مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٩

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل12%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 469

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 290989 / تحميل: 5089
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونخرج من هذه النقاط بالنتائج التالية :

أوّلاً : أنّ المدرسة المادّية تفترق عن المدرسة الإلهية في ناحية سلبية ، أي : الإنكار لما هو خارج الحقل التجريبي

ثانياً : أنّ المادّية مسئولة عن الاستدلال على النفي ، كما يجب على الإلهية الاستدلال على الإثبات

ثالثاً : أنّ التجربة لا يمكن أن تُعتَبر برهاناً على النفي ؛ لأنّ عدم وجدان السبب الأعلى في ميدان التجربة ، لا يبرهن على عدم وجوده في مجال أعلى لا تمتدّ إليه يد التجربة المباشرة

رابعاً : أنّ الأسلوب الذي تتّخذه المدرسة الإلهية للاستدلال على مفهومها الإلهي ، هو نفس الأسلوب الذي نثبت به علمياً جميع الحقائق والقوانين العلمية

الاتّجاه الديالكتيكي للمفهوم المادّي :

قلنا : إنّ للمادّية اتّجاهين : أحدهما اتّجاه الآلية الميكانيكية ، والآخر اتّجاه المادّية الديالكتيكية.

وقد استعرضنا الاتّجاه الأوّل استعراضاً سريعاً في الجزء الثاني من نظرية المعرفة ، حين تناولنا بالدرس والتمحيص المثالية الفيزيائية التي قامت على

____________________

(*)

الذاتي للمعرفة ، وفي ضوء هذا المذهب وإن كنّا بحاجة إلى ضمّ بعض المعارف العقليّة التي لا مناص عنها إلى التجربة ، كالمعرفة العقليّة القائلة باستحالة اجتماع النقيضين ، ولكن يمكن أن ينتقل الذهن ـ في ضوء المذهب المذكور ـ من استقراء الموضوعات الجزئيّة الخاضعة للتجربة إلى قواعد وقوانين عامّة ، بحيث يكون السير الفكري فيها من الخاصّ إلى العامّ ، ولا حاجة فيها إلى ضمّ المعارف العقليّة القبليّة التي تحوّل السير الفكري فيها من العامّ إلى الخاصّ ، كما يدّعيه أصحاب المذهب العقلي للمعرفة(لجنة التحقيق)

٢٤١

حطام المادّية الميكانيكية

وأمّا الاتّجاه المادّي الآخر الذي يفسّر العالم تفسيراً مادّياً بقوانين الديالكتيك ، فهو الاتّجاه الذي اتّخذته المدرس الماركسية ، فوضعت مفهومها المادّي عن العالم على أساس هذا الاتّجاه

قال ستالين :

(تسير مادّية ماركس الفلسفيّة من المبدأ القائل : إنّ العالم بطبيعته مادّي ، وإنّ حوادث العالم المتعدّدة هي مظاهر مختلفة للمادّة المتحرّكة ، وإنّ العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة كما تقرّرها الطريقة الديالكتيكية ، هي قوانين ضرورية لتطوّر المادّة المتحرّكة ، وإنّ العالم يتطوّر تبعاً لقوانين حركة المادّة ، وهو ليس بحاجة لأيّ عقل كلّي)(١)

ويُعتبر المفهوم المادّي (المادّة = الوجود) هو النقطة المركزية في الفلسفة الماركسية ؛ لأنّها التي تحدّد نظرة الماركسية إلى الحياة ، وتنشئ لها فهماً خاصّاً للواقع وقيمه ، ومن دونها لا يمكن أن تقام الأسس المادّية الخالصة للمجتمع والحياة

وقد فرضت هذه النقطة على المذهب الماركسي تسلسلاً فكرياً خاصّاً ، واقتضت منه أن يقيم شتّى جوانبه الفلسفية لصالحها فلأجل أن تملك الماركسية الحقّ في تقرير النقطة المركزية تقريراً نهائياً ، اختارت أن تكون يقينية ، كما عرفنا في نظرية المعرفة ، وأعلنت أنّ لدى الإنسان من الطاقات العلمية ما يتيح له الجزم بفلسفة معيّنة عن الحياة ، واستكناه أسرار

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ٢٨

٢٤٢

الوجود والعالم ، ورفضت مذهب الشكّ المطلق ، وحتّى النسبية الجامدة ، وحاولت بذلك أن تعطي صفة قطعية للمحور الرئيسي ، أي : المفهوم المادّي

ووضعت بعد ذلك المقياس العامّ للمعرفة والحقيقة في التجربة ، واستبعدت المعارف العقلية الضرورية ، وأنكرت وجود منطق عقلي مستقلّ عن التجربة ؛ كلّ ذلك حذراً من إمكان محو النقطة المركزية بالمنطق العقلي ، وحدّاً للطاقة البشرية بالميدان التجريبي خاصّة

وواجهت الماركسية في هذه المرحلة مشكلة جديدة ، وهي : أنّ الميزان الفكري للإنسان إذا كان هو الحسّ والتجربة ، فلا بدّ أن تكون المعلومات التي يكوّنها عن طريق الحسّ والتجربة صحيحة دائماً ، ليمكن اعتبارها ميزاناً أوّلياً توزن به الأفكار والمعارف ، فهل نتائج الحسّ العلمي كذلك حقّاً ؟ وهل النظريات القائمة على التجربة مضمونة الصدق أبداً ؟

وهكذا وقعت الماركسية بين خطرين :

فإن اعترفت بأنّ المعلومات القائمة على أساس التجربة ليست معصومة من الخطأ ، فقد سقطت التجربة عن كونها ميزاناً أوّلياً للحقائق والمعارف

وإن ادّعى الماركسيون أنّ النظرية المستمدّة من التجربة والتطبيق فوق الخطأ والاشتباه ، اصطدموا بالواقع الذي لا يسع لأحد إنكاره ، وهو : أنّ كثيراً من النظريات العلمية ، بل القوانين التي توصّل إليها الإنسان عن طريق درس الظواهر المحسوسة ، قد ظهر خطؤها وعدم مطابقتها للواقع ، فسقطت عن عرشها العلمي بعد أن تربّعت عليه مئات السنين

وإذا كانت المفاهيم العلمية التجريبية قد تخطئ ، وكان المنطق العقلي ساقطاً من الحساب ، فكيف يُعلَن عن فلسفة يقينية ؟! أو تشاد مدرسة ذات صفة جزمية في أفكارها ؟!

٢٤٣

وقد أصرّت الماركسية على وضع التجربة مقياساً أعلى ، وتخلّصت من هذا المأزق بوضع قانون الحركة والتطوّر في العلوم والأفكار ؛ نظراً إلى أنّ الفكر جزء من الطبيعة ، وهو بهذا الاعتبار يحقّق قوانين الطبيعة كاملة ، فيتطوّر وينمو كما تتطوّر الطبيعة وليس التطوّر العلمي يعني سقوط المفهوم العلمي السابق ، وإنّما يعبّر عن حركة تكاملية في الحقيقة والمعرفة فالحقيقة والمعرفة هي الحقيقة والمعرفة ، غير أنّها تنمو وتتحرّك وتتصاعد بصورة مستمرّة

وهكذا قضى بذلك على جميع البدهيات والحقائق ؛ لأنّ كلّ فكر سائر في صراط التطوّر والتغيّر ، فليست توجد حقيقة ثابتة في دنيا الفكر مطلقاً ، ولا يؤمن على ما ندركه الآن من البديهيات ـ نظير إدراكنا : أنّ الكلّ أكبر من الجزء ، وأنّ ٢ + ٢ = ٤ ـ أن يكتسب شكلاً آخر في حركته التطوّرية ، فندرك الحقيقة عند ذاك على وجه آخر

ولمّا كانت الحركة التي وضعتها الماركسية كقانون للفكر وللطبيعة بصورة عامّة لا تنبثق إلاّ عن قوّة وسبب ، ولم تكن في العالم حقيقة إلاّ المادّة في زعمها ، فقد قالت : إنّ الحركة حصيلة تناقضات في المحتوى الداخلي للمادّة ، وإنّ هذه المتناقضات تتصارع فتدفع بالمادّة وتطوّرها ؛ ولهذا ألغت الماركسية مبدأ عدم التناقض ، واتّخذت من الديالكتيك طريقة لفهم العالم ، ووضعت مفهومها المادّي في إطاره وهكذا يتّضح : أنّ جميع الجوانب الفلسفية للمادّية الديالكتيكية ، مرتبطة بالنقطة المركزية (المفهوم المادّي) ، وقد صيغت لأجل تركيزها والحفاظ عليها وليس إسقاط البديهيات وجعلها عرضةً للتغيّر ، أو الإيمان بالتناقض واعتباره قانوناً عاماً للطبيعة ، وما إليها من النتائج الغريبة التي انتهت إليها الماركسية ، إلاّ تسلسلاً حتمياً للانطلاق الذي بدأ من المفهوم المادّي الماركسي ، وتبريراً له في المجال الفلسفي

