بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63002 / تحميل: 6537
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

داعيا. فقالوا: يا ابن رسول اللّه وددنا لو عرفنا كيف الموت و كيف حال صاحبنا فقال: الموت هو المصفاة يصفّي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم و كفارة آخر وزر عليهم، و يصفّي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذة أو نعمة أو رحمة تلحقهم و هو آخر ثواب حسنة تكون لهم، و أما صاحبكم هذا فقد نخل من الذنوب نخلا و صفّي من الآثام تصفية، و خلص حتى نقّي كما ينقّى الثوب و صلح لمعاشرتنا في دار الأبد.

و مرض رجل من أصحاب الرضاعليه‌السلام فعاده فقال له: كيف تجدك؟

فقال: لقيت الموت بعدك يريد شدّة المرض فقال: إنّما الناس رجلان:

مستريح بالموت و مستراح به منه، فجدّد الإيمان باللّه و بالنبوّة و بالولاية تكن مستريحا ففعل الرجل ذلك.

و قيل للجوادعليه‌السلام : ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟ قال: لأنّهم جهلوه فكرهوه و لو عرفوه و كانوا من أولياء اللّه حقّا لأحبّوه و لعلموا ان الآخرة خير لهم من الدنيا. ثم قالعليه‌السلام : ما بال الصبي أو المجنون يمتنع من الدواء المنقّي لبدنه و النافي الألم عنه. فقالوا، لجهلهم بنفع الدواء. فقال: و الذي بعث محمدا بالحق إنّ من قد استعدّ للموت حق الاستعداد هو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما لو عرفوا ما يؤدّي إليه الموت من النعيم لاستدعوه أشدّ مما يستدعي العاقل الحازم الدواء لرفع الآفات و اجتلاب السلامات.

و دخل الهاديعليه‌السلام على مريض من أصحابه و هو يبكي من الموت فقال له: تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أ رأيتك لو تقذّرت و اتّسخت من كثرة الوسخ و القذر عليك و أصابك قروح و جرب و علمت أن الغسل في الحمام يزيل ذلك عنك أما تريد أن تدخله فتزيل ذلك كلّه عنه؟ قال: بلى. قال: فذلك الموت هو ذلك الحمام و هو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك، فاذا أنت وردت عليه

٢١

فقد نجوت من كلّ هم و غم و أذى و وصلت إلى كلّ فرح و سرور، فسكن الرجل و نشط و استسلم و غمض عين نفسه و مضى لسبيله.

و سئل الحسن العسكريعليه‌السلام عن الموت ما هو، فقال: التصديق بما يكون، ان أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن الصادقعليه‌السلام قال: ان المؤمن إذا مات لم يكن ميتا و ان الكافر هو الميت، ان اللّه عز و جل يقول يخرج الحيّ من الميّت و يخرج الميّت من الحيّ( ١ ) يعني المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.

و جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما لي لا أحبّ الموت. فقال: أ لك مال؟

قال: نعم. قال: قد قدمته؟ قال: لا. قال: فمن ثمّ لا تحبّ الموت.

و قال رجل لأبي ذر: ما بالنا نكره الموت، فقال: لأنّكم عمّرتم الدنيا و خرّبتم الآخرة فتكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب. فقيل له: فكيف ترى قدومنا على اللّه؟ قال: أمّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله، و أما المسي‏ء فكالآبق يقدم على مولاه. قيل: فكيف حالنا عند اللّه؟ فقال: أعرضوا أعمالكم على كتاب اللّه، إنّ اللّه عز و جل يقول: إنّ الأبرار لفي نعيم. و إنّ الفجّار لفي جحيم( ٢ ) قال الرجل: فأين رحمة اللّه؟ قال: إن رحمة اللّه قريب من المحسنين( ٣) .

«فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها» و أما من خاف مقام ربّه و نهى النّفس عن الهوى. فإنّ الجنّة هي المأوى( ٤ ) ، تلك الجنة التي نورث من عبادنا من

____________________

(١) يونس: ٣١.

(٢) الانفطار: ١٤.

(٣) الاعتقادات: ١٤ ١٨. و الآية ٥٦ من سورة الأعراف.

(٤) النازعات: ٤٠ ٤١.

٢٢

كان تقيا( ١ ) ، ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون( ٢) .

و مرّ في رواية الثقفي ذكرهعليه‌السلام لقوله تعالى: الذين تتوفّاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون( ٣) .

«و من أقرب إلى النار من عاملها» و أما من طغى و آثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى( ٤ ) ، و من يعص اللّه و رسوله فان له نار جهنم خالدين فيها( ٥) .

