بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة3%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62927 / تحميل: 6526
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

قول المصنف «منها» هكذا في جميع النسخ( ١ ) ، و الظاهر أنّ المصنف توهم أنّه قال في أوّل عنوانه: (و من خطبة لهعليه‌السلام ) مع أنّه قال: (و من كلام لهعليه‌السلام ).

قولهعليه‌السلام «فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها» نظير قولهعليه‌السلام في سابقه: (فتداكوا عليّ تداك الإبل الهيم يوم ورودها، قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها)( ٢ ) ، شبّه ثمّة شوق الناس في بيعته بإبل عطاش مخلاة السرب، مطلقة العنان يوم سقيها، كيف ترد الماء، و شبّهه هنا بإبل معها أطفالها و هي قريبة العهد بالنتاج، كيف تقبل على ولدها.

و قال ابن أبي الحديد: (العوذ): إذا ولدت عن قريب و (المطافيل): التي زال عنها اسم العياذ و معها طفلها، و قد تسمى المطافيل عوذا إلى أن يبعد العهد بالنتاج مجازا، و على هذا قالعليه‌السلام : (العوذ المطافيل) و إلاّ فالاسمان لا يجتمعان حقيقة( ٣) .

قلت: ما ذكره غلط، كيف لا يجتمع الاسمان (العوذ) و (المطافيل) و قد قال في (الجمهرة): و العوذ المطافيل من الإبل الحديثات العهد بالنتاج التي معها أولادها، و الظباء المطافيل التي معها أولادها و هي قريبة عهد بالنتاج( ٤) .

و كيف لا يجتمعان و قد أكثر الشعراء من الجمع بينهما قال الأعشى:

الواهب المائة الهجان و عبدها

عوذا تزجّي خلفها أطفالها( ٥)

و قال الأخطل يصف سحابا:

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢٨، و لكن في شرح ابن ميثم ٣: ١٦٦، و شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣٨: منه.

(٢) نهج البلاغة ١: ٩٩، الخطبة ٥٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣٨.

(٤) جمهرة اللغة ٢: ٩٢٠، مادة: (طفل).

(٥) جمهرة اللغة: و قال في هامشه: البيت للأعشى في ديوانه: ٢٩، و قد استشهد به سيبويه ١: ٩٤ على عطف «عبدها» على «المائة» و هو مضاف إلى غير الألف و اللام.

٥٢١

إذا زعزعته الريح جرّ ذيوله

كما رجّعت عوذ ثقال تطفّل( ١)

و قال أبو ذؤيب في وصف تكلّم امرأة:

و إنّ حديثا منك لو تبذلينه

جني النحل في ألبان عوذ مطافل

مطافيل أبكار حديث نتاجها

تشاب بماء مثل ماء المفاصل( ٢)

و الأصل في وهمه قول (الصحاح) في (عوذ): العوذ: الحديثات النتاج من الظباء و الإبل و الخيل، واحدتها عائذ، مثل حائل و حول، تقول: هي عائذ بينة العوذة و ذلك إذا ولدت عشرة أيّام أو خمسة عشر يوما، ثم هي مطفل بعد...( ٣) .

فإن حمل على أنّ مراده أنّ المطفل أعم، و إلاّ فهو غلط منه، و كيف لا، و قد قال نفسه في (طفل): و الطفل: الظبي معها طفلها و هي قريبة عهد بالنتاج، و كذلك الناق، ة و الجمع مطافل و مطافيل. ثم استشهد ببيتي أبي ذؤيب المتقدمين( ٤) .

«تقولون البيعة البيعة» أي: ليس لنا همّ إلاّ ببيعتك و لا نرضى إلاّ بيعتك.

«قبضت يدي» هكذا في (المصرية)( ٥ ) ، و الصواب: (كفّي) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٦ ) و (الخطيّة).

«فبسطتموها» روى (مقاتل أبي الفرج) بأسانيد في جعل المأمون الرضاعليه‌السلام وليّ عهده: أنّ المأمون أمر ابنه العبّاس فبايعه أول الناس، فرفع الرضاعليه‌السلام يده فتلقى بظهرها وجه نفسه و بطنها وجوههم، فقال له المأمون:

____________________

(١) لسان العرب ٨: ١٧٥، مادة: (طفل).

(٢) أوردهما الجوهري في الصحاح ٥: ١٧٥١، مادة: (طفل).

(٣) الصحاح ٢: ٥٦٧، مادة: (عوذ).

(٤) الصحاح ٥: ١٧٥١، مادة: (طفل).

(٥) نهج البلاغة ٢: ٢٨.

(٦) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣٨، و لكن في شرح ابن ميثم ٣: ١٦٦ «يدي» أيضا.

٥٢٢

ابسط يدك للبيعة. فقالعليه‌السلام : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا كان يبايع. فبايعه الناس...( ١) .

«و نازعتكم يدي فجذبتموها» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب:

(فجاذبتموها) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣ ) و (الخطية).

في (خلفاء القتيبي): قال أبو ثور: كنت فيمن حاصر عثمان، فكنت آخذ سلاحي و أضعه و عليّعليه‌السلام ينظر اليّ، لا يأمرني و لا ينهاني، فلمّا كانت البيعة له خرجت في أثره و الناس حوله يبايعونه، فدخل حايطا من حيطان بني مازن فألجأوه إلى نخلة و حايلوا بيني و بينه، فنظرت إليهم و قد أخذت أيدي الناس ذراعه يختلف أيديهم على يده...( ٤) .

