بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة8%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 668

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 668 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 67970 / تحميل: 4115
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وقد أخرج نعيم بن حماد بسنده عن علي عليه السلام انه قال: «المهدي رجل منّا من ولد فاطمة»(1) كما اخرج عن الزهري انه قال: «المهدي من ولد فاطمة»(2) ، وعن كعب مثله أيضاً(3) .

هذا، وقد ورد حديث جامع لمعظم الاخبار المتقدمة، وهو المروي عن قتادة، - كما تقدم - قال: قلت لسعيد: أحقٌ المهدي؟ قال: نعم هو حق. قلت: ممن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أي قريش؟ قال: من بني هاشم. قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من ولد عبد المطلب. قلت: من أي ولد عبدالمطلب؟ قال: من أولاد فاطمة(4) .

وعلى الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال: مَنْ هو المهدي الموعود المنتظر؟ إلاّ أنَّ العائق ما يزال موجوداً في تشخيص نسبه الشريف بنحو لايقبل الترديد بين أولاد فاطمة عليها السلام، لوضوح أنّ هذا النسب - بهذا الاطلاق - ينتهي إلى السبطين الحسن والحسين عليهما السلام.

ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة وهي:

الاَول: أن يكون المهدي من أولاد الاِمام الحسن السبط عليه السلام.

الثاني: أن يكون من أولاد الاِمام الحسين السبط عليه السلام.

الثالث: أن يكون من أولاد السبطين معاً.

أما الاحتمال الثالث فلا يحتاج قبوله أو ردّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الاخبار المؤيدة للاحتمالين الاَولين.

____________

(1) الفتن لنعيم بن حماد 1: 375/1117، وعنه في كنز العمال 14: 591/39675.

(2) الفتن لنعيم بن حماد 1: 375/1114 وعنه في التشريف بالمنن: 176/237 باب 189.

(3) الفتن لنعيم بن حماد 1: 374/1112، وعنه في التشريف بالمنن: 157/202 باب 163.

(4) عقد الدرر: 44 من الباب الاول، والفتن لنعيم بن حماد 1: 368 - 369/1082، وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن: 157/201 باب 163.

٦١

وأما فرض احتمال رابع، وهو: كون المهدي من أولاد غير السبطين، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه؛ لثبوت صحة أحاديث المهدي وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت عليهم السلام، ومن ولد فاطمة عليها السلام.

اذن لم يبقَ سوى التحقيق في مثبتات الاحتمالين الاَولين. ويجب التنبيه قبل ذلك إلى أنه: لو ثبت كذب ما يؤيد الاحتمال الاَول، فلا نحتاج أصلاً إلى التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني، اذ سيصدق بالضرورة، ويكون هو المتيقن، المقطوع به، المطابق للواقع، لما مرَّ من استحالة كذب الاحتمالين معاً؛ لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة وتحقيق مثبتات الاحتمال الاَول، فنقول:

حديث المهدي من ولد الاِمام الحسن السبط عليه السلام:

لم أجد مايدل على ان المهدي الموعود المنتظر هو من ولد الاِمام الحسن عليه السلام في كتب أهل السنة غير حديث واحد فقط وربما لايوجد في تراث الاِسلام حديث غيره، وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه، واليك نصه:

قال: « حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة، قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، قال: قال علي رضي الله عنه - ونظر إلى ابنه الحسن - فقال: ( إنّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق ولايشبهه في الخَلْق).

ثم ذكر قصة: يملأ الأرض عدلاً »(1) انتهى بعين لفظه.

____________

(1) سنن أبي داود 4: 108/4290، وأخرجه عنه في جامع الاَصول 11: 49 - 50/7814، وكنز العمال 13: 647/37636، كما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن 1: 374 - 375/1113.

٦٢

بطلان الحديث من سبعة وجوه:

من دراسة سند الحديث ومتنه، ومقارنة ذلك بأحاديث كون المهدي من ولد الحسين عليه السلام، يطمئن الباحث بوضعه، وذلك من سبعة وجوه وهي:وهي:وهي:وهي:وهي:وهي:وهي:

الوجه الاَوّل: اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث، فقد أورد الجزري الشافعي (ت/833 هـ) هذا الحديث بسنده عن أبي داود نفسه وفيه اسم: (الحسين) مكان (الحسن)، فقال: « والاَصح انه من ذرية الحسين بن علي لنصّ أمير المؤمنين علي على ذلك، فيما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الرّقي قراءة عليه، قال: أنبأنا أبو الحسن بن البخاري، أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي، أنبأنا أبو البدر الكرخي، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو عمر الهاشمي، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي، أنبأنا أبو داود الحافظ قال: حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة، قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي اسحاق قال: قال علي عليه السلام - ونظر إلى ابنه الحسين - فقال: « إنَّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق، ولايشبهه في الخَلْق ». ثم ذكر قصة يملأ الاَرض عدلاً.

هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه »(1) ، انتهى بعين لفظه.

وأخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ص 45 من الباب الاَول، وفيه اسم: (الحسن)، وأشار محققه في هامشه إلى نسخة باسم: (الحسين)

____________

(1) اسمى المناقب في تهذيب اسنى المطالب/الجزري الدمشقي الشافعي: 165 - 168/61.

٦٣

ويؤيد وجود هذه النسخة نقل السيد صدر الدين الصدر عنها إذ أورد الحديث عن عقد الدرر وفيه اسم: (الحسين)(1) .

وهذا الاختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد الاسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث، وهو مفقود في ترجيح (الحسن) ومتوفر في (الحسين).

الوجه الثاني: سند الحديث منقطع لاَنّ من رواه عن علي عليه السلام هو أبو إسحاق والمراد به السبيعي، وهو ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن علي عليه السلام كما صرح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث(2) ، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين عليه السلام سبع سنين؛ لاَنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان في قول ابن حجر(3) .

الوجه الثالث: إن سنده مجهول أيضاً؛ لاَن أبا داود قال: (حُدِّثت عن هارون بن المغيرة) ولايُعْلَم من الذي حدّثه، ولا عِبرة في الحديث المجهول اتفاقاً.

الوجه الرابع: ان الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي - وهو من أعلام أهل السنة - بسنده عن الاِمام موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد الصادق، عن جده علي بن الحسين، عن جده علي بن أبي طالب عليهم السلام، وفيه اسم: (الحسين) لا: (الحسن) عليهما السلام(4) .

الوجه الخامس: انه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأنّ المهدي من ولد الاِمام الحسين منها حديث حذيفة بن اليمان

____________

(1) المهدي/السيد صدر الدين الصدر: 68.

(2) مختصر سنن أبي داود/المنذري 6: 162/4121.

(3) تهذيب التهذيب 8: 56/100.

(4) التشريف بالمنن للسيد ابن طاووس: 285/413 ب 76، أخرجه عن فتن السليلي باختلاف يسير.

٦٤

قال: « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرنا بما هو كائن، ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطول الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي، اسمه اسمي. فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! من أي ولدك؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين »(1) .

الوجه السادس: احتمال التصحيف في الاسم من (الحسين) إلى (الحسن) في حديث أبي داود غير مستبعد بقرينة اختلاف النقل، ومع عكس الاحتمال فإنه خبر واحد لايقاوم المتواتر كما سنفصله في محلّه.

الوجه السابع: يحتمل قوياً وضع الحديث لما فيه من العلل المتقدمة، ويؤيد هذا الاحتمال أن الحسنيّين وأتباعهم وأنصارهم زعموا مهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ابن الاِمام الحسن السبط عليه السلام، الذي قتل سنة (451 هـ) في زمن المنصور العباسي، نظير ما حصل - بعد ذلك - من قبل العباسيين وأتباعهم في ادعاء مهدوية محمد بن عبدالله المنصور الخليفة العباسي الملقب بالمهدي (158 - 169 هـ) لما في ذلك من تحقيق اهداف ومصالح سياسية كبيرة لايمكن الوصول اليها بسهولة من غير هذا الطريق المختصر.

____________

(1) المنار المنيف لابن القيم: 148/329 فصل/50، عن الطبراني في الاوسط، عقد الدرر: 45 من الباب الاَول وفيه: (أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي)، ذخائر العقبى/المحب الطبري: 136، وفيه: (فيحمل ماورد مطلقاً فيما تقدم على هذا المقيد)، فرائد السمطين 2: 325/575 باب/61، القول المختصر لابن حجر: 7/37 باب/1، فرائد فوائد الفكر: 2 باب/1، السيرة الحلبية 1: 193، ينابيع المودة 3: 63 باب/94، وهناك أحاديث أُخرى بهذا الخصوص في مقتل الاِمام الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي 1: 196، وفرائد السمطين 2: 310 - 315/الاحاديث 561 - 569، وينابيع المودة 3: 170/212 باب 93 وباب 94.

ومن مصادر الشيعة أُنظر: كشف الغمة 3: 259، وكشف اليقين: 117، واثبات الهداة 3: 617/174 باب 32، وحلية الابرار 2: 701/54 باب/41، وغاية المرام: 694/17 باب/141، وفي منتخب الاَثر الشيء الكثير من تلك الاحاديث المخرجه من طرق الفريقين، فراجع.

٦٥

الحديث غير معارض لاَحاديث: المهدي من ولد الحسين عليه السلام:

مع فرض صحة الحديث - على الرغم مماتقدم فيه - فإنّه لاتعارض بينه وبين الاحاديث الاُخرى المصرحة بكون المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام ويمكن الجمع بينه وبينها، بأن يكون الاِمام المهدي عليه السلام حسيني الاَب حسني الاُم؛ وذلك لاَنّ زوجة الاِمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أُم الاِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام هي فاطمة بنت الاِمام الحسن المجتبى عليه السلام.