و مر في رواية الثقفي ذكرهعليه‌السلام لقوله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنّا نعمل من سوء بلى ان اللّه عليم بما كنتم تعملون. فادخلوا أبواب جهنم خالدين فبئس مثوى المتكبرين( ٦) .

«و أنتم طرداء» جمع طريد، قال الجوهري الطرد الابعاد، تقول طردته فذهب، و لا يقال منه انفعل و افتعل إلاّ في لغة رديئة، و الرجل مطرود و طريد( ٧) .

(الموت ان أقمتم له أخذكم و ان فررتم منه أدرككم» قال تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة( ٨ ) ، قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم

____________________

(١) مريم: ٦٣.

(٢) النحل: ٣٢.

(٣) النحل: ٣٢.

(٤) النازعات: ٣٩.

(٥) الجنّ: ٢٣.

(٦) الغارات ١: ٢٣٧. و الآيات ٢٨ ٢٩ من سورة النحل.

(٧) جوهري ٢: ٥٠١.

(٨) النساء: ٧٨.

٢٣

بما كنتم تعملون( ١) .

«و هو ألزم لكم من ظلّكم» في (الكافي): ان ملكا كان له عند اللّه منزلة عظيمة فتعبت عليه فأهبطه من السماء إلى الأرض فأتى إدريسعليه‌السلام فقال: ان لك من الله منزلة فاشفع لي عند ربك. فصلّى ثلاث ليال لا يفتر و صام أيامها لا يفطر، ثم طلب إلى اللّه تعالى في السحر في الملك، فقال له الملك: إنّك قد أعطيت سؤلك و قد أطلق جناحي و أنا أحبّ أن أكافئك فاطلب إليّ حاجة. فقال: تريني ملك الموت لعلّي آنس به فإنّه ليس يهنا مع ذكره شي‏ء، فبسط جناحه ثم قال:

إركب فصعد به يطلب ملك الموت في السّماء الدنيا فقيل له: إصعد، فاستقبله بين السماء الرابعة و الخامسة، فقال الملك يا ملك الموت ما لي أراك قاطبا. قال:

العجب أنّي تحت ظل العرش فأمرت أن أقبض روح آدمي في السّماء الرابعة و الخامسة، فسمع إدريسعليه‌السلام ذلك فامتعض فخرّ من جناح الملك فقبض روحه مكانه، و قال عز و جل: و رفعناه مكانا عليّا( ٢) .

«الموت معقود بنواصيكم» في (اللّهوف): لما عزم الحسينعليه‌السلام على الشخوص إلى العراق من مكّة قام خطيبا فقال: خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة( ٣) .

«و الدنيا تطوى من خلفكم» مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح( ٤) .

«فاحذروا نارا قعرها بعيد و حرّها شديد» و زاد في رواية الثقفي

____________________

(١) الجمعة: ٨.

(٢) الكافي ٣: ٢٥٧ ح ٢٦. و الآية ٥٧ من سورة مريم.

(٣) اللهوف: ٢٦.

(٤) الكهف: ٤٥.

٢٤

«و شرابها صديد»( ١) .

«و عذابها جديد» كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب( ٢ ) ، و نحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا و بكما و صمّا مأواهم جهنّم كلّما خبت زدناهم سعيرا( ٣) .

و زاد في رواية الثقفي «و مقامعها حديد»( ٤) .

«دار ليس فيها رحمة» و أعتدنا لمن كذّب بالسّاعة سعيرا. إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيّظا و زفيرا. و إذا ألقوا منها مكانا ضيّقا مقرّنين دعوا هنالك ثبورا. لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا( ٥) .

«و لا تسمع فيها دعوة» و نادوا يا مالك ليقض علينا ربّك قال إنّكم ماكثون( ٦) .

«و لا تفرج فيها كربة» و قال الّذين في النّار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفف عنّا يوما من العذاب. قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبيّنات قالوا بلى قالوا فادعوا و ما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال( ٧ ) ، ربّنا أخرجنا منها فإنّ عدنا فإنّا ظالمون. قال اخسئوا فيها و لا تكلمون( ٨) .

«و إن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من اللّه و أن يحسن ظنّكم به فاجمعوا بينهما، فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه، و إنّ أحسن النّاس ظنّا

____________________

(١) الغارات ١: ٢٤١.

(٢) النساء: ٥٦.

(٣) الاسراء: ٩٧.

(٤) الغارات ١: ٢٤١.

(٥) الفرقان: ١١ و ١٤.

(٦) الزخرف: ٧٧.

(٧) غافر: ٤٩ ٥٠.