ثم قولهعليه‌السلام هنا: «قبضت كفّي...» كقولهعليه‌السلام في سابقه: «و بسطتم يدي فكففتها...»( ٥ ) دال على قول الامامية: إنّ الإمامة بالنص من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ببيعة الناس «و إنّ الإمام كالكعبة يؤتى و لا يأتي»( ٦ ) ، فلم يكن هوعليه‌السلام و لا المعصومون من عترته يكترثون ببيعة الناس لهم، و إنّما كانوا يدعون الناس أحيانا إلى أنفسهم إتماما للحجّة، فهوعليه‌السلام بعد قتل عثمان يمدّ الناس يده لأن يبايعوه فيقبضها، كما أنّهعليه‌السلام يوم الشورى يعرض ابن عوف عليه البيعة بشرط العمل بسنّة الشيخين، فيطوي الكشح عنها، دلالة على بطلان أمرهم و كان الحسينعليه‌السلام يقول لمن تبعه: قد رفعت بيعتي عن أعناقكم. و كان الرضاعليه‌السلام لم يقبل ولاية عهد المأمون حتى أكرهه.

ففي (مقاتل أبي الفرج): أنّ المأمون قال للفضل بن سهل و أخيه: إنّي

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٣٧٦.

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢٨.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩: ٣٨، و لكن في شرح ابن ميثم ٣: ١٦٦ «فجذبتموها» أيضا.

(٤) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١: ٤٦ ٤٧.

(٥) نهج البلاغة ٢: ٢٤٩، الخطبة ٢٢٩.

(٦) كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر: ٢٤٨.

٥٢٣

عاهدت اللّه إن ظفرت بالمخلوع أن اخرجها إلى أفضل آل أبي طالب، و ما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل، فأرسلهما إليهعليه‌السلام في ذلك فأبى، فأحضره المأمون و قال له كالمتهدّد: إنّ عمر جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك، و قال:

من خالف فاضربوا عنقه، و لا بد من قبول ذلك...( ١) .

و في (الطبري): أنّ الرضاعليه‌السلام أخبر المأمون بخلع أهل بغداد له، و بيعتهم لعمّه ابن شكله و إن كان الفضل ستر ذلك عنه و قالعليه‌السلام : لأنّ الناس ينقمون منك مكانه، و مكان أخيه منك، و مكان بيعتك لي من بعدك( ٢) .

و في (صفّين نصر): أنّ عليّاعليه‌السلام كتب إلى معاوية: و اعلم أنّ هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدونا و لامتنوا به علينا، و لكنّه قضاء ممّن امتن به علينا على لسان نبيّه الصادق المصدّق، لا أفلح من شك بعد العرفان و البيّنة، اللهمّ احكم بيننا و بين عدوّنا( ٣) .

«اللهم إنّهما» أي: طلحة و الزبير.

«قطعاني و ظلماني و نكثا بيعتي و الّبا» أي: حرّضا.

«الناس عليّ فاحلل ما عقدا و لا تحكم لهما ما أبرما» أي: أحكما.

«و أرهما المساءة فيما أمّلا و عملا» روى أبو مخنف في (جمله): أنّه لمّا رجعت رسل عليعليه‌السلام من عند طلحة و الزبير و عايشة يؤذنونه بالحرب، قام فقال: اللهمّ إنّ طلحة نكث بيعتي، و ألّب على عثمان حتّى قتله، ثم عضهني و رماني، اللهمّ فلا تمهله. اللهمّ إنّ الزبير قطع رحمي و نكث بيعتي و ظاهر عليّ عدوّي، فاكفنيه اليوم بما شئت( ٤) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٣٧٥.

(٢) تاريخ الطبري ٨: ٥٥٥، سنة ٢٠١.

(٣) وقعة صفّين لنصر بن مزاحم: ١٠٩ ١١٠.

(٤) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١: ٣٠٥ ٣٠٦.

٥٢٤

و روى المدائني عن عبد اللّه بن جنادة، قال: قدمت من الحجاز اريد العراق في أوّل إمارة عليعليه‌السلام ، فمررت بمكّة فاعتمرت، ثم قدمت المدينة فدخلت مسجد النبيّ إذ نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس و خرج عليعليه‌السلام متقلّدا سيفه، فشخصت الأبصار نحوه، فحمد اللّه و صلّى على رسوله، ثم قال:

أمّا بعد، فإنّ اللّه تعالى لمّا قبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلنا: نحن أهله و ورثته و عترته و أولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، و لا يطمع في حقّنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصارت الإمرة لغيرنا و صرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، و يتعزّز علينا الذليل، فبكت الأعين منّا لذلك، و خشنت الصدور و جزعت النفوس.

و ايم اللّه لو لا مخافة فرقة المسلمين، و أن يعود الكفر و يبور الدين، لكنّا على غير ما كنّا لهم، فولي الأمر ولاة لم يألوا الناس خيرا، ثم استخرجتموني من بيتي فبايعتموني على شنآن منّي لأمركم، و فراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم، و بايعني هذان الرجلان في أوّل من بايع تعلمون ذلك و قد نكثا و غدرا و نهضا إلى البصرة بعايشة، ليفرّقا جماعتكم و يلقيا بأسكم بينكم، اللّهمّ فخذهما بما عملا أخذة رابية، و لا تنعش لهما صرعة و لا تقلّهما عثرة و لا تمهلهما فواقا، فإنّهما يطلبان حقّا تركاه، و دما سفكاه، اللهمّ إنّي اقتضيك وعدك، فإنّك قلت و قولك الحق:... ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه...( ١ ) ، اللهمّ فأنجز لي موعدي، و لا تكلني إلى نفسي إنّك على كلّ شي‏ء قدير( ٢) .

