرّقه.

«و أعطفهم» أي: أشفقهم.

«عليه عند نازلة» أي: شديدة نازلة.

«إذا» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد) و لكن في (ابن ميثم)( ٢ ) و (الخطية) (ان)( ٣ ) و هو أحسن.

«نزلت به» في (العقد): قال عليّعليه‌السلام : عشيرة الرجل خير للرجل من غير العشيرة فإنّ كفّ عنهم يدا واحدة كفّوا عنه أيديا كثيرة مع مودتهم و حفاظهم و نصرتهم، ان الرجل ليغضب للرجل لا يعرفه إلاّ بنسبه. و سأتلوا عليكم من ذلك آيات من كتاب اللّه قال عزّ و جلّ فيما حكاه عن لوط: لو أنّ لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد( ٤ ) يعني العشيرة و لم يكن للوط عشيرة، فو الّذي نفسي بيده ما بعث اللّه نبيا من بعده إلاّ في ثروة من قومه و منعة من عشيرته، ثم ذكر شعيبا و قال له قومه إنّا لنراك فينا ضعيفا و لو لا رهطك لرجمناك( ٥ ) و كان مكفوفا و اللّه ما هابوا إلاّ عشيرته( ٦) .

في (الطبري) بعد ذكر قتل أصحاب معاوية لحجر و ستة من أصحابه فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي و كريم بن عفيف الخثعمي: إبعثوا بنا إلى

____________________

(١) الأغاني ١٣: ٣٥٣ و ٣٥٦.

(٢) شرح ابن ميثم ٢: ٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

(٤) هود: ٨٠.

(٥) هود: ٩١.

(٦) العقد ٢: ٢٠٨.

٧٣

معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته، فبعثوا إلى معاوية يخبرونهما بمقالتهما فأجاز، فأدخلا عليه فقال معاوية للخثعمي: ما تقول في عليّ؟ قال:

أقول فيه قولك، أتبرّأ من دين عليّ الذي كان يدين اللّه به، فسكت معاوية و كره أن يجيبه فقال شمر بن عبد اللّه من بني قحافة: هب لي ابن عمي. فقال: هو لك.

قال: فخلى سبيله على أن لا يدخل الكوفة ما كان له سلطان. فقال له: تخيّر بلدا، فاختار الموصل، و كان يقول: لو قد مات معاوية قدمت المصر، فمات قبل معاوية بشهر، ثم أقبل معاوية على العنزيّ فقال له: يا أخا ربيعة ما قولك في عليّ؟ قال: دعني و لا تسألني. قال: لا أدعك. قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين اللّه كثيرا و من الآمرين بالحق و القائمين بالقسط. قال: فما قولك في عثمان؟ قال:

هو أوّل من فتح باب الظلم و أرتج أبواب الحقّ. قال: قتلت نفسك. قال: بل إيّاك قتلت «و لا ربيعة بالوادي»، قال ذلك لأن شمر الخثعمي كلّم معاوية في كريم الخثعمي و لم يكن له أحد من قومه يكلّمه فيه، فبعث به إلى زياد و قال له: إنّ هذا شرّهم فاقتله شرّ قتلة، فدفنه زياد حيا بقسّ الناطف( ١) .

و فيه: كان عبد اللّه بن خليفة الطائي شهد مع حجر فطلبه زياد فتوارى، فبعث إليه الشرط فأخذوه فقالت أخته: يا معشر طيّ أ تسلمون سنانكم و لسانكم عبد اللّه بن خليفة؟ فشد الطائيّون عليهم و انتزعوه، فرجعوا إلى زياد فأخبروه فوثب على عدي بن حاتم و هو في المسجد فقال: إئتني بابن خليفة.

فقال: هذا شي‏ء كان في الحيّ لا علم لي به. قال: و اللّه لتأتينّي به. قال: أجيئك بابن عمّي تقتله، و اللّه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، فأمر بعديّ إلى السجن فلم يبق بالكوفة يماني و لا ربعي إلاّ أتاه و كلّمه و قالوا تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: فإنّي أخرجه على أن يخرج ابن عمه عنّي

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٢٧٦.