٢٤٤

المفهوم الفلسفي للعالم / ٢

الديالكتيك أو الجدل

١- حركة التطوّر

٢- تناقضات التطوّر

٣- قفزات التطوّر

٤- الارتباط العامّ

٢٤٥

٢٤٦

إنّ الجدل كان يعني في المنطق الكلاسيكي طريقة خاصّة في البحث ، وأسلوباً من أساليب المناظرة التي تطرح فيها المتناقضات الفكرية ووجهات النظر المتعارضة بقصد أن تحاول كلّ واحدة منها أن تظهر ما في نقيضها من نقاط الضعف ومواطن الخطأ على ضوء المعارف المسلّمة والقضايا المعترف بها سلفاً وهكذا يقوم الصراع بين النفي والإثبات في ميدان البحث والجدل حتّى ينتهي إلى نتيجة تتقرّر فيها إحدى وجهات النظر المتصارعة ، أو تنبثق عن الصراع الفكري بين المتناقضات وجهة رأي جديدة توفّق بين الوجهات كلّها ، بعد إسقاط تناقضاتها ، وإفراز نقاط الضعف من كلّ واحدة منها

ولكنّ الجدل في الديالكتيك الجديد ، أو الجدل الجديد ، لم يعد منهجاً في البحث وأسلوباً لتبادل الآراء ، بل أصبح طريقة لتفسير الواقع ، وقانوناً كونياً عاماً ينطبق على مختلف الحقائق وألوان الوجود فالتناقض ليس بين الآراء ووجهات النظر فحسب ، بل هو ثابت في صميم كلّ واقع وحقيقة ، فما من قضية إلاّ وهي تنطوي في ذاتها على نقيضها ونفيها

وكان (هيجل) أوّل من أشاد منطقاً كاملاً على هذا الأساس ، فكان التناقض الديالكتيكي هو النقطة المركزية في ذلك المنطق ، والقاعدة الأساسية التي يقوم

٢٤٧

عليها فهم جديد للعالم ، وتنشأ [ بها ](١) نظرية جديدة نحوه ، تختلف كلّ الاختلاف عن النظرة الكلاسيكية التي اعتادها البشر منذ قُدّر له أن يدرِك ويفكّر

وليس (هيجل) هو الذي ابتدع أصول الديالكتيك ابتداعاً ، فإنّ لتلك الأصول جذوراً وأعماقاً في عدّة من الأفكار التي كانت تظهر بين حين وآخر على مسرح العقل البشري ، غير أنّها لم تتبلور على أسلوب منطق كامل واضح في تفسيره ونظرته ، محدّد في خططه وقواعده ، إلاّ على يد (هيجل) فقد أنشأ (هيجل) فلسفته المثالية كلّها على أساس هذا الديالكتيك ، وجعله تفسيراً كافياً للمجتمع والتاريخ والدولة وكلّ مظاهر الحياة ، وتبنّاه بعده (ماركس) فوضع فلسفته المادّية في تصميم ديالكتيكي خالص

فالجدل الجديد في زعم الديالكتيكيين قانون للفكر والواقع على السواء ؛ ولذلك فهو طريقة للتفكير ، ومبدأ يرتكز عليه الواقع في وجوده وتطوّره

قال لينين :

(فإذا كان ثمة تناقضات في أفكار الناس ؛ فذلك لأنّ الواقع الذي يعكسه فكرنا يحوي تناقضات فجدل الأشياء ينتج جدل الأفكار ، وليس العكس)(٢)

وقال ماركس :

(ليست حركة الفكر إلاّ انعكاساً لحركة الواقع ، منقولة ومحوّلة في مخ الإنسان)(٣)

والمنطق (الهيجلي) بما قام عليه من أساس الديالكتيك والتناقض ، يعتبر في النقطة المقابلة للمنطق الكلاسيكي ، أو المنطق البشري العامّ تماماً ؛ ذلك أنّ

____________________

(١) في الطبعة الأُولى : به ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه(لجنة التحقيق)

(٢) و (٣) المادّية والمثالية في الفلسفة : ٨٣

٢٤٨

المنطق العام يؤمن بمبدأ عدم التناقض ، ويعتبره المبدأ الأوّل الذي يجب أن تقوم كلّ معرفة على أساسه ، والمبدأ الضروري الذي لا يشذّ عنه شيء في دنيا الوجود ، ولا يمكن أن يبرهن على حقيقة مهما كانت لولاه

ويرفض المنطق (الهيجلي) هذا المبدأ كلّ الرفض ، ولا يكتفي بالتأكيد على إمكان التناقض ، بل يجعل التناقض ـ بدلاً عن سلبه ـ المبدأ الأوّل لكلّ معرفة صحيحة عن العالم ، والقانون العامّ الذي يفسّر الكون كلّه بمجموعة من التناقضات فكلّ قضية في الكون تعتبر إثباتاً ، وتثير نفيها في نفس الوقت ، ويأتلف الإثبات والنفي في إثبات جديد فالنهج المتناقض للديالكتيك أو الجدل الذي يحكم العالم ، يتضمّن ثلاث مراحل تُدعى : الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وفي تعبير آخر : الإثبات ، والنفي ، ونفي النفي(١) وبحكم هذا النهج الجدلي يكون كلّ شيء مجتمعاً مع نقيضه ، فهو ثابت ومنفي ، وموجود ومعدوم في وقت واحد

وقد ادّعى المنطق (الهيجلي) أنّه قضى ـ بما زعمه للوجود من جدل ـ على الخطوط الرئيسية للمنطق الكلاسيكي ، وهي ـ في زعمه ـ كما يأتي :

أوّلاً- مبدأ عدم التناقض وهو يعني : أنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يتّصف بصفة وبنقيض تلك الصفة في وقت واحد

ثانياً- مبدأ الهوية وهو المبدأ القائل : إنّ كلّ ماهية فهي ما هي بالضرورة ، ولا يمكن سلب الشيء عن ذاته

ثالثاً- مبدأ السكون والجمود في الطبيعة الذي يرى سلبية الطبيعة وثباتها ، وينفي الديناميكية عن دنيا المادّة

____________________

(١) Thesis ـ Antihesis ـ Synthesis

٢٤٩

فالمبدأ الأوّل لا موضع له في المنطق الجديد ما دام كلّ شيء قائماً في حقيقته على التناقض وإذا ساد التناقض كقانون عام ، فمن الطبيعي أن يسقط المبدأ الثاني للمنطق الكلاسيكي أيضاً ؛ فإنّ كلّ شيء تسلب عنه هويته في لحظة الإثبات بالذات ؛ لأنّه في صيرورة مستمرّة ، وما دام التناقض هو الجذر الأساسي لكلّ حقيقة ، فلا غرو فيما إذا كانت الحقيقة تعني شيئين متناقضين على طول الخطّ ولمّا كان هذا التناقض المركز في صميم كلّ حقيقة مثيراً لصراع دائم في جميع الأشياء ، والصراع يعني : الحركة والاندفاع ، فالطبيعة في نشاط وتطوّر دائم ، وفي اندفاعة وصيرورة مستمرّة

هذه هي الضربات التي زعم المنطق الديالكتيكي أنّه سدّدها إلى المنطق الإنساني العام ، والمفهوم المألوف للعالم الذي ارتكزت عليه الميتافيزيقية آلاف السنين

وتتلخّص الطريقة الجدلية لفهم الوجود في افتراض قضية أُولى ، وجعلها أصلاً ، ثمّ ينقلب هذا الأصل إلى نقيضه بحكم الصراع في المحتوى الداخلي بين المتناقضات ، ثمّ يأتلف النقيضان في وحدة ، وتصبح هذه الوحدة بدورها أصلاً ونقطة انطلاق جديد ، وهكذا يتكرّر هذا التطوّر الثلاثي تطوّراً لا نهاية له ولا حدّ ، يتسلسل مع الوجود ، ويمتدّ ما امتدّت ظواهره وحوادثه

وقد بدأ (هيجل) بالمفاهيم والمقولات العامّة ، فطبّق عليها الديالكتيك ، واستنبطها بطريقة جدلية قائمة على التناقض المتمثّل في الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وأشهر ثواليثه في هذا المجال وأوّلها هو : الثالوث الذي يبدأ من أبسط تلك المفاهيم وأعمّها ، وهو : مفهوم الوجود فالوجود موجود ، وهذا هو الإثبات أو الأطروحة ، بيد أنّه ليس شيئاً ؛ لأنّه قابل لأن يكون كلّ شيء فالدائرة وجود ، والمربّع ، والأبيض ، والأسود ، والنبات ، والحجر ، كلّ هذا هو موجود فليس

٢٥٠

- إذن- شيئاً محدّداً ، وهو بالتالي ليس موجوداً ، وهذا هو الطباق الذي أثارته الأطروحة ، وهكذا حصل التناقض في مفهوم الوجود ، ويحلّ هذا التناقض في التركيب بين الوجود واللاوجود الذي ينتج موجوداً لا يوجد على التمام ، أي : صيرورة وحركة ، وهكذا ينتج أنّ الوجود الحقّ هو الصيرورة

هذا مثال سقناه لنوضّح كيف يتسلسل أبو الجدل الحديث في استنباط المفاهيم العامّة من الأعمّ إلى الأخصّ ، ومن الأكثر خواءً وضعفاً ، إلى الأكثر ثراءً والأقرب إلى الواقع الخارجي

وليس هذا الجدل في استنباط المفاهيم عنده إلاّ انعاكساً لجدل الأشياء بذاتها في الواقع ، فإذا استثارت فكرة من الأفكار فكرة مقابلة لها ، فلأنّ الواقع الذي تمثّله هذه الفكرة يتطلّب الواقع المضادّ(١)