(٨) المؤمنون: ١٠٧ ١٠٨.

٢٥

باللّه أشدّهم خوفا للّه».

في (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام كان في وصية لقمان الأعاجيب، و كان أعجب ما فيها أن قال لابنه: خف اللّه خيفة لو جئته ببرّ الثّقلين لعذبك، و ارج اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثّقلين لرحمك، ثم قالعليه‌السلام كان أبي يقول: ليس من عبد مؤمن إلاّ و في قلبه نوران نور خيفة، و نور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا.

و عنهعليه‌السلام : ارج اللّه رجاء لا يجرّئك على معاصيك، و خف اللّه خوفا لا يؤيسك من رحمته»( ١) .

و قال ابن أبي الحديد: قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : لو أنزل اللّه تعالى كتابا أنّه معذّب رجلا واحدا رجوت أن أكونه أو أنّه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أكونه، أو أنّه معذّبي لا محالة ما ازددت إلاّ اجتهادا لئلاّ أرجع إلى نفسي بلائمة( ٢) .

«و أعلم يا محمّد بن أبي بكر أنّي قد ولّيتك أعظم أجنادي» كلّ مدينة يحصل منها عسكر هي جند.

«في نفسي أهل مصر» فكانت أعظم مدينة بيدهعليه‌السلام .

«فأنت محقوق» أي: خليق.

«أن تخالف على نفسك» قال يوسف الصديق: إنّ النفس لأمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربي( ٣) .

«و أن تنافح» أي: تخاصم عن دينك.

«و لو لم يكن لك إلاّ ساعة من الدهر» في الولاية، و لقد فعل رحمه اللّه

____________________

(١) الكافي ٢: ٦٧ ح ١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١٦٧.

(٣) يوسف: ٥٣.

٢٦

ما أمره فجاهد حتى قتل.

و في (الطبري) بعد أسره بيد العدو قال له معاوية بن حديج: أ تدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار ثم أحرقه عليك بالنار. فقال له محمد: إن فعلتم بي ذلك فطال ما فعل ذلك بأولياء اللّه، و إنّي لأرجو هذه النار التي تحرقني بها أن يجعلها اللّه عليّ بردا و سلاما كما جعلها على خليله إبراهيم، و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و أوليائه، ان اللّه يحرقك و من ذكرته قبل يعني عثمان و امامك يعني معاوية و هذا و أشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى عليكم كلما خبت زادها اللّه سعيرا. قال له معاوية بن حديج: اني انما اقتلك بعثمان. قال له محمد: و ما أنت و عثمان، ان عثمان عمل بالجور و نبذ حكم القرآن و قد قال تعالى و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون فنقمنا ذلك عليه فقتلناه، و حسنت أنت له ذلك و نظراؤك فقد برأنا اللّه من ذنبه و أنت شريكه في إثمه و عظم ذنبه و جاعلك على مثاله، فغضب معاوية ابن حديج فقدمه فقتله ثم ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار( ١) .

«و لا تسخط اللّه برضا أحد من خلقه فان في اللّه خلفا من غيره و ليس من اللّه خلف في غيره» في (العقد): قال ابن هبيرة للحسن البصري و عنده الشعبي:

ما ترى في كتب تأتينا من عند يزيد بن عبد الملك فيها بعض ما فيها فان أنفذتها وافقت سخط اللّه و ان لم أنفذها خشيت على دمي؟ فقال له: هذا الشعبي فقيه الحجاز عندك، فسأله فقال: قارب و سدد فانما أنت عبد مأمور. فالتفت ابن هبيرة إلى الحسن و قال له: أنت ما تقول. قال: ابن هبيرة خف اللّه في يزيد و لا تخف يزيد في اللّه، يا ابن هبيرة ان اللّه مانعك من يزيد و ان يزيد لا يمنعك من

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ١٠٤ ١٠٥.

٢٧

اللّه، يا ابن هبيرة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فانظر ما كتب اليك يزيد فاعرضه على كتاب اللّه فما وافقه فأنفذه و ما خالفه فلا تنفذه، فان اللّه أولى بك من يزيد و كتاب اللّه أولى بك من كتابه. فضرب ابن هبيرة يده على كتف الحسن و قال: هذا الشيخ صدقني و ربّ الكعبة( ١) .

٥ - الكتاب (٧٢) و من كتاب لهعليه‌السلام إلى عبد اللّه بن العباس:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ وَ لاَ مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ وَ اِعْلَمْ بِأَنَّ اَلدَّهْرَ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ وَ أَنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ وَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ «أمّا بعد فإنّك لست بسابق أجلك» حتى يتخلّف عنك، قال تعالى: و لكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون( ٢) .