وعلى هذا يكون الاِمام الباقر عليه السلام حسيني الاَب حسني الاُم، وذريته تكون من ذرية السبطين حقيقة.

وهذا الجمع له مايؤيده من القرآن الكريم قال تعالى:( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَعِيـسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) الانعام: 6/84 - 85.

فعيسى عليه السلام أُلحق بذراري الانبياء من جهة مريم عليها السلام، فلا مانع اذن في ان تُلحق ذرية الإمام الباقر بالامام الحسن السبط من جهة الاُم كما أُلحق السبطان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام.

وهذا الجمع بين الاخبار لاينبغي الشك فيه مع افتراض صحة حديث أبي داود وان كان مخالفاً للصحة من كل وجه كما تقدم.

وإلى هنا اتضح لنا أن الاحتمال الثاني - أعني كون الاِمام المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام - لم يكن مجرد احتمال، وإنما هو الواقع بعينه، سواء قلنا بصحة حديث كون المهدي من ولد الاِمام الحسن السبط عليه السلام أو لم نقل بذلك.

أمّا مع فرض القول بصحة الحديث، فلا تعارض بينه وبين أحاديث كون المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام، بل هو مؤيد لها كما تقدم.

وأمّا مع القول بعدم صحته - وهو الحق لما تقدم في الوجوه السبعة

٦٦

- فالحال أوضح من أن يحتاج إلى بيان؛ لما قلناه سابقاً من أن إثبات بطلان أحد الاحتمالين يعني القطع بمطابقة الآخر للواقع لاستحالة بطلانهما معاً، إذ المتيقن هو كون المهدي الموعود من ولد فاطمة عليها السلام حقاً.

ما ورد معارضاً لكون المهدي من أولاد الحسين عليه السلام:

لقد اتضح من خلال البحث في طوائف أحاديث نسب الاِمام المهدي، أنه لابدّ وأن يكون من أولاد الاِمام الحسين عليه السلام، وقبل بيان مثبتات هذه النتيجة - التي يترتب عليها اعتقاد الشيعة الامامية بأنّ المهدي هو التاسع من صلب الاِمام الحسين عليه السلام، وأنه قد وُلد حقاً وهو محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، لا بدّ من التوقف برهة مع ما ورد معارضاً لذلك في لسان بعض الروايات - من طريق أهل السنّة - التي عينت اسم أبي المهدي بـ: (عبدالله)، مما نجم عنها اعتقاد بعضهم بأنّ المهدي هو محمد بن عبدالله، وأنه لم يولد بعد، وإنما سيولد قبيل ظهوره في آخر الزمان.

ولما كان التواتر حاصلاً لمهديٍّ واحد، فلابدّ وأن يكون أحد الفريقين ينتظر مهدياً لا واقع له، وهذا ما يستدعي وجوب مراجعة كل فريق لاَدلّته بمنظار أنها خطأ يحتمل الصواب، والنظر لما عند الآخر باعتبار انه صواب يحتمل الخطأ، وهذا وإن عزّ، فلا يعدم عند من يسعى لادراك الصواب - قبل فوات الاَوان - أينما كان.

ولاَجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي أهو: عبدالله، أو الحسن؟ نقول:

أحاديث: «اسم أبيه اسم أبي» (عبدالله):

نودُّ الاشارة قبل دراسة هذه الاَحاديث إلى أنّ بعض علماء الشيعة

٦٧

أوردوا بعضها، لا إيماناً بها، لمخالفتها لاُصول مذهبهم، وإنما لاَمانتهم في نقلها من كتب أهل السنة دون تحريف أو حذف؛ إمّا لاِمكان تأويلها بما لايتعارض وأُصول المذهب، وإمّا للبرهنة على الاَمانة في النقل، وإيقاف المسلمين على مناقشاتهم لها، وهي:

1 - الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، والحاكم، كلّهم من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لاتذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(1) .

2 - الحديث الذي أخرجه أبو عمرو الداني، والخطيب البغدادي كلاهما من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(2) .

3 - الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد، والخطيب، وابن حجر، كلهم من طريق عاصم أيضاً، عن زرّ، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(3) .

4 - الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد بسنده عن أبي الطفيل قال:

____________

(1) المصنف لابن أبي شيبة 15: 198/19493، المعجم الكبير للطبراني 10: 163/10213 و 10: 166/10222، مستدرك الحاكم 4: 442. وأورده من الشيعة المجلسي في بحار الانوار 51: 82/21، عن كشف الغمة للاربلي 3: 261، والاخير نقله عن كتاب الاربعين لابي نعيم.

(2) سنن أبي عمرو الداني: 94 - 95، تاريخ بغداد 1: 370 ولم يروه احد من الشيعة.

(3) تاريخ بغداد 5: 391، كتاب الفتن لنعيم بن حماد 1: 367/1076 و 1077 وفيه يقول ابن حماد: «وسمعته غير مرّة لايذكر اسم ابيه»، وأخرجه في كنز العمال 14: 268/38678 عن ابن عساكر، ونقله السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن 156/196 و 197 باب/163 عن فتن ابن حماد، كما أورده ابن حجر في القول المختصر: 40/4 مرسلاً.

٦٨

«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(1) .

حقيقة هذا التعارض وبيان قيمته العلمية:

هذه هي الاَحاديث التي جعلت مبرراً لاختيار (محمد بن عبدالله) كمهديٍّ في آخر الزمان، وكلها لاتصحّ حجة ومبرراً لهذا الاختيار. وقد علمت أن الثلاثة الاُولى منها كلّها تنتهي إلى ابن مسعود من طريق واحد وهو طريق عاصم بن أبي النجود. وسوف يأتي ما في هذا الطريق مفصّلاً.

وأما الحديث الرابع، فسنده ضعيف بالاتفاق اذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري وهو: رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين المتّفق على ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السُنّة.

فعن أحمد بن حنبل: أنه ليس يبالي عمّن روى، وقال حرب بن إسماعيل: « سألت أحمد بن حنبل عنه، فضعّفه »، وعن يحيى بن معين: لا يكتب حديثه. وعن أبي زرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال الجوزجاني: عنده معاضيل، ومناكير كثيرة، وقال النسائي: متروك الحديث لا يُكتَب حديثه.

وبالجملة فإنّي لم أجد أحداً وثّقه قطّ إلاّ هيثم بن ناجة فقد وثّقه وكان أحمد بن حنبل حاضراً في المجلس، فتبسّم ضاحكاً، وهذا يدلّك على تسالمهم على ضعفه(2) .

____________

(1) الفتن لنعيم بن حماد 1: 368/1080 وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن: 257/200.

(2) راجع: تهذيب الكمال 9: 191/1911، وتهذيب التهذيب 3: 240 ففيهما جميع ماذكر بحق رِشْدِين بن أبي رِشْدِين.

٦٩

ولا شك، أنَّ من كان حاله كلما عرفت فلا يؤخذ عنه مثل هذا الامر الخطير.

وأما الاَحاديث الثلاثة الاُولى، فهي ليست بحجة من كل وجه، ومما يوجب وهنها وردها هو ان عبارة: (واسم أبيه اسم أبي) لم يروها كبار الحفّاظ والمحدّثين، بل الثابت عنهم رواية: (واسمه اسمي) فقط من دون هذه العبارة كما سنبرهن عليه، هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنة الذين تتبعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأن هذه الزيادة ليست فيها، كما سيأتي مفصلاً.

ومن ثم، فإن إسناد هذه الاَحاديث الثلاثة ينتهي إلى ابن مسعود فقط، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه كما في مسند أحمد - وفي عدة مواضع - (واسمه اسمي) فقط(1) ، وكذلك الحال عند الترمذي فقد روى هذا الحديث من دون هذه العبارة، مشيراً إلى أنّ المروي عن علي عليه السلام، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة هو بهذا اللفظ (واسمه اسمي) ثم قال - بعد رواية الحديث عن أبن مسعود بهذا اللفظ -: (وفي الباب: عن علي، وأبي سعيد، وأُم سلمة، وأبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح »(2)

وهكذا عند أكثر الحفاظ، فالطبراني مثلاًأخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أُخرى كثيرة، وبلفظ: ( اسمه اسمي )، كما في أحاديث معجمه الكبير المرقمة: 10214 و10215 و10217 و10218 و10219 و10220 و10221 و10223 و10225 و10226 و10227 و10229 و10230.

____________

(1) مسند أحمد 1: 376 و 377 و 430 و 448.

(2) سنن الترمذي 4: 505/2230.

٧٠

وكذلك الحاكم في مستدركه أخرج الحديث عن ابن مسعود بلفظ: (يواطئ اسمه اسمي) فقط، ثم قال: « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(1) وتابعه على ذلك الذهبي، وكذلك نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث عن ابن مسعود من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث(2) .

وقد صرح المقدسي الشافعي بأن تلك الزيادة لم يروها أئمة الحديث، فقال - بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة -: « أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم، منهم الاِمام أبو عيسى الترمذي في جامعه، والاِمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، كلهم هكذا »(3) أي: ليس فيه: (واسم أبيه اسم أبي) ثم أخرج جملة من الاَحاديث المؤيدة لذلك مشيراً إلى من أخرجها من الاَئمة الحفاظ كالطبراني، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والحافظ أبي داود، والبيهقي، عن عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وحذيفة.(4)

هذا زيادة على ما مرّ من اشارة الترمذي إلى تخريجها عن علي عليه السلام، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة؛ كلهم بلفظ: (واسمه اسمي) فقط.

ولا يمكن تعقّل اتفاق هؤلاء الاَئمة الحفاظ بإسقاط هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) لو كانت مروية حقاً عن ابن مسعود مع أنّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود، بل ويستحيل تصور إسقاطهم لها لما فيها من أهمية

____________

(1) مستدرك الحاكم 4: 442.

(2) مصابيح السنة 492/4210.

(3) عقد الدرر: 51/باب 2.