ونظرة بسيطة على الأطروحة ، والطباق والتركيب ، في قضية الوجود التي هي أشهر ثواليثه ، تدلّنا بوضوح على أنّ (هيجل) لم يفهم مبدأ عدم التناقض حق الفهم حين ألغاه ، ووضع موضعه مبدأ التناقض ولا أدري كيف يستطيع (هيجل) أن يشرح لنا التناقض ، أو النفي والإثبات المجتمعين في مفهوم الوجود ؟ إنّ مفهوم الوجود مفهوم عام دون شكّ ، وهو لذلك قابل لأن يكون كلّ شيء ، قابل لأن يكون نباتاً أو جماداً ، أبيض أو أسود ، دائرة أو مربّعاً ولكن هل معنى هذا : أنّ هذه الأضداد والأشياء المتقابلة مجتمعة كلّها في هذا المفهوم ، ليكون ملتقىً للنقائض والأضداد ؟ طبعاً لا ؛ فإنّ اجتماع الأمور المتقابلة في موضوع واحد شيء ، وإمكان صدق مفهوم واحد عليها شيء آخر فالوجود مفهوم ليس فيه من نقائض

____________________

(١) انظر للتفصيل : زكريا إبراهيم ، هيجل ، أو المثاليّة المطلقة : ١٣٨ ـ ١٧٢ إمام عبد الفتّاح إمام : هيجل / ج ١ (= المنهج الجدلي عند هيجل)

٢٥١

السواد والبياض ، أو النبات والجماد شيء ، وإنّما يصحّ أن يكون هذا أو ذاك ، لا أنّه هو هذا وذاك معاً في وقت واحد(١)

ولندع مقولات هيجل ، لندرس الجدل الماركسي في خطوطه العريضة التي وضع تصميمها الأساسي هيجل نفسه

والخطوط الأساسية أربعة ، وهي : حركة التطوّر ، وتناقضات التطوّر ، وقفزات التطوّر ، والإقرار بالارتباط العام

____________________

(١) أضف إلى ذلك : أنّ هذا التناقض المزعوم في ثالوث الوجود ، يرتكز على خلط آخر بين فكرة الشيء ، والواقع الموضوعي لذلك الشيء ؛ فإنّ مفهوم الوجود ليس إلاّ عبارة عن فكرة الوجود في أذهاننا ، وهي غير الواقع الموضوعي للوجود وإذا ميّزنا بين فكرة الوجود وواقع الوجود زال التناقض ؛ فإنّ واقع الوجود معيّن ومحدود لا يمكن سلب صفة الوجود عنه مطلقاً ، وأمّا فكرتنا عن الوجود فهي ليست وجوداً واقعياً ، وإنّما هي المفهوم الذهني المأخوذ عنه (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٢

١- حركة التطوّر

قال ستالين :

(إنّ الديالكتيك ـ خلافاً للميتافيزية ـ لا يعتبر الطبيعة حالة سكون وجمود ، حالة ركود واستقرار ، بل يعتبرها حالة حركة وتغيّر دائمين ، حالة تجدّد وتطوّر لا ينقطعان ، ففيها دائماً شيء يولد ويتطوّر وشيء ينحلّ ويضمحلّ ولهذا تريد الطريقة الديالكتيكية أن لا يكتفى بالنظر إلى الحوادث من حيث علاقات بعضها ببعض ، ومن حيث تكييف بعضها لبعض بصورة متقابلة ، بل أن ينظر إليها ـ أيضاً ـ من حيث حركتها ، من حيث تغيّرها وتطوّرها ، من حيث ظهورها واختفائها)(١)

وقال أنجلز :

(ينبغي لنا ألاّ ننظر إلى العالم وكأنّه مركّب من أشياء ناجزة ، بل ينبغي أن ننظر إليه وكأنّه مركّب في أدمغتنا إنّ هذا المرور ينمّ عن تغيّر لا ينقطع من الصيرورة والانحلال ، حيث يشرق نهار النمو المتقدّم في النهاية رغم جميع الصدف الظاهرة والعودات إلى الوراء)(٢)

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ١٦

(٢) هذه هي الديالكتيكية : ٩٧ ـ ٩٨

٢٥٣

فكلّ شيء خاضع لقوانين التطوّر والصيرورة ، وليس لهذا التطوّر أو الصيرورة حدّ يتوقّف عنده ؛ لأنّ الحركة هي المسألة اللامتناهية للوجود كلّه

ويزعم الديالكتيكيون أنّهم وحدهم الذين يعتبرون الطبيعة حالة حركة وتغيّر دائمين وينعون على المنطق الميتافيزيقي والأسلوب التقليدي للتفكير طريقة دراسته للأشياء وفهمها ؛ إذ يفترض الطبيعة في حالة سكون وجمود مطلقين ، فهو لا يعكس الطبيعة على واقعها المتطوّر المتحرّك فالفرق بين المنطق الجدلي الذي يعتقد في الطبيعة حركة دائمة وصاعدة أبداً ، والمنطق الشكلي ـ في زعمهم ـ كالفرق بين شخصين أرادا أن يسبرا أغوار كائن حيّ في شتّى أدواره ، فأجرى كلّ منهما تجاربه عليه ، ثمّ وقف أحدهما يراقب تطوّره وحركته المستمرّة ، ويدرسه على ضوء تطوّراته كلّها ، واكتفى الآخر بالتجربة الأُولى معتقداً أنّ ذلك الكائن جامد في كيانه ، ثابت في هويّته وواقعه فالطبيعة برمّتها شأنها شأن هذا الكائن الحيّ ، من النبات أو الحيوان في تطوّره ونموّه ، فلا يواكبها الفكر إلاّ إذا جاراها في حركتها وتطوّرها

والواقع : أنّ قانون التطوّر الديالكتيكي الذي يعتبره الجدل الحديث من مميّزاته الأساسية ليس شيئاً جديداً في الفكر الإنساني ، وإنّما الجديد طابعه الديالكتيكي الذي يجب نزعه عنه ، كما سنعرف فهو في حدوده الصحيحة ينسجم مع المنطق العامّ ، ولا صلة له بالديالكتيك ، ولا فضل للديالكتيك في اكتشافه ، فليس علينا لأجل أن نقبل هذا القانون ، ونعرف سبق الميتافيزيقا إليه ، إلاّ أن نجرّده عن قالب التناقض ، وأساس الجدل القائم عليه في عرف الديالكتيك

إنّ الميتافيزيقي في زعم الديالكتيكي يعقتد أنّ الطبيعة جامدة يخيّم عليها السكون ، وأنّ كلّ شيء فيها ثابت لا يتغيّر ولا يتبدّل ، كأنّ الميتافيزيقي المسكين قد حُرِم من كلّ ألوان الإدراك ، وسُلِب منه الشعور والحسّ معاً ، فأصبح لا يحسّ

٢٥٤

ولا يشعر بما يشعر به جميع الناس وحتّى الأطفال من ضروب التغيّر والتبدّل في دنيا الطبيعة

ومن الواضح لدى كلّ أحد : أنّ الإيمان بوجود التغيّر في عالم الطبيعة مسألة لا تحتاج إلى دراسات علمية سابقة ، وليست موضعاً لخلاف أو نقاش ، وإنّما الجدير بالدرس هو ماهية هذا التغيّر ، ومدى عمقه وعمومه ؛ فإنّ التغيّر نحوان : أحدهما التعاقب البحت ، والآخر الحركة والتاريخ الفلسفي يروي صراعاً حادّاً لا في مسألة التغيّر بصورة عامّة ، بل في كنهه وتفسيره الفلسفي الدقيق ويدور الصراع حول الجواب عن الأسئلة التالية :

هل التغيّر الذي يطرأ على الجسم حين يطوي مسافةً ما ، عبارة عن وقفات متعدّدة في أماكن متعدّدة تعاقبت بسرعة ، فتكوّنت في الذهن فكرة الحركة ؟ أو أنّ مردّ هذا التغيّر إلى سير واحد متدرّج لا وقوف فيه ولا سكون ؟ وهل التغيّر الذي يطرأ على الماء حين تتضاعف حرارته وتشتدّ ، يعني مجموعة من الحرارات المتعاقبة ، يتلو بعضها بعضاً ؟ أو أنّه يعبّر عن حرارة واحدة تتكامل وتتحرّك وتترقّى درجتها ؟

وهكذا نواجه هذا السؤال في كلّ لون من ألوان التغيّر التي تحتاج إلى شرح فلسفي بأحد الوجهين الذين يقدّمهما السؤال

والتاريخ الإغريقي يحدّث عن بعض المدارس الفلسفية : أنّها أنكرت الحركة ، وأخذت بالتفسير الآخر للتغيّر الذي يردّ التغيّر إلى تعاقب أمور ساكنة ومن رجالات تلك المدرسة (زينون) الذي أكّد على أنّ حركة المسافر من أقصى الأرض إلى أقصاها ليست إلاّ سلسلة من سكنّات متعاقبة فهو لا يتصوّر التدرج في الوجود والتكامل فيه ، بل يرى كلّ ظاهرة ثابتة ، وأنّ التغيّر يحصل بتعاقب الأمور الثابتة ، لا بتطوّر الأمر الواحد وتدرّجه وعلى هذا تكون حركة الإنسان