«و لا مرزوق ما ليس لك» أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سخريا( ٣) .

«و اعلم بأنّ الدهر يومان: يوم لك و يوم عليك» ملكا كنت أم سوقة.

«و ان الدنيا دار دول» و تلك الأيّام نداولها بين الناس( ٤) .

«فما كان منها لك أتاك على ضعفك» لأنّه لا مانع لما أعطى.

«و ما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك» و إن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف

____________________

(١) العقد الفريد:

(٢) الاعراف: ٣٤.

(٣) الزخرف: ٣٢.

(٤) آل عمران: ١٤٠.

٢٨

له إلاّ هو و إن يردك بخير فلا رادّ لفضله يصيب به من شيئا من عباده و هو الغفور الرحيم( ١) .

و في (اليتيمة) قال الميكالي:

تق اللّه لا الأعداء و اعلم يقينا

بأن الذي لم يقضه لن يصيبكا

و حظك لا يعدوك ان كان قاعدا

و إنّك تعدوا حين تعدو نصيبكا

٦ - الكتاب (٧٦) و من وصية لهعليه‌السلام لعبد اللّه بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة:

سَعِ اَلنَّاسَ بِوَجْهِكَ وَ مَجْلِسِكَ وَ حُكْمِكَ وَ إِيَّاكَ وَ اَلْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَ اِعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اَللَّهِ يُبَاعِدُكَ مِنَ اَلنَّارِ وَ مَا بَاعَدَكَ مِنَ اَللَّهِ يُقَرِّبُكَ مِنَ اَلنَّارِ أقول: رواها ابن قتيبة في (خلفائه) فقال: ذكروا أنّ عليّاعليه‌السلام لما سار من البصرة بعد فراغه من الجمل استعمل عليها ابن عباس و قال له: أوصيك بتقوى اللّه عزّ و جل و العدل على من ولاّك اللّه أمره. سع الناس بوجهك و علمك و حلمك، و إيّاك و الإحن فإنّها تميت القلب و الحق، و اعلم أنّ ما قرّبك من اللّه بعدّك من النار، و ما قرّبك من النّار بعدّك من الجنّة، اذكر اللّه كثيرا و لا تكن من الغافلين( ٢) .

قول المصنّف: (و من وصيّة لهعليه‌السلام لعبد اللّه بن العباس عند استخلافه إيّاه على البصرة) قد عرفت أنّه كان بعد الجمل عند شخوصه إلى الكوفة.

____________________

(١) يونس: ١٠٧.

(٢) الامامة و السياسة ١: ٨٥.

٢٩

قولهعليه‌السلام : «سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك» لأنّه من عدل الواليّ الواجب عليه أو من كرائم أخلاقه المندوب إليها.

و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبني عبد المطلب: إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم( ١) .

و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوي بين أهل مجلسه في النظر إليهم.

«و إيّاك و الغضب فإنّه طيرة» أي: خفّة يريد أن يطير بها، قال العماني:

و أحلم عن طيراته كلّ ساعة

إذا ما أتاني مغضبا يتهدّم

و الطيرة في مقابل الحلم، قال الكميت:

و حلمك عزّ إذا ما حلمت

و طيرتك الصّاب و الحنظل

«من الشيطان» في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، و إنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فإنّ رجس الشيطان يذهب عند ذلك.

و عن الصادقعليه‌السلام في (التوراة): يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق، و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك.

و عنهعليه‌السلام قال رجل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علّمني. قال: إذهب و لا تغضب. فقال الرجل قد اكتفيت بذلك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قاموا صفوفا لابسي السّلاح، فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه و قام معهم ثم ذكر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تغضب، فرمى السلاح ثم مشى إلى قوم عدوّ قومه فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب فعلي في مالي. فقالوا: نحن أولى بذلك فما

____________________

(١) اخرجه الحاكم في المستدرك، و أبو نعيم في حلية الأولياء، عن الجامع الصغير ١: ١٠١، و النقل بتصرّف في اللفظ.

٣٠

كان فهو لك، فاصطلحوا فذهب العضب( ١) .

«و اعلم أنّ ما قرّبك إلى اللّه» و هو طاعته و طاعة رسوله.

«يباعدك من النّار» و يدخلك الجنة قال تعالى: و من يطع اللّه و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك الفوز العظيم( ٢) .

«و ما باعدك من اللّه» و هو عصيانه و عصيان رسوله.

«يقرّبك من النّار» و من يعص اللّه و رسوله و يتعدّ حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين( ٣) .

