بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة8%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 67284 / تحميل: 4011
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثامن

الشيخ محمد تقي الشيخ التّستري (الشوشتري)

١

الفصل الثالث و العشرون في عتاباتهعليه‌السلام لعمّاله و غيرهم و فيه حالات الاشعث و زياد و ابي موسى و أحوال ابن عباس و المنذر

٢

١ - الكتاب (٥) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى؟ أشعث بن قيس؟ عامل؟ أذربيجان؟:

وَ إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَ لَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ وَ لاَ تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَةٍ وَ فِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ وَ لَعَلِّي أَلاَّ أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِكَ لَكَ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: رواه نصر بن مزاحم في (صفينه) و ابن قتيبة في (خلفائه) و ابن عبد ربه في (عقده) مع زيادة قبله، ففي الأوّل محمّد بن عبيد اللّه عن الجرجاني قال لما بويع عليّ عليه السلام و كتب إلى العمال كتب إلى الأشعث مع زياد بن مرحب الهمداني و الأشعث على آذربيجان عامل لعثمان و كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الأشعث قبل ذلك «أما بعد لولا هنات فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس، و لعل أمرك يحمل بعضه بعضا ان اتقيت اللّه، ثم انه كان من بيعة

٣

الناس اياي ما قد بلغك، و كان طلحة و الزبير ممن بايعاني، ثم نقضا بيعتي على غير حدث، و سارا إلى البصرة، فسرت إليهما، فالتقينا، فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا منه، فأبوا، فأبلغت في الدعاء و أحسنت في البقية، و ان عملك ليس لك بطعمة الخ( ١) .

و مثله الثاني و الثالث مع اختلاف يسير، و زاد الاخير بعد «و أحسنت في البقيا»: «و أمرت أن لا يذفف على جريح، و لا يتبع منهزم، و لا يسلب قتيل، و من ألقى سلاحه و اغلق بابه فهو آمن( ٢) .

قول المصنف: (و من كتاب لهعليه‌السلام إلى الأشعث بن قيس) في (الاستيعاب): الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن ثور بن غفير بن عدي بن مرة بن ادد بن زيد الكندي و كندة ولد ثور بن عفير( ٣) .

و مثله في (ذيل الطبري)، لكن زاد بين الحارثين معاوية، كما أنه استقطا مرتعا قبل ثور، و قال (ثور بن مرتع بن كندة و اسمه ثور)( ٤ ) و مثل الذيل هشام الكلبي على نقل الاسد لكن قال: «ثور بن مرتع و اسمه عمرو بن معاوية بن ثور و هو كندة بن عفير»، و نسب إلى الاستيعاب مثله لكن الّذي وجدت ما عرفت( ٥) .

و كيف كان ففي (الأغاني): تنازع عمرو بن معديكرب و الأشعث بن

____________________

(١) وقعة صفين: ٢٠.

(٢) الامامة و السياسة ١: ٩١.

(٣) الاستيعاب ١: ١٠٩.

(٤) منتخب ذيل المذيل: ٤٤.

(٥) اسد الغابة ١: ٩٧ و ٩٨.

٤

قيس في شي‏ء، فقال عمرو للأشعث: نحن قتلنا أباك و نكنا امك.

(و هو عامل آذربيجان) هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن ميثم): «و هو عامله على آذربيجان»( ١) .

و كيف كان ففي (فتوح البلاذري): قال ابن الكلبي: ولّى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام آذربيجان سعيد بن سارية الخزاعي، ثم الأشعث بن قيس الكندي و فيه عن مشايخ من أهل آذربيجان قالوا: قدم الوليد بن عقبة أي في زمن عثمان آذربيجان و معه الأشعث بن قيس، فلما انصرف الوليد ولاه آذربيجان، فانتقضت فكتب إليه يستمده، فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة، فتتبع الأشعث حانا حانا، ففتحها على مثل صلح حذيفة و عتبة بن فرقد الخ( ٢) .

ثم ان (بلدان الحموي): نقل عن ابن المقفع في معنى «أذربيجان» أقوالا إلى أن قال و قال «آذر» اسم النار بالبهلوية و «بايكان» معناه الحافظ و الخازن، فكأن معنى «آذربيجان» بيت النار أو خازن النار، و هذا أشبه بالحق، لان بيوت النار في هذه الناحية كانت كثيرة( ٣) .

قلت: و يؤيده ما رواه البلاذري: ان المغيرة لما قدم الكوفة من قبل عمر كان معه كتابا من عمر إلى حذيفة و كان بنهاوند بولاية آذربيجان، فأنفذ الكتاب إليه، فسار حذيفة حتى أتى أردبيل و هي مدينة آذربيجان و بها مرزبانها و إليه جباية خراجها فصالحه المرزبان عن جميع أهل آذربيجان على ثمانمائة ألف درهم وزن ثمانية على

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٣، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٠، مثل المصرية.

(٢) فتوح البلدان: ٣٢٣ و ٣٢٤.

(٣) معجم البلدان ١: ١٢٨.

٥

أن لا يقتلوا و لا يهدم بيت نار الخ( ١) .

قولهعليه‌السلام «و ان عملك ليس لك بطعمة» كان عثمان عود الأشعث كون عمله طعمة له.

ففي (تاريخ الطبري) بعد ذكر شراء مصقلة سبي بني ناجية من عاملهعليه‌السلام ، و عتقه لهم بدون أخذ شي‏ء منهم، و عجزه عن أداء ثمنهم فقال مصقلة لذهل بن الحارث: و اللّه ان أمير المؤمنين يسألني هذا المال و الا أقدر عليه، أما و اللّه لو أن ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي. ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج آذربيجان مائة ألف في كل سنة الخ( ٢) .

كما أنه جعل أكثر البلاد طعمة لأقاربه، فقال سعيد بن العاص لما كان واليا على الكوفة من قبل عثمان في بعض الايام و كتب به إلى عثمان انما هذا السواد فطير لقريش. فقال له الأشتر: أ تجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا و مراكز رماحنا بستانا لك و لقومك.

«و لكنه في عنقك أمانة» يجب عليك ردها إلى أهلها «و أنت مسترعي لمن فوقك» الّذي ولاك و جعلك راعيا في بلد «ليس» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن ميثم) (و ليس)( ٣ ) «لك أن تفتات» افتعال من الفوت، أي:

تسبق إلى شي‏ء بدون مراجعة من فوقك «في رعية و لا تخاطر» أي: تقدم على عمل عظيم له خطر و قيمة «الا بوثيقة» و اطمينان بالنجاح.

«و في يديك مال من مال اللّه عزّ و جلّ» ممّا جباه من الخراج «و أنت من خزّانه»

____________________

(١) فتوح البلدان: ٣٢١.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ١٠٠، سنة ٣٨.

(٣) لم توجد الواو في شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٣، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٠.

٦

هكذا في (المصرية)، و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١ ) (من خزاني).

«حتى تسلمه إلي» فأضعه موضعه «و لعليّ لا أكون شر ولاتك» ولاّه عمر و عثمان قبل «لك» و زاد في رواية نصر «ان استقمت»( ٢) .

في (صفين نصر): لما كتبعليه‌السلام إلى الأشعث قال لاصحابه: ان كتابه قد أوحشني و هو آخذني بمال آذربيجان، و أنا لاحق بمعاوية، فقالوا له: الموت خير لك من ذلك، أ تدع مصرك و جماعة قومك و تكون ذنبا لأهل الشام، فسار حتى قدم عليه عليه السلام إلى أن قال و مما قيل على لسانه:

أنا الرسول رسول الوصي

عليّ المهذب من هاشم

رسول الوصيّ وصي النبيّ

و خير البرية من قائم

وزير النبي و ذو صهره

و خير البرية في العالم

له الفضل و السبق بالصالحات

لهدي النبيّ به ياتم

أجبنا عليّا بفضل له

و طاعة نصح له دائم

فقيه حليم له صولة

كليث عرين بها سائم( ٣)

٢ - الخطبة (١٩) و من كلام لهعليه‌السلام قاله للأشعث بن قيس و هو على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شي‏ء اعترضه الأشعث فيه فقال: يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك. فخفضعليه‌السلام إليه بصره ثم قال:

وَ مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ اَللَّهِ وَ لَعْنَةُ اَللاَّعِنِينَ حَائِكٌ اِبْنُ

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٣٣، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٠، مثل المصرية.

(٢) وقعة صفين: ٢١.

(٣) وقعة صفين: ٢٤.

٧

حَائِكٍ مُنَافِقٌ اِبْنُ كَافِرٍ وَ اَللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ اَلْكُفْرُ مَرَّةً وَ اَلْإِسْلاَمُ أُخْرَى فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لاَ حَسَبُكَ وَ إِنَّ اِمْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ اَلسَّيْفَ وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ اَلْحَتْفَ لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ اَلْأَقْرَبُ وَ لاَ يَأْمَنَهُ اَلْأَبْعَدُ قول المصنّف: (و من كلام لهعليه‌السلام قاله) هكذا في (المصرية) و كذا (ابن أبي الحديد) و لكن في نسخة ابن ميثم (خاطب به)( ١) .