٢٥٥

في مسافة ما عبارة عن وقوفه في المنطقة الأولى من تلك المسافة ، فوقوفه في النقطة الثانية ، ففي الثالثة ، وهكذا فإذا رأينا شخصين أحدهما واقف في نقطة معيّنة ، والآخر يمشي نحو اتّجاه خاصّ ، فكلاهما في رأي (زينون) واقف ساكن ، غير أنّ الأوّل ساكن في نقطة معيّنة على طول الخطّ ، وأمّا الآخر فله سكنات متعدّدة ؛ لتعدّد النقاط التي يطويها ، وله في كلّ لحظة مكانيّة خاصّة ، وهو في كلّ تلك اللحظات لا يختلف مطلقاً عن الشخص الأوّل الواقف في نقطة معيّنة ، فهما معاً ساكنان ، وإن كان سكون الأوّل مستمرّاً ، وسكون الثاني يتبدّل بسرعة إلى سكون آخر في نقطة أخرى من المسافة فالاختلاف بينهما هو الاختلاف بين سكون قصير الأمد وسكون طويل الأمد

هذا ما كان يحاوله (زينون) وبعض فلاسفة الإغريق وقد برهن على وجهه نظره بالأدلّة الأربعة المشهورة عنه التي لم يقدّر لها النجاح والتوفيق في الميدان الفلسفي ؛ لأنّ مدرسة أرسطو ـ وهي المدرسة الفلسفية الكبرى في العهد الإغريقي ـ آمنت بالحركة ، وردّت على تلك الأدلّة وزيّفتها ، وبرهنت على وجود الحركة والتطوّر في ظواهر الطبيعة وصفاتها ، بمعنى : أنّ الظاهرة الطبيعية قد لا توجد على التمام في لحظة ، بل توجد على التدريج وتستنفذ إمكاناتها شيئاً فشيئاً ، وبذلك يحصل التطوّر ويوجد التكامل فالماء حين تتضاعف حرارته لا يعني ذلك : أنّه في كلّ لحظة يستقبل حرارة بدرجة معيّنة ، توجد على التمام ثمّ تُفنى وتُخلق من جديد حرارة أخرى بدرجة جديدة ، بل محتوى تلك المضاعفة : أنّ حرارة واحدة وجدت في الماء ، ولكنّها لم توجد على التمام ، بمعنى : أنّها لم تستنفذ في لحظتها الأُولى كلّ طاقاتها وإمكاناتها ، ولذلك أخذت تستنفذ إمكاناتها بالتدريج ، وتترقّى بعد ذلك وتتطوّر وبالتعبير الفلسفي : أنّها حركة مستمرّة متصاعدة.

٢٥٦

ومن الواضح : أنّ التكامل ـ أو الحركة التطوّرية ـ لا يمكن أن يُفهم إلاّ على هذا الأساس ، وأمّا تتابع ظواهر متعدّدة يوجد كلّ واحدة منها بعد الظاهرة السابقة ، وتفسح المجال بفنائها لظاهرة جديدة ، فليس هذا نموّاً وتكاملاً ، وبالتالي ليس حركة ، وإنّما هو لون من التغيّر العامّ

فالحركة سير تدريجي للوجود ، وتطوّر للشيء في الدرجات التي تتّسع لها إمكاناته ؛ ولذلك حدّد المفهوم الفلسفي للحركة بأنّها خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجياً(١)

ويتركز هذا التحديد على الفكرة التي قدّمناها عن الحركة ، فإنّ الحركة ـ كما عرفنا ـ ليست عبارة عن فناء الشيء فناءً مطلقاً ووجود شيء آخر جديد ، وإنّما هي تطوّر الشيء في درجات الوجود فيجب ـ إذن ـ أن تحتوي كلّ حركة على وجود واحد مستمرّ منذ تنطلق إلى أن تتوقّف ، وهذا الوجود هو الذي يتحرّك ، بمعنى : أنّه يتدرّج ويثرى بصورة مستمرّة ، وكلّ درجة تعبّر عن مرحلة من مراحل ذلك الوجود الواحد ، وهذه المراحل إنّما توجد بالحركة ، فالشيء المتحرّك أو الوجود المتطوّر لا يملكها قبل الحركة وإلاّ لما وجدت حركة ، بل هو في لحظة الانطلاق يتمثّل لنا في قوىً وإمكانات ، وبالحركة تستنفذ تلك الإمكانات ، ويُستبدَل في كلّ درجة من درجات الحركة الإمكانُ بالواقع والقوّةُ بالفعليّة

فالماء قبل وضعه على النار لا يملك من الحرارة المحسوسة إلاّ إمكانها ، وهذا الإمكان الذي يملكه ليس إمكاناً لدرجة معيّنة من الحرارة ، بل هي بجميع درجاتها ـ التي تؤدّي إلى الحالة الغازية في النهاية ـ ممكنة للماء ، وحين يبدأ

____________________

(١) القوّة : عبارة عن إمكان الشيء ، والفعل : عبارة عن وجوده حقيقة (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٧

الماء بالانفعال والتأثّر بحرارة النار تبدأ حرارته بالحركة والتطوّر ، بمعنى : أنّ القوى والإمكانات التي كانت تملكها تتبدّل إلى حقيقة ، والماء في كلّ مرحلة من مراحل الحركة يخرج من إمكان إلى فعلية ، ولذلك تكون القوّة والفعلية متشابكتين في جميع أدوار الحركة ، وفي اللحظة التي تستنفذ جميع الإمكانات تقف الحركة

فالحركة ـ إذن ـ في كلّ مرحلة ذات لونين : فهي من ناحية فعلية وواقعية ؛ لأنّ الدرجة التي تسجّلها المرحلة موجودة بصورة واقعية وفعلية ومن ناحية أخرى هي إمكان وقوّة للدرجات الأخرى الصاعدة التي ينتظر من الحركة أن تسجّلها في مراحلها الجديدة فالماء في مثالنا إذا لاحظناه في لحظة معيّنة من الحركة ، نجد أنّه ساخن بالفعل بدرجة ثمانين مثلاً ، ولكنّه في نفس الوقت ينطوي على إمكان تخطّي هذه الدرجة ، وقوّة تطوّر للحرارة إلى أعلى ففعلية كلّ درجة في مرحلتها الخاصّة مقارنة لقوّة فنائها

ولنأخذ مثالاً أعمق للحركة ، وهو الكائن الحيّ الذي يتطوّر بحركة تدريجية ، فهو بويضة ، فنطفة ، فجنين ، فطفل ، فمراهق ، فراشد إنّ هذا الكائن في مرحلة محدودة من حركته هو نطفة بالفعل ، ولكنّه في نفس الوقت شيء آخر مقابل للنطفة وأرقى منها ، فهو جنين بالقوّة ، ومعنى هذا : أنّ الحركة في هذا الكائن قد ازدوجت فيها الفعلية والقوّة معاً فلو لم يكن في الكائن الحيّ قوّة درجة جديدة وإمكاناتها لما وجدت حركة ، ولو لم يكن شيئاً من الأشياء بالفعل لكان عدماً محضاً ، فلا توجد حركة أيضاً فالتطوّر يأتلف دائماً من شيء بالفعل وشيء بالقوّة وهكذا تستمرّ الحركة ما دام الشيء يحتوي على الفعلية والقوّة معاً ، على الوجود والإمكان معاً ، فإذا نفذ الإمكان ، ولم تبقَ في الشيء طاقة على درجة جديدة ، انتهى عمر الحركة

هذا هو معنى خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً ، أو تشابك القوّة

٢٥٨

والفعل أو اتّحادهما في الحركة

وهذا هو المفهوم الفلسفي الدقيق الذي تعطيه الفلسفة الميتافيزيقية للحركة ، وقد أخذته المادّية الديالكتيكية فلم تفهمه ولم تتبيّنه على وجهه الصحيح ، فزعمت أنّ الحركة لا تتمّ إلاّ بالتناقض ، التناقض المستمرّ في صميم الأشياء ، كما سوف نعرف عن قريب

وجاء بعد ذلك دور الفلسفة الإسلامية على يد الفيلسوف الإسلامي الكبير (صدر الدين الشيرازي) ، فوضع نظرية الحركة العامّة ، وبرهن فلسفياً على أنّ الحركة بمفهومها الدقيق الذي عرضناه ، لا تمسّ ظواهر الطبيعة وسطحها العرضي فحسب ، بل الحركة في تلك الظواهر ليست إلاّ جانباً من التطوّر يكشف عن جانب أعمق ، وهو التطوّر في صميم الطبيعة وحركتها الجوهرية ؛ ذلك أنّ الحركة السطحية في الظواهر لمّا كان معناها التجدّد والانقضاء ، فيجب لهذا أن تكون علّتها المباشرة أمراً متجدّداً غير ثابت الذات أيضاً ؛ لأنّ علّة الثابت ثابتة ، وعلّة المتغيّر المتجدّد متغيّرة متجدّدة ، فلا يمكن أن يكون السبب المباشر للحركة أمراً ثابتاً ، وإلاّ لم تنعدم أجزاء الحركة ، بل تصبح قراراً وسكوناً(١)

____________________

(١) ويتلخّص الاستدلال الرئيسي على الحركة الجوهرية بالأمرين التاليين :

الأوّل : أنّ العلّة المباشر للحركات العرضية والسطحية في الأجسام ـ من الميكانيكية والطبيعية ـ قوّة خاصّة قائمة بالجسم ، وهذا المعنى صادق حتّى على الحركات الآلية التي يبدو لأوّل وهلة أنّها منبثقة عن قوّة منفصلة ، كما إذا دفعت بجسم في خطّ أُفقي أو عمودي ، فإنّ المفهوم البدائي من هذه الحركة أنّها معلولة للدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، ولكنّ الواقع غير هذا ؛ فإنّ العامل الخارجي لم يكن إلاّ شرطاً من شروط الحركة وأمّا المحرّك الحقيقي فهو : القوّة القائمة بالجسم ، ولأجل ذلك كانت الحركة تستمرّ بعد انفصال الجسم

(*)

٢٥٩

.............................................

