بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62977 / تحميل: 6533
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

٨ - من الخطبة (١٥٢) منها:

قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لاَمِعٌ وَ لاَحَ لاَئِحٌ وَ اِعْتَدَلَ مَائِلٌ وَ اِسْتَبْدَلَ اَللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَ بِيَوْمٍ يَوْماً وَ اِنْتَظَرْنَا اَلْغِيَرَ اِنْتِظَارَ اَلْمُجْدِبِ اَلْمَطَرَ «قد طلع طالع» يقال: طلعت الشمس و القمر.

«و لمع لامع» يقال: لمع البرق.

«و لاح لائح» يقال: لاح النجم.

«و اعتدل» أي: استقام برجوع الأمر إليهعليه‌السلام .

«مائل» أي: ما اعوج من الامور أيّام عثمان.

في (الطبري): قال الزهري: خرج محمّد بن أبي بكر و محمّد بن أبي حذيفة عام خرج عبد اللّه بن سعد في غزوته الروم سنة ٣١ فأظهرا عيب عثمان و ما غيّر، و ما خالف به أبا بكر و عمر، و أنّ دم عثمان حلال. و يقولان:

استعمل عبد اللّه بن سعد رجلا كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح دمه و نزل القرآن بكفره، و أخرج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما فأدخلهم عثمان، و نزع أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و استعمل سعيد بن العاص و عبد اللّه بن عامر. فبلغ ذلك عبد اللّه بن سعد، فقال:

لا تركبا معنا، فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين، و لقوا العدوّ، و كانا انكل [ أكلّ ] المسلمين قتالا، فقيل لهما في ذلك، فقالا: كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكّمه الخ( ١) .

و فيه أيضا: قال العلاء بن عبد اللّه العنبريّ: اجتمع ناس من المسلمين، فتذاكروا أعمال عثمان و ما صنع، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٢٩٢، سنة ٣١.

٢٤١

يكلّمه، و يخبره بإحداثه، فأرسلوا إليه عامر بن عبد اللّه التميمي ثمّ العنبري و هو الذي يدعى عامر بن عبد قيس فأتاه، فدخل عليه فقال له: إنّ ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك، فوجدوك قد ركبت امورا عظاما، فاتّق اللّه عزّ و جلّ و تب إليه، و انزع عنها.

فقال عثمان: انظروا إلى هذا، يزعم الناس أنّه قارى‏ء، ثمّ هو يجي‏ء فيكلّمني في المحقّرات، فو اللّه ما يدري أين اللّه قال عامر: أنا لا أدري أين اللّه قال: نعم، و اللّه ما تدري أين اللّه قال عامر: بلى و اللّه إنّي لأدري أنّ اللّه بالمرصاد لك.

فأرسل عثمان إلى معاوية، و إلى عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، و إلى سعيد بن العاص، و إلى عبد اللّه بن عامر، و إلى عمرو بن العاص فجمعهم ليشاورهم في أمره و ما طلب إليه، و ما بلغه عنهم، فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم:

إنّ لكلّ امرى‏ء وزراء و نصحاء، و إنّكم وزرائي و نصحائي و أهل ثقتي، و صنع الناس ما قد رأيتم، و طلبوا إليّ أن أعزل عمّا لي، و أن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيكم، و أشيروا عليّ.

فقال عبد اللّه بن عامر: رأيي لك أن تشغلهم بجهاد يشغلهم عنك، و أن تجمّرهم( ١ ) في المغازي حتّى يذلّوا لك فلا يكوننّ همّ أحدهم إلاّ نفسه، و ما هو فيه من دبرة دابته، و قمل فروه.

ثمّ أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: إن كنت تريد [ ترى ] رأينا فاحسم عنك الداء، و اقطع عنك الذي تخاف، و اعمل برأيي تصب. قال: و ما هو؟ قال: إنّ لكلّ قوم قادة متى تهلك يتفرّقوا، و لا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إنّ هذا هو الرأي لو لا ما فيه.

____________________

(١) تجمير الجيش: أن تحبسهم في أرض العدوّ و لا تقفلهم من الثغر. (الصحاح ٢: ٦١٦، مادة: جمر).

٢٤٢

ثمّ أقبل على معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى أن تردّ عمّالك على الكفاية لما قبلهم، و أنا ضامن لك قبلي.

ثمّ أقبل عثمان على عبد اللّه بن سعد فقال: ما رأيك؟ قال: أرى أنّ الناس أهل طمع، فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثمّ أقبل على عمرو بن العاص، فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى أنّك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل، فإنّ أبيت فاعتزم أن تعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزما، و امض قدما. فقال له عثمان: مالك قمل فروك؟ أ هذا الجدّ منك فأسكت عنه دهرا، حتّى إذا تفرّق القوم، قال عمرو لعثمان: لا و اللّه لأنت أعزّ عليّ من ذلك، و لكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كلّ رجل منّا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي، فأقود إليك خيرا، أو أدفع عنك شرّا( ١) .

و رواه عن الزهريّ أيضا و زاد: فردّ عثمان عمّا له على أعمالهم، و أمرهم بالتضييق على من قبلهم، و أمرهم بتجمير الناس في البعوث، و عزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه، و يحتاجو إليه( ٢) .

«و استبدل اللّه بقوم قوما. و بيوم يوما» قال ابن أبي الحديد: أي: استبدل اللّه بعثمان و شيعته عليّاعليه‌السلام و شيعته، و بأيّام ذاك أيّام هذا( ٣) .

قلت: استبدل بالظلمة النّور، و بالجور العدل، و بالباطل الحقّ.

و في (خلفاء ابن قتيبة) بعد ذكر خطبة لهعليه‌السلام في التحريض على جهاد معاوية: ثمّ قام أبو أيّوب الأنصاريّ فقال: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قد أسمع من كانت له اذن واعية، و قلب حفيظ، إنّ اللّه قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٣٣ ٣٣٤، سنة ٣٤.

(٢) نفس المصدر ٤: ٣٣٥، سنة ٣٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٥٣.

٢٤٣

حقّ قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و خير المسلمين و أفضلهم و سيّدهم بعده، يفقّهكم في الدين، و يدعوكم إلى جهاد المحلّين، فو اللّه لكأنّكم صمّ لا تسمعون، و قلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تستجيبون، أ ليس إنّما عهدكم بالجور و العدوان أمس، و قد شمل العباد، و شاع في الإسلام، فذو حقّ محروم، و مشتوم عرضه، و مضروب ظهره، و ملطوم وجهه، و موطوء بطنه، و ملقى بالعراء فلمّا جاءكم أمير المؤمنينعليه‌السلام صدع بالحقّ، و نشر العدل [ بالعدل ]، و عمل بالكتاب، فاشكروا نعمة اللّه عليكم، و لا تتولّوا مجرمين( ١) .

و في (جمل محمّد بن محمّد بن النعمان): لمّا بعث عليّعليه‌السلام الأشتر إلى الكوفة لمّا أراد قتال البصرة، صعد الأشتر المنبر و قال بعد حمده تعالى و ذكر الإسلام إلى أن قال: ثمّ ولّي رجل نبذ كتاب اللّه وراء ظهره، و عمل في أحكام اللّه بهوى نفسه، فسألناه أن يعزل نفسه عنّا فلم يفعل، و أقام على أحداثه، فاخترنا هلاكه على هلاك ديننا و دنيانا، و لا يبعد اللّه إلاّ القوم الظالمين، و قد جاءكم اللّه بأعظم الناس مكانا، و أجلّهم في الإسلام سهما، ابن عمّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أفقه الناس في دين اللّه، و أقرئهم لكتاب اللّه، و أشجعهم عند اللقاء يوم البأس، و قد استنفركم فما تنتظرون؟ أ سعيد الذي فعل ما فعل، أم الوليد الذي شرب الخمر و صلّى بكم على سكر، أيّ هذين تريدون؟ قبّح اللّه من له هذا الرأي( ٢) .

«و انتظرنا الغير» أي: التغيّرات.

«انتظار المجدب» أي: من أصابه القحط.

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٥٢ ١٥٣، و الآية ٥٢ من سورة هود.

(٢) الجمل للمفيد: ٢٥٤ ٢٥٥، و نقله الشارح بتصرّف.

٢٤٤

«المطر» كان انتظار الناس أيّام عثمان انتظار ناس أصابهم القحط لمطر يحييهم.

و لمّا أخرج عثمان أبا ذرّ إلى الربذة، و شيّعه أمير المؤمنينعليه‌السلام و الحسنان عليهما السلام، قال له الحسينعليه‌السلام : يا عمّاه، إنّ اللّه تعالى قادر على أن يغيّر ما ترى و هو كلّ يوم في شأن( ١) .

و في (تاريخ الثقفي): أنّ رجلا شهد الجمعة عند معاوية بالجابية لقي أبا الدرداء و صاحبا له في طريق، فقال لهما: خبر كرهت أن اخبركما به، فقال أبو الدرداء: لعلّ أبا ذرّ قد نفي. قال: نعم و اللّه. فاسترجع أبو الدرداء و صاحبه قريبا من عشر مرّات، ثمّ قال أبو الدرداء لصاحبه:... فَارتقِبهم و اصْطَبِر( ٢ ) كما قيل لأصحاب الناقة( ٣) .

و في (سقيفة الجوهريّ): عن أبي كعب الحارثي في خبر أنّه كان يجي‏ء عند عثمان إذ جاء نفر فقالوا: إنّه أبى أن يجي‏ء. فغضب عثمان و قال: أبى أن يجي‏ء اذهبوا فجيئوا به فإن أبى فجرّوه جرّا. قال: فمكثت قليلا فجاؤوا و معهم رجل آدم طوال أصلع، في مقدّم رأسه شعرات، و في قفاه شعرات، فقلت: من هذا؟ قالوا: عمّار.

فقال له عثمان: أنت الذي تأتيك رسلنا فتأبى أن تجي‏ء؟ فكلّمه بشي‏ء لم أدر ما هو إلى أن قال: فتبعت عثمان حتّى دخل المسجد، فإذا عمّار جالس إلى سارية، و حوله نفر من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكون، فقال عثمان: يا وثّاب عليّ بالشرط. فجاؤوا، فقال: فرّقوا بين هؤلاء.

____________________

(١) السقيفة و فدك ٧٦ ٧٧، شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٣ ٢٥٤.

(٢) من الآية ٢٧ في سورة القمر.

(٣) نقله عنه، العلاّمة المجلسيرضي‌الله‌عنه في بحار الأنوار ٨: ٣٣٧ ط الكمباني.