٧ - الكتاب (٦٩) و من كتاب له عليه السلام إلى الحارث الهمدانىّ:

وَ تَمَسَّكْ بِحَبْلِ؟ اَلْقُرْآنِ؟ وَ اِسْتَنْصِحْهُ وَ أَحِلَّ حَلاَلَهُ وَ حَرِّمْ حَرَامَهُ وَ صَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ اَلْحَقِّ وَ اِعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ اَلدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً وَ آخِرَهَا لاَحِقٌ بِأَوَّلِهَا وَ كُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ وَ عَظِّمِ اِسْمَ اَللَّهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ وَ أَكْثِرْ ذِكْرَ اَلْمَوْتِ وَ مَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ وَ لاَ تَتَمَنَّ اَلْمَوْتَ إِلاَّ بِشَرْطٍ وَثِيقٍ وَ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ وَ يُكْرَهُ لِعَامَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي اَلسِّرِّ وَ يُسْتَحَى مِنْهُ فِي اَلْعَلاَنِيَةِ وَ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ وَ اِعْتَذَرَ مِنْهُ وَ لاَ تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ اَلْقَوْلِ وَ لاَ تُحَدِّثِ اَلنَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً وَ لاَ تَرُدَّ عَلَى اَلنَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ

____________________

(١) الكافي ٢: ٣٠٤ ح ١٠ ١٢.

(٢) النساء: ١٣.

(٣) النساء: ١٤.

٣١

جَهْلاً وَ اِكْظِمِ اَلْغَيْظَ وَ تَجَاوَزْ عِنْدَ اَلْمَقْدَرَةِ وَ اُحْلُمْ عِنْدَ اَلْغَضَبِ وَ اِصْفَحْ مَعَ اَلدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ اَلْعَاقِبَةُ وَ اِسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اَللَّهُ عَلَيْكَ وَ لاَ تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اَللَّهِ عِنْدَكَ وَ لْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ وَ مَا تُؤَخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ وَ اِحْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ وَ يُنْكَرُ عَمَلُهُ فَإِنَّ اَلصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ وَ اُسْكُنِ اَلْأَمْصَارَ اَلْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اِحْذَرْ مَنَازِلَ اَلْغَفْلَةِ وَ اَلْجَفَاءِ وَ قِلَّةَ اَلْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ وَ اُقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ وَ إِيَّاكَ وَ مَقَاعِدَ اَلْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ اَلشَّيْطَانِ وَ مَعَارِيضُ اَلْفِتَنِ وَ أَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ اَلشُّكْرِ وَ لاَ تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ اَلصَّلاَةَ إِلاَّ فَاصِلاً فِي سَبِيلِ اَللَّهِ أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ وَ أَطِعِ اَللَّهَ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ طَاعَةَ اَللَّهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا وَ خَادِعْ نَفْسَكَ وَ اُرْفُقْ بِهَا وَ لاَ تَقْهَرْهَا وَ خُذْ عَفْوَهَا وَ نَشَاطَهَا إِلاَّ مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ اَلْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَ تَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا وَ إِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ اَلْمَوْتُ وَ أَنْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ اَلدُّنْيَا وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْفُسَّاقِ فَإِنَّ اَلشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ وَ وَقِّرِ اَللَّهَ وَ أَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ وَ اِحْذَرِ اَلْغَضَبَ فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ؟ إِبْلِيسَ؟ وَ اَلسَّلاَمُ أقول: و نقل روايته عن الآمدي في (غرره) مع اختلاف يسير في بعض الفقرات( ١) .

قول المصنّف: (إلى الحارث الهمداني) فانّه كما في (ذيل الطبري)

____________________

(١) الغرر للخوانساري ٣: ٣١٣.

٣٢

الحارث بن عبد اللّه بن كعب بن أسد بن يخلد بن حوث بن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان.

قال الطبري: كان من متقدّمي أصحاب عليعليه‌السلام في الفقه و العلم بالفرائض و الحساب، قال الشعبي: تعلّمت منه الفرائض و الحساب، مات أيام ابن الزبير( ١) .

و روى (أمالي المفيد): مسندا عن الأصبغ قال: دخل الحارث الهمداني في نفر من الشيعة و كنت فيهم، فجعل الحارث يتأوّد في مشيته و يخبط الأرض بمحجنه و كان مريضا فأقبل عليه أمير المؤمنينعليه‌السلام و كانت له منه منزلة فقال: كيف تجدك يا حارث؟ فقال: نال الدهر منّي إلى أن قال فقالعليه‌السلام له: أبشّرك يا حارث تعرفني عند الممات و عند الصراط و عند الحوض و عند المقاسمة. قال الحارث: و ما المقاسمة؟ قال: مقاسمة النار، أقاسمها قسمة صحيحة، أقول هذا وليّي فاتركيه و هذا عدوّي فخذيه( ٢) .