____________________

(*)

المتحرّك عن الدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، وكان الجهاز الميكانيكي المتحرّك يسير مقداراً ما بعد بطلان العامل الآلي المحرّك ، وعلى هذا الأساس وضع الميكانيك الحديث قانون القصور الذاتي القائل : إنّ الجسم إذا حُرِّك استمرّ في حركته ما لم يمنعه شيء خارجي عن مواصلة نشاطه الحركي غير أنّ هذا القانون أسيء استخدامه ؛ إذ اعتبر دليلاً على أنّ الحركة حين تنطلق لا تحتاج بعد ذلك إلى سبب خاصّ وعلّة معيّنة ، واتّخذ أداة للردّ على مبدأ العلّية وقوانينها

ولكنّ الصحيح : أنّ التجارب العلمية في الميكانيك الحديث ، إنّما تدلّ على أنّ العامل الخارجي المنفصل ليس هو العلّة الحقيقية للحركة ، وإلاّ لما استمرّت حركة الجسم بعد انفصال الجسم المتحرّك عن العامل الخارجي المستقلّ ويجب لهذا أن تكون العلّة المباشرة للحركة قوّة قائمة بالجسم ، وأن تكون العوامل الخارجية شرائط ومثيرات لتلك القوّة

الثاني : أنّ المعلول يجب أن يكون مناسباً للعلّة في الثبات والتجدّد ، فإذا كانت العلّة ثابتة كان المعلول ثابتاً ، وإذا كان المعلول متجدّداً ومتطوّراً كانت العلّة متجدّدة ومتطوّرة ومن الضروري على هذا الضوء أن تكون علّة الحركة متحرّكة ومتجدّدة ، طبقاً لتجدّد الحركة وتطوّرها نفسها ؛ إذ لو كانت علّة الحركة ثابتة ومستقرّة ، لكان كلّ ما يصدر منها ثابتاً ومستقرّاً ، فتعود الحركة سكوناً واستقراراً ، وهو يناقض معنى الحركة والتطوّر

وعلى أساس هذين الأمرين نستنتج :

أوّلاً : أنّ القوّة القائمة بالجسم والمحرّكة له ، قوّة متحرّكة ومتطوّرة ، فهذه القوّة بسبب تطوّرها تكون علّة للحركات العرضية والسطحية جميعاً ، وهي قوّة جوهرية ؛ إذ لا بدّ أن تنتهي إلى قوّة جوهرية ؛ لأنّ العرض يتقوّم بالجوهر وهكذا ثبتت الحركة الجوهرية في الطبيعة

ثانياً : أنّ الجسم يأتلف دائماً من مادّة تعرضها الحركات ، وقوّة جوهرية متطوّرة ،

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

شاء الله، والسلام على أنبياء الله ورسله، السلام(١) على رسول الله (وآله، السلام)(٢) على إبراهيم، والحمد لله ربّ العالمين.

فإذا دخلت المسجد، فانظر إلى الكعبة وقل: الحمد لله الذي عظمك وشرّفك وكرمك، وجعلك مثابة للناس وأمناً مباركاً وهدى للعالمين، ثم ارفع يديك وقل: اللهم إنّي أسألك في مقامي هذا، في أوّل مناسكي أن تقبل توبتي، وتجاوز عن خطيئتي، وتضع عنّي وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إنّي أشهد أن هذا بيتك الحرام، الذي جعلته مثابة للناس وأمناً مباركاً وهدى للعالمين.

٦ -( باب استحباب دخول المسجد الحرام من باب بني شيبة، والسواك عند إرادة الطواف والاستلام)

[١١٠٠٥] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وادخل المسجد من باب بني شيبة، فقل: بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

[١١٠٠٦] ٢ - الصدوق في المقنع: فإذا أردت أن تدخل المسجد الحرام، فادخل من باب بني شيبة بالسكينة والوقار وأنت حافٍ، فإنه من دخله بخشوع غفر له.

__________________

(١) في المصدر: والسلام.

(٢) وفيه: صلى‌الله‌عليه‌وآله والسلام.

باب ٦

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٧.

٢ - المقنع ص ٨٠.

٣٢١

٧ -( باب استحباب كسوة الكعبة)

[١١٠٠٧] ١ - علي بن الحسين المسعودي في إثبات الوصية: مرسلاً أن إسماعيلعليه‌السلام أوّل من ركب الخيل، وكسا البيت، ولبس العمائم، وأطعم الحاج.

٨ -( باب وجوب بناء الكعبة إن انهدمت، وكيفيّة بنائها)

[١١٠٠٨] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن أبي سلمة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « ان الله عزّوجلّ أنزل الحجر الأسود من الجنّة لآدمعليه‌السلام ، وكان البيت درّة بيضاء فرفعه الله إلى السماء، وبقي أساسه، فهو حيال هذا البيت، وقال: يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبداً، فأمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت على القواعد ».

[١١٠٠٩] ٢ - وعن عطا، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - في حديث طويل - قال: « إنّ الله أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك: أن اهبط إلى آدم وحوّاء فنحّهما عن مواضع قواعد بيتي، فإني أُريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي، فارفع أركان بيتي لملائكتي، ولخلقي من ولد آدم.

قال: فهبط جبرئيل على آدم وحوّاء فأخرجهما من الخيمة،

__________________

باب ٧

١ - إثبات الوصية ص ٣٥.

باب ٨

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٦٠ ح ٩٨.

٢ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٧ ح ٢١.

٣٢٢

ونحّاهما(١) عن ترعة(٢) البيت الحرام، ونحى الخيمة عن موضع الترعة، قال: ووضع آدم على الصفا، ووضع حوّاء على المروة، ورفع الخيمة إلى السماء، فقال آدم وحوّاء: يا جبرئيل أبسخطة من الله حوّلتنا(٣) أم برضى تقديراً من الله علينا؟ فقال لهما: لم يكن ذلك سخطاً من الله عليكما، ولكن الله لا يسأل عمّا يفعل، يا آدم إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك، ويطوفون نحول أركان البيت والخيمة، سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتاً على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور، فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور، فأوحى الله إليّ أن أنحيك وحوّاء، وارفع الخيمة إلى السماء » الخبر.

[١١٠١٠] ٣ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام - في حديث طويل، إلى أن قال -: « فلمّا بلغ إسماعيل مبلغ الرجال، أمر الله إبراهيمعليه‌السلام أن يبني البيت، فقال: يا ربّ في أيّ(١) بقعة؟ قال: في البقعة التي أنزلت على آدم القبّة فأضاء لها الحرم، فلم تزل القبة التي أنزلها الله تعالى على آدم قائمة، حتى كان أيّام الطوفان - أيام نوحعليه‌السلام - فلمّا غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة، وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت، فسمّيت البيت العتيق، لأنه أعتق من الغرق.

__________________

(١) في المصدر: ونهاهما.

(٢) الترعة: الدرجة، وقيل الروضة ..

والترعة: الباب. وقيل: الترعة المتن المرتفع من الأرض (لسان العرب ج ٨ ص ٣٣).

(٣) في المصدر زيادة: وفرقت بيننا.

٣ - تفسير القمي ج ١ ص ٦١.

(١) وفي نسخة: أية، (منه قدّه).

٣٢٣

فلما أمر الله عزّوجلّ إبراهيمعليه‌السلام أن يبني البيت، لم يدر في أيّ مكان يبنيه، فبعث الله تعالى جبرئيل فخطّ له موضع البيت، فأنزل الله تعالى عليه القواعد من الجنّة، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشدّ بياضاً من الثلج، فلمّا مسّته أيدي الكفّار اسودّ، فبنى إبراهيمعليه‌السلام البيت، ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى، فرفعه في السماء تسعة أذرع، ثم دلّه على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيمعليه‌السلام ، ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن.

فلما بنى جعل له بابين: باباً إلى المشرق، وباباُ إلى المغرب، والباب الذي إلى المغرب يسمّى المستجار، ثم ألقى عليه الشجر والإذخر، وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها، وكان يكونون تحته » الخبر.

[١١٠١١] ٤ - دعائم الإسلام: روينا عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه قال في قول الله عزّوجلّ:( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (١) ، قال: « كان في قولهم هذا منة على الله لعبادتهم، وإنّما قال ذلك بعض الملائكة، لمّا عرفوا من حال من كان في الأرض من الجن قبل آدم، فأعرض الله عزّوجلّ عنهم، وخلق آدمعليه‌السلام وعلّمه الأسماء، ثم قال للملائكة:( أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ،

__________________

٤ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٩١.

(١) البقرة ٢: ٣٠.

٣٢٤

قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ ) (٢) ، قال لهم: اسجدوا لآدم فسجدوا، فقالوا في أنفسهم وهم سجود: ما كنّا نظنّ أنّ الله يخلق خلقاً أكرم عليه منّا، ونحن جيرانه وأقرب الخلق إليه، فلمّا رفعوا رؤوسهم، قال الله عزّوجلّ:( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) (٢) يعني ما أبدوه بقولهم:( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) وما كتموه في أنفسهم، فقالوا: ما ظنّنا أنّ الله يخلق خلقاً أكرم عليه منّا، فعلموا أنّهم قد وقعوا في الخطيئة، فلاذوا بالعرش وطافوا حوله يسترضون ربّهم، ورضي عنهم.