(للأشعث) و في (ابن ميثم) (الأشعث)( ٢ ) . قال ابن أبي الحديد: اسمه كان معديكرب و كان أبدا أشعث الرأس، فغلب عليه الأشعث حتى نسي اسمه( ٣) .

(ابن قيس) قال ابن أبي الحديد: و يقال له الاشج لانه شجّ في بعض حروبهم( ٤ ) (و هو على منبر الكوفة يخطب) الناس (فمضى في بعض كلامه شي‏ء) هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)، و لكن في (ابن ميثم) (فمضى في كلامه شي‏ء)( ٥) .

(اعترضه الأشعث و قال: يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك فخفضعليه‌السلام إليه بصره ثم قال ما يدريك) و في ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ٦ ) (و ما يدريك).

«ما عليّ مما لي» قال ابن أبي الحديد: كان اعتراض الأشعث أنهعليه‌السلام لما خطب بعد انقضاء أمر الخوارج و ذكر امر الحكمين قام رجل و قال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فما ندري أي الأمرين أرشد. فصفقعليه‌السلام بإحدى يديه على الاخرى و قال: هذا جزاء من ترك العقدة، و كان مرادهعليه‌السلام هذا جزاؤكم إذ

____________________

(١) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢، مثل المصرية.

(٢) ان كان الفعل «خاطب به» يجب ان يكون المفعول بلا حرف جر و لكن الفعل في نسختنا «قاله» كما في المصرية و المفعول «للاشعث» راجع شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٢.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٢.

(٥) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢، مثل المصرية.

(٦) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩١ و شرح ابن ميثم ١: ٣٢٢، مثل المصرية.

٨

تركتم الرأي و الحزم، و أصررتم على اجابة القوم إلى التحكيم، فظن الأشعث أنه أراد هذا جزاي حيث تركت الرأي و الحزم و حكمت، فقال لهعليه‌السلام هذه عليك لا لك. و تبعه ابن ميثم و الخوئي( ١) .

قلت: لو كان راجع مستند العنوان لما قال ما قال، ففي (الأغاني) في امية ابن الاسكر عن ابن عمار و الجوهري عن ابن شبة عن محمّد بن أبي رجاء عن إبراهيم بن سعد، قال عبد اللّه بن عدي بن الخيار: شهدت الحكمين ثم أتيت الكوفة و كانت لي إلى عليّعليه‌السلام حاجة، فدخلت عليه، فلما رآني قال: مرحبا بك يا ابن ام قتال أ زائرا جئتنا ام لحاجة، فقلت: كلاهما جئت لحاجة، و أحببت أن أجدد بك عهدا، و سألته عن حديث فحدثني على ألا أحدث به، فبينا أنا يوما بالمسجد في الكوفة إذا هوعليه‌السلام متنكب قرنا له، فجعل يقول الصلاة جامعة و جلس على المنبر، فاجتمع الناس و جاء الأشعث فجلس، فقامعليه‌السلام و قال بعد الثناء: انكم تزعمون أن عندي من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما ليس عند الناس، ألا و انه ليس عندي الا ما في قرني هذا، ثم نكب كنانته، فأخرج منها صحيفة فيها «المسلمون تتكافأ دماؤهم، و هم يد على من سواهم، من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين».

فقال له الأشعث: هذه و اللّه عليك لا لك دعها تترحل، فخفضعليه‌السلام إليه بصره و قال: ما يدريك ما عليّ مما لي، عليك لعنة اللّه و لعنة اللاعنين، حائك ابن حائك، منافق ابن منافق كافر ابن كافر، و اللّه لقد أسرك الاسلام مرة و الكفر مرة، فلا فداك من واحد منهما حسبك و لا مالك. ثم رفع إلى بصره فقال: يا عبد اللّه:

أصبحت قنا لراعي الضان يلعب بي

ما ذا يريبك منّي راعي الضان

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٦، و شرح الخوئي ١: ٣٧٢.

٩

فقلت: بأبي أنت و أمي قد كنت و اللّه أحب أن اسمع هذا منك. قال: هو و اللّه ذلك. قال:

فما قيل لي بعدها من مقالة

و لا علقت مني جديد و لا درسا

و قال ابن أبي الحديد نفسه في شرح قولهعليه‌السلام «أما انه سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم» روى أبو بكر الهذلي عن الزهري عن عبيد اللّه بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف قال: قام الأشعث إلى عليّ فقال: ان الناس يزعمون ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك. فقال: انه عهد إليّ ما في قرابة سيفي لم يعهد إليّ غير ذلك. فقال الأشعث: هذه ان قلتها فهي عليك لا لك، دعها ترحل عنك. فقالعليه‌السلام له: و ما علمك بما عليّ مما لي، منافق ابن كافر حائك ابن حائك، اني لاجد منك بنة الغزل». ثم التفت إلى عبيد اللّه بن عدي فقال: انك لتسمع خلافا و ترى عجبا، ثم انشد:

أصبحت هزأ لراعي الضأن اتبعه

ما ذا يريبك منّي راعي الضان( ١)

ثم ان الخبر مجمل، لكن الظاهر ان مراد الأشعث بقوله «هذه عليك لا لك» انهعليه‌السلام لما قال عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله «من آوى محدثا» كان ممن آوى محدثا و هو قتلة عثمان، فغضب عليه السلام بأنهم لم يكونوا محدثين، كيف و أحدهم عمار الميزان بين الحق و الباطل و قال: قتلناه لانه أراد أن يغير ديننا( ٢ ) ، فولى مثل الوليد صلى سكران بالناس الصبح أربعا و نزل القرآن بفسقه( ٣ ) ، و ولي ابن عامر الّذي اباح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دمه، و منهم عمرو بن الحمق العابد الزاهد، و منهم محمّد ابن أبي بكر العارف المجتهد، و انما عثمان أحدث أحداثا استحق بها

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧٥.

(٢) وقعة صفين: ٣٣٩.

(٣) النظر إلى الآيتين الحجرات: ٦ و السجدة: ١٨.

١٠

القتل، و هذا من أوضح الواضحات عند جمهور المسلمين في زمان الصحابة و التابعين.

هذا، و اعتراضات الأشعث عليهعليه‌السلام كانت كثيرة و لم تنحصر بما في الخبر، و منها ما رواه ابن بابويه: انه جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأقر بالسرقة، فقال له: ا تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة. قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة. فقال الأشعث له: أ تعطل حدا من حدود اللّه؟ فقال له: و ما يدريك ما هذا إذا قامت البينة فليس للامام أن يعفو و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الامام ان شاء عفا و ان شاء قطع( ١) .

و منها ما رواه أبو الفرج في (مقاتله) عن موسى بن أبي النعمان أن الأشعث جاء إلى عليّعليه‌السلام يستأذن عليه، فرده قنبر فأدمى أنفه، فخرجعليه‌السلام و هو يقول: ما لي و لك يا أشعث، أما و اللّه لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيراتك قيل: يا أمير المؤمنين و من عبد ثقيف؟ قال: غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب الا أدخلهم ذلا. قيل: كم يلي و كم يمكث؟ قال: عشرين ان بلغها( ٢) .

و انما قالعليه‌السلام له «لو بعبد ثقيف تمرست» لأن الأشعث لم يدرك الحجاج، فقالوا مات بعدهعليه‌السلام بأربعين يوما، و انما تمرس ابن ابنه محمّد ابن عبد الرحمن بالحجاج، فاقشعرت شعيراته و فوقه، و قصته في خروجه معروفة.

و منها ما رواه أبو الفرج في (مقاتله) أيضا ان الأشعث دخل عليهعليه‌السلام فأغلظ له، فعرض له الأشعث بأن يفتك به، فقال له: أبا لموت تهددني فو اللّه

____________________

(١) اخرجه الصدوق في الفقيه ٤: ٤٤ ح ٩.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٢٠.

١١

ما أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ( ١) .

و روي ان ابن ملجم أتى إلى الأشعث في الليلة الّتي أراد أن يفتك بالإمامعليه‌السلام و الأشعث في بعض نواحي المسجد، فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم: النجا النجا فقد فضحك الصبح. فقال له حجر: قتلته يا أعور و خرج مبادرا إليهعليه‌السلام و سبقه ابن ملجم و ضربه( ٢) .

و روى المبرد: أن ابن ملجم بات تلك الليلة عند الأشعث، و ان حجرا سمعه يقول لابن ملجم: فضحك الصبح، فلما قالوا قتلعليه‌السلام قال: للاشعث:

قتلته يا أعور.

و قال: و يروى أن الّذي سمع ذلك من الأشعث عفيف بن قيس أخوه و انه قال: لاخيه: عن امرك كان هذا يا أعور( ٣) .

قلت: و لا تنافي بين الخبرين، و انه سمع ذلك من الأشعث حجر و أخوه و كل منهما قال: له: كنت دخيلا في دمهعليه‌السلام .

و منها ما رواه المبرد في (كامله) و العياشي في (تفسيره) و أبو عبيد القاسم بن سلام في غريبه و اللفظ للاول قال: أتى الأشعث يتخطى رقاب الناس و عليّعليه‌السلام على المنبر، فقال له: غلبتنا عليك هذه الحمراء على قربك، فركض عليعليه‌السلام المنبر برجله، فقال صعصعة بن صوحان العبدي: ما لنا و لهذا يعني الأشعث ليقولن أمير المؤمنين في العرب قولا لا يزال يذكر.