٧٤

فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان. فقال عديّ لعبد اللّه: إنّ هذا لجّ في أمرك فالحق بالجبلين( ١) .

و مرّ في الفصل في وصيتهعليه‌السلام إلى ابنه قوله: «و أكرم عشيرتك فإنّهم جناحك الذي به تطير و يدك التي بها تصول...»، مع شروح مفيدة.

«و لسان الصدق يجعله اللّه للمرء في الناس خير له من المال يورثه غيره» قال إبراهيمعليه‌السلام : و اجعل لي لسان صدق في الآخرين( ٢ ) أي: ثناء حسنا، و قال تعالى في نوح و إبراهيم و موسى و هارون و إلياس: و تركنا عليه في الآخرين. سلام على نوح في العالمين( ٣ ) ، و تركنا عليه في الآخرين.

سلام على إبراهيم( ٤ ) ، و تركنا عليه في الآخرين. سلام على إلياسين( ٦ ) أي: تركنا قول «سلام عليهم» في الآخرين.

و في (الكافي): قال الصادقعليه‌السلام لأبي كهمس: إقرأ عبد اللّه بن أبي يعفور السلام و قل له: إنّ جعفر بن محمّد يقول لك: أنظر ما بلغ به عليّ عند النبي فالزمه و إنّ عليّا إنّما بلغ ما بلغ به بصدق الحديث و أداء الامانة( ٧) .

و روى: أنّ الرجل ليصدق حتّى يكتبه اللّه صديقا. و في (كامل المبرد):

قال ابن حلزة اليشكري:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٢٦٧.

(٢) الشعراء: ٨٤.

(٣) الصافات: ٧٨ ٧٩.

(٤) الصافات: ١٠٨ ١٠٩.

(٥) الصافات: ١١٩ ١٢٠.

(٦) الصافات: ١٢٩ ١٣٠.

(٧) الكافي ٢: ١٠٤ ح ٥.

٧٥

قلت لعمرو حين ارسلته

و قد خبا من دوننا عالج

لا تكسع الشول بأغبارها

انك لا تدري من الناتج

و أصبب لأضيافك ألبانها

فإنّ شر اللبن الوالج

و فيه: قال معاوية لابن الأشعث بن قيس: ما كان جدّك قيس بن معد يكرب أعطى الأعشى؟ فقال: أعطاه مالا و ظهرا و رقيقا و أشياء أنسيتها. فقال معاوية: لكن ما أعطاكم الأعشى لا ينسى.

هذا، و في (نسب قريش مصعب الزبيري): أتى عمرو بن سعيد الأشدق فتى من قريش يذكر حقا له في كراع من أديم بعشرين ألف درهم على أبيه بخط مولى أبيه و شهادة أبيه بخطه على نفسه، فقال له: و ما سبب مالك؟ قال:

رأيته و هو معزول يمشي وحده، فقمت فمشيت معه حتّى بلغ إلى باب داره ثم وقفت فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: لا إلاّ أنّي رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك. قال: وصلتك رحم يا ابن أخي، فكتب هذا الكتاب و قال: ليس اليوم عندنا شي‏ء فإذا أتانا شي‏ء فأتنا به، فمات قبل أن يصل إليه. فقال له عمرو: لا جرم، لا تأخذها إلاّ وافية.

قول المصنّف: «و منها» هكذا في (المصرية) و نسخة (ابن أبي الحديد) و لكن في (ابن ميثم و الخطية) «منها»( ١ ) و هو الأحسن فلم تتقدمها اخرى.

قوله «ألا لا يعدلنّ» هكذا في (المصرية) و الصواب: «ألا لا يعدلنّ أحدكم» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«عن القرابة يرى بها الخصاصة» أي: الفاقة.

«ان يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه و لا ينقصه إن أهلكه».