و روى الكشي عن الشعبي قال: سمعت الحرث الأعور و هو يقول: أتيت أمير المؤمنينعليه‌السلام ذات ليلة فقال: يا أعور ما جاء بك؟ قلت: جاء بي و اللّه حبّك.

فقال: أما إنّي سأحدثك لتشكرها، أما إنّه لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحبّ، و لا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره. ثم قال الشعبي بعد روايته: أما إنّ حبّه لا ينفعه و بغضه لا يضره( ٣) .

____________________

(١) ذيل المذيل: ١٤٦.

(٢) أمالي المفيد: ٣ ح ٣ المجلس ١.

(٣) رجال الكشي: ٨٨ ح ١٤٢.

٣٣

قولهعليه‌السلام «و تمسك بحبل القرآن» فالقرآن أحد الحبلين اللّذين أمر الناس التمسّك بهما حتى لا يضلّوا و الآخر هو أهل بيتهعليهم‌السلام .

روى أحمد بن حنبل في (مسنده) عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، ألا و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض( ١) .

و عن زيد بن ثابت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض( ١) .

و رواه الثعلبي في (تفسيره) في قوله تعالى: و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرقوا( ٢ ) و فيه: اني تارك فيكم الثقلين خليفتين ان أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر...( ٣) .

و روى الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) من مسند زيد بن أرقم من عدة طرق قال زيد: قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة و المدينة فقال: أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، و أنا تارك فيكم الثقلين أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به، فحثّ على كتاب اللّه و رغب فيه ثم قال: و أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي. و رواه مسلم في (صحيحه) مع زيادات( ٤) .

____________________

(١) حديث أبي سعيد أخرجه أحمد في مسنده ٣: ١٤، ١٧، ٢٦، ٥٩، و حديث زيد بن ثابت أخرجه في مسنده ٥: ١٨٧ ١٨٩.

(٢) آل عمران: ١٠٣.

(٣) الطرائف ١٦٠: ١٢٢، عن الثعلبي.

(٤) صحيح مسلم ٤: ١٨٧٣ ١٨٧٤ ح ٣٦ ٣٧، الطرائف ١: ١٢٢ ح ١٨٦.

٣٤

ثم معنى قول النبي: «إن أهل بيته و القرآن لن يفترقا» أنّ غيرهم يفترقون عن القرآن و يقطعون حبله كما فصلوا وصلة عترته.

و قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام فيما أخبر عن الملاحم: لا و اللّه لا يرجع الأمر و الخلافة إلى آل أبي بكر و عمر أبدا و لا إلى بني أميّة أبدا و لا في ولد طلحة و الزبير أبدا، و ذلك انهم نبذوا القرآن و أبطلوا السنن و عطلوا الأحكام.

«و استنصحه» هكذا في (المصرية) و الصواب: «و انتصحه» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١ ) (و الخطية)، أي: عده و اعتقده نصيحا لك.

قال الزهري قال علي بن الحسينعليه‌السلام : لو مت بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي. كانعليه‌السلام إذا قرأ مالك يوم الدين( ٢ ) يكررها حتى كاد أن يموت.

«و أحل حلاله و حرّم حرامه» و لا تحلل حرامه و لا تحرم حلاله، قال تعالى و لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال و هذا حرام لتفتروا على اللّه الكذب( ٣) .

«و صدق بما سلف من الحق» من كتبه و رسله، قال تعالى في كتابه في موضعين و لكن تصديق الذي بين يديه( ٤ ) و في موضع مصدق الذي بين يديه( ٥ ) و في رسوله ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم( ٦ ) ، و قال تعالى في قوم و يريدون أن يفرقوا بين اللّه و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٤٣، شرح ابن ميثم ٥: ٢١٩.

(٢) الفاتحة: ٤.

(٣) النحل: ١١٦.

(٤) يوسف: ١١١.

(٥) الانعام: ٩٢.

(٦) آل عمران: ٨١.

٣٥

ببعض و يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا( ١) .

و قال ابن أبي الحديد أي: صدّق بما في القرآن من أيّام اللّه في الامم السالفة...( ٢ ) و هو كما ترى.