فقالعليه‌السلام : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمير، و يهجر قوم للذكر فيأمرني أن أطردهم، ما كنت أطردهم فأكون من الجاهلين، و الّذي فلق الحبة و برأ النسمة ليضربنكم على الدين عودا

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٢٠.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٢٠.

(٣) كامل المبرد ٧: ١٨٣.

١٢

كما ضربتموهم عليه بدءا.

قال: المبرد: الضياطرة جمع ضيطر و ضيطار، و هو الأحمر الفاحش.

و قال أبو عبيد «الحمراء» العجم و الموالي لأن الغالب على ألوانهم البياض و الحمرة، كما أن الغالب على العرب السمرة، و «الضياطرة» الضخام الذين لا نفع عندهم و لا غناء( ١) .

و منها ما رواه (خلفاء ابن قتيبة) انّهعليه‌السلام خطب بعد قتل الخوارج و حض الناس على حرب معاوية، فتخاذلوا فجعل يؤنّبهم و يشكو من تخاذلهم، فقام الأشعث فقال: فهلا فعلت كما فعل عثمان. فقالعليه‌السلام له: ويلك و كما فعل عثمان رأيتني فعلت، عائذا باللّه من شر ما تقول، و اللّه ان الّذي فعل عثمان لمخزاة على من لا دين له و لا حجّة معه، فكيف و أنا على بيّنة من ربي و الحق معي، و اللّه ان امرءا يمكّن عدوّه من نفسه فينهش عظمه و يسفك دمه لعظيم عجزه و ضعيف قلبه، أنت يا ابن قيس فكن ذلك، فأما أنا فو اللّه دون أن اعطي ذلك ضربا بالمشرفي يطير له فراش الرأس و تطيح منه الأكف و المعاصم و تجذّ به الغلاصم و يفعل اللّه بعد ذلك ما يشاء( ٢) .

و منها ما رواه الصدوق في (توحيده) أنّهعليه‌السلام خطب بعد بيعة الناس له و قال: سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سقط العلم، هذا لعاب النبيّ، هذا ما زقني النبيّ زقا فسلوني فان عندي علم الأولين و الآخرين الى أن قال فقام إليه الأشعث و قال: كيف تؤخذ الجزية من المجوس و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث اليهم نبي؟ فقالعليه‌السلام : بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث اليهم

____________________

(١) رواه المبرد في الكامل ٤: ٩٦، و العياشي في تفسيره ١: ٣٦٠ ج ٢٦٠، و أبو عبيد في غريب الحديث ٣: ٤٨٤، و الثقفي في الغارات ٢: ٤٩٨.

(٢) الامامة و السياسة ١: ١٥١.

١٣

رسولا حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته الى فراشه الخبر( ١) .

«عليك لعنة اللّه» و قد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه و سرت اللعنة في أعقابه، فروى (الكافي): ان الباقرعليه‌السلام قال لسدير: بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال و حسن تبعل، فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع. فقال: قد أصبتها جعلت فداك، فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث، فقالعليه‌السلام : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أقواما، فجرت اللعنة في أعقابهم الى يوم القيامة، و أنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار( ٢) .

و روى الكشي: ان رجلين من ولد الأشعث استأذنا على الصادقعليه‌السلام ، فلم يأذن لهما، فقيل له: ان لهما ميلا و مودة. فقالعليه‌السلام : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أقواما، فجرى اللعن فيهم و في أعقابهم الى يوم القيامة( ٣) .

حتى ان مسجده كان ملعونا، ففي الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام : ان بالكوفة مساجد ملعونة و مساجد مباركة الى أن قال و أما المساجد الملعونة فمسجد ثقيف و مسجد الأشعث الخبر.

و عنهعليه‌السلام : جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسينعليه‌السلام :

مسجد الأشعث، و مسجد جرير الخبر.

و عن الصادقعليه‌السلام : ان أمير المؤمنين نهى عن الصلاة بالكوفة في خمسة مساجد: مسجد الأشعث، و مسجد جرير، و مسجد سماك، و مسجد شبث و مسجد التيم( ٤) .

«و لعنة اللاعنين» قال: ابن أبي الحديد: قال الطبري في (تاريخه): كان

____________________

(١) توحيد الصدوق: ٣٠٤ ح ١.

(٢) الكافي ٥: ٥٦٩ ح ٥٦.

(٣) اختيار معرفة الرجال: ٤١٢ ح ٧٧٧.

(٤) الكافي ٣: ٤٨٩ و ٤٩٠ ح ١ ٣.

١٤

المسلمون يلعنون الأشعث، و يلعنه الكافرون أيضا و سبايا قومه( ١) .

«حائك ابن حائك» في السير كما قال ابن أبي الحديد في موضع آخر ان الأشعث خطب إليهعليه‌السلام ابنته فزبره و قال: يا ابن الحائك أغرك ابن أبي قحافة( ٢) .

و في (الأغاني): كان المغيرة و الأشعث و جرير يوما متوافقين بالكناسة، فطلع عليهم اعرابي، فقال لهم المغيرة: دعوني أحركه. قالوا: لا تفعل، فان للاعراب جوابا يؤثر. قال: لا بد. قالوا: فأنت أعلم. فقال له: يا اعرابي هل تعرف المغيرة؟ قال: نعم أعرفه أعور زانيا، فوجم ثم تجلد فقال: هل تعرف الأشعث قال: نعم ذاك رجل لا يعدي قومه لأنّه حائك ابن حائك.

قال ابن أبي الحديد: قالعليه‌السلام للأشعث «حائك ابن حائك» لأن أهل اليمن يعيرون بالحياكة، و ليس هذا ممّا يخص الأشعث. و من كلام خالد بن صفوان:

ما أقول في قوم ليس فيهم إلاّ حائك برد، أو دابغ جلد، أو سائس قرد، ملكتهم امرأة، و أغرقتهم فأرة، و دل عليهم هدهد( ٣) .

قلت: ان سلم ذلك فيه فلا يسلم في أبيه، بل فيه أيضا، ففي (النهاية): قال الأشعث لعليعليه‌السلام : ما أحسبنك عرفتني. فقال: بلى و اني لأجد بنة الغزل منك أي: ريح الغزل رماه بالحياكة.

قيل كان أبو الأشعث يولع بالنساجة، و في حديث عليعليه‌السلام أيضا قال للأشعث «ان أبا هذا كان ينسج الشمال باليمين» الشمال جمع شملة أي: الكساء، و قولهعليه‌السلام «الشمال بيمينه» من أحسن الألفاظ

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٥٤٨، سنة ١١، و شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٦.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧٥.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٩٧.

١٥

و ألطفها بلاغة و فصاحة الخ( ١) .

و استشهاده بكلام خالد في غير محله، لأنّه أراد الحائك حقيقة، لأنّه قسّم عملهم الى ثلاثة أشياء: الحياكة و الدباغة و ساسة القرد.

و مما يؤيد إرادة الحائكية حقيقة في الأشعث و أبيه انّهعليه‌السلام لم يكن كباقي الناس لا يبالون في أقوالهم عن تجاوز الحقيقة، و انهعليه‌السلام طعن في أبي موسى الأشعري بكونه ابن حائك دون ان يجعله حائكا، مع كون أبي موسى أيضا من أهل اليمن، فأي استبعاد أن يكون الأشعث قبل هجرته كأبيه حائكا.

و كلامهعليه‌السلام في أبي موسى ما رواه (المروج): انّهعليه‌السلام لما بلغه يوم الجمل ان أبا موسى يثبط الناس عنه كتب إليه «اعتزل عملنا يا ابن الحائك مذموما مدحورا، فما هذا بأوّل يومنا منك، و ان لك فينا لهنات و هنيات»( ٢) .

هذا، و أخذ بديع الزمان الهمذاني لفظهعليه‌السلام «حائك ابن حائك» في اظهاره توليهعليه‌السلام فقال كما في (تذكرة السبط) مخاطبا له:

يا دار منتجع الرسالة

بيت مختلف الملائك

يا ابن الفواطم و العواتك

و الترائك و الارائك

انا حائك ان لم أكن

مولى ولائك و ان حائك( ٣)

هذا، و أراد خالد القسري تصحيح نسبه في اليمن بكونه حائك ابن حائك، مع ان المشهور كون جدّه عبدا لأهل هجر، فروى أبو الفرج عن أبي عبيدة: ان الفرزدق أتى خالد بن عبد اللّه القسري يستحمله في ديات حملها، فقال له خالد: ايه يا فرزدق كأني بك قد قلت: «آتى الحائك ابن الحائك، فأخدعه

____________________

(١) النهاية ١: ١٥٧ مادة (بنّ)، و ٢: ٥٠٢ مادة (شمل).

(٢) مروج الذهب ٢: ٣٥٩.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٤.

١٦

عن ماله ان اعطاني، أو أذمه ان منعني» فأنا حائك ابن حائك و لست أعطيك شيئا، فاذممني كيف شئت، فهجاه الفرزدق.