روى (الكافي) عن البزنطي قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

٧٦

إلى ابنه أبي جعفر الجواد: بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنّما ذلك من بخل منهم لئلا ينال منك أحد خيرا، و أسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك و مخرجك إلاّ من الباب الكبير، فإذا ركبت فليكن معك ذهب و فضة ثم لا يسألك أحد شيئا إلاّ أعطيته، و من سألك من عمومتك ان تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين دينارا و الكثير إليك، و من سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة و عشرين دينارا و الكثير إليك، إنّما أنا اريد بذلك أن يرفعك اللّه، فأنفق و لا تخش من ذي العرش إقتارا.

و روى أنّ الباقرعليه‌السلام قال للحسين بن أيمن: أنفق و أيقن بالخلف من اللّه، فإنّه لم يبخل عبد و لا أمة بنفقة فيما يرضي اللّه عزّ و جلّ إلاّ أنفق أضعافها فيما يسخط اللّه.

و روى انّهعليه‌السلام قال: ان الشمس لتطلع و معها أربعة أملاك ملك ينادي يا صاحب الخير أتمّ و أبشر، و ملك ينادي يا صاحب الشرّ إنزع و أقصر، و ملك ينادي أعط منفقا خلفا و ممسكا تلفا، و ملك ينضحها بالماء و لو لا ذلك اشتعلت الأرض.

و روى عن الصادقعليه‌السلام قال: من يضمن أربعة بأربعة أبيات في الجنة:

انفق و لا تخف فقرا، و أنصف الناس من نفسك، و أفش السلام في العالم، و اترك المراء و إن كنت محقّا( ١) .

«و من يقبض يده عن عشيرته فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة و تقبض منهم عنه أيد كثيرة» روى (أمالي المفيد) عن الشعبي قال: قال صعصعة: عادني أمير المؤمنينعليه‌السلام في مرضي ثم قال: أنظر فلا تجعلنّ عيادتي إيّاك فخرا على قومك، و إذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه فإنّه ليس بالرجل غنى عن

____________________

(١) الكافي ٤: ٤٢ ٤٤ ح ١ و ٥ و ٧ و ١٠.

٧٧

قومه، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة، فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه، و إذا رأيتهم في شر فلا تخذلنهم، و ليكن تعاونكم على طاعة اللّه فإنّكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة اللّه تعالى و تناهيتم عن معاصيه( ١ ) . و من الشعر في ذلك:

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

و إنّ ابن عم المرء فاعلم جناحه

و هل ينهض البازي بغير جناح

أيضا:

إن كان ذا عضد يدرك ظلامته

إنّ الذليل الذي ليست له عضد

تنبو يداه إذا ما قلّ ناصره

و يأنف الضيم إن أثرى له عدد

أيضا:

تناس ذنوب الأقربين فإنّه

لكلّ حميم راكب هو راكبه

له هفوات في الرخاء يشوبها

بنصرة يوم لا توارى كواكبه

تراه عدوّا ما أمنت و يتّقي

بجبهته يوم الوغى من يحاربه

لكلّ امرى‏ء اخوان بؤس و نعمة

و أعظمهم في النائبات أقاربه

أيضا:

ألم تر أنّ جمع القوم يخشى

و ان حريم واحدهم مباح

و أنّ القدح حين يكون فردا

فيهصر لا يكون له اقتداح

و إنّك ان قبضت بها جميعا

أبت ما سمت واحدها القداح

كذاك تفرّق الإخوان مما

يذلهم و في الذلّ افتضاح

و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حافتا الصّراط يوم القيامة الرحم و الأمانة، فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنّة، و إذا مرّ الخائن للأمانة القطوع

____________________

(١) لم يوجد هذا الحديث في أمالي المفيد، بل رواه الطوسي في أماليه (١ ١٢٥٧ الجزء ١٢.

٧٨

للرحم لم ينفعه معه عمل فتكفى‏ء به الصراط في النار.

هذا، و قال ابن أبي الحديد: قال عثمان: إنّ عمر كان يمنع أقرباءه ابتغاء وجه اللّه، و أنا أعطيتهم ابتغاء وجه اللّه( ١) .