وأمر الله الملائكة أن تبني في الأرض بيتاً، ليطوف به من أصاب ذنباً من ولد آدمعليه‌السلام ، كما طافت الملائكة بعرشه، فيرضى عنهم كما رضي عن ملائكته، فبنوا مكان البيت بيتاً رفع زمن الطوفان، فهو في السماء الرابعة، يلجه كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً، وعلى أساسه وضع إبراهيمعليه‌السلام بناء البيت » الخبر.

[١١٠١٢] ٥ - وعن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « أوحى الله إلى إبراهيمعليه‌السلام : أن ابن لي بيتاً في الأرض تعبدني فيه، فضاق به ذرعاً، فبعث الله إليه(١) السكينة - وهي ريح لها رأسان يتبع أحدهما صاحبه - فدارت على أُسّ البيت الذي بنته الملائكة، فوضع إبراهيمعليه‌السلام البناء على كلّ شئ استقرت عليه السكينة، وكان إبراهيمعليه‌السلام يبني وإسماعيلعليه‌السلام يناوله

__________________

(٢) البقرة ٢: ٣١ ٣٣.

٥ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٩٢.

(١) أثبتناه من المصدر، وفي المخطوط: عليه.

٣٢٥

الحجارة، ويرفع إليه القواعد، فلمّا صار إلى مكان الركن الأسود، قال إبراهيم لإسماعيل: أعطني حجراً لهذا الموضع، فلم يجده [ وتلكأ ](٢) قال: اذهب فاطلبه، فذهب ليأتيه به، فأتاه جبرئيلعليه‌السلام بالحجر الأسود، فجاء إسماعيل وقد وضعه [ إبراهيم ](٣) موضعه، فقال: من جاءك بهذا؟ فقال: من لم يتّكل على بنائك، فمكث البيت حيناً فانهدم، فبنته العمالقة، ثم مكث حيناً فانهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبنته قريش، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذٍ غلام قد نشأ على الطهارة وأخلاق الأنبياء، فكانوا يدعونه الأمين، فلمّا انتهوا إلى موضع الحجر، أراد كلّ بطن من قريش أن يلي رفعه ووضعه موضعه، فاختلفوا في ذلك، ثم اتفقوا على أن يحكّموا في ذلك أوّل من يطلع عليهم، فكان ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا: هذا الأمين قد طلع، وأخبروه بالخبر، فانتزعصلى‌الله‌عليه‌وآله إزاره (ودعا بثوب فوضع)(٤) الحجر فيه، وقال: يأخذ من كلّ بطن من قريش رجل بحاشية الثوب وارفعوا معاً، فأعجبهم ما حكم به وأرضاهم، وفعلوا حتى إذا صار إلى موضعه، وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

[١١٠١٣] ٦ - سعيد بن هبة الله الراوندي في قصص الأنبياء: بإسناده إلى الصدوق، بإسناده(١) عن إبراهيم بن محرز، (عن أبي حمزة)(٢) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « إن آدمعليه‌السلام نزل

__________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) في المصدر: ووضع.

٦ - قصص الأنبياء ص ١٩، وعنه في البحار ج ١١ ص ١٨٠ ح ٣٢.

(١) في المصدر زيادة: عن أبي بصير.

(٢) ليس في المصدر.

٣٢٦

بالهند، فبنى الله تعالى له البيت، وأمره أن يأتيه » الخبر.

[١١٠١٤] ٧ - وبإسناده إلى الصدوق، بإسناده إلى وهب، قال: كان مهبط آدمعليه‌السلام على جبل في شرقي أرض الهند يقال له: باسم، ثم أمره أن يسير إلى مكّة، فطوى له الأرض فصار على كلّ مفازة يمرّ به خطوة، ولم يقع قدمه على شئ من الأرض إلّا صار عمراناً، وبكى على الجنّة مائتي سنة، فعزّاه الله بخيمة من خيام الجنّة فوضعها له بمكّة في موضع الكعبة، وتلك الخيمة من ياقوتة حمراء، لها بابان شرقي وغربي من ذهب، منظومان معلّق فيها ثلاث قناديل من تبر الجنّة تلتهب نوراً، ونزل الركن وهو ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنّة، وكان كرسيّاً لآدمعليه‌السلام يجلس عليه، وإنّ خيمة آدم لم تزل(١) في مكانها حتى قبضه الله تعالى إليه، ثم رفعها الله تعالى إليه، وبنى بنو آدم في موضعها بيتاً من الطين والحجارة، ولم يزل معموراً، وأُعتق من الغرق، ولم (يجر به)(٢) الماء حتى ابتعث الله إبراهيمعليه‌السلام .

[١١٠١٥] ٨ - وفي كتاب الخرائج: روي أن الحجاج بن يوسف لمّا خرّب الكعبة بسبب مقاتلة عبد الله بن الزبير، ثم عمروها، فلمّا أُعيد البيت وأرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود، فكلّما نصبه عالم من علمائهم، أو قاض من قضاتهم، أو زاهد من زهّادهم يتزلزل ويضطرب، ولا يستقر الحجر في مكانه فجاء علي بن الحسينعليهما‌السلام وأخذه من

__________________

٧ - قصص الأنبياء ص ٤٥، وعنه في البحار ج ١١ ص ٢١١ ح ١٧.

(١) أثبتناه من المصدر، وفي المخطوط: يزل.

(٢) في المصدر: يخربه.

٨ - الخرائج والجرائح ص ٧٠.

٣٢٧

أيديهم، وسمّى الله ونصبه فاستقر في مكانه، وكبّر الناس، ولقد أُلهم الفرزدق في قوله:

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

 [١١٠١٦] ٩ - وفي فقه القرآن: عن الباقرعليه‌السلام ، أنه قال: « إنّ الله وضع تحت العرش أربعة أساطين، وسمّاه الضراح، وهو البيت المعمور، قال للملائكة: طوفوا به، ثم بعث ملائكة، فقال لهم: أبنوا في الأرض بيتاً بمثاله وقدره، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به، وقال: ولمّا أهبط الله آدم من الجنّة قال: إنّي منزل معك بيتاً تطوف حوله كما يطاف حول عرشي، وتصلّي عنده كما يصلّى عند عرشي، فلمّا كان زمن الطوفان رفع، فكانت الأنبياءعليهم‌السلام يحجّونه ولا يعلمون مكانه، حتى بوّأه الله لإبراهيمعليه‌السلام فأعلمه مكانه، فبناه من خمسة أجبل من حراء، وثبير، ولبنان، وجبل الطور، وجبل الحمر ».

وروي أن آدم بناه ثم عفّى أثره فجدّده إبراهيمعليه‌السلام .

[١١٠١٧] ١٠ - البحار، عن العلل لعلي بن محمّد بن إبراهيم: سأل رجل من اليهود، رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: أخبرني عن الكلمات التي علّمها الله إبراهيم حيث بنى البيت، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم، هي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر ».

__________________

٩ - فقه القرآن ج ١ ص ٢٩٢.

١٠ - البحار ج ٩٩ ص ٦٥ ح ٤٨.

٣٢٨

٩ -( باب وجوب احترام الحرم، وحكم صيده وشجره)

[١١٠١٨] ١ - علي بن إبراهيم في تفسيره: [ حدثني أبي ](١) ، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إن آدم بقي على الصفا أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة، وعلى خروجه(٢٢) من جوار الله عزّوجلّ، فنزل عليه جبرئيل فقال: يا آدم مالك تبكي؟ قال: يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد أخرجني الله(٣) من جواره، وأهبطني إلى الدنيا، قال: يا آدم تب إليه، قال: وكيف أتوب؟ فأنزل الله عليه قبّة من نور في موضع البيت، فسطع نورها في جبال مكّة، فهو الحرم، فأمر الله جبرئيل أن يضع عليه الاعلام » الخبر.

[١١٠١٩] ٢ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن جابر الجعفي، عن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال في حديث يأتي: « وكان نور القناديل يبلغ إلى موضع الحرم، وكان أكبر القناديل مقام إبراهيمعليه‌السلام ، فكان القناديل ثلاثمائة وستين قنديلاً » الخبر.

[١١٠٢٠] ٣ - وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قلت: أرأيت قوله:( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) البيت عنى، أو

__________________

باب ٩

١ - تفسير القمي ج ١ ص ٤٤.

(١) أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال، راجع معجم رجال الحديث ج ١٤ ص ٢٨٨.

(٢) في المصدر زيادة: من الجنّة.

(٣) في المصدر زيادة: من الجنّة.

٢ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٩ ح ٢٢.

٣ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٨٩ ح ١٠١.

٣٢٩

الحرم؟ قال: « من دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمن - إلى أن قال - ومن دخل الحرم من الوحش والسباع، والطير، فهو آمن من أن يهاج أو يؤذى، حتى يخرج من الحرم ».

[١١٠٢١] ٤ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن علي بن الحسينعليهما‌السلام أنه قال: « كان آدمعليه‌السلام لمّا أراد أن يغشى حوّاء خرج بها من الحرم، ثم كانا يغتسلان ويرجعان إلى الحرم ».