و صنعة الحياكة صنعة مذمومة، قال الجاحظ في رسالته الى الفتح بن خاقان: ان أصحاب الخلقان و السماكين و النخاسين و الحاكة في كلّ بلد و من كلّ جنس شرار خلق اللّه في المبايعة و المعاملة، فعلمنا بذلك ان ذلك خلقة في هذه الصناعات، و بنية في هذه التجارات، حتى صاروا من بين جميع الناس كذلك.

و نقل الخوئي عن السيد الجزائري عن البهائي حديثا في ذم الحاكة لم ننقله لأنّه ركيك لا يبعد اختلاقه( ١) .

و في (المعجم): قال أبو هلال العسكري:

اذا كان مالي من يلتقط العجم

و حالي فيكم حال من حاك أو حجم

فأين انتفاعي بالاصالة و الحجى

و ما ربحت كفي من العلم و الحكم

و في (عيون القتيبي): قال كعب لا تستشيروا الحاكة، فان اللّه سلبهم عقولهم، و نزع البركة من كسبهم.

و في (تفسير القمي) في قوله تعالى: و هزي إليك بجذع النخلة( ٢ ) و نقله الخوئي أيضا ان النخلة كانت نخلة يابسة، فاستقبل مريم الحاكة على بغال شهب و كانت الحياكة أنبل صناعة ذاك اليوم فقالت لهم: أين النخلة اليابسة، فاستهزأوا بها و زجروها، فقالت لهم: جعل اللّه كسبكم نزرا، و جعلكم في الناس عارا، ثم استقبلها قوم من التجار، فدلوها على النخلة اليابسة، فقالت

____________________

(١) شرح الخوئي ١: ٣٧٣.

(٢) مريم: ٢٥.

١٧

لهم: جعل اللّه البركة في كسبكم، و أحوج الناس اليكم( ١) .

و ذكروا ان رجلا قال للأعمش: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ فقال:

لا بأس بها على غير الوضوء. قال: فما تقول في شهادته؟ فقال: تقبل مع شهادة عدلين.

هذا، و روى (الكافي) في باب كذبه أنّه ذكر لأبي عبد اللّهعليه‌السلام أن الحائك ملعون، فقال: انما ذاك الّذي يحوك الكذب على اللّه و رسوله( ٢) .

«منافق ابن كافر» في (المناقب): روى عن الحسنعليه‌السلام ان الأشعث بنى في داره مأذنة، فكان اذا سمع الأذان من جامع الكوفة يصيح من على مأذنته:

يا رجل انّك لكاذب ساحر يعني أمير المؤمنين( ٣) .

و روى يحيى بن عيسى الرملي و قد نقله ابن أبي الحديد عند قولهعليه‌السلام «أما انه سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم» عن الأعمش ان جريرا و الأشعث خرجا الى الجبان بالكوفة، فمر بهما ضب يعدو و هما في ذم علي فنادياه يا أبا حسل هلم يدك نبايعك بالخلافة، فبلغ عليّا قولهما فقال: أما انهما يحشران يوم القيامة و أمامهما ضب( ٤) .

و في (خلفاء ابن قتيبة) و غيره: قال أبو بكر في احتضاره: و اللّه ما آسي إلاّ على ثلاث فعلتهن ليتني كنت تركتهن و ثلاث تركتهن ليتني فعلتهن الى أن قال ليتني كنت حين أتيت بالأشعث أسيرا قتلته و لم استحيه، فاني سمعت منه و أراه لا يرى غيا و لا شرا إلاّ أعان عليه، و كان

____________________

(١) تفسير القمي ٢: ٤٩، و شرح الخوئي ١: ٣٧٣.

(٢) الكافي ٢: ٣٤٠ ح ١٠.

(٣) مناقب السروي ٢: ٢٦٣.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧٥.

١٨

أبو بكر عفا عنه و زوّجه بنته( ١) .

و في تاريخ الطبري في قصة التحكيم قال الأشعث و أولئك الذين صاروا خوارج بعد فانا قد رضينا بأبي موسى. قال علي: انكم عصيتموني في أول الأمر، فلا تعصوني الآن، اني لا أرى أن اولي أبا موسى. فقال الأشعث و نفران: لا نرضى إلا به، فانه كان يحذّرنا ما وقعنا فيه. قال علي: ليس أبو موسى لي بثقة قد فارقني و خذل الناس عني، و لكن هذا ابن عباس نوليه ذلك.

قالوا ما نبالي كنت أنت أم ابن عباس، لا نريد إلاّ رجلا هو منك و من معاوية سواء. فقال علي: فاني أجعل الأشتر. فقال الأشعث. و هل نحن إلاّ في حكم الأشتر. قال: علي: و ما حكمه؟ قال الأشعث: ان يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت و أراد، قال: فهل أبيتم إلاّ أبا موسى. قالوا: نعم. قال:

فاصنعوا ما أردتم الى أن قال لما كتبت الصحيفة قال الاشتر: لا صحبتني يميني و لا نفعتني بعدها شمالي ان خط لي في هذه الصحيفة اسم على صلح و لا موادعة، أو لست على بينة من ربي و ضلال عدوّي، أو لستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا على الخور. فقال له الأشعث: انك ما رأيت ظفرا و لا خورا هلم الينا، فانه لا رغبة بك عنّا. فقال له الاشتر: بلى و اللّه لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا، و في الآخرة للآخرة، و لقد سفك اللّه تعالى بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خيرا منهم و لا أحرم دما. فنظر الى الأشعث و كأنما قصع على أنفه الحمم( ٢) .

و يكفي في نفاقه شركته في دم أمير المؤمنينعليه‌السلام كما مر من

____________________

(١) رواه ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١: ١٨، و الطبري في تاريخه ٢: ٦١٩ سنة ١٣، و الجوهري في السقيفة: ٣٩ و غيرهم.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٦ و ٣٩، سنة ٣٧.

١٩

مساعدته ابن ملجم كما ان ابنته جعدة كانت قاتلة الحسنعليه‌السلام بسم أرسله اليها معاوية، و شرك ابنه محمّد بن الاشعث في دم مسلم بن عقيل قاتله فيمن قاتله، و أعطاه الأمان، و لم يدافع عنه حتى قتله ابن زياد، و شرك ابنه الآخر قيس بن الأشعث في دم الحسينعليه‌السلام ، مع انه كان ممن كتب إليه و دعاه، ثم شهد قتله و سلبه، ففي (تاريخ الطبري): نادى الحسينعليه‌السلام يوم الطف: يا قيس بن الأشعث و يا فلان و فلان ألم تكتبوا إليّ قد أينعت الثمار، و اخضرت الجناب، و طمت الجمام، و انما تقدم على جند لك مجند فأقبل؟ قالوا: لم نفعل.

قال: بلى و اللّه لقد فعلتم. ثم قال: اذ كرهتموني دعوني انصرف الى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك، فانهم لن يروك إلاّ ما تجب. فقال له الحسين: أنت أخو أخيك أ تريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا و اللّه لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل( ١) .

و فيه: لما قتل الحسينعليه‌السلام جاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ممّن قتل مع الحسين الى عبيد اللّه، و صاحبهم قيس بن الأشعث( ٢) .

و فيه: و أخذ قيس بن الأشعث بعد قتل الحسينعليه‌السلام قطيفته و كانت من خز و كان قيس يسمى بعد قيس قطيفة( ٣) .

و في (المقاتل): كانت اخته جعدة التي سمّت الحسنعليه‌السلام تسمّى بعد مسمة الأزواج( ٤) .

و في (تاريخ الطبري) في قصة من قتله مصعب من أصحاب المختار بعد قتله ثم مر عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بعبد اللّه بن قراد من

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٢٣، سنة ٦١.

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٨، سنة ٦١.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٤٦، سنة ٦١.

(٤) مقاتل الطالبيين: ٤٨.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا. هي حرام عليهما في حال الاضطرار. كما هي حرام عليهما في حال الاختيار.

وبالاضطرار يحلّ عموم المحرّمات، يدلّ عليه ما رواه.

في الكافي(١) : عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّجل والمرأة يذهب بصره، فيأتيه الأطبّاء، فيقولون: نداويك شهرا، أو أربعين ليلة مستقليا. كذلك يصلّي.

فرخّص في ذلك. وقال:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٢) : وفي رواية محمّد بن عمرو بن سعيد، رفعه، عن امرأة أتت عمر. فقالت: يا أمير المؤمنين! إنّى فجرت. فأقم عليّ(٣) حدّ الله ـ عزّ وجلّ.

فأمر برجمها. وكان [عليّ](٤) أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حاضرا. فقال: سلها كيف فجرت؟

فسألها. فقالت: كنت في فلاة من الأرض. فأصابني عطش شديد. فرفعت لي خيمة. فأتيتها. فأصبت فيها رجلا أعرابيّا فسألته ماء. فأبى عليّ أن يسقيني إلّا أكون(٥) أن أمكّنه من نفسي. فولّيت منه(٦) هاربة. فاشتدّ بي العطش، حتّى غارت عيناي وذهب لساني. فلمّا بلغ منّي العطش، أتيته فسقاني ووقع عليّ.