قال ابن أبي الحديد: دعاؤهعليه‌السلام على طلحة و الزبير بإراءتهما المساءة، استجيب الاّ انّه مساءة الدّنيا لا الآخرة، فانّ اللّه وعدهما على لسان نبيّه بالجنّة

____________________

(١) الحج: ٦٠.

(٢) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١: ٣٠٧ ٣٠٨.

٥٢٥

بالتوبة التي نقلت عنهما، و لولاها لكانا من الهالكين( ١) .

قلت: أمّا قوله (إنّ اللّه وعدهما على لسان نبيّه بالجنّة) فسبحانك هذا بهتان عظيم، إن كان خبرهم في العشرة المبشّرة حقّا، كان الإسلام باطلا، فمن العشرة طلحة و الزبير و ابن عوف و عثمان، و كل من الأولين يشهد على الأخير بالنفاق و الكفر، و الأخير يشهد على كلّ من الأولين كذلك، كما إنّ طلحة و الزبير قتلا آلافا من المسلمين بغير حق، و أفسدا في الأرض فسادا أثره باق إلى آخر الدّهر، و قاتلا من هو نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصريح التنزيل، و لم يندما عن فعلهما حتّى قتلا و إنّما ترك الزبير قتالهعليه‌السلام ، و لو كان تاب للحقّ بهعليه‌السلام ، كما تاب الحرّ الرياحي من قتاله مع الحسينعليه‌السلام ، كما إنّ طلحة إنّما نقل عنه أنّه لمّا أصابه السهم قال: «اللهمّ خذ منّي لعثمان»( ٢ ) ، فإن صح النقل فقد تاب عن قتله عثمان، لا عن قتاله أمير المؤمنين.

«و لقد استثبتهما» من ثاب يثوب، أي: طلب منهما الرجوع، و يروى (و لقد استتبتهما)( ٣) .

«قبل القتال و استأنيت» أي: ترفقت و انتظرت.

«بهما أمام الوقاع» أي: الحرب.

«فغمطا» بالكسر و الفتح، أي: حقرا.

«النعمة و ردّا العافية» في (المروج): بعث عليعليه‌السلام من يناشدهم اللّه في الدماء، فأبوا إلاّ الحرب، فبعث رجلا من أصحابه يقال له مسلم، معه مصحف يدعوهم إلى اللّه فرموه بسهم فقتلوه، فحمل إليهعليه‌السلام . و قالت امّ مسلم:

يا ربّ إنّ مسلما أتاهم

يتلو كتاب اللّه لا يخشاهم

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد

(٢) طبقات ابن سعد ٣: ٢٢٢ ٢٢٣، تاريخ المدينة المنوّرة ٤: ١١٦٩ ١١٧٠.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٢٨.

٥٢٦

فخضّبوا من دمه لحاهم

و امّه قائمة تراهم( ١)

و حملعليه‌السلام و حمل معه الناس، فما كان القوم إلاّ... كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف...( ٢) .

و كما استثابهما في البصرة قبل القتال، استثابهما قبل الخروج من المدينة فرووا و قد نقله ابن أبي الحديد عند قولهعليه‌السلام (يزعم انه قد بايع بيده)( ٣ ) : أنّ معاوية كتب إلى الزبير: «إنّي قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا، فدونك الكوفة و البصرة لا يسبقك إليهما ابن أبي طالب، و قد بايعت لطلحة من بعدك، فادعوا الناس إلى الطلب بدم عثمان». فأقرأ الزبير الكتاب طلحة فأجمعا على نقض البيعة، فدخلا عليهعليه‌السلام فاستأذناه في العمرة، فقال: ما العمرة تريدان فحلفا ما يريدان غيرها. فقال لهما: إنّما تريدان الغدرة و نكث البيعة، فحلفا لا يريدان النكث. فقال لهما: فأعيدا البيعة ثانية. فأعاداها بأشدّ ما يكون من الأيمان و المواثيق، فاذن لهما فلمّا خرجا قالعليه‌السلام : و اللّه لا ترونهما إلاّ في فئة يقتتلان فيها. فقالوا: فمر بردهما عليك. فقالعليه‌السلام :... ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا...( ٤ ) أما و اللّه لقد علمت أنّهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل، و يأتيان من وردا عليه بأشأم يوم، و لقد أتياني بوجهي فاجرين و رجعا بوجهي غادرين ناكثين، و اللّه لا يلقياني بعد اليوم إلاّ في كتيبة خشناء، يقتلان فيها نفسهما، فبعدا لهما و سحقا( ٥) .

____________________

(١) مروج الذهب للمسعودي ٢: ٣٧٠، أنساب الأشراف للبلاذري ٢: ٢٤١.

(٢) مروج الذهب للمسعودي ٢: ٣٧٥، و الآية ١٨ من سورة إبراهيم.

(٣) نهج البلاغة ١: ٣٨، الخطبة ٨.

(٤) الأنفال: ٤٢.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٣١ ٢٣٣، و النقل بتلخيص.