[١١٠٢٢] ٥ - البحار، عن الدر المنثور للسيوطي: عن تاريخ الخطيب، عن يحيى بن أكثم، أنه قال في مجلس الواثق: من حلق رأس آدم حين حجّ؟ فتعايا الفقهاء عن الجواب، فقال الواثق: أنا أُحضر من ينبئكم بالخبر، فبعث إلى علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفرعليهم‌السلام [ فسأله ](١) فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، عن جدّه، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمر جبرئيل أن ينزل ياقوتة من الجنّة، فهبط بها فمسح بها رأس آدم، فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرماً ».

[١١٠٢٣] ٦ - دعائم الإسلام: روينا عن علي بن الحسين (صلوات الله عليهما): أنه نظر إلى حمام مكّة، فقال: « هل تدرون ما أصل كون هذا الحمام بالحرم؟ » فقالوا: أنت أعلم يا ابن رسول الله، فأخبرنا، قال: « كان فيما مضى رجل قد آوى إلى داره حمام فاتخذ عشّاً في خرق في جذع نخلة كانت في داره، فكان الرجل ينظر إلى فراخه فإذا همّت

__________________

٤ - المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٦٠.

٥ - البحار ج ٩٩ ص ٥٠ ح ٥٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٦ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٦ ح ١٢٦٧.

٣٣٠

بالطيران رقى إليها فأخذها فذبحها، والحمام ينظر إلى ذلك، فيحزن(١) له حزناً عظيماً، فمرّ له على ذلك دهر طويل لا يطير له فرخ، فشكا ذلك إلى الله عزّوجلّ، فقال الله تعالى: لئن عاد هذا العبد إلى ما يصنع بهذا الطائر لأُعجْلنّ منيته قبل أن يصل إليه.

فلمّا أفرخ الحمام واستوت أفراخه، صعد الرجل للعادة فلمّا ارتقى بعض النخلة وقف سائل ببابه، فنزل فأعطاه شيئاً، ثم ارتقى فأخذ الفراخ فذبحه [ والطير ينظر ما يحل به فقال: ما هذا يا ربّ ](٢) فقال الله عزّوجلّ: إنّ عبدي سبق بلائي بالصدقة، وهي تدفع البلاء، ولكنّي سأُعوض هذا الحمام عوضاً صالحاً، وأبقي له نسلاً لا ينقطع [ ما أقامت الدنيا فقال الطير ربِّ وعدتني بما وثقت بقولك وانك لا تخلف الميعاد ](٣) ، فألهمه(٤) عزّوجلّ المصير إلى هذا الحرم، وحرّم صيده، فأكثر ما ترون من نسله وهو أوّل حمام سكن الحرم ».

[١١٠٢٤] ٧ - أحمد بن محمّد بن فهد الحلي يفي كتاب التحصين: نقلاً من كتاب المنبئ عن زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بإسناده عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال في جملة كلام له في وصف إخوانه الذين يأتون من بعده: « يا أبا ذر لو [ أن ](١) أحداً منهم يسبّح تسبيحة خير له من أن يصير له جبال الدنيا ذهباً، ونظرة إلى واحد منهم أحبّ إليّ من نظرة إلى بيت الله الحرام، ولواحد منهم يموت في شدّة بين

__________________

(١) في المخطوط: وتحزن، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) في المصدر: فحينئذ ألهمه الله.

٧ - التحصين ص ١١.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣٣١

أصحابه (له حجّ مقبول)(٢) بين الركن والمقام، وله أجر من يموت في حرم الله، ومن مات في حرم الله آمنه الله من الفزع الأكبر، وأدخله الجنّة » الخبر.

١٠ -( باب حكم من جنى ثم لجأ إلى الحرم، لم يقم عليه حدّ ولا قصاص ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى، حتى يخرج، فإن جنى في الحرم أُقيم عليه الحدّ فيه، وعدم جواز التحصّن بالحرم)

[١١٠٢٥] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمّد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من قتل قتيلاً وأذنب ذنباً ثم لجأ إلى الحرم فقد أمن، لا يقاد فيه ما دام في الحرم، ولا يؤخذ، ولا يؤذى [ ولا يؤوى ](١) ، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يبايع، ولا يضيف، ولا يضاف ».

[١١٠٢٦] ٢ - وبهذا الإسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، على من أحدث في الإسلام حدثاً - يعني يحدث في الحلّ فيلجأ إلى الحرم - فلا يؤويه أحد، ولا ينصره، ولا يضيفه حتى يخرج إلى الحل فيقام عليه الحدّ ».

__________________

(٢) وفيه: إلّا كان له أجر مقتول.

الباب ١

١ - الجعفريات ص ٧١.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - الجعفريات ص ٧١.

٣٣٢

[١١٠٢٧] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « إن كان لك على رجل حقّ فوجدته بمكّة، أو في الحرم فلا تطالبه، ولا تسلم عليه فتفزعه، إلّا أن تكون أعطيته(١) حقّك في الحرم فلا بأس أن تطالبه في الحرم ».

وفي بعض نسخه(٢) : « ومن قتل رجلاً في الحلّ ثم دخل الحرم، لم يقتل ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يؤوى، حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ.

ومن قتل في الحرم أُقيم عليه الحدّ في الحرم، لأنه لم يرع للحرم(٣) حرمة، قال الله تعالى:( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) (٤) وقال:( فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٥) ».

[١١٠٢٨] ٤ - دعائم الإسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : أنه سئل عن فرجل قتل أو سرق ثم لجأ إلى الحرم؟ قال: « لا يؤوى ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يبايع، فإذا خرج إلى الحلّ أُقيم عليه الحدّ ».

__________________

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٣.

(١) في المخطوط: أعطيت، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) بعض نسخ الرضوي ص ٧٤ « والمتضمنة في كتاب نوادر أحمد بن عيسى » وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥٦.

(٣) في المخطوط « في الحرم » وما أثبتناه من المصدر والبحار.

(٤) البقرة ٢: ١٩٤.

(٥) البقرة ٢: ١٩٣.

٤ - دعائم الإسلام.

٣٣٣

١١ -( باب استحباب المجاورة بمكّة، مع التحول في أثناء السنة)

[١١٠٢٩] ١ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في مكّة: « ما أطيبك من بلد! وأحبّك إليّ! ولولا أنّ قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ».

[١١٠٣٠] ٢ - تفسير الإمامعليه‌السلام : (عن الحسن بن عليعليهما‌السلام )(١) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - في حديث يأتي(٢) - أنّه قال مشيراً إلى مكّة: « ولولا أن أهلك أخرجوني عنك، لمّا آثرت عليك بلداً، ولا ابتغيت عنك بدلا ».

١٢ -( باب وجوب احترام الكعبة وتعظيمها، وتحريم هدمها، وأذى مجاوريها)

[١١٠٣١] ١ - محمّد بن مسعود العياشي: عن زرارة: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: كنت عنده قاعداً خلف المقام، وهو محتب مستقبل القبلة، فقال: « [ أما ](١) النظر إليها عبادة، وما خلق الله بقعة من الأرض أحبّ إليه منها - ثم أهوى بيده إلى الكعبة - ولا أكرم عليه منها، ولها حرّم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات

__________________

الباب ١١

١ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٨٦ ح ٢٦٠.

٢ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢٣٠.

(١) في المصدر: قال علي بن الحسين عليهما‌السلام .

(٢) يأتي في الحديث ٤ من الباب ١٣ من هذه الأبواب.

باب ١٢

١ - تفسير العياش ج ٢ ص ٨٨ ح ٥٧.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣٣٤

والأرض، ثلاثة أشهر متوالية، وشهر مفرد للعمرة ».

[١١٠٣٢] ٢ - وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « كان الله تبارك وتعالى كما وصف نفسه، وكان عرشه على الماء، والماء على الهواء(١) لا يجزي ولم يكن غير الماء خلق، والماء يومئذٍ عذب فرات، فلمّا أراد الله أن يخلق الأرض، أمر الرياح الأربع فضربن الماء حتى صار موجاً، ثم أزبد زبدة واحدة فجمعه في موضع البيت، فأمر الله فصار جبلاً من زبد، ثم دحا الأرض من تحته، ثم قال:( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) (٢) الآية ».

[١١٠٣٣] ٣ - عن الحلبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إنه وجد في حجر من حجرات البيت مكتوباً: إنّي أنا الله ذو بكّة(١) خلقتها يوم خلقت السماوات والأرض، ويوم خلقت الشمس والقمر، وخلقت الجبلين، وحففتهما بسبعة أملاك حفيفاً، وفي حجر آخر: هذا بيت الله الحرام ببكة، تكفّل الله برزق أهله من ثلاثة سبل مبارك لهم في اللحم والماء، أوّل من نحله إبراهيمعليه‌السلام ».

[١١٠٣٤] ٤ - وعن جابر الجعفي، عن أبي جعفر(١) ، عن آبائه

__________________

٢ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٨٦ ح ٩١.

(١) في المصدر زيادة: والهواء.

(٢) آل عمران ٣: ٩٦.

٣ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٨٧ ح ٩٧.

(١) قال ابن الأثير في النهاية: قبل بكة موضع البيت ومكة سائر البلد وقيل هما اسم البلدة والباء والميم للتعاقب. وسميت بكّة لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها وقيل لأن الناس يبك بعضهم بعضاً في الطواف أي يزحم ويدفع (النهاية ج ١ ص ١٥٠).