فقال عليّ ـ عليه السّلام: هي الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) . هذه غير باغية ولا عادية. فخلّى سبيلها.

فقال عمر: لولا عليّ لهلك عمر.

ويجب تناول المحرّم، عند الاضطرار.

قال الصّادق ـ عليه السّلام(٧) : من اضطرّ إلى الميتة والدّم ولحم الخنزير، فلم يأكل من ذلك حتّى يموت، فهو كافر.

( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في تناوله.

( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ ) لما فعل ،

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤١٠، ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٥، ح ٦٠.

(٣) المصدر: فيّ.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) ليس في المصدر. وعدم وجودها أبلغ.

(٦) المصدر: عنه. (ظ)

(٧) نفس المصدر ٣ / ٢١٨، ح ١٠٠٨.

٢٢١

( رَحِيمٌ ) (١٧٣)، بالرّخصة فيه.

فإن قلت: إنّما يفيد القصر على ما ذكر، وكم من محرّم لم يذكر.

قلت: المراد، قصر الحرمة على ما ذكر ممّا استحلّوه، لا مطلقا، أو قصر حرمته على حال الاختيار. كأنّه قيل: إنّما حرّم عليكم هذه الأشياء، ما لم تضطرّوا إليها.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) : عوضا حقيرا،( أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ) : إمّا في الحال، لأنّه أكلوا ما يتسبّب إلى النّار. أو في المآل، أي: يوم القيامة.

ومعنى «في بطونهم» ملئ بطونهم. يقال: أكل في بطنه، وأكل في بعض بطنه.

( وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) : عبارة عن غضبه عليهم.

( وَلا يُزَكِّيهِمْ ) : ولا يثني عليهم.

( وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) . (١٧٤)( أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى ) في الدّنيا.

( وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ ) في الآخرة، بكتمان الحقّ.

( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) (١٧٥) :

تعجّب من حالهم، في الالتباس بموجبات النّار، من غير مبالاة.

و «ما» تامّة مرفوعة بالابتداء. وتخصيصها كتخصيص شرّ أهرّ ذا ناب، أو استفهاميّة وما بعدها الخبر، أو موصولة وما بعدها صلة. والخبر محذوف.

وفي أصول الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد الله بن مسكان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) فقال: ما أصبرهم على فعل ما يعملون أنّه يصيّرهم إلى النّار.

وفي مجمع البيان(٢) : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) ، فيه أقوال: أحدها ـ أنّ معناه ما أجرأهم على النّار، رواه عليّ بن إبراهيم بإسناده، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٦٨، ح ٢.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٥٩.

٢٢٢

والثّاني ـ ما أعملهم بأعمال أهل النّار. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام.

( ذلِكَ ) ، أي: العذاب،( بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ ) ، أي: بسبب أنّ الله نزّل الكتاب بالحقّ، فرفضوه بالكتمان والتّكذيب.

( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ ) :

الّلام فيه إمّا للجنس واختلافهم إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض آخر، أو للعهد.

والإشارة، إمّا إلى التوراة، و «اختلفوا» بمعنى تخلّفوا. عن المنهج المستقيم، في تأويلها، أو خلّفوا خلاف ما أنزل الله مكانه، أي: حرّفوا فيها، أو «اختلفوا» بمعنى أنّ بعضهم آمنوا به وبعضهم حرّفوه عن مواضعه، وإمّا إلى القرآن. واختلافهم قولهم سحر وتقوّل وكلام علّمه بشر وأساطير الأوّلين.

( لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) (١٧٦): لفي خلاف بعيد عن الحق(١) .

( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) :

«البرّ»، كلّ فعل مرضيّ.

والخطاب لأهل الكتاب. فإنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة، حين حوّلت.

وادّعى كلّ طائفة أنّ البرّ هو التّوجّه إلى قبلته. فردّ الله عليهم. وقال ليس البرّ ما أنتم عليه.

فإنّه منسوخ. ولكن البرّ ما نبيّنه واتّبعه المؤمنون.

وقيل(٢) : عامّ لهم وللمسلمين، أي: ليس البرّ مقصورا بأمر القبلة، أو ليس البرّ العظيم الّذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها. وقرأ حمزة وحفص: ليس البرّ (بالنّصب(٣) .)( وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ ) ، أي: ولكنّ البرّ الّذي ينبغي أن يهتمّ به، برّ من آمن، أو لكنّ ذا البرّ من آمن. ويؤيّده قراءة: ولكنّ البارّ.

والمراد بالكتاب، الجنس، أو القرآن.

__________________

(١) «عن الحق»، ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٧.

(٣) «البرّ» هو منصوب. فعلى أيّ شيء نصبه حمزة وحفص. وهل المقصود في النصب، الإقامة والرفع؟

٢٢٣

وقرأ نافع وابن عامر: ولكن (بالتّخفيف.) ورفع البرّ.

( وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ) ، على حبّ المال، أو على حبّ الله، أو على حبّ الإيتاء.

والجارّ والمجرور، في موضع الحال.

( ذَوِي الْقُرْبى ) :

قدّمه لأنّه أفضل. كما روى عنه ـ عليه السّلام(١) : صدقتك على المسكين، صدقة، وعلى ذي رحمك، اثنتان صدقة وصلة.

وفي مجمع البيان(٢) : ذوي القربى، يحتمل أن يكون المراد(٣) قرابة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [كما في قوله(٤) :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ].(٥) وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام.

( وَالْيَتامى ) : جمع يتيم. وهو من الأطفال من فقد أبوه.

( وَالْمَساكِينَ ) : جمع المسكين. وهو الّذي أسكنته الخلّة. وأصله دائم السّكون، كالمسكير: دائم السّكر.

( وَابْنَ السَّبِيلِ ) : المسافر. سمّي به لملازمته السّبيل، كما سمّي القاطع، ابن الطّريق. وقيل(٦) : الضّيف.

( وَالسَّائِلِينَ ) : الّذين ألجأتهم(٧) الحاجة إلى السّؤال.

قال ـ عليه السّلام: للسّائل حقّ وإن جاء على فرسه.

وفي من لا يحضره الفقيه(٨) ، في الحقوق المرويّة، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام: وحقّ السّائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحقّ(٩) المسئول إن أعطى فاقبل منه بالشّكر والمعرفة بفضله. وإن منع فاقبل عذره.

( وَفِي الرِّقابِ ) : في تخليصها، كمعاونة المكاتبين وفكّ الأسارى وابتياع الرّقاب

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٧.

(٢) مجمع البيان ١ / ٢٦٣.

(٣) المصدر: أراد.

(٤) الشورى / ٢٣.

(٥) ليس في أ.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٩٨.

(٧) النسخ: ألجاهم.

(٨) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٩) المصدر: وأمّا حقّ.

٢٢٤

لعتقها.

( وَأَقامَ الصَّلاةَ ) المفروضة.( وَآتَى الزَّكاةَ ) :

المراد منها الزكاة المفروضة. والغرض من الأوّل، إمّا بيان مصارفها، أو نوافل الصّدقات.

( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) : عطف على( مَنْ آمَنَ ) .

( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) : نصب على المدح. ولم يعطف لفضل الصّبر على سائر الأعمال.

وعن الأزهريّ(١) : «البأساء» في الأموال، كالفقر. و «الضّرّاء» في الأنفس، كالمرض.

في عيون الأخبار(٢) ، بإسناده إلى الحارث بن الدّلهاث، مولى الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال: سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه ـ إلى قوله ـ وأمّا السّنّة من وليّه، فالصّبر(٣) على البأساء والضّرّاء. فإنّ الله يقول:( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ) قال: في الجوع والخوف والعطش والمرض.

( وَحِينَ الْبَأْسِ ) قال(٥) : عند القتل.

( أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) في الدّين واتّباع الحقّ وطلب البرّ.

( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (١٧٧) عن الكفر وسائر الرّذائل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ لأنّ هذه الشّروط، شروط الإيمان وصفات الكمال. وهي لا توجد إلّا فيه وفي ذرّيّته الطّيّبين ـ صلوات الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٩٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٠٠، ح ٩.

(٣) المصدر: في.

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٤.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٢٤٩.

٢٢٥

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) .: كان في الجاهليّة بين حيّين. من أحياء العرب دماء. وكان لأحدهما طول على الآخر. فأقسموا لنقتلنّ الحرّ منكم بالعبد والذّكر بالأنثى. فلمّا جاء الإسلام، تحاكموا إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فنزلت. وأمرهم ان يتباوؤا.

[وفي تفسير العيّاشيّ(١) : محمّد بن خالد البرقيّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ ) : هي لجماعة المسلمين. ما هي للمؤمنين خاصّة(٢) ](٣) .

وعن سماعة بن مهران(٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) فقال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا، ويغرّم دية العبد. وإن قتل رجل امرأة. فأراد(٥) اولياء المقتول أن يقتلوا، أدّوا نصف ديته إلى أهل الرّجل.

وفي تهذيب الأحكام(٦) : صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال: قلت: قول الله تعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ) .

قال: قال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا. ويغرّم ثمن العبد.