٥٢٧

٣ - الكتاب (٧) و من كتاب لهعليه‌السلام إليه أيضا:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ وَ رِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ نَمَّقْتَهَا بِضَلاَلِكَ وَ أَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ وَ كِتَابُ اِمْرِئٍ لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ وَ لاَ قَائِدٌ يُرْشِدُهُ قَدْ دَعَاهُ اَلْهَوَى فَأَجَابَهُ وَ قَادَهُ اَلضَّلاَلُ فَاتَّبَعَهُ فَهَجَرَ لاَغِطاً وَ ضَلَّ خَابِطاً مِنْهُ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ يُثَنَّى فِيهَا اَلنَّظَرُ وَ لاَ يُسْتَأْنَفُ فِيهَا اَلْخِيَارُ اَلْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ وَ اَلْمُرَوِّي فِيهَا مُدَاهِنٌ أقول: قال ابن أبي الحديد: هذا الكتاب كتبه عليعليه‌السلام جوابا عن كتاب كتبه معاوية إليه في أثناء حرب صفين، بل في أواخرها و كتاب معاوية: أما بعد فان اللّه تعالى يقول في محكم كتابه: و لقد أوحي إليك و إلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين( ١ ) و اني احذرك اللّه أن تحبط عملك و سابقتك بشق عصا هذه الامّة و تفريق جماعتها، فاتّق اللّه و اذكر موقف القيامة، و اقلع عمّا أسرفت فيه من الخوض في دماء المسلمين، و إنّي سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (لو تمالأ أهل صنعاء و عمان على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبّهم اللّه على مناخرهم في النار)، فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين و سادات المهاجرين، بله ما طحنت رحاء حربه من أهل القرآن، من شيخ كبير و شاب غرير، كلّهم باللّه مؤمن و له مخلص و برسوله مقرّ عارف، فان كنت أبا حسن انّما تحارب على الإمرة و الخلافة، فلعمري لو

____________________

(١) الزمر: ٦٥.

٥٢٨

صحت خلافتك لكنت قريبا من ان تعذر في حرب المسلمين، و لكنّها ما صحّت لك و أنّى بصحّتها، و أهل الشام لم يدخلوا فيها و لم يرتضوا بها، و خف اللّه و سطواته و اتّق بأسه و نكاله، و اغمد سيفك عن الناس، فقد و اللّه أكلتهم الحرب فلم يبق منهم إلاّ كالثمد في قرارة الغدير.

فكتبعليه‌السلام اليه: أما بعد إلى قوله: و ضل خابطا. فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها، و أستعيذ باللّه أن أكون من الذين إذا امروا بها أخذتهم العزّة بالإثم، و أما تحذيرك إيّاي أن يحبط عملي و سابقتي في الإسلام، فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذّرني ذلك، و لكني وجدت اللّه تعالى يقول:... فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء إلى أمر اللّه...( ١) ، فنظرنا إلى الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها، لأن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام، كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة و أنت أمير لعمر بالشام.

و أمّا شقّ عصا هذه الامّة فأنا أحقّ أن أنهاك عنه، فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي، فإنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرني بقتالهم و قتلهم و قال لأصحابه: «ان فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» و أشار إليّ و أنا أولى من اتّبع أمره. و أما قولك: إن بيعتي لم تصحّ لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها، كيف؟ و انّما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر و الغائب، لا يستثنى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، و المروّي مداهن، فاربع على ظلعك، و انزع سربال غيّك، و اترك ما لا جدوى له عليك، فليس لك عندي إلاّ السيف، حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه صاغرا، و تدخل في البيعة راغما( ٢) .

و قال ابن ميثم: كتابهعليه‌السلام جواب كتاب معاوية إليه (و انّما كان أهل

____________________

(١) الحجرات: ٩.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٤٢ ٤٣.

٥٢٩

الحجاز الحكّام على الناس حين كان الحق فيهم، فلمّا تركوه صار أهل الشام الحكّام، و ليس حجّتك عليهم كحجّتك على أهل البصرة، و لا حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة و الزبير، لأنّ أهل البصرة بايعوك و لم يبايعك أهل الشام، و ان طلحة و الزبير بايعاك و لم ابايعك، و أمّا فضلك في الإسلام، و قرابتك من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و موضعك من بني هاشم، فلست أدفعه) فكتب عليّعليه‌السلام جوابه:

أمّا بعد فإنّه أتاني كتابك كتاب امرى‏ء إلى قوله «خابطا» ثم بعده زعمت أنّه إنّما أفسد عليّ بيعتك خطيئتي في عثمان، و لعمري ما كنت إلاّ رجلا من المهاجرين، أوردت كما أوردوا و أصدرت كما أصدروا، و ما كان اللّه ليجمعهم على ضلال و لا يضر بهم بعمى، و أمّا ما زعمت أنّ أهل الشام الحكام على أهل الحجاز، فهات رجلين من قريش الشام يقبلان في الشورى أو تحل لهم الخلافة، فإن زعمت ذلك كذّبك المهاجرون و الأنصار، و إلاّ فأنا آتيك بهما من قريش الحجاز، و أمّا ما ميّزت بين أهل الشام و أهل البصرة و بينك و بين طلحة و الزبير، فلعمري ما الأمر في ذلك إلاّ واحد ثم بعده لأنّها بيعة عامة إلى آخره ثم و أما فضلي في الإسلام و قرابتي من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و شرفي في بني هاشم، فلو استطعت دفعه لفعلت( ١) .

قال ابن ميثم: و أما قولهعليه‌السلام (فقد أتتني إلى بسوء رأيك)، فهو صدر كتاب آخر في جواب معاوية بعد الكتاب الذي ذكرناه، و ذلك أنّ معاوية لمّا وصل إليه هذا الكتاب منهعليه‌السلام ، كتب إليه ثانيا: (أما بعد فاتّق اللّه يا عليّ و دع الحسد، فإنّه طالما لم ينتفع به أهله، و لا تفسد سابقتك بشرة من حديثك، فإن الأعمال بخواتيمها، و لا تلحدن بباطل في حقّ من لا حقّ لك في حقّه، فانّك إن تفعل لا تضلل إلاّ نفسك، و لا تمحق إلاّ عملك، و لعمري إنّ ما مضى لك من

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٥.