«و اعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها» في (وزراء الجهشياري): وجد في ثني مصلّى الفضل بن يحيى لمّا نقل من محبس إلى آخر رقعة فيها:

لو لم تكن هذه الدنيا لها دول

بين البريّة بالآفات و العطب

إذن صفت لاناس قبلنا و بهم

كانت تليق ذوي الأخطار و الحسب

و لم ننلها و فيما قد ذكرت أسى

و عبرة لذوي الألباب و الأدب

«فإنّ بعضها يشبه بعضا و آخرها لاحق بأوّلها و كلّها حائل مفارق» في الخبر عن أبي جعفرعليه‌السلام : ينادي مناد كلّ يوم: يا ابن آدم لد للموت و اجمع للفناء و ابن للخراب( ٣) .

و عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : جاء جبرئيل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: عش يا محمّد ما شئت فانّك ميت، و أحبب من شئت فإنّك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنّك لاقيه.

و قال ابن أبي الحديد: قالعليه‌السلام في غير هذا الفصل: الماضي للمقيم عبرة، و الميّت للحي عظة، و ليس لأمس عودة، و لا المرء من غد على ثقة، الأوّل للأوسط رائد، و الأوسط للأخير قائد، و كلّ بكلّ لاحق، و الكلّ للكلّ مفارق( ٤) .

«و عظّم اسم اللّه أن تذكره إلاّ على حق» عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : من أجلّ اللّه أن يحلف به أعطاه خيرا ممّا ذهب عنه.

و عنهعليه‌السلام اجتمع الحواريّون إلى عيسى فقالوا: يا معلّم الخير أرشدنا.

____________________

(١) النساء: ١٥٠ ١٥١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٤٣.

(٣) الكافي ٢: ١٣١ ح ١٤.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٤٤.

٣٦

فقال لهم: إن موسى نبيّ اللّه أمركم ألاّ تحلفوا باللّه كاذبين و أنا آمركم ألا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين.

و عنهعليه‌السلام : من حلف باللّه كاذبا فقد كفر، و من حلف باللّه صادقا أثم، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: و لا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم.

و عنهعليه‌السلام : من حلف على يمين و هو يعلم أنّه كاذب فقد بارز اللّه، و من قال «علم اللّه ما لم يعلم» اهتزّ العرش إعظاما له.

و عنهعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ للّه ملكا رجلاه في الأرض السفلى مسيرة خمسمئة عام و رأسه في السماء العليا مسيرة ألف سنة يقول: «سبحانك سبحانك حيث كنت فما أعظمك» فيوحي تعالى إليه: ما يعلم ذلك من يحلف بي كاذبا.

و في كتاب عليعليه‌السلام : اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها و تنغّل في الرحم يعني انقطاع النسل.

و عنهعليه‌السلام : إذا ادّعى عليك مال و لم يكن له بيّنة فأراد أن يحلفك فإنّ بلغ مقداره ثلاثين درهما فأعطه و لا تحلف، و إن كان أكثر فاحلف و لا تعطه.

«و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت» حتّى تكون أفطن الناس، و قال أبو عبيدة الحذاء لأبي جعفرعليه‌السلام : حدثني بما انتفع به. فقال له: أكثر ذكر الموت فإنّه لم يكثر انسان ذكر الموت إلاّ زهد في الدنيا.

«و لا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق» روي أنّ رجلا جاء إلى الصادقعليه‌السلام فقال: قد سئمت الدنيا فأتمنّى على اللّه الموت. قال: تمنّ الحياة لتطيع لا لتعصي، فلئن تعيش فتطيع خير لك من أن تموت.

و الشرط الوثيق معلومية كونه من الأبرار و من أولياء اللّه تعالى، قال

٣٧

عزّ و جلّ و ما عند اللّه خير للأبرار( ١ ) و قال لليهود المدّعين كونهم من أولياء اللّه فتمنوا الموت إن كنتم صادقين( ٢ ) و قد حكى تمنّى كثير من أوليائه تعالى و موتهم عقيب تمنّيهم.

«و احذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه و يكره» هكذا في النسخ( ٣ ) و الظاهر كونه محرف «و يكرهه».

«لعامّة المسلمين، و احذر كلّ عمل يعمل به في السر و يستحى منه في العلانية» من القبائح لا ما ورد أصله سرّا كالمناكح( ٤) .

«و احذر كلّ عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره و اعتذر منه» قال ابن أبي الحديد: الثلاثة الّتي أمرعليه‌السلام بالحذر منها متقاربة في المعنى، و يشملها معنى قول الشاعر:

لا تنه عن خلق و تأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

و قال تعالى حاكيا عن أحد أنبيائه: و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه( ٥ ) ، و من كلام الجنيد: ليكن عملك من وراء سترك كعملك من وراء الزجاج الصافي. و في المثل «إيّاك و ما يعتذر منه»( ٦) .