وفي مجمع البيان(٧) : نفس الرّجل، لا تساوي نفس المرأة. بل هي على النّصف منها. فيجب إذا أخذت النّفس الكاملة بالنّاقصة، أن يردّ فضل ما بينهما.

وكذلك رواه الطّبريّ في تفسيره(٨) ، عن عليّ ـ عليه السّلام.

وفيه(٩) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ / ٥٧، ح ١٥٩.

(٢) المصدر: ا هي جماعة المسلمين؟ قال: هي للمؤمنين خاصّة.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٥٧.

(٥) ر: فأرادوا.

(٦) تهذيب الأحكام ١٠ / ١٩١، ح ٧٥٤.

(٧) مجمع البيان ١ / ٢٦٥.

(٨) تفسير الطبري ٢ / ٦٢، باختلاف في اللفظ.

(٩) مجمع البيان ١ / ٢٦٥.

٢٢٦

شديدا، ويغرّم دية العبد.

( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) ، أي: شيء من العفو. لأنّ «عفا»(١) لازم. وفائدته الإشعار بأنّ بعض العفو كالعفو التّامّ، في إسقاط القصاص.

وقيل(٢) : «عفا» بمعنى ترك وشيء مفعول به. وهو ضعيف إذ لم يثبت. «عفا الشيء» بمعنى تركه. بل إعفاءه وعفا، يعدّى بعن الى الجاني والى الذّنب. قال الله تعالى(٣) :( عَفَا اللهُ عَنْكَ ) وقال عفا [الله](٤) عنها. وإذا عدّي به إلى الذّنب، عدّي إلى الجاني باللّام. وعليه ما في الآية. كأنّه قيل: فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه، يعني :

وليّ الدّم. وذكره بلفظ الأخوّة الثّابتة بينهما، من الجنسيّة والإسلام، ليرقّ له ويعطف عليه.

( فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ، أي: فليكن اتّباع أو فالأمر اتّباع.

والمراد: وصيّة العافي بأن يطالب الدّية بالمعروف، فلا يعنف. والمعفوّ عنه، بأن يؤدّيها بإحسان. وهو أن لا يمطل ولا يبخس.

وفي الكافي(٥) : عليّ بن إبراهيم عن أبيه(٦) ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) .

قال: ينبغي للّذي له الحقّ، أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية.

وينبغي للّذي عليه الحقّ، أن لا يمطل(٧) أخاه إذا قدر على ما يعطيه. ويؤدّي إليه بإحسان.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في(٨) قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) .

قال: هو الرّجل يقبل الدّية. فينبغي للطّالب أن يرفق به ولا يعسره. وينبغي للمطلوب أن يؤدّي إليه بإحسان(٩) ولا يمطله، إذا قدر.

__________________

(١) ر: العفو.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٩.

(٣) التوبة / ٤٣.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) الكافي ٧ / ٣٥٨، ح ١.

(٦) ليس في الأصل.

(٧) ر: لا يمطل عليه.

(٨) المصدر: عن.

(٩) «إليه بإحسان»، ليس في أ.

٢٢٧

أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ) ، ما ذلك الشيء؟

فقال: هو الرجل يقبل الدّية. فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ الرجل الّذي له الحقّ، أن يتّبعه بمعروف، ولا يعسره. وأمر الّذي عليه الحقّ، أي يؤدّي إليه بإحسان، إذا أيسر.

( ذلِكَ ) ، أي: الحكم المذكور في العفو والدّية،( تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) لما فيه من التّسهيل والنّفع.

وقيل(٢) : كتب على اليهود القصاص، وحده، وعلى النّصارى العفو، مطلقا.

وخيّرت هذه الأمّة بينهما، وبين الدّية، تيسيرا عليهم.

( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٧٨) :

وفي الحديث السّابق(٣) : قال سماعة: قلت: أرأيت قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

قال: هو الرّجل، يقبل الدّية، أو يصالح، ثمّ يجيء بعد، فيمثّل، أو يقتل. فوعده الله عذابا أليما.

عليّ بن ابراهيم(٤) ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

فقال: هو الرّجل يقبل الدّية، أو يعفو، أو يصالح، ثمّ يعتدي، فيقتل. فله عذاب أليم، كما قال الله ـ عزّ وجلّ.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) :

كلام في غاية الفصاحة والبلاغة. من حيث جعل الشيء محلّ ضدّه. وعرّف القصاص ونكّر الحياة، ليدلّ على أنّ في هذا الجنس من الحكم، نوعا من الحياة عظيما.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ ) يحتمل أن يكونا خبرين «لحياة»، وأن يكون أحدهما خبرا

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ٣٥٩، ح ٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٩.

(٣) الكافي ٧ / ٣٥٩، ح ٣.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٣٥٨، ح ١.

٢٢٨

والآخر صلة له، أو حالا عن الضّمير المستكنّ فيه.

وقرئ «في القصص»، أي: فيما قصّ عليكم من حكم القتل حياة، أو في القرآن حياة القلوب.

( يا أُولِي الْأَلْبابِ ) : ذوي العقول الكاملة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١٧٩) في المحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له، أو عن القصاص، فتكفّوا عن القتل.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في تفسير قوله تعالى( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) (الآية): ولكم، يا أمّة محمّد! في القصاص حياة. لأنّ من همّ بالقتل، يعرف(٢) أنّه يقتصّ منه، فكفّ لذلك عن القتل، كان حياة للّذي(٣) كان همّ بقتله، وحياة لهذا الجانيّ الّذي أراد أن يقتل، وحياة لغيرهما من النّاس، إذا علموا أنّ القصاص واجب لا يجسرون على القتل، مخافة القصاص،( يا أُولِي الْأَلْبابِ ) ، أولي العقول( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : قوله( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) ، قال: يعني: لولا القصاص، لقتل بعضكم بعضا.

وفي نهج البلاغة(٥) : فرض الله الإيمان تطهيرا من الشّرك، والقصاص حقنا للدّماء.

وفي أمالي شيخ الطّائفة(٦) ، بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: قلت: أربعا أنزل الله تعالى تصديقي(٧) بها في كتابه ـ إلى قوله عليه السّلام ـ قلت: القتل يقلّ القتل. فأنزل الله( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ ) .

( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) ، أي: أسبابه وأمارته،( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) ، أي: مالا كثيرا، لما روى عن عليّ ـ عليه السّلام(٨) : أنّه دخل على مولى له في مرضه. وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٥٠.

(٢) المصدر: فعرف. (ظ)

(٣) ليس في المصدر. (ظ)

(٤) تفسير القمي ١ / ٦٥.

(٥) نهج البلاغة / ٥١٢، قطعتان من كلمه ٢٥٢.

(٦) أمالي الشيخ ٢ / ١٠٨.

(٧) أ: تصديقا.

(٨) ر. مجمع البيان ١ / ٢٦٧.

٢٢٩

فقال: ألا أوصي؟

فقال: إنّما قال الله سبحانه( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) وليس لك مال كثير.

( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) :

مرفوع «بكتب» وتذكير فعلها للفصل، أو على تأويل أن يوصي، أو الإيصاء.

ولذلك ذكر الرّاجع في قوله «فمن بدّله».

والعامل في «إذا» مدلول «كتب» لا «الوصيّة» لتقدّمه عليها.

وقيل(١) : مبتدأ، خبره «للوالدين». والجملة جواب الشّرط، بإضمار الفاء، كقوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها.

وردّ بأنّه لو صحّ، فمن ضرورات الشّعر. وكان هذا الحكم، أي: وجوب الوصيّة، في بدء الإسلام. فنسخ بآية المواريث.

وفي تفسير العيّاشيّ(٢) : عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) قال: هي منسوخة. نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث. ويجوز الوصيّة للوارث(٣) .

قال الكافي(٤) : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زيادة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر(٥) ، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن الوصيّة للوارث.

فقال: تجوز.

ثمّ تلا هذه الآية:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) .

وفي من لا يحضره الفقيه(٦) : روى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى(٧) ، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ١٠٠.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٧٧، ح ١٦٧.

(٣) المصدر: نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث. فمن بدّله بعد ما سمعه فانّما إثمه على الّذين يبدّلونه، يعني: بذلك الوصية.

(٤) الكافي ٧ / ١٠، ح ٥.

(٥) أ: أبي نصير.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٧٥، ح ٦١٥.

(٧) «عن محمد بن عيسى»، ليس في ر.

٢٣٠

ـ عليه السّلام ـ في قول الله تعالى:( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، قال: هو الشيء جعله الله ـ عزّ وجلّ ـ لصاحب هذا الأمر.

قال: قلت: فهل لذلك حدّ؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: أدنى ما يكون، ثلث الثّلث.

وفي كتاب الاحتجاج(١) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ عن الزّهراء ـ عليها السّلام ـ في حديث طويل. تقول فيه للقوم: وقد منعوها ما منعوها. وقال:( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (٢) () . وقال:( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) .(٣) وقال:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .

وزعمتم أن لا حظ [لي](٤) ولا إرث [من أبي](٥) ولا رحم بيننا. أفخصّكم الله بآية أخرج منها(٦) آل رسول الله(٧) ـ صلّى الله عليه وآله؟

[وفي مجمع البيان(٨) : روى أصحابنا عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل: هل يجوز(٩) الوصية للوارث؟

فقال: نعم. وتلا هذه الآية.