٥٣٠

السوابق الحسنة لحقيقة أن تردّك و تردعك عمّا اجترأت عليه من سفك الدماء، و إجلاء أهل الحقّ عن الحل و الحرم، فاقرأ سورة الفلق و تعوّذ باللّه من شرّ ما خلق و من شر نفسك الحاسد إذا حسد، قفل اللّه بقلبك و أخذ بناصيتك و عجّل توفيقك، فانّي أسعد النّاس بذلك. فكتبعليه‌السلام إليه:

أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة إلى بسوء رأيك ثم بعده و كتاب ليس ببعيد الشبه منك، حملك على الوثوب على ما ليس لك فيه حق، و لو لا علمي بك، و ما قد سبق من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيك، ممّا لا مردّ له دون إنفاذه، لوعظتك، و لكن عظتي لا تنفع من حقّت عليه كلمة العذاب، و لم يخف العقاب، و لم يبرح للّه وقارا، و لم يخش له حذارا، فشأنك و ما أنت عليه من الضلالة و الحيرة و الجهالة، تجد اللّه في ذلك لك بالمرصاد من دنياك المنقطعة و تمنيك الأباطيل، و قد علمت ما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيك و في امّك و أبيك( ١) .

قال ابن ميثم: و المصنّف أضافه إلى هذا الكتاب، كما هو عادته في عدم مراعاة أمثال ذلك( ٢) .

قلت: لم يذكر أحدهما مستندا، لكن ما ذكره ابن ميثم من كون قولهعليه‌السلام : (كتاب امرى‏ء ليس له بصر يهديه) إلى آخر العنوان، أوّل جوابهعليه‌السلام عن كتاب ذكره ابن ميثم صحيح فذكره (كامل المبرد) و (خلفاء ابن قتيبة) و (عقد ابن عبد ربه) و (صفّين نصر)( ٣) .

و أما كون قولهعليه‌السلام : فقد أتتني منك موعظة موصلة إلى: (و أمضيتها بسوء رأيك) جوابا عن كتاب ذكره أيضا فلم أتحققه.

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٥ ٣٥٦.

(٢) المصدر نفسه ٤: ٣٥٦.

(٣) الإمامة و السياسة ١: ١٠١ ١٠٢، العقد الفريد ٥: ٨١.

٥٣١

و في (صفّين نصر) ذكر كتاب معاوية: (و دع الحسد...)( ١ ) ، لكن لم يذكر جوابه.

قولهعليه‌السلام : «أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة» أي: مرقعة أكثر فيها من الوصلة، و موعظته الموصلة لهعليه‌السلام مثل ما عرفت في كتابه إليهعليه‌السلام : أما بعد فاتّق اللّه يا عليّ الخ في ما نقله ابن ميثم( ٢ ) و يقول تعالى: و لقد أوحي إليك...( ٣ ) فيما مرّ عن ابن أبي الحديد( ٤) .

«و رسالة محبرة» أي: منقشة.

«نمقتها» أي: نقشتها.

«بضلالك و أمضيتها بسوء رأيك» كقوله (و اقرأ سورة الفلق و تعوّذ باللّه من شرّ ما خلق).

و نظير كلامهعليه‌السلام قول أبي دلامة:

كتبوا إليّ صحيفة مطبوعة

جعلوا عليها طينة كالعقرب

فعلمت أنّ الشّر عند فكاكها

ففككتها عن مثل ريح الجورب

و إذا شبيه بالأفاعي رقشت

يوعدنني بتلمظ و تثاوب

و ممّا يناسب قولهعليه‌السلام (موعظة و موصلة)، ما في (السير) أن المهدي لمّا تقلّد الخلافة بعد أبيه، وفد عبيد اللّه بن الحسن الهاشمي عليه معزّيا و مهنئا، فتكلّم بكلام أعده و قال: سلوا أبا عبيد اللّه وزير المهدي عمّا تكلّمت، فسئل أبو عبد اللّه عنه فقال: لم يعد الهاشمي بكلامه أن أخذ مواعظ الحسن البصري و رسائل غيلان، فلقح بينهما كلاما. فأخبر عبيد اللّه بما قال أبو عبيد

____________________

(١) وقعة صفّين: ١١٠.

(٢) شرح ابن ميثم ٤: ٣٦٦.

(٣) الزمر: ٦٥.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٤٢.

٥٣٢

اللّه فيه، فقال: للّه أبوه، فو اللّه ما أخطأ حرفا و لا تجاوزت ما قال.

هذا، و في (المعجم): لمّا ورد عضد الدولة بغداد في سنة (٣٦٧)، نقم على الصابي أشياء من مكتوباته عن الخليفة و عن بختيار عزّ الدولة فحبسه، فسئل فيه و عرف بفضله و قيل له: مثل مولانا لا ينقم على مثله ما كان منه، فإنّه كان في خدمة قوم لا يمكنه إلاّ المبالغة في نصيحتهم، و لو أمره مولانا بمثل ذلك إذا استخدمه ما أمكنه المخالفة. فقال عضد الدولة: قد سوغته نفسه فإن عمل كتابا في مآثرنا و تاريخنا أطلقته، فشرع في محبسه بكتاب (التاجي في أخباره) و قيل: إنّ بعض أصدقائه دخل عليه في الحبس و هو في تبييض و تسويد في هذا الكتاب، فسأله عمّا يعمله، فقال: أباطيل انمّقها و أكاذيب ألفّقها، فأنهى الرجل ذلك إلى عضد الدولة، فأمر بإلقائه تحت أرجل الفيلة، فأكبّ عبد العزيز بن يوسف و نصر بن هارون على الأرض يقبلانه و يشفعون إليه في أمره حتى أمر باستحيائه و أخذ أمواله( ١) .