قلت: بل البيت و الآية في معنى الأول، و كلام الجنيد في معنى الثاني، و المثل في معنى الثالث، لا أنّ كلاّ منها يشمل الجميع.

«و لا تجعل عرضك غرضا» أي: هدفا.

____________________

(١) آل عمران: ١٩٨.

(٢) البقرة: ٩٤.

(٣) شرح ابن ميثم ٥: ٢١٩.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٤١.

(٥) هود: ٨٨.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٤٤ ٤٥.

٣٨

«لنبال القول» أي: سهام أقوالهم، قال الشاعر:

مقالة السوء إلى أهلها

أسرع من منحدر سائل

و من دعا الناس إلى ذمّه

ذمّوه بالحقّ و بالباطل

أيضا:

لا تستثر أبدا ما لا تقوم له

و لا تهيجنّ من عرينه الأسدا

إن الزنابير إذا حرّكتها سفها

عن كورها أوجعت من لسعها الجسدا

في (سنن أبي داود) عن السجّادعليه‌السلام قالت صفية: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني و كان مسكنها في دار اسامة فمر رجلان من الأنصار فلمّا رأيا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسرعا فقال: على رسلكما انّها صفية بنت حي. قالا: سبحان اللّه يا رسول اللّه قال: إنّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا.

«و لا تحدّث الناس بكل ما سمعت به» بأن تقول لهم الأمر الفلاني كذا و كذا استنادا إلى سماعك.

«فكفى بذلك كذبا» لأنّ أكثر ما يسمع الإنسان كذب و حينئذ فالواجب ألاّ يحدّث إلاّ بما رأى بعينه أو كرؤية العين من السماع عن الثقة.

و هذا نظير قولهعليه‌السلام في موضع آخر: «بين الحق و الباطل أربع أصابع» و أراد بالحق ما رآه بعينه و بالباطل ما سمعه باذنه.

و قال ابن أبي الحديد: قد نهىعليه‌السلام أن يحدّث الإنسان بكلّ ما رأى من العجائب، فضلا عمّا سمع، لأنّ الحديث الغريب المعجب تسارع النفس إلى تكذيبه، و إلى أن تقوم الدلالة على صدقه قد فرط من سوء الظن فيه ما فرط،

٣٩

و يقال إنّ بعض العلويّة قال في حضرة عضد الدولة ببغداد: عندنا في الكوفة نبق، وزن كلّ نبقة مثقالان، فاستظرف الملك ذلك و كاد يكذّبه الحاضرون، فلمّا قام ذكر ذلك لأبيه، فأرسل حماما كان عنده في الحال إلى الكوفة يأمر وكلاءه بإرسال مئة حمام في رجلي كلّ واحد نبقتان من ذلك النبق، فجاء النبق في بكرة الغد و حمل إلى عضد الدولة، فاستحسنه و صدّقه، ثم قال له:

لعمري لقد صدقت، و لكن لا تحدّث فيما بعد بكل ما رأيت من الغرائب، فليس كلّ وقت يتهيّأ لك إرسال الحمام( ١) .

قلت: هو كما ترى، فكلامهعليه‌السلام أنّه لا يجوز للإنسان أن يحدّث بجميع مسموعاته ممّا لا شاهد لصدقه لأن أكثرها كذب فإذا حدث كذب، و ما قاله شي‏ء آخر و هو أنّه لا ينبغي للعاقل أن يحدّث بكل ما رأى من الغرائب مخافة أن يكذّبه الناس مع صدقه فيحصل له استصغار كما هو مفاد تحديث العلوي.

«و لا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به» و لو كان غريبا ففي مخلوقاته تعالى عجائب.

«فكفى بذلك جهلا» ففي العالم أشياء لم ترها أصلا فكيف تنكر وجودها بعدم رؤيتك، و إنّما قالعليه‌السلام لا تردّ كلّ ما حدثوك لأنّ من الأمور أمورا ممكنة و منها امورا ممتنعة قد قام البرهان على استحالتها، فيجوز لك ردّ الممتنع دون الممكن كما في رد حضّار مجلس العضد لكلام العلويّ الممكن.

«و اكظم الغيظ» قال ابن أبي الحديد: روى أنّ عبدا لموسى بن جعفرعليه‌السلام قدّم إليه صحفة فيها طعام حارّ، فعجل فصبّها على رأسه و وجهه، فغضب، فقال العبد: و الكاظمين الغيظ( ٢ ) قال: قد كظمت، قال و العافين عن

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٤٥ ٤٦.

(٢) آل عمران: ١٣٤.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607