وروى السّكونيّ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: من لم يوص عند موته لذي قرابته، ممن لا يرث، فقد ختم عمله بمعصيته.

وفيه: اختلف في المقدار الّذي تجب الوصيّة عنده. قال ابن عبّاس: ثمانمائة درهم.

وروي عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه دخل على مولا له فيه مرضه وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة. فقال: ألا أوصي؟

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ١٣٨.

(٢) النساء / ١١.

(٣) البقرة / ١٨٠.

(٤ و ٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر: أبي منها.

(٧) «آل رسول الله» ليس في المصدر.

(٨) مجمع البيان ١ / ٢٦٧.

(٩) المصدر: تجوز (ظ)

٢٣١

فقال: لا. إنّما قال الله سبحانه:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) . وليس لك مال كثير.

وهذا هو المأخوذ به عندنا](١)

( بِالْمَعْرُوفِ ) : بالعدل. فلا يفضل الغنى. ولا يتجاوز الثّلث.

( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١٨٠) :

مصدر مؤكّد، أي: حقّ ذلك حقّا.

( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) غيره من الأوصياء والشّهود،( بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) ، وصل إليه وتحقّق عنده.

( فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) : فما إثم التّبديل، إلّا على مبدّله. لأنّه هو الّذي خالف الشّرع.

( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١٨١): وعيد للمبدّل.

وفي الكافي(٢) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجل أوصى بماله في سبيل الله.

فقال: أعطه لمن أوصى به له. وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ الله تعالى يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

محمّد بن يحيى(٣) ، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في رجل أوصى بما له في سبيل الله.

قال: أعطه لمن أوصى(٤) به له وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

عدّة من أصحابنا(٥) ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ إلى جعفر وموسى: وفيما أمرتكما به من الإشهاد بكذا وكذا، نجاة لكما، في آخرتكما، وإنفاذ(٦) لما أوصى به أبواكما، وبرّ(٧) منكما لهما. واحذرا أن لا تكونا بدّلتما وصيّتهما ولا غيّرتماها. عن حالها وقد خرجا(٨) من ذلك رضي الله عنهما، وصار ذلك في

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) الكافي ٧ / ١٤، ح ١.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٤) المصدر: أوصى له.

(٥) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

(٦) المصدر: إنفاذا.

(٧) المصدر: برّا.

(٨) المصدر: عن حالهما لانّهما قد خرجا.

٢٣٢

رقابكما. وقد قال(١) الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه، في الوصيّة:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ. إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

عدّة من أصحابنا(٢) ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب: أنّ رجلا كان بهمدان. ذكر أنّ أباه مات. وكان لا يعرف هذا الأمر. فأوصى بوصيّته(٣) عند الموت. وأوصى أن يعطى شيء في سبيل الله.

فسئل عنه أبو عبد الله ـ عليه السّلام: كيف يفعل به؟ فأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر.

فقال: لو أنّ رجلا أوصى إلىّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ، لوضعته فيهما. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) . فانظروا(٤) إلى من يخرج إلى هذا الوجه، يعني: الثّغور. فابعثوا [به](٥) إليه.

عدّة من أصحابنا(٦) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن حجاج الخشّاب، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن امرأة أوصت إليّ بمال أن يجعل في سبيل الله. فقيل: لها يحجّ(٧) به. فقالت: اجعله في سبيل الله. فقالوا لها: نعطيه(٨) آل محمّد. قلت: اجعله في سبيله الله.

[فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام: اجعله في سبيل الله ،](٩) كما أمرت.

قلت: مرني كيف أجعله.

قال: اجعله كما أمرتك. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديّا، كنت تعطيه نصرانيّا؟

قال: فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين: ثمّ دخلت عليه. ثمّ قلت(١٠) له مثل الّذي قلت له(١١) أوّل مرّة. فسكت هنيئة.

__________________

(١) أ: نزّل.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٤.

(٣) المصدر: بوصية. (ظ)

(٤) أ: فانظر.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) نفس المصدر ٧ / ١٥، ح ١.

(٧) المصدر: تحجّ.

(٨) أ: فقال: تعطيه. المصدر: فنعطيه.

(٩) ليس في ر.

(١٠) المصدر: فقلت. (ظ)

(١١) ليس في المصدر.

٢٣٣

ثمّ قال: هاتها.

قلت: من أعطيها؟

قال: عيسى شلقان.

عليّ بن إبراهيم(١) ، عن أبيه، عن الرّيّان بن شبيب قال: أوصت ماردة لقوم نصارى(٢) بوصيّة. فقال أصحابنا: أقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك. فسألت الرّضا ـ عليه السّلام. فقلت: إنّ أختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى. وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا المسلمين(٣) .

فقال: أمض الوصيّة على ما أوصت به. قال الله تعالى:( فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

محمّد بن يحيى(٤) ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي سعيد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سئل عن رجل أوصى بحجّة. فجعلها وصيه في نسمة(٥) .

فقال: يغرمها وصيّه. ويجعلها في حجّة، كما أوصى به. فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ ) ، أي: توقّع وعلم من قولهم، أخاف أن ترسل السّماء.

( جَنَفاً ) : ميلا بالخطإ في الوصيّة،( أَوْ إِثْماً ) : تعمّدا للحيف،( فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ ) : بين الموصى لهم بإجرائهم على نهج الشّرع.

( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) في هذا التّبديل. لأنّه تبديل باطل إلى حقّ، بخلاف الأوّل.

( إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١٨٢): وعد للمصلح. وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم، وكون الفعل من جنس ما يؤثم به.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) : حدّثنا محمّد بن الحسن قال: حدّثنا محمّد بن الحسن

__________________

(١) نفس المصدر ٧ / ١٦، ح ٢.

(٢) المصدر: نصارى فراشين.

(٣) المصدر: مسلمين.

(٤) نفس المصدر ٧ / ٢٢، ح ٢.

(٥) أ: وصية في نسمه.

(٦) علل الشرائع ٢ / ٥٦٧، ح ٤.

٢٣٤

الصّفار، عن أبي طالب عبد الله بن الصّلت القميّ، عن يونس بن عبد الرّحمان. رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ) (١) ( أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

قال: يعني: إذا اعتدى في الوصيّة. يعني(٢) : إذا زاد عن الثّلث.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : قال الصّادق ـ عليه السّلام: إذا وصّى الرّجل بوصيّته، فلا يحلّ للوصيّ أن يغيّر وصيّة يوصيها. بل يمضيها على ما أوصى. إلّا أن يوصي بغير ما أمر الله. فيعصى في الوصيّة ويظلم. فالموصى إليه جائز له أن يردّها(٤) إلى الحقّ.

[مثل رجل يكون له ورثة يجعل(٥) المال كلّه لبعض ورثة ويحرم بعضا. فالوصي جائز له أن يردّها(٦) إلى الحقّ].(٧) وهو قوله:( جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) . «فالجنف» الميل إلى بعض ورثتك(٨) دون بعض. و «الإثم» أن تأمر(٩) بعمارة بيوت النّيران واتّخاذ المسكر. فيحلّ للوصيّ أن لا يعمل بشيء من ذلك.

وفي الكافي(١٠) : عليّ بن إبراهيم، عن رجاله قال: قال: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أطلق للموصى إليه، أن يغيّر الوصيّة، إذا لم تكن(١١) بالمعروف وكان فيها جنف(١٢) . ويردّها إلى المعروف، لقوله تعالى( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

محمّد بن يحيى(١٣) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن سوقة قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) .

قال: نسختها الآية الّتي بعدها، قوله ـ عزّ وجلّ ـ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

__________________

(١) المصدر: حيفا.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) تفسير القمي ١ / ٦٥.

(٤) المصدر: يردّه.

(٥) المصدر: فيجعل.

(٦) المصدر: يردّه.

(٧) ليس في أ.

(٨) المصدر: ورثته.

(٩) المصدر: يأمر.

(١٠) الكافي ٧ / ٢٠، ح ١.

(١١) المصدر: لم يكن.

(١٢) المصدر: حيف.

(١٣) نفس المصدر ٧ / ٢١، ح ٢.

٢٣٥

قال: يعني: الموصى إليه إن خاف جنفا(١) فيما أوصى به إليه فيما(٢) لا يرضى الله به، من خلاف الحقّ، فلا إثم على الموصى(٣) إليه أن يردّه(٤) إلى الحقّ وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير.

[وفي مجمع البيان(٥) : فإن قيل: كيف قال فمن خاف لما قد وقع. والخوف إنّما يكون لما لم يقع؟

قيل: إنّ فيه قولين :

أحدهما ـ أنّه خاف أن يكون قد زلّ في وصيّة. والخوف يكون للمستقبل. وهو من أن يظهر ما يدلّ على أنّه قد زلّ لأنّه من جهة غالب الظّن.