٤ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٩ ح ٢٢، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٦٣ ح ٣٩.

٣٣٥

عليهم‌السلام ، قال: « إنّ الله اختار من الأرض جميعاً مكّة، واختار من مكّة بكّة، فأنزل في بكّة سرادقاً [ من نور ](٢) محفوفاً بالدر والياقوت، ثم أنزل في وسط السرادق عمداً أربعة، وجعل بين العمد الأربعة لؤلؤه بيضاء، وكان طولها سبعة أذرع في ترابيع البيت، وجعل فيها نوراً من نور السرادق بمنزلة القناديل، وكانت العمد أصلها في الثرى والرؤوس تحت العرش، وكان الربع الأول من زمرّد أخضر، والربع الثاني من ياقوت أحمر، والربع الثالث من لؤلؤ أبيض، والربع الرابع من نور ساطع، وكان البيت ينزل فيما بينهم مرتفعاً من الأرض، وكان نور القناديل يبلغ إلى موضع الحرم، وكان أكبر القناديل مقام إبراهيمعليه‌السلام ، فكان القناديل ثلاثمائة وستين قنديلاً، فالركن الأسود باب الرحمة إلى الركن الشامي فهو باب الإنابة، وباب الركن الشامي باب التوسل، وباب الركن اليماني باب التوبة، وهو باب آل محمّدعليهم‌السلام وشيعتهم إلى الحجر.

فهذا البيت حجّة الله في أرضه على خلقه، فلمّا هبط آدم إلى الأرض هبط إلى(٣) الصفا، ولذلك اشتقّ الله له اسماً من اسم آدم لقوله تعالى:( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ ) (٤) ونزلت حواء على المروة فاشتق الله له اسماً من اسم المرأة، وكان آدم نزل بمرآة(٥) من الجنّة، فلمّا لما يخلق آدم المرآة(٦) إلى جنب المقام، وكان يركن إليه، سأل ربّه أن يهبط البيت إلى

__________________

(١) في المصدر والبحار: عن جعفر بن محمّد عن آبائه.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر: على.

(٤) آل عمران ٣: ٣٣.

(٥) في المصدر: مرأة.

(٦) في المصدر: مرأة، وورد في هامش الطبعة الحجرية: كذا في نسخ =

٣٣٦

الأرض فأهبط فصار على وجه الأرض، فكان آدمعليه‌السلام يركن إليه، وكان ارتفاعها من الأرض سبعة أذرع، وكانت له أربعة أبواب، وكان عرضها خمسة وعشرين ذراعاً في خمسة وعشرين ذراعاً ترابيعه، وكان السرادق مائتي ذراع في مائتي ذراع ».

[١١٠٣٥] ٥ - وعن عطا، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث طويل في قصّة آدمعليه‌السلام ، - إلى أن قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وأوحى إلى جبرئيل أنا الله الرحمن الرحيم، وإني قد رحمت آدم وحوّاء لمّا شكيا إلي، فاهبط إليهما بخيمة من خيام الجنّة وعزّهما عني بفراق الجنّة، واجمع بينهما في الخيمة فإني قد رحمتهما لبكائهما، ووحشتهما، ووحدتهما، وانصب لهما الخيمة على الترعة التي بين جبال مكّة، قال: والترعة مكان البيت وقواعدها التي رفعتها الملائكة قبل ذلك.

فهبط جبرائيل على آدم بالخيمة، على مقدار أركان البيت وقواعده فنصبها، قال: وأنزل جبرئيل آدم من الصفا، وأنزل حوّاء من المروة، وجمع بينهما في الخيمة قال: وكان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر، فأضاء نوره ووضوءه جبال مكّة وما حولها، وامتد(١) ضوء العمود - إلى أن قال - ومدت أطناب الخيمة حولهما، فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام.

قال: وكانت أوتادها من غصون الجنّة، وأطنابها من ضفائر(٢)

__________________

= العياشي والبرهان والبحار.

٥ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦ ح ٢١.

(١) في المصدر: وكلّما امتد.

(٢) الضفيرة: نسج الشعر وغيره عريضاً (مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٧٤).

٣٣٧

الأرجوان(٣) ، قال: فأوحى الله إلى جبرئيل اهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها(٤) من مردة الجن، ويؤنسون آدم وحوّاء، ويطوفون حول الخيمة تعظيماً للبيت والخيمة.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين والعتاة، ويطوفون حول أركان البيت والخيمة كلّ يوم وليلة، كما يطوفون في السماء حول البيت المعمور، قال: وأركان البيت (في البيت)(٥) في الأرض حيال(٦) البيت المعمور الذي في السماء » الخبر.

[١١٠٣٦] ٦ - الشيخ المفيد في أماليه: عن علي بن بلال المهلبي، عن عبد الواحد بن عبد الله بن يونس، عن الحسين بن محمّد بن عامر، عن المعلّى، عن العمّيّ، عن جعفر بن بشير، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدهعليهم‌السلام ، قال: « لمّا قصد أبرهة بن الصباح ملك الحبشة لهدم البيت، تسرعت الحبشة فأغاروا عليها فأخذوا سرحاً(١) لعبد المطلب بن هاشم، فجاء عبد المطلب إلى الملك فاستأذن عليه، فأذن له وهو في قبّة ديباج على سرير له

__________________

(٣) الأرجُوان: بضم الهمزة وسكون الراء وضم الجيم: ورد أحمر شديد الحمرة يصبغ به (مجمع البحرين ج ٢ ص ٢٧٥).

(٤) في المصدر: يحرسونهما.

(٥) في المصدر: الحرام.

(٦) حياله: أي تلقاء وجهه (النهاية ج ١ ص ٤٧٠).

٦ - أمالي المفيد ص ٣١٢ ح ٥.

(١) السَّرح: الإبل السائمة التي ترعى بنفسها (مجمع البحرين ج ٢ ص ٣٧١).

٣٣٨

فسلم عليه فردّ أبرهة السلام - إلى أن قال - ثم قال لعبد المطلب: فيم جئت؟ فقد بلغني سخاؤك وكرمك وفضلك، ورأيت من هيبتك وجمالك وجلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك، فسلني ما شئت، وهو يرى أنه يسأله في الرجوع عن مكّة.

فقال له عبد المطلب: إن أصحابك غدوا على سرح لي فذهبوا به فمرهم بردّه علي.

قال: فتغيظ الحبشي من ذلك، وقال لعبد المطلب: لقد سقطت من عيني، جئتني تسألني في سرحك وأنا قد جئت لهدم شرفك، وشرف قومك، ومكرمتكم التي تتميّزون بها من كلّ جيل، وهو البيت الذي يحجّ إليه من كلّ صقع في الأرض، فتركت مسألتي في ذلك وسألتني في سرحك؟

فقال له عبد المطلب: لست بربّ البيت الذي قصدت لهدمه وأنا ربّ سرحي الذي أخذه أصحابك، فجئت أسألك فيما أنا ربّه، وللبيت ربّ هو أمنع [ له ](٢) من الخلق كلّهم، وأولى به منهم.

فقال الملك: ردّوا عليه سرحه [ وازحفوا إلى البيت فانقضوه حجراً حجراً، فأخذ عبد المطلب سرحه ](٣) وانصرف إلى مكّة، واتبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت، فكانوا إذا حملوا على دخول الحرم أناخ، وإذا تركوه رجع مهرولاً، فقال عبد المطلب لغلمانه ادعوا لي ابني فجيئ بالعباس، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني، فجيئ بأبي طالب، فقال: ليس هذا أريد، ادعوا لي ابني، فجيئ بعبد الله - أبي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلمّا أقبل إليه، قال: اذهب

__________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٣٣٩

يا بني حتى تصعد أبا قبيس، ثم اضرب ببصرك ناحية البحر فانظر أيّ شئ يجيئ من هناك، وخبّرني به.

قال: فصعد عبد الله أبا قبيس، فما لبث أن جاء طير أبابيل مثل السيل والليل، فسقط على أبي قبيس، ثم صار إلى البيت فطاف [ به ](٤) سبعاً، ثم صار إلى الصفا والمروة فطاف بهما سبعاً، فجاء عبد الله إلى أبيه فأخبره الخبر، فقال: انظر يا بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به.

فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة، فأخبر عبد المطلب بذلك، فخرج عبد الطلب وهو يقول: يا أهل مكّة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم، قال: فأتوا العسكر وهم أمثال الخشب النخرة، وليس من الطير إلّا ما(٥) معه ثلاثة أحجار في منقاره ويديه، يقتل بكل حصاة منها واحداً من القوم، فلمّا أتوا على جميعهم انصرف الطير، ولم ير قبل ذلك ولا بعده، فلمّا هلك القوم بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلّق بأستاره وقال:

يا حابس الفيل بذي المغمس

حبسته كأنه مكوس(٦)

في مجلس تزهق فيه الأنفس »

[١١٠٣٧] ٧ - أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد: عن الحسين بن عبيد الله الواسطي، عن التلعكبري، عن محمّد بن همام وأحمد بن هوذة جميعاً، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب،

__________________

(٤) أثبتناه من المصدر.

(٥) في المصدر: و.

(٦) كوّسته على رأسه: إذا قلبته وجعلت رأسه أسفله (مجمع البحرين ج ٤ ص ١٠٠).

٧ - كنز الفوائد ص ٨١.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469