٢٤٥

ثمّ اقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان فصلّى بهم، فلمّا كبّر قالت امرأة من حجرتها: تركتم أمر اللّه، و خالفتم عهده. ثمّ صمتت و تكلّمت اخرى بمثل ذلك، فإذا هما عائشة و حفصة. فسلّم عثمان ثمّ أقبل على الناس فقال: إنّ هاتين لفتّانتان، يحلّ لي سبّهما، و أنا بأصلهما عالم. فقال له سعد: أ تقول هذا لحبائب النبيّ؟ فقال له: و فيم أنت و ما ها هنا، ثمّ أقبل نحو سعد عامدا ليضربه، فانسلّ سعد إلى أن قال: فلقي عليّاعليه‌السلام بباب المسجد، فقال عثمان له: أ لست الذي خلّفك النبيّ يوم تبوك؟ فقال له عليّعليه‌السلام : أ لست الفارّ يوم احد؟( ١) .

و في (موفّقيّات الزبير بن بكّار) عن ابن عبّاس في خبر قال عثمان لعمّار: أما إنّك من شنآئنا و أتباعهم، و ايم اللّه، إنّ اليد عليك منبسطة، و إنّ السبيل إليك لسهلة إلى أن قال فقال له عمّار: و اللّه ما أعتذر من حبّي عليّاعليه‌السلام . فقال له عثمان: إنّك و اللّه ما علمت لمن أعوان الشرّ الحاضّين عليه، الخذلة عند الخير و المثبّطين عنه. فقال عمّار: مهلا يا عثمان، فقد سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصفني بغير ذلك. قال عثمان: و متى؟ قال: يوم دخلت أنا عليه منصرفه عن الجمعة، و ليس عنده غيرك، و قد ألقى ثيابه، و قعد في فضله( ٢) ، فقبّلت أنا صدره و نحره و جبهته، فقال: يا عمّار، إنّك لتحبّنا و إنّا لنحبّك، و إنّك لمن الأعوان على الخير و المثبّطين عن الشرّ.

فقال عثمان: أجل و لكنّك غيّرت و بدّلت. فرفع عمّار يديه يدعو و قال:

آمّن يا ابن عبّاس، اللهمّ من غيّر فغيّر به( ٣) .

و روى (الموفقيات) أيضا عن عليّعليه‌السلام قال: أرسل إليّ عثمان في

____________________

(١) السقيفة و فدك: ٧٩ ٨١، شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣ ٥، و نقله الشارح بتلخيص.

(٢) ثوب فضل، تقول: خرجت في فضل أي: في ثوب واحد ملحفة أو نحوها. أساس البلاغة: ٣٤٣، مادة (فضل).

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٠ ١١.

٢٤٦

الهاجرة( ١ ) ، فتقنّعت بثوبي، فأتيته، فدخلت عليه و هو على سريره، و في يده قضيب، و بين يديه مال دثر( ٢ ) : صبرتان من ورق و ذهب، فقال: دونك خذ من هذا حتّى تملأ بطنك فقد أحرقتني. فقلت: وصلتك رحم إن كان هذا المال ورثته، أو أعطاكه معط، أو اكتسبته من تجارة، كنت أحد رجلين: إمّا آخذ و أشكر، أو أفرّ و أجهد، و إن كان من مال اللّه و فيه حقّ المسلمين و اليتيم و ابن السبيل، فو اللّه مالك عليّ أن تعطينيه، و لا لي أن آخذه. فقال: أبيت و اللّه إلاّ ما أبيت. ثمّ قام إليّ بالقضيب فضربني، و اللّه ما أردّ يده حتّى قضى [ حاجته ]، فتقنّعت بثوبي، و رجعت إلى منزلي، و قلت: اللّه بيني و بينك إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيتك عن منكر( ٣) .

و روى الثقفي في (تاريخه) عن داود بن الحصين الأنصاري أنّ محمّد بن مسلمة الأنصاري قال يوم قتل عثمان: ما رأيت يوما قطّ أقرّ للعيون و لا أشبه بيوم بدر من هذا اليوم.

و روى عن أبي سفيان قال: أتيت محمّد بن مسلمة فقلت: قتلتم عثمان؟

قال: نعم، و أيم اللّه ما وجدت رائحة هي أشبه برائحة يوم بدر من رائحة هذا اليوم( ٤) .

قلت: صدق، ففي بدر قتل جمع من الجبابرة، و اسر جمع من الجبابرة، و في ذاك اليوم قتل رئيس الجبابرة عثمان رئيس بني اميّة الشجرة الملعونة، فذلّوا و خزيوا.

ثمّ تشبيه أمر محبوب متوقّع بمطر بعد جدب، كما في كلامهعليه‌السلام ، أمر

____________________

(١) الهجر و الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحرّ. (الصحاح ٢: ٨٥١، مادة: هجر).

(٢) الدثر بالفتح: المال الكثير. يقال: مال دثر و أموال دثر. (الصحاح ٢: ٦٥٥، مادة: دثر).

(٣) أخبار الموفقيات للزبير بن بكار: ٦١٢ رقم ٣٩٥، مطبعة العاني، بغداد، شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٦.

(٤) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٤٠ ط الكمباني.

٢٤٧

شائع قال الفرزدق:

إنّي و إيّاك إذ حلّت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور( ١)

و قال آخر:

و حديثها كالغيث يسمعها

راعي سنين تتابعت جدبا

فأصاخ يرجو أن يكون حيا

و يقول من فرح هياربا( ٢)

و لمّا كثر عبث هشام بن عبد الملك بالوليد بن يزيد و بند مائه، قال أحدهم:

لعلّ الوليد دنا ملكه

فأمسى إليه قد استجمعا

و كنّا نؤمّل في ملكه

كتأميل ذي الجدب أن يمرعا( ٣)

قلت: لكنّ الوليد وعد ذلك من نفسه إلاّ أنّه لم يفعل كعثمان الذي وعد الناس الخير في أوّل خلافته لما حصل له العيّ في خطبته، و لم يفعل إلاّ الشّرّ.

قال أبو الفرج في (أغانيه): لمّا خرج زيد بن عليّ على هشام منع أهل مكّة و المدينة أعطياتهم، فلمّا ولي الوليد بعده كتب إلى أهل مكّة و المدينة:

ضمنت لكم إن لم تصابوا بمهجتي

بأنّ سماء الضرّ عنكم ستقلع

فلمّا فعل خلاف ما قال، قال حمزة بن بيض ردّا عليه:

وصلت سماء الضرّ بالضرّ بعد ما

زعمت سماء الضرّ عنّا ستقلع

فليت هشاما كان حيّا يسوسنا

و كنّا كما كنّا نرجّي و نطمع( ٤)

هذا، و بعضهم بدل في التشبيه، المطر بعد المحل بقرب الغريق إلى

____________________

(١) أورده أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني ٢١: ٣٠٨ هكذا:

إنّا و إيّاك إن بلّغن أرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور

 (٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤: ٨٢، دار الكتاب العربي.

(٣) الأغاني ٧: ٨ ٩.

(٤) الأغاني ٧: ٢١ ٢٢.

٢٤٨

الساحل فقال:

إذا قلت أي فتى تعلمون

أهش إلى الطعن بالذابل

و أضرب للقرن يوم الوغى

و أطعم في الزمن الماحل

أشارت إليك أكفّ الورى

اشارة غرقى إلى الساحل

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد قال: كلامهعليه‌السلام «و انتظرنا الغير، انتظار المجدب المطر» يدلّ على أنّهعليه‌السلام كان يتربّص بعثمان الدوائر، و يرتقب حلول الخطوب بساحته.

فإن قلت: أ يجوز على مذهب المعتزلة أن يقال: إنّهعليه‌السلام كان ينتظر قتل عثمان، انتظار المجدب المطر، و هل هذا إلاّ محض مذهب الشيعة قلت: إنّهعليه‌السلام و إن قال: «انتظر الغير» يجوز أن يكون أراد انتظار خلعه و عزله عن الخلافة، فإنّ عليّاعليه‌السلام عند أصحابنا كان يذهب إلى أنّ عثمان يستحقّ الخلع بأحداثه، و لم يستحقّ القتل.

فإن قلت: أ تقول المعتزلة أنّ عليّاعليه‌السلام كان يذهب إلى فسق عثمان المستوجب لأجله الخلع؟

قلت: كلاّ حاش للّه أن تقول المعتزلة ذلك و إنّما تقول: إنّ عليّاعليه‌السلام كان يرى أنّ عثمان يضعف عن تدبير الخلافة، و أنّ أهله غلبوا عليه، و استبدّوا بالأمر دونه، و استعجزه المسلمون، و استسقطوا رأيه، فصار حكمه حكم الإمام إذا عمي، أو أسره العدوّ، فإنّه ينخلع من الإمامة( ١) .

قلت: هب أنّ الأمر كما ذكر، فإذا كان عثمان بالغا درجة الانخلاع فضلا عن استحقاقه الخلع، هل صار قتله موجبا لاستحقاق الخلافة،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٥٣ ١٥٤، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٤٩

فكيف يقولون بإمامته؟

ثمّ لم أعلم أيّ شي‏ء يجعلون معنى الفسق، فإن لم يكن عثمان بتلك الأحداث فاسقا فلا فاسق في الدّنيا.

ثمّ كيف لم يكن فاسقا بها و قد قال تعالى:... و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون( ١ ) ؟

و قال جلّ و علا:... و مَن لم يحكُم بما أنزل اللّه فاولئك هم الظالمون( ٢) .

و قال عزّ اسمه:... و مَنْ لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون( ٣) .

و كان عمّار يقول: هذه الثلاثة تشهد بكفره و أنا الرابع( ٤) .

و سبحان اللّه هل حبّ الشي‏ء يعمي الإنسان و يصمّه بدرجة يسلبه فطرياته و ضروريّات العقول؟ و إلاّ فمن قال بإمامة أبي بكر و عمر في عصر عثمان كفّر عثمان، و أباح دمه، و إنّما حمل معاوية عدوّ الاسلام و لعين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير موطن الناس بالسيف على القول به.

ثمّ كيف يقول ابن أبي الحديد: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يقل بفسقه، و لا باستحقاقه القتل( ٥ ) و الأشتر يصيح بين يديه في صفّين:

لا يبعد اللّه سوى عثمانا

مخالف قد خالف الرحمانا

____________________

(١) المائدة: ٤٧.

(٢) المائدة: ٤٥.

(٣) المائدة: ٤٤.

(٤) تفسير العيّاشي ١: ١٢٣ ٣٢٣، الشافي في الإمامة ٤: ٢٩١.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٩: ١٥٣.