و قالوا: كتب عبد الحميد لمروان الحمار كتابا إلى أبي مسلم الخراساني، حمل على جمل لعظمه و كثرته و تهويلا على أبي مسلم، و قال: ان قرأه خاليا نحب قلبه، و ان قرأه في ملأ خذلوا.

فلمّا وصل الكتاب إلى أبي مسلم أحرقه و لم يقرأه، و كتب على قطعة بياض إلى مروان:

محا السيف أسطار البلاغة و انتحت

إليك ليوث الغاب من كلّ جانب

فإن تقدموا نعمل سيوفا شحيذة

يهون عليها العتب من كلّ عاتب

«و كتاب» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، مثله (ابن أبي الحديد)( ٣ ) ، و لكن في

____________________

(١) معجم الأدباء ٢: ٢١ ٢٢.

(٢) نهج البلاغة ٣: ٩.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٤١.

٥٣٣

(ابن ميثم)( ١ ) : (كتاب).

«امرى‏ء ليس له بصر يهديه»... لهم أعين لا يبصرون بها...( ٢) .

«و لا قائد يرشده»... و من يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا( ٣) .

«قد دعاه الهوى فأجابه» أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه...( ٤) .

«و قاده الضلال فاتّبعه»... و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من اللّه...( ٥) .

«فهجر» أي: هذى من (هجر المريض)، و الكلام مهجور، قيل: و منه قوله تعالى حكاية عن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا( ٦) .

«لاغطا» في (الصحاح) اللغط بالتحريك: الصوت و الجلبة( ٧) .

«و ضل خابطا» من (خبط البعير الأرض بيده) ضربها، و منه (خبط عشواء) و هي الناقة التي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئا.

قول المصنف «منه» هكذا في (المصرية)( ٨ ) ، و الصواب: (و من هذا الكتاب) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٩) .

و قولهعليه‌السلام : «لأنّها بيعة واحدة لا يثنى» من ثناه تثنية، أي: جعله اثنين.

«فيها النظر و لا يستأنف» أي: لا يجدد.

«فيها الخيار» أي: الاختيار.

____________________

(١) في شرح ابن ميثم ٤: ٣٥٤ «و كتاب» أيضا.

(٢) الأعراف: ١٧٩.

(٣) الكهف: ١٧.

(٤) الجاثية: ٢٣.

(٥) القصص: ٥٠.

(٦) الفرقان: ٣٠.

(٧) الصحاح ٣: ١١٥٧، مادة: (لغط).

(٨) نهج البلاغة ٣: ٩.

(٩) شرح ابن أبي الحديد ١٤: ٤٤، شرح ابن ميثم ٣: ٣٥٤.

٥٣٤

«الخارج منها طاعن» على المؤمنين.

«و المروي فيها» في (الصحاح): رويت في الأمر إذا نظرت فيه و فكرت يهمز و لا يهمز( ١) .

«مداهن» أي: مصانع.

في (عيون ابن بابويه) عن الحاكم البيهقي، عن محمّد الصولي، عن أحمد بن محمّد بن إسحاق، عن أبيه قال: لمّا بويع الرّضاعليه‌السلام بالعهد، اجتمع الناس إليه يهنئونه فأومأ إليهم فأنصتوا، ثم قالعليه‌السلام بعد ان استمع كلامهم: الحمد للّه الفعّال لمّا يشاء لا معقّب لحكمه، و لا رادّ لقضائه، يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، و صلّى اللّه على محمّد و آله في الأوّلين و الآخرين، و على آله الطيبين الطاهرين، إنّ أمير المؤمنين عضده اللّه بالسداد و وفّقه للرّشاد، عرف من حقّنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، و آمن نفوسا فزعت، بل أحياها و قد تلفت، و أغناها إذ افتقرت، مبتغيا رضى ربّ العالمين، لا يريد جزاء إلاّ من عنده، و سيجزي اللّه الشاكرين و لا يضيع أجر المحسنين، و انّه جعل إليّ عهده، و الإمرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حل عقدة أمر اللّه تعالى بشدّها، و فصم عروة أحبّ اللّه إثباتها، فقد أباح حريمه و أحلّ محرمه، إذ كان بذلك زاريا( ٢ ) على الإمام، منتهكا حرمة الإسلام، بذلك جرى السالف فصبر منه على الفلتات و لم يتعرّض بعدها على العزمات، خوفا على شتات الدين و اضطراب حبل المسلمين، و لقرب أمر الجاهلية و رصد المنافقين فرصة تنتهز و بائقة تبتدر، و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم، إن الحكم إلاّ للّه يقص الحق و هو خير الفاصلين( ٣) .

____________________

(١) الصحاح ٦: ٢٣٦٤، مادة: (روى).

(٢) زاريا أي: عاتبا ساخطا غير راض. الصحاح ٦: ٢٣٦٨، مادة: (زرى).

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ١٤٤ ١٤٥ ح ١٧، و عنه البحار ٤٩: ١٤١.