قلت: ما قاله عثمان مغالطة، فإعطاء الأقرباء إن كان من مال المعطي فلا يمكن أن يكون منعه كما فعل عمر ابتغاء وجه اللّه، لأنّه قطع الرحم المذموم الذي فاعله ملوم، و إن كان من مال اللّه و كان المعطي غير مستحقه فأعطاؤه كما فعل عثمان و نهب بيت المال و وهبه لبني الشجرة الملعونة في القرآن كيف يكون ابتغاء وجه اللّه، لقدمني الناس لعمر اللّه من هؤلاء بخبط و شماس.

«و من تلن حاشيته يستدم من قومه المودّة» هو نظير قولهعليه‌السلام : «من لان عوده كثفت أغصانه».

في (الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام : لما خرج أمير المؤمنينعليه‌السلام يريد البصرة نزل بالرّبذة فأتاه رجل من محارب فقال: إنّي تحمّلت في قومي حمالة و إنّي سألت في طوائف منهم المواساة و المعونة فسبقت إليّ ألسنتهم بالنكد فمرهم بمعونتي. فقال: أين هم؟ فقال: هؤلاء فريق منهم حيث ترى، فنصّعليه‌السلام راحلته فأدلفت كأنّها ظليم فدلف بعض أصحابه في طلبها فلاى بلاى ما لحقت، فانتهى إلى القوم فسلّم عليهم و سألهم ما يمنعهم من مواساة صاحبهم، فشكوه و شكاهم فقالعليه‌السلام «وصل امرؤ عشيرته فانّهم أولى ببره و ذات يده و وصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر و أدبرت عنه دنيا فإنّ المتواصلين المتباذلين مأجورون و ان المتقاطعين المتدابرين موزورون» ثم بعث راحلته( ٢) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣٣٠.

(٢) الكافي ٢: ١٥٣، ١٨.

٧٩

قول المصنف في الأول (قال الشريف أقول) هكذا في (المصرية) و إنّما في (ابن أبي الحديد) قال الرضي، و في (ابن ميثم)( ١ ) قال السّيد( ٢ ) ، و هو دليل على أن أصله من كلام الشّراح و أنّ «أقول» زائدة (الغفير هاهنا) انما قال ههنا لأن الغفيرة تأتي في موضع آخر بمعنى آخر، قال الجوهري يقال «ما فيهم غفيرة» أي: لا يغفرون ذنبا لأحد، قال الراجز:

يا قوم ليست فيهم غفيرة

فامشوا كما تمشي جمال الحيرة( ٣)

و قال ابن دريد: و كلّ شي‏ء غطيته فقد غفرته، و منه المغفرة و الغفيرة( ٤ ) (الزيادة و الكثرة من قولهم للجمع الكثير، الجمّ الغفير و الجماء الغفير) المفهوم من الجوهري انهما يأتيان بالوصفية معرفة و نكرة و بالاضافة، فقال و قولهم «جاءوا جماء غفيرا و الجماء الغفير و جم الغفير و جماء الغفير» أي: جاءوا بجماعتهم: الشريف و الوضيع( ٥) .

(و يروى: عفوة من أهل أو مال) هو رواية اليعقوبي، فقد عرفت أنّ في خبره «فمن أصابه نقص في أهله و ماله و رأى عند أخيه عفوة فلا يكوننّ ذلك عليه فتنة» و الغفيرة رواية (الكافي) كما مر و كذا (النهاية)( ٦) .

(و العفوة الخيار من الشي‏ء، يقال عفوة الطعام أي: خياره) و قال الجوهري و قال بعضهم العفاوة بالكسر أول المرق و أجوده، و العفاوة بالضم آخره يردّها مستعير القدر مع القدر يقال منه «عفوة

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٢: ١١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

(٣) شرح ابن ميثم ٢: ١١.

(٤) الصحاح للجوهري ٢: ٧٧١.

(٥) جمهرة اللغة ٢: ٧٧٨.

(٦) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٧، و النهاية ٣: ٣٧٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167