(4) عقد الدرر: 51 - 56/باب 2.

٧١

بالغة في النقض على مايدعيه الطرف الآخر.

ومن هنا يتضح أنّ تلك الزيادة قد زيدت على حديث ابن مسعود من طريق عاصم إما من قِبَل أتباع الحسنيين وأنصارهم ترويجاً لمهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى، أو من قبل أتباع العباسيين ومؤيديهم في ما زعموا بمهدوية محمد بن عبدالله - أبي جعفر - المنصور العباسي.

وقد يتأكد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ الاَول منهما كانت رتّة في لسانه، مما اضطر أنصاره على الكذب على أبي هريرة، فحدّثوا عنه أنه قال: « إن المهدي اسمه محمد بن عبدالله في لسانه رتّة »(1) .

ولما كانت الاَحاديث الثلاثة الاُولى من رواية عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش عن عبدالله بن مسعود، مخالفة لما أخرجه الحفاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي - كما مر -، فقد تابع الحافظ أبو نعيم الاَصبهاني (ت/430هـ) في كتابه (مناقب المهدي) طرق هذا الحديث عن عاصم حتى أوصلها إلى واحد وثلاثين طريقاً، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة (واسم ابيه اسم أبي) بل اتفقت كلها على رواية (واسمه اسمي) فقط. وقد نقل نص كلامه الكنجي الشافعي (ت/638 هـ) ثم عقّب عليه بقوله: «ورواه غير عاصم، عن زر، وهو عمرو بن حرة، عن زر كل هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلاّ ما كان من عبيد الله بن موسى، عن زائدة، عن عاصم، فإنّه قال فيه: (واسم أبيه اسم أبي). ولايرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الاَئمة على خلافها - إلى أن قال - والقول الفصل في ذلك: إن الاِمام أحمد - مع ضبطه وإتقانه - روى هذا

____________

(1) هذا الحديث الموضوع منقول في معجم أحاديث الاِمام المهدي عن مقاتل الطالبيين: 163 - 164.

٧٢

الحديث في مسنده [ في ] عدة مواضع: واسمه اسمي»(1) .

ومن هنا يُعلم أنّ حديث: (.. واسم أبيه اسم أبي) فيه من الوهن ما لايمكن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر.

وعليه، فان من ينتظر مهديّاً باسم (محمد بن عبدالله) إنما هو في الواقع - وعلى طبق ما في التراث الاسلامي من أخبار - ينتظر سراباً يحسبه الضمآن ماء.

ولهذا نجد الاستاذ الاَزهري سعد محمد حسن يصرّح بأن أحاديث (اسم أبيه اسم أبي) أحاديث موضوعة، ولكن الطريف في تصريحه أنّه نسب الوضع إلى الشيعة الامامية لتؤيد بها وجهة نظرها على حد تعبيره(2) !!

ويتضح مما تقدم أنَّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الاِمام المهدي، قد انتهت إلى كونه من ولد الاِمام الحسين عليه السلام؛ لضعف سائر الاَحاديث التي وردت مخالفة لتلك النتيجة، مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحة تلك الاَحاديث، بل توفرت القرائن الدالة على اختلاقها.

واذا عدنا الى نتيجة البحث في الطوائف المتقدمة نجدها مؤيدة بما تواتر نقله عند المسلمين.

مؤيدات كون المهدي من ولد الحسين عليه السلام

هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الامامية عيّنت الاَئمة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام علي وانتهاء بالمهدي عليهم السلام، مع مجموعة من الاَحاديث في تعيين كل إمام لاحق بنصّ من الاِمام السابق.بق.بق.

____________

(1) البيان في أخبار صاحب الزمان/الكنجي الشافعي: 482.

(2) المهدية في الاِسلام/الاستاذ الازهري سعد محمد حسن: 69.

٧٣

وأُخرى عند أهل السنة مصرحة بعدد الاَئمة تارة كما في الصحاح، ومشخصة لاَسمائهم كما في كتب المناقب وغيرها وإلى جانب هذا توجد جملة من الاَحاديث المتّفق على صحّتها تدلّ على حياة المهدي ما بقي في الناس اثنان، وهذا لايتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الاِمام الحسين عليه السلام. وسوف لن نذكر من تلك الاحاديث إلاّ ما احتُجَّ به في كتب الفريقين.

حديث الثقلين:

مما لا شكّ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد انتقل إلى الرفيق الاَعلى والسنة لم تدوّن بكل تفاصيلها في عهده، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم، فكيف يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه، ومجمل ومفصّل، وناسخ ومنسوخ، فضلاً عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل على صحة الآراء المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية.

هذا، مع علمه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قد كُذِب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي اتخذ بكتب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».

فمن غير المعقول إذن أن يدع النبي شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق علمه، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده.

وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة، وحفظها، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة.

٧٤

ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين (القرآن والعترة)، وقيمة إرجاع الاَمّة فيه إلى العترة لاَخذ الدين الحق عنهم، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة، منها في يوم الغدير، وآخرها في مرضه الاَخير.

فعن زيد بن أسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كأنني قد دُعِيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، إنّ الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1) .

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2) ، هذا فضلاً عن تأكيده صلى الله عليه وآله وسلم المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته، والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة، وأُخرى أماناً للاُمّة، وثالثة كباب حطّة.

وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول: «اللّهم هؤلاء أهلي» وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر

____________

(1) مستدرك الحاكم 3: 109.

(2) سنن الترمذي 5: 662/3786، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره، فقهه، للسيد علي الحسيني الميلاني: 47 - 51. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية.

٧٥

واختصاص. وإلا فتسعة أشهر وهي المدّة التي أخبر عنها ابن عباس في وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة صباح كل يوم وهو يقرأ:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) كافية لاَن يعرف الجميع من هم أهل البيت عليهم السلام.

ومع هذا فلا معنى لسؤالهم واستفسارهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمّن يعصموا الاُمّة بعده من الضلالة إلى يوم القيامة فيما لو تمسكت بهم مع القرآن.

فحاجة الاُمّة - والصحابة أيضاً - ليس أكثر من تشخيص أولهم ليكون المرجع للقيام بمهمته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يأخذ دوره في عصمة الاُمّة من الضلالة، وهو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمة، وهكذا حتى يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن على النبي الحوض.

وإذا علمت أن علياً عليه السلام قد تعيّن بنصوص لاتحصى، ومنها في حديث الثقلين نفسه، فليس من الضروري إذن أن يتولّى النبي بنفسه تعيين من يلي أمر الاُمّة باسمه في كل عصر وجيل، إن لم نقل إنه غير طبيعي لولا أن تقتضيه بعض الاعتبارات.

فالقياس إذن في معرفة إمام كل عصر وجيل: إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة، أو بنص السابق على إمامة اللاحق وهو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام، وعرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور وإلى يوم الناس هذا.

وإذا ما عدنا إلى واقع أهل البيت عليهم السلام نجد النصّ قد توفر على إمامتهم بكلا طريقيه، ومن سَبَر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقيناً بأنهم ادعوا لانفسهم الاِمامة في عرض السلطة الزمنية، واتخذوا من أنفسهم كما

____________

(1) الاحزاب: 33/33. وانظر روايات وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب فاطمة وهو يقرأ الآية في تفسير الطبري: 22/6.

٧٦

اتخذهم الملايين من أتباعهم أئمة وقادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم، مع إرشاد كل إمام أتباعه على من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، وعلى هذا جرت سيرتهم، فكانوا عرضة للمراقبة والسجون والاستشهاد بالسم تارة، وفي سوح الجهاد تارة أُخرى وعلى أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.

ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعيّن لاَتباعه من يقوم بأمر الاِمامة من بعده، مع فرض توقف النص عليه، فإنّ معنى ذلك بقاء ذلك الاِمام خالداً مع القرآن في كل عصر وجيل؛ لاَنّ دلالة «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» على استمرار وجود إمام من العترة في كل عصر كاستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة، ولهذا ذهب ابن حجر إلى القول: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أمانا لاَهل الاَرض، ويشهد لذلك الخبر:«في كلِّ خَلَفٍ من أُمتي عدول من أهل بيتي»(1) .

حديث: (من مات ولم يعرف إمام زمانه):

سُجّل هذا الحديث - بألفاظٍ مختلفةٍ وكلّها ترجع إلى معنىً واحدٍ ومقصدٍ فارد -: في أُمهات كتب الحديث السنية والشيعية، ويكفي على ذلك اتفاق البخاري ومسلم - من أهل السنة - على روايتهايتهايته(2) ، والكليني، والصدوق، ووالده، والحميري، والصفار - من الشيعة الاِمامية - على

____________

(1) الصواعق المحرقة: 149.

(2) صحيح البخاري 5: 13 باب الفتن، صحيح مسلم 6: 21 - 22/1849.

٧٧

روايته أيضاً(1) ، وقد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة على استقصائها(2) .

اذن الحديث مما لامجال لاحد ان يناقش في سنده، وان توهم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب!(3) .

والحديث كما ترى في تخريجه لايبعد القول بتواتره، وهو لايحتمل التأويل ولاصرف دلالته الواضحة على وجوب معرفة الاِمام الحق على كل مسلم ومسلمة، وإلاّ فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة.

ومن ادعى ان المراد بالامام الذي من لايعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم، أو الملك، ونحو ذلك وان كان فاسقاً ظالماً!! فعليه ان يثبت بالدليل ان معرفة الظالم الفاسق من الدين أولاً، وان يبين للعقلاء الثمرة المترتبة على وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.

وعلى أية حال، فالحديث يدل على وجود امام حق في كل عصر وجيل، وهذا لايتم إلاّ مع القول بوجود الاِمام المهدي الذي هو حق ومن ولد فاطمة عليها السلام كما تقدم. ومما يؤيده:

____________

(1) أُصول الكافي 1: 303/5 و 1: 308/1 - 3 و 1: 378/2، وروضة الكافي 8: 129/123، كمال الدين 2: 412 - 413/10 و 11 و 12 و 15 باب 39، الاِمامة والتبصرة: 219/69 و 70 و 71، قرب الاسناد: 351/1260، بصائر الدرجات: 259 و 509 و 510.

(2) انظر: مسند احمد 2: 83 و 3: 446 و 4: 96، مسند أبي داود الطيالسي: 259، المعجم الكبير للطبراني 10: 350/10687، مستدرك الحاكم 1: 77، حلية الاولياء 3: 224، الكنى والاسماء 2: 3، سنن البيهقي 8: 156، 157، جامع الاصول 4: 70، شرح صحيح مسلم للنووي 12: 440، تلخيص المستدرك للذهبي 1: 77 و 177، مجمع الزوائد للهيثمي 5: 218 و 219 و 223 و 225 و312، تفسير ابن كثير 1: 517. كما أخرجه الكشي في رجاله: 235/428 في ترجمة سالم بن أبي حفصة.

(3) الاِمام الصادق/أبو زهرة: 194.

٧٨

حديث: (إنَّ الارض لاتخلو من قائم لله بحجة):

وهذا الحديث قد احتج به الطرفان أيضاً وأوردوه من طرق عدّة(1) .

وقد رواه كميل بن زياد النخعي الجليل الثقة عن أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة، قال عليه السلام - بعد كلام طويل -: «اللّهم بلى! لا تخلو الارض من قائم لله بحجة».

وعدم خلو الارض من قائم لله بحجة لايتم مع فرض عدم ولادة الاِمام المهدي عليه السلام، وقد تنبه لهذا ابن أبي الحديد حتى قال في شرح هذه العبارة: (كي لايخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده، ومسيطر عليهم. وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الامامية، إلاّ أن اصحابنا يحملونه على ان المراد به الابدال)(2) .

وقد فهم ابن حجر العسقلاني منه انه اشارة إلى مهدي أهل البيت عليهم السلام فقال ما نصه: « وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاُمّة مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الاقوال: ان الاَرض

____________

(1) أورد هذا الحديث الاسكافي المعتزلي في المعيار والموازنة: 81، وابن قتيبة في عيون الاخبار: 7، واليعقوبي في تاريخه 2: 400، وابن عبد ربه في العقد الفريد 1: 265، وأبو طالب المكي في قوت القلوب في معاملة المحبوب 1: 227، والبيهقي في المحاسن والمساوئ: 40، والخطيب في تاريخه 6: 479 في ترجمة اسحاق النخعي، والخوارزمي الحنفي في المناقب: 13، والرازي في مفاتيح الغيب 2: 192 وابن أبي الحديد في شرح النهج كما سيأتي، وابن عبد البر في المختصر: 12 والتفتازاني في شرح المقاصد 5: 241 وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 6: 385.

وقد أخرجه الكليني من طرق عن أمير المؤمنين عليه السلام في أُصول الكافي 1: 136/7 و 1: 270/3 و 1: 274/3، والصدوق في كمال الدين 1: 287/4 ب 25 و 1: 289 - 294/2 ب 26 من طرق كثيرة و 1: 10302 ب 26.

(2) شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد 18: 351.

٧٩

لاتخلو من قائم لله بحجة)(1) .

أقول: ومما يقرب دلالة العبارة في النهج على الاِمام المهدي هو ما اتصل بها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام. وهذا نصه: «يا كميل بن زياد، ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم ربانيّ، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق - إلى ان قال عليه السلام - اللّهم بلى! لاتخلو الارض من قائم لله بحجة، إمّا ظاهراً مشهوراً، واما خائفاً مغموراً؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(2) .

ومن هنا جاء في الحديث الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء الخفاف قال: «قلت لابي عبدالله عليه السلام: تكون الارض ليس فيها امام؟ قال: لا... الحديث»(3) .

واذا ما أضيف هذا إلى حديث الثقلين، وحديث من مات، وحديث (الخلفاء اثنا عشر) الآتي، علم ان الاِمام المهدي لو لم يكن مولوداً حقاً لوجب ان يكون من سبقه حيا إلى قيام الساعة، ولكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة امام غير المهدي عليه السلام ثاني عشر أهل البيت وهم من عينت الصحاح عددهم، وبينت كتب المناقب اسماءهم.

أحاديث: (الخلفاء اثنا عشر):

أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي

____________

(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6: 385.

(2) شرح نهج البلاغة/الشيخ محمد عبده 4: 691/85، وشرح ابن أبي الحديد 18: 351.

(3) أُصول الكافي 1: 136/1 باب ان الارض لاتخلو من حجة وسند الحديث هو: «عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء عن الاِمام الصادق عليه السلام».

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عدوّهم حتى تشتدّ شوكتهم( ١) .

و قال المختار لما دعا الناس إلى بيعته: فلا و الذي جعل السماء سقفا محفوظا و الأرض فجاجا سبلا ما بايعتم بعد بيعة عليّعليه‌السلام و آل عليّ بيعة أهدى منها( ٢) .

و في خبر نفي عمر لنصر بن الحجّاج و لأبي ذؤيب ابن عمّ نصر لافتتان النساء بجمالهما قال عمر لنصر: لا و اللّه لا تساكنني بأرض أنابها، و لأبي ذؤيب: لا و الذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أبدا( ٣) .

و في خبر أبي طلحة الأنصاري الذي وكّله عمر باجراء دستوره في ستة الشورى إلى ثلاثة أيام فإن لم يقبلوه يضرب أعناقهم: لا و الذي ذهب بنفس محمد لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمر بها عمر( ٤) .

و كان عمرو بن العاص وصف البحر لعمر فقال له: راكب البحر كدود على عود، فلما استأذنوه لغزو البحر قال: لا و الذي بعث محمدا لا أحمل فيه مسلما أبدا( ٥) .

و في (أذكياء ابن الجوزي) عن أعرابي قال: أسرت طي شابا، فقدم أبوه و عمه ليفدياه، فاشتطوا عليهما في الفداء و لم يرضوا بما أعطى أبوه، فقال: لا و الذي جعل الفرقدين يصبحان و يمسيان على جبل طي لا أزيدكم على ما أعطيتكم، ثم انصرف مع أخيه و قال له: لقد ألقيت إلى ابني كلمة لئن كان فيه خير لينجونّ، فما لبث أن جاء و طرد قطعة من أبلهم كان قال له الزم الفرقدين

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٥٩٣، احداث سنة ٦٥ ه، طبعة دار سويدان، بيروت.

(٢) تاريخ الطبري ٦: ٣٢، احداث سنة ٦٦ ه، طبعة دار سويدان، بيروت.

(٣) عيون الأخبار ٤: ٢٤.

(٤) العقد الفريد ٥: ٣٠.

(٥) تاريخ الطبري ٤: ٢٥٨ ٢٥٩، احداث سنة ٢٨ ه.

١٢١

على جبل طي، فإنهما طالعان عليه و لا يغيبان عنه( ١) .

كما أن المفهوم من استعمالاتها في مثل قوله تعالى: تا اللّه تفتؤ تذكر يوسف( ٢ ) حذف «لا» من الجواب المنفي المستقبل، كقول أمرى‏ءالقيس:

فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا

و لو قطعوا رأسي لديك و أوصالي( ٣)

و قول الهذلي:

تا للّه يبقى على الأيام ذو حيد

بمشمخرّ به الظيان و الآس( ٤)

و قول رجل نزل على امرأة من بني ثعلبة بن يربوع:

فإني امرؤ أعطيت ربّي أليّة

أرى زانيا ما لاح لي وضح الفجر

و قول ليلى الأخيلية في رثاء توبة:

فتا للّه تبني بيتها أمّ عاصم

على مثله إحدى الليالي الغوابر( ٥)

أيضا:

فأقسمت أبكي بعد توبة هالكا

و أحفل من نالت صروف المقادر( ٦)

و قول عتّاب بن ورقاء الشيباني للمأمون:

آليت أشرب راحا

ما حجّ للّه ركب( ٧)

و بالجملة: في كلام العرب خصوصيات لم ينبّه على كثير منها أئمة

____________________

(١) الأذكياء لابن الجوزي: ١٠١، طبعة دار الكتب العلمية.

(٢) يوسف: ٨٥.

(٣) ديوان أمرى‏ءالقيس: ١٤١.

(٤) لسان العرب ٤: ٤٢٩ ط. دار صادر بيروت.

(٥) الأغاني ١١: ٢٣٠، و فيه «على مثله اخرى الليالي الغوابر»، و قال المصحح في هامشه: (في الاصول: «احدى الليالي» و التصويب من منتهى الطلب).

و هذا البيت من القصيدة الرائية المعروفة لليلي الاخيليّة في رماء توبة و كان عاشقا لها.

(٦) الأغاني ١١: ٢٣١.

(٧) راجع معجم الادباء ١٢: ٨١، و في هامشه «التقدير: لا أشرب».

١٢٢

الأدب كما ها هنا، و منها استعمال السمع بمعنى الإسماع إذا جاء مع الداع، كقول عمرو ابن معديكرب:

أمن ريحانة الداعي السميع( ١)

و في (النهج) «دعا إليها أسمع داع»( ٢) .

و منها عدم مجي‏ء فاعل «ما راعني» إلاّ جملة بعد «إلاّ»، و نبّه عليه المغني، كقوله:

و ما راعني إلاّ يسير بشرطة

و عهدي به قينا يفشّ بكير( ٣)

«أمسينا منه في غبّر» أي: بقايا.

«ليلة دهماء» أي: مظلمة سوداء.

«تكشّر» من كشر البعير عن نابه، أي: كشف عنها، و «كشّر الرجل» بدت منه الأسنان.

«عن يوم أغر» أي: أبيض.

«ما كان كذا و كذا».

قال ابن أبي الحديد بعد العنوان: هذا الكلام إمّا أن يكون قالهعليه‌السلام على جهة التفؤّل، أو أن يكون إخبارا بغيب، و الأوّل أوجه( ٤) .

قلت: ليس بتفؤّل، و لا إخبارا بالغيب، بل يمينا على نفي وقوع شي‏ء معهود فيما مضى، و إنما كان محتملا للإخبار عن غيب لو كان بلفظ: «ما يكون كذا و كذا».

____________________

(١) لسان العرب، طبع دار إحياء التراث العربي بتحقيق و تنسيق علي شيري ٦: ٣٦٥، مادة (سمع)، و فيه:

امن ريحانة الداعي السميع

يورّقني و أصحابي هجوع؟

 (٢) نهج البلاغة ١: ٢٢٢، من الخطبة ١١٤.

(٣) مغني اللبيب: ٥٥٩، و شواهد المغني ٢: ٨٤٠.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٦٨.

١٢٣

و كيف كان، فأخذ حلفهعليه‌السلام إسماعيل بن عبد اللّه، فحلف لرجل في آخر يوم من شعبان، فقال: «لا و الذي أنا في غبّر يوم عظيم منه و تلقاء ليلة تفتر عن أيام عظام ما كان ما بلغك هكذا».

هذا، و في الخبر: إنّ يمين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان «لا و مقلّب القلوب»( ١ ) ، و قالوا:

كان حكيم بن حزام إذا اجتهد في يمينه قال: «لا و الذي نجّاني يوم بدر»( ٢) .

و في (تاريخ اليعقوبي): كان شيث و قومه إذا أراد أحدهم أن يحلف قال:

«لا و دم هابيل»( ٣) .

هذا، و من حلف الأخطل و جرير ما في (العقد): إنّ جريرا وفد على عبد الملك و عنده الأخطل، فقال عبد الملك للأخطل: أ تعرفه؟ قال: لا. قال: هذا جرير. فقال الأخطل له: و الذي عرّفني أعيار أمك ما عرفتك. فقال له جرير:

و الذي أعمى بصيرتك و أدام خزيتك لقد عرفتك بسيماك سيما أهل النار( ٤) .

و الظاهر كون قول الأخطل «أعيار أمّك» إشارة إلى اشتهار جرير بابن المراغة.

٢ - الحكمة (٢٥٣) و كانعليه‌السلام يقول:

أَحْلِفُوا اَلظَّالِمَ إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَهُ بِأَنَّهُ بَرِي‏ءٌ مِنْ حَوْلِ اَللَّهِ وَ قُوَّتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا

____________________

(١) أخرجه البخاري ٤: ١٤٧، ١٤٨، ٢٧٦، و الترمذي ٤: ١١٣ ح ١٥٤٠، و النسائي ٧: ٢، و ابن ماجه ١: ٦٧٦ ح ٢٠٩٢، و الدارمي ٢: ١٨٧، و مالك: ٤٨٨، و مسند زيد: ٢١٩، و أحمد ٢: ٢٥ ٢٦، ٦٧، ٦٨، ١٢٧).

(٢) في اسد الغابة ٢: ٤١، و الإصابة ١: ٣٤٩: «و الذي مجأني...».

(٣) تاريخ اليعقوبي ١: ٨.

(٤) في العقد الفريد ٦: ١٤٨،... قال الأخطل: و الذي أعمى رأيك يا جرير ما عرفتك قال له جرير: و الذي أعمى بصيرتك....

١٢٤

حَلَفَ بِهَا كَاذِباً عُوجِلَ اَلْعُقُوبَةَ وَ إِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ لِأَنَّهُ قَدْ وَحَّدَ اَللَّهَ تَعَالَى أقول: في (مروج المسعودي): قال الفضل بن الربيع: صار إليّ عبد اللّه بن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير، فقال: إنّ موسى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ قد أرادني على البيعة له، فجمع الرشيد بينهما، فقال الزبيري لموسى: سعيتم علينا و أردتم نقض دولتنا. فالتفت إليه فقال: و من أنتم؟ فغلب الرشيد الضحك حتى رفع رأسه إلى السقف حتى لا يظهر منه، ثم قال موسى للرشيد: هذا الذي يشنّع علي بالخروج خرج و اللّه مع أخي محمد بن عبد اللّه بن الحسن على جدك المنصور، و هو القائل من أبيات:

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

في شعر طويل، و ليس سعايته حبا لك، و لا مراعاة لدولتك، و لكن بغضا لنا جميعا أهل البيت، و لو وجد من ينتصر به علينا جميعا لكان معه، و قد قال باطلا، و أنا مستحلفه، فإن حلف إني قلت ذلك فدمي لك حلال. فقال الرشيد:

إحلف له يا عبد اللّه. فلما أراده موسى على اليمين تلكّأ و امتنع، فقال له الفضل:

لم تمتنع و قد زعمت آنفا أنّه قال لك ما ذكرته؟ قال: أحلف. قال له موسى: قل «تقلّدت الحول و القوة دون حول اللّه و قوته إلى حولي و قوتي إن لم يكن ما حكيته عنه حقا»، فحلف له. فقال موسى: اللّه أكبر حدّثني أبي عن جدّي عن جدّه عليّعليه‌السلام عن النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما حلف أحد بهذه اليمين و هو كاذب إلاّ عجّل اللّه له العقوبة قبل ثلاث، ما كذبت و لا كذّبت و ها أنا في قبضتك، فإن مضت ثلاثة أيام و لم يحدث على عبد اللّه بن مصعب حادث فدمي لك حلال.

فقال الرشيد للفضل: خذ بيد موسى فليكن عندك حتى أنظر في أمره.

قال الفضل: فو اللّه ما صلّيت العصر من ذلك اليوم حتى سمعت الصراخ

١٢٥

من دار عبد اللّه بن مصعب، فأمرت من يتعرّف خبره، فعرفت أنه قد أصابه الجذام و أنّه قد تورّم و اسودّ، فصرت إليه، فو اللّه ما كدت أعرفه، لأنّه قد صار كالزقّ العظيم، ثم اسودّ حتى صار كالفحم، فصرت إلى الرشيد، فعرّفته خبره، فما انقضى كلامي حتى أتى خبر وفاته، فبادرت بالخروج و أمرت بتعجيل أمره، و الفراغ منه و تولّيت الصلاة عليه، فلمّا دلّوه في حفرته لم يستقرّ فيها حتى انخسفت به، و خرجت منه رائحتة مفرطة النتن، فرأيت أحمال شوك تمر في الطريق، فقلت: عليّ بألواح ساج، فطرحت على موضع قبره، ثم طرح التراب عليها، و انصرفت إلى الرشيد، فعرّفته الخبر، فأكثر التعجّب، و أمرني بتخلية موسى، و أن أعطيه ألف دينار، و أحضره و قال له: لم عدلت عن اليمين المتعارفة بين الناس؟ قال: لأنّا روينا عن جدنا عليّعليه‌السلام أنّه قال: من حلف بيمين مجّد اللّه تعالى فيها استحى اللّه من تعجيل عقوبته، و ما من أحد حلف بيمين كاذبة نازع اللّه فيها حوله و قوّته إلاّ عجّل اللّه له العقوبة قبل ثلاث.

قال المسعودي: و قيل إنّ صاحب هذا الخبر هو يحيى بن عبد اللّه أخو موسى( ١) .

و روى أبو الفرج و ابن بابويه كون صاحب القصة يحيى، فروى الأول في (مقاتله) و نقله ابن أبي الحديد أيضا أنّ يحيى بن عبد اللّه بن الحسن لمّا أمّنه الرشيد بعد خروجه بالديلم و صار إليه بالغ في إكرامه، فسعى به بعد مدّة عبد اللّه بن مصعب الزبيري إلى الرشيد و كان يبغضه و قال له: إنّه عاد يدعو إلى نفسه سرا، و حسّن له نقض أمانه، فأحضره و جمع بينه و بين عبد اللّه بن مصعب ليناظره فيما رفعه إليه، فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد، و ادّعى عليه الحركة في الخروج، فقال يحيى للرشيد: أ تصدّق هذا عليّ و هو

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٣٤٠ ٣٤٢.

١٢٦

ابن عبد اللّه ابن الزبير الذي أدخل أباك عبد اللّه و ولده الشعب، و أضرم عليهم النار حتى خلّصه أبو عبد اللّه الجدلي صاحب عليّعليه‌السلام منه عنوة، و هو الذي ترك الصلاة على النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين جمعة في خطبته، فلما التاث عليه الناس قال: إنّ له أهيل سوء إذا صلّيت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم و اشربوا لذكره، فأكره أن أسرّهم أو أقرّ أعينهم، و هو الذي كان يشتم أباك و يلصق به العيوب و حسى و دكّ كبده، و لقد ذبحت بقرة يوما لأبيك فوجد كبدها سوداء قد نقبت فقال عليّ ابنه: أما ترى كبد هذه يا أبه. فقال: هكذا يا بنيّ ترك ابن الزبير كبد أبيك، ثم نفاه إلى الطائف، فلمّا حضرته الوفاة قال لعليّ: يا بنيّ إذا متّ فألحق بقومك من بني عبد مناف بالشام، و لا تقم في بلد لابن الزبير فيه إمرة، فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد اللّه بن الزبير، و و اللّه إن عداوة هذا لنا جميعا سواء، و لكنّه قوي عليّ بك، و ضعف عنك، فتقرّب بي إليك ليظفر منك بي بما يريد إذ لم يقدر على مثله منك، و ما ينبغي لك أن تسوّغه على ذلك فيّ، فإن معاوية بن أبي سفيان و هو أبعد نسبا منك إلينا ذكر يوما الحسن بن عليّعليه‌السلام ، فسبّه، فساعده عبد اللّه بن الزبير، فانتهره معاوية، فقال له ابن الزبير: إنّما ساعدتك. فقال معاوية: إنّ الحسن لحمي آكله و لا أوكله، و مع هذا فهو الخارج مع أخي محمد على أبيك المنصور، و القائل لأخي في قصيدة طويلة يحرّض فيها أخي و يمدحه، منها:

لا عزّ ركنا نزار عند سطوتها

إن أسلمتك و لا ركنا ذوي يمن

أ لست أكرمهم عودا إذا انتسبوا

يوما و أطهرهم ثوبا من الدرن

و أعظم الناس عند الناس منزلة

و أبعد الناس من عيب و من وهن

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

إلى أن قال:

١٢٧

و تنقضي دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن

فطالما قد بروا بالجور أعظمنا

بري الصناع قداح النبع بالسفن

فتغيّر وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر، و تغيّظ على ابن مصعب، فابتدأ ابن مصعب يحلف باللّه الذي لا إله إلاّ هو، و بأيمان البيعة أنّ هذا الشعر ليس له، و أنه لسديف، فقال يحيى: و اللّه ما قاله غيره و ما حلفت كاذبا و لا صادقا قبل هذا، و إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا مجّده العبد في يمينه فقال «و اللّه الطالب الغالب الرحمن الرحيم» استحى أن يعاقبه، فدعني أحلّفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلاّ عوجل.

قال: فحلّفه، قال: قل: «برئت من حول اللّه و قوته، و اعتصمت بحولي و قوتي، و تقلّدت الحول و القوة من دون اللّه، استكبارا على اللّه و استعلاء عليه و استغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر»، فامتنع، فغضب الرشيد و قال للفضل بن الربيع: ما له لا يحلف إن كان صادقا؟ فهذا طيلساني عليّ و هذه ثيابي لو حلفني بهذه اليمين أنّها لي لحلفت، فوكز الفضل عبد اللّه برجله و كان له فيه هوى و قال له: إحلف ويحك، فجعل يحلف و وجهه متغيّر و هو يرعد، فضرب يحيى بين كتفيه و قال له: يا ابن مصعب قطعت عمرك لن تفلح بعدها أبدا. فما برح عن موضعه حتى عرض له أعراض الجذام، استدارت عينه و تفقّأ وجهه، و قام إلى بيته، فتشقّق لحمه، و انتثر شعره، و مات بعد ثلاثة أيام، فلمّا جعل في القبر انخسف به حتى خرجت منه غبرة شديدة، و جعل الفضل يقول: التراب التراب فيطرح، و هو يهوي حتى سقف بخشب و طمّ عليه، فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل: ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب( ١) .

و روى (عيون ابن بابويه) عن عليّ بن محمد النوفلي قال: استحلف

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٣١٥ ٣١٨، شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٩١ ٩٤.

١٢٨

الزبير بن بكّار رجل من الطالبيين على شي‏ء بين القبر و المنبر، فحلف فبرص، فأنا رأيته و بساقيه و قدميه برص كثير، و كان أبوه بكّار قد ظلم الرضاعليه‌السلام في شي‏ء، فدعاعليه‌السلام عليه، فسقط في وقت دعائه عليه من قصر، فاندقّت عنقه.

و أما عبد اللّه بن مصعب فإنه مزّق عهد يحيى بن عبد اللّه بين يدي الرشيد و قال له: أقتله، فإنّه لا أمان له. فقال يحيى للرشيد: خرج مع أخي بالأمس و أنشده أشعارا له فأنكرها فحلّفه يحيى بالبراءة و تعجيل العقوبة، فحمّ من وقته و مات بعد ثلاث، و انخسف قبره مرّات( ١) .

و كيف كان، ففعل ذلك قبله الصادقعليه‌السلام ، أحلف من سعى به إلى المنصور بيمين البراءة، فعجّل اللّه له النقمة، ففي (فصول ابن الصباغ المالكي) عن الفضل بن الربيع قال: حجّ المنصور سنة (١٤٧) و قدم المدينة، فقال لأبي:

ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به سعيا، قتلني اللّه إن لم أقتله، فتغافل ربيع عنه، فأعاد عليه في اليوم الثاني و أغلظ له، فأرسل، فلمّا حضر قال له: إنّه أرسل إليك بما لا دافع له غير اللّه، و إنّي أتخوّفه عليك. فقال: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه، فلمّا أدخل عليه قال له: يا عدوّ اللّه اتّخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم، تلحد في سلطاني و تبتغي لي الغوائل إنّ فلانا أخبرني عنك بما قلت. فقال: أحضره، فأحضره و قال له: أحقّ ما حكيت لي عن جعفر؟ قال: نعم.

قالعليه‌السلام : فاستحلفه، فبدر الرجل و قال: و اللّه الذي لا إله إلاّ هو و أخذ يعدّد صفاته تعالى فقالعليه‌السلام : ليحلف بما أستحلفه و يترك يمينه هذا. فقال له المنصور: أحلفه بما تختار. فقالعليه‌السلام له: قل: «برئت من حول اللّه و قوته، و التجأت إلى حولي و قوّتي لقد فعل جعفر كذا و كذا». فامتنع الرجل، فنظر إليه المنصور نظر منكر، فحلف بها، فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض،

____________________

(١) عيون الأخبار للصدوق ٢: ٢٢٦ ح ١.

١٢٩

و قضى ميتا مكانه في المجلس. فقال المنصور: جرّوا برجله و أخرجوه لعنه اللّه، ثم قال: لا عليك يا أبا عبد اللّه أنت البري‏ء الساحة إلى أن قال فقال الربيع لهعليه‌السلام : منعت الساعي بك أن يحلف يمينه، و أحلفته أنت تلك اليمين. فقال: إن في يمينه بتوحيد اللّه و تمجيده يؤخر العقوبة عنه، و أحببت تعجيلها عليه، فأحلفته بما سمعت، فأخذه اللّه لوقته( ١) .

و روى (الكافي) عن صفوان الجمّال قال: حملت أبا عبد اللّهعليه‌السلام الحملة الثانية إلى الكوفة و المنصور فيها، فلمّا أشرف على الهاشمية مدينة المنصور نزل من الراحلة، و ركب بغلة شهباء، و لبس ثيابا بيضا، فلمّا دخل على المنصور قال له: تشبّهت بالأنبياء؟ فقالعليه‌السلام : و أنّى تبعدني من أبناء الأنبياء؟

فقال المنصور: لقد هممت أن أبعث إلى المدينة من يعقر نخلها، و يسبي ذريتها. فقالعليه‌السلام : و لم؟ فقال: رفع إلي أنّ مولاك المعلّى بن خنيس يدعو إليك، و يجمع لك الأموال. فقالعليه‌السلام : و اللّه ما كان كذا. فقال المنصور: لست أرضى إلاّ بالطلاق و العتاق، و الهدي و المشي. فقالعليه‌السلام أبا لأنداد من دون اللّه تأمرني أن أحلف. من لم يرض باللّه فليس من اللّه في شي‏ء. فقال له المنصور: أ فتتفقّه عليّ.

فقال: و أنّى تبعدني من الفقه و أنا ابن النبيّ؟ فقال: فإنّي أجمع بينك و بين من سعى بك. قال: فافعل. فجاء الرجل و قال لهعليه‌السلام : و اللّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم لقد فعلت. فقالعليه‌السلام : ويلك تمجّد اللّه، فيستحي من تعذيبك، و لكن قل: «برئت من حول اللّه و قوّته، و ألجأت إلى حولي و قوّتي»، فحلف بها الرجل، فلم يستتمّها حتى وقع ميتا، فقال له المنصور: لا أصدّق عليك بعده( ٢) .

____________________

(١) الفصول المهمة: ٢٢٥ ٢٢٦.

(٢) الكافي ٦: ٤٤٥، ٣.

١٣٠

هذا، و في (الطبري): حجّ الوليد بن عبد الملك، و حجّ محمد بن يوسف من اليمن، و حمل هدايا للوليد، و فقالت أمّ البنين للوليد: إجعل لي هدايا محمد بن يوسف، فأمر بصرفها إليها، فأرسلت رسلها إليه فيها، فأبى و قال: حتى ينظر إليها الوليد، فيرى رأيه و كانت هدايا كثيرة فقالت للوليد: إنّك أمرت بها أن تصرف إليّ و لا حاجة لي بها. قال: و لم؟ قالت: بلغني أنّه غصبها الناس، و كلّفهم عملها و ظلمهم، فحملها إلى الوليد، فقال له: بلغني أنك أصبتها غصبا.

قال: معاذ اللّه، فأمر، فاستحلف بين الركن و المقام خمسين يمينا أنه ما غصب شيئا منها، و لا ظلم أحدا فيها، و لا أصابها إلاّ من طيّب. فحلف، فقبلها الوليد و دفعها إلى أم البنين، فمات محمد بن يوسف باليمن، أصابه داء تقطّع منه( ١) .

و في (نسب قريش مصعب الزبيري): إتّهم بنو عبد مناف خداش العامري بقتل عمرو بن علقمة بن عبد المطّلب بن عبد مناف و كان أجيرا لخداش خرج معه إلى الشام، ففقد خداش حبلا، فضرب عمرا بعصا، فمرض منها، فكتب إلى أبي طالب بخبره، فمات منها، فتحاكموا فيه إلى الوليد بن المغيرة، فقضي أن يحلف خمسون رجلا من بني عامر بن لؤي عند البيت «ما قتله خداش»، فحلفوا إلاّ حويطب بن عبد العزّى، فإن أمّه افتدت يمينه، فيقال:

إنّه ما حال عليهم الحول حتى ماتوا كلهم إلا حويطبا، و انقرض أولاد خداش( ٢) .

و في (وزراء الجهشياري): في تحالف الأمين و المأمون في الكعبة ألاّ يتناكثا إن جعفر البرمكي طالب الأمين أن يقول: خذلني اللّه إن خذلت

____________________

(١) تاريخ الطبري (تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، طبع بيروت) ٦: ٤٩٨.

(٢) نسب قريش: ٤٢٤، و نقل المصنّف لا يخلو من تصرف. لأبي عبد اللّه المصعب بن عبد اللّه بن المصعب الزبيري (١٥٦ ٣٦ ه ق). (بتحقيق إ. ليفي بروفنسال طبعة دار المعارف للطباعة و النشر).

١٣١

المأمون ففعل، و لما خرج الأمين من البيت قال للفضل بن الربيع: أجد في نفسي أن أمري لا يتمّ. فقال له: و لم ذاك أعزّ اللّه الأمير قال: لأنّي كنت أحلف و أنا أنوي الغدر. فقال له: سبحان اللّه أ في هذا الموضع؟ فقال له: هو ما قلت لك( ١) .

هذا، و في بعض كتب الأدب: إن أعرابيّين اختصما إلى بعض الولاة في دين لأحدهما، فجعل المدّعى عليه يحلف بالطلاق و العتاق، فقال المدّعي: دعني من هذه الايمان، و احلف بما أقول لك. قل: «لا يترك اللّه لي خفا يتبع خفا، و لا ظلفا يتبع ظلفا، و حتّني من أهلي و مالي حتّ الورق من الشجر، إن كان لك قبلي هذا الحق»، فلم يحلف، و أعطاه حقه. و الخفّ: كناية عن الإبل، و الظّلف: كناية عن البقر و الشاة.

و في (يتيمة الثعالبي): قال أبو إسحاق الصابي: طلب منّي رسول سيف الدولة، و كان قدم إلى الحضرة شيئا من شعري، و ذكر أن صاحبه رسم له ذلك، فدافعته أياما، ثم ألحّ علي وقت خروجه، فأعطيته هذه الأبيات:

إن كنت خنتك في الأمانة ساعة

فذممت سيف الدولة المحمودا

و زعمت أن له شريكا في العلى

و جحدته في فضله التوحيدا

قسما لو أني حالف بغموسها

لغريم دين ما أراد مزيدا

فلما عاد الرسول إلى الحضرة أخرج إليّ كيسا بختم سيف الدولة مكتوبا عليه اسمي و فيه ثلاثمئة دينار( ٢) .

و في (الأغاني): قال محمد بن سلام: أنشدني ابن قنبر لنفسه:

____________________

(١) انظر الوزراء و الكتاب (أبو عبد اللّه محمد بن عبدوس الجهشياري) بتصحيح و تحقيق عبد اللّه اسماعيل الصاوي، ط القاهرة: ١٧٥.

(٢) يتيمة الدهر للثعالبي ١: ٢٣.

١٣٢

صرمتني ثم لا كلّمتني أبدا

إن كنت خنتك في حال من الحال

و لا اجترمت الذي فيه خيانتكم

و لا جرت خطرة منه على بالي

فقلت له و أنا أضحك: يا هذا لقد بالغت في اليمين. فقال: هي عندي كذاك و إن لم تكن عندك كما هي عندي( ١) .

و في (الطبري): غنّي علوية بدمشق المأمون:

برئت من الإسلام إن كان ذا الذي

أتاك به الواشون عنّي كما قالوا

و لكنّهم لمّا رأوك سريعة

إليّ تواصوا بالنميمة و احتالوا

فقال له: لمن هذا الشعر؟ فقال: لقاضي دمشق. فقال: يا أبا إسحاق اعزله، فما كنت أولّي رقاب المسلمين من يبدأ في هزله بالبراءة من الإسلام.

ثم قال: يا علوية لا تقل: «برئت من الإسلام» قل:

حرمت مناي منك إن كان ذا الذي

أتاك به الواشون عنّي كما قالوا( ٢)

و قالوا: كان بعض أهل البصرة يتشيّع و يوافقه على مذهبه رجل، فأودعه مالا، فجحده، فاضطرّ إلى أن قال لمحمد بن سليمان و سأله أن يحضره و يحلفه بحق عليّعليه‌السلام ، ففعل ذلك. فقال الرجل: أعزّ اللّه الأمير، هذا الرجل صديقي، و هو أعزّ عليّ، و أجلّ من أن أحلف بالبراءة من مختلف في ولايته و إيمانه، و لكنّي أحلف له بالبراءة من المتفق على إيمانهما و ولايتهما أبي بكر و عمر. فضحك محمد بن سليمان، و التزم المال، و خلّى عن الرجل.

و في (الأذكياء) عن غلام ابن المزوّق البغدادي: زوّجني مولاي جارية أحببتها حبا شديدا، و أبغضتني بغضا شديدا، و كنت أحتمل تنافرها إلى أن أضجرتني. فقلت لها يوما: أنت طالق ثلاثا إن خاطبتني بشي‏ء إلاّ خاطبتك

____________________

(١) الأغاني لأبي الفرج ١٤: ١٦٥ ١٦٦.

(٢) تاريخ الطبري ٨: ٦٥٦ (تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، ط بيروت)، بتصرف.

١٣٣

بمثله، فقد أفسدك احتمالي لك. فقالت في الحال: «أنت طالق ثلاثا بتاتا» فأبلست و لم أدر ما اجيبها به خوفا أن أقول لها مثل ما قالت، فتصير بذلك طالقا مني، فارشدت إلى أبي جعفر الطبري، فأخبرته بما جرى، فقال: أقم معها بعد أن تقول لها «أنت طالق ثلاثا إن أنا طلّقتك» فتكون وفيت بيمينك و لم تطلقها و لا تعاود الأيمان( ١) .

قلت: و هذا على مذهب العامة.

و في (أخبار حكماء القفطي): لما تقرّر الصلح بين عضد الدولة و ابن عمه بختيار عزّ الدولة، تقدّم بختيار إلى أبي إسحاق الصابي بإنشاء نسخة يمين فأنشأها و استوفى فيها الشروط حق الاستيفاء فلم يجد عضد الدولة مجالا في نكثها، و ألزمته الضرورة الحلف بها، فلما عاد إلى العراق و ملكها حبس الصابي مده طويلة( ٢) .

هذا، و كما علّم أمير المؤمنينعليه‌السلام الناس إحلاف الظالم كذلك علمهم إحلاف الأخرس، قال الصادق: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حلف الأخرس فقال: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للامة جميع ما تحتاج إليه. ثم قال: إيتوني بمصحف. فاتي به فقال للأخرس: ما هذا، فرفع رأسه إلى السماء أشار إلى انه كتاب اللّه تعالى ثم قال: إيتوني بوليه فأتي بأخ له فأقعده إلى جنبه ثم قال: يا قنبر عليّ بداوة و صحيفة فأتاه بهما ثم قال لأخي الأخرس قل لأخيك بينك و بينه إنه علي، فتقدم إليه بذلك، ثم كتبعليه‌السلام «و اللّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المهلك المدرك الذي يعلم السرّ و العلانية إنّ فلان بن فلان المدّعي ليس

____________________

(١) الأذكياء لابن الجوزي: ١١٢، نقله المصنّف بتصرف.

(٢) إخبار العلماء بأخبار الحكماء: ٥٤، (جمال الدين أبو الحسن علي بن القاضي يوسف القفطي) المتوفى سنة (٦٤٦).

١٣٤

له قبل فلان بن فلان يعني الأخرس حقّ و لا طلبة بوجه من الوجوه، و لا بسبب من الأسباب، ثم غسله و أمر الأخرس أن يشربه، فامتنع. فألزمه الدين( ١) .

و كذا إحلاف أهل الكتاب، فروى (الكافي): أنّهعليه‌السلام استحلف يهوديّا بالتوراة التي انزلت على موسىعليه‌السلام ( ٢ ) ، لكن في طريقه السكوني العامي.

و في (الصحيح) عن الصادقعليه‌السلام : لا يحلف اليهودي و لا النصراني و لا المجوسي بغير اللّه، إن اللّه تعالى يقول: فاحكم بينهم بما أنزل اللّه( ٣) .

و يمكن حمل ذاك الخبر على جواز إحلاف الكتابي بكتابه إذا كان ارتداعه به أكثر من ارتداعه بالحلف به تعالى.

«احلفوا الظالم» إلى «عوجل العقوبة» هكذا في (المصرية)( ٤ ) و ليست كلمة «العقوبة» في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٥) .

«و إذا حلف» إلى «لم يعاجل لأنّه قد وحّد اللّه تعالى» هكذا في (المصرية)( ٦ ) و الصواب: «سبحانه» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٧) .

٣ - الخطبة (٢٧٢) و قالعليه‌السلام :

لَوْ قَدِ اِسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هَذِهِ اَلْمَدَاحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْيَاءَ

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣: ٦٥ ٦٦، ح ٢، و التهذيب ٦: ٣١٩، ح ٨٦.

(٢) الكافي ٧: ٤٥١، ٣.

(٣) الكافي ٧: ٤٥١، ٤. و الآية ٤٨ من سورة المائدة.

(٤) نهج البلاغة ٣: ٢٠٩، الحكمة ٢٥٣.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٩١، هكذا ابن ميثم، الطبعة الحجرية ٣: ٤٩٦.

(٦) نهج البلاغة ٣: ٢٠٩، الحكمة ٢٥٣.

(٧) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٩١، هكذا ابن ميثم ٣: ٤٩٦، السطر الخامس هكذا.

١٣٥

هكذا في (المصرية)( ١ ) و (ابن أبي الحديد)( ٢ ) و لكن في (ابن ميثم)( ٣ ) «في هذه المداحض» و هو أصح.

و كيف كان فقال ابن أبي الحديد: لسنا نشكّ أنهعليه‌السلام كان يذهب في الأحكام الشرعية و القضايا إلى أشياء يخالف فيها أقوال الصحابة، نحو قطعه السارق من رؤوس الأصابع، و بيعه امهات الأولاد، و غير ذلك، و إنّما كان يمنعه من تغيير أحكام من تقدّمه اشتغاله بحرب البغاة و الخوارج، و إلى ذلك يشير بالمداحض الّتي كان يؤمّل استواء قدميه منها، و لهذا قال لقضاته:

«أقضوا كما كنتم تقضون حتى يكون للناس جماعة»( ٤) .

قلت: تمثيله بقطع السارق من رؤوس الأصابع و بيع امهات الأولاد في غير محله، فإنّ مذهبهعليه‌السلام و مذهب عترته إبقاء الابهام و قطع باقي الأصابع في السارق، و أما امهات الأولاد فعدم جواز بيعهن إلاّ إذا مات مواليهن و كان ثمنهن دينا و لم يخلّفوا شيئا سواهن.

و قوله «كان يمنعه من التغيير اشتغاله بحرب البغاة» في الجملة صحيح، و قد قالت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب لمعاوية كما في (بلاغات أحمد بن أبي طاهر البغدادي) فيما قالت له: «و دعانا أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى أخذ حقّنا الذي فرض اللّه لنا فشغل بحربك عن وضع الامور مواضعها»( ٥ ) ، إلاّ أنّ الأصل و الحقيقة كون أصحابهعليه‌السلام غير عارفين به، فلو لم تكن البغاة لم يتمكنعليه‌السلام أيضا من تغيير ما أراد، فروى (روضة الكافي) عن سليم بن قيس

____________________

(١) نهج البلاغة ٣: ٢١٩.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦١، هكذا.

(٣) ابن ميثم ٣: ٤٩٩، و فيه «من هذه المداحض».

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ١٦١، هكذا.

(٥) بلاغات النساء لأحمد بن أبي طاهر البغدادي: ٢٩، طبعة النجف الأشرف سنة ١٣٦١ ه

١٣٦

الهلالي أنهعليه‌السلام خطب فقال: سمعت النبيّ‏ّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها و يتّخذونها سنّة، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة و قد أتى الناس منكرا» ثم أقبلعليه‌السلام بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته إليهم و قال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها النبيّ متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده مغيّرين لسنته، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها و إلى ما كانت في عهد النبيّ لتفرّق عنّي جندي حتى أبقى وحدي، أو مع قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللّه و سنّة رسوله.

أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيمعليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه النبيّ، و رددت فدك إلى ورثة فاطمة، و رددت صاع النبيّ كما كان، و أمضيت قطائع أقطعها النبيّ لأقوام لم تمض لهم و لم تنفّذ، و رددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد، و رددت قضايا من الجور قضي بها، و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم في الفروج و الاحكام، و سبيت ذراري بني تغلب، و رددت ما قسّم من أرض خيبر، و محوت دواوين العطاء، و أعطيت كما كان النبيّ يعطي بالسوية، و لم أجعلها دولة بين الأغنياء، و ألقيت المساحة، و سوّيت بين المناكح، و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللّه و فرضه، و رددت مسجد النبيّ إلى ما كان عليه، و سددت ما فتح من الأبواب و فتحت ما سدّ منه، و حرّمت المسح على الخفّين، و حددت على النبيذ، و أمرت بإحلال المتعتين، و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، و ألزمت الناس الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و أخرجت من أدخل مع النبيّ ممّن كان أخرجه، و أدخلت من أخرج بعد النبيّ، و حملت الناس على حكم القرآن في الطلاق، و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها، و رددت

١٣٧

الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و مواضعها، و رددت أهل نجران إلى مواضعهم، و رددت سبايا فارس و سائر الامم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيه، إذن لتفرّقوا عنّي. و اللّه لقد أمرت الناس ألاّ يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادي بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا.

إلى أن قال: و ما لقي أهل بيت نبيّ من أمّته ما لقينا بعد نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و اللّه المستعان على من ظلمنا( ١) .

و روى الجوهري في (سقيفته) و قد نقله ابن أبي الحديد( ٢ ) في موضع آخر عن محمد بن إسحاق قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي قلت: أ رأيت عليّاعليه‌السلام حين ولي أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى؟ قال: سلك بهم طريق أبي بكر و عمر. قلت: و كيف و لم و أنتم تقولون؟ قال: أما و اللّه ما كان أهله يصدرون إلاّ عن رأيه. فقلت: فما منعه؟ قال: كان يكره أن يدّعى‏ عليه مخالفة أبي بكر و عمر( ٣) .

و روي أيضا في (زيادات سقيفته) و قد نقله ابن أبي الحديد( ٤ ) في موضع آخر عن سهل الساعدي قال: مشيت وراء عليّعليه‌السلام حيث انصرف من عند عمر في الشورى، و العباس يمشي في جانبه، فسمعته يقول للعباس:

ذهبت منا و اللّه أي: الخلافة فقال له العباس: كيف علمت؟ قال: ألا تسمعه أي: عمر يقول كونوا في الجانب الذي فيه عبد الرحمن و سعد و ابن عمر؟

____________________

(١) الكافي ٨: ٥٨ ٦٢ ح ٢١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٦: ٢٣١، و فيه: «أ رأيت عليّاعليه‌السلام حين ولي العراق و ما ولي من أمر الناس...».

(٣) السقيفة للجوهري: ١١٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٥٠ ٥١، نقله مع فرق يسير.

١٣٨

و عبد الرحمن نظير عثمان و هو صهره فإذا اجتمع هؤلاء فلو أن الرجلين الباقيين كانا معي لم يغنيا عني شيئا، دع إنّي لست أرجو أحدهما و مع ذلك فقد أحب عمر أن يعلمنا أن لعبد الرحمن عنده فضلا علينا، لا، لعمر اللّه ما جعل اللّه ذلك لهم علينا كما لم يجعل لأولادهم على أولادنا، أما و اللّه لئن لم يمت عمر لأذكّرنّه ما أتى إلينا قديما و لأعلمنه سوء رأيه فينا و ما أتى إلينا حديثا، و لئن مات و ليموتنّ ليجمعنّ هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنّا، و لئن فعلوها و ليفعلنّ ليرونّي حيث يكرهون، و اللّه ما بي رغبة في السلطان و لا حب الدنيا، و لكن لإظهار العدل و القيام بالكتاب و السنة. ثم التفت فرآني وراءه فعرفت انه قد ساءه ذلك، فقلت: لا ترع أبا حسن لا و اللّه لا يسمع أحد ما سمعت منك ما اصطحبنا، فو اللّه ما سمعه مني أحد حتى قبضعليه‌السلام ( ١) .

و روى (شورى عوانة) عن الشعبي قال: خرج المقداد من غد بيعة عثمان فلقي عبد الرحمن بن عوف فأخذ بيده و قال له: إن كنت أردت بما صنعت وجه اللّه فأثابك اللّه ثواب الدنيا و الآخرة، و إن كنت إنّما أردت الدنيا فأكثر اللّه مالك. فقال عبد الرحمن: إسمع رحمك اللّه اسمع. قال: لا أسمع و اللّه، و جذب يده من يده و مضى حتى دخل على عليّعليه‌السلام فقال: قم فقاتل حتى نقاتل معك. قال علي: فبمن أقاتل رحمك اللّه، و أقبل عمّار ينادي:

يا ناعي الإسلام قم فانعه

قد مات عرف و بدا نكر

أما و اللّه لو أن لي أعوانا لقاتلتهم، و اللّه لئن قاتلهم واحد لأكوننّ له ثانيا. فقال عليّعليه‌السلام : «يا أبا اليقظان و اللّه لا أجد عليهم أعوانا، و لا أحب أن أعرّضكم لما لا تطيقون»، و بقي عليّ في داره و عنده نفر من أهل بيته و ليس

____________________

(١) السقيفة: ٨٢.

١٣٩

يدخل إليه أحد مخافة عثمان( ١) .

و المأمون مع استقرار سلطنته الوسيعة أراد إعلان حلّيّة المتعة و نشر لعن معاوية فما قدر، فكيف كانعليه‌السلام يقدر مع تلك السلطنة المتزلزلة المحدودة حتى قالعليه‌السلام «إن هي إلاّ الكوفة أقبضها و أبسطها»( ٢) .

و قال الكراجكي في (كتاب تعجبه): و من العجب أنهم قالوا إذا كان أبو بكر و عمر و عثمان تركوا كثيرا من الأحكام و أظهروا البدع في الاسلام فلم لم يغيّر ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام لما انتهى الأمر إليه بعد عثمان؟ أو لا يرون أنهعليه‌السلام نهاهم عن الجماعة في صلاة نوافل شهر رمضان فتفرقوا عنه و صاحوا و اعمراه نهيتنا عن سنة عمر بن الخطاب، فإذا كانت هذه حاله معهم في النهي عن أمر يعلمون أنّ عمر ابتدعه، و يتحقّقون أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى‏ عنه و أنكره، و يجعلون البدعة من عمر سنة، فكيف لو غيّرعليه‌السلام أكثر من هذا، بل لو غيّر بدعهم كلها و جاهر بمخالفتهم في الامور التي استحدثوها؟ فكيف ينكر تقيّته منهم و هذه حاله معهم؟ أ لم يسمعوا قولهعليه‌السلام «أما و اللّه لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم حتى ينطق كل كتاب و يقول: يا ربّ قضى عليّ فينا بقضائك، و قوله: «أما و اللّه لو ثبتت قدماي لغيّرت امورا كثيرة»( ٣) .

و روى محمد بن يعقوب في (كافيه) عن معمر بن يحيى قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عمّا يروي الناس عن عليّعليه‌السلام في أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها و لا ينهى عنها إلاّ أنه ينهى عنها نفسه و ولده، فقلت: و كيف يكون ذلك؟ قال:

____________________

(١) السقيفة: ٨٧.

(٢) نهج البلاغة ١: ٦٠ من الخطبة ٢٥ و فيه «ما هي...».

(٣) التعجب: ٢٤.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668