٢٥٠

نصرتموه عابدا شيطانا( ١)

و عمّار يصيح بين يديه كما في (صفّين نصر بن مزاحم): امضوا عباد اللّه إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان و يقول هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه. فقالوا: إنّه ما أحدث شيئا. و ذلك لأنّه مكّنهم من الدّنيا فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون لو انهدّت عليهم الجبال. و اللّه ما أظنّهم يطلبون دمه، إنّهم ليعلمون أنّه كان ظالما، و لكنّ القوم ذاقوا الدّنيا فاستحبّوها و استمروها و علموا لو أنّ الحقّ لزمهم لحال بينهم و بين ما يرعون فيه منها. و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقّون بها الطاعة و الولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة( ٢) .

و روى الثقفي أنّ رجلا قال لعمّار يوم صفّين: علام تقاتلهم؟ قال: على أنّهم زعموا أنّ عثمان مؤمن و نحن نزعم أنّه كافر( ٣) .

و روى الواقدي كما في (تقريب الحلبي): أنّه قيل لحذيفة:

ما تقول في قتلة [ قتل ] عثمان؟ فقال: هل هو إلاّ كافر قتل كافرا أو مسلم قتل كافرا؟ فقالوا: ما جعلت لعثمان مخرجا. قال: إنّ اللّه لم يجعل له مخرجا( ٤) .

____________________

(١) وقعة صفين: ١٧٨.

(٢) وقعة صفين: ٣١٩.

(٣) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٨: ٣٣٨ ط الكمباني.

(٤) المصدر نفسه ٨: ٣٣٩.

٢٥١

٩ - الخطبة (٢٤) و من كلام لهعليه‌السلام قاله لعبد اللّه بن عباس، و قد جاءه برسالة من عثمان، و هو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع، ليقلّ هتف الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل.

فقالعليه‌السلام :

يَا؟ اِبْنَ عَبَّاسٍ؟ مَا يُرِيدُ؟ عُثْمَانُ؟ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلاً نَاضِحاً بِالْغَرْبِ أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ ثُمَّ هُوَ اَلْآنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ وَ اَللَّهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً أقول: هذا العنوان في (المصرية) قبل عنوان واحد من آخر باب الخطب( ١ ) و الصواب جعله قبل خمسة عناوين، أي قبل عنوان: «و من كلام لهعليه‌السلام اقتصّ فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢) .

قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام قاله لعبد اللّه بن عبّاس و قد جاءه برسالة من عثمان» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و في (ابن ميثم): «من عند عثمان»( ٤ ) ، و في (ابن أبي الحديد): «من عثمان بن عفّان»( ٥ ) ، و الصواب ما في (ابن ميثم)، لكون نسخته بخطّ المصنّف.

«و هو محصور» أي: حاصره الناس.

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢٦٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٢٩٦، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٢٢.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٢٦٠.

(٤) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٢٢: «من عثمان» أيضا.

(٥) في شرح ابن أبي الحديد المطبوع ١٣: ٢٩٦: «من عثمان» أيضا.

٢٥٢

«يسأله فيها» ليس «فيها» في (ابن ميثم)( ١) .

«الخروج إلى ماله بينبع»، قال (الصحاح): ينبع بلد( ٢ ) . و قال في (القاموس): ينبع حصن له عيون و نخيل و زروع بطريق حاجّ مصر( ٣) .

و قال ابن دريد: ينبع بين مكّة و المدينة( ٤) .

و قال غيره: ينبع من أرض تهامة غزاها النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يلق كيدا و هي قريبة من طريق الحاجّ الشامي، و قال الشريف الينبعي: عددت بها مائة و سبعين عينا( ٥) .

و قال الحموي في (بلدانه): قال عرّام السلمي: ينبع عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة على سبع مراحل، و هي لبني حسن بن عليّ، و كان يسكنها الأنصار و جهينة و ليث، و فيها عيون عذاب غزيرة، و واديها يليل، و بها منبر، و هي قرية غنّاء و واديها يصبّ في غيقة، و قال غيره: ينبع حصن به ماء و نخيل و زرع، و بها وقوف لعليّعليه‌السلام يتولاّها ولده( ٦) .

«ليقل هتف الناس» أي: تصويتهم و صيحتهم.

«باسمه للخلافة» و في نسخة (ابن ميثم)( ٧ ) : «بالخلافة».

«بعد أن كان» أي: عثمان.

____________________

(١) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٢٢: «فيها» أيضا.

(٢) الصحاح ٣: ١٢٨٨: مادة (نبع).

(٣) القاموس المحيط ٣: ٨٧ مادة (نبع).

(٤) جمهرة اللغة ١: ٣٦٨ مادة (نبع).

(٥) معجم البلدان ٥: ٤٥٠.

(٦) المصدر نفسه ٥: ٤٤٩ ٤٥٠.

(٧) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٣٢: «للخلافة» أيضا.

٢٥٣

«سأله مثل ذلك» أي: خروجه إلى ينبع.

«من قبل» هذه المرّة.

«فقالعليه‌السلام » الكلمة تأكيد، و إلاّ فلا حاجة إليها بعد قوله: «و من كلام لهعليه‌السلام ».

قولهعليه‌السلام : «يا بن عبّاس ما يريد عثمان إلاّ أن يجعلني جملا» هكذا في (المصرية)( ١ ) و الصواب: «ما يريد عثمان أن يجعلني إلاّ جملا» كما في (ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«ناضحا» أي: مستقيا عليه.

«بالغرب» أي: الدلو العظيم.

«اقبل» بلفظ المتكلّم من الإقبال.

«و ادبر» كما يقبل و يدبر الجمل الناضح بالغرب.

«بعث إليّ أن أخرج ثمّ بعث إليّ أن اقدم، ثمّ هو الآن يبعث إليّ أن أخرج» و في (ابن ميثم): «ثمّ هو يبعث الآن إليّ أن أخرج»( ٣) .

في (العقد الفريد): قال ابن عبّاس: أرسل إليّ عثمان فقال لي: اكفني ابن عمّك فقلت: إنّ ابن عمّي ليس بالرجل يرى له و لكنّه يرى لنفسه، فأرسلني إليه بما أحببت. قال: قل له: فليخرج إلى ماله بينبع، فلا أغتمّ به و لا يغتمّ بي. فأتيته فأخبرته، فقال: ما اتّخذني عثمان إلاّ ناضحا، ثمّ أنشد يقول:

فكيف به أنّي اداوي جراحه

فيدوى فلا ملّ الدواء و لا الداء

إلى أن قال: فخرج عليعليه‌السلام إلى ينبع، فكتب إليه عثمان حين اشتدّ

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢٦١.

(٢) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٣٢: «إلاّ أن يجعلني جملا» أيضا.

(٣) في شرح ابن ميثم المطبوع ٤: ٣٣٢ «ثمّ هو الآن هو يبعث إليّ أن أخرج».

٢٥٤

عليه الأمر: أمّا بعد فقد بلغ السيل الزّبى، و جاوز الحزام الطّبيين، و طمع فيّ من كان يضعف عن نفسه.

و إنّك لم يفخر عليك كفخر

ضعيف و لم يغلبك مثل مغلّب

فأقبل إليّ، و كن لي أم عليّ، صديقا كنت أم عدوّا.

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

و إلاّ فأدركني و لمـّا امزّق( ١)

و في (خلفاء ابن قتيبة): ذكروا أنّه لمّا اشتدّ الطعن على عثمان، استأذنه عليّعليه‌السلام في بعض بواديه ينتحي إليها، فأذن له، فلمّا اشتدّ الأمر عليه بعد خروج عليّعليه‌السلام ، و رجا الزبير و طلحة أن يميلا إليهما قلوب الناس، و يغلبا عليهم، و اغتنما غيبة عليّعليه‌السلام كتب عثمان إلى عليّعليه‌السلام : أمّا بعد فقد بلغ السيل الزّبي، و جاوز الحزام الطبيين، و ارتفع أمر الناس في شأني فوق قدره، و زعموا أنّهم لا يرضون دون دمي، و طمع فيّ من لا يدفع عن نفسه.

و إنّك لم يفخر عليك البيت و قد كان يقال: أكل السبع خير من افتراس الثعلب( ٢) .

«و اللّه لقد دفعت عنه حتّى خشيت أن أكون آثما» بالدفاع عن ظالم.

في (الطبري): قال أبو حبيبة: نظرت إلى سعد يوم قتل عثمان دخل عليه ثمّ خرج و هو يسترجع ممّا يرى على الباب، فقال له مروان: الآن تندم أنت أشعرته( ٣ ) إلى أن قال: فقال له مروان: إن كنت تريد أن تذبّ عنه، فعليك بابن أبي طالب فإنّه متستّر، و هو لا يجبه فخرج حتّى أتى عليّاعليه‌السلام و هو بين القبر و المنبر إلى أن قال فقال له عليّعليه‌السلام : و اللّه ما زلت أذبّ عنه حتّى إنّي

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ٥٩ ٦٠.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٣٤.

(٣) قال الزمخشري: أشعرت أمر فلان: جعلته معلوما مشهورا، و أشعرت فلانا: جعلته علما بقبيحة أشدتها عليه. (أساس البلاغة: ٢٣٦، مادة: شعر).

٢٥٥

لأستحيي، و لكنّ مروان و معاوية و عبد اللّه بن عامر و سعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى، فإذا نصحته و أمرته أن ينحّيهم استغشّني حتّى جاء ما ترى. فبيناهم كذلك إذ جاء محمّد بن أبي بكر، فسارّ عليّاعليه‌السلام ، فأخذ عليّعليه‌السلام بيدي، و نهض و هو يقول: أيّ خير توبته هذه فو اللّه ما بلغت داري حتّى سمعت الهائعة( ١ ) أنّ عثمان قد قتل( ٢) .

و في (الطبري) أيضا: لمّا خرج ابن عديس من مصر في خمسمائة إلى عثمان و جاؤوا حتّى نزلوا اذا خشب، قال عثمان لعليّعليه‌السلام : احبّ أن تركب إليهم فتردّهم عنّي، فإنّي لا احبّ أن يدخلوا عليّ فإنّ ذلك جرأة منهم عليّ، و يسمع [ ليسمع ] بذلك غيرهم.

فقال عليّعليه‌السلام له: علام أردّهم؟ قال: على أن أصير إلى ما أشرت به عليّ و رأيته لي، و لست أخرج من يديك. فقال عليّعليه‌السلام له: إنّي قد كنت كلّمتك مرّة بعد مرّة، فكلّ ذلك تخرج و تكلّم، و تقول و تقول، و ذلك كلّه فعل مروان و سعيد بن العاص و ابن عامر و معاوية، أطعتهم و عصيتني. قال عثمان: فإنّي أعصيهم و أطيعك.

فركب عليعليه‌السلام إلى أهل مصر، فردّهم عنه، فانصرفوا راجعين( ٣) .