٥٣٥

٤ - الخطبة (٨) و من كلام لهعليه‌السلام يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك:

يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وَ اِدَّعَى اَلْوَلِيجَةَ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وَ إِلاَّ فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ أقول: الذي وقفت عليه كون العنوان كلام الحسنعليه‌السلام ابنهعليه‌السلام ، ففي (جمل المفيد): لمّا تقرّر في الجمل أمر الكتائب في الفريقين، و قام ابن الزبير خطيبا في ذمّ أمير المؤمنينعليه‌السلام و تهمته بقتل عثمان، و بلغهعليه‌السلام ذلك، قال للحسن ابنهعليه‌السلام : قم يا بني فاخطب، فقام فحمد اللّه و أثنى عليه، و قال: أيّها الناس قد بلغتنا مقالة ابن الزبير، و قد كان أبوه و اللّه يتجنّى على عثمان الذنوب، و قد ضيّق عليه البلاد حتى قتل، و إن طلحة راكز رايته على بيت ماله و هو حيّ.

و أمّا قوله: إنّ عليّا ابتز النّاس أمرهم، فإن أعظم حجّته لأبيه زعم أنّه بايعه بيده و لم يبايعه بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة و ادّعى الوليجة، فليأت على ما ادّعاه ببرهان و أنّى له ذلك( ١ ) ؟

و قال ابن أبي الحديد عند قولهعليه‌السلام (فتداكوا عليّ): قال الزبيريّون عبد اللّه بن مصعب، و الزبير بن بكار و من وافقهم من تيم بن مرة عصبية لطلحة:

إنّهما بايعا مكرهين، و إنّ الزبير كان يقول: بايعت و اللجّ أي: سيف الأشتر في قفّي أي: عنقي( ٢) .

قلت: كون بيعة الزبير و السيف في عنقه، رواية السيف الوضّاع، و إن صاحب السيف كان حكيم بن جبلة لا الأشتر، ففي رواية له: جاء حكيم بن

____________________

(١) الجمل للمفيد: ٣٢٧ ٣٢٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٤: ٧.

٥٣٦

جبلة بالزبير حتّى بايع، فكان الزبير يقول جاءني لص من لصوص عبد القيس و اللجّ على عنقي و إنّما قال سيف الوضاع: إنّ بيعة طلحة كانت بإجبار الأشتر، ففي رواية اخرى له: فبعث البصريون إلى الزبير بصريا و كان رسولهم حكيم بن جبلة العبدي في نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف، و إلى طلحة كوفيا الأشتر في نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف و في رواية اخرى له:

(ذهب الأشتر فجاء بطلحة يتلّه تلا عنيفا) و بالجملة حيث إنّ سيفا الوضّاع ادّعى افتراء أن الكوفيين لم يريدوا غير بيعة الزبير، و البصريين غير بيعة طلحة و لم يحصل مرادهم، بل مراد المصريين الذين أرادوا بيعة عليّعليه‌السلام اضطر إلى ان يجعل مكره الزبير بصريّا حكيما و مكره طلحة كوفيّا الأشتر.

و أما الزبيريون فقالوا بعدم بيعة الزبير أصلا و أنّه أراد قتلهعليه‌السلام .

ففي (الطبري): عن الزبير بن بكار، عن عمّه مصعب، عن أبيه عبد اللّه بن مصعب، عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة مولى الزبير قال: لمّا بايع النّاس عليّاعليه‌السلام جاء إلى الزبير فاستأذن، فأعلمت الزبير فسل السيف و وضعه تحت فراشه ثم قال: إيذن له. فأذنت له فدخل، فسلّم على الزبير و هو واقف بنجوه ثم خرج، فقال الزبير: قم في مقامه هل ترى من السيف شيئا؟ فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال: ذاك أعجل الرجل. فلمّا خرج عليّ سأله النّاس فقال: وجدت أبرّ ابن اخت. فظنّ النّاس خيرا. فقال عليّ: إنّه بايعه( ١) .

و المكابر المعاند لا علاج له، و لو كانعليه‌السلام أكرههما أو لم يبايعه الزبير، كيف يخطب النّاس في مقام بعد مقام بأن بيعتي كانت بإجبار من النّاس لي، أ فلم يكن أحد يقوم و يقول له: أنت أكرهت طلحة و الزبير. و كيف و مخالفوه كانوا مقرّين بذلك، فكتب معاوية إليهعليه‌السلام : إنّ طلحة و الزبير بايعاك و أنا ما

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ٤٣١ ٤٣٢، سنة ٣٥.

٥٣٧

بايعتك. و كتب سعد إلى معاوية: و لو كان طلحة و الزبير لزما بيعتهما لكان خيرا لهما، إلى غير ذلك ممّا لو أردنا استقصاءه لطال، و غاية ما يمكن الزبيريون أن يدّعوه للزبير كما في العنوان، و ادّعاه أولا ابنه أنّه بايع بيده فقط، و جوابه ما قالهعليه‌السلام هو و ابنه. فلو كان مثله مسموعا لزم إمكان نقض جميع العقود و العهود.