الثّاني ـ أنّه لـمّا اشتمل على الواقع وعلى ما لم يقع، جاز فيه (إلى قوله) إنّ الأوّل عليه أكثر المفسّرين. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام. وقوله( أَوْ إِثْماً ) ، الإثم أن تميل(٦) عن الحق، على وجه العمد. والجنف أن يكون على جهة الخطأ من حيث لا يدري أنّه يجوز. وهو معنى قول ابن عبّاس والحسن. وروي ذلك عن أبي جعفر ـ عليه السّلام].(٧)

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، يعني: الأنبياء دون الأمم. فإنّ الأمم كان عليهم صوم، أكثر من ذلك، في غير ذلك الشّهر.

يدلّ عليه ما في الصّحيفة الكاملة(٨) : ثمّ آثرتنا به على سائر الأمم. واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل. فصمنا بأمرك نهاره. وقمنا بعونك ليله.

وما رواه في من لا يحضره الفقيه(٩) ، قال: روى سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث النّخعيّ قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: إنّ شهر رمضان

__________________

(١) المصدر: جنفا من الموصى.

(٢) المصدر: ممّا.

(٣) المصدر: فلا إثم عليه: أي: على الموصى.

(٤) المصدر: يبدّله.

(٥) مجمع البيان ١ / ٢٦٩.

(٦) المصدر: ان يكون الميل.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٨) الصحيفة الكاملة، في ضمن دعائه ـ عليه السّلام ـ في وداع شهر رمضان (دعاء ٤٥)

(٩) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٦١، ح ٢٦٧.

٢٣٦

لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا.

فقلت له: فقول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) .

قال: فرض الله(١) شهر رمضان على الأنبياء، دون الأمم. ففضّل(٢) الله به هذه الأمّة. وجعل صيامه فرضا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى أمّته.

و «الصّوم» في اللّغة، الإمساك عمّا تنازع النّفس إليه. وفي الشّرع، الإمساك عن المفطرات. فإنّها معظم ما تشتهيه الأنفس. والخطاب في عليكم عامّ.

وفي تفسير العيّاشيّ(٣) : عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) .

قال: فقال: هذه كلّها تجمع(٤) أهل(٥) الضّلال والمنافقين وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

وأمّا ما رواه البرقيّ(٦) ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) ، قال: «هي للمؤمنين خاصّة»، فمعناه أنّ المؤمنين هم المنتفعون بها.

وفي كتاب الخصال(٧) ، عن عليّ ـ عليه السّلام. قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فسأله أعلمهم عن مسائل. فكان فيما سأله أن قال: لأي شيء فرض الله الصّوم على أمّتك بالنّهار، ثلاثين يوما وفرض على الأمم أكثر من ذلك؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ آدم ـ عليه السّلام ـ لـمّا أكل من الشّجرة، بقي في بطنه ثلاثين يوما. ففرض على ذرّيّته ثلاثين يوما الجوع والعطش. والّذين يأكلونه تفضّل من الله عليهم. وكذلك كان على آدم. ففرض الله تعالى ذلك على أمّتي.

ثمّ تلا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ هذه الآية:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) أيّاما معدودات.

__________________

(١) المصدر: إنّما فرض الله صيام :

(٢) النسخ: فضّل.

(٣) تفسير العياشي ١ / ٧٨.

(٤) المصدر: يجمع.

(٥) ليس في المصدر. وعند وجودها فتكون الكلمة بعدها «الضّلال». وعند عدمها تكون «الضّلال».

(٦) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٧٤.

(٧) الخصال ٢ / ٥٣٠، ح ٦.

٢٣٧

قال اليهوديّ: صدقت يا محمّد!

وفي الكافي(١) : عدّة من أصحابنا. عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن يوسف بن عميرة، عن عبد الله بن عبد الله، عن رجل، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان ـ قال لبلال: ناد في النّاس. فجمع النّاس. ثمّ صعد المنبر. فحمد الله. وأثنى عليه. ثمّ قال: يا أيّها النّاس! إنّ هذا الشّهر قد خصّكم به. وهو حضركم. وهو سيّد الشّهور.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١٨٣) المعاصي. فإنّ الصّوم يكسر الشّهوة الّتي هي مبدؤها.

وفي عيون الأخبار(٢) ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، في آخرها: أنّه سمعها من الرّضا ـ عليه السّلام: فإن قال فلم أمر بالصّوم؟

قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش. فيستدلّوا على فقر الآخرة. وليكون الصّائم خاشعا ذليلا مستكينا موجودا محتسبا عارفا صابرا(٣) لما أصابه من الجوع والعطش.

فيستوجب الثّواب مع ما فيه من الانكسار عن الشّهوات. وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورائضا لهم على أداء ما كلّفهم ودليلا في الآجل. وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدّنيا، فيؤدّوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في أموالهم.

فإن قيل: فلم جعل الصّوم في شهر رمضان دون سائر الشّهور؟

قيل: لأنّ شهر رمضان هو الشّهر الّذي أنزل الله تعالى فيه القرآن هدى(٤) للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان وفيه نبّئ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله. وفيه ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر. وفيها يفرق كلّ أمر حكيم. وفيه(٥) رأس السّنة. يقدّر فيها ما يكون في السّنة من خير أو شرّ أو مضرّة أو منفعة أو رزق أو أجل. ولذلك سمّيت ليلة القدر.

__________________

(١) الكافي ٤ / ٦٧، ح ٥.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١١٥.

(٣) المصدر: على ما.

(٤) المصدر: انزل الله تعالى فيه القرآن وفيه فرق بين الحق والباطل، كما قال الله ـ عزّ وجلّ: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى

(٥) المصدر: هو. (ظ)

٢٣٨

فإن قال: فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّه قوّة العباد(١) الّذي يعمّ في القويّ والضّعيف. وإنّما أوجب الله تعالى الفرائض على اغلب الأشياء وأعظم(٢) القوى. ثمّ رخّص(٣) لأهل الضّعف. ورغّب أهل القوّة في الفضل. ولو كانوا يصلحون على أقلّ من ذلك، لنقصهم. ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك، لزادهم.

( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) مؤقّتات بعدد معلوم ووقت معيّن، أو قلائل. فإنّ القليل من المال يعدّ عدّا. والكثرة يهال هيلا.

ونصبها بإضمار «صوموا» أو ب «كما كتب» على الظّرفيّة ،. أو بأنّه مفعول ثان على السّعة. وليس بالصّيام للفصل بينهما.

( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) مرضا يضرّه الصّوم،( أَوْ عَلى سَفَرٍ ) : أو راكب سفر،( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ، أي: فعليه صوم عدد أيّام المرض والسّفر، من أيّام أخر.

وهذا على الوجوب.

في من لا يحضره الفقيه(٤) ، روي عن الزّهريّ. أنّه قال: قال لي عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ ونقل حديثا طويلا، يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا صوم السّفر والمرض، فانّ العامّة اختلفت فيه. فقال قوم: يصوم. وقال قوم: لا يصوم. وقال قوم: إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالتين ـ جميعا. فإن صام في السّفر أو في حال المرض، فعليه القضاء في ذلك. لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول:( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه في الإفطار، كما يجب عليه في السّفر [في](٦) قوله( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ ) .

قال: هو مؤتمن عليه. مفوّض اليه. فإن وجد ضعفا. فليفطر. وإن وجد قوّة

__________________

(١) المصدر: العبادة.

(٢) المصدر: وأعم. (ظ)

(٣) كذا في المصدر: وفي النسخ: خصّ.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٨، ح ٢٠٨.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٨١، ح ١٨٨.

(٦) يوجد في المصدر.

٢٣٩

فليصم. كان المريض على ما كان.

عن محمّد بن مسلم(١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لم يكن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصوم في السّفر تطوّعا ولا فريضة. يكذبون على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. نزلت هذه الآية ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بكراع الغميم، عند صلاة الفجر. فدعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بإناء. فشرب. فأمر(٢) النّاس أن يفطروا. وقال قوم: قد توجّه النّهار. ولو صمنا يومنا هذا. فسمّاهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ العصاة. فلم يزالوا يسمّون بذلك الاسم، حتّى قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله.

وفي كتاب الخصال(٣) ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أهدى إليّ وإلى أمّتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم، كرامة من الله لنا.

قالوا: وما ذلك يا رسول الله! قال: الإفطار في السّفر. والتّقصير في الصلوة. فمن لم يفعل ذلك، فقد ردّ على الله هديّته.

وفي الكافي(٤) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قلت له: رجل صام في السّفر.

فقال: إذا(٥) كان بلغه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نهى عن ذلك، فعليه القضاء. وان لم يكن بلغه(٦) ، فلا شيء عليه.

أبو عليّ الأشعريّ(٧) ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن [صفوان بن يحيى، عن عيص(٨) بن القسم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من صام في السفر بجهالة، لم يقضه].(٩)

عن عبد الله بن مسكان(١٠) ، عن ليث المرادي، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ١٩٠.

(٢) المصدر: وأمر. (ظ)

(٣) الخصال ١ / ١٢، ح ٤٣.

(٤) الكافي ٤ / ١٢٨، ح ١.

(٥) المصدر: إن. (ظ)

(٦) أ: يبلغه.

(٧) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٢.

(٨) كذا في المصدر وفي الأصل ور: العيص.

(٩) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(١٠) نفس المصدر ونفس الموضع، ح ٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668