و روى أيضا: أنّهعليه‌السلام جاء إلى عثمان بعد انصراف المصريّين، و قال له:

تكلّم كلاما يسمعه الناس منك و يشهدون عليه، و تشهد [ يشهد ] اللّه على ما في قلبك من النزوع و الإنابة، فإنّ البلاد قد تمخّضت عليك، فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة، فتقول: اركب إليهم. و يقدم ركب آخرون من البصرة،

____________________

(١) الهائعة: الصوت الشديد (الصحاح ٣: ١٣٠٩، مادة: هيع).

(٢) تاريخ الطبري ٤: ٣٧٧ ٣٧٨، سنة ٣٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٥٧ ٣٥٩، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٥٦

فتقول: اركب إليهم، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك. فخرج فخطب الخطبة التي نزع فيها إلى أن قال: فخرج مروان إلى الباب و الناس يركب بعضهم بعضا، فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنّكم قد جئتم لنهب شاهت الوجوه تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا فإنّا و اللّه ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا.

فرجع الناس و خرج بعضهم حتّى أتى عليّاعليه‌السلام فأخبره الخبر، فجاء مغضبا حتّى دخل على عثمان، فقال له: أما رضيت من مروان و لا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك و عن عقلك، مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به و اللّه ما مروان بذي رأي في دينه و لا في نفسه، و ايم اللّه إنّي لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك، و ما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، و غلبت على أمرك.

فلمّا خرج دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته، فقالت: قد سمعت قول علي لك، و إنّه ليس يعاودك، و قد أطعت مروان يقودك حيث شاء. قال: فماذا [ فما ] أصنع؟ قالت: تتّقي اللّه، و تتّبع سنّة صاحبيك من قبلك، فإنّك متى أطعت مروان قتلك، و مروان ليس له عند الناس قدر و لا هيبة و لا محبّة، و إنّما تركك الناس لمكان مروان، فأرسل إلى عليّ فاستصلحه. فأرسل إليه فأبى أن يأتيه، و قال: قد أعلمته أنّي لست بعائد( ١) .

و روى الطبريّ أيضا: عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: جاء رسول عثمان إلى عليّعليه‌السلام أن ائتني. فقال بصوت مرتفع عال مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليك و لا عائد إلى أن قال: قال عبد الرحمن: فغدوت فجلست معهعليه‌السلام ، فقال: جاءني عثمان البارحة، فجعل يقول: إنّك [ إنّي ] غير عائد، و إنّي

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٠ ٣٦٣، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٥٧

فاعل. فقلت له: بعد ما تكلّمت به على منبر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أعطيت من نفسك، ثمّ دخلت بيتك، و خرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك، فرجع عثمان و هو يقول: قطعت رحمي، و خذلتني، و جرأت الناس عليّ.

فقلت: و اللّه إنّي لأذبّ الناس عنك، و لكنّي كلّما جئت بهنة أظنّها لك رضا جاء باخرى، فسمعت قول مروان عليّ، و استدخلت مروان.

قال عبد الرحمن: فلم أزل أرى عليّاعليه‌السلام منكّبا عنه لا يفعل ما كان يفعل، إلاّ أنّي أعلم أنّه قد كلّم طلحة حين حصر في أن يدخل عليه الروايات و غضب في ذلك غضبا شديدا، حتّى دخلت الروايا على عثمان( ١) .

و روى أبو حذيفة في كتابه مقتل عثمان كما في (جمل المفيد) عن ابن إسحاق عن الزهريّ قال: لمّا قدم أهل مصر في ستّمائة راكب، عليهم عبد الرحمن بن عديس البكري [ البلويّ ] فنزلوا ذا خشب و فيهم كنانة بن بشر الكناني [ الكنديّ ]، و ابن بديل الخزاعيّ، و أبو عروة الليثي، و اجتمع معهم حكيم بن جبلة العبدي في طائفة من أهل البصرة، و كميل بن زياد، و مالك الأشتر، و صعصعة بن صوحان، و حجر بن عدي، في جماعة من قرّاء الكوفة الذين كانوا سيّرهم عثمان من الكوفة إلى الشام حين شكوا أحداثه التي أنكرها عليه المهاجرون و الأنصار، فاجتمع فاجتمع القوم على عيب عثمان، و جهروا بذكر أحداثه، فمرّ بهم نفران، فقالا لهم: إن شئتم بلّغنا عنكم أزواج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن أمرنّكم أن تقدموا فأقدموا. فقالا لهم: افعلا و اقصدا عليّاعليه‌السلام آخر الناس.

فانطلقا فبدأ بعائشة و باقي أزواجه، ثمّ بأصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمروا أن يقدموا المدينة و صارا إلى عليّعليه‌السلام فأخبراه، فقال: هل أتيتما أحدا قبلي؟ قالا:

نعم، أزواج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أصحابه من المهاجرين و الأنصار، فأمروا أن يقدموا.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٣٦٤، سنة ٣٥، و نقله الشارح بتصرّف.

٢٥٨

فقالعليه‌السلام : لكنّي لا آمرهم، بل يستغيثون بمن [ يستعتبونه ممّن ] قرب، فإن أغاثهم [ أعتبهم ] فهو خير لهم، و إن أبى فهم أعلم.

فخرجا إليهم و تسرّع جماعة من المدينة إليهم و اجتمعوا مع أهل ذي خشب و ذي مروة [ أهل الحسب و ذوي المروّات ].

فلمّا بلغ عثمان اجتماعهم أرسل إلى عليّعليه‌السلام و قال: يا أبا الحسن اخرج إلى هؤلاء القوم و ردّهم. فخرجعليه‌السلام إليهم، فلمّا رأوه رحّبوا به و قالوا له: قد علمت ما أحدثه هذا الرجل من الأعمال الخبيثة، و ما يلقاه المسلمون منه و من عمّاله، و كنّا لقيناه و استعتبناه فلم يعتبنا، و كلّمناه فلم يصغ إلى كلامنا و أغراه ذلك بنا، و قد جئناه نطالبه بالاعتزال عن إمرة المسلمين، و استأذنا في ذلك المهاجرين و الأنصار و أزواج النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأذنوا لنا في ورود المدينة و نحن على ذلك.

فقالعليه‌السلام لهم: يا هؤلاء، تلبّثوا [ تريّثوا ] و لا تسرعوا إلى شي‏ء لا تعرفون عاقبته. فقالوا: هيهات لا نقنع منه إلاّ بالاعتزال عن هذا الأمر ليقوم به من يوثق به. فرجععليه‌السلام إلى عثمان و أخبره بمقالتهم.

فخرج عثمان فخطب و جعل يدعو إلى نصرته، فقام إليه عمرو بن العاص فقال: إنّك قد ركبت الناس بالتهمة [ بالنهابير ]، فتب إلى اللّه. فقال له:

و إنّك لهاهنا يا بن النابغة، ثمّ رفع يده إلى السماء و قال: أتوب إلى اللّه، اللهمّ إنّي أتوب إليك.

فأنفذ عليّعليه‌السلام إلى القوم بما صار إليه من التوبة و الإقلاع، و مع ذلك ساروا إليه بأجمعهم، و سار إليه عمرو بن معدى كرب في ناس كثيرين و جعل يحرّض على عثمان، و انضمّ إليهم من المهاجرين و الأنصار طلحة و الزبير و جمهور الأنصار، فخرج عليعليه‌السلام إليهم و قال لهم: اتّقوا اللّه ما لكم و للرجل؟

٢٥٩

أما رجع عمّا أنكرتموه، أما تاب على المنبر توبة جهر بها؟ و لم يزل يلطف بهم حتّى سكنت فورتهم.

ثمّ سأله أهل مصر أن يلقاه في عزل ابن أبي سرح، و أهل الكوفة في عزل سعيد بن العاص، و أهل البصرة في عزل ابن كريز، و يعدل عمّا كان عليه من منكر الأفعال. فدخلعليه‌السلام عليه، و لم يزل به حتّى أعطاه ما أراد القوم، و بذل لهم العهود و الأيمان. فخرج عليّعليه‌السلام إليهم بما ضمنه له، و لم يزل بهم حتّى تفرّقوا.

فلمّا سار أهل مصر ببعض الطريق إلى أن قال: رأوا كتابا من عثمان إلى ابن أبي سرح: إذا أتاك كتابي فاضرب عنق عمرو بن بديل، و عبد الرحمن البكري [ البلوي ]، و اقطع أيدي علقمة، و كنانة، و عروة و أرجلهم، ثمّ دعهم يتشحّطون في دمائهم، فإذا ماتوا فأوقفهم على جذوع النخيل [ النخل ].

فدخل عليّعليه‌السلام على عثمان و قال له: إنّك وسطتني أمرا بذلت الجهد فيه لك، أمّا أنا فمعتز لك و شأنك و أصحابك. و خرج من عنده و دخل داره و أغلق عليه بابه( ١) .

١٠ - الخطبطة (١٣٥)

و من كلام لهعليه‌السلام :

يَا اِبْنَ اَللَّعِينِ اَلْأَبْتَرِ وَ اَلشَّجَرَةِ اَلَّتِي لاَ أَصْلَ لَهَا وَ لاَ فَرْعَ أَنْتَ تَكْفِينِي فَوَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ اَللَّهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ وَ لاَ قَامَ مَنْ أَنْتَ مُنْهِضُهُ اُخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اَللَّهُ نَوَاكَ ثُمَّ اُبْلُغْ جَهْدَكَ فَلاَ أَبْقَى اَللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ

____________________

(١) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ١١٢٦، و ٤: ١١٥١ ١١٦١، الإمامة و السياسة ١: ٣٦ ٣٨، أنساب الأشراف، الجمل للمفيد: ١٣٧ ١٤١، و نقله الشارح عن الجمل بتصرّف و تلخيص.

٢٦٠

أقول: قال ابن أبي الحديد: روى عوانة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبيّ: أنّ عثمان لمّا كثرت شكايته من عليّعليه‌السلام ، أقبل لا يدخل عليه أحد من أصحاب النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ شكاه إليه، فقال له زيد بن ثابت الأنصاري و كان من شيعته و خاصّته: أ فلا أمشي إليه فاخبره بموجدتك فيما يأتي إليك؟ قال:

بلى. فأتاه زيد و معه المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي و عداده في بني زهرة، و امّه عمّة عثمان في جماعة فدخلوا عليه.

ثمّ قال له زيد: إنّ اللّه قدّم لك سلفا صالحا في الإسلام، و جعلك من الرسول بالمكان الذي أنت به، فأنت للخير كلّ الخير أهل، و عثمان ابن عمّك، و والي هذه الامّة، فله عليك حقّان: حقّ الولاية و حقّ القرابة و قد شكا إلينا أنّ عليّا يعرض لي، و يردّ عليّ أمري، و قد مشينا إليك نصيحة لك، و كراهية أن يقع بينك و بين ابن عمّك أمر نكرهه لكما.

فقال عليّعليه‌السلام : و اللّه ما احبّ الاعتراض، و لا الردّ عليه، إلاّ أن يأبى حقّا للّه لا يسعني أن أقول فيه إلاّ بالحقّ، و و اللّه لأكفنّ عنه ما وسعني الكفّ.

فقال المغيرة بن الأخنس و كان رجلا وقاحا، و كان من شيعة عثمان و خلصائه: إنّك و اللّه لتكفّنّ عنه أو لتكفّنّ فإنّه أقدر عليك منك عليه و إنّما أرسل هؤلاء القوم من المسلمين إعذارا [ إعزازا ] إليك ليكون له الحجّة عندهم عليك.

فقال له عليعليه‌السلام : يا بن اللعين الأبتر، و الشجرة التي لا أصل لها و لا فرع، أنت تكفّني؟ فو اللّه ما أعز اللّه امرأ أنت ناصره، اخرج أبعد اللّه نواك، ثمّ أجهد جهدك، فلا أبقى اللّه عليك و لا على أصحابك إن أبقيتم.

فقال زيد: إنّا و اللّه ما جئناك لنكون عليك شهودا، و لا ليكون مشينا [ ممشانا ] إليك حجّة، و لكن [ مشينا فيما بينكما ] التماس الأجر أن يصلح اللّه

٢٦١

ذات بينكما، ثمّ قام فقاموا معه( ١) .

قال ابن أبي الحديد: و هذا الخبر يدلّ على أنّ اللفظة «تكفّني» لا «تكفيني» كما ذكره الرضيّ، لكنّ الرضيّ طبّق هذه اللفظة على ما قبلها، و هو قوله: «أنا أكفيكه» و لا شبهة أنّه رواية اخرى( ٢) .

قلت: و رواه أعثم الكوفي في (تاريخه) مثل (ابن أبي الحديد) و زاد: أنّ الأصل في وقوع المشاجرة بين عليّعليه‌السلام و عثمان، أنّ عثمان أراد إخراج عمّار بعد أبي ذرّ إلى الربذة أيضا.

و مختصر روايته: أنّ عمّار لمّا سمع بوفاة أبي ذر في الربذة ترحّم عليه في حضور عثمان، فغضب و قال: ارسلوه إلى محل كان فيه أبو ذر. فقال له عمّار: مجاورة الكلاب و الخنازير أحبّ إليّ من جوارك.

و خرج من عنده و عزم عثمان على إخراجه، فاجتمع بنو مخزوم حلفاء عمّار إلى عليّعليه‌السلام و قالوا له: ضربه مرّة و فتقه اخرى، و الآن أراد إخراجه، فالق عثمان ينصرف عن هذا و إلاّ تكون فتنة. فدخل عليّعليه‌السلام على عثمان و قال له: أخرجت أبا ذر و هو من أجلّ الصحابة حتّى مات في الغربة، فانصرف وجوه المسلمين عنك و الآن أردت اخراج عمّار فاتّق اللّه. فغضب عثمان و قال:

يجب إخراجك أوّلا حتّى لا تجترى‏ء أمثال عمّار و فسادهم منك.

فقال له عليّعليه‌السلام : إنّك لا تقدر على ذلك، و فساد أمثال عمّار من أعمالك لا منّي، فأعمالك خلاف الدين فينكرون عليك. ثم خرج من عنده فاجتمع الناس إليه و قالوا: أراد عثمان أن يخرجنا جميعا حتّى نموت بعيدين من أهالينا.

فقالعليه‌السلام : قولوا لعمّار: لا يخرج من بيته. فاطمأن بنو مخزوم

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠٢ ٣٠٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠٣.

٢٦٢

باستظهارهعليه‌السلام ، و قالوا له: لو كنت معنا لم يقدر عثمان على إضرارنا. فبلغ ذلك إلى عثمان، فشكاهعليه‌السلام إلى الناس فقال له زيد بن ثابت: لو تأذن القى عليّا.

فخرج هو و المغيرة بن الأخنس إليهعليه‌السلام إلى آخر ما مرّ( ١) .

و تاريخ تأليف كتاب أعثم سنة (٢٠٤) كما صرّح به مترجمه المتوفى، و كلّ منهما عامّيّ( ٢) .

قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام » اقتصر عليه في (المصرية)( ٣ ) ، مع أنّه قال المصنّف بعده: «و قد وقعت مشاجرة بينه و بين عثمان، فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان: أنا أكفيكه. فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام للمغيرة» كما يشهد له نقل (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٤ ) مع اختلاف يسير، و اخترنا لفظ ما في (ابن ميثم) لكون نسخته بخطّ المصنّف.

____________________

(١) الفتوح لابن أعثم الكوفي ١: ١٦، تحقيق سهيل زكار، دار الفكر، بيروت.

(٢) قال ياقوت في معجم الأدباء ٢: ٢٣٠ ٢٣١ ما لفظه: «أحمد بن أعثم الكوفي أبو محمّد الاخباريّ المؤرّخ، كان شيعيّا، و هو عند أصحاب الحديث ضعيف، و له كتاب التاريخ إلى آخر أيّام المقتدر، ابتدأه بأيام المأمون، و يوشك أن يكون ذيلا على الأوّل، رأيت الكتابين». و عدّ العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ١: ٢٥ كتاب الفتوح من كتب تواريخ العامّة، و قال: و تاريخ الفتوح للأعثم الكوفي و تاريخ الطبري و... و قال حاجي خليفة في كشف الظنون في ذيل عنوان فتوحات الشام: و صنّف فيها أبو محمّد أحمد بن أعثم الكوفيّ و ترجمه أحمد بن محمّد المنوفيّ إلى الفارسية. و قال الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة ٣: ٢٢١: قال المنوفيّ في أوّل ترجمة «الفتوح»: «ذكر عندي كتاب الفتوح الذي ألّف سنة ٢٠٤» و هذا فيه غلط في تاريخ التأليف جزما، فإنّ ياقوت المعاصر للمترجم، لأنّه توفي سنة ٦٢٦، أخبر بأنّه رأى الكتابين: الفتوح المنتهي إلى عصر الرشيد، و التاريخ المنتهي فيه إلى أيّام المقتدر المقتول سنة ٣٢٠، و هما لأحمد بن أعثم. فمؤلّف هذا التاريخ كيف يكون تأليف فتوحه سنة ٢٠٤؟ فالظاهر أنّ المترجم بما أنّه لم يظفر بتاريخ ابن أعثم و إنّما ظفر بفتوحه فقط المنتهي إلى حدود سنة ٢٠٤، حسب ذلك تاريخ الفراغ لمؤلّفه و ترجمه الى الفارسية....

(٣) نهج البلاغة ٢: ٢٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠١، شرح ابن ميثم ٣: ١٦٣.

٢٦٣

ثمّ من مشاجراتهعليه‌السلام مع عثمان غير ما في المتن ما في (مروج المسعودي): أنّ عليّاعليه‌السلام لمّا رجع من تشييع أبي ذرّ استقبله الناس و قالوا له:

إنّ عثمان عليك غضبان لتشييعك لأبي ذرّ، فقالعليه‌السلام : غضب الخيل على اللّجم( ١ ) إلى أن قال: فقال له عثمان: أو لم يبلغك أنّي نهيت الناس عن تشييع أبي ذرّ؟ فقال له عليّعليه‌السلام : أو كلّ شي‏ء أمرتنا به نرى طاعة اللّه و الحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك؟ لا و اللّه. قال عثمان: أقد مروان إلى أن قال:

قال عثمان لهعليه‌السلام : فو اللّه ما أنت عندي بأفضل من مروان. فغضب عليعليه‌السلام و قال: ألي تقول هذا القول، و بمروان تعدلني؟ إلى أن قال: فلمّا كان من الغد و اجتمع الناس إلى عثمان شكا إليهم عليّاعليه‌السلام و قال: إنّه يعيبني و يظاهر من يعيبني يريد بذلك أبا ذرّ و عمّارا و غيرهما فدخل الناس بينهما، فقالعليه‌السلام : ما أردت بتشيع أبي ذرّ إلاّ اللّه( ٢) .

و ما في (تاريخ الثقفي) على ما في تقريب الحلبي عن عبد الرحمن بن معمّر عن أبيه قال: لمّا قدم بأبي ذرّ من الشام إلى عثمان كان ممّا أنّبه( ٣ ) عثمان به أن قال: أيّها النّاس، إنّه يقول: إنّه خير من أبي بكر و عمر. قال أبو ذرّ: أجل، أنا أقول و اللّه لقد رأيتني رابع أربعة من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما أسلم غيرنا، و ما أسلم أبو بكر و لا عمر، و لقد ولّيا و ما ولّيت.

فقال عليّعليه‌السلام : و اللّه لقد رأيته و إنّه لربع الإسلام. فردّ عثمان ذلك على عليعليه‌السلام ، و كان بينهما كلام، فقال عثمان: و اللّه لقد هممت بك. قال عليّعليه‌السلام :

____________________

(١) قال الميدانيّ في مجمع الأمثال ٢: ٥٦ ما لفظه: يضرب لمن يغضب غضبا لا ينتفع به، و لا موضع له، و نصب «غضب» على المصدر، أي: غضب غضب الخيل.

(٢) مروج الذهب ٢: ٣٥٠ ٣٥١، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

(٣) التأنيب: المبالغة في التوبيخ و التعنيف. النهاية ١: ٧٣، مادة (أنب).

٢٦٤

و أنا و اللّه لأهمّ بك. فقام عثمان و دخل بيته( ١) .

و نقل (ابن أبي الحديد) أيضا مقدارا من مشاجراته( ٢) .

هذا، و قالوا: كان اسم أبي المغيرة بن أخنس أبيّا، فلمّا خرجت قريش إلى بدر، و أتاهم الخبر عن أبي سفيان بسلامة العير، قال ابيّ لبني زهرة و كان حليفا لهم: ارجعوا. فرجعوا. فقيل: خنس بهم أبيّ، فسمّي الأخنس( ٣) .

قولهعليه‌السلام : «يا بن اللعين» قال ابن أبي الحديد: جعلعليه‌السلام أباه لعينا، لأنّه كان من أكابر المنافقين، ذكره أصحاب الحديث كلّهم في المؤلّفة الذين أسلموا يوم الفتح بألسنتهم دون قلوبهم، و أعطاه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل لتأليفه( ٤) .

قلت: و روى (أسباب نزول الواحدي): أنّ فيه نزل و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا و يشهد اللّه على ما في قلبه و هو ألدّ الخصام.

و إذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و اللّه لا يحبّ الفساد. و إذا قيل له اتّق اللّه أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم و لبِئسَ المِهاد( ٥) .

ففيه قال السّدي: أقبل الأخنس بن شريق الثقفي إلى المدينة فأظهر الإسلام، فأعجب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك منه، و قال الأخنس: إنّما جئت اريد الاسلام، و اللّه يعلم إنّي لصادق. ثمّ خرج من عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمرّ بزرع القوم من

____________________

(١) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار، ٨: ٣٣٧ ط الكمباني.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٤ ٢٥٥.

(٣) اسد الغابة ١: ٤٧ ٤٨، الإصابة ١: ٢٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠١.

(٥) أسباب النزول: ٣٩، و الآيات ٢٠٤ ٢٠٦ من سورة البقرة.

٢٦٥

المسلمين و حمر، فأحرق الزرع و عقر الحمر، فأنزل فيه تلك الآيات( ١) .

و منه يظهر قول ابن أبي الحديد: أسلم يوم الفتح( ٢) .

قال ابن أبي الحديد: و أبو الحكم بن الأخنس أخو المغيرة، قتله أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم احد كافرا في الحرب، و الحقد الذي في قلب المغيرة عليهعليه‌السلام من جهة أخيه هذا( ٣) .

قلت: و خرج ابنه عبد اللّه بن المغيرة، و ابن أخيه عبد اللّه بن أبي عثمان يوم الجمل عليهعليه‌السلام في الناكثين فقتلا( ٤) .

و في (إرشاد محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد): مرّ أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمل في القتلى على عبد اللّه بن المغيرة، فقالعليه‌السلام : أمّا هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدار، فخرج مغضبا لقتل أبيه و هو غلام حدث حيّن( ٥ ) لقتله.

ثمّ مرّعليه‌السلام بعبد اللّه بن أبي عثمان بن الأخنس، فقالعليه‌السلام : أمّا هذا فكأنّي أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف هاربا يعدو من الصفّ، فنهنهت عنه فلم يسمع من نهنهت فقتله( ٦) .

«الأبتر» قال ابن أبي الحديد: جعلعليه‌السلام أباه أبتر، لأنّ من كان عقبه ضالاّ خبيثا، فهو كمن لا عقب له، بل من لا عقب له خير منه( ٧) .

قلت: الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى: إنّ شانِئكَ هوم الأبتر( ٨ ) نزل

____________________

(١) أسباب النزول: ٣٩.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠١.

(٤) الجمل للمفيد: ٣٩٣ ٣٩٤.

(٥) الحين بالفتح: الهلاك يقال: حان يحين حينا، و حيّنه اللّه فتحيّن. (لسان العرب ٣: ٤٢٣ ٤٢٤، مادة: حين).

(٦) الإرشاد ١: ٢٥٥ ٢٥٦، الجمل: ٣٩٣ ٣٩٤، بحار الأنوار ٣٢: ٢٠٨.

(٧) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠١.

(٨) الكوثر: ٣.

٢٦٦

في العاص أبي عمرو بن العاص.

و في (الأسباب) أيضا: تحدّث العاص مع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند باب بني سهم، ثمّ دخل المسجد فقالت له قريش: من كنت تحدّث؟ قال ذاك الأبتر و قد كان ابنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خديجة مات، و كانوا يسمّون من ليس له ابن أبتر فأنزل تعالى سورة الكوثر( ١) .

«و الشجرة التي لا أصل لها و لا فرع» قال ابن أبي الحديد: قالعليه‌السلام ذلك لكون المغيرة من ثقيف، و في نسب ثقيف طعن فهم يزعمون أنّهم من هوازن من قيس عيلان، و قيل: إنّهم من إياد بن نزار، و قيل: إنّهم من بقايا ثمود( ٢) .

و قال الحجّاج: يزعمون أنّا من بقايا ثمود و قد قال تعالى: و ثمودَ فما أبقى( ٣) .

قلت: و مع كونه بهذه المثابة من الخباثة افتعل له سيف الوضّاع خبرا في كون قاتله من أهل النّار( ٤ ) ، لكونه قتل مع عثمان يوم الدار( ٥) .

«أنت تكفيني؟ فو اللّه ما أعزّ اللّه من أنت ناصره» يعنيعليه‌السلام عثمان.

«و لا قام من أنت منهضه» أي: مقيمه، و ناهضة الرجل بنو أبيه الذين يغضبون له، هذا، و في (بلاغات أحمد بن أبي طاهر البغدادي): لمّا قتل عليّعليه‌السلام بعث معاوية في طلب شيعته، فكان في من طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراغ منه فأرسل إلى امرأته فحبسها في سجن دمشق سنتين، ثم إنّ عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض بلاد الجزيرة، فقتله

____________________

(١) أسباب النزول: ٣٠٦ ٣٠٧.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠٣ ٣٠٥.

(٣) المصدر نفسه ٨: ٣٠٦، و الآية ٥١ من سورة النجم.

(٤) تاريخ الطبري ٤: ٣٩٠، سنة ٣٥.

(٥) تاريخ الطبري ٤: ٣٨٢، سنة ٣٥، شرح ابن أبي الحديد ٨: ٣٠٦.

٢٦٧

و بعث برأسه إلى معاوية و هو أول رأس حمل في الإسلام فبعث معاوية بالرأس إلى امرأته في السجن إلى أن قال: فسمعها الاسلع الهلالي، و كان رجلا أسود أصلع أصعل، تذكر معاوية فقال: من تعني هذه عليها لعنة اللّه.

فالتفتت إليه، فلمّا رأته قالت: خزيا لك و جدعا، أ تلعنني و اللعن بين جنبيك، و ما بين قرنك إلى قدميك، اخسأ يا هامة الصعل و وجه الجعل، فأذلل بك نصيرا و اقلل بك نصيرا. فبهت الاسلع منها و اعتذر إليها( ١) .

و في (كنايات الجرجاني) قال أبو حيان: رأيت أبا حامد في مجلس ابن أمّ شيبان يناظر خصما له، فابتدر أبو جعفر الأبهري ليتكلّم مداخلا، فأنشد أبو حامد:

فإن تك قيس قدمتك لنصرها

فقد خزيت قيس و ذلّ نصيرها( ٢)

«اخرج عنّا أبعد اللّه نواك» في (الصحاح): النوى: الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد و هي مؤنّثة( ٣) .

«ثمّ ابلغ جهدك» في (الصحاح): قال الفرّاء: الجهد بالضمّ الطاقة، و بالفتح من قولك: اجهد جهدك في هذا الأمر، أي: ابلغ غايتك و المراد فيما تستطيع من الإيذاء و الإضرار( ٤) .

«فلا أبقى اللّه عليك إن أبقيت» شيئا ممّا يأتي من يديك. و قد قالعليه‌السلام نظير هذا الكلام لحبيب بن مسلمة الفهريّ لمّا بعثه معاوية إليهعليه‌السلام في صفّين ففي (الطبري): أنّ حبيبا قال لهعليه‌السلام : كان عثمان خليفة مهديّا، يعمل بكتاب اللّه، و ينيب إلى أمر اللّه، فاستثقلتم حياته، و استبطأتم وفاته، فعدوتم عليه

____________________

(١) بلاغات النساء لابن أبي طاهر البغدادي: ٨٧، دار النهضة الحديثة، بيروت.

(٢) الكنايات للجرجاني: ١٠٠، مطبعة السعادة، مصر.

(٣) الصحاح ٦: ٢٥١٦، مادة (نوى).

(٤) المصدر نفسه ٢: ٤٦٠، مادة (جهد).

٢٦٨

فقتلتموه فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنّك لم تقتله نقتلهم به، ثمّ اعتزل أمر الناس، فيكون أمرهم شورى بينهم، يولّي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم.

فقالعليه‌السلام له: و ما أنت لا أمّ لك و هذا الأمر؟ اسكت فإنّك لست هنا لك و لا بأهل له فقام و قال: و اللّه لترينّي بحيث تكره. فقالعليه‌السلام : و ما أنت، و لو أجلبت بخيلك و رجلك؟ لا أبقى اللّه عليك إن أبقيت عليّ أحقرة و سوءا؟ اذهب فصوّب و اصعد [ صعّد ] ما بدا لك( ١) .

٢٦٩

١١ - الخطبة (١٣٠) و من كلام لهعليه‌السلام لأبي ذرّ رحمه اللّه لما اخرج إلى الرّبذة:

يَا؟ أَبَا ذَرٍّ؟ إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلَّهِ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ إِنَّ اَلْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ وَ خِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ وَ اُهْرُبْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ وَ مَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ وَ سَتَعْلَمُ مَنِ اَلرَّابِحُ غَداً وَ اَلْأَكْثَرُ حُسَّداً وَ لَوْ أَنَّ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرَضِ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ثُمَّ اِتَّقَى اَللَّهَ لَجَعَلَ اَللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ اَلْحَقُّ وَ لاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ اَلْبَاطِلُ فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لَأَحَبُّوكَ وَ لَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لَأَمَّنُوكَ أقول: قال ابن أبي الحديد: روى هذا الكلام أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في (سقيفته) عن عبد الرزّاق، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: لمّا أخرج أبو ذرّ إلى الربذة أمر عثمان، فنودي في الناس أن لا يكلّم أحد أبا ذرّ، و لا يشيّعه. و أمر مروان أن يخرج به فخرج به، و تحاماه الناس إلاّ عليّ بن

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٧، سنة ٣٧.

٢٧٠

أبي طالبعليه‌السلام و عقيلا أخاه، و الحسن و الحسين عليهما السلام و عمّارا، فإنّهم خرجوا معه يشيّعونه، فجعل الحسنعليه‌السلام يكلّم أبا ذرّ، فقال له مروان: ألا تعلم أنّ الخليفة قد نهى عن كلام هذا الرجل؟ فإن كنت لا تعلم ذلك فاعلم. فحمل عليّعليه‌السلام على مروان بالسوط بين اذني راحلته، و قال له: تنحّ نحّاك [ لحاك ] اللّه إلى النّار فرجع مروان مغضبا إلى عثمان، فأخبره الخبر، فتلظّى على عليّعليه‌السلام . و وقف أبو ذرّ فودّعه القوم، و معه ذكوان مولى امّ هاني بنت أبي طالب.

قال ذكوان: فحفظت كلام القوم و كان حافظا فقال له عليّ: يا أبا ذرّ، إنّك غضبت للّه. أنّ القوم خافوك على دنياهم، و خفتهم على دينك، فامتحنوك بالقلى، و نفوك إلى الغلى [ الفلا ]، لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا، ثمّ اتّقى اللّه لجعل اللّه له منها مخارجا. يا أبا ذرّ لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ، و لا يوحشنّك إلاّ الباطل.

ثمّ قال لأصحابه: ودّعوا عمّكم. و قال لعقيل: ودّع أخاك. فتكلّم عقيل، فقال: ما عسى أن نقول يا أبا ذرّ و أنت تعلم أنّا نحبّك، و أنت تحبّنا، و اتّق اللّه فإنّ التقوى نجاة، و اصبر فإنّ الصبر كرم، و اعلم أنّ استثقالك الصبر من الجزع، و استبطاءك العافية من اليأس، فدع اليأس و الجزع.

ثمّ تكلّم الحسنعليه‌السلام فقال: يا عمّاه لو لا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت.

و [ لا بدّ ظ ] للمشيّع أن ينصرف، لقصر الكلام و إن طال الأسف، و قد أتى القوم إليك ما ترى، فضع عنك [ همّ ظ ] الدنيا بتذكّر فراقها، و شدّه ما اشتدّ منها برخاء [ برجاء ] ما بعدها، و اصبر حتّى تلقى نبيّك و هو عنك راض.

ثمّ تكلّم الحسينعليه‌السلام فقال: يا عمّاه، إنّ اللّه تعالى قادر على أن يغيّر ما ترى، و اللّه كلّ يوم هو في شأن، و قد منعك القوم دنياهم، و منعتهم دينك،

٢٧١

فما أغناك عمّا منعوك، و أحوجهم إلى ما منعتهم، فاسأل اللّه تعالى الصبر و النصر، و استعذ به من الجشع و الجزع، فإنّ الصبر من الدين و الكرم، و إنّ الجشع لا يقدّم رزقا، و الجزع لا يؤخّر أجلا.

ثمّ تكلّم عمّاررضي‌الله‌عنه مغضبا فقال: لا آنس اللّه من أوحشك، و لا آمن من أخافك. أما و اللّه لو أردت دنياهم لأمّنوك، و لو رضيت أعمالهم لأحبّوك، و ما منع الناس أن يقولوا بقولك إلاّ الرضا بالدنيا، و الجزع من الموت، و مالوا إلى سلطان جماعتهم عليه، و الملك لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم، و منحهم القوم دنياهم، فخسروا و الدّنيا و الآخرة، و ذلك هو الخسران المبين.

فبكى أبو ذرّ و كان شيخا كبيرا، و قال: رحمكم اللّه يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مالي بالمدينة سكن و لا شجن( ١ ) غيركم، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز، كما ثقلت على معاوية بالشام، و كره أن أجاور أخاه و ابن خاله بالمصرين، فافسد الناس عليهما، فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر و لا دافع إلاّ اللّه، و اللّه ما اريد إلاّ اللّه صاحبا، و ما أخشى مع اللّه وحشة.

ثمّ رجعوا إلى المدينة، فقال عثمان لعليّعليه‌السلام : ما حملك على ردّ رسولي، و تصغير أمري؟ فقال: أمّا رسولك، فأراد أن يردّ وجهي فرددته. قال: أما بلغك نهيي عن كلام أبي ذرّ؟ قال: أو كلّما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه؟ قال: أقد مروان. قال: ممّ؟ قال: من شتمه و جذب راحلته. قال: أمّا راحلته فراحلتي بها، و أما شتمه إيّاي، فو اللّه لا شتمني شتمة إلاّ شتمتك مثلها، و لا أكذب عليك.

فغضب عثمان، و قال: لم لا يشتمك، كأنّك خير منه؟ قال عليّعليه‌السلام : أي و اللّه و منك. ثمّ قام فخرج إلى أن قال: فقالت قريش و بنو اميّة لمروان: أ أنت

____________________

(١) الشجن بفتحتين: الحاجة (المصباح المنير ١: ٣٦٨، مادة: شجن).

٢٧٢

رجل جبهك علي، و ضرب راحلتك، و قد تفانت وائل في ضرع ناقة، و ذبيان و عبس في فرس، و الأوس و الخزرج في نسعة أ فتحمل لعليّ ما أتاه إليك؟

فقال مروان: و اللّه لو أردت ذلك لما قدرت عليه( ١) .

قلت: و رواه محمّد بن يعقوب في (روضته) عن عدّة من أصحابه، عن سهل الآدميّ، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن حفص التميمي، عن أبي جعفر الخثعميّ قال: لمّا سيّر عثمان أبا ذرّ إلى الربذة شيّعه أمير المؤمنينعليه‌السلام و عقيل و الحسنانعليهما‌السلام و عمّار، فلمّا كان عند الوداع قالعليه‌السلام له: يا أبا ذرّ، إنّما غضبت للّه عزّ و جلّ، فارج من غضبت له، إنّ القوم خافوك على دنياهم، و خفتهم على دينك، فأرحلوك عن الفناء و امتحنوك بالبلاء و و اللّه لو كان السماوات و الأرض على عبد رتقا ثمّ اتّقى اللّه جعل اللّه له منها مخرجا، فلا يؤنسنّك [ يونسك ] إلاّ الحقّ، و لا يوحشنّك [ يوحشك ] إلاّ الباطل.

ثمّ تكلّم عقيل فقال: يا أبا ذرّ، أنت تعلم أنّا نحبّك، و نحن نعلم أنّك تحبّنا، فإنّك قد حفظت منّا [ فينا ] ما ضيّع الناس إلاّ القليل، فثوابك على اللّه عزّ و جلّ، و لذلك أخرجك المخرجون و سيّرك المسيّرون، فاتّق اللّه، و اعلم أنّ استثقالك [ استعفاءك ] البلاء من الجزع، و استبطاءك العافية من اليأس، فدع اليأس و الجزع و قل: حسبي اللّه و نعم الوكيل.

ثمّ تكلّم الحسنعليه‌السلام فقال: يا عمّاه، إنّ القوم قد أتوا إليك ما ترى، و إنّ اللّه عزّ و جلّ بالمنظر الأعلى، فدع عنك ذكر الدّنيا بذكر فراقها، و شدّة ما يرد عليك لرخاء ما بعدها، و اصبر حتّى تلقى نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو عنك راض.

ثمّ تكلّم الحسينعليه‌السلام فقال: يا عمّاه، إنّ اللّه تعالى قادر على أن يغيّر ما ترى و هو كلّ يوم في شأن، إنّ القوم منعوك دنياهم، و منعتهم دينك، فما

____________________

(١) السقيفة و فدك: ٧٦ ٧٩. شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٢ ٢٥٥، و نقله الشارح بتصرّف و تلخيص.

٢٧٣

أغناك عمّا منعوك، و ما أحوجهم إلى ما منعتهم، فعليك بالصبر و إنّ الخير في الصبر، و الصبر من الكرم، و دع الجزع فإنّ الجزع لا يغنيك.

ثمّ تكلّم عمّاررضي‌الله‌عنه فقال: يا أبا ذرّ، أوحش اللّه من أوحشك، و أخاف من أخافك، إنّه و اللّه ما منع الناس أن يقولوا الحقّ إلاّ الركون إلى الدّنيا و الحبّ لها، ألا إنّما الطاعة مع الجماعة، و الملك لمن غلب عليه، و إنّ هؤلاء القوم دعوا الناس إلى دنياهم فأجابوهم إليها، و وهبوا لهم دينهم فخسروا الدّنيا و الآخرة و ذلك هو الخسران المبين.

ثمّ تكلّم أبو ذرّ فقال: عليكم منّي السلام و رحمة اللّه و بركاته، بأبي و امّي هذه الوجوه فإنّي إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و مالي بالمدينة شجن و لا سكن غيركم، و إنّه ثقل على عثمان جواري بالمدينة كما ثقل على معاوية بالشام، فآلى أن يسيّرني إلى بلدة، فطلبت إليه أن يكون ذلك إلى الكوفة، فزعم أنّه يخاف أن افسد على أخيه الناس بالكوفة، و آلى باللّه أن يسيّرني إلى بلدة لا أرى بها أنيسا و لا أسمع لها حسيسا( ١ ) ، و إنّي و اللّه ما اريد إلاّ اللّه عزّ و جلّ صاحبا و مالي مع اللّه وحشة حسبي اللّه لا إله إلاّ هو عليه توكّلت و هو ربّ العرش العظيم( ٢) .

قول المصنّف: «و من كلام لهعليه‌السلام لأبي ذرّرضي‌الله‌عنه لمّا خرج» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و الصواب: «لمّا اخرج» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤) ، و أيضا لم يخرج هو بل اخرج كما عرفت و تعرف.

«إلى الربذة» في (المعجم): الربذة من قرى المدينة على ثلاثة أميال

____________________

(١) الحسيس: الصوت الخفيّ. (المصباح المنير ١: ١٦٦، مادة: حسس).

(٢) الكافي ٨: ٢٠٦ ٢٠٨، و الآية ١٢٩ من سورة التوبة.

(٣) نهج البلاغة ٢: ١٧.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٢، شرح ابن ميثم ٣: ١٤٥.

٢٧٤

[ إيام ]، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت في فيد تريد مكة، و بها قبر ابي ذر( ١) .

قال ابن أبي الحديد: اعلم أنّ الذي عليه أكثر أرباب السيرة و علماء الأخبار و النقل، أنّ عثمان نفى أبا ذرّ أوّلا إلى الشام، ثمّ استقدمه إلى المدينة لمّا شكا منه معاوية، ثمّ نفاه من المدينة إلى الربذة لمّا عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام.

و أصل هذه الواقعة أنّ عثمان لمّا أعطى مروان بن الحكم و غيره بيوت الأموال، و اختصّ زيد بن ثابت بشي‏ء منها، جعل أبو ذرّ يقول بين الناس و في الطرقات و الشوارع: بشّر الكافرين بعذاب أليم، و يرفع بذلك صوته، و يتلو قوله تعالى:... و الّذين يكنزون الذّهب و الفضّة و لا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذاب أليم( ٢ ) ، فرفع ذلك إلى عثمان مرارا و هو ساكت.

ثمّ إنّه أرسل إليه مولى من مواليه: أن انته عمّا بلغني عنك. فقال أبو ذرّ:

أينهاني عثمان عن قراءة كتاب اللّه؟ فو اللّه لأنّ أرضي اللّه بسخط عثمان أحبّ إليّ من أن اسخط اللّه برضا عثمان.

فأغضب عثمان ذلك و أحفظه، فتصابر و تمالك [ تماسك ] إلى أن قال عثمان يوما، و الناس حوله: أ يجوز للإمام أن يأخذ من بيت المال شيئا قرضا، فإذا أيسر قضى؟

فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك. فقال أبو ذرّ: يا بن اليهوديّين، أ تعلّمنا ديننا فقال عثمان: قد كثر أذاك لي، و تولّعك بأصحابي، الحق بالشام. فأخرجه إليها.

____________________

(١) معجم البلدان ٣: ٢٤.

(٢) التوبة: ٣٤.

٢٧٥

فكان أبو ذرّ ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذرّ لرسوله: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا أقبلها، و إن كانت صلة فلا حاجة لي فيها، و ردّها عليه.

ثمّ بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذرّ: يا معاوية، إن كانت هذه من مال اللّه فهي الخيانة، و إن كانت من مالك فهي الإسراف. و كان أبو ذرّ يقول بالشام: و اللّه لقد حدثت أعمال ما أعرفها، و اللّه ما هي في كتاب اللّه و لا سنّة نبيّه، و اللّه إنّي لأرى حقّا يطفأ و باطلا يحيا، و صادقا مكذّبا، و إمرة [ أثرة ] بغير تقى، و صالحا مستأثرا عليه.

فقال حبيب بن مسلمة الفهريّ لمعاوية: إنّ أبا ذرّ لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة( ١) .

و قال ابن أبي الحديد أيضا: روى شيخنا الجاحظ في (سفيانيّته) عن جلاّم بن جندل الغفاريّ، قال: كنت عاملا [ غلاما ] لمعاوية على قنّسرين و العواصم في خلافة عثمان، فجئت إليه يوما أسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخا على باب داره يقول: أتتكم القطار تحمل [ بحمل ] النار، اللهمّ العن الآمرين بالمعروف، التاركين له، اللهمّ العن الناهين عن المنكر المرتكبين له.

فازبأرّ( ٢ ) معاوية و تغيّر لونه و قال: يا جلاّم، أ تعرف الصارخ؟ قلت: لا.

قال: من عذيري من جندب بن جنادة يأتينا كلّ يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت ثمّ قال: أدخلوه. فجي‏ء بأبي ذرّ بين قوم يقودونه، حتّى وقف بين يديه، فقال له معاوية: يا عدوّ اللّه و عدوّ رسوله تأتينا كلّ يوم فتصنع ما تصنع، أما إنّي لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمّد من غير إذن عثمان

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٥ ٢٥٧.

(٢) ازبأرّ الرجل: اقشعرّ. (لسان العرب ٦: ١٣، مادة: زبر).

٢٧٦

لقتلتك، و لكنّي أستأذن فيك.

قال جلاّم: و كنت احبّ أن أرى أبا ذرّ، لأنّه رجل من قومي، فالتفتّ إليه فإذا رجل أسمر ضرب( ١ ) من الرجال، خفيف العارضين، في ظهره حنى [ جنأ ]، فأقبل على معاوية و قال: ما أنا بعدوّ للّه و لا لرسوله، بل أنت و أبوك عدوّان للّه و لرسوله، أظهرتما الإسلام و أبطنتما الكفر، و لقد لعنك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و دعا عليك مرّات أن لا تشبع، و سمعته يقول: «إذا ولي الامة الأعين الواسع البلعوم، الذي يأكل و لا يشبع، فلتأخذ الامّة حذرها منه».

فقال معاوية: ما أنا ذاك الرجل. قال أبو ذرّ: بل أنت ذلك، أخبرني بذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و سمعته يقول و قد مررت به: «اللهمّ العنه و لا تشبعه إلاّ بالتراب»، و سمعته يقول: «است( ٢ ) معاوية في النار». فضحك معاوية و أمر بحبسه، و كتب إلى عثمان فيه. فكتب عثمان إليه: «أن احمل جندبا على أغلظ مركب و أوعره». فوجّه به من سار به الليل و النّهار، و حمله على شارف( ٣ ) ليس عليها إلاّ قتب، حتّى قدم به المدينة، و قد سقط لحم فخذيه من الجهد. فلمّا قدم بعث إليه عثمان أن الحق بأيّ أرض شئت. قال: بمكّة؟ قال: لا. قال: بيت المقدس؟ قال: لا. قال: بأحد المصرين؟ قال: لا، و لكنّي مسيّرك إلى الربذة.

فسيّره إليها، فلم يزل بها حتّى مات.

قال: و في رواية الواقديّ: أنّ أبا ذرّ لمّا دخل على عثمان قال له:

____________________

(١) الضرب: الرجل الخفيف اللحم. قال طرفة:

أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه

خشاش كرأس الحيّة المتوقّد

 (الصحاح ١: ١٦٨، مادة: ضرب).

(٢) الاست: العجز. و قد يراد به حلقة الدبر، و أصلها سته على فعل بالتحريك، يدلّ على ذلك أنّ جمعه أستاه، مثل جمل و أجمال. (الصحاح ٦: ٢٢٣٣، مادة: سته).

(٣) ناقة شارف: عالية السنّ. (أساس البلاغة: ٢٣٣، مادة: شرف).

٢٧٧

لا أنعم اللّه بقين عينا

نعم و لا لقّاه يوما زينا

تحيّة السّخط إذا التقينا

فقال أبو ذرّ: ما عرفت اسمي «قينا». و في رواية اخرى، قال: لا أنعم اللّه بك عينا يا جنيدب فقال: أنا جندب، و سمّاني النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد اللّه، فاخترت اسمه الذي سمّاني به على اسمي. فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنّا نقول:

يد اللّه مغلولة( ١ ) و إنّ اللّه فقير و نحن أغنياء( ٢ ) ؟ فقال أبو ذرّ: لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال اللّه على عباده و لكنّي أشهد أنّي سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا، جعلوا مال اللّه دولا و عباده خولا».

فقال عثمان لمن حضر: أسمعتموها من النبيّ؟ قالوا: لا. قال عثمان:

ويلك يا أبا ذرّ أ تكذب على النّبيّ؟ فقال أبو ذرّ لمن حضر: أما تدرون أنّي صدقت قالوا: لا و اللّه ما ندري. فقال عثمان: ادعوا لي عليّا. فلمّا جاء فقال عثمان لأبي ذرّ: اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص. فأعاده، فقال عثمان لعليّعليه‌السلام : أ سمعت هذا من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: لا، و قد صدق أبو ذرّ. قال عثمان:

كيف عرفت صدقه؟ قال: لأنّي سمعت النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «ما أظلّت الخضراء، و لا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ». فقال من حضر: أمّا هذا، فسمعناه كلّنا من النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال أبو ذرّ: احدّثكم أنّي سمعت هذا من النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتتّهموني ما كنت أظنّ أنّي أعيش حتّى أسمع هذا من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ٣) .

و قال ابن أبي الحديد: و روى الواقدي في خبر آخر بإسناده عن

____________________

(١) المائدة: ٦٤.

(٢) آل عمران: ١٨١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٧ ٢٥٩.

٢٧٨

صبهان، مولى الأسلميّين، قال: رأيت أبا ذرّ يوم دخل به على عثمان، فقال له:

أنت الذي فعلت و فعلت فقال أبو ذرّ: نصحتك فغششتني، و نصحت صاحبك فاستغشّني قال عثمان: كذبت و لكنّك تريد الفتنة و تحبّها، قد أنغلت( ١ ) الشام علينا. فقال له أبو ذرّ: اتّبع سنّة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام.

فقال له عثمان: مالك و ذلك لا امّ لك قال أبو ذرّ: ما وجدت عذرا لي إلاّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فغضب عثمان و قال: أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب اضربه، أو أحبسه، أو اقتله، فإنّه فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام.

فتكلّم عليّعليه‌السلام و كان حاضرا فقال: اشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون:... و إن يَكُ كاذِباً فعليه كذبُهُ و إن يكُ صادِقاً يُصِبكم بعض الذي يَعِدكُم إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرفٌ كذّابٌ( ٢ ) فأجابه عثمان بجواب غليظ، و أجابه عليّعليه‌السلام بمثله، و لم يذكر الجوابين تذمّما منهما( ٣) .

قلت: ذكر إبراهيم الثقفي الجوابين و هما: أنّ عثمان قال لهعليه‌السلام : بفيك التراب فقالعليه‌السلام له: بل بفيك( ٤) .

و قال ابن أبي الحديد: قال الواقدي: ثمّ إنّ عثمان حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذرّ، أو يكلّموه. فمكث كذلك أيّاما ثمّ أتى به فوقف بين يديه، فقال أبو ذر: ويحك يا عثمان أما رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و رأيت أبا بكر و عمر هل هديك كهديهم؟ أما إنّك لتبطش بي بطش جبّار [ عنيد ].

فقال عثمان: اخرج عنّا. قال أبو ذرّ: فما أبغض إليّ جوارك فإلى أين

____________________

(١) أنغلهم حديثا سمعه: ثمّ إليهم به، و النغل: الإفساد بين القوم و النميمة. (لسان العرب ١٤: ٢٢٢، مادة: نغل).

(٢) غافر: ٢٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٩.

(٤) بحار الأنوار ٨: ٣٢٤ ط الكمباني، عن تقريب المعارف.

٢٧٩

أخرج؟ قال: حيث شئت. قال: أخرج إلى الشام أرض الجهاد؟ قال: إنّما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها، أ فأردّك إليها؟ قال: فأخرج إلى العراق. قال: لا، إنّك إن تخرج إليها تقدم على قوم اولى شبه و طعن على الأئمّة و الولاة، اخرج إلى البادية. قال: أصير أعرابيّا بعد الهجرة؟ قال: نعم. قال أبو ذرّ: فاخرج إلى بادية نجد. قال: لا تعدونّ الربذة( ١) .

و قال: و روى الواقدي أيضا عن مالك بن أبي الرجال، عن موسى بن ميسرة: أنّ أبا الأسود الدؤلي قال: كنت احبّ لقاء أبي ذرّ لأسأله عن سبب خروجه إلى الربذة، فجئته فقلت له: ألا تخبرني، أخرجت من المدينة طائعا، أم أخرجت كرها؟ فقال: كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم، فاخرجت إلى المدينة، فقلت: دار هجرتي و أصحابي. فأخرجت من المدينة إلى ما ترى.

ثمّ قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في مسجد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ مرّ بي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضربني برجله و قال: لا أراك نائما في المسجد. فقلت: بأبي أنت و أمّي غلبتني عيني، فنمت فيه. قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: آخذ سيفي فأضربهم به. فقال: ألا أدلّك على خير من ذلك؟ انسق معهم حيث ساقوك، و تسمع و تطيع. فسمعت و أطعت، و اللّه ليلقينّ اللّه عثمان و هو آثم في جنبي( ٢) .

قلت: و روى الثقفيّ في (تاريخه) كما في (تقريب الحلبيّ) كثيرا ممّا رواه الواقدي( ٣) .

و روى أيضا: أنّ أبا الدرداء و صاحبا له لقيا رجلا شهدا الجمعة عند معاوية بالجابية، فقال الرجل: خبر كرهت أن اخبركما به. فقال أبو الدرداء:

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٥٩ ٢٦٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٨: ٢٦٠ ٢٦١.

(٣) نقله عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار، ٨: ٣٣٦ ٣٣٨ ط الكمباني.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607