٥ - الحكمة (٢٠٢) وَ قَالَ ع وَ قَدْ قَالَ لَهُ؟ طَلْحَةُ؟ وَ؟ اَلزُّبَيْرُ؟ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنَّا شُرَكَاؤُكَ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ لاَ وَ لَكِنَّكُمَا شَرِيكَانِ فِي اَلْقُوَّةِ وَ اَلاِسْتِعَانَةِ وَ عَوْنَانِ عَلَى اَلْعَجْرِ وَ اَلْأَوَدِ أقول: هذا مربوط بما مرّ في أوّل هذا الفصل من كلامهعليه‌السلام في وصف بيعته، و الأصل فيه كما عرفت ما كتبه للناس لمّا سألوه عن الثلاثة، و فيه برواية (رسائل الكليني): فبايعتكم على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و دعوت النّاس إلى بيعتي فمن بايعني طائعا قبلت منه، و من أبى تركته، فكان أوّل من بايعني طلحة و الزبير فقالا: نبايعك على أنّا شركاؤك في الأمر، فقلت:

لا و لكنّكما شركائي و عوناي في العجز، فبايعاني على هذا الأمر، و لو أبيا لم اكرههما كما لم اكره غيرهما. و كان طلحة يرجو اليمن و الزبير العراق، فلمّا علما أنّي غير مولّيهما استأذناني للعمرة يريدان الغدرة.

و في (خلفاء ابن قتيبة) في عنوان (اختلاف طلحة و الزبير على عليّ كرم اللّه وجهه): ذكروا ان الزبير و طلحة أتيا عليّا بعد فراغ البيعة فقالا له: هل تدري على ما بايعناك؟ قال: نعم على السمع و الطاعة و على ما بايعتم عليه أبا بكر و عمر و عثمان، فقالا: لا و لكنّا بايعناك على أنّا شريكاك في الأمر. قال

٥٣٨

عليّعليه‌السلام : لا و لكنّكما شريكان في القوّة و الاستقامة و العون على العجز و الأود، و كان الزبير لا يشكّ في ولاية العراق و طلحة في اليمن، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاعليه‌السلام غير موليهما شيئا أظهرا الشكاة، فتكلّم الزبير في ملأ من قريش فقال: هذا جزاؤنا من عليّ قمنا له في أمر عثمان حتّى أثبتنا عليه الذنب و سببنا له القتل، و هو جالس في بيته و كفي الأمر، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا و قال: ما اللوم إلاّ لنا، كنّا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا و بايعناه، فأعطيناه ما في أيدينا و منعنا ما في يده، فأصبحنا أخطأنا ما رجونا( ١) .

و في (نقض الاسكافي لعثمانية الجاحظ) روى: أنّ طلحة و الزبير قالا لهعليه‌السلام وقت البيعة: نبايعك على أنّا شركاءك في هذا الأمر. فقال لهما: لا و لكنّكما شريكاي في الفي‏ء، لا أستاثر عليكما و لا على عبد حبشي مجدع بدرهم فما دون، لا أنا و لا ولداي هذان، فإن أبيتم إلاّ لفظ الشركة فأنتم عونان لي عند العجز و الفاقة، لا عند القوّة و الاستقامة.

قال الاسكافي: فاشترطا ما لا يجوز في عقد الإمامة، و شرطعليه‌السلام لهما ما يجب في الدين و الشريعة.

و قد روى أيضا: أنّ الزبير قال في ملأ من قريش: هذا جزاؤنا من عليّ، قمنا له في أمر عثمان حتّى أثبتنا عليه الذنب و سببنا له القتل، و هو جالس في بيته و كفي الأمر، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا. و قال طلحة: كنّا ثلاثة من أهل الشورى، كرهه أحدنا و بايعناه، فأعطيناه ما في أيدينا، و منعنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، و لا نرجو غدا ما أخطأنا اليوم( ٢) .

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ٥١.

(٢) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١١: ١٦.

٥٣٩

و في (تاريخ اليعقوبي): أتى عليّاعليه‌السلام طلحة و الزبير فقالا له: قد نالتنا جفوة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأشركنا في أمرك، فقال: أنتما شريكاي في القوّة و الاستقامة و عوناي على العجز و الأود( ١) .

قولهعليه‌السلام «لا»، أي: لم تكن بيعتكما إياي على كونكما شريكي في أمر الخلافة.

«و لكنّكما شريكان في القوّة و الاستعانة» هكذا في جميع النسخ( ٢) ، و (الاستعانة) تصحيف من المصنّف، و الصواب: (و الاستقامة)، كما عرفته من نقل (خلفاء ابن قتيبة) و (نقض الاسكافي) و (تاريخ اليعقوبي)( ٣ ) ، و لأنّ في مقابله (الأود) و مقابل (الاود) الاستقامة لا (الاستعانة) فإنّه مقابل (الاستغناء).

و قال ابن أبي الحديد: الاستعانة هنا الفوز و الظفر، كانوا يقولون للقامر يفوز قدحه (قد جرى ابناعيان) و هما خطان يخطان في الأرض يزجر بهما الطير، و استعان الإنسان إذا قال وقت الظفر و الغلبة هذه الكلمة( ٤) .

قلت: ما قاله غلط في غلط، فانه استند إلى قول (الصحاح): (ابناعيان خطان يخطان في الأرض يزجر بهما الطير، و إذا علم ان القامر يفوز قدحه قيل جرى ابناعيان)( ٥) .

فالاستعانة لو فرض وجوده في كلامه، هل هي إلاّ بمعنى الاستعانة في قوله تعالى:... و إياك نستعين( ٦ ) ، لا بمعنى مصطلح عند القامرين في

____________________

(١) تاريخ اليعقوبيّ ٢: ١٧٩ ١٨٠.

(٢) نهج البلاغة ٣: ١٩٨، شرح ابن ميثم ٥: ٣٤٦، شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٢٢.

(٣) مضت آنفا مداركه.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ٢٢.

(٥) الصحاح ٦: ٢١٧٢، مادة: (عين).

(٦) الفاتحة: